7

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان

التخصّص العلميّ الأنفع

58
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1424

التاريخ 1424/09/11

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

ما حقيقة الشهرة؟ وهل هي دليلٌ على مكانة الإنسان عند الله؟ كيف يُمتحَن أصحاب المناصب في إخلاصهم حين يدّعون خدمة الدين؟ وما هو التخصّص العلميّ الأنفع للإنسان؟ وكيف اختار كلّ من المرحوم العلاّمة الطهراني ونجله السيّد محمّد محسن طريقه العلميّ وترك سائر الفرص المغرية؟ لماذا يُعَدّ طلب الشفاء وقضاء الحوائج الدنيويّة حجابًا عن طلب المعرفة الحقيقيّة؟ وكيف تحمي العزلة والفقر أحيانًا أولياء الله؟ تجيبك هذه المحاضرة الأخلاقيّة التي ألقاها سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه ضمن شرحه لفقرة نوّهت باسمي كبيرًا.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان

  • التخصّص العلميّ الأنفع

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٤ هـ - الجلسة السابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم‌ 

  • وصلَّى اللَهُ عَلَى سیدنا ونبینا أبي ‌القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّیبین الطّاهرین واللعنةُ عَلَى أعدائِهِم أجمَعینَ‌

  •  

  •  

  • «إِلَهِي رَبَّيْتَنِي فِي نِعَمِكَ وَإِحْسَانِكَ صَغِيراً وَنَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيراً»

  • هل الشهرة دليل على المكانة الحقيقيّة؟

  • في الجلسة الماضية، ذكر للرفقاء أنّه في هذه الدنيا، وبواسطة علل وأسبابٍ ـ حيث الكثيرُ منها ليس في اختيار الإنسان نفسه، بل بسبب ترتّب الأمور الخارجيّة وتضافر مجموعة من المسائل والظواهر والأحداث ـ قد يكتسب الإنسان شهرةً ومعروفيّة؛ وهذه الشهرة والمعروفيّة ليست بأيّ حال من الأحوال دليلًا على تميّز شخصيّته، بل ربّما تكون معروفيّة كاذبة لا صادقة وصحيحة.

  • وهذا الأمر يصدق في الحالات التي لا يسعى فيها الإنسان بنفسه لتحقيق هذه المعروفيّة. أمّا إذا أراد الإنسان بنفسه أن يسعى لذلك، وأراد أن يُعرف، وأراد أن يوصل هذا الأمر ومكانته إلى مسامع الجميع، فعندها تكون المصيبة عظيمة.

  • السعي للمناصب بين الدافع الدنيويّ والغطاء الدينيّ

  • لنفترض مثلًا أنّ فردًا يريد أن يحصل على مكانة أو منصب ما، فإذا نظرنا من وجهة نظر دنيويّة ـ وهو الشائع في الأماكن الأخرى ـ فأنّهم يقولون بصراحة: «يا سيّدي، نريد أن نصبح رؤساء» أن يصبحوا رؤساء، ويدعمون هذا الفريق وذاك الحزب، ويدفعون الأموال لهؤلاء وأولئك، ولذلك المصنع، ويحثّون العمّال على الخروج للتصويت، ويرفعون أجورهم ويزيدون رواتبهم. فعندما تقترب الانتخابات ـ في الخارج هكذا هو الحال، لا أدري إن كان الأمر كذلك في الأماكن الأخرى أم لا! ـ يرفعون الأجور ويزيدون الرواتب ليأتوا ويصوّتوا لهم ويحصلوا على الأصوات، ثمّ ليتفوّق أحدهم على الآخر. ويذهبون هنا وهناك، ويلقون الخطب في مختلف الولايات ويجمعون الأصوات، والأمر يعتمد على شخصيّة ذلك المرء ومظهره؛ فالدوافع للانتخاب مختلفة.

  • وفي مكان آخر، يتّخذ الأمر الشكل نفسه ولكن بصورة مختلفة، فيُقال: «يا سيّدي، إنّما هو لخدمة الخلق، لخدمة الناس، لتحصيل رضا الله، ومن أجل هذه الأمور نريد أن نقوم بهذا العمل!»

  • حسنًا، نقول لهم: «جيّد جدًّا، أنتم الذين تريدون أن تعملوا لرضا الله، نحن نعرف كيف نكلّفكم بعمل؛ فاذهبوا واجلسوا في بيوتكم، وقوموا بهذه الأعمال التي تقولون إنّها لرضا الله، ونحن نضمن لكم أن يعطيكم الله هنا ضعف الثواب الذي كنتم ستحصّلونه في مكان آخر!»

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

3
  • «كلّا يا سيّدي! كلّا! لا يمكن! نحن نريد رضا الله هناك، فعندما نذهب لنجلس خلف المكتب وتأتي الكاميرات لتلتقط لنا الصور، ويكون حديث الصحف والجرائد والإذاعة والتلفاز في كل مكان عنّا! هذا هو رضا الله الذي نريده. فما معنى الجلوس في البيت يا سيّدي؟ ألا تخجلون أصلًا من أن تأتوا وتقدّموا لنا هذا الاقتراح؟! كيف تتفوّهون بمثل هذا الكلام؟»

  • ـ نقول: «ألم تريدوا خدمة الناس؟ حسنًا! سنعطيكم مسجدًّا، فاذهبوا وأرشدوا الناس فيه وادعوهم وتحدّثوا معهم، وأخبروهم عن بعض المسائل.»

  • ـ «يا سيّدي، مسجد واحد لا يكفي، ما هذا الكلام؟ نحن نريد أن نغيّر بلدًا، خلاصة القول نريد أن نغيّر العالم»

  • رقابة الملائكة: كيف تُسجَّل أعمالنا بدقّة تفوق الخيال؟

  • يتقدّم الأمر ويصبح أكثر دقّةً وظرافة، ففي الطرف الآخر من القضيّة لا يُخدع أحد؛ فالملائكة المراقبون لأفعالنا، والذين يلتقطون صورًا من زوايا أسرار أفكارنا، من حيث لا تستطيع أي آلة تصوير أن تلتقط صورة منها، ولا أيّ جهاز موجات فوق الصوت أن يصوّر هناك، ولا أيّ جهاز من أجهزة التصوير الدقيقة هذه التي ظهرت حديثًا بأشعّتها الفلانيّة وغيرها، تلك الذرّات التي يقولون أنّها تصوّر حتّى الخليّة. يقولون إنّ أجهزة جديدة قد ظهرت، فعندما تريد خليّة ما ـ خلية مختلّة كما يُصطلح ـ أن تخرج عن مسار نموّها الطبيعي وتبدأ بالتكاثر لتسبّب هذه الأمراض المختلفة، في تلك اللحظة التي تتشكل فيها هذه الخليّة، يلتقط الجهاز صورتها، ويبيّن أنّها تختلف عن تلك الخليّة، وهذه هي بداية السرطان. ويا له من أمر دقيق! بالطبع، لم يصل هذا الجهاز إلى هنا بعد.

  • هذان الملكان الموجودان اللذين كان يقال لنا عنهما منذ القِدم إنّ أحدهما يجلس على الكتف الأيسر والآخر على الكتف الأيمن، وكنّا في صغرنا ننظر دائمًا إلى هذا الجانب وذاك؛ لئلّا نرتكب مخالفة وهما جالسان، وكانوا يقولون لنا: «أنتم لا ترونهما هنا وهناك». ولكن لدينا في آية القرآن: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}۱. عجيب! عجيب! {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}٢ لقد أحاط بك ملائكتنا عن اليمين واليسار بحيث أنّك إن تحرّكت قيد أنملة يسجّلون، وإن تحركت يكتبون، وإن خطرت فكرة في ذهنك يكتبونها فورًا. لا أنّهم يكتبون، فيا ليتهم كانوا يكتبون فقط، لكنّا قلنا حينها: «يا عزيزي، لقد أخطأت في النسخ، كتبت بشكل مغلوط» فلو أنّهم كتبوا لقلنا: «كلّا يا عزيزي! لقد بدّلت مواضع الكلمات.»

    1. سورة ق (٥۰)، الآية ۱۷.
    2. سورة ق (٥۰)، الآية ۱۸.

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

4
  • التزييف البشريّ: هل يمكن خداع السجلّ الإلهيّ؟

  • الآن، ومع وجود الأجهزة الحديثة، يفعلون كلّ شيء؛ فيزوّرون الرسائل، ويزوّرون خطّ اليد تمامًا كخطّ يد الكاتب، ويزوّرون الصور، فيأخذون ملامح الشخص ويصنعونها بإتقان: العينين والحاجبين والأنف والفم، ويصنعون نسخة طبق الأصل عن الشخص نفسه ويُظهرونه في حادثة ما.

  • ـ «لكنّنا كنّا نسير في هذا الشارع!»

  • ـ «لا يا عزيزي، بهذا الدليل كنت تسير هناك. هل كنت في هذا المسجد؟» 

  • ـ «كلّا يا سيّدي، لم أذهب إلى مسجد كهذا!» 

  • ـ «إذًا من هذا الذي يتكئ على العمود؟»

  • بل ويسجّلون الصوت، ويخلقون الصوت، يأخذون نبرة الصوت هذه، ثمّ يأتون بصوت آخر، فماذا يفعلون به؟ ينسخونه عليه، وينقلون ذلك الصوت نفسه إلى هذا النص. ويجلس الشخص وقد ألقى خطابًا، بينما هو لم ينطق بكلمة واحدة منه، لم ينطق بكلمة واحدة.

  • كنت أنا نفسي في مكان ما، ليس في إيران طبعًا! فأحضروا شريطًا مسجّلاً لخطاب ألقاه شخص من أصدقائنا، لم أصدّق ذلك بأيّ شكل من الأشكال. وعندما قارنته بصوته الحقيقي، لم أستطع التمييز هل هذا صوته أم ذاك، وأيّ هذان الصوتان هو صوته الحقيقيّ، فقالوا: «حسنًا يا سيّد! ميّز أنت هل هذا له أم ذاك؟» ولم أستطع أن أميّز بين هذا الصوت والصوت المزيّف المصطنع، لم أدرك أهو هذا أم ذاك؟ كلاهما كانا لمتكلّم واحد، ثمّ قالوا: إنّ هذا هو الصوت المصطنع وهذا هو الصوت الحقيقي. وإنّهم يقومون بمثل هذه الأعمال.

  • يوم القيامة: عرض الحقيقة لا نسختها!

  • لكنّ هؤلاء الملائكة الموكّلون بنا هم أدقّ من ذلك؛ حيث يأتون بالفعل الذي قمنا به، بالصلاة التي أدّيناها عند طلوع الفجر مثلًا، ويضعون وجودنا هذا في حال الصلاة، في وجودهم العينيّ الخارجيّ وفي سجلّهم، لا أنّهم يلتقطون صورة. الآن نحن جالسون هنا، وأنا أتحدّث والرفقاء يستمعون. في يوم القيامة، الملائكة الموكّلون بهذا المكان، يأتون بهذه الجلسة نفسها الموجودة حاليًا، لا صورتها أو تصويرها! كلا، التصوير واضح، يعرضون فيلمًا فيظهر هذا الأمر، فهذا شيء متعارف عليه! كلّا! هذه الجلسة نفسها الموجودة فعلًا، بأعيانها الخارجيّة هذه وبوجوداتها الخارجيّة التي نشعر بها الآن في وجودنا، يأتون بملفّها يوم القيامة. حينها، كيف يمكن أن نقول إنّهم صنعوها؟! هل يمكننا قول ذلك؟! هل يمكننا الآن ونحن هنا أن نقول إنّ هذا مركّب؟! هذا ليس مصنوعًا من عندهم. نعم، لو خرجنا من هنا وأتوا بفيلم وعرضوه، لقلنا: «يا سيّدي، لقد قمتم بإنتاجه باستخدام هذه الأجهزة الحديثة، وضعتم هذا الرأس بجانب هذه اليد، وهذه اليد هنا، وصنعتم مجلسًا كهذا». حسنًا، هذا ممكن، وفي النهاية هو شيء طبيعي. ولكن هل وجودنا نحن أنفسنا الآن ونحن جالسون هنا هو أيضًا فيلم مصنوع؟! فهذا له حقيقة خارجيّة، وهذا ليس كذبًا. والملائكة يثبّتون هذا. 

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

5
  • وقوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}۱ هذا هو معناه، معناه أنّ الملائكة يُحضرون في ذلك الوجود الخارجيّ، يُحضرون، وهنا توجد أمور لا حصر لها، والدخول في هذه القضيّة أصلًا يأخذ الإنسان إلى مسائل لا يعود بيانها عليه بأيّة مصلحة، وتحدث قضايا تصبح فيها المسائل دقيقة جدًّا، وربّما لا يمتلك الكثيرون حتّى القدرة على تلقّيها.

  • فهؤلاء هم الملائكة الذين يقومون بهذا العمل. فما الذي يمكننا أن نخفيه والحال هذه؟! ما الذي يمكننا أن نكتمه؟! ما الذي يمكننا بعد الآن أن نُسِرّه؟! فعندما يقول الإنسان: نريد أن نفعل هذا وذاك، تأتي الملائكة فورًا وتكشف كلّ شيء له ويتّضح الأمر.

  • يوم التغابن: حسرة من أضاع عمره في المجاز

  • يتّضح من الذي عمل على الحقيقة ومن الذي عمل على المجاز. يقول العارف حافظ الشيرازيّ:

  • فردا که پیشگاه عدالت شود پدید***بیچاره مفلسی که عمل بر مجاز کرد 
  • والمعنى:

  • غدًا حين يظهر ديوان العدالة *** يا لبؤس المفلس الذي عمل بالمجاز

  • فالمجاز هو هذا بعينه، هو أن يقوم الإنسان طوال عمره ويشغل نفسه بملهيات الدنيا، بالمسائل الظاهريّة الملهية، ويصرف هذا العمر الثمين الذي لن يعود في سبيل الوصول إلى الدُّمى الظاهريّة وفي سبيل الوصول إلى البالونات ـ فهذه العلوم الظاهريّة كلّها بالونات، مملوّة بالهواء كالفوشار ـ أن يصرف عمره في سبيل الوصول إليها، وعندما يرحل يُسأل: «نحن الذين أعطيناك هذه الموهبة، فلماذا لم تنفقها في موضعها؟! نحن الذين أعطيناك هذه القابليّة، فلماذا لم تصرفها في محلّها؟!» «حسنًا جدًّا، مادام الأمر هكذا، فتعالَ لنُريك مقامك» حينها يلطم رأسه بكلتا يديه. {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}٢. يجمعكم الله في يوم، ذلك اليوم هو يوم الشعور بالغبن، ويوم الإحساس بالغبن، ولا فائدة ترجى بعد ذلك، لا فائدة.

  • الفرص الدنيويّة التي عرضت على المحاضر ووالده

  • أتذكّر في تلك الأزمان التي كنت أدرس فيها، الدراسة المدرسيّة، كانت في رأسي أحلام وخيالات مثل الآخرين، مثل كلّ الناس؛ أن أسافر وأفعل هذا العمل وذاك، وأهتمّ بكذا، وأهتمّ بالمسائل الجديدة. وفي ذلك الوقت، أرادت الحكومة أن ترسلني إلى الخارج على حسابها من خلال منحة لأواصل دراستي في الخارج في الجامعات المعاصرة.

    1. سورة ق (٥۰)، الآية ۱۷.
    2. سورة التغابن (٦٤)، الآية ٩

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

6
  • اطّلع المرحوم العلّامة رضوان الله عليه على الأمر ومجرياته، وفي يوم من الأيّام قال لي هذا الكلام: «يا فلان! أنا لا أمنعك من الاهتمام بهذه العلوم وهذه المسائل، ولكن اعلم أنّ والدك نفسه كان شخصًا خبيرًا بهذه العلوم العصريّة؛ وكان مهندسًا» فوالدي المرحوم كان مهندسًا تقنيًّا، وفي المعهد التقني نفسه الذي هو الآن بمثابة جامعة، وكان قد حاز على المرتبة الأولى أيضًا، وأرادوا إرساله إلى الخارج، وقصّته مفصّلة جدًّا!

  • لقاء مع الشاه وثمانية عشر عرضًا دنيويًّا

  • قال: «عندما حزتُ المرتبة الأولى في المدرسة، قدّمت لي حكومة ذلك الوقت عروضًا مختلفة» حتّى أنّه كان يقول ذات مرّة إنّ محمّد رضا شاه قد أتى لزيارة معهدنا الفنّي، وقال له المسؤولون هناك: «لدينا هنا طالب صنع بنفسه آلة تشبه آلة أتت من ألمانيا» فتعجّب الشاه كثيرًا! وقال: «أين هذا الطالب؟» قالوا: «يوجد شخص اسمه حسيني وهو الآن في المكان الفلاني.» وكان المرحوم العلّامة يقول: «ودون أن يخبروني، أتى محمّد رضا شاه إلى ورشة العمل، وجاء ووقف فوق رأسي وأنا أعمل ولم أدرك أنّه يقف خلفي» كان يقول إنّه وقف خلفي عشر دقائق وأنا منهمك في عملي إلى درجة أنّني لم أدرك أنّه يقف خلفي برفقة عدد من مسؤولي الدولة هؤلاء. ثمّ فجأة شعرتُ بيده "المباركة!" على أسفل عنقي، وكرّر عدّة مرات: «أحسنت! أحسنت! بارك الله بك! بارك الله بك! إنّ بلادنا بحاجة ماسّة إلى أمثالك» حينها فقط رفعتُ رأسي ورأيت جلالة الملك خلفي ـ وكنّا نتبادل المزاح مع المرحوم العلّامة حول ذلك، ولكن دعنا من هذا الآن ـ قال: «نهضنا وقدّمنا الاحترام، فهو الملك (الشاه) وقد أتى إلى هنا... وإلى آخره، وقد أثنى عليّ ومدحني كثيرًا ثمّ انصرف، وعدت إلى عملي».

  • كان يقول: «عندما أنّهينا هذا العمل، قدّموا لي عروضًا مختلفة لمواصلة العمل، أمورًا كثيرة، كان أحدها أن تسلَّم مسؤوليّة مصفاة نفط عبّادان إليّ» وبالطبع اقترحوا عليه قائلين: «بعد أن تذهب إلى ألمانيا لمدّة أربع سنوات وتعود، قد تحصل على رئاسة مصفاة نفط عبّادان، ومسؤوليّة سكك حديد إيران، ومسؤوليّة شؤون الطلاب خارج إيران» وكانت هناك مسائل كثيرة، حوالي ثمانية عشر عرضًا قدّموها له، على غرار هذه العروض التي ذكرتها، وكان منصب معاون وزير الطرق أحدها.

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

7
  • التوسّل بالإمام والاستخارة: كيف حُسم الخيار المصيريّ؟

  • قال: «في إحدى الليالي توسّلت بالإمام صاحب الزمان عليه السلام وقلت: يا ابن رسول الله، نحن لا نعلم ماذا نفعل حقًّا؟ نحن لا نعلم ولا ندري كيف نصرف عمرنا...» ـ ففي النهاية، من الواضح أنّ موهبته غير عادية، ومن الواضح أنّه ذا ذكاءٍ غير طبيعي ـ حيث أنّ المرحوم العلّامة كان شديد الذكاء وذا ذاكرة قويّة جدًّا.

  • عادة ما يقسّمون الناس إلى ثلاثة أقسام أو أربعة: بعضهم ذاكرتهم جيّدة ولكن موهبتهم قليلة وذكاؤهم منخفض، وهؤلاء يشكّلون حوالي ٣۷% من الناس. وبعضهم موهبتهم قويّة وذاكرتهم ضعيفة، وهؤلاء أكثر عددًا، يقال إنّهم حوالي ٦٦% أو ٦۷%. وبعضهم ضعيفون في كلا الجانبين، فلا ذاكرة لديهم ولا موهبة، ويقال إنّ هؤلاء ۷%. وبعضهم يمتلكون كلا الأمرين بمستوى عالٍ، وهؤلاء يُحسبون من النوابغ. وقد كان المرحوم العلّامة يمتلكهما؛ أي أنّ ذاكرته كانت قويّة جدًّا ـ أتذكّر في أواخر عمره أنّه كان يستشهد بالأشعار النحويّة التي قرأها في فترة طلبه للعلم، ويستشهد بها دون أن يكون قد راجعها مؤخّرًا. واعلموا أيضًا أنّه لو قال له أحدهم كلمة قبل عشرين أو ثلاثين سنة، لكان يعرف ما قاله قبل عشرين سنة، أي أنّها تبقى في ذهنه. كان عجيبًا في الذاكرة، وموهبته أيضًا كانت عالية جدًّا.

  • كان يقول: «توسّلت بالإمام صاحب الزمان عليه السلام وقلت: هذه المواهب أنتم أعطيتموني إيّاها، لم آتِ بها من نفسي. فهذه الموهبة، وهذه الذاكرة، وهذا الاهتمام، كلّه جاء من جهتك، ولا أريد أن أصل يوم القيامة إلى وضع أتحسّر فيه على هذه الموهبة والإمكانات التي ضاعت، ولو صرفتها في مكان آخر لكانت سببًا في خسراني وفقدان سعادتي؛ لا أريد أن أتحسّر، أنا أسلّم الأمر إليك، فماذا ترى مناسبًا لي؟»

  • كان يقول: «أُلهِمتُ أن أبدأ بالخيارات التي وُضعت أمامي وأستخير وأفوّض الأمر إلى الحجة عليه السلام. كلّ استخارة قمت بها جاءت في غاية السوء والنفور، فالذهاب إلى الخارج جاء سيّئًا جدًّا... والاستخارة الوحيدة التي جاءت جيّدة جدًّا وفيها السعادة الأبدية وخلاصة القول غاية رضا الله، كانت الدخول في علوم الله ومعارفه.»

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

8
  • الموهبة أمانة: كيف نقدّر جوهرة الإمكانات؟

  • وأنا فهمتُ! فإنّ الله حين يهب هذه الموهبة لأحد، فعليه أن يقدّرها. وبمَ يكون تقديرها؟ فعندما يمتلك الإنسان جوهرة، لا يبدّلها بخرزة رخيصة! لا يبادل هذه الموهبة والإمكانات بالحمّص والفوشار والحلويات. وعلى كلّ حال، لهذه الموهبة وهذه الإمكانات حساب، ولم تُعطَ عبثًا. نعم قد يكون هناك من لا يملك الموهبة، فلن يتحسّر يوم القيامة، فوضعه يختلف وأكثر راحة! لماذا؟ لأنّه بالمقدار الذي يدركه من المسائل هنا، سيدرك في يوم القيامة لا أكثر ليتحسّر من ضياع بعض موهبته.

  • من الذي يتحسّر يوم القيامة؟

  • إنّما يتحسّر من يرى ما هو أعلى، يرى ما هو أعلى ويرى أنّه لا يستطيع الوصول إليه؛ هذا هو الذي يتحسّر. فلنفترض الآن، عند وقت الإفطار، والجميع مستعدون لإفطار شهر رمضان المبارك والمائدة ممدودة هناك، ويأتون فجأة ويربطوا إنسانًا إلى هذا العمود! الآن هو وقت الإفطار ووقت تناول الطعام، ويأتون بكل أنواع الطعام ويرصّونها، والحلوى وما إلى ذلك، ويضعونها هنا. وما إن يريد الإنسان أن يأكل حتّى يقولوا: «كلّا! يجب أن نربطك إلى هذا العمود، هذا جيّد لك قليلًا!» فيُربط هذا العبد المسكين، ويجلس جمع من الناس ويأكلون هذا الطعام ويجمعون المائدة، وعندما ينتهون، حينها فقط يطلقون سراحه؛ فحينها ستخرج الآه من أعماق قلبه!

  • نعم، لو كان الإنسان قد أفطر من قبل، سواء بهذا الطعام أم بطعام آخر، فلا فرق عنده، فهو لا يعود يشتهي الطعام. كلّما قالوا له تعال إلى المائدة، يقول: «أنا لا أشتهي أصلًا» ولا ينظر إلى الطعام حتّى. فهل هذا يتحسّر أيضًا؟ «ليتهم يفكّونني!» كلّا! يقول: «لقد أكلنا هذا الطعام نفسه، فهذا لا يستدعي الحسرة».

  • مرغ بریان به چشم مردم سیر***کمتر از برگ تره بر خوان است 
  • وآن که را دستگاه و قُوَّت نیست***شلغم پخته مرغ بریان است 
  • يقول: 

  • الدجاج المشوي في عين الشبعان *** أقل من ورقة كرّاث على المائدة 

  • ومن لا يملك قدرةً ولا قوّة *** فاللفت المطبوخ في عينه دجاج مشوي

  • يمكن تفسير «به چشم مردم سیر» (في عين الشبعان) بطريقتين: إمّا الناس الذين شبعت أعينهم وآذانهم، أو الناس الشبعى الذين لا يحتاجون إلى طعام. ويبدو أنّ المعنى الأول أفضل من الثاني، وإن كان الثاني صحيحًا، ولا إشكال فيه أيضًا.

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

9
  • فهؤلاء الذين هم في هذه المرتبة سيكونون يوم القيامة في المرتبة نفسها، ولذا لا يتحسّرون؛ فهم أصلًا لا يرون ما هو أعلى ليتحسّروا. إنّما يتحسّر ذلك الذي يرى ما هو أعلى ويرى أنّ يده لا تصل إليه، ذاك يأتي يوم القيامة ويقول: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا}۱.{يا حَسْرَتى‌ عَلى‌ ما فَرَّطْتُ في‌ جَنْبِ اللَّه}٢ يا ويلنا على ما قصّرنا في جنب الله وأمام مرأى الله ومنظره. هذا بالنسبة للعلوم، وبالنسبة لسائر المسائل كذلك، وبالنسبة للأعمال كذلك، وبالنسبة للسلوك كذلك؛ بل وبالنسبة لكلّ شيء. الآن نحن طرحنا قسمًا واحدًا منه.

  • تأثير نصيحة المرحوم العلّامة على مصير المحاضر

  • لذا كان يقول: «لقد اخترت هذا الطريق». قال لي ذلك في تلك الليلة، ثمّ قال لي هذا الكلام: «يا فلان! استفد من عمرك بحيث لا تتأسّف عند الموت على ضياعه» لقد أثّر فيّ هذا الكلام تأثيرًا عجيبًا! لقد كان هذا الكلام عجيبًا! كنتُ أفكّر فيه لأيام، بذلك الفكر الناقص الذي كان لديّ في ذلك الزمان، فرأيت حقًّا أنّ هذا الكلام عجيب، وعميق، وحاسم؛ كلمة واحدة تحدّد مصير الإنسان. كلّما خطّر ببالي أن أباشر عملًا ما في هذه الدنيا، رأيت أنّ كلّ تلك الأعمال تافهة، وكلّها مضيَعة للوقت، وكلّها لعب أطفال!

  • أدركت أنّ ما هو مفيد لدنياي وآخرتي ولسعادتي هو فقط وفقط الدخول في علوم أهل البيت عليهم السلام وكسب المعارف التي يقول عنها الإمام الصادق عليه السلام: «ليت أصحابي ضُرِبوا بالسيّاط حتّى يتفقّهوا»٣، أي حتّى يأتوا ويأخذوا منّا هذه العلوم والمعارف. هذا فقط. وأيضًا، أيّ نوع من العلوم والمعارف؟ تلك التي يأخذها الإنسان من الإمام الصادق عليه السلام ويسير في المسار نفسه، لا التخيّلات، ولا الأباطيل، ولا التلفيقات! كلّا! لو شرّف الإمام الصادق عليه السلام بالحضور هنا، لقلنا: «سيّدي، هذا المعنى الذي فهمته هو من روايتك، لم ندخل فيه شيئًا من عند أنفسنا» هكذا.

  • حينها يحظى الإنسان بعناية الأعاظم ولطفهم، أمّا إذا خلط هذا بذاك، فهذا أسوأ بكثير من أن يقضي عمره في مسائل أخرى؛ أخطر بكثير وأسوأ بكثير.

    1. سورة الأنعام (٦)، الآية ٣۱
    2. سورة الزمر (٣٩)، الآية ٥٦.
    3. الكافى، ج ١، ص ٣١: عن أبى عبدالله عليه السلام: «لَوَدَدتُ أن اصحابى ضُرِبَت رئوسهم بالسياط حتى يَتَفَقَّهُوا»

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

10
  • «المرء لنفسه ما لم يُعرف»: الثمن الباهظ للشهرة

  • المعروفيّة بحد ذاتها ليست مستحسنة. ولكن قد يجعل الله تارةً أحد الأفراد معروفًا ومشهورًا. فلنرَ الآن، لو أراد شخص أن يضع نفسه في دائرة المعروفيّة هذه، وأن يصل هو بنفسه إلى المعروفيّة، فهل هذا مستحسن أم لا؟

  • على ما في ذهني، أظن أنّ هذا القول من أمير المؤمنين عليه السلام، من المؤكّد أنّه من معصوم، ويبدو أنّه في الكلمات القصار وحكم أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: «المرء لنفسه ما لم يُعرف، فإذا عُرِف فلغيره»۱ وأقولها لكم أيّها الرفقاء، لو أخذتم هذه العبارة وفكّرتم فيها لسنة كاملة، لكان قليلًا! أن تفكّروا فيها سنة كاملة! حقًّا، كم هي عجيبة كلمات أمير المؤمنين عليه السلام بحيث لا يستطيع المرء أن يصل إلى كنهها! كلّ إنسان يصل فقط بمقتضى فهمه وظرفه ومرتبته.

  • فالمرء مِلكٌ لنفسه ما لم يُعرف، أي ما لم يعرفه الناس، فإذا عرفوه لم يعد مِلكًا لنفسه، بل أصبح مِلكًا للناس وللغير. فالإنسان مِلكٌ لنفسه، ووقتُه مِلكٌ لنفسه، وحسابه مِلكٌ لنفسه، وإمكاناته مِلكٌ لنفسه، وفراغه مِلكٌ لنفسه، ما دام لم يعرفه أحد، ولكن عندما يعرفونه، يرنّ الجرس!

  • حكايات من واقع المعاناة مع محبّين لا يراعون وقتًا!

  • يرنّ الجرس! والساعة الثانية عشرة! 

  • ـ «السلام عليكم، لدينا عمل مع السيّد»

  • ـ «السيد يصلّي»

  • ـ «حسنًا، سننتظر عند الباب!»

  • ـ «إلى متى ستنتظرون؟»

  • ـ «سننتظر حتّى المساء لنرى السيّد!»

  • يرنّ الجرس! والساعة الحادية عشرة ليلاً.

  • ـ «لقد أتينا من تلك المدينة خلف أصفهان لنرى السيّد»

  • ـ «يا سيّدي، أليس لديكم حاجة للنّوم؟! ألا حياة لكم؟!»

  • يرنّ الجرس! الساعة كذا... فجأة، وأقول هذا بجديّة، بعد أذان الفجر بنصف ساعة، بل ومرّة واحدة ونحن في المنزل السابق، وقبل طلوع الفجر بنصف ساعة، أي الساعة الرابعة صباحًا، أتوا ورنّوا الجرس! قالوا: «رأينا أن جنابكم تصلّون صلاة الليل، فقلنا لا بد أنّكم مستيقظون وستسمحون لنا بالدخول!» حسنًا، ماذا يقول المرء لهم؟ أيقول الصدق؟ فالتفتُ إليه وأقول: «أنا أسمح للعقلاء بالدخول، أمّا المجانين فمكانهم آخر! تفضّلوا بالانصراف!»

  • ـ «سيّدي، هل تطردنا؟»

  • ـ «تفضلوا!»

    1. إرشاد القلوب، ج ١، ص ١٠٠: «المَرءُ لِنفسه ما لم يُعرَف فإذا عُرِفَ صارَ لغيره».

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

11
  • في نهاية الأمر، أيّ رجل أحمق ينهض الساعة الرابعة صباحًا، بعد الأذان بنصف ساعة، ويذهب إلى مكان ما؟!

  • يرنّ جرس الهاتف الساعة الحادية عشرة والنصف: «السلام عليكم! سيّدي، اشتقنا إليكم فقلنا نسأل عن حالكم!». 

  • الآن، الحادية عشرة والنصف في الشتاء! فقلت: «سيدتي، لا أعرف ما السبب الذي جعل الأرق يداهمك، ولكنّي كنت نائمًا واستيقظت»

  • «المرء لنفسه ما لم يعرف، فإذا عرف فلغيره» يصبح مِلكًا للغير؛ فلا يعود له نوم ولا يقظة، ولا فكر، ولا فراغ، ولا سكينة، ولا يستطيع أن يصلّي ركعتين بحضور قلب! لماذا؟ لأنّ الناس مختلفون في دوافعهم؛ فلا يفكّر الجميع بشكل صحيح، ولا يفكّر الجميع بعمق، ولا يتمتّع الجميع بمستوى راقٍ من الثقافة، فيأتون إلى الإنسان بتلك الثقافة التي لديهم. حسنًا، ما النتيجة؟ ما النتيجة؟ انظروا الآن إلى حال الناس!

  • بين رمضان العوام ورمضان الخواص: كيف نعيش ليالي الشهر الفضيل؟

  • عندما يحين وقت الغروب والإفطار، ينهضون وينطلقون في الشوارع، ينهضون ويذهبون لرؤية هذا وذاك، يتحدّثون ويضحكون ويأكلون الزلابية۱ والحلويات والشاي، ويقهقهون ويدردشون... وهكذا حتّى قرب أذان الفجر، ثمّ ينهضون ويعودون إلى بيوتهم ليتناولوا السحور! وهؤلاء هم المؤمنون. أمّا الذين لا يصومون فهم مرتاحون؛ لا ليل لهم ولا نهار، فهذا حال المؤمنين!

  • الآن نحن والحمد للّه، لقد لطف الله بنا كثيرًا أيّها الرفقاء، أصبح وضعنا وحالنا وذهابنا وإيابنا على نحوٍ استقرّ فيه كلّ أمر في موضعه. انظروا إلى الناس، ما إن يفطروا، إن كانت امرأة ارتدت عباءتها، وإن كان رجلًا ارتدى بدلته وحذاءه، وهيّا! لنذهب، لنذهب إلى بيت هذا وبيت ذاك، نذهب إلى هناك ونأتي إلى هناك، إلى أين نذهب؟ إلى الحديقة الفلانيّة، ونتجوّل في الشوارع، ماذا نفعل! يا سيّدي، هل ليالي رمضان لهذا؟! هل ليالي رمضان لهذا حقًّا؟!

  • حينها، إذا لم يذهب المرء معهم، يُقال عنه: «من هؤلاء؟ هؤلاء من زمن قبل ثلاثة آلاف سنة! هؤلاء لا يُعلم من أيّ كوكب سقطوا هنا، لقد أتوا إلى كوكب الأرض وضيّقوا المكان! هؤلاء لا ينسجمون مع البشر أبدًا يا سيّدي! كيف يعيش هؤلاء أصلًا؟! بماذا هم سعداء؟! حقًّا لا يفهمون!» هل الناس حقًّا لا يفهمون لماذا هم أحياء ولماذا يعيشون؟! ثمّ لا شيء، في شهر رمضان يأكلون صباحًا لدرجة أنّه عندما يأتي الليل يكون طعام الصباح قد هُضم للتو، فينهضون ويذهبون لتناول الإفطار التالي. أصلًا لا يفهمون شيئًا من شهر رمضان ولا من الصيام؛ إمّا هم في نوم، أو في أكل، أو في تجوال. وينتهي شهر رمضان.

    1. وهي الحلوى التي تختصّ بشهر رمضان في إيران. (م)

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

12
  • ـ «حسنًا، الحمد لله انتهى، ارتحنا!»

  • ـ «الحمد لله انتهى وارتحنا!»

  • لكنّ الأعاظم وأولياء الله، كيف كان ينقضي شهر رمضان لديهم؟ فكان كلّما يمرّ يومٌ من شهر رمضان، كانت لديهم مصيبة فقدان يوم. «يا للأسف، لقد مرّ يوم!» وهل سيتكرّر؟! وهل يمكن أن يُمدّد شهر رمضان هذا؟! وعندما كان ينتهي شهر رمضان، على مائدة العيد الإلهي، كانوا يشعرون بحضورهم ذاك، والله يعطيهم ما أعدّه للصائمين من «مَوَائد المُسْتَطْعِمِيْنَ المُعَدَّة»۱ وعندما يصبح الأمر هكذا، كانوا يرون أن شكر هذا الأمر يكون بزيارة المراقد المطهّرة لأولياء الله. هكذا صاموا هم، وهكذا نصوم نحن: بالمجيء والحديث والضحك وقضاء الوقت والتسامر مع الأقارب، وكلّ يوم هنا وهناك، ثمّ انتهى الأمر وذهب! وارتحنا من شرّه وانتهى، ومرّ الشهر وانتهت المسألة.لذا، دائمًا ما تكون المسألة مقترنة بالاعتراض، ودائمًا ما تكون القضيّة مقترنة بطريقة التفكير، وهذا أمر مهمّ!

  • لماذا الشهرة هي الخطّر الأكبر على السالك؟

  • لماذا لا يتصرّفون كعاقل ورشيد؟! ولماذا علينا أن نكون مثلهم؟! من قال هذا؟! ولماذا لا يسلك الناس الطريق الذي سلكه أعاظم الطريق؟! ولماذا يجبروننا على سلوك طريقهم؟! فهذا ظلم! من قال مثل هذا الكلام؟!

  • إنّ الناس يعيشون في تخيّلاتهم وتصوّراتهم، ولا يبالون. ولا شأن للإنسان بهم، فهم أنفسهم ينهضون بهذه الأفكار والتخيّلات ويأتون إلى المرء، هؤلاء أنفسهم، وبهذا الوضع، لا ينهضون ليتعلّموا كلمتين حتّى! لا ينهضون ليتعلّموا معرفتين! 

  • فأسوأ شيء وأخطر خطر على السالك هو أن يصبح معروفًا، أن يُعرف؛ هذا هو الخطر الأكبر.

  • فإذا عُرف شخص ما، فلن يتمكن بعد ذلك من أن يخطو خطوة، ولن يتمكّن من إنجاز عمل، ولن يتمكّن من أن يكون له فكر وتركيز، ولن يتمكّن من أن يكون له حال. فمن الذي ينهض ويأتي إلى الإنسان ليسأله عن ألمه الباطن؟ ـ غير بضعة أفراد ـ من؟!

  • لافتة على الباب: ماذا سيطلب الناس منك؟ الشفاء أم المعرفة؟

  • الآن، لو علّقتَ لافتة على باب منزلك أن «أيّها الناس، في هذا المنزل إذا أتى أعمى شُفي، وإذا أتى من به ألم في القلب شُفي، وإذا أتى أعرج شُفي، وإذا أتى من به ألم في الظهر شُفي، والمرض الفلاني والفلاني يُعالج هنا، وهنا يُعطى الدعاء» فلو علّقت لافتة كهذه، أقسم بشرفك، سيصطفّون من باب منزلك حتّى ميدان طهران! حتّى ميدان طهران ذاك! لكن لو علّقت لافتة على باب منزلك: «من يأتي إلى هنا يكتسب كلمتين من المعرفة، ويسمع أمرين، وتتحسّن أمراضه الباطنيّة، ويطّلع على أمراضه الباطنيّة، ويعرف طريقه» ثمّ جلستَ خلف الباب ووضعت طاولة، لا، بل جلستَ على السجادة متّكئًا حتّى الليل، فكم شخصًا سيدخل عليك؟! إن لم يسخروا منك، سيمرّون كرامًا هكذا! هؤلاء هم الناس، هؤلاء هم الناس!

    1. اقتباس من زيارة أمين الله: وموائد المستطعمين معدّة. (إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج ٢، ص ٢٧٤)

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

13
  • قصّة الشيخ النخودكي: هل كان الناس يطلبون كراماته أم معرفته؟

  • ذات مرّة كنّا في محضر المرحوم العلّامة رحمه الله، وكان الحديث يدور حول الكرامات التي كانت لبعض الأعاظم الماضين، مثل المرحوم الحاج الشيخ حسن علي النخودكي الأصفهانيّ رحمه الله، أو مثل آية الله السيّد مرتضى الكشميريّ وأمثالهم في النجف أو في مشهد أو في أماكن أخرى؛ لقد كانوا من الصالحين والأعاظم، وكانوا مرجعًا للناس. فقلت للمرحوم العلّامة: «سيّدي، صدر كتاب قرأت فيه أنّه كل يوم كان يجتمع صفّ طويل من المُراجِعين عند باب منزل المرحوم الشيخ حسن علي النخودكي الأصفهاني في مشهد. فواحد كان مديونًا... وآخر كان يعاني من ألم في البطن... وذاك اعتقلت الشرطة ابنه وسُجن... وذاك كذا وكذا... وكان والدنا المرحوم ينقل حكايات عنه». ثمّ التفتُّ إليه وقلت: «في النهاية، أيّ إنسان فارغ الأشغال يقضي وقته في شفاء آلام البطن والصداع وآلام الأذن والنمش وهذه الأمور التي تهمّ الناس؟!»

  • فقال المرحوم العلّامة: «نعم! نعم يا عزيزي! الإنسان الفطن لا يسلّم نفسه للناس. فالإنسان الفطن يبحث عن فراغ ليكون له حال، وهؤلاء الناس لا تنتهي طلباتهم» لو أنّ المرحوم الشيخ الأصفهانيّ نفسه قال: «كلّ من يأتي إلى هنا، فلا خدمة له بعد الآن. ألديك ألم في البطن؟ فليكن، احتفظ به لنفسك. أأنت مديون؟ ما علاقتي بذلك؟! فأنا أيضًا مديون... لديك كذا وكذا... تعالوا إلى هنا لنتحدّث» فلو قلت ذلك لما وصل ذلك الصفّ الذي يبلغ طوله خمسمائة متر إلى خمسة أمتار. خمسة أمتار؟! بل لم يكن ليصل إلى متر واحد! كان سيجلس هو وبضعة أفراد حالفهم التوفيق لسماع كلمتين.

  • لماذا هذا؟ لهذا السبب يا سيّدي! فمستوى فكر الناس ليس بالحدّ الذي يسبّب راحة الإنسان، بل يسبّب قلق الفكر وتشويش الخاطر للإنسان؛ هذه هي المسألة المهمّة! وهذا كلّ ما في الأمر. وهناك الكثير من التجارب في هذا المجال لدرجة أنّكم ربّما تعرفونها أفضل منّي، كلٌّ بقدره وبحسب وضعه.

  • كيف حمت الفاقةُ وليًّا من فتنة الشهرة؟

  • ما دام لم يكن الإنسان مشهورًا وذا صيت واسع، تمرّ سنوات ولا يرسل له أحد رسالة. وبمجرّد أن يكتسب اسمًا، فيأتيه سيل من الرسائل! حسنًا، هذا هو نفسه الذي كان جالسًا في بيته، لم يتغيّر. فعلمه هو نفسه، وتقواه إن كانت موجودة هي نفسها، وانتسابه لأبيه وأمه وقومه هو نفسه؛ لم يحدث أيّ فرق. فماذا حدث إذًا؟! لماذا لم تكن تسأل عنه حتّى الآن؟ لماذا لم تكن تبحث عنه حتّى الآن؟

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

14
  • كان المرحوم العلّامة يقول إنّ المرحوم القاضي رحمه الله أرسل المرحوم السيّد الحدّاد رحمه الله من النجف إلى كربلاء؛ لكي ينشغل بعمله وطريقه في كربلاء بعيدًا عن سائر الناس، ولكي لا يبحث عنه أحد، ولا يكون لأحد ارتباط به، وليستطيع أن يحافظ على خلوته، ويستطيع أن يكون مع ربّه. فلو أدرك الناس العاديّون أنّ السيّد الحدّاد، على سبيل المثال، له تلك الحالات التي كانت لديه في ذلك الوقت، ولو علموا أنّه كان يمتلك في ذلك الزمان الموت الاختياري، ولو علموا أنّه كان مستجاب الدعوة، لاصطفّ النّاس أمام مصنعه حتّى حرم حضرة أبي الفضل عليه السلام من أجل قضاء حوائجهم ومتابعة أمورهم. ولكن عندما يأتون وينظرون إلى أنّ هذا السيّد الذي يعمل في الحدادة لا يملك أحيانًا مالًا لعشائه، فهل ينهض أحد ويأتي إليه؟! سيقولون: «لو كان يستطيع، لدعا لنفسه!» فيموت حفيده وهو ينظر ويبكي على الألم الذي أصابه، فيقولون: «لو كان يستطيع أن يدعو، لشفي حفيده أولًا» نعم، فالناس هكذا.

  • لو ظهر الإمام اليوم: هل ستبقى معه إذا لم يقضِ حوائجك الدنيويّة؟

  • فيما يتعلّق بفلسفة ظهور الإمام الحجّة عليه السلام، أتذكر أنّي ذكرت هذا الأمر في تلك الجلسات الماضية، قبل سنوات، وهو أنّه لو ظهر الإمام صاحب الزمان عليه السلام الآن وأعلن للناس: «يا أيها الناس! إذا أتيت، فإنّ هذا الموت سيبقى على حاله، ولن أتدخّل فيه. وهذه الأمراض التي لديكم ستبقى على حالها، أنا لن أشفي أحدًا، فهل أنا طبيب؟! هل أنا هنا لأعطي الأسبرين وفيتامين سي والحقن؟! أنا إمام! إن أردتم أن تسألوا عن مسألة شرعية، فتعالوا واسألوا، وحينها سأقول المسألة دون واسطة واجتهاد، ودون إجراء أصل البراءة والاحتياط۱...!» فهل الإمام صاحب الزمان عليه السلام سيأتي ويجري الأصول أيضًا أم لا؟! لن ينظر إلى حذف السند والإرسال٢ وهذه الأمور! بل سيقول ما هو كائن.

  • ـ «تريدون منّي مسألة شرعيّة، سأقول المسألة الشرعيّة. تسألونني عن المسائل الباطنيّة والطريق، حسنًا، سأقول هذا المقدار أيضًا. لكن ألديكم صداع؟ فلا علاقة لي بذلك، اذهبوا وتناولوا قرصًا؛ فإن شُفيتم فبها، وإن لم تُشفوا فما علاقتي بذلك؟! ألديكم ألم في البطن؟! فاشربوا شايًا بالنعناع أو ادهنوا بزيت الخَرْوَع، فهذا لا علاقة له بي. ألديكم ألم في الأرجل؟ افعلوا كذا وكذا، ألديكم التهاب مفاصل؟ افعلوا ما شئتم، لا علاقة لي بذلك إطلاقًا. أأنتم مدينون؟ كان عليكم أن تعملوا بجدّ كي لا تقعوا في الدين، والآن انهضوا واعملوا لسداد ديونكم. ألديكم مشاكل وخلافات وخلافات عائليّة؟ حسنًا، ماذا يمكن فعله؟ هذا الأمر لا أستطيع فعل شيء حياله! اذهبوا ودبّروا أموركم، حسّنوا أخلاقكم، تسايروا، تداروا، تصالحوا مع بعضكم.»

    1. البراءة والاحتياط مصطلحان من علم أصول الفقه يشيران إلى تحديد الوظيفة العمليّة عند الشكّ في الحكم الشرعيّ من قبل المجتهد، فعندما يَشكّ في وجود حكم شرعيّ ما ولا يقوم لديه دليل يقينيّ عليه فهل الأصل عدم وجوب العمل بهذا الحكم لأنّ الله لا يؤاخذ العباد على ما لم يعلموه؟ وهذا يسمّى البراءة. أم الأصل هو وجوب العمل بهذا الحكم خوفًا من الوقوع في الضرر والمفسدة والعقاب؟ وهذا ما يسمّى بالاحتياط، ولدى فقهاء الإماميّة أبحاث مفصّلة حول هذين الأصلين ووجهات نظر مختلفة ما بين المدرستين الأصوليّة والأخباريّة (راجع في ذلك فرائد الأصول ج٢ ـ كفاية الأصول ج٢) .(م)
    2. الإرسال في علم الحديث يعني ذكر الرواية من دون سند أو مع انقطاع في السند. (م)

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

15
  • ـ «يا بن رسول الله، نفعل كلّ شيء ولا فائدة ترجى، فماذا نفعل؟!»

  • فيقول الحجّة عليه السلام: «والله، يوجد عندي من كلّ صنف، إلا هذا فهو غيرموجودٍ لدينا، اذهبوا وتضرّعوا إلى الله.»

  • لو جاء الإمام صاحب الزمان عليه السلام وقال: «أنا لا شأن لي بأموركم، سأقول لكم فقط المسائل الشرعيّة، وثانيًا ما يتعلّق بطريقكم وسيركم إلى الله» فإنّ كلّ هتافات «يا ابن الحسن» هذه ستتوقّف! حقًّا! فكلّ من كان يلطم في المواكب، جميعهم سيذهبون في حال سبيلهم. وكلّ ذلك الصراخ الذي يكادون يمزّقون به ثيابهم، حقًّا عندما يصرخون! يقول المرء: «كم هم طالبون حقًّا؟ لو يأتي الإمام صاحب الزمان عليه السلام...!» كلّ هذا سيذهب أدراج الرياح.

  • ويبقى الحجّة عليه السلام وبضعة أصحاب، والسلام! بضعة أصحاب. لماذا؟ لأنّ مسير الحجّة عليه السلام هو مسير الحقّ، وليس مسير الدنيا! فمسير الحجّة هو مسير الواقع، لا يقول: «تعال وكن من أصحابي لأعمر لك دنياك!» كلّا! أو«تعال وكن من أصحابي لأسدّد دينك!» كلّا! ربّما تأتي وتصبح من أصحابي فيتضاعف دينك مائة مرّة!

  • ففي الواقع، توجد مثل هذه المسائل، ولدى الحجّة عليه السلام حسابٌ من هذا النوع، وبقدر كافٍ، ولا ينبغي أن نقلق أبدًا، ولا ينبغي أن نعلّمه؛ فهو يعلم! وبقدر كافٍ، وكثير، كلّ ما تريد. حسنًا، ماذا تريد أنت؟ أتريد ديْنًا؟ صداعًا؟ سرطانًا؟ ماذا تريد؟ أيّ واحد منها أعطيك؟ قل لي لأخرج لك واحدًا منها. ماذا تقولون؟

  • من الذي يقف ويقول: «افعل ما شئت!» ذلك الذي ينزل إلى الميدان برجولة ويقول: «كلّ ما أردته أنت، فأنا أريده!» كم عددهم؟ حسنًا، فلنكن هكذا من الآن، لنكن هكذا الآن! لا نؤجّل الأمر إلى وقت ظهور الحجّة عليه السلام، ولا نؤجّله إلى حين ظهوره عندما يقال: لقد ظهر الحجة. فعندما يظهر، سيكون كلّ شيء موجودًا. فهو الدنيا، وهو الآخرة، وهو ما فوق الدنيا، وهو ما فوق الآخرة؛ وهو تمام الوجود، وهو أصل وحقيقة الوجود، فهو كلّ شيء.

  • قصّة بايزيد البسطاميّ: ستّ سنوات من الخدمة بعينٍ لا ترى إلّا الإمام

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

16
  • كان بايزيد لستّ سنوات في محضر الإمام الصادق عليه السلام، بايزيد البسطامي، بايزيد العظيم، من العرفاء المعروفين، لقد كان لستّ سنوات في محضر الإمام الصادق عليه السلام وكان يعمل سقّاءً له؛ أي كان يذهب ويجلب الماء۱ ـ ففي ذلك الوقت لم تكن هذه المياه الجيّدة، كانت مياه آبار وما شابه، فكانوا يذهبون ويجلبون الماء من النهر أو من عين ماء، وكان لديهم أوعية يضعون فيها ماء شربهم ـ فكان هو مسؤولًا عن منزل الإمام الصادق عليه السلام، فيجلب الماء، ومنزل الحجّة عليه السلام كان مكانًا للتردّد، وكانت تُعقد فيه جلسات، ويأتي الناس والأصحاب، وكان الماء ينفد باستمرار، فكانت هناك حاجة لسقّاء ليجلب الماء باستمرار.

  • لقد أتى وكان منشغلًا بعمله، لا شأن له بشيء آخر، وقبره الآن في بسطام بالقرب من شاهرود. بعد ستّ سنوات، قال له الإمام الصادق عليه السلام يومًا: «أحضر الشيء الفلاني من ذلك الرف العُلوي» قال: «أين؟» قال الإمام عليه السلام: «إنّه في الأعلى، ألا تراه؟! إنّه أمام عينيك كلّ يوم!» قال: «منذ أن دخلت هذا البيت، لم تقع عيني على غيرك!»٢ عجيب جدًّا! «منذ أن دخلت هذا البيت...» وهو لم يكذب.

  • أتذكّر بعض الأوقات التي كنت فيها عند المرحوم العلّامة، كان بعض الذين يأتون لزيارته، قبل أن يأتوا، يقومون بمعاينة للمنزل: كيف هي الرفوف؟ كيف هي المصابيح؟ كم مترًا مساحة الفناء؟ حتّى يأتي المرحوم العلّامة. ثمّ تراهم يقولون: «لقد أتينا لنستفيد!» وهذا نوعٌ من الناس أيضًا!

  • لقد كان لمدّة ستّ سنوات في منزل الإمام الصادق عليه السلام ولم يرَ الرّف الذي كان في الأعلى! فقال الإمام عليه السلام: «حسنًا، الآن حان الوقت، حان وقت أن نعطيك من تلك الأشياء التي لدينا» فأعطوه وأعطوه الكثير، فأصبح بايزيد!! ووصل إلى هذا.

  • فيأتي فردٌ فقط من أجل طريقه، فقط من أجل وضعه وحاله، وكم هم قليلون هؤلاء. الناس يريدون أن يعملوا على هذا النحو: يذهبون إلى هنا وهناك، ويحدثون ضجيجًا وصراخًا وصخبًا، فبمثل هذا لا يصل الإنسان إلى مبتغاه، ولا يرى المكان الذي لا يستطيع رؤيته، ولن يقطع الطريق الذي لا يستطيع قطعه.

    1.  معرفة الله ج٣ ص ٢٩٦، نقلاً عن كشكول الشيخ البهائي طبع مصر الدرج الأوّل ص ۸٦؛ أسرار التوحيد في مقامات أبي سعيد، محمد بن منوّر، ص ٣۷.
    2. انظر تذكرة الأولياء، فريد الدين العطّار، تحقيق محمد استعلامي ط۱٦، ص ۱٣٩.

الشهرة في الميزان وعلاقتها بالمقام الحقيقيّ للإنسان - التخصّص العلميّ الأنفع

17
  • كانت هناك أمور أخرى في هذا المجال، وكنّا نتصوّر أننا سننتهي الليلة بإذن الله، ولكن يبدو أنّنا لم ننتهِ، وقد مضى الوقت، وكان موعدنا على ساعة، والآن يبدو أنّ الساعة قد انقضت أيضًا، فسنترك البقيّة للجلسة القادمة إن شاء الله.

  •  

  • اللَهُمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ