المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1423
التاريخ 1423/09/12
التوضيح
ماذا يعني قرب المسافة إلى الله في السلوك العرفانيّ؟ هل تصوّراتنا عن بُعد الإله حقيقيّة أم وهم؟ ولماذا لا يدرك الكثيرون حقيقة الأمر؟ تجيبك هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة وأكثر، مستعرضة بعضًا من دعاء الإمام السجّاد عليه السلام، ومُبيّنةً كيف أنّ الله أقرب إلينا مما نتصوّر، وكيف أنّ حياتنا تسير بتقدير إلهي دقيق، لا يمكن لظاهر الإنسان أن يخدع الله مهما فعل. كما تطرّقت المحاضرة إلى الفرق بين التوكّل على الله والاعتماد على الوسائل الماديّة، كاشفة عن خطورة الاعتماد على غير الله في الشدائد.
هو العليم
العبوديّة الحقيقيّة: "الراحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ"
لماذا تحجبنا أعمالنا عن رؤيّة الله؟
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة السابعة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سره
أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وصلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَ نَبِيِّنَا أَبِيالْقَاسِمِ مُحَمَّدٍ
وآله الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ
واللعنة عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ
«وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ وَ مَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ وَ أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ وَ أَنَّكَ لَا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلَّا أَنْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمَالُ دُونَك»
قرب المسافة إلى الله
يقول الإمام عليه السلام هنا: «من يسافر إليك يا ربّ فسفره قصير، ومسافته ليست بعيدة». من يتحرّك في اتجاهك ويهاجر نحوك ويختار طريقه إليك، فلن يكون دربه طويلاً وطريقه بعيدًا. وأنت لا تُخفي نفسك عن خلقك ولا تحتجب عنهم ، بل الذي يحجبك عن الخلق هو أعمال العباد التي يقومون بها، والتي تسبّب لهم اختفاءك عن أنظارهم.
إذا دقّقنا قليلاً في هذه العبارة، نرى أنّ هناك ارتباطًا وثيقًا بين هاتين الفقرتين؛ المسافر إليك قريب المسافة، [والحجب عن الخلق].
لا شك في أنّ المسافات متعدّدة، من هنا إلى طهران مثلاً خمسة وعشرون فرسخاً أو أربعة وعشرون فرسخاً، ومن هنا إلى مشهد أكثر من مائة فرسخ، لا أعلم كم فرسخاً بالضبط، وهكذا.. فالمسافات تختلف قلةً وكثرةً فيما بينها، لأنّها تُدرك وتُلاحظ في البعد المكاني والكمّي، لذا يشعر الإنسان فيها بالقلّة والكثرة؛ فمتر واحد يختلف عن مترين وعشرة أمتار، وعشرة أمتار تختلف عن عشرين متراً وهكذا.. أمّا السفر إلى الله، فما معنى القرب والبعد فيه؟ وأين مكان الله حتّى يقصده الإنسان بالسفر؟
تصوّرنا الخاطئ عن الله
ذكرت بالأمس بعض الأمور حول هذا الموضوع، وقلت بأنّا عندما نتصوّر الله نتصوّره أنّه موجود مجهول الهويّة، لا نعرف ماهيّته. حسناً دعنا نجرّب، فلو سألتكم: ما هو الله؟! فماذا ستجيبون؟! سيكون لدينا تعريف لله بعدد الموجودين هنا. فكلّ واحد سيقول شيئاً، وكلّ واحد يتصوّر الله بطريقة مختلفة عن الآخر، ولديه فهم خاص به.
نتصوّر أنّ الله فوق المجرّات، وفي نقطة بعيدة جداً خارج المادّة، في مكان لا توجد فيه المادّة، أي لا يوجد فيه جرم، ولا حتّى طاقة. فنصل إلى حدٍّ في عالم الخيال بحيث ننقطع فيه عن المادّة، بمعنى أنّنا نعبر الكواكب، ونعبر الجاذبية المغناطيسيّة للكواكب، ونعبر الغلاف الجوي الذي يحيط بالكرة الأرضيّة، وهكذا.. نقطع حاجزاً تلو الآخر إلى أن نصل إلى مكان لا يوجد فيه كوكب مثلاً، فنتصوّر أنّ ذلك المكان هو مكان الله، ونقول: الله هناك في الأعلى. لذا الطفل عندما يسأل والده: أين الله؟ يقول له: الله هناك في الأعلى. بل نحن أيضاً كذلك! لا تظنّوا أنّ هذه المسألة مزحة بسيطة، لا ليس الأمر كذلك. فهكذا يتصوّرالعديد من الناس، بل حتّى الكثير من أهل العلم هم كذلك. فإذا قلت لهم: إنّ الله موجود في هذا المكان.
يقولون: هل أصبحتَ ممن يقول بوحدة الوجود! أوهل كفرتَ وارتدَدتَ وصرتَ نجساً؟! لقد صرتَ ممن يقول بوحدة الوجود وممن يُحكم عليه بالنجاسة؟ فيجب تطهير الكأس بعدما تشرب منه، وأمثال ذلك.
فإذا قلنا: حسناً، الله ليس في هذه الغرفة، الله في الكرة الأرضيّة.
يقولون: لا الكرة الأرضيّة هي محلّ للإنسان والحيوان والجماد، والحال أنّ الله ليس جماداً، وليس مادةً.
نقول: إذن، لا بد أن يكون في السماء!
يقولون: لا، ليس كذلك أيضاً.
نقول: فماذا إذن؟!
يقولون: الله خارج عالم المادّة وعالم العناصِرـ عناصِر جمع عنصر وهو المادة أي "متريال"، وأمّا جمعها"عناصُر" فهو خطأ، بعض الناس في عصرنا لا يعرفون كيف يجمعون الكلمة فيقولون "عناصُر". لكن كما قلنا عُنصر جمعها "عناصِر"
نقول: إذن، لا يوجد إلهٌ في هذا العالم؟!
يقولون: لا يوجد إله في هذا العالم، بل الله يُشْرف على هذا العالم من الأعلى، وقد أحاطه بقدرته، وأمسك الأرض بقوّته المغناطيسيّة، لا أنّه حاضر بنفسه في هذه الكرة، فالله ليس كذلك.
قصّة اليهودي الذي سأل عن مكان الله
جاء يهوديّ إلى المدينة، وقال: لقد جئتُ لأسأل نبيّ آخر الزمان، فقد قرأتُ في كتاب التوراة وعرفتُ صفات نبيّ آخر الزمان، وعرفت مؤخّراً بأنّ نبيّاً قد ظهر بهذه الصفات عندكم، فجئتُ لأسأله. قالوا له: لقد توفّي النبيّ. فقال: لدينا في التوراة أنّ نبيّ آخر الزمان يخلّف وصيّاً له، فمن هو وصيّه؟ فقالوا: هذا خليفة رسول الله فاسأله، وكان (الخليفة الأول) جالساً على منبر رسول الله.
فتقدّم اليهوديّ وقال: أأنت خليفة رسول الله؟
فقال: نعم، وبكلّ فخر.
فقال: لديّ أسئلة أريد أن أسألك إياها.
فقال: تفضّل واطرح أسئلتك.
قال: إذا أجبتَ عن أسئلتي، فسوف أسلم.
قال: قل.
فقال: أين الله؟
وكان [الخليفة الأول] يعرف آيتين من القرآن، فأجاب: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾۱ الله فوق العرش.
فقال: إذن، لا يوجد إله على الأرض؟!
ـ ففكر قليلاً بماذا يجيبه؟! ثم قال: اضربوا هذا الملحد واخرجوه من المسجد! إنّه يكفر ويقول كذا. ٢
التعامل مع الحقّ في المذاهب الأخرى
الأمر دائمًا هكذا يا عزيزي، لطالما كان السؤال عن الحقّ جوابه العصا والطرد، لكنّ المذهب الوحيد الذي كان دائماً يبحث عن الحقّ ويتّبع الحقّ هو مذهب الإمام الصادق عليه السلام ومذهب أهل البيت عليهم السلام. فالإمام الصادق كان يبحث عن إنسان يمكن أن يدخل الكلام الحقّ في رأسه، وأن يكون لديه ذرّة فهم وذرّة إدراك، فكان ينتظر أن يأتي أحد ليعترض أو يسأل حتى يجيب، هذا هو عمل الإمام الصادق. أما البقيّة فلم يكونوا كذلك، لماذا؟ لأنّهم لم يكونوا أئمّةً، وهذا واضح؛ فكلّ من ليس إماماً هو كذلك، إلا أن يكون متّبعًا لإمامٍ اتباعًا واقعيًا وباطنيًا، ليس اتباعًا ظاهرياً فحسب، لا أن يقول ظاهراً: «نحن مذهب أهل البيت، ونحن شيعة الإمام»، ثم يتجاهل أحكام الإمام ويحلق لحيته مثلاً. لا ليس الأمر كذلك، بل ينبغي أن يضع قلبه وسرّه وضميره وسويدائه تحت إرادة الإمام.
وهذا أيضاً له امتحانات. نسأل الله تعالى أن يوفّقنا بفضله وعنايته للنجاح في هذه الامتحانات، فإنّ بعضها صعب حقاً، وصعب جدًا، أليس كذلك؟!
مصير اليهوديّ بعد طرده
قال: اضربوا هذا المرتدّ الكافر وأخرجوه! وبما أنّه مرتدّ فالحكم عليه بالإعدام سريع جداً. قالوا له: اذهب يا رجل، لئلا نصدر عليك الحكم بالإعدام، فقد ارتددت! لذا تركهم وخرج مسرعًا وقال: على الإسلام السلام، لقد قرأنا الفاتحة على الإسلام. إن كان هذا هو إسلامكم وهذا نبيكم، فقد عرفنا الحال.
وكان أبو ذرّ أو سلمان هناك، فقال: قف، واصبر قليلاً حتى أعود [وآتيك بجواب سؤالك]، قال: حسناً. وذهب إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: يا علي، أدركنا، لقد أفسد هذا الرجل كلّ شيء، فابن عمّك النبي قد جهد خلال ثلاثة وعشرين عاماً، ثم أتى هذا الرجل وأضاع كلّ شيء في دقيقتين (يضحك). لقد أفسد سمعة النبي، هذا ما أقوله أنا.
حسنًا! ذهب سلمان وقال: تعال وأنقذ الإسلام، فقد انتهى الأمر لقد أفسد هذا الرجل سمعة الجميع، تعال! فقال الإمام: حسناً، في مثل هذه الأوقات يأتون إلينا.. أنا أقول هذا، فالإمام لم يقل ذلك (يضحك)، كان أمير المؤمنين عجيباً [في سماحته]، عجيباً جداً.
تواضع أمير المؤمنين عليه السلام في استخدام البغلة
أتذكّر أننا كنا في "أخلَمَد"؛ حيث إنّه في تلك السنة التي أصيب فيها المرحوم العلامة الطهراني بمرض في القلب، كان الطبيب قد أوصاه بأنّه يجب أن يقضي بعض الوقت في الهواء الطلق، فذهبنا لمدة أسبوعين في الصيف خارج مشهد إلى مكان يسمى أخلَمَد، وهو مكان يتميّز بمناخ جيد، ويبعد حوالي ستين أو سبعين كيلومتراً عن مشهد. وذات ليلة، كنّا جالسين بعد تناول الطعام، فتحدّثنا عن أمير المؤمنين عليه السلام وبعض أعماله، وجرى الكلام عن أنّ أمير المؤمنين كان يركب بغلة في الحروب بدلاً من الخيل، بل الإمام عليه السلام لم يركب الخيل أساسًا، لكن بالطبع، كان البغل أيضاً قوياً جداً. فقلتُ للعلامة: حتماً لم يكن بغله أقل قوة من الخيل، كما هو الحال الآن. فقال المرحوم العلامة الطهراني: ليس الأمر كذلك يا عزيزي! لقد كان أمير المؤمنين يركب البغل في الحروب وفي تنقلاته من باب التواضع، لا لهذا السبب [أن البغل بقوّة الحصان]. ثم هزّ رأسه وقال: جدّنا هذا لم يترك عملاً وفعلاً لم يفعله؟ فأيّ عمل كان بوسعه أن يفعله [تواضعًا] ولم يفعله!
أمير المؤمنين عليه السلام: مظلوميّة وتسامح
كان الأمر عجيباً حقاً، ويجب أن يكون أمير المؤمنين عبرةً ودرساً وقدوةً ونموذجاً لنا في هذا الأمر، بل في كل أعماله وحركاته. فأهم فترة كانت بعد ارتحال النبي إلى زمن الغيبة، كانت زمن خلافة أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّ القضايا التي حدثت بعد النبي لم تحدث في أيّ فترة من الفترات التي كانت للأئمّة الآخرين؛ من المواقف الحسّاسة والأحداث الخطيرة، ومن إيذاءات ومضايقات وغيرها من الأمور. حقاً يمكن القول: إنّ أمير المؤمنين أكثر شخصيّة ظُلمت في التاريخ، لقد فعلوا بأمير المؤمنين كلّ ما استطاعوا أن يفعلوه، وفي الوقت نفسه، نرى أنّه تعامل معهم بطريقة حسنة؛ أدّت إلى إرباك العديد من كبار أهل السنة، وسبّبت وقوعهم في الشك إلى درجة أنهم تساءلوا: لا شك أنّ أمير المؤمنين كان راضٍ بحكومتهم؛ وإلا لماذا تعامل معهم بهذه الطريقة؟! فقد كان يصلّي في جماعاتهم، ويستمع إلى خطبهم، ويحضر أيام الجمعة معهم، وكان يصلّي خلف أبي بكر وعمر۱. واقعًا عجيب أمر أمير المؤمنين! فعمر ذاك هو الذي كان قد وضع عمامة أمير المؤمنين حول عنقه وسحبه بها نحو المسجد لمبايعة أبي بكر.. فأمير المؤمنين لم يذهب إليهم بقدميه، بل هم الذين أجبروه على الحضور [والبيعة]. فلا يمكنكم أن تتصوّروا هذه القضيّة أصلاً. ٢
قصّة رجل يسحب في الشارع وتذكر أمير المؤمنين عليه السلام
كنتُ في مشهد قبل يومين أو ثلاثة، وفجأة تذكرتُ هذه القضيّة هناك. كنتُ جالساً ليلاً في الصحن، فسمعت ضجة غريبة جداً وصراخًا عاليًا، نظرت فشاهدت مجموعة من الناس يسحبون رجلاً على الأرض، وكان الرجل ثقيلاً أيضاً، لا أعرف ماذا فعل حتى يقيّدوا يديه ويسحبونه نحو غرفة المسؤولين، وكان يصرخ و... في تلك الأثناء تذكّرت أمير المؤمنين، فقلتُ: «هل هكذا فعلوا بالإمام عندما أحضروه للبيعة؟!
رسالة معاوية لأمير المؤمنين عليه السلام وجواب الإمام
أرسل معاوية رسالة إلى أمير المؤمنين، أراد أن يشمت به ويسخر منه وأن يقلّل من شأنه. فقال له: هل نسيتَ أنّهم وضعوا الحبل حول عنقك، وكنت تُقاد كالجمل المغشوش؛ أي الجمل الذي يُجرّ من رأسه وأنفه إلى المذبح لينحروه؟! قال: إنّك كنت تقاد كما يقاد الجمل المغشوش. فأجابه الإمام: لقد أردت أن تذمّني وتنتقص مني، لكنّك لم تعلم أنّك مدحتني بهذا الكلام.٣ لذا فالمسألة معقّدة جدًا.
بعض الناس لم يقبلوا بثبوت هذه القصّة أبداً، وكانوا يقولون: هل هذا ممكن؟! بل حتى الآن لا يزال هناك من يقول: «هل يعقل أنّ أمير المؤمنين قد أُخذ هكذا؟!« هل سلّم لهم وبقي ينظر هكذا؟! لا يا عزيزي.. [هذا ليس مقبولاً]
ـ لماذا تعترض على هذا الكلام؟! أنت تعترض لأنّك لست عليّاً ولا لديك تفكير علي، فأنت لديك ألف أنانيّة وألف وهم، ولديك ألف صورة في عالم فكرك الناقص، أما هو فليس كذلك.
لقد كان أمير المؤمنين مع ذلك يذهب ويصلّي خلف عمر، وخلف أبي بكر. بل كانوا يستشيرونه في أمورهم؛ ماذا نفعل هنا وماذا نفعل هناك، والإمام يشير عليهم ويجيبهم: افعلوا هذا، وافعلوا ذاك، هذا الفعل في مصلحة الإسلام، وذاك ليس في مصلحة الإسلام. هل تظنون أنّ عمر كان يأتي بهذه السهولة ويسأل عليًا ويستشيره؟ ثم يقول: «لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ».۱ لو كان لعمر ألف روح لبذلها حتّى لا يرى أمير المؤمنين لحظة واحدة أمامه، فكيف يستشير أمير المؤمنين وهو في هذه الحالة؟! إنّما كان يستشيره لأنّه كان يرى أنّ خلافته في خطر وأنّ الوضع خطير، فهو يعلم بمكانة وعلم الإمام، وقد سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»٢ فهو يعلم أنّه لا يوجد أحد مثل أمير المؤمنين، ولا أحد يفهم كفهم أمير المؤمنين، ولا أحد يدرك كما يدرك أمير المؤمنين، فعمر نفسه يفهم ذلك أفضل منّا جميعاً، وكذا كان أبو بكر يفهم ذلك أيضًا. والحاصل أنّ الإمام عليه السلام كان يشارك في جميع هذه الأمور وفي جميع هذه المناسبات.
مشاركة أمير المؤمنين في صلاة الخلفاء كانت لحفظ الإسلام
من جملة الانتقادات التي يوجهها الكتّاب المصريّون وغيرهم للشيعة هي: لماذا تقدحون بعمر وأبي بكر باستمرار؟! والحال أنّ عليّا كان يشاركهم في أمورهم؟! وهذا صحيح فعلاً، ألم يكن عليّ عليه السلام في المدينة؟! لا تقولوا إنّه كان يتّقي منهم. فما معنى التقيّة في هذه الحالة؟! وأين التقيّة في فعل الإمام؟! ماذا كانوا سيفعلون به لو لم يذهب إليهم؟!
ـ لقد كان أمير المؤمنين يتعامل معهم من منطلق حفظ الإسلام وصونه. لماذا كان هكذا؟!
أحد أسباب ذلك هو أنّ أمير المؤمنين لم يكن يعتبر عمر وأبا بكر أنّهم أصحاب الإسلام، بل كان يرى نفسه صاحب الإسلام، وكان يرى أنّ الإسلام يعتمد عليه هو، أما هذا فقد جاء ظاهراً واغتصب المحراب والمنبر والحكومة، لذا تركه يفعل ما يشاء. وهكذا يفعل صاحب الحقّ، وهكذا يتصرّف من يرى أنّ الله وضع هذه المسؤوليّة على عاتقه. إذن، هو لم يكن يرى عمر ولا أبا بكر أصلاً، ولا يرى عثمان، بل كان يرى شخصاً واحداً فقط أمامه، وهو الله تعالى. ويرى نفسه مسؤولاً أمامه، ومكلّفاً عنده فقط. لذا نرى أنّه كان يداري ويجاري هؤلاء.
قصّة المرأة المجنونة وعمر
ورد في التاريخ أنّهم جاؤوا عمر بامرأة مجنونة زنت. وقد أراد أن ينفّذ حكم الإعدام بها، والحال أنّ هذه المرأة المسكينة كانت مجنونة. فقال: نعم لقد زنت، ويجب رجمها، فاذهبوا وارجموها.. يعني أنّ هذه الحكومة قد وقعت في يد شخص لا يفرّق بين العاقل والمجنون. يا عزيزي! هذا مكتوب في التاريخ! فقد ورد هذا الأمر أيضًا في المصادر السنّية. إنّه لأمر مثير للاهتمام حقاً. وقد أورد المرحوم العلامة الأميني في كتاب الغدير وثائق متعدّدة من أهل السنة أنفسهم لهذه الواقعة۱، وذكروا ذلك في كتبهم دون خجل. إنّه لأمر عجيب حقاً! حقاً عجيب! أنتم الآن تضحكون! لكن في الواقع يأتي خليفة المسلمين ويحكم على مجنونة، ويقول: اذهبوا وارجموها! وعندما أخذوا هذه المسكينة ليرجموها، قال لهم الإمام: إلى أين تذهبون بها؟! قالوا: لقد زنت ونريد أن نرجمها. فقال الإمام: لا ترجموها، ارجعوا! فرجعوا، وعندما رجعوا إلى عمر سألهم لماذا عدتم؟! قالوا: عليّ أمرنا بترك المرأة والرجوع. فقال: عليّ لا يفعل شيئاً عبثاً. آتوني بعليّ لأسأله عن ذلك.
ـ يا علي، لماذا أمرت بتركها؟!
ـ ألم تسمع من النبي أنّه قال: لقد رُفع قلم التكليف عن عدة أشخاص؟! منهم المجنون حتّى يعقل.
ـ فقال: ها! لقد تذكرت الآن.
افتخار أهل السنة بعمر!
هكذا كان حاكم المسلمين! حتّى الطفل ذو العشر سنوات يضحك من هذا العمل يا سيدي، فالطفل ذو العشر سنوات يضحك. أما أهل السنة فهم يفتخرون بهذا الرجل، ويقولون: «سيدنا عمر، سيدنا... » فليحشرهم الله مع سيدهم هذا.
والحاصل أنّ الإمام كان يشير عليهم في هذه الأمور، ويشاركهم في هذه الصلاة، ويشير عليهم إذا استشاروه.. وقد أشار على عمر عندما أراد الخروج بنفسه إلى الحرب مع إيران، بأن لا يخرج بنفسه، وقال: إذا ذهبتَ ستُقتل، وإذا رأى الناس قائدهم قُتل، فسوف ينهزمون۱. فمن أيّ أفق كان يرى هذا الرجل؟ وفي أيّ عالم من العقل والتدبير والفهم والنورانيّة والاتصال كان؟! فيجعل ما هو مستحيل ومحال بالنسبة لنا ممكناً له، وما لا يمكننا تصوّره يجعله شيئًا قابلاً للفهم والتصوّر؟ هذا ليس شيئًا بسيطًا.
إسلام اليهودي على يد أمير المؤمنين
والحاصل أنّ سلمان جاء إلى أمير المؤمنين، وقال: يا علي، تعال وأنقذ ماء وجه النبي، لقد أضاع هذا الرجل كلّ ما شُيّد في ثلاثة وعشرين عاماً. تعال، فما لم تأتِ أنت وترتّب الأمر لضاع الإسلام. فوضع الإمام عباءته على كتفه وعمامته على رأسه وقال: هيا نذهب لنرى ماذا فعل؟ فرأى اليهودي واقفاً عند الباب، فقال: هيا بنا ندخل. فقال: أخشى أن يضربني [أبو بكر]، فقال: لا، هيا بنا ندخل لا عليك، فدخل معه.
فقال أبو بكر أهلاً وسهلاً يا علي، يا علي أهلاً بك، أهلاً بك! لا كان اليوم الذي لا أرى فيه وجهك يا علي! ثم جلسوا.
فالتفت اليهوديّ إلى أمير المؤمنين وقال: يا علي، لديّ أسئلة، وقد جئتُ لأسأل نبيّ آخر الزمان، فقيل لي إنّه توفي، قلتُ فلأسأل وصيه إذن. فقال الإمام: اسأل ما شئت.
فبدأ يسأل: أين الله؟
ـ فقال الإمام: الله في الأعلى، الله في الأسفل، الله في اليمين، الله في الشمال، الله أمامك، الله خلفك، هو في كلّ مكان.
ـ التفت اليهودي إلى الإمام وقال: هل يمكنك أن تضرب لي مثالاً على هذا الأمر في الدنيا؟
ـ فقال الإمام: أحضروا حطباً. فأحضروا حطباً وأضرموا فيه النار. ثم التفت إلى اليهوديّ وقال: أين وجه هذه النار؟
ـ فقال: وجهها من جميع الجهات؛ تنظر من هذه الجهة فتجدها ناراً، ومن تلك الجهة أيضاً، ومن الأعلى، ومن كلّ الجهات.۱ واستمر بطرح الأسئلة والإمام يجيب. وعندما انتهت أسئلته، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله، وأشهد أنّك وصيّ رسول ربّ العالمين، أشهد أنك أنت الوصيّ. فاستحسن الجمع ذلك وصلّوا على النبي.. أنا أقول: إنّهم بعد أن كبّروا قالوا: يا علي، لا قدّر الله أن يأتي يوم تحدث فيه مشكلة ولا تكون أنت فيه، لا قدّر الله ذلك اليوم. أليس كذلك؟ هذه الحيل والخدع المعتادة التي كان يقوم بها هؤلاء. لكن في المقابل هكذا كان أمير المؤمنين، وهكذا كانت طريقته.
لقد أجاب الإمام علي عليه السلام على اليهودي بأنّ الله في كلّ مكان، لكن مع ذلك يقول لك السادة: ماذا؟! هل يعقل أن يكون الله في هذه الغرفة؟ لا يمكن ذلك، فالله عالٍ جداً وهو بعيد جداً عنا.
ولكن إذا فكّرنا في المسألة بدقّة أكثر، سنتوصّل إلى أنّ الأمر ليس كذلك! بل حقيقة الأمر ما تفضّل به أمير المؤمنين؛ من أنّ الله في كلّ مكان، وحاضر في كلّ مكان، ومع كلّ الأشياء.
علاقة الله بالمخلوقات من وجهة نظر فلسفيّة
قد يسبّب الدخول في تلك المباحث الحكميّة والفلسفيّة الملل للإخوة، ولكن يمكننا بإيجاز أن نختصر المسألة في بضع جمل هي:
لماذا الله في كلّ مكان؟ ولماذا نحن قريبون من الله؟ لماذا؟
لأنّه وفقاً للقاعدة الفلسفيّة، لا شيء أقرب إلى أيّ شيء من العلّة القريبة إلى معلولها. مثلاً أنا وغيري يوجد بيننا تناسب معلولي لا تناسب عِلّي، فكلانا معلولان لعلّة واحدة. ولكن أنا متّحد مع علّتي التي خلقتني وأوجدتني، ووجودي الحادث والباقي والمستمر يستند إلى ذلك الوجود العِلّي. فالوجود الحادث للممكن ينبع من ذلك الوجود عبر إضافة إشراقيّة من الله على قوالب الماهيّات، وكذلك أيضاً الوجود المستمر للممكنات كلاهما يستندان إليه. وبالتالي فإذا لم يكن له وجود، فلن يكون هناك وجود لشيء أبدًا. ولذا، لا شيء أقرب إلى الإنسان من علّة الإنسان، وهي وجود الله تعالى.
فالله تعالى يشبّه قربه من الإنسان هنا بالوريد، ويقول: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾۱. والوريد والشريان هما الشريانان الرئيسيّان للقلب في جسم الإنسان، واللذان يمرّ بهما الدم ذهابًا وإيابًا إلى القلب، وهما أقرب شيء إلى وجود الإنسان. فإذا قطعتَ وريد شخص، فإنّه سيتوفّى بعد دقيقة أو دقيقتين، إذ سوف ينزف دمه ويموت. فالمادّة الحياتيّة لبقاء الإنسان هو نفس الدم الذي يجري في الأوردة، وإذا لم يصل الدم إلى الدماغ لمدّة أربع دقائق، فسيتوقّف الدماغ عن العمل وتموت جميع خلاياه خلال أربع دقائق فقط. إذن، فالدم هو الذي ينشر الحياة في الخلايا وفي الجسم، ولا شيء أقرب إلى الإنسان من الدم. حتّى الماء الذي تشربه لا يمكن أن يمتصّه الجسم كما هو، بل يجب أن يتحوّل الماء إلى دم أوّلاً ثمّ يمتصّه الدم. الجسم بحاجة إلى الخبز، لكن لو وضعت الخبز مباشرة في وريدك ماذا سيحدث لك؟ ستموت فوراً. لذا يجب أن يُهضم هذا الخبز في المعدة والأمعاء أولاً، ثمّ يدخل الكبد، وتتم فيه تلك العمليات الفيزيائيّة والكيميائيّة، ثمّ يقوم الكبد بتحليله، ولا أعرف كيف يتم تحليله، ثم يأخذ جميع مواده واحدة تلو الأخرى، ويُدخلها إلى الدم بما يتناسب مع حاجة الجسم. لذا لا يمكن أن يتحقّق الأمر مباشرةً.
والهواء كذلك، فالجسم يحتاج إلى الهواء، ولكن ليس بشكل مباشر، بل يجب أولاً أن يدخل هذا الهواء إلى الرئتين، ثم يأتي الدم إلى الرئتين، ويمتصّ الأوكسيجين من الهواء، فتدخل إلى خلايا الدم الحمراء، فيتحوّل الهواء إلى سائل داخل الدم الذي يشبه ماء البحر، ثم هذا السائل يوصل الهواء والغذاء إلى الخليّة. وعليه فلا شيء أقرب إلى جسم الإنسان من الدم. لذا قال الله تعالى: ﴿وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ﴾.
يريد الله أن يقول هنا: نحن أقرب إليك من الدم. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ هذا الدم الذي تتخيّل أنّه السبب في بقائك واستمرار حياتك.. نحن مصاحبون له؛ نصعد معه وننزل معه، وندخل معه إلى الخليّة، وندخل معه إلى القلب، فنحن معه في كلّ شيء.. في جميع هذه الأمور هناك قوّة وقدرة مسيطرة عليها وتديرها.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى قلبه ورئتيه وأمعائه وطحاله وكبده ودماغه وأعصابه؛ حيث يأخذ الدم من هذه الأعضاء المعلومات ويذهب بها إلى الدماغ، ثم يعود بها، ونحن نكون معه في تمام هذه المواضع.. عندما يتحرّك اللسان نكون معه، وعندما يتوقّف نكون معه. في كلّ نفس يأخذه نكون معه، وفي كلّ زفير نكون معه. وهكذا في العين والأذن والدماغ والأعصاب.. في كلّ هذه الأمور نحن حاضرون.
إذاً تلك الهويّة الواقعية والحقيقة الخارجيّة أصلها وحقيقتها هو نفس الوجود المنبعث من ذات الله تعالى، والذي يتشكّل في هذه الصور المختلفة. وهنا يبدو البحث الفلسفي أكثر دقّة..
لا مسافة حقيقيّة بين العبد وربّه
والحاصل أنّ الإنسان عندما يريد أن يسافر، إلى أي مكان يريد أن يسافر وإلى من، وكم فرسخاً يريد أن يسير نحو الله؟ مائة فرسخ؟ مائتا فرسخ؟ فبمجرد أن يريد أن يتحرّك، يتحرّك الله معه. إذن، لا توجد مسافة أصلاً. ماذا يقول الإمام السجّاد؟ يقول: «وَ أَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ» فنحن طلبة علوم ونفهم المراد... .
قصّة من شكّك في علم أبي الفضل عليه السلام
قال أحد السادة المعروفين ـ وهذه القضيّة ليست مزاحًا بل حصلت واقعًا ـ قال: أبو الفضل العباس لم يدرس، بينما نحن درسنا! وأيضًا سمعتُ أنّ شخصاً قال عن شخص آخر متوفي: إنّه أعلى من الجميع بعد الأئمّة المعصومين، بل أعلى حتّى من أبي الفضل العباس. هذا ما سمعتُه فعلاً! لكن على كلّ حال، لكلّ كلام حساب وسيحاسب عليه..
هذا السيّد المسكين، كان قد بدأ بالدراسة قليلاً، لذا شرع بالكلام السخيف هنا وهناك، والحاصل أنّه قال: «أبو الفضل لم يدرس شيئًا!»، بينما نحن درسنا الأصول والفقه والتاريخ والتفسير، وأمثال هذه الدروس. وخلاصة القول، ربّما كان يريد أن يقول إذا كان هناك مقارنة بيننا في المقام أو في المرتبة، فلا يُعلم من هو الأعلى مرتبة ومن هو الأدنى؟! أو أمثال هذه الأمور.
يقولون إنّه في تلك الليلة رأى أبا الفضل في المنام، وسأله مسألة أصوليّة. فاضطرب المسكين اضطراباً شديداً، حتّى أنّه نجّس نفسه (يضحك سماحته) فقال له: انهض واذهب في حال سبيلك!
يا عزيزي هؤلاء هم معادن العلم، فلا يوجد بين أبي الفضل العباس والإمام الحسين سوى الإمامة، لذا فإنّ أصل وحقيقة جميع الحقائق موجودة في وجود أبي الفضل. وبطبيعة الحال كان مقام أبي الفضل وعلي الأكبر وسائر أولاد الأئمة عليهم السلام [مقامًا شامخًا].. نعم أبناء الأئمة لديهم مراتب مختلفة ومقامات متفاوتة فيما بينهم.
مراد الإمام من قرب المسافة أنّه لا مسافة واقعًا
نقول للإمام السجّاد لقد ذكرت بأنّ الحركة والمسافة إلى الله قصيرة، لكن أنا أقول [وأعمّق كلامه]: بأنّه لا توجد مسافة أصلاً، بل مجرّد أن تفكّر بالحركة، ومجرّد أنّك تريد أن تتحرّك نحو الله، فالله حاضر. فإلى أين تريد أن تذهب؟ حتّى لو فرضنا أنّ هذا البعد هو بُعد معنوي، فأنا لا أرى أيّ بعد أصلاً. أين أريد أن أخطو؟ فأيّ خطوة أريد أن أخطوها إنّما هي لأقترب من الله، وأيّ فكر أريد أن أفكر فيه هو لأقترب من الله. ففي النهاية، يجب أن يكون هناك مسافة وهدف وغايّة، ولا بد في هذه الحالة أن يُتخيل مكان ما، حتّى لو كان مكاناً روحياً، فيجب أن يُنظر إلى مكانٍ وظرف حتّى يتحرّك الإنسان نحوه. والحال أنّنا نرى أنّه لا يوجد مكان خاص بالله، فالله الذي يقول: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُم وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ﴾۱. أو يقول: ﴿نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾٢. نحن أقرب إليكم من حبل الوريد. وعليه فما هي هذه المسافة؟ وكيف علينا أن نفهم هذه المسافة؟
يقول الإمام: من أراد أن يتحرّك نحوك ويهاجر إليك ويقصدك، فإنّ مسافة هذه الحركة قصيرة ليست طويلة. وتوضيح عبارة الإمام هذه يأتي في العبارة التالية، وجواب هذا الإشكال موجود في هذه العبارة: «وَ أَنَّكَ لَا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ» أنت لست مخفيّاً عن الخلق «إِلَّا أَنْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمَالُ دُونَكَ»؛ فإنّ الذي أوجد المسافة بيننا وبينك هو أعمالنا.
إن شاء الله، غدًا سنرى كيف أوجدت هذه الأعمال مسافة بيننا؟ لقد قلنا الآن: لا توجد مسافة، والإمام يقول: هناك مسافة، ولكن المسافة قصيرة. أولاً، لنرى كيف تكون هذه المسافة قصيرة؟ وثانياً، لنرى كيف أوجدت أعمالنا مسافة؟ وهل هذه المسافة تختلف قلةً وكثرةً من شخص لآخر أم أنّها متساويّة للجميع؟
أظنّ أنّ الأصدقاء قد تعبوا، أليس كذلك؟
ـ [لا]
ـ كنت أتوقع أن تقولوا نعم. حسناً لكن أنا تعبت [ضحك]. إن شاء الله نرجو أن يوفقنا الله جميعًا، وأن نقطع هذه المسافة في أقرب وقت ممكن، ونسأله تعالى بحقّ الأرواح الطاهرة أن يوفّقنا لقطع هذا الطريق، وأن يجعلنا في المكان الذي جعل فيه الكبار والأطهار وشرّفهم في حضرته، مع أنّنا لسنا أهلاً لذلك.. وواقعًا الإنسان يخجل من هكذا طلب، فإنّنا لم نفعل شيئاً، ولكن بما أنّ لطفه عميم ورحمته واسعة، ومن جهة أخرى طمعنا كبير، فتتضافر هذه الأمور الثلاثة، وإن شاء الله تُحلّ المشاكل بذلك، إن شاء الله.
اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد