9

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين

آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

83
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1424

التاريخ 1424/09/14

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

تتناول هذه المحاضرة ولاية الإمام المهديّ عليه السلام على الدين في زمن الغيبة. وتناقش مخاطر الشهرة والسعي للزعامة الدينيّة دون إذن إلهي من الإمام، مستعرضةً مواقف العلماء الربانيّين من هذه الإغراءات. كما توضّح واجب المؤمن في زمن الغيبة، وكيفيّة حفظ الدين من الانزلاقات، مؤكدةً على أهميّة الورع والاحتياط والفرار من الشهرة المذمومة.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين

  • آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٤ هـ - الجلسة التاسعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

2
  •  

  •  

  • أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

  • بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

  • وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أَبِي القَاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَاللَّعْنَةُ عَلَى أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ.

  •  

  •  

  • «إِلَهِي رَبَّيْتَنِي فِي نِعَمِكَ وَإِحْسَانِكَ صَغِيرًا وَنَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيرًا» 

  • يا إلهي، في طفولتي ربّيتني في نعمك وإحسانك، وفي كبري أعليت شأني ورفعت اسمي بالخير.

  • الشهرة: من أخطر آفات السالكين إلى الله

  • تقدّم أنّ من أخطر آفات الطريق وعقباته الكؤود الصعبة الشهرةُ، وأن يصبح الإنسان معروفًا ومشهورًا بين الناس. وستأتي تفصيلات أكثر لهذه المسألة ـ إن شاء الله تعالى وبتوفيقٍ منه ـ في شرح حديث عنوان البصري بشكل أوضح وأكثر تخصّصًا. وخلال الليالي القليلة الماضية، عرضنا على الرفقاء والأصدقاء بعض الأمور المتعلّقة بهذه المسألة إلى حدّ ما، مع ذكر أمثلة وحكايات وبيان للمسائل المرتبطة بذلك، ومرّ أنّ الأعاظم كانوا دائمًا يفرّون من الشهرة ويتجنّبون الصيت وأن يُعرفوا؛ لأنّ اكتساب الشهرة كمثل فرد يُخرج جوهرة من صندوق ويعرضها على مرأى من الناس ومنظرهم، فيتحلّق الناس حولها، وعندها يزول ذلك الأمان وتلك الطمأنينة التي كانت موجودة قبل ذلك، لا يعود ذلك الأمان موجودًا، فالجميع يعلمون أنّ لديه مثل هذه الجوهرة في منزله، فتُسلب منه حالة السكينة تلك.

  • ووصل بنا الكلام إلى أنّه لا ينبغي للإنسان نفسه أن يسعى أو يبذل جهدًا لاكتساب الشهرة. فأحيانًا، يريد الله تعالى بنفسه أن يجعل أمرًا ما معروفًا ومشهورًا، فهذا أمر آخر.

  • قصّة الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ رضوان الله عليه: عندما تفرض المشيئة الإلهية الشهرة

  • كان الشيخ الأنصاري رضوان الله عليه يقول: «عندما جئت إلى همدان، كنت متخفّيًا، ولم يكن أحد على علم بأحوالي. كنت فردًا كسائر الأفراد، رجل دين كسائر رجال الدين، لم يكن هناك فرق بيني وبين البقيّة. إلى أن جاؤوا إليّ بعد المرحوم السيّد القاضي رحمه الله، وكلّما حاولت التملّص، وجدت أنّ الأمر لا يجدي نفعًا. وهناك رأيت أنّ المشيئة والقدرة الإلهيّة والتقدير قد تعلّقت بالإشاعة والشهرة والصيت.» وهذه مسألة مهمّة جدًّا: هل الإنسان هو الذي يسعى أم أنّ الله هو الذي يوجد هذا التقدير له؟

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

3
  • يأتي الشيطان هنا ليتسلّل ويقحم نفسه، تحت ذريعة بيان العقائد والدفاع عن المدرسة، وأنّ الخطر الآن يهدّد كيان الإسلام، وأنّه واجب شرعيّ وعقليّ ووجدانيّ وعرفيّ واجتماعيّ و... . كلّ هذه مجتمعة لا تترك مجالًا أو مفرًّا للاختيار، في حين أنّ كلّ هذا من حبائل الشيطان التي ينسجها في فكر الإنسان وذهنه.

  • لستَ قيِّمًا على الناس: الدين له صاحب وإمام!

  • يا عزيزي الذي يقول: إن لم أقم بهذا العمل، فسيبقى معطّلًا. حسنًا، فليبقَ! ما شأنك أنت؟ هل أنت قيّم على الناس؟ وهل أنت مؤهّل وكفء لهذا العمل؟ أليس للناس إمام؟ أليس للناس وليّ؟ أليس للناس صاحب اختيار؟ فتنحَّ جانبًا، وقل: لا علاقة لي، فلي وليٌّ.

  • كان الشيخ المفيد ذكيًّا، وكان فهيمًا وفطنًا ومحنّكًا. ففي أحد الأيّام أفتى فتوى ما، حيث جاؤوا إليه وقالوا: يا شيخنا هناك امرأة حامل توفّيت، وطفلها في شهره التاسع، فماذا نفعل الآن؟ قال: «هتك حرمة جنازة المؤمن والمؤمنة حرام، ولا يجوز شقّ هذه الجنازة، ويجب أن تُدفن على هذا النحو.»

  • أحكام نقل الجنائز: متى يجوز ومتى يكون باطلاً؟

  • الآن من الأعمال التي يقومون بها أنّهم يخرجون جنازة قد دُفنت من القبر، فيضعونها في تابوت ويشيّعونها! فهل بقيت من هذه الجنازة أجزاء أم أنّها قطعة عظم واحدة، أو ربما حتى ذلك لم يبق! يخرجونها ويحضرونها. فكلّ هذه الأعمال حرام. الجنازة التي دُفنت، حرام على الإنسان أن يخرجها ويشيّعها. لقد دُفنت، وإخراجها هذا هتك لحرمتها، ولا يجوز للإنسان نقل الجنازة من مكان إلى آخر، إلا إذا كانت الجنازة سليمة وكان [الميّت] قد أوصى بنقلها إلى الأماكن المباركة والمراقد المطهّرة. أما أن يُتوفى أحدهم في طهران مثلًا، ثم تُنقل جنازته لتدفن في همدان، فهذا حرام، هذا حتّى قبل أن يدفنوه، فما بالك فيما لو دفنوه! فهذه مسألة لا نقاش فيها أصلًا. أو أن يُتوفى أحدهم في مكّة مثلًا، فتُجلب جنازته إلى إيران، فهذا حرام. جنازة من يتوفّى في مكّة يجب أن تُدفن هناك، ومن يتوفّى في المدينة يجب أن يُدفن هناك. ونقلها من هذه الأماكن هو أسوأ، وكلّ هذه الأمور باطلة، كلّها باطلة وخروج عن المسار والطريق، وعيش وفق الأهواء والخيالات، وسير في عالم الاعتبارات.

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

4
  • من سيرة الأعاظم: الملاّ صدرا والمير داماد ودفنهما حيث ماتا

  • كان الملا صدرا رحمه الله في طريقه إلى مكّة ـ وقد حجّ خمس مرات ماشيًا على قدميه إلى مكّة، صدر المتألهين رحمه الله هذا الذي يكفّرونه! يقولون إنّ عقائده كفريّة! ـ حجّ خمس مرّات إلى مكة ماشيًا. وفي المرّة السادسة، وصل إلى البصرة، فتوفيّ في البصرة ودُفن هناك، فقبره الآن في البصرة. وأستاذه المير داماد رحمه الله، وفي سفر له من النجف إلى كربلاء، توفيّ في منتصف الطريق، حتى أنّهم لم يسمحوا بإحضاره إلى كربلاء. كان اعتقادهم أنّه حيثما يتوفى الإنسان يجب أن يُدفن هناك. والمير داماد رحمه الله كان من الأعاظم ومن علمائنا وفقهائنا وفلاسفتنا، ولا يمكن لأحد أن يشكّ في علمه أبدًا. كان رجلًا عظيمًا جدًّا، كان معاصرًا للشيخ البهائيّ رحمه الله، وفي المسائل الفلسفيّة والعرفانيّة كان بالتأكيد أقوى من الشيخ البهائيّ رحمه الله، طبعًا الشيخ البهائيّ رحمه الله كانت له معلومات في مسائل أخرى أيضًا. يُقال إنّه توفي في مكان ما بين النجف وكربلاء، في منتصف الطريق، يُقال له خان النص ـ و"النص" بالعربية تعني منتصف الطريق ـ توفيّ هناك ودُفن هناك. وقبر المير داماد رحمه الله الآن في خان النص، فقد دفن هناك.

  • فكلّ هذه الأمور باطلة. 

  • فيجب على الإنسان أن يتجنب الشهرة وهذه الأمور. وكان دأب الأعاظم على اجتنابها، وكانوا يرونها عائقًا. وكانوا يعتبرونها عائقًا عن الطريق. والسبب واضح أيضًا؛ لأنّ الإنسان إذا اشتهر، ضاع. 

  • نقول: يجب أن نقوم بهذا العمل، وإن لم نقم به، فلن يستطيع أحد القيام به. حسنًا، فلا يقم به أحد، وما شأننا نحن بذلك؟! 

  • تتمة قصة الشيخ المفيد: كيف تدخَّل الإمام عليه السلام لتصحيح الفتوى؟

  • تقدّم أنّهم جاؤوا إلى الشيخ المفيد، فأمرهم أن يذهبوا ليدفنوها، فذهبوا هم أيضًا ليدفنوها. وفي الطريق، رأوا رجلًا أقبل ووقف أمامهم وقال: «الشيخ المفيد يقول: شقّوا بطن المرأة وأخرجوا الطفل». فذهبوا وفعلوا ذلك، لأنّهم اعتقدوا أنّ الشيخ المفيد قاله. وبعد مدّة، جاؤوا إلى الشيخ المفيد وأحضروا الطفل معهم، وقالوا: «ببركة مسألتك، هذا الطفل حيّ وهو الآن على قيد الحياة». فقال: «ماذا كانت القضيّة؟» قالوا: «ألم تأمر أنت بذلك؟! فقد كنّا في طريقنا، فجاء رجل من طرفك وقال: الشيخ المفيد قال: لا تدفنوها! بل شقّوا بطنها وأخرجوا الطفل!»

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

5
  • ففهم أنّ هذه المسألة كانت من الإمام المهديّ عليه السلام، وإلّا فهو لم يقل ذلك! وقال: «عجبًا! أنا أُفتي بين الشيعة بخلاف حكم الله ورسوله والإمام عليه السلام!» وفي اليوم التالي أغلق بابه، ولم يقل لنفسه شيئًا وأنّي إذا أغلقتُ الباب، فماذا سيفعل الناس؟ انتبهوا أيّها الرفقاء! هذا هو المنعطف، هذا هو المكان الذي يسقط فيه الكثيرون ويقعون في الخطأ وخلاصة الأمر أنّهم يخسرون.

  • الإمام المهديّ عليه السلام هو المرجع: لا حاجة لتنصيب النفس قيِّمًا على الدين!

  • لو كان هذا الاستدلال وجيهًا، لكان في زمان الشيخ المفيد أوجَه من هذا؛ لأنّه لم يكن هناك أحد غير الشيخ المفيد. فالناس يا سيّدي يريدون أحكام المسائل! إذا أراد الناس ذلك يا سيّدي، فهل أنا قيّم عليهم؟! ما شأني أنا بأنّ الناس يريدون أحكام المسائل؟! للناس إمام، فليذهبوا ويسألوا إمامهم. ذلك الإمام الذي لا يستطيع أن يُنْجدهم هنا لا يساوي فلسين! فما هذا الكلام؟!

  • صفات الإمام الحق: العلم والقدرة على هداية الأمة

  • ذلك الإمام الذي تكون يده مغلولة هنا وعاجزًا عن الإرشاد إلى الطريق، لا يساوي ريالًا واحدًا، لا يساوي قرشًا واحدًا! نحن نقبل بذلك الإمام المهديّ عليه السلام الذي تكون جميع نوايانا ـ فما بالك بحاجاتنا ـ جميع نوايانا قد وجدت في صفحة وجوده قبل أن توجد تلك النوايا فينا. فهذا الإمام المهديّ عليه السلام نقبله ونعتقد به. فهل يترك ذلك الإمام المهديّ عليه السلام الأمور؟! هل يتخلّى عنها؟! هل يدع الفوضى تعمّ؟! هل يدع كلّ ما يراد أن يكون يكون؟ أم لا؟!

  • عندما يعلم الإمام المهديّ عليه السلام أنّنا مخادعون، يقول لنا: بما أنّكم مخادعون، فذوقوا وبال أمركم! بما أنّكم لا تريدون أن تأتوا إليّ بصدق فذوقوا. يلقي الحبل على غاربكم ويقول: فلتدوروا حول أنفسكم! اختاروا هذا، ثمّ اختاروا ذاك، ثمّ افعلوا بذاك كذا، ثمّ ارفعوا هذا واخفضوا ذاك. فأنتم لم تأتواا بصدق! ما هو الصدق؟! تقول: يا صاحب الزمان أنا لا أقدر على ذلك. هل تعلم أنّك لا تقدر أم لا؟ إن كنتَ تعلم أنّك تقدر فيجب أن تتولّى القيام بهذا الأمر. فمن كان يعلم، فأمره يختلف عمّن لا يعلم، وعندما لا تعلم، فلماذا تتدخّل؟! لماذا؟! 

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

6
  • قصّة رفض السيّد لتولّي المسائل بعد والده

  • بعد وفاة المرحوم العلامة رضوان الله عليه، رأيت أنّ الأوضاع أصبحت ممتازة جدًّا! نعم! وأُعلن عن أفراد يدّعون مقام المرحوم العلامة ومكانته، أو أعلى! فقد كان هناك من يدّعي أنّه أعلى أيضًا! فقلت: إنّ هذا ليس صحيحًا، وهذا لا يمكن أن يكون. فقد كان هو فردًا ذا شأن، وكان شخصيّة مميّزة، وله خصوصيّات بهذه الكيفيّة. وأنا لستُ كذلك. ووقفت أمام هذه الادعاءات. ومن جهة أخرى، جاء بعضهم إليّ وقالوا: حسنًا، بما أنّ القضيّة في الطرف الآخر هكذا، فلماذا تجلسون أنتم هنا؟! في النهاية، من الذي يجب أن يتولّى دفّة هذه السفينة؟ قلتُ: ما شأني أنا بمن يتولّى الأمر؟ اذهبوا وابحثوا. سأكون مخطئًا إن قمتُ وتولّيتُ دفّة سفينةٍ كان ربّانها مثل المرحوم العلامة. فما علاقتي أنا بذلك؟!

  • لماذا لا ينبغي لأحد أن ينصِّب نفسه وصيًّا على الناس؟

  • هل أنا وليّ على الأفراد؟ هل أُوصيتُ بشيء في هذا الاتجاه؟ هل جعلني أحد قيّمًا على هذه المسألة؟ هل مات الله ـ تعالى عن ذلك ـ ليحتاج إليّ، بحيث إن لم أفعل أنا، تبقى المسألة معطّلة؟! ما علاقتي أنا بذلك؟! كلّما جاؤوا وأصرّوا، قلتُ: يا سادتي، أخرجوا هذا القطن من آذانكم. في هذه المدّة التي قضيتها مع المرحوم العلامة، تعلّمتُ منه أشياء لو مزّقتم أنفسكم ألف قطعة، فلن تنالوا سوى الحسرّة والندامة. فقوموا واغربوا عن وجهي. هكذا قلتُ: قوموا واغربوا عن وجهي. هذه الأمور لا تدخل في عقولنا!

  • برو این دام بر مرغ دگر نِه***که عنقاء را بلند است آشیانه‌ 
  • يقول: 

  • اذهب بهذا الفخ وانصبه لطير آخر *** فالعنقاء شامخٌ عُشُّها

  • بين طلب الحقيقة وإقامة الدنيا: فِطنة السالك وتجنبه الأهواء

  • فهذه الأشياء تناسب أولئك الذين يريدون أن يقيموا دكاكين وهيئات ومريدين ومكاتب ودنيا وما إلى ذلك، هي تنفعهم. اذهبوا وابحثوا، إن شاء الله قد وضع الله لكم منها بوفرة، ولا حاجة للكثير من البحث وهذه الأمور. فما علاقتي أنا بأنّ المرحوم العلامة قد توفّي، وهل هناك أحد بعده أم لا؟! ما شأني أنا وهل يمكن أن تخلو الأرض بعد وليّ الله من حجّة؟ نعم، يمكن، وقد حدث الآن. فعن أيّ شيء تريدون أن تبحثوا بعد؟ هل يمكن أن يتوفّى ولي الله؟! اذهبوا واسألوه هو الذي توفي، لماذا تسألونني أنا؟! أنا متعهّد ومتكفّل بأموري ومسائلي الخاصة. إن لم يكن ذلك ممكنًا، فاذهبوا واسألوه هو: يا سيّدي، لماذا لم تترك أحدًا مكانك؟! ما علاقتي أنا بذلك؟! ما شأني أنا؟! 

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

7
  • ـ يا سيّدي، فماذا نفعل نحن؟! 

  • ـ أنا مثلكم، لا فرق بيننا. قوموا واذهبوا، وما كنتم تفعلونه حتّى الآن [فافعلوه الآن أيضًا]. حسنًا، هل أصابكم شيء الآن؟ الآن وليّ الله ليس موجودًا، ألا تتنفّسون؟ لا! بل تتنفسون جيّدًا جدًّا. هل أنتم لا تأكلون طعامًا؟ كلا! بل تأكلون بشكل رائع جدًّا! كلّ هذه أوهام، كلّ هذه أوهام يا سادتي. الإنسان الفطن لا يقوم فيهدر حياته لأجل هوى وهوس حفنة من الجهلة الغافلين، ويضيع عمره، لا يفعل ذلك. الإنسان الفطن لا يقوم فيجعل نفسه ألعوبة بيد هذا وذاك، وببعض المديح والثناء وإرسال السلام والصلوات وإلصاق لقب "الحضرة" و "آية الله" وتنظيم المجالس وحشد الجيوش هنا وهناك و...، لا يأتي ليخسر الرهان ويهدر سعادته لأجل حفنة من الأهواء والرغبات الباطلة.

  • درس من أمير المؤمنين عليه السلام: لا تُسعِد الناسَ بإسخاط نفسك!

  • أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، يبيّن الحقائق بشكل واضح وصريح ويريح الجميع، حيث يقول هناك إنّي مكلّف بأعمالي الخاصة. وهو أمير المؤمنين عليه السلام يا عزيزي، أمير المؤمنين عليه السلام رغم قدراته الخارقة! لا أنّه مسكين بائس تعيس مثلي وأمثالي. وكان يقول: أنا لا أنال سعادتي أبدًا في تحصيل رضاكم۱؛ فأيأس وأتحسر وأندم وأفقد الفرص، لكي أنال رضاكم فتضيع مكانتي؟! كلّا! من قال ذلك؟! من قال مثل هذا الكلام؟! لأنّني أريد أن أنال رضاكم، يجب عليّ أن أضيّع عمري؟ لأنّني أريد أن أنال رضاكم، يجب عليّ أن أتغاضى عن الفرص التي تسنح لي؟! من قال ذلك؟! أنتم عباد الله وأنا كذلك، أنا مثلكم. لكم حقّ إلى حدّ ما، وأنا أؤدّي هذا الحقّ. ولو بذلت أكثر من ذلك المقدار، أكون قد خُدعت، ولا تسير الأمور هكذا.

  • ذلك الذي يكون صادقًا ـ وهذا أمر قلّما نلتفت إليه، نحن فقط نتّبع الضجيج والصخب ـ ذلك الذي يكون من أهل الحقيقة ويسعى وراء الحقيقة، فيصل إلى مطلوبه، لا يحتاج إلى هذا الصخب والضجيج، لا يحتاج إليهما. ثمّ يأتي هذا الشيطان إلى الإنسان [ويقول]: إذا لم تحمل أنت هذا العبء، فسيبقى على الأرض. إذا لم تبادر أنت، فماذا يفعل هذا الشعب؟ وإذا لم تعمل أنت، فمن الذي سيتولّى أمر دين هؤلاء الناس؟ إذا لم تصل أنت إلى المكانة الفلانيّة، فستبقى أحكام الله معطّلة. وإذا لم تصدر أنت رسالة عمليّة، ستكفّ الأرض والسماء عن كلّ عمل، وستصطفّ الملائكة حزينة لأنّه لا يوجد مرجع ليفعل كذا! هذه المسائل تأتي و... تحدث قضيّة أو قضيتان، وثلاث قضايا، وتأتي الكثير من هذه الأفكار والقضايا، وفجأة يضعون الإنسان أمام الأمر الواقع.

    1.  نهج البلاغة الخطبة ٦۷: وَ مِنْ كَلَامٍ لَهُ عَلَيهِ السَّلَامُ في ذَمِّ أصْحَابِهِ:
      كَمْ ادَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى البِكَارُ العَمِدَةُ و الثِّيَابُ المَتَدَاعِيَةُ! كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ؟!
      أكُلَّمَا أطَلَّ عَلَيكمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أهْلِ الشَّامِ أغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَ انْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَبِّ في جُحْرِهَا وَ الضَّبُعِ في وِجَارِهَا؟!
      الذَّلِيلُ وَ اللهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ، وَ مَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بَأفْوَقَ نَاصِلٍ. وَ إنَّكُمْ وَ اللهِ لَكَثِيرٌ في البَاحَاتِ، قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ!
      وَ إنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ، وَ يُقِيمُ أوَدَكُمْ؛ وَ لَكِنِّي لَا أرَى إصْلَاحَكُمْ بِإفْسَادِ نَفْسِي.
      أضْرَعَ اللهُ خُدُودَكُمْ، وَ أتْعَسَ جُدُودَكُمْ. لَا تَعْرِفُونَ الحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ البَاطِلَ، وَ لَا تُبْطِلُونَ البَاطِلَ كَإبْطَالِكُمُ الحَق‌.

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

8
  • قصّة المرحوم العلامة وثباته في رؤية الهلال: هل كل ما هو شائع صحيح؟

  • سأروي لكم قصّة عجيبة! حتّى تعلموا كيف هي المسألة. في الزمن السابق، كان مبنى المرحوم العلامة في ترتيب بداية شهر رمضان خاصّة وصلاة العيد على رؤية الهلال. فإذا ثبت لديه أول الشهر، صام اليوم الأول من الشهر ـ وكان يصوم على كلّ حال أحيانًا، فإذا ثبت كان يصومه باعتباره أوّل الشهر، وإذا لم يثبت كان يصومه باعتباره آخر يوم من شعبان. فكان يأتي إلى المسجد، والجميع صائمون، والمسجد في شهر رمضان يمتلئ ـ فهؤلاء الناس يصبحون مسلمين شهرًا واحدًا في السنة، و هو شهر رمضان. ففي سائر الأوقات، عند الأذان، كان يقف خلف المرحوم العلامة ثمانية أفراد للصلاة. فكانوا يأتون إليه ويقولون: يا سيّدنا، انتظر قليلًا حتى يأتي هؤلاء الكسبة! فكان يقول: «إنّهم يؤذّنون في الوقت المحدّد، ويجب عليّ أن أصلّي. فمن شاء فليأتِ، ومن لم يشأ فلا يأتِ. نحن سنصلّي». ولم يكن يقول أبدًا: لا! ننتظر لترتفع عزّة المؤمنين وتتشكّل صفوف المؤمنين وعزّة الإسلام وأمثال هذا من الاستدلالات، التي يجيدها الجميع، ومن هذه المخترعات! فذلك الذي يستدلّ بعزّة الإسلام وما إلى ذلك، هو نفسه لا يصلّي المغرب والعشاء ـ وقد رأيت ذلك أمام عيني، لم يصلِّ حتى الساعة الحادية عشرة، فكانت صلاة المغرب قد فاتت بالتأكيد ـ فكلّ هذا هراء، يعني كلّ هذا الكلام مجرّد تظاهر ومداهنة للناس، والسلام. كان يقول: «نحن نصلّي، فمن شاء فليصلِّ، ومن لم يشأ فلا يصلِّ». ثمانية أفراد، بل ستّة أفراد أحيانًا. وفي أيّام الجمعة خاصّة، تكون صلاة الظهر ستّة أفراد، وفي صلاة العصر يصبحون عشرين فردًا.

  • وفي أيام شهر رمضان، كان من المقرّر، بالإضافة إلى الأدعية التي تُقرأ، أن يُقرأ دعاء كلّ يوم، دعاء اليوم الأول والثاني وما إلى ذلك. ذلك اليوم لم يكن اليوم الأول، أو مثلًا كانوا يقولون لاحقًا إنّه اليوم الأول ـ مع أنّ هذا الأدعية كلّها مخترعة، فلا يقرأها أحد. هذه الأدعية لكلّ يوم من أيام شهر رمضان كلّها مخترعة، وذلك الذي نقلها قد نسجها ولفّقها. لقد بذل جهدًا كبيرًا، يعني بذل جهدًا لدرجة أظنّ أنّ مشكلة قد حدثت له؛ لأنّ هذه العبارات أصلًا لا تتلاءم مع بعضها البعض، وقد أراد بشكل ما أن يلصق هذا الآخر بذيل هذا بستّة أمنان من الغراء، وما إلى ذلك: «بعونك يا فلان» التي أصلًا لا تتناسب مع البداية: «بطاعتك يا غياث المستغيثين». خلاصة الأمر أنّها أدعية مخترعة. أصلًا هذا الدعاء هراء، ولا أعرف لماذا أورده الحاج الشيخ عباس القمي رحمه الله! حسنًا، هذه الأمور رائجة والجميع يقرأونها، ثمّ يشرحونها. والآن سمعتُ أنّ شرحها متوفر في السوق، وهو كبير جدًّا، أضخم من المفاتيح نفسه! فهل تلتفتون؟ كلّ هذا من شدّة العلم!ـ

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

9
  • حسنًا، افترضوا أنّه لم يقرأ دعاء اليوم الأوّل في اليوم الأوّل، فكان يواجه اعتراض الناس: يا سيّدنا، لماذا لا تقرأه؟ ذلك المسكين، الذاكر الذي يقرأ الدعاء، كان يقول: «لأنّ اليوم الأول لم يثبت بعد، فنحن لا نقرأ هذا الدعاء». فيعترض الناس: يا سيّدي، الراديو أعلن! يا سيّدي، المساجد كلها تفعل كذا! يا سيّدي، مثلًا كذا...! لدرجة ـ سأقول لكم هذا القدر فقط ـ أنّ مسجد القائم في طهران كان فريدًا من بين جميع مساجد إيران من هذه الناحية، فالجميع كانوا يقولون إنّ مسجد القائم لا يعمل وفق العرف، لا يعمل. فهو يعمل وفق حسابه الخاص. حتى مسجد السيّد عزيز الله في طهران، حيث كان يصلي آية الله السيّد أحمد الخوانساري رحمه الله، كانوا يعملون بنفس الطريقة، في جميع المساجد، المسجد الوحيد الذي لم يكن يعمل على هذا الأساس حتى يثبت [الهلال] كان مسجد القائم فقط. وهذا يدل على استقامته! كان يقول: «لأنّه لدينا في الدين يا سيّديأنّه يجب أن ترى الهلال في المدينة. فما لم تره، لو مزّقتَ نفسك إربًا، فأنا لن أقرأ. افعل ما تشاء! تقول إنّه اليوم الأول، هذا لك. نحن نأتي ونصلي». أتذكّر أنّه في سنة من السنوات، أقام ليالي الإحياء ست ليالٍ؛ يعني ليلة التاسع عشر ليلتين، وليلة الحادي والعشرين ليلتين، وكذا ليلة الثالث والعشرين! فقالوا: يا سيّدنا، هل هذا ممكن؟ قال: «يا جماعة أنتم تحيون ثلاث ليالٍ، فاسهروا ثلاث ليالٍ إضافية أيضًا، فماذا سيحدث؟ ماذا سيحدث؟ هذه ليالي شهر رمضان التي كان الأعاظم يسهرونها من منتصف شهر رمضان فصاعدًا. الآن أنتم أضيفوا ثلاث ليالٍ على الأكثر. يا عزيزي، هذا ليس شيئًا يُذكر». يعني جاؤوا للإحياء ست ليالٍ، حسنًا، من باب الاحتياط. وحتى آخر شهر رمضان كان الأمر على هذا النحو.

  • قصة إثبات هلال العيد في زمن آية الله البروجردي رحمه الله: صراع بين الاحتياط وضغط الواقع

  • في إحدى السنوات، أصبحت المسألة صعبة جدًّا، يعني بقيت القضيّة غامضة هكذا، بقيت وبقيت وبقيت حتى آخر شهر رمضان، بقيت القضية غامضة على هذا النحو. آخر شهر رمضان هو يوم عيد الفطر، فتصبح القضية صعبة. حسنًا، أُعلن في كلّ مكان أنّه يوم العيد. وكان ذلك في زمن آية الله البروجردي رحمه الله. فذهبوا وقالوا إنّ مسجد السيّد عزيز الله في طهران قد صلّوا فيه صلاة عيد الفطر. فقال: «لم يثبت لدينا، نحن لا نصلّي صلاة العيد». الآن الناس قد جاؤوا إلى المسجد، ينتظرون أن يأتي إمام الجماعة ليصلّي، والسيّد لم يأتِ أيضًا، كان جالسًا في منزله ـ كان منزله آنذاك في ميدان شهداء طهران نفسه، ميدان الشهداء الذي كان اسمه سابقًا ميدان ژاله. كانوا يأتون مرارًا من طرف المسجد: يا سيّدي، الناس ينتظرون! قال: «ينتظرون؟ فليتفضلوا إلى منازلهم. لماذا ينتظرون؟! عندما لا يكون اليوم عيدًا، فلماذا آتي لأصلّي؟!» مثل معاوية الذي ذهب يوم الأربعاء فصلّى صلاة الجمعة، وكلّ الناس اقتدوا به، هذا هو المثير للدهشة! يوم الأربعاء صلاة جمعة! قال: «لقد أخطأوا، فليذهبوا.» تقرّر أن يتّصل بعضهم بقم. أتذكّر أنّ جميع أصدقاء ذاك الزمان قد انتقلوا إلى رحمة الله، رحمهم الله جميعًا. فكانوا قد ذهبوا إلى مركز الاتصالات الهاتفيّة، في ساحة "سِبَه" الحالية في طهران، حيث كان هناك مركز الهاتف والكهرباء وما إلى ذلك، ليتّصلوا بمكتب السيّد البروجردي رحمه الله. فأبرقوا أو اتّصلوا، وجاء الجواب بأنّه لا، لم يثبت لديه بعد. وحتّى الظهر لم يكن قد ثبت. والناس ما زالوا ينتظرون. فذهب أحدهم إلى مسجد القائم في غيابه ـ رحم الله ذلك المرحوم السيّد كيوان، كان رجلًا صالحًا، طيّب النفس جدًّا ـ فبدأ يقرأ دعاء يوم العيد، تلك التهليلات: «الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر، ولله الحمد...» وبعد ذلك بدأ بتوزيع الحلوى. وكان هناك رجل آخر عند مفترق طرق سيّد علي يحضر الحلوى ويوزّعها. فناداه المرحوم العلامة وقال: «هل طلب منك أن تقرأ تهليلات يوم عيد الفطر؟!» قال: «يا سيّدي، لقد نويتُ القربة!» فقال له: «لماذا لم تنوِ القربة بالأمس؟!» «قرأتُها رجاءً». كان قد تعلم كلمة "رجاءً"! «قرأتُها رجاءً!». ثمّ قيل لذلك الآخر: «يا فلان، لماذا أخذتَ توزّع الحلوى؟» فقال: «أنا وزّعتُ الحلوى ولكن قلتُ للناس لا تأكلوا! لم يثبت لدى السيّد بعد!» هو أيضًا أراد أن ينهي الحلوى التي عنده! هو أيضًا كان يسعى لإنهاء الحلوى! فهل التفتّم؟ والخلاصة أنّه كانت هذه الأمور موجودة، وأئمة [الجماعات] كانوا يواجهون هذه القضايا.

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

10
  • ثمّ كان المرحوم العلامة يقول إنّ الهلال لم يثبت لآية الله البروجردي رحمه الله حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. ومن جهة أخرى، جاؤوا وقالوا: يا سيّدنا! في أي وضع أنتم؟ السيّد فلان، أحد السادة المعروفين في طهران، أعلن العيد هناك، وتناول الطعام أمام الآخرين. فقال المرحوم العلامة: «هذا لديه قرحة في المعدة، لقد استأصلوا ثلثي معدته، فهو لا يصوم أصلًا، فكيف يأتي الآن ويبدأ بشرب الماء أمام البقيّة!» ظلّوا يأتون إلى السيّد البروجردي رحمه الله... حسنًا، لم يثبت الهلال بعد، والمرجع لا يمكنه أن يحكم حتّى يثبت لديه، لا يمكنه أن يحكم بخلاف حكم الله. وخلاصة القول أنّهم جاؤوا إلى السيّد البروجردي رحمه الله مرارًا وقالوا: «يا سيّدنا، الآن سمعة الإسلام في خطر، فإذا لم تحكم بأنّ اليوم هو يوم العيد، مع أنّ بعض السادة هنا وهناك قد أفطروا وأعلنوا [العيد] فستذهب سمعة الإسلام». حتّى أجبروه على أن يعلن العيد في ذلك اليوم الساعة الرابعة بعد الظهر، وإلا لما كان أعلن. وكانت عبارة والدي المرحوم العلامة: «المحيطون به أجبروه، مع أنّه لم يكن قد ثبت لديه أبدًا أنّ اليوم هو يوم العيد، أثبتوا له وهو أيضًا أصدر الحكم!». والمرحوم العلامة أيضًا قال: «حسنًا ، هو مرجع تقليد وقد أصدر حكمًا». وطبعًا، كان هو قد خرج وأفطر، ومن باب أنّ مرجع التقليد قد أصدر حكمًا، ألقى المسألة على عاتقه. والآن، ربما يكون قد قضى صيام ذلك فيما بعد أو لا، هذا بحسب الرأي الفقهيّ، حول ما إذا أصدر مجتهد في الفقه حكمًا، فهل تترتّب تبعات وآثار عدم تحقّق الحكم الواقعي أم لا؟ فهذا أمر آخر. كان يقول: «نحن الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر ذهبنا إلى مسجد قائم وصلّينا صلاة العيد، بعد أن حكم السيّد البروجردي رحمه الله بأنّ اليوم هو يوم العيد». فهذه هي المسألة، هذه هي القضيّة.

  • "الإسلام في خطر": حجة واهية لتبرير التصرف دون إذن الإمام عليه السلام

  • المسألة تدور حول أنّه يا سيّدي الإسلام في خطر، إن كان الإسلام في خطر فليكن، فليذهب الإسلام إلى الجحيم إن كان في خطر! فهل صاحب الإسلام قال لي: يا سيّدي، تعال وافعل هذا؟ هل قيّم الإسلام قال لي؟ هل الإمام المهديّ عليه السلام قال لي؟ فلو قال لي الإمام المهديّ عليه السلام: أعلِن العيد في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان، فسأقوم بذلك. وهذا أمر آخر. كيف يمكن مثل هذا... ثم يأتي هؤلاء، هؤلاء الشياطين الذين يحيطون بالإنسان، يأتون ويضعون الإنسان في موقف حرج: يا سيّدي، إن لم تفعل سيحدث كذا، يا سيّدي، إن لم تفعل سيحدث كذا، يا سيّدي، إن لم تفعل ستذهب السمعة، يا سيّدي، ستتعرض كرامة الإسلام للخطر، وموقعكم أنتم أيضًا سيتعرّض للخطر. فهل أنتم مدركون لهذه المسائل؟ وشيئًا فشيئًا، تلك الصلابة الأوليّة، شيئًا فشيئًا تفسح المجال لنوع من القلق والانشغال والتشويش، وشيئًا فشيئًا تتحوّل إلى نوع من الخوف والهلع، وشيئًا فشيئًا إلى التراخي والتخلّي عن المسألة ومسايرة الجماعة، وينتهي الأمر إلى ذلك.

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

11
  • عودة إلى قصّة الشيخ المفيد: كيف نال ضمانة الإمام المهديّ عليه السلام بحفظه؟

  • لذا، فإنّ الفطنين في مثل هذه الأمور لا يأتون لهذه المواقف. وكان الشيخ المفيد ذكيًّا، وفطنًا. كان الشيخ المفيد رجلًا عظيمًا جدًّا! كان من أهل الباطن، لقد كان رجلاً عظيمًا جدًّا! جاء وقال: «الآن بما أنّ الأمر هكذا، وأنّني أفتيتُ بخلاف حكم الإمام المهديّ عليه السلام، فمعلوم إذن أنّني جاهل بالمسائل الشرعيّة، وسأغلق باب منزلي. وداعًا.» وفي اليوم التالي أغلق باب منزله وأحكم إغلاقه بثلاثة أقفال وألقى المزلاج أيضًا، وهو شيء كانوا يفعلونه سابقًا. فتفضّلوا انصرفوا. 

  • ـ جاؤوا: يا سيّدي، لدينا مسألة!

  • ـ اذهبوا واسألوا أحدًا آخر. لا أريد، وداعًا لكم.

  • لم يعد الشيخ يجيب. فيا للهول! ثمّ جاء الثاني وذهب. حتّى مضى أسبوع على هذه القضية. فهنا رأى الإمام المهديّ عليه السلام، أنّه لن يتنازل عن قراره فالشيخ صامد في القضية، لا يمكن فعل شيء معه، هذا لا يمكن تغييره. الجميع يذهبون ولكن... صبر الإمام اليوم الأول، واليوم الثاني ـ الآن نحن نمزح ـ صبر اليوم الأول، وفي اليوم الثاني رأى أنّه صامد بقوّة، قد أغلق الباب بثلاثة أقفال، وقال: اذهبوا إلى إمام زمانكم، لا خبر عندنا، نحن جهّال. طوبى له، طوبى له، وطوبى لسعادته، وطوبى لفطنته وذكائه، «المؤمن كيّس»۱. بعد اليوم السابع، فجأة أَرسل إليه الإمام رسالة عن طريق أحدٍ ما، قائلًا: «يا شيخي ومعتمدي ـ بهذه العبارة ـ أي يا شيخي ويا محطّ ثقتي، أفتِ بين الناس ونحن نحفظك».٢

  • فعندها انتهى الأمر تمامًا، قال: لم يعد الأمر يعنينا. فالآن نقول ما نشاء، وكل ما يأتي على لساننا نقوله، فهو نفسه قال: «نحفظك!» فلم تعد القضية تعنينا. طبعًا، نحن نقول هكذا، ولكن أولئك الأعاظم، كانوا يتمتّعون بمقام الاحتياط والدقّة، والإمام المهديّ عليه السلام أعطاه ضمانًا. «أنا أحفظك.» الآن، كل ما يفعله، فهو على عاتق الإمام المهديّ عليه السلام، لم يعد على عاتقه هو. هذا خرج من الامتحان، خرج من الامتحان مرفوع الرأس. والإمام عليه السلام أيضًا قال: «الآن بما أنّك فعلتَ هكذا، فنحن أيضًا نتكفّل بك.» فهل نحن على هذا الحال؟! نعم؟! هل نحن هكذا؟! أم لا؟ حسنًا.

    1.  الكافي ج٣ ص ٥۷٣: يَا هَمَّامُ، الْمُؤْمِنُ هُوَ الْكَيِّسُ الْفَطِنُ، بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ، وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ.
    2.  موسوعة الكلمة، السيّد حسن الشيرازي، ج٢۱، ص ۱٣۸: والمعروف أنه هو الذي أمره بالفتوى ، وعندما أخطأ في فتوى صحح الإمام فتواه ، وعندما اعتزل الفتوى قال له الإمام: (أيها الشيخ المفيد منك الفتوى ومنا التسديد )
      وفي كتاب قصص العلماء للتنكابني ص ٤٢٢: يحكى أنّ قرويًّا جاء إلى الشيخ وسأله عن امرأة حامل توفيت وحملها حي فهل تشق بطنها ونخرج الولد أم ندفنها مع الولد؟ ادفنوها مع الولد.
      فرجع القرويّ وفي الطريق جاءه راكب وقال له: أيّها الرجل قال لك الشيخ المفيد أن تشقّوا بطنها وتخرجوا الطفل، ثمّ تدفنون المرأة، وهكذا فعلوا. وبعد مدّة نقلت هذه الحكاية للشيخ فقال: لم أرسل أحدًا. ومن المعلوم أنّه صاحب الزمان عليه السلام. فالظاهر أننا نتخبّط ونخطئ في الأحكام الشرعيّة، فالأفضل أن لا نفتي لأحد بعد الآن، فجلس في بيته وأقفل على نفسه، ولم يخرج وإذ بتوقيع يأتيه من صاحب الأمر عليه السلام قال له فيه: قولوا الفتوى وعلينا تسديدكم ومنعكم من الخطأ* فتصدّى الشيخ من جديد للفتوى. وليعلم أنّه لم يخرج توقيع في زمن الغيبة الكبرى إلا للشيخ المفيد. وقال الشيخ أسد الله الكاظمي في كتاب المقابيس: أجمعت علماء الإماميّة على أنّه خرجت توقيعات من إمام الزمان بخطه المبارك إلى الشيخ المفيد.
      *ورد في هامش الكتاب المذكور: هذا مضمون التوقيع المترجم.
      والظاهر أنّ هذا الكتاب كتب بالفارسيّة وترجم إلى العربيّة.
      هذا وجاء في الاحتجاج، ج ٢ ص ٣٢٢ لأحمد بن علي الطبرسي أنّ الإمام الحجّة كاتبه بهذا:
      للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد.
      بسم الله الرحمن الرحيم
      أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - : أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك.

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

12
  • «خود حدیث مفصل بخوان از این مجمل»‌

  • يقول: اقرأ تفاصيل الحديث من هذا المُجمل.

  • لذا، كان المرحوم العلامة يقول إنّ دأب الأعاظم وعادتهم أن يكونوا دائمًا صامتين، دائمًا يتّخذون حال العزلة، وهذا يختلف باختلاف الأفراد. فما لم يصل الإنسان إلى مرتبة من النضج والصلابة والكمال والثبات، فبقدر ما يشتهر، سيكون ذلك ضررًا عليه. بقدر ما يكتسب شهرة، سيكون ذلك مضرًّا له.

  • قصّة مكاشفة السيّد الخوئي رحمه الله: رؤية لمسيرة حياته ومرجعيته

  • السيّد الخوئي رحمه الله، كان رجلًا صالحًا. وقصّته مع المرحوم السيّد القاضي رحمه الله معروفة، ولن نتطرق الآن إلى تلك المسائل. حينما ذهب إلى السيّد القاضي رحمه الله قبل أن يصل إلى المرجعيّة ويكتسب الشهرة، أعطاه السيّد القاضي رحمه الله برامج سلوكيّة، منها الذكر اليونسيّ أربعمائة مرّة بين الصبح والظهر في السجود، ومسائل أخرى. فعندما واظب على هذه الأذكار مدّة، تغيّرت أحواله ورأى أمورًا ومكاشفات. وذات يوم، أثناء السجدة اليونسيّة، رأى مكاشفة رأى فيها جميع مراحل حياته وعمره. هذه القضيّة حدثت، وقد حدثت لكثير من تلامذة المرحوم العلامة أيضًا مثل هذه الأمور: رأوا أنفسهم منذ بداية دخولهم عالم الوجود حتّى وفاتهم، والمسائل التي تحدث لاحقًا، والأحوال التي تحدث لاحقًا، كلّ هذا رأوه. رأى كيف وُلد، حتّى أولئك الذين أخذوه ولفّوه في القماط وجهّزوه، كلّ هذا رآه. ورأى مراحل نموّه وكبره حتّى وضعه الحالي، ثمّ هكذا حتى يصل إلى المرجعيّة، فتنحصر المرجعيّة به. حتّى هذا رآه أيضًا: أنّه يصبح أشهر من الجميع وأكثرهم صيتًا. بل ورأى أنّه فيما بعد ينادون من على مآذن حرم أمير المؤمنين عليه السلام أنّ السيّد الخوئي قد توفي وسيجري تشييعه والصلاة عليه كما يقول العرب، فقد شاهد ذلك الموقف أيضًا.

  • لماذا حزن السيّد القاضي رحمه الله لمكاشفة السيّد الخوئي؟

  • فجاء إلى السيّد القاضي رحمه الله، وهذه القصة رواها الشيخ عباس القوجاني رحمه الله لوالدي المرحوم العلامة رضوان الله عليه، فكان يقول إنّ السيّد القاضي رحمه الله قال لي: «إنّه جاء إلينا وبدأ يقصّ علينا هذه المكاشفة. وعندما وصل إلى الموضع الذي يصل فيه هو إلى المرجعيّة، حزنتُ كثيرًا وتأسّفتُ بشدّة، ولم أعد ألتفت إلى بقيّة مكاشفته.» هل تدركون ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني؟ هل كان السيّد القاضي رحمه الله قد وصل إلى المرجعيّة؟! وهل أصدر رسالة عمليّة؟! فهل نقص منه شيء؟ أو لو لم يصل السيّد الخوئي إلى المرجعيّة، فهل كانت ستحدث ثلمة في الإسلام والمسلمين؟ فقد وصل إلى المرجعيّة... نعم مسألة الدرس ونحوها أمر آخر. فقد يدرّس الإنسان، ويكون مدرّسًا، ومدرّسًا جيدًا أيضًا، ويستفيد منه الطلاب والفضلاء، وهذا أمر محمود، أمّا التكفّل بهذه المسائل والإقدام عليها فلا. 

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

13
  • كنتُ بعد زمن السيّد الحكيم رحمه الله في مجالس تُعيّن فيها المرجعيّة، كنتُ في مجلس حضره كثير من العلماء وكبار السن. وكان أمر المرجعيّة يدور بين اثنين، بين السيّد الخوئي رحمه الله وآخر، فوصل الأمر في تلك الجلسة إلى الشتائم! يعني أنّ كلاّ من الطرفين لإثبات نظريّته تجاوز النقاشات والمسائل العلميّة والاجتماعيّة والعرفيّة، تجاوز هذه المسائل، ووصل إلى الشتائم، وربّما لو طال الأمر قليلًا لوصل إلى الحديد وأمثاله والمجارف والمعاول أو الأسلحة البيضاء وما شابه ذلك. إلى هذا الحدّ، لماذا؟ لإثبات مرجعيّة أحدهما! أهكذا؟ وبهذه الطريقة؟ الآن فهمتم لماذا حزن السيّد القاضي رحمه الله؟

  • فكم تختلف تلك المرجعيّة التي يأتي الإمام عليه السلام فيقول عنها: «إنّا نحفظك»، عن تلك المرجعيّة التي يُراد إثباتها بهذه الطريقة؟ كم تختلف المسألة؟ وبعد ذلك، هذا ما حدث. 

  • وفي أحداث وقعت لاحقًا، نشأت لديه شبهة تجاه السيّد القاضي رحمه الله، ورتّب أثرًا على هذه الشبهة، ممّا أدّى إلى أن لا يذهب إلى السيّد القاضي رحمه الله. لكنّه لم يكن يذكره بسوء، مثل بعضهم الذين كانوا يذكرون السيّد القاضي رحمه الله بالسوء، وبتعابير هم أولى بها حقًّا. أمّا هو فلم يكن يذكره هكذا. بل كان يقول: «ليس لنا شأن بهذه الأعمال، نحن نقوم بعملنا الخاص.» إلى هذا الحدّ فقط. حسنًا، لماذا القضيّة هكذا؟ لأنّ الشهرة والصيت يأتيان فيأخذان الإنسان، يأتيان فيأخذانه. لا يتركان نفَسًا للإنسان.

  • قصّة زيارة المرحوم العلامة للسيّد الخوئي رحمه الله: مرجع غارق في بحر من المسؤوليّات

  • كان المرحوم العلامة يقول: «ذهبت إليه بخصوص رسالة رؤية الهلال... » وكان قد كتب اعتراضًا على فتواه . ثمّ عاد السيّد الخوئي وكتب ردًّا ثمّ كتب هو رسالة مرّة أخرى وهكذا...ـ ثمّ في سفر له إلى كربلاء في أواخر حكم البهلوي، كان يقول: «قلت فلأذهب إلى النجف وأبحث معه الأمر مشافهةً، فلماذا أرسل الرسائل بعد الآن؟ سأقول له: يا سيّدي، ماذا تقولون بخصوص الهلال؟ إذا رآه واحد في مكان ما، فيكفي لجميع أنحاء الكرة الأرضيّة! فما هذا الكلام؟! أصلًا لنذهب ونسأل: ما دليلكم على هذه القضيّة؟ أي دليل لديكم؟». كان يقول: «ذهبت إلى النجف، فقالوا إنّه في الكوفة.» وكان ذلك في أواخر الصيف، قريبًا من ٢۱ أيلول أو بعده. فكان يقول: «ذهبت إلى الكوفة إلى منزله.» العبارة التي وصفها لنا كانت هكذا: «عندما دخلتُ الغرفة، رأيتُ هذا الشيخ العجوز ـ فقد كان السيّد الخوئي رحمه الله سمينًا بعض الشيء ـ رأيتُ هذا الشيخ العجوز ضائعًا وسط جبل من الرسائل التي تحيط به. يعني كانت هناك رسائل كثيرة جدًّا تحيط به من كلّ حدب وصوب لدرجة أنّه رفع رأسه ليرانا! وقال: ها! السيّد محمد حسين! سلام عليكم، كيف حالك؟ تذكرتنا وأمثال هذا الكلام... ورأيتُ أنّه أصلًا ليس لديه قدرة للحديث معنا. فهل أطرح الآن مسألة علميّة؟! هل أطرح مسألة تخصّصيّة وفقهيّة؟! فهو ليس لديه قدرة للحديث معنا، وهو هكذا تائه بين هذه الرسائل يرفع رسالة ويضعها في ظرف أخرى. والمطلوب منه أن يرتّب هذه الأمور. وخلاصة الأمر، كان مضطربًا ومربكًا، لقد كان المسكين في وضع صعب، وأصلًا كان وضعه عجيبًا جدًّا!». قال: «تأثّرتُ كثيرًا هناك وأصلًا لم أطرح البحث وبقيت نصف ساعة ولم يحدث شيء، ودارت بعض الأحاديث العاديّة وخرجت».

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

14
  • دعاء المرحوم العلامة في مسجد الكوفة: "اللهم إن كان هذا قدري فاقبضني إليك!"

  • كان المرحوم العلامة يقول: «انقلبت أحوالي بشكل عجيب! عجيب جدًّا! الآن، أي مسألة انكشفت له هناك؟ لم يخبرنا بذلك.» وقال هذا: «ذهبتُ مباشرة إلى مسجد الكوفة ووقفتُ في مقام محراب شهادة أمير المؤمنين عليه السلام». في مسجد الكوفة ـ أيّها الرفقاء الذين ذهبوا، أو إن لم تذهبوا، قسم الله لكم إن شاء الله ـ يوجد محرابان. أحدهما هو المحراب الأصلي الذي كان يصلّي فيه صلواته اليوميّة الواجبة جماعةً، وعلى بعد عشرين مترًا تقريبًا إلى اليسار، يوجد محراب فيه انخفاض قليل، كان يصلّي فيه النافلة، وفي ذلك المحراب ضربه ابن ملجم ضربته، لا في المحراب الأصلي. وكان السيّد القاضي رحمه الله يقول: «عليكم بإيلاء الأهميّة لهذا المحراب، وأن تجعلوا صلاتكم وذكركم قدر الإمكان في هذا المحراب.» كان المرحوم العلامة يقول: «جئتُ ودخلتُ مسجد الكوفة، فذهبتُ إلى هذا المحراب وصلّيتُ ركعتين وقلتُ: إلهي، إلهي، إن كان مقدّرًا لي أن تبتليني في المستقبل بهذا الوضع الذي رأيتُ، فاقبض روحي. أنا لستُ مستعدًّا لمثل هذا الوضع.» مع أنّ السيّد كان من الأولياء وكان في أواخر أيّامه، وكان عمره أكثر من خمسين عامًا عندما ذهب إلى هناك. يعني إذا أردت أن تجعلنا بهذه الكيفيّة وتلقينا في هذا الوضع، بحيث لا يعود لدينا حال لكلمتين من الذكر والأنس معك فاقبضني إليك. فماذا أدرك هؤلاء، وماذا أدرك بقيّة الناس؟ ماذا استنبط هؤلاء، وماذا يستنبط البقيّة؟ هذا يقول: إلهي، اقبض روحي! ننظر إلى البقيّة فنجد في حالة أخرى، نعم! يا لها من أمور! وكان يقول: «خرجتُ من هناك ورأيتُ أنّ الأمور على ما يرام والحمد للّه، يبدو أنّه ليس التقدير الإلهي، ليس على هذا الوضع. فارتاح بالي وسجدت سجدة شكر، في مسجد الكوفة نفسه سجدت سجدة شكر، وقلت: الحمد للّه، سيسلم ديني». 

  • رَهْ چُنان رو که رَهروان رفتند... *** 
  • يقول: 

  • اسلك الطريق كما سلكه السالكون *** ...

  • لا يزال هناك مجال للحديث عن هذا الأمر، وهناك مواضيع تستحقّ البحث، ولكن يبدو أنّ هذا القدر الذي تمّ الحديث فيه مع الرفقاء والأصدقاء حول هذه المسألة كافٍ في الوقت الحاليّ.

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

15
  • قصة درس "الخمرية" المتوقف: رؤيا تحسم الأمر وتؤكّد على التكليف

  • والخلاصة أنّه إذا أراد الإنسان أن يعمل بالتكليف، فالأمر مختلف. أتذكّر في ذاك الزمان الذي كنتُ فيه في مشهد، ذات مرّة، اتّفقت مع الرفقاء، أن نبدأ بحثًا. كان ذلك البحث شرح قصيدة ابن الفارض الخمريّة: 

  • شَرِبْنَا عَلَى ذِكْرِ الْحَبِيبِ مُدَامَةً***سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الْكَرْمُ 
  • إنّها قصيدة عجيبة جدًّا، حتّى يصل إلى هنا حيث يقول: 

  • يَقُولُونَ لِي صِفْهَا وَأَنْتَ بِوَصْفِهَا***خَبِيرٌ أَجَلْ عِنْدِي بِأَوْصَافِهَا عِلْمُ 
  • صَفَاءٌ وَلَا مَاءٌ وَلُطْفٌ وَلَا هَوَا***وَنُورٌ وَلَا نَارٌ وَرُوحٌ وَلَا جِسْمُ 
  • تَقَدَّمَ كُلَّ الْكَائِنَاتِ حَدِيثُهَا***قَدِيمٌ وَلَا شَكْلٌ هُنَاكَ وَلَا رَسْمُ 
  • إنّها أشعار راقية جدًّا. وكان السيّد الحدّاد رضوان الله عليه يقرأ هذه القصيدة كثيرًا، والمرحوم العلامة نفسه أيضًا كان يقرأ هذه القصيدة. إنّها قصيدة ابن الفارض المصريّ. أردنا هناك أن نشرح هذه القصيدة، وأن يكون لنا بحث مع مجموعة من عشرة أو خمسة عشر من الرفقاء والطلاب آنذاك. في اليوم الأول قلت: فلأذهب. منذ البداية كان في قلبي شكّ تجاه استمرار هذه المسألة. في اليوم الأول قلت هذا. في اليوم الثاني بعد الظهر، رأيتُ رؤيا أنّني أدخل منزلًا، وهذا المنزل فخم جدًّا، من هذه القصور التي لها سلالم واسعة جدًّا وترتفع كثيرًا وما إلى ذلك... فصعدتُ هذه السلالم، وعندما وصلتُ إلى شرفة السلالم وأردتُ أن أستدير، فرأيتُ ثلاجة كبيرة جدًّا بجانب الشرفة، وطائرًا، الآن أي طائر كان، جوّي أم أرضيّ لا أعلم، ولكن كان واضحًا أنّه طائر سمين جدًّا وجذّاب ورائع، لدرجة أنّه أصلًا لا يمكن مقارنته أو تشبيهه بأطعمة وطيور الأرض هذه. باب الثلاجة مفتوح وقد سقط هذا الطائر خارجًا، وأنا أتعجب! أقول: إنّ مكانه في الثلاجة، فلماذا سقط خارجًا؟ لماذا سقط على الدرج؟ يجب أن أرفعه وأضعه في مكانه. فرفعتُه مرّة أخرى وفتحتُ باب الثلاجة ووضعتُه وأغلقته. وفجأة استيقظتُ من النوم، فأدركتُ ما هي المسألة، وأنّ المقرّر هو أن تُعطّل هذه الجلسة وألّا تكون هذه الأمور.

ولاية الإمام المهديّ عليه السلام الحصريّة على الدين - آفات الشهرة والتصدّي دون إذن

16
  • في ذلك الحين، جئتُ إلى المرحوم العلامة، فقد كان لديّ عمل معه. فقبل أن آتي إلى الدرس، كنتُ أمرّ أوّلًا على المنزل، لأرى هل لديه عمل ما أو أمر ما، ثمّ أذهب إلى الدرس. جئتُ، وبمجرّد أن دخلتُ تلك الغرفة، التفت إليّ فجأة وقال: «يا سيّد محسن، إن كنتَ تريد خير الدنيا، فابقَ مجهولًا. وإن كنتَ تريد خير الآخرة، فابقَ مجهولًا. تفضّل إلى عملك». قلت: «سمعًا وطاعة، شكرًا جزيلاً».

  • لا تتجاوز حدودك: العمل بالتكليف هو الميزان

  • هل تلتفتون؟ الحديث ليس مزاحًا، ويجب أن يعمل المرء بالتكليف، وحذارِ أن يخدع الإنسان نفسه ويتجاوز الحدّ الذي حدّد له. فعندما نقول إنّ مالكنا شخص آخر، وصاحب اختيارنا شخص آخر، ففيمَ نريد أن نفكّر بعد ذلك؟ في أيّ أمر آخر نريد أن نفكّر؟ يجب فقط أن نبقى مترقّبين، أيّ علامة تأتي؟ وماذا...؟ هذا فقط! لا أكثر! إن كان أكثر من ذلك، فقد خُدعنا.

  • إن شاء الله، نأمل أن يأخذ الله تعالى بأيدينا جميعًا، وأن يهيّئ لنا هو بنفسه ما فيه خيرنا وصلاحنا وبركتنا.

  • ای دل طریق رندی از محتسب بیاموز***مست است و در حق وی کس این گمان ندارد 
  • يقول: 

  • يا قلبُ تعلّم طريق الفطنة من المحتسب *** فهو ثملٌ ولا يظنّ أحدٌ به هذا الظن.
  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ