1

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام

لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

22
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/03

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

ما هو سرّ السعي بين الصفا والمروة؟ ولماذا يجب على النبيّ والإمام أن يقتديا بعمل امرأة وهي السيّدة هاجر؟ وما هو التوحيد الذي يجعل من أبسط الأعمال حقيقة خالدة؟ وكيف يمكن للعمل أن يكون خالصًا لوجه الله ومنزّهًا عن الأنا؟ تجيبك هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة وأكثر.

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام 

  • لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة الأولى

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بِسمِ اللَه الرّحمٰن الرّحیم

  • و صلّی اللَه عَلَی سیّدنا و نبیّنا أبی‌القاسم محمد

  • و علی إله الطّیبین الطّاهرین

  • و اللعنة عَلَی أعدائِهِم أجمَعینَ

  •  

  •  

  • ما معنى «الباخلين» و«المستأثرين» في دعاء أبي حمزة؟

  • «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضاً مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ وَمَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ»

  • إنّي لأعلمُ يقينًا أنّ في الاستغاثة بك، والتضرّع إلى حضرتك، وتوجيه نفسي نحو جودك وعطائك، والرضا بقضائك، بديلًا وعوضًا يغنني عن منع الباخلين، ويحلّ محلّ الرجوع إليهم. ويجعلني في سعةٍ وغنى عمّا في أيدي طلاب الدنيا وأهل الكثرات، والغارقين في الدنيا وآمالها وشهواتها.

  • «الباخلون» هم الذين يبخلون ويمسكون، ويعطون الإنسان شيئًا في مقابل عوض. هؤلاء هم أهل الدنيا والكثرات، الذين يبخلون بعطاء أيّ شيء: العطاء بالمال، والعطاء بالعلم، والعطاء بالقدرة، والعطاء بالمكانة، والعطاء بقضاء الحاجة!

  • أمّا «الاستئثار» فيُطلق على من يريد الشيء لنفسه. في مقابل الإيثار الذي ورد في قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾۱ فهؤلاء يؤثرون على أنفسهم، أي يقدّمون غيرهم على أنفسهم ولو كان بهم فقر وحاجة. أمّا الاستئثار فيُطلق على من هو عكس ذلك، أي من يقدّم نفسه على الآخرين، ويطلب جميع المنافع لنفسه.

  • لماذا الاستغاثة بالله هي الحقيقة وما سواها مجاز؟

  • يقول الإمام السجاد عليه السلام في هذه الفقرة: إن كان لا بدّ لي من التوجّه إلى باب أحد، فإنّي سأتوجّه إلى بابك. وإن كان لا بدّ لي من التضرّع والإنابة والطلب، فيجب أن أطلب منك وحدك، وأجعل تضرّعي وإنابتي هنا لأستغني عن جميع الخلق، فلا أشعر بحاجة إلى أيّ أحد كائنًا من كان، ومن أيّ جهة كانت، وبأيّ طريقة كانت! لماذا؟ 

  • السبب واضح وجليّ، لأنّ الاستغاثة ببابك هي وحدها الحقيقيّة، وما سواها مجاز. فكلّ ما عدا ذلك مخلوط بلون الدنيا، وممزوج بلون الآمال والأماني، ولو بنسبة اثنين بالمائة، أو ثلاثة بالمائة، أو عشرة بالمائة، أو حتّى واحد بالمائة، فلا يخلو من شائبة. لكنّ الاستغاثة هنا هي الوحيدة التي لا شائبة فيها أبدًا! وهي الوحيدة التي لا يُحتمل فيها الخطأ إطلاقًا! هنا يسود التوحيد المحض فقط، ولا يمكن للعلاقات الشخصيّة أن تتغلّب على الضوابط الإلهيّة بأيّ حال من الأحوال. 

    1. سورة الحشر (٥٩) الآية ٩.

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

3
  • السعي بين الصفا والمروة: هل هو مجرّد هرولة أم سرّ توحيديّ عظيم؟

  • في هذه السفرة الأخيرة التي وفّقنا الله لها، سنحت لنا الفرصة ليلة أوّل أمس، بمناسبة حلول شهر رمضان، أن نؤدّي عمرة مجدّدًا من ميقات التنعيم. وبينما كنت أسعى بين الصفا والمروة، كنت أتفكّر: لِمَ نقوم بهذا السعي؟ وما الذي يرمز إليه هذا السعي الذي نؤدّيه الآن؟ ولماذا نسعى هنا تحديدًا؟ وهل في أفعال الله عبث؟ فهل يُعقل أن يذهب الحاجّ إلى مكّة، ويقطع كلّ هذه المسافة، ثمّ يُقال له: «اذهب من هذا الجبل إلى ذاك سبع مرّات ذهابًا وإيابًا!» فما معنى هذا؟ فقد يقول قائل: «إنّني أذهب لكي أتمشّى، فأمشي كيلومترًا واحدًا في مكان مناسبٍ ما، فيكون ذلك لي رياضةً واستنشاقًا لهواء نقيّ، بلا أيّ إزعاج!!» ومن الجهة الأخرى، فإنّ أحكام الشرع ليست عبثيّة، بل لها حكمة وفلسفة. 

  • فما هي القضيّة الكامنة في هذا السعي من هنا إلى هناك، ومن هناك إلى هنا، سبع مرّات؟ حيث توجد هناك مسافة معيّنة محدّدة بخطّ أخضر، يجب على الساعي أن يهرول فيها، والهرولة هي حالة بين المشي السريع والعدْو، فما سرّ ذلك؟ 

  • من الواضح أنّ قضيّة السعي بدأت بفعل السيّدة هاجر عليها السلام، أي عندما تركت ابنها بجوار بيت الله، الذي لم يكن قائمًا بعد، بل كان مجرّد آثار، وأرض قاحلة، وصحراء تحيط بها الجبال من كلّ جانب. من يصعد إلى غار حراء، يرى بيت الله من بعيد، ويرى كيف أنّ الجبال تحيط به من كلّ جانب، وأنّه يقع في وادٍ بين جبال اسودّت من شدّة الحرارة؛ فقد سَوَّدت حرارة خطّ الاستواء الشديدة هذه الجبال. في مثل هذا الوضع، وقعت هذه الحادثة. 

  • كانت السيّدة هاجر عليها السلام تبحث عن الماء لطفلها إسماعيل، وكانا وحيدين تائهين في هذه الصحراء بلا معين، فكانت تتردّد بين جبلين. وقصّة النبيّ إسماعيل عليه السلام أوضح من الشمس، فلا شكّ فيها ولا شبهة، ولا يمكن إنكارها بأيّ وجه. ولكن لماذا يجب علينا أن نفعل ما فعلَتْه؟ ولماذا يجب علينا أن نسعى سبع مرّات مثل السيّدة هاجر؟ وما الذي يجب أن نستحضره في هذا السعي؟ هل هو مجرّد ذهاب وإياب؟ هل هو مجرّد عمل نؤدّيه ثمّ ينتهي؟ أم أنّ علينا أن نجلس ونتفكّر في هذه المسألة، ونتعمّق في فهمها أكثر، وأن نجد هنا مصداق قول الإمام السجاد عليه السلام: «وأنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ...» أي أنّ في التلهّف على بابك، وطلب جودك، والرضا بقضائك، بديلاً عن التوجّه إلى الآخرين، وندرك ما فعلته السيّدة هاجر هنا؟ 

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

4
  • لماذا أُمر الأنبياء والأئمّة بالاقتداء بفعل امرأة؟

  • ما هو الفعل الذي قامت به السيّدة هاجر هنا؟ وفي أيّ حال كانت حتّى يأتي النداء الإلهي بعد ذلك لكلّ من يأتي إلى مكّة؟ ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾۱ فيجب على الجميع، سواء في العمرة أو الحجّ، أن يأتوا ويضعوا أقدامهم في موضع قدم السيّدة هاجر؟ فهذا أمر عجيب جدًّا! أن يضعوا أقدامهم موضع قدم امرأة! فالسيّدة هاجر لم تكن رجلاً، ولكن لأنّها فعلت هذا الفعل، يجب على الجميع أن يأتوا، يجب على الناس أن يأتوا، وعلى العظماء أن يأتوا، وعلى الأولياء أن يأتوا، وعلى الأئمّة أن يأتوا، بل وعلى النبيّ نفسه أن يأتي! 

  • الآن بدأنا نقترب شيئًا فشيئًا من فهم سرّ هذه القيمة العظيمة للتلهّف والتضرّع إلى باب الله، لماذا؟ لأنّ هذا هو مركز التوحيد ومحفله، وهو توحيد لا يوجد في أيّ مكان آخر. 

  • ففي سائر الموارد، يمتزج الله بالكثرات. أنا كذلك، وأمثالي كذلك، ولو قلنا غير ذلك لكذبنا، ولكن توجد نسب متفاوتة، فهناك من هو أكثر ومن هو أقلّ. ننادي ونتكلّم عن الله، ولكنّ الله الذي نناديه ونتكلّم عنه ليس خالصًا. نقول: «الدين»، ولكنّ الدين الذي نتحدّث عنه ليس خالصًا. نقول: «الشرع»، ولكنّ الشرع الذي نتحدّث عنه ليس خالصًا، فهو دينٌ أنا نفسي داخل فيه! 

  • وكلّ ما يصيبنا هو بسبب هذا الأمر. إنّه إلهٌ نفسي أنا جزءٌ منه. إنّه إله مقنَّع، وليس إلهًا مجرّدًا وعاريًا، والذي هو الإله الحقيقيّ. أمّا الإله الذي نُلبسه ألف لباس، ونقدّمه بألف زينة ولون ونقش، فليس هو الله! بل هو عبارة عن رغباتنا، وأمنياتنا، وأنانيّتنا، ومحوريّة ذاتنا! ولهذا، فإنّ الإنسان في غير هذا الموقف، وفي غير هذا المحلّ، أينما ذهب، وأينما أناب، فإنّ في عمله شائبة! 

  • قصّة عجيبة في الإخلاص: اذهب ولا تأتِ على ذكري!

  • كان المرحوم الوالد رضوان الله عليه قد عاد ذات مرّة من سفره إلى كربلاء، وكنّا نسكن حينها في منزلنا بمنطقة الأحمديّة. وكنتُ صغيرًا، كان عمري نحو عشر سنوات. فجاء الرفقاء لزيارته، ولم يكن الرفقاء حينها كثيرين، فربّما لم يتجاوز عدد رفقائه الخاصّين في طهران العشرة أو الاثني عشر رفيقًا، وكان هناك أيضًا بعض المصلّين من المسجد. وبينما كانوا جالسين، رأيت فجأة أحد هؤلاء الرجال من أهل المسجد يفتّش في جيبه، ثمّ أخرج ظرفًا كبيرًا يحتوي على رزمة من الأوراق النقديّة، وجثا على ركبتيه أمام والدي وقال: «تفضّل يا سيّدنا!» فقال له والدي: «ما هذا يا عزيزي؟ ما هذا؟!» فأجاب: «سيّدنا، هذه حقوقٌ شرعيّة نريد أن نقدّمها لحضرتكم» فردّ والدي قائلاً: «ضعها في جيبك، من هو مرجع تقليدك؟» فأجاب الرجل بأنّه يقلّد السيّد فلانًا ـ وكان ذلك الشخص حينها في النجف ـ فقال له والدي: «السيّد محمد صادق اللواساني هو وكيلٌ عنه في المنطقة الفلانيّة، فاذهب وأعطه هذا المبلغ».

    1. سورة الحج (٢٢) الآية٢۷.

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

5
  • فشعر الرجل بخجل شديد وعاد إلى مكانه. عندما أراد ذلك الرجل أن يذهب، وحيث أنّني كنت واقفاً هناك ـ وقد سمع هذه القصّة أحد الرفقاء الآخرين أيضًا، قال له والدي بصوت منخفض وهنا تكمن النكتة: «ولا تأتِ على ذكري»!

  • فهل التفتّم؟ "ولا تأتِ على ذكري"! من الواضح لماذا رفَضَه بهذه الطريقة، ولعلّ الرفقاء قد فهموا القضيّة! لكنّ النكتة المهمّة تكمن في قوله بصوت خفيض: «ولا تأتِ على ذكري». لماذا؟! في حين أنّ الآخرين يقولون: أبلغ سلامنا، واطلب منه أن يدعو لنا. نعم! لماذا؟ لأنّ توحيده خالص، فهو لا يريد أن يطرح نفسه. أمّا البقيّة فليسوا كذلك! فإذا أحالوا شيئًا، طلبوا من الطرف الآخر عشرة أشياء مقابله. فما معنى هذا؟ إنّه الأخذ والعطاء! فهذا الذي يذهب إلى منزل آخر، إنّما ينتظر من الآخر أن يأتي إلى مجلس عزائه، وإلّا لما ذهب إليه أصلاً. وهذا الذي يرسل مريدًا إلى المسجد الفلانيّ، يريد من الطرف الآخر في المقابل أن يشارك في جلسات مسجده، أو احتفالاته، أو عقوده، أو مجالسه. فهو يريد منه أن يردّ له الجميل! أمّا من كان هدفه وطريقه هو الله، فلا يلتفت إلى هذه الأمور. "اذهب وأعطه المبلغ ولا تأتِ على ذكري أبدًا"! عندئذ يصبح هذا الطريق هو طريق التوحيد. هذا هو طريق العرفان والتوحيد، إنّه يخلّص الإنسان من الزوائد، ويخرجه من الحشو والتخيّلات والجوانب الأخرى. 

  • مقام السيّدة هاجر: التوكّل المطلق الذي لا يلتفت حتّى للنبيّ!

  • لماذا يجب علينا أن نقتدي بالسيّدة هاجر عليها السلام؟ لماذا يجب أن نتّبعها؟ لماذا يجب أن نسير خلفها؟ ما معنى ما فعلته السيّدة هاجر؟ لقد بحثَتْ عن الماء سبع مرّات، والماء هو مصدر الحياة، ومصدر العيش، ومصدر النشاط، ومصدر النموّ. فالذي لا يشرب الماء يموت بعد أيّام. قد يستطيع الإنسان أن يصبر عن الطعام، ولكنّه لا يستطيع أن يصبر عن الماء، فإنّه سيُهلك. فالماء إذن هو مصدر الحياة والعيش. والسيّدة هاجر هذه، التي ذهبت تبحث عن ماء الحياة لطفلها، ماذا فعلت؟ وفي أيّ حال كانت حتّى نجعل عملها رمزًا لنا؟ وحتّى نقوم نحن أيضًا بالعمل نفسه؟ لماذا؟ 

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

6
  • لأنّ السيّدة هاجر عليها السلام كانت تتلهّف إلى باب الله وحده لا شريك له. إنّها قصّة عجيبة حقًّا! هل تعلمون ما معنى ذلك؟ أن يقول النبيّ إبراهيم عليه السلام لامرأة: «انهضي وخذي طفلكِ، وتعالي معي من فلسطين إلى مكان ما»! إلى أين؟ غير معلوم. يقول النبيّ إبراهيم عليه السلام: «هل أنتِ مستعدّة أم لا؟» فتقول: «أنا مستعدّة!». كانت تعلم أنّها ستأتي وتضع طفلها ثمّ يعود زوجها. ولكن إلى أين؟ لم يكن معلومًا! فأن يقوم النبيّ إبراهيم عليه السلام، فله مقاماته ولن نتحدّث عنها الآن، ولكن أن تقوم امرأة، امرأة كلّ حياتها وتعلّقها هو طفلها! وكذلك حياتها وعمرها، أن تنهض في هذا الوضع وتقطع ثلاثمائة فرسخ من فلسطين، وتصل إلى مكان لا يطير فيه طائر! والحرارة ستّون درجة، والنار تتأجّج من هذه الصخور، وهناك يأتي الخطاب: «ضع هذه المرأة والطفل هنا، ولا تلتفت وراءك»! ولم يلتفت النبيّ إبراهيم عليه السلام! لم ينظر ليرى حال طفله! فهل مررنا بمثل هذه الامتحانات؟ لا تلتفت وراءك وعد، عد في أمان الله. 

  • ـ ولكن ماذا سيحلّ بهما؟ 

  • ـ هذا لا يعنيك! 

  • ابتلاءات النبيّ إبراهيم: بين الدعاء والتسليم لأمر الذبح

  • لا تظنّوا أنّ النبيّ إبراهيم عليه السلام ذهب إلى هناك ووضعهما ثم تركهما وعاد، لا! بل بدأ هناك بالدعاء: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾.۱ 

  • الكلام هو أنّ هذه كانت أدعيةً دعا بها النبيّ إبراهيم عليه السلام، ولكن كان هناك ألف احتمال للهلاك والفناء في هذه القضيّة! لم يكن الأمر كما تتصوّرون بأنّ حكومة السعوديّة ستبني الأبراج، وتقيم المنشآت، وتأتي السفن بالفاكهة، فيصبح المكان على ما هو عليه الآن، لا! بل كانت قضيّة فناء وهلاك! 

  • ألم تكن هناك قضيّة الذبح؟ عندما رأى النبيّ إبراهيم عليه السلام في المنام أنّه يذبح إسماعيل، فهل ظنّ أنّها مزاح في المنام؟ كلّا، لقد كان سيقطع رأسه، وبقصد قطع رأس ابنه، أمسكه بيده وأتى به إلى منى، لم يأتِ بسكّين من ورق مقوّى أو بلاستيك ليذبحه. لا يا عزيزي! لقد رأى أنّه يقطع رأسه. ثمّ فجأة تغيّر القدر، وأصبحت القضيّة بشكل آخر ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾٢، وحدثت أمور أخرى. 

    1. سورة ابراهيم (۱٤) الآية ٣۷. 
    2. سورة الصافات (٣۷) الآية ۱۰۷.

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

7
  • تجلي العوض الإلهيّ: حين ينبع الماء من تحت قدمي الرضيع

  • والآن، يُقال لهذه المرأة أن تنهض وتأتي إلى ذلك المكان، فيضعهما هناك ويذهب! لم تقل لزوجها مرّة واحدة: «ماذا تفعل بنا بتركنا هنا؟! على أيّ أمل تتركنا؟!» لماذا لم تقل ذلك؟! لماذا لم تقل لزوجها ذلك؟! لأنّها كانت متوجّهة إلى جهة واحدة فقط. كان توجُّه السيّدة هاجر منصبًّا على جهةٍ واحدة فقط. كانت تقول: «إنّه أمرٌ، وانتهى، لا مشكلة!» كان قلبها متوجِّهًا نحو نقطةٍ واحدة فقط. حتّى إنّها لم تعتمد على زوجها الذي كان نبيًّا، النقطة المهمّة تكمن هنا! يقول الإمام السجاد عليه السلام: «وَأَنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضاً مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ».

  • حاشا للّه، ونعوذ بالله، لم يكن النبيّ إبراهيم عليه السلام من الباخلين، ولكنّه كان غير الله! كان مخلوقًا، وفي تعيّن، وفي النهاية كان فردًا يختلف عن الله! فالله شيء، وتلك الحقيقة شيء آخر، فهذه كلّها تعيّنات، وكلّها تنزّلات لتلك الحقيقة، للحقيقة البسيطة. لم تكن السيّدة هاجر عليها السلام متوجّهة حتّى إلى النبيّ إبراهيم عليه السلام. كانت تنظر إلى واحد فقط. ولمّا أصبح الأمر هكذا، ماذا حدث؟ رأَت فجأةً أن يا للعجب! قد فار الماء من تحت قدمي إسماعيل الذي كان يحرّكهما على الأرض ويبكي، فهذا هو معنى «عِوَضاً مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ» هنا تكمن الحقيقة! لقد وضعتِ كلّ أملكِ في مكان واحد، والآن تعالي وانظري إلى النتيجة! لقد ألقيتِ بكلّ رأس مالكِ وكلّ أفكاركِ في مكان واحد، والآن تعالي وانظري هل هناك عوض أم لا؟ 

  • حقيقة التوحيد: أن تسلّم الأمر للّه بالكامل دون أدنى تدخّل منك

  • ليت الإنسان يجرّب هذا الأمر حقًّا، إنّه شيء حاضر نقْدًا، ونحن تركنا هذا النقد وانشغلنا بالديون والآجال. فلنرَ هذا الرجل، ولنرَ ذاك، لعلّ هذا يفعل لي شيئًا، ولعلّ ذاك يفعل لي شيئًا! عجيب حقًّا! عجيب جدًّا! هؤلاء الذين يراهم الإنسان ويظهرون في هذه الدنيا بأقنعة مختلفة، وألوان مختلفة، وأشكال مختلفة...! 

  • كان أحد الذين توفّوا ـ رحمه الله، وكنت قد درست عنده مدّة ـ ينقل أنّه في بعض الأحداث التي وقعت وقدّر الله وقوعها، وكان هذا الرجل مبتلى بها مدّةً، قال: بعد أن حُلّت المسائل وانقضت، علمتُ أنّ أحد الذين لم أكن أصدّق ذلك منهم أبدًا، أي لو أنّ جميع الناس في العالم خطروا ببالي، لما خطر هذا ببالي أنّه هو الذي ذهب وسعى بي، ثمّ تبيّن أنّ كلّ هذه المتاعب كانت بسببه! فقد كنت أكنّ له محبّةً وأهتمّ به كثيرًا، فما هذه القضيّة؟! 

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

8
  • السبب هو أنّ جميع هذه العلاقات والتعلّقات هي تعلّقات لا تحمل جانبًا إلهيًّا، بل لها صورة إلهيّة، ولكن ألف تخيّل وتصوّر وعلاقة وفكرة وخيال ووسوسة ووهم وتعلّق وحبّ وبغض وغيرها، تأتي وتفسد صورة المسألة وتخلطها. هنا نرى أنّ حقيقة التوحيد، والتوحيد الحقيقيّ، يكمن في نقطة واحدة، وأنّ الذهاب إلى غير هذا الموضِع، والتردّد على أيّ باب آخر، هو خلاف الصواب. 

  • فهل حدث أن ندمت بعدما وكّلتَ أمرك حقًّا إلى الله؟! ولكن كلّما تدخّلنا بأنفسنا قليلًا، وقلنا: «لا، نريد أن يكون الأمر هكذا أيضًا. يا ربّ، ليكن ما تريد» ، ولكن في أعماق قلوبنا نريد أن يكون الأمر هكذا، فسد الأمر! فنقع في حيرة، ونضطرب، ونقول: «آه، لماذا حدث ذلك؟» ولكن لو لم نفعل ذلك! لو أنّنا في كلّ قضيّة ومسألة قلنا: «يا ربّ، إنّنا حقًّا نريد ما تريده أنت» بدون أن نكذب في ذلك! لأنّ الشيطان يأتي ويخدعنا في هذا الأمر أيضًا! أي أن نضع أنفسنا حقًّا في موضع لا يختلف فيه عندنا طرفا المسألة، حينئذٍ نرى كيف يسير هذا الخطّ بسلاسة، يدور ويصل إلى نقطة ما ويتوقّف عندها! لماذا؟ لأنّ الله يريد صلاح عباده أكثر من أنفسهم. فعندما يرى عبدًا أتى ووكّل الأمر إليه حقًّا، فلماذا يضلّه الله؟ لماذا يتركه يتخبّط؟ إذا وكّل الأمر إليه حقًّا! فلماذا يضلّه الله؟ لماذا؟! بل إنّه سيسيّر الأمر بما فيه صلاحه، ويفعل له ما هو الأصلح له. 

  • الاقتداء بالسيّدة هاجر: تجريد النفس من كلّ التعلّقات في السعي

  • بما أنّ السيّدة هاجر عليها السلام كانت موحّدة، فإنّ الله يقول للجميع: «يجب عليكم أن تقتدوا بالسيّدة هاجر هنا». يقول للجميع: «يجب عليكم أن تقتدوا بها. يجب على الجميع أن يأتوا بالأشواط السبع هذه، وإن لم تفعلوا فعملكم باطل! وعمرتكم باطلة!» ، وإذا بطلت العمرة فيا ويلاتاه! فأولئك الذين لديهم زوجات بأيّ وجه يعودون؟! وأولئك الذين ليس لديهم لا يستطيعون الزواج بعد ذلك، فالعمرة تبطل! 

  • في هذه السفرة التي كنّا فيها، أتى رجل عجوز يرتجف أمامي، وقال: «يا سيّد، ماذا أفعل؟!» قلت: «ماذا حدث؟» قال: «يقولون إنّ عمرتك باطلة.» قلت: «حسنًا، إن كانت باطلة فلتكن!» قال: «يا سيّد، زوجتي تحرم عليّ!» قلت: «أنت على وشك الموت، فليكن!» قال: «انظروا إلى هذا السيّد، ماذا يقول لي! يقول لي: فليكن!» مازحته قليلًا، ثمّ قلت: «لا يا سيّدي، اذهب، عمرتك صحيحة، واطمئنّ، وزوجتك حلال لك، لا تقلق، لا شيء عليك!»

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

9
  • إذا لم تفعل ذلك فالعمرة باطلة والحجّ فيه إشكال. يجب عليك أن تذهب وتأتي بهذه الأشواط السبع مقتديًا بالسيّدة هاجر عليها السلام، وتضع نفسك في ذلك الموقف، وتتّخذ هذا الأمر رمزًا في قلبك، وتقرّب نفسك إلى مقام السيّدة هاجر وموقفها، وتسلب عن نفسك جميع التعلّقات، وتجد نفسك وحيدًا، بحيث لا يخطر ببالك أيّ شخص أو أيّ شيء، لا صديق، ولا مريد، ولا رئاسة، ولا مسجد، ولا دكّان، ولا عيادة، ولا مكتب، ولا جاه، ولا توقيع، ولا أيّ شيء، لا ينبغي أن يخطر ببالك هناك أيّ شيء ولو بمقدار رأس إبرة! 

  • سيرة المعصومين في الحجّ: الخضوع لمظاهر التوحيد

  • ولهذا السبب كان المرحوم الوالد يقول: «عندما تذهبون إلى مكّة، فلا تفكّروا حتّى في النبيّ، بل توجّهوا إلى الله فقط»، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نفسه عندما يأتي إلى هنا، يأتي بهذا الفكر وبهذا المبدأ. فهذا مكان لا تسمح فيه غيرة الله أن يحضر فيه غيره، حتّى لو كان النبيّ! هذا مكان خصّصه الله لنفسه فقط. 

  • رغم أنّ حقيقة هذا البيت، هي الولاية، وقبول الطواف وقبول الأعمال يكون بعرْضِها على الولاية وقبولها. فقد قال الإمام الباقر عليه السلام: «إِنَّمَا أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَأْتُوا هَذِهِ الْأَحْجَارَ فَيَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَأْتُونَا فَيُخْبِرُونَا بِوَلَايَتِهِمْ وَيَعْرِضُوا عَلَيْنَا نَصْرَهُمْ»۱ 

  • لقد أُمر الناسُ أن يطوفوا حول هذه الأحجار. هذه الأحجار هي أحجارٌ تمثّل مقدّمةً لنا، مقدّمةٌ للدخول في حريمنا، ثمّ يأتوا فيعرضوا ولايتهم حتّى تُقبَل. 

  • فبدون الإمام عليه السلام لا قيمة لشيءٍ أبدًا، ولو مقدار فلس واحد! ولكنّ الإمام نفسه، من حيث حفظ الظاهر، عندما يرى أنّ الله قد جعل هذا المكان محلًّا للتوحيد، فإنّه هو يأتي بنفسه ويطوف حوله! وهذا الإمام السجاد عليه السلام، فهل تعلمون كم مرّة ذهب إلى مكّة، وكم أمسك بستار الكعبة وبكى بكاءً مرًّا؟! قصّة الإمام السجاد مع الأصمعيّ، وقصّته مع طاووس اليمانيّ، وقصّته مع غيرهما من الأصحاب والأفراد المختلفين، حين ذهبوا في منتصف الليل فرأوا شابًّا في هذه الحال يقول: 

  • إلَهِي عَبْدُكَ الْعَاصِي أَتَاكَا***مُقِرًّا بِالذُّنُوبِ وَ قَدْ دَعَاكَا
    1. علل الشرائع، ج ٢، ص ٤١٩

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

10
  • وهي أشعار عجيبة جدًّا. 

  • ذهب الإمام الحسن عليه السلام إلى مكّة خمسًا وعشرين مرّة، أغلبها ماشيًا على قدميه، لا بطائرات تتّسع لخمسئة راكب وتصل في ساعتين مثلاً! فلماذا كلّ هذا؟ وماذا كان الإمام الحسن عليه السلام يرى؟ ماذا كان الإمام الباقر والإمام الكاظم والإمام السجاد عليهم السلام يرون في هذه الكعبة في ذلك الزمان؟ هل كان غير ظهور التوحيد؟ فالإمام نفسه مظهر التوحيد! إذن هو يحبّ المكان الذي هو محلّ ظهور التوحيد، ويرغب فيه، ويميل إليه، ويشعر فيه بمشاعر، ويدرك فيه إدراكات! 

  • لقد قامت السيّدة هاجر عليها السلام في مقام الإخلاص بعملٍ أوجبه الله على جميع الناس، حتّى على أوليائه آمرًا إيّاهم «أدّوا هذا الفعل». لماذا يجب علينا أن نفعله؟ لأنّ الله يقول: «لا فرق عندي بين النبيّ والسيّدة هاجر!» هذا هو التوحيد! والآن، فإنّ إمام الزمان عليه السلام عندما يفعل نفس ما فعلته السيّدة هاجر، هل يقول هناك في ذلك الموقف: «إنّ ما سوى الله، من العرش والفرش وجميع العوالم السبعة تدور على إصبعي!؟»والواقع هو كذلك، فجميع العوالم، عوالم الناسوت، والملكوت، واللاهوت، والملك، والملكوت، كلّها تدور بإرادة ومشيئة إمام الزمان. والحجّاج الذين يسعون الآن بين الصفا والمروة، يفعلون ذلك بإرادة إمام الزمان! ولكنّ إمام الزمان نفسه يفعل هذا الفعل، ويذهب ويأتي سبع مرّات، لماذا؟ لأنّه يرى أنّ هذا العمل كان للّه. فالله قد وضعه هنا، فلم يعد هناك مظهر! لم تعد هناك السيّدة هاجر! فعندما يكون العمل للّه، يجب على إمام الزمان أن يفعل العمل نفسه. ويجب على الأولياء أن يأتوا ويفعلوا العمل نفسه. وعندما أصبح عمل النبيّ إبراهيم عليه السلام للّه، وبنى هذه الأحجار، فيجب على البقيّة أن يأتوا ويدوروا حولها. لا ينبغي لهم أن يقولوا: «ذاك كان النبيّ إبراهيم، وهذا لا يعنينا!»

  • حكاية من سيرة العلامة الطهرانيّ: هل يمنع العلمُ الأعلى الاقتداء بالأدنى؟

  • في بداية الثورة، كانت تقام صلاة الجمعة في ميدان الشاه بطهران، مسجد الشاه الذي أصبح فيما بعد مسجد الإمام. وكان المرحوم الوالد يذهب إليها في ذلك الوقت، وكنّا نذهب معه أحيانًا عندما نكون في طهران. كانت تقام هناك صلاة الجمعة. وكان هناك خطيب وإمام جماعة، لا أدري هل ما زال على قيد الحياة أم لا! وفي يوم من الأيّام، بينما كنّا نتّجه ظهرًا إلى ذلك المسجد، التقينا برجلين، أحدهما كنت أراه سابقًا في قم، والآخر كان في طهران ولا أدري هل توفّي أم لا، وكان هذا الأخير شيخًا كبيرًا ومن أعيان طهران المعروفين جدًّا، فقال: «إلى أين تتشرّفون بالذهاب يا سيّدنا؟» فقال الوالد: «إنّها صلاة الجمعة، نذهب لصلاة الجمعة». فسأل الرجل بتعجّب: «يا سيّدنا! أتذهبون لصلاة الجمعة؟! أنتم أعلم! فهل أكتب ذلك يا سيّدنا؟! هل أكتب أنّكم أعلم؟!» فقال الوالد: «لنكن أعلم، إنّها صلاة الجمعة!» فقال الرجل الذي كان يرافقه والذي كان يقول «يا سيّدنا، أنت أعلم، فكيف تذهب؟!»: «يا عزيزي، دعنا نذهب، فالسيد الطهراني هذا، الذي هو على هذا الحال ومع ذلك يقتدي بغير الأعلم، أمّا أنا وأنت فلا نقتدي حتّى بجبرائيل! إنّ حساب السيّد الطهرانيّ يختلف». وبعد أن ذهبنا، التفت إليّ وقال: «وهل إذا كان أحدهم أعلم لا ينبغي له أن يصلّي خلف غير الأعلم؟!»

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

11
  • فهل تلتفتون؟ هل إذا كان أحدهم أعلم لا ينبغي له أن يصلّي خلف غير الأعلم؟ هب أنّني الأعلم، فهل لا ينبغي لي أن أصلّي خلف غير الأعلم؟! التفتوا إلى طريقة التفكير! 

  • ميزان القرب الإلهيّ: العبوديّة والإخلاص لا المقام والمنصب

  • فهل يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله: «أنا أعلى مقامًا من النبيّ إبراهيم، فلماذا عليّ أن أذبح الكبش؟!» وهل يأتي إمام الزمان ويقول: «أنا أعلى مقامًا من السيّدة هاجر ـ وإمام الزمان لا يقول أبدًا إنّه أعلى، بل نحن نراه أعلى، لا أنّه هو الذي يقول ذلك ـ فهل أفعل هذا؟!»

  • لأنّ النبيّ إبراهيم عليه السلام ذبح ابنه، ولأنّه رمى الجمرات ثلاث مرّات، فيجب علينا نحن أيضًا أن نفعل ذلك. ولو قال الإمام عليه السلام: «أنا أعلى مقامًا، فأين مقام النبيّ إبراهيم من مقامي! وأين كانت السيّدة هاجر كذلك!» لكان ذلك هو السقوط. وطبعًا، لا يخطر مثل هذا الفكر في مخيّلة إمام الزمان أصلًا! لأنّي أعلى، ولأنّي أدنى، ولأنّي كذا...، لا وجود لهذه الأقاويل أصلًا! 

  • إمام الزمان يرى التوحيد الذي ظهر هنا وحسب، ويجب عليه أن يتبع هذا الظهور. سواء كنتُ إمامًا أم لم أكن. عندئذٍ تصبح القضيّة جميلة جدًّا! تصبح المسألة جميلة جدًّا، وتزول كلّ هذه الشكليّات، وهذا "الأنا" و"الأنت"، وهذا "الأعلى" و"الأدنى"، و"أنت كذا" و"أنا كذا"... كلّ هذه الأقاويل تنتهي! 

  • عندئذٍ لا يستطيع المرء أن يتكلّم على أساس الأعلى والأدنى، بل يتكلّم على أساس التكليف، لا على أساس الأعلى والأدنى. تكون له علاقات، ولكن ليس على أساس العلاقات الشخصيّة، بل على أساس الضوابط الإلهيّة! يكون مع الناس، ولكن ليس على أساس الكثرات، بل على أساس الملاكات التوحيديّة. كلّ شيء يتغيّر. تتغيّر النفس، ويتغيّر الفكر، وتتغيّر التخيّلات، وتتغيّر التصوّرات كلّها، فتصبح تصوّرات إلهيّة! عندئذٍ يصبح هذا الفرد موحّدًا وعارفًا. 

  • هل تظنّون أنّ المرء يجلس هكذا، ثمّ يستيقظ صباحًا فيصبح عارفًا؟ كأنّه فرخ يخرج من بيضته فيصبح عارفًا! لا يا عزيزي، لقد مرّ بألف بلاء. هل أصبح عارفًا هكذا بسهولة؟! والآن، العرفاء كثيرون جدًّا! لا يا سيّدي، الأمر ليس كذلك، لا يخرج عارف حتّى يدخل الجملِ في سمّ الخياط.

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

12
  • وعندما تركت السيّدة هاجر ابنها هناك، هل تعلمون ماذا كانت تقول؟ كانت تقول: «يا ربّ، هذا الطفل طفلك، وهذا العبد عبدك، إن شئت أن يموت من العطش فليمت، وإنّني الآن أقوم بواجبي، وبناءً على الرغبة التي أودعتها فيّ بأن أسقيه، أذهب وأفعل ذلك. وإن شئت أن أموت أنا أيضًا من العطش فليكن، فلنمت من العطش!»

  • عندئذٍ، في مثل هذا الموقف، ماذا تصبح القضيّة؟ يصبح هذا المكان محلًّا للتوحيد، لماذا؟ لأنّه هنا أصبح خالصًا. هنا أصبح مائة بالمائة. هنا مكانٌ لا يفرَّق فيه بين السيّدة هاجر والنبيّ وسائر الأفراد والأئمّة والأولياء والناس العاديّين، فالنظر من الأعلى إلى الجميع سواسية، والجميع يصبحون عبيدًا، فمن كان خلوصه أكثر، فهو في المقدّمة. يطوف مائة ألف شخص، فمن كان خلوصه أكثر كان هو في المقدّمة. 

  • مشاهدة من عالم الملكوت: كيف يُوزّع النور على الطائفين؟

  • كان أحد الرفقاء يروي قائلاً: كنت جالسًا بجانب المسعى، وكنت أنظر. كان الوقت ليلاً. فرأيت فجأة كأسًا من نور يضيء من فوق الكعبة باتّجاهها، كأس كرويّ الشكل، أو نصف كرويّ، في ارتفاع عالٍ جدًّا فوق الكعبة. وكان يرسل نوره على الكعبة، ومن الكعبة ينعكس على الناس، ولكنّ شدّة الإشعاع كانت تختلف من شخص لآخر، فكان يصل إلى أحدهم وميضٌ خافت، كخطوط ضوءٍ من سراجٍ في الليل! وإلى آخر أكثر، وإلى آخر أكثر وأكثر، فنظرت لأرى من هم هؤلاء الذين كانت شدّة النور عليهم قويّة جدًّا. وقلت في نفسي: «لأرَ من هؤلاء!»، فذهبتُ لأرى، فإذا بهم، وعلى العكس مما يُتوقّع، رجلٌ فقيرٌ ضعيف، يعيش في حاله الخاص مثلًا! ولكنّي نظرتُ إلى بعضهم فرأيتُ النور عندهم ضعيفًا جدًا، فذهبتُ لأرى مَن هم ـ حسنًا، لن نذكر أسماء الآن ـ فإذا به 'سماحة' فلان وفلان!

  • نصيحة السيد الحدّاد: اطلبوا أن يُؤخذ منكم، لا أن يُضاف إليكم!

  • يا عزيزي! في ذلك المكان، لا وجود لهذه الأمور، هذه المراتب العليا والدنيا كلّها لهذا الجانب من القضيّة، أمّا هناك فلا، فالحساب هناك على أساس العبوديّة. فكلّما زادت العبوديّة، وكلّما زادت المسكنة، كلّما زاد ذلك الصفر، فالبعض صفر واحد، والبعض الآخر صفران. ولو أصبحنا يومًا ما أصفارًا بلا نهاية، فحينئذٍ يصبح الأمر شيئًا آخر، يجب علينا أن نضيف الأصفار لا الأعداد! 

حقيقة التوحيد في قصّة السيّدة هاجر عليها السلام - لماذا يقتدي النبيّ والإمام بعمل امرأة؟

13
  • وعلى حدّ قول السيّد الحدّاد: «يأتي البعض ويقول: أضف إلينا، ولا يقولون: خذ منّا!»

  • دائمًا يقولون: أضف إلينا عددًا، ليصبح الرقمان ثلاثة، والثلاثة أربعة، ولا يقولون: لتُؤخذ منّا هذه الأعداد وتُضاف إلى الأصفار.

  • الأمر هناك عكس الامتحانات التي تُجرى في المدرسة! في الامتحانات، كلّما كان العدد أكبر حتّى يصل إلى عشرين، كان صاحبه هو الفائز. أمّا هناك، فكلّ من كانت أصفاره أكثر، ومن حصل على عشرة أصفار، كان هو الفائز! أمّا أنتم فلا تحصلوا على أصفار في المدرسة! احصلوا في المدرسة على عشرين. هذا هو الحساب الموجود هناك! 

  • نسأل الله أن يوفّقنا جميعًا، ويبدو أنّنا أطلنا قليلًا، تبقى تتمّة المسألة والكلام للجلسة القادمة إن شاء الله. 

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ