1

معنى مكر الله وحلمه

لماذا يحارَب أولياء الله؟

6
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/03


التوضيح

ما هو أخطر الذنوب عند الله؟ وكيف يكون مكر الله بالعبد الذي يبرّر أفعاله ويرفض الحقّ؟ وما هو مقام أولياء الله كالسيّد الحداد في مواجهة المعارضين؟ يتناول آية الله السيد محمد حسين الحسيني الطهراني هذه المحاور، شارحًا فقرات من دعاء أبي حمزة الثمالي في هذا المجلس.

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • معنى مكر الله وحلمه 

  • لماذا يحارَب أولياء الله؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة الأولى

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ 

  • الرَّجِيمِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيْمِ 

  • وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أَبِي القَاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • صلّى الله عليه وآله وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ 

  • وَاللَّعْنَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

  •  

  •  

  • «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي» 

  • الحمد لله الذي هو حليم وصبور عليّ إلى درجة كأنّني لم أرتكب ذنبًا ولم تصدر منّي معصية.

  • هذه هي الفقرة الأخيرة من الفقرات التي يحمد فيها الإمام السجّاد عليه السلام الله في دعاء أبي حمزة. فلو نظرنا من بداية دعاء أبي حمزة، لرأينا أنّ الإمام يعرض حاجته ويبيّن مكانته وكيفيّة حال العباد وعلاقتهم بربّهم. يبدأ الدعاء بهذه العبارة: «إِلَهِي لَا تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ». وقد ذكرنا في المجالس السابقة معنى التأديب بالعقوبة والفرق بين التأديب بالأسماء الجلاليّة والجماليّة. «وَلَا تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ»؛ إلهي لا تجعلني أقع في فخك وحيلتك!». وحول هذه العبارة أيضًا، ذكرنا أنّ المقصود بالمكر في آية ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾۱ هو أنّ مكر الله أسمى، وأنّنا كلّما أردنا أن نخدع الله ونحتال عليه، أو بعبارة أخرى أن نلتفّ عليه، فإنّ الله يضحك منا! 

  • وفي هذا المجلس، سنتحدّث حول هذا الموضوع:

  • يقول الإمام عليه السلام: «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي!». الله حليم وصبور، ولا يقول شيئًا، ويمنحنا الفرصة باستمرار لنفعل ما نشاء. والمثير للاهتمام هنا هو أننا قد نفعل الذنب ونقول برجولة: «يا إلهي، نحن مذنبون ونرغب في ارتكاب الذنب!». فهذا هو نهج الرجولة. فمثلًا، يذنب أحدهم ويقول: «يا إلهي، إنّني أشرب الخمر وأعلم أنّها حرام، ولكن ماذا أفعل، إنّني أشربها والأمر ليس بيدي!». في ذلك الزمان الذي قدم فيه السيّد الحداد رحمه الله إلى إيران، كان يقضي أيامه عادة في منزل المرحوم العلامة في شارع أحمديّة بطهران. وكان الرفقاء حاضرين من شيراز وأصفهان وهمدان وقم وغيرها. وكان الفصل صيفًا، والأيّام طويلة، وفي كلّ ليلة كنا نذهب إلى منزل أحد الأصدقاء والرفقاء، وخلاصة القول كانت موائدنا عامرة. وفي إحدى الليالي، كنا في منزل أحد أقارب والدتي في شارع نارمك، واستمرّت الجلسة حتى حوالي الساعة الثانية عشرة ليلًا. عندما خرجنا من المنزل، جاء المضيف ليُخرج سيارته من الموقف ليقلّ السيّد الحداد رحمه الله والمرحوم العلامة وأنا إلى المنزل. وفجأة رأينا رجلًا مخمورًا قادمًا من الطرف الآخر من شارع نارمك ـ الذي كان ترابيًا في ذلك الوقت ولم يكن قد تم تعبيده بعد ـ وكان من الواضح أنّه في حالة من النشوة، وكان يقرأ لنفسه أشعارًا لباباطاهر. فنظر إلى السيّد الحداد رحمه الله وقال بتلك الحالة من السكر: «جعلني الله فداك، روحي فداك، كم أنا أحبّك، لا يوجد أحد مثلك، تذكّرنا أيضًا، في أمان الله!». وبينما كان يذهب، كان يصرخ ويكرّر هذه الكلمات. فهذا النوع من الناس يذنبون، وفي حالهم ذاك يقولون أيضًا: يا إلهي نحن نذنب. هذا وجه من وجوه القضيّة.

    1. سورة آل عمران (٣) الآية ٥٤.

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

3
  • قبح تبرير الذنب عند الله تعالى

  • والوجه الآخر للقضيّة هو أننا نخدع الله ونلتفّ عليه! لا قدّر الله ذلك اليوم الذي يُبتلى فيه الإنسان بهذه المصيبة، فيذنب ثمّ يشرع في تبرير ذنبه، لأنّ هذا الأمر يمسّ غيرة الله! فإذا أذنبنا، فلنقل بصراحة إنّنا نذنب ونعترف بذلك؛ فنحن عباد وضعفاء، فماذا عسانا أن نفعل؟! كان أحد الرفقاء ـ حفظه الله ـ يروي: كان المرحوم العلامة يقول لنا أمورًا وكنا لا نصغي، فكان يصدر منّا خطأ عن غير قصد! وفي أحد الأيام كنّا جالسين، فنادانا ووبّخنا بشدّة وقال: «ألم أقل لكم ألاّ تفعلوا هذا الأمر؟! فلماذا تفعلونه؟!» فالتفتُّ إلى المرحوم العلامة، وفي تلك الحالة من الغضب التي كان عليها، قلت: «يا سيّدي، ماذا نفعل؟ نحن ضعفاء ونذنب!» فتحوّل فجأة من تلك الحالة من الغضب والتوبيخ إلى الضحك، وتغيّر الوضع، ومضى الأمر! إذا اعترفنا بأنّنا ضعفاء، فإنّهم يتجاوزون عن الأمر بسرعة ولا يحاسبون كثيرًا.

  • ولكننا نقول: لا، بل فعلنا فعلًا حسنًا جدًا! من قال إنّ فعلنا خطأ؟! فعلنا الصواب، ولا يمكن أن يُفعل أفضل من هذا! ومن يتكلّم فليأتِ حتّى نلقنّه درسًا! يقول الله: أتريد أن تمكر وتلتفّ علينا؟! أنت لا تعلم، فكلّما التففت عليّ، فأنت في الواقع تلتفّ حول نفسك، وكلّ خطوة تخطوها وكلّ حركة تقوم بها، تبتعد عن ذاتك! منذ الثانية واللحظة الأولى التي يبدأ فيها فكرك بالنسج والتبرير، فإنّه يلفّ خيوط وشباك العنكبوت حول نفسه باستمرار، وبالطبع يتخيّل أنّه يلفها حول الله! يا عزيزي، الله ليس عنكبوتًا لتنسج حوله خيوطك، بل أنت العنكبوت! لأنّ قبول الحقّ صعب عليك ولا تريد أن تصل إليه وتقبله، فإنّك تريد أن تبرّر للّه وتقول إنّ الأمر ليس هكذا، وليس بتلك الصورة، بل هو بتلك الكيفيّة! بدلًا من أن تتكبّد كلّ هذه المشقة وتضغط على نفسك بضغوط هائلة، اقبل الحق!

  • توصية الأعاظم بوضع النفس على طريق قبول الحق

  • لا ينبغي للإنسان أن يعرّض سبيكة لضغط يفوق قدرتها على التحمل. فعندما يريدون اختبار بعض الأجهزة والمحرّكات والآلات، يضعونها تحت الضغط ليروا ما إذا كان فيها ثقب أو شق، وما إذا كان في موضع اتصالها ولحامها خلل. يزيدون الضغط باستمرار، ولكن ليس إلى الحد الذي تنفجر فيه، بل إلى حدّ يمكّنها من التكيف مع الوضع الخارجي. ونحن أيضًا نضغط على أنفسنا كثيرًا، ونبرّر باستمرار، ونجلس من الليل إلى الصباح نفكّر لنجد مخرجًا! يا عزيزي، لماذا تؤذي نفسك هكذا؟! لماذا تعذّب نفسك كلّ هذا العذاب؟! تعال وقل بكلمة واحدة: هذه هي القضيّة وهذا هو الحقّ، واسترح!

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

4
  • في بعض الحالات التي يتوقف فيها الإنسان عند قضية ما وتوقعه مسألة في مشقّة، مع أنّه يعلم أن هذا هو الأصلح ولديه علم بصلاح الأمر ورجحانه ولكن النفس لا تستطيع أن تقبل، كان الأعاظم يقترحون أن يلقي بنفسه في تلك القضية دفعة واحدة ويقع في تلك المسألة فجأة. فعلى سبيل المثال، للناس مراتب مختلفة في الإنفاق والإيثار. فنفوس بعض الناس تتجاوز عن أمر ما بسهولة، والبعض الآخر لا يتجاوز بسهولة. يريد أن ينفق ويعطي فقيرًا مالًا، ويعلم أنه فقير ولا شكّ في فقره، ولكنه يقول: «هل أعطيه خمسين تومانًا؟! هل أعطيه عشرين تومانًا؟! هل هو حقًّا بحاجة أم لا؟! في النهاية، أنا أيضًا بحاجة!». ومن جهة أخرى، تقول النفس اللوامة: «هذا الرجل فقير وهو الآن بحاجة ويجب عليك مساعدته!». ثم يقول: «إذا ساعدته الآن، فمن يضمن لي أن يعوّض هذا المبلغ لاحقًا؟! ومن يضمن لي أن أتمكّن لاحقًا من شراء ذلك الصحن أو تلك الآنية للمنزل؟!». وهكذا يبقى في تردّد مستمر. يقول الأعاظم: «إذا تردّد مثلًا بين مائة تومان ومائتي تومان، فليقفز قفزة وليعطِ ورقة من فئة الخمسمائة تومان!». هذا الفعل يغسل كلّ العقبات ويزيلها. في الواقع، يضع الإنسان نفسه فجأة في قضية لا تستطيع النفس معها أن تنطق بكلمة أو تتفوّه بحرف! يقول لنفسه: «أكنتِ تتشاجرين على مائة تومان وخمسين تومانًا؟ لقد أعطيت الفقير أربعمائة تومان إضافية، هنيئًا لكِ! وفي المرة القادمة لا تقولي ليس لدينا صحون وأواني، أو أنّ الستارة أصبحت قديمة، ونريد أن نذهب لشراء ستارة كذا!». يسمون هذا الطريق بالطريق المختصر. الطريق المختصر يعني بدلًا من أن يأتي الإنسان ويعوّد النفس تدريجيًا ويبدأ من القليل إلى الكثير حتى تسهل عليه المراتب الصعبة شيئًا فشيئًا ويصبح العمل الشاق عليه هينًا شيئًا فشيئًا، فإنه يخطو خطوة واحدة يقطع بها الطريق دفعة واحدة ويرتقي. لماذا يجب على الإنسان أن يبرّر باستمرار ويقلّب الموضوع رأسًا على عقب؟! الحقّ حقّ ولا يحتاج إلى تبرير!

  • ضرورة الصراحة في بيان الحق

  • في السفر الذي تشرفنا فيه قبل يومين بزيارة عتبة عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، وفّقنا الله للقاء بعض الأقارب. وهناك دار الحديث عن إقامة الحقّ، وأنّه يجب على الإنسان أن يعمل بالحقّ. وعلى الرغم من أنّ الذين كانوا مخاطبين لي هم أقرب الناس إليّ نسبًا، إلا أنّني قلت بصراحة تامة: «لهذه الأسباب أنتم مسؤولون عمّا فُعل!». ثمّ سألت: «هل تقبلون بهذا الأمر؟» قالوا: «لا!» قلت: «إذن اعترفتم. والآن، هل تقبلون بالقضية الفلانية أيضًا؟» قالوا: «لا، لا نقبل!». فقلت: «إذن كيف تؤيّدون وأنتم لا تقبلون بهاتين القضيّتين؟!» قالوا: «لا نريد أن يقع خلاف!». قلت: «ما معنى لا نريد أن يقع خلاف؟!». حتّى حافظ الشيرازي قد أدرك هذا! وطبعًا حافظ موجود في إيران ولا يبعد عنّا أكثر من بضعة فراسخ، بل حتّى في الطرف الآخر من العالم أدركوا! أقول هذا بجديّة، حتّى في الطرف الآخر من العالم في البلدان الأوروبيّة والأمريكيّة أدركوا حقائق القضايا! ثمّ قال أحدهم: «نحن نراعي مراتب الرحم». يا عزيزي، أمير المؤمنين عليه السلام وضع الحديد المحمّى على يد أخيه عقيل! في يوم القيامة في موقف الميزان، سيسألونك عن الحقّ والتقوى؛ وليس عما جرى لأخيك وأختك وأبيك وخالك وعمّتك وعمّك وماذا فعلت لهم! لا شأن لهم بهم! أنت في يوم القيامة يجب أن تجيب عن الحقّ، هل رأيت الحق فسكتّ وأيدت، أم أنّك اتخذت الموقف المناسب تجاه الحق وبيّنت المسألة بصراحة تامة؟! ما شأننا بالآخرين! إذا تركنا الحق من أجل القرابة، فسيأتي يوم يتركنا فيه هذا القريب نفسه! وحينها سنكون أمام خسارتين: الخسارة الأولى أننا فقدنا القريب؛ والخسارة الثانية أننا دسنا على الحق! المسألة هي: ماذا نفعل بهذه الثانية؟! يا عزيزي، لا يمكننا أن نخدع أنفسنا، ولا يمكننا أن نخدع الله أيضًا. إذا أردنا أن نخدع الله، فالله يعلم ولكنه لا يقول شيئًا!

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

5
  • تطبيق معنى الحلم والمكر الإلهيّ في قضايا وقعت للمحاضر

  • هذه الفقرة الشريفة من دعاء الإمام السجاد عليه السلام تقول: «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي»؛ «الحمد لله الذي هو صبور وحليم تجاه ما أفعل». إن شاء الله في المجلس القادم سنوضّح الفرق بين الغفران والحلم، والغافر والحليم؛ ما هو الفرق بين الغافر والحليم، وأين يكون الله غافرًا وأين يكون حليمًا. الله لا يقول شيئًا. يقول: «تعال والتفّ علينا، وبرّر، وأوّل؛ ولكن على أي حال، سيأتي يوم يقع فيه الأمر على رأسك أنت أيضًا!». في مشهد، وقعت قضية مثيرة للاهتمام أحدثت ضجّة كبيرة. من تلك القضايا التي لدى البعض حساسيّة كبيرة تجاهها. لن أذكر تفاصيلها الآن. عندما سمعتها، أخذتني نوبة من الضحك وقلت: «لم يحدث شيء، بل هو تأسٍّ بالمولى!» ماذا حدث؟! كانوا يقولون لست سنوات: «لا بأس، لا مشكلة، وهل هو خلاف الشرع؟! لا وجود لهذه الأقاويل أصلًا، وهي باطلة والآخرون أشاعوها!». وماذا الآن؟! لم يحدث شيء! حسنًا، من الآن فصاعدًا انظروا إلى الوجه الآخر للأمر، ما المشكلة في ذلك؟! ذلك الذي يذهب ويرى ويؤيد، الآن وقد حلّ الأمر به، يجب أن يثبت! لماذا يجزع ويفزع؟! لماذا يصرخ ويصيح؟! لماذا يتشبث بأذيالنا؟! يا عباد الله، عندما كنت أقول لا تدعوا هذا الأمر يحدث، كنت أفكر بكم أنتم الذين كنتم تظهرون لنا المحبة، وكنت أريد ألا تصلوا إلى هذا اليوم؛ وإلا، فماذا كان سيعود علينا من هذه المسألة! حسنًا، تعالوا الآن واثبتوا أمام هذه الأمور!

  • هذا الفعل هو الخداع نفسه، والله يصبر كثيرًا! حتى الآن كنتم تبرّرون وتقولون لا بأس! حسنًا، فنحن أيضًا لا نقول إنّ فيه بأسًا؛ فإن لم يكن في هذه الأمور بأس، فهذا حكم للجميع؛ لا أنّه لا بأس بها لفئة وطائفة معيّنة وتكون حلالًا لهم، ولكنّها حرام علينا! لا، بل هي حلال لنا أيضًا؛ لأنّ أحدًا لم يحرمها علينا! في ذلك الوقت الذي قلنا فيه إنّ المسألة كذا وكذا، كنتم تقولون: «لا يا عزيزي، إنّهم يكذبون ويفترون!». هذا هو معنى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾۱.

    1. سورة آل عمران (٣) الآية ٥٤.

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

6
  • لماذا يخدع الإنسان نفسه؟

  • كم هو جيّد أن يختبر الإنسان نفسه كلّ يوم ويرى هل هو صادق أم لا! كم هو جيّد ألا يدع الإنسان سنة أو سنتين تمرّ ثمّ يختبر نفسه، لأنّه في هذه الحالة قد يكون الأوان قد فات قليلًا وتكون النفس قد أغلقت، وحينها سيواجه مشكلة في الاختبار نفسه؛ لأنّ هذه النفس نفسها تخدعه حتّى في عملية الاختبار! عندما يريد الإنسان أن يحاسبها ويضعها في ميزان الأعمال والمحاسبة، تتدخّل هناك أيضًا، وبتقديم القرائن والشواهد لا تسمح بأن تتمّ المحاسبة بشكل صحيح. تقول: «لا، الحق معك وهم يقولون باطلًا!». ولكن إذا اختبر الإنسان النفس كل يوم، فإن هذه النفس ستسير على وتيرة صحيحة بحسب طاعتها وقدرتها واستطاعتها وبقدر وسعها.

  • لكنّنا نجلس ونخدع أنفسنا. عندما نقول له: الأمر كذا، يقول: «لا يا سيّدي، هذه أقاويل مختلقة! فما هذه الأقاويل؟!» وعندما تثبت المسألة، يقول: «وما المشكلة؟! هل خالفوا الشرع؟!». بل وسمعنا أنّ البعض يقول: «كل ما فعله هنيئًا له!» حسنًا، ليس لدينا ما نقوله. ولكن يا عزيزي، الحديث هو أنك عندما تفعل هذا، فاحسب حسابًا لنفسك أيضًا، فإذا ابتليت بهذه المسألة يومًا ما، فلا تتشبّث بأذيال هذا وذاك! هذا الفعل هو خداع للّه. يخدع باستمرار حتّى تستحكم القضيّة، وفجأة تصيبه إبرة أو سيخ، هناك يقول: «عجبًا، هذا لا يجوز وهذا باطل!». ماذا حدث؟! حتّى الآن لم تكن هناك مشكلة! هذا هو ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. الله يمهل دائمًا؛ ولكن أيّها المسكين، الله بهذا الإمهال يجعلك في غفلة! لو كنت تتألّم، لكان ذلك بداية فلاحك وخلاصك ونجاتك؛ لأنّ الإنسان لا يعيش مع الألم!

  • تشبيه الأمراض النفسيّة بألم الأسنان

  • يقولون: أيّ عضو من أعضاء الجسد يصيبه ألم أو مرض، فإنّه يُظهر نفسه فورًا. فعلى سبيل المثال، إذا أصيب الإنسان بألم في اليد أو الروماتيزم أو الصداع، فإنّ المرض يظهر نفسه فورًا، ويتّجه الإنسان إلى الطبيب والعلاج والمداواة، ويخبره الطبيب أنّ هذا الصداع بسبب نزلة برد أو شقيقة أو اضطرابات في الأمعاء أو ارتفاع ضغط الدم أو امتلاء المعدة، لأنّه عندما تكون المعدة ممتلئة فإنّها تضغط على الحجاب الحاجز، والضغط على الحجاب الحاجز يسبّب الصداع.

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

7
  • لكن السنّ ليست كذلك؛ عندما يظهر مرض في السن، فبدلًا من الألم، يزداد التسوّس؛ مثل الإنسان الذي ينسحب عند الهجوم، ولا يبدأ الألم إلا عندما يصل التسوّس إلى العصب ويحتاج إلى علاج العصب. هذه المسألة كذلك تمامًا؛ نحن نخدع الله باستمرار والله يقول: «حسنًا، لا بأس!» نتقدّم خطوة أخرى، فيتراجع الله خطوة؛ بالطبع نحن نقول يتراجع، ولكن في الواقع عندما نهاجمه بالتأويل والتبرير وهو ثابت في مكانه نقول: «لقد تجاوزنا هذه المسألة وانتهت على خير!». كم رأينا من حيل في هذه الفترة! حقًّا عندما كنت أرى ذلك، كنت أضحك لا شعوريًّا وأقول أين هم هؤلاء المساكين؟! كم هم في غفلة؟! يقولون: «لنفعل هذا الأمر لنفوز ونكون في المقدّمة ونتفوّق!» إنّ طريق الله ليس فيه مقدّمة وتفوّق؛ طريق الله هو هذا، اسلك طريقك وامضِ قُدُمًا! يقولون: «لْنلتقِ بالمسؤول الفلانيّ في الدولة ونغتب الآخرين لنتقرّب إليه!». حسنًا، وماذا بعد ذلك؟! فيا عزيزي، بدلاً من هذه الأفعال، تعال واعترف بالحقّ وأرح نفسك! لماذا تذهب يمينًا وشمالاً هكذا؟! لماذا تؤذي نفسك كلّ هذا الأذى؟! لماذا لا تريد أن تعترف بالحقّ؟! تعال واعترف بالحقّ واسترح واخرج من التعب والإرهاق! فقولُ «نعم» مرّة واحدة لا يتطلّب كلّ هذا الجهد! إنّه لأمر عجيب حقًّا! ماذا يحدث للإنسان حتّى يشتري لنفسه كلّ هذه المتاعب، ولكنّه لا يقوم بعمل سهل ويريح نفسه؟! في هذه المسائل توجد حالات كثيرة يمكن لكلّ إنسان أن يختبر نفسه وفقًا لوضعه ويريحها.

  • قصّة المعارضين للسيّد الحدّاد وسبب معارضتهم

  • كان السيّد الحداد رحمه الله جالسًا في مكانه ولم يكن له شأن بأحد! الذين كانوا يعارضونه كانوا يرون الحقّ، ولكنّهم كانوا يقولون: «يجب ألا ندع الناس ينجذبون إليه!». أتذكّر ذلك الزمان حين كانوا يعقدون الجلسات ويجمعون الناس ويبدأون في توجيه التهم. بالطبع ليست مثل التهم التي يوجهونها الآن! جزاهم الله خيرًا! الآن حقًّا قد بيّضوا وجه كلّ من سبقهم! كانوا يغتابون السيّد الحداد رحمه الله ويقولون: إنه ذهب إلى قبر الشيخ عبد القادر في بغداد! ليس لديه مجالس للولاية وليس من أهل الولاء! لا تُقرأ زيارة عاشوراء في مجالسه! أنا شخصيًّا كنت في منزل السيّد الحداد رحمه الله يومي تاسوعاء وعاشوراء وكانوا يقرؤون زيارة عاشوراء. وكان المرحوم العلامة يقول: يقولون إنّ السيّد الحداد رحمه الله ليس من أهل الولاء! أصلاً كان ذكره عند النهوض «يا صاحب الزمان»! كانوا يعقدون المجالس في همدان وأصفهان وطهران وقم ويقولون للناس: فلان ذهب مع السيّد محمد حسين إلى مسجد القائم ويصلّي خلفه. فعندما تصلّون خلفه، فاعلموا أنّه متّصل بالسيّد الحداد رحمه الله! هؤلاء ليسوا من أهل الولاء! ليسوا من أهل مجالس العزاء! هؤلاء خطرون! فكان ذلك الرجل المسكين يصاب بالشكّ والشبهة شيئًا فشيئًا ولا يعود يأتي إلى المسجد. كنّا نرى أنّ بعض الذين كانوا يأتون إلى المسجد يتركونه فجأة!

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

8
  • رجلان، أحدهما توفّي والآخر لا يزال في طهران، حقًّا خطوا خطوات جادّة في سدّ الطريق الإلهيّ! جزاهم الله عوض ذلك إن شاء الله! سمعت بنفسي المرحوم العلامة يقول: «أنا بيدي سألقي هذا الرجل في نار جهنّم يوم القيامة!». هذه عبارته حرفيًّا لا أغيّر فيها ولا أبدل وأراعي الأمانة. كان هذا الرجل سيّدًا، ويبدو أنّ الأجواء حوله الآن حامية جدًا، والمدافئ ذات الألوان الزاهية والغازية والحطبية تدفّئه من كلّ جانب! ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾۱. هذا الرجل كافر! أيّها الجاهل، أترى الحق وتكفر به؟! لماذا ولأيّ غرض تعقد الجلسات؟! أيّها المسكين لقد ابيضّت لحيتك! فكم يومًا ستحيا بعد؟! ماذا تكسب من ابتعاد هؤلاء الناس عن جوار السيّد الحداد رحمه الله؟! كلّ ما تكسبه من هناك سأعطيك إيّاه. هل كان السيّد الحداد رحمه الله، والعياذ بالله، يروّج لشرب الخمر والقمار والمعاصي؟! ماذا كان يفعل؟! كان يقول: «تعالوا إلى الله وانظروا آثاره أيضًا!» لم يقل تعالوا وسترون لاحقًا أو في العالم الآخر، بل انظروا آثاره الآن حيًّا وحاضرًا. والآن اجلس واقرأ المراثي بأنّ يزيد قتل الإمام الحسين عليه السلام! أنت نفسك يزيد! فلمن تقرأ المراثي؟! هل تلطم على رأسك لأنّ الشمر أقدم على قطع رأس الإمام الحسين عليه السلام؟! فأنت الآن تقطع رأس الإمام الحسين عليه السلام كلّ يوم! فالإمام الحسين عليه السلام يعني الولاية والهداية! وأنت إذا سددت طريق الهداية والإرشاد أمام إنسان ما، فقد قتلت سيّد الشهداء!

  • دحض تهمة التصوّف الموجهة للعلامة الطهراني وابنه

  • الدليل والأمر واضح، لم يهرب أحد، تعالوا وتحدّثوا! كيف تسكتون جميعًا عندما يدخل السيّد محمّد حسين المجلس؟! حسنًا، تحدّثوا وهو موجود. وعندما يخرج السيّد محمّد حسين، تقولون إنّه درويش وقد اتّبع السيّد الحداد رحمه الله وفقَد دينه؟! كانوا يقولون إنّ السيّد محمّد حسين المسكين قد ابتلي هو الآخر! كانوا يظنّون أنّه طفل في الخامسة من عمره! اليوم كان أحدهم يتحدّث معي، فقلت له: «يا فلان، هل تظنّ أنّك تتحدّث مع طفل في الخامسة من عمره؟! فما هذا الأسلوب في الحديث؟! كم عمرك؟! هذه الكلمات التي تقولها هي لأطفال في السادسة أو السابعة من العمر!». هذه الأمور التي أذكرها لكم هي نفسها التي تعلّمتها من المرحوم العلامة. الذين كانوا يقولون هذه الأقاويل كانوا مختلفين، ولا يُتصوّر أنّهم كانوا من عامّة الناس، فبعضهم كان يشفي المرضى!

    1. سورة البقرة (٢) الآية ٢٤.

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

9
  • قبل عدّة سنوات، كنّا في مجلس عائلي، وكان في ذلك المجلس رجل ينصحنا أمام أقاربنا وأهلنا ونحن لا نقول شيئًا. ونصح مرّة أخرى ولم نقل شيئًا. فقد قلت: حسنًا، دعهم يقولون، نحن نستمع إلى النصيحة. إلى أن وصل الأمر إلى حدّ رأيت أنّه لم يعد من الممكن معه السكوت. فلكلّ شيء حدّ! قال ذلك المسكين: «إنّ امرأة رأت منامًا وبواسطته اختارت الجنة، فتعال أنت واختر الجنّة أيضًا!». في البداية لم أقل شيئًا وابتسمت. ثمّ قيلت لي كلمة هناك. فقلت: الآن وقد أصبح الأمر هكذا، فدعوني أنا أيضًا أتكلم! هناك قلت: «لو كان من المقرّر لي، وأنا في الثانية والأربعين من عمري، أن أبيع خمسة وعشرين عامًا من دراسة ومباحثة الفلسفة والعرفان والفقه والحديث، وأربعين عامًا من الخبرة في صحبة والدي، مقابل حلم عجوز، فمن الأفضل أن أحلق هذه اللحية وأضع مكانها مساحيق التجميل!». انتهت المسألة. فهل أغيّر مسار حياتي بعد اثنين وأربعين عامًا، لمنام فلانة؟! عجيب، يقولون: فلان رأى في المنام أنّه من أهل الجنّة، فتعال أنت وكن من أهل الجنّة! حسنًا، إن كان الأمر بالرؤى والمنامنا، فتعال حتى أروي لك أنا أيضًا منامًا بأنّني أصبحت من أهل الجنّة، وحينها تعال أنت معي وكن من أهل الجنّة!

  • هذا معنى ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾۱. البيت الذي جداره من شباك العنكبوت هو بيت واهٍ؛ هذا البيت يزول ويتلاشى بنفخة ريح. أنتم الذين تعقدون هذه المجالس بهذه المتاعب ثمّ تمدون السفرة وتقدّمون الأرز والمرق، ماذا تكسبون؟! كنت في مجرى الأحداث وأسمعهم يقولون: الليلة الحمد لله كانت جيّدة جدًّا، وقيلت أمور منوِّرة وموضِّحة، وتمكنّا من إنقاذ شخص أو شخصين من الضلالة وتخليصهم من فخ السيّد الحداد رحمه الله والسيّد محمّد حسين! ذلك الأرزّ على سفرتكم يلعنكم ويدعو عليكم! كانوا يقولون: بعد ليلتين لنذهب إلى منزل الحاج فلان ونأكل الأرزّ والمرق واللبن والزبادي والحلوى! وإلى أين نذهب في الليالي الثلاث التالية؟ ليلة الأربعاء إلى منزل السيّد فلان وليلة الجمعة إلى منزل السيّد فلان! أعلم أنّهم كانوا يعقدون جلسات أيّام الأربعاء والجمع وليالي السبت. كانوا يقولون: «لنجلس كلّ ليلة في مكان ونتحدّث ضدّ السيّد الحداد ونخلي ما حوله». أيّها المسكين البائس، هو يرجو من الله أن يخلو ما حوله! ألم يقل هو نفسه:

    1. سورة العنكبوت (٢٩) الآية ٤۱.

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

10
  • آن که در خانه‌اش صنم دارد***گر نیاید برون چه غم دارد؟! 
  • يقول: 

  • من كان يملك في بيته صنمًا *** فأيّ حزن يساوره إن لم يخرج؟!

  • لقد رأيت السيّد الحداد وأنا على علم بأوضاعه وأحواله؛ فهو أصلاً لم يكن يريد أن يتحدّث مع أحد! كان العلماء يأتون إليه من النجف، وكان يبقى مطرقًا رأسه حتّى النهاية لكي لا يتكلّم أصلًا. وهم أيضًا عندما كانوا يرون أنّهم أتوا إلى هنا وهو لا يتكلّم، كانوا يطرحون موضوعًا، وبالطبع لم يكونوا يدركون أنّهم لو بقوا صامتين هذه الساعة ثمّ غادروا، لاستفادوا أكثر. كانوا يتخيّلون أنّ عليهم أن يتكلّموا حتمًا ليستفيدوا! لذا كانوا يقولون لنقل شيئًا لنستفيد منه! فكان السيّد الحداد رحمه الله يرفع رأسه ويجيب. أيّها المسكين، هل هو متعطّش لمجيء أحد إليه؟!

  • مقام عزة ومناعة السيد الحداد وزهده في الناس

  • لقد كان السيّد الحداد في أفق قال فيه للسيّد عبد الكريم الكشميري، الذي كان من تلاميذ المرحوم القاضي ومن الأعاظم ورجلًا عابدًا وزاهدًا وسالكًا ونبيلًا وكريمًا جدًّا، قال له: «أقلل من زيارتك لمنزلي!». وحينها أنتم تريدون أن تبعدوا الناس عن هذا الرجل؟! حسنًا، أبعدوهم! بل هو نفسه سيرسلهم إليكم؛ لكنّه لن يقوم هو نفسه بإبعادهم! انظروا هنا كم هو قويّ وشديد مقام العزّة والمناعة والرفعة، فعندما يقول ذلك الرجل للسيّد الحدّاد رحمه الله: إن السيد محمد حسين رفيق للحاج هادي الأبهري ونخشى أن يتزعزع السيّد محمد حسين بسبب هذه الرفقة! قال السيد الحداد رحمه الله: «السيد محمد حسين جبل، فهل تستطيع الريح أن تزعزعه؟! ثمّ لو ذهب، فليذهب، إنّ معنا الله!».

  • وليّ الله عزيز مثل الله. الذي وصل إلى التوحيد الذاتي، تجلّت فيه تلك العزّة وأصبح مظهرًا لعزّة الله. ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾۱؛ العزة والمناعة مختصّة بالله ورسوله والمؤمنين، والبقيّة كلّهم أذلاء، البقيّة كلّهم قشّ وسراب! ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾٢؛ هو سراب، ولكن بقيّة الناس يتخيّلون أنّ هناك ماء، يتخيّلون أنّ هناك عين ماء؛ بينما العين والينبوع في مكان آخر! فإذا أردت أن تجمع الناس من حول وليّ الله، فكأنّك جمعتهم من حول الله! فوليّ الله يضحك ويقول: «تفضّل اذهب، فهذا أفضل، ليخلو ما حولنا أكثر!».

    1. سورة المنافقون (٦٣) الآية ۸.
    2. سورة النور (٢٤) الآية ٣٩.

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

11
  • لقد ذكرت هذه الحادثة التي وردت أيضًا في كتاب "الروح المجرّد" لهذا السبب، لأقول إنّ القرابة محفوظة في مكانها والحقّ محفوظ في مكانه! يجب أن تظهر مسألة القرابة وتكتسب قيمتها وأهميّتها في سياق الحقّ! حقًّا لو فكّرنا في هذه الكلمة من السيّد الحداد رحمه الله حين قال: «حتّى لو ذهب السيّد محمد حسين فلا بأس، إنّ معنا الله»، وطبّقناها في أنفسنا بالقدر الذي نستطيعه ونقدر عليه، لحصلنا على نتيجة جيّدة.

  • خلاصة البحث: تأملات في فقرات الحمد من دعاء أبي حمزة

  • فلنُسْكِن الله وحده فينا؛ الله الذي هو فينا، ولكنّنا أخرجناه وقلنا: «اذهب، لا نريد أن تدخل هذا الحريم!». فلنتصالح مع الله ونقل: «يا إلهي، أنت أقرب إلينا، ونحن نريد أن نقرّب أنفسنا إليك! نحن نعلم أنّه عندما ندخل القبر، لن ينفعنا أحد غيرك! نحن نعلم أنّه في العالم الآخر، لن ينفعنا أحد غيرك!». والله نفسه يقول: ﴿وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾۱. فالله لا يكذب! حتّى لو كذبنا جميعًا، فالله يقول الصدق! الله أرحم من أيّ راحم في هذا الدنيا، ورحمته أعلى. فلنتصالح مع الله ونقل: «يا إلهي، نحن مخلصون لك، وفي طريقك نتصالح مع عبادك، وبملاكك ومعيارك ومناطك نتعامل مع الآخرين!». إذا كان الأمر هكذا، فسيصبح جيّدًا جدًّا وستختلف القضيّة كثيرًا. كانت هذه مقدّمة.

  • يبدأ الإمام السجاد عليه السلام في هذه الفقرات بالحمد واحدًا تلو الآخر ويقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئًا حِينَ يَدْعُونِي»؛ فهذا حمد. ثمّ يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي» ولكن عندما يأتي هو إلينا ويقول: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾٢، فإنّ أيدينا تمسك ولا تدخل جيوبنا لتعطي!

  • وفي فقرات أخرى يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أُنَادِيهِ...»، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا أَدْعُو غَيْرَهُ...»، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا أَرْجُو غَيْرَهُ...»، «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَكَلَنِي إِلَيْهِ...». الإمام عليه السلام هنا يحمد الله مرارًا وتكرارًا، وقد أوضحت معنى الحمد سابقًا. يعني أنّ الإمام يريد أن يقول: «أنا لا أريد أن أحمد بلا سبب، بل هناك شيء في البين يجعلني أحمد! ولأنّ هذا الأمر لا يتمشّى من غير الله، ولأنني مهما فتّشت في هذا العالم لم أجد موجودًا يتعلّق الحمد بوجوده، فبناءً على ذلك، الحمد مختصّ به؛ لأنّه متفرّد بالحمد!».

    1. سورة يوسف (۱٢) الآية ٦٤.
    2. سورة البقرة (٢) الآية ٢٤٥.

معنى مكر الله وحلمه - لماذا يحارَب أولياء الله؟

12
  • وفي فقرة أخرى يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَتَحَبَّبُ إِلَيَّ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِّي»؛ وهذه الفقرة عجيبة جدًّا، وتثقل على الإنسان كثيرًا، فأيّة مكانة يجد الإنسان لنفسه أمام هذه الفقرة! هو «يتحبّب إليّ»؛ يعني أنّ الله دائمًا يظهر لي المودّة والمحبّة ويقول باستمرار: «تعال! حتّى لو كنت قد أذنبت فلا بأس! ممّن تفرّ؟! نحن صديقان! أعلم أنّك عبد مذنب، ولكنّي أقبلك رغم ذلك!». الله يظهر المودّة والمحبّة دائمًا، في حين أنّه «غنيّ عنّي»؛ أي أنّ الله لا يحتاج إلينا!

  • وفي فقرة أخرى يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي حَتَّى كَأَنِّي لَا ذَنْبَ لِي». يعني أنّه يتعامل معي ويواجهني بطريقة وكأنّه لا ذنب لي أصلًا! إن شاء الله سنتحدّث حول هذه الفقرة في المجالس القادمة بما يبدو لنا في حدود وسعنا.

  • نحن أيضًا شغلنا أنفسنا بدعاء الإمام السجاد هذا. حقًّا إنّه لأمر مخجل جدًّا أن يقرأ الإمام السجّاد عليه السلام هذا الدعاء في أسحار شهر رمضان ونحن نريد أن نترجمه! والإمام الآن يضحك منّا ويقول: لا بأس! حسنًا. نحن أبناؤه، ونسبنا يصل إلى الإمام السجاد عليه السلام، وهو أيضًا حليم، وهو مصداق لـ «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْلُمُ عَنِّي»!

  • والآن بما أنّ الحمد مختصّ بالله الذي يعطي رغم أنّني أبخل؛ والحمد مختصّ بالله الذي لم يكلني إلى نفسي؛ والحمد مختصّ بالله الذي «يَتَحَبَّبُ إِلَيَّ»؛ والحمد مختصّ بالله الذي «يَحْلُمُ عَنِّي»؛ يقول الإمام عليه السلام: الآن وقد أصبح الأمر هكذا، «فَرَبِّي أَحْمَدُ شَيْءٍ عِنْدِي!».

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ