6

الادّعاء في طريق العبوديّة

الذكر ومداراة المحيطين

176
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/08

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

توضيح: هل نحن أهل لمناجاة الله؟ ومتى نكون أهلاً لها؟ ما هي حقيقة مقام المدّعي وما المخاطر التي تحدّق به؟ ما هو الموقف الصحيح من مدّعي الولاية للآخرين؟ كيف يوفّق الإنسان بين الالتزام بالذكر والورد وأداء حقوق الناس من حوله؟ كيف نحلّل تأخير السيّد بحر العلوم لصلاته من أجل مراعاة حال خادم المسجد؟
هذا أهمّ ما تبحثه المحاضرة من خلال سيرة أولياء الله ومواقفهم، وذلك ضمن شرح فقرة: أدعوك يا ربّ بلسان قد أخرسه ذنبه. من دعاء أبي حمزة.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الادّعاء في طريق العبوديّة

  • الذكر ومداراة المحيطين

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸ هـ - الجلسة السادسة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحيم‌

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيبين الطّاهرين واللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «أدعوك يا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».

  • أدعوك يا مولاي بلسان لا يليق بأن تكون أنت مخاطبه، وهو ألكن عن خطابك وعاجز، وأناجيك وأبادلك الأسرار بقلب لا يليق بمصاحبتك ومجالستك، وبواسطة الجرم والجناية التي جرّها على نفسه صار سببًا للحرمان ورفع الحياة وإدراك تلقّي المناجاة لك. 

  • هل نحن أهل لمناجاة الله؟ 

  • بنظرة عابرة وأوليّة ندرك جميعًا بوضوح وبما لا يحتاج إلى توضيح ﴿بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‌ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَ لَوْ أَلْقى‌ مَعاذِيرَهُ۱ فكلّ إنسان يدرك كم هو في هذا الميدان مماطل وكم هو مهتمّ وعازم ومصمّم. كلّ إنسان يدرك هذا، كما يدرك أنّه لا يملك القابليّة للاتّصال بذلك المقام، وطبعًا هناك من لا يملكون هذا الإحساس ويشعرون أنّهم لديهم هذه القابليّة. 

  • قصّة لقاء مع أحد الأعاظم

  • ينقل أنّ أحد الأعاظم ذهب برفقة تلامذته للقاء عظيم آخر فلمّا وصل قال: من كان يرى في نفسه القابليّة لإدراك محضر هذا الرجل فليدخل، فدخلوا جميعًا إلا واحدًا بقي في الخارج، فلمّا جلسوا التفت إليهم ذلك الرجل وقال: لماذا لم يأت ذلك الرجل الذي يليق بمحضرنا؟ أنتم جميعكم مرخّصون بالخروج. فانظروا كم الأدب مفيد للإنسان وكم يفيد، وكم هو مفيد إدراك الأمر والحقيقة. 

  • واقع المدّعين والمتظاهرين

  • وقد كنت ألاحظ هذا الأمر طوال تجربتي مع الأعاظم، فالذين كانوا أقلّ عرضًا لأنفسهم كانوا أكثر تقدّمًا، والذين كانوا دائمًا يتقدّمون ومن أصحاب الصفّ الأوّل ويطرحون أنفسهم ويقفون في الأمام ويقولون: لنذهب ونستفد من السيّد! لنذهب ونستفد من السيّد! كانوا هم المتأخّرين ولا يزالون. ولكن الذين يشعرون أنّهم أدنى من الجميع ولا يتصدّون في مقام الكلام وفي مقام المجازفة بالكلام ولا يظهرون من أنفسهم رأيًا [كانوا هم المتقدّمين]، فآه من إظهار الآراء هذا، وآه من إظهار الأذواق والتي لا تساوي فلسًا واحدًا، لا تساوي حتّى فلسًا واحدًا. إظهار الآراء التي لا تؤدّي إلى إضلال الإنسان نفسه فحسب، بل تؤدّي إلى هلاك الآخرين وانحرافهم. 

    1. القيامة، ۱٤و۱٥. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

3
  • تهديد للمدّعين! 

  • سمعت أنّ بعضهم يقولون: إنّ فلانًا أرفع من فلان وفلان! أرفع من أستاذه! نعوذ بالله نعوذ بالله نعوذ بالله! أستغفر الله ألف مرّة! لقد فاق والده! فاق السيّد الحدّاد! هل لا زالت هذه المسائل وهذه المزخرفات رائجة بيننا؟! حقًّا هل يحري هذا الكلام الفارغ بيننا؟! فيا أيّها الأحمق أنت لا اطّلاع لديك على أدنى أدنى مراتب المعرفة ومع ذلك تريد أن تقارن من لا يبلغ ترابَ نعال تلامذة تلاميذهم بإنسان لا يمكن للملائكة أن تتصوّر مراتب طهارته وعصمته وقدسه! حشا الله فمك ترابًا! فما هذه المزخرفات والأباطيل التي نسمعها؟! لو كنت آنس بهذا الكلام الفارغ لما كنت هنا في خدمتكم! ولو كنت أتعلّق بأيّ هوى وهوس لما كان مكاني هنا! بل جعل لي تمثال من ذهب في مكان آخر. فمن الذي سمح لنفسه أن يتدخّل في هذه الأمور؟ هل أوكلت أنا مسؤوليّة هذا الكلام لأحد؟! هل وظّفت أحدًا لقول هذه المزخرفات والكلام الفارغ حتّى يقول هذا؟! من الذي أمرتُه بذلك؟ من هو الذي جعلته الناطق الرسميّ باسمي؟! إن كان هناك أحد فليقم وليقل! ألم أقل مرارًا إنّي ليس لديّ ناطق رسميّ؟ أليس لديّ لسان؟! فلساني الآن يعمل وأنتم ترون أنّي أتكلّم معكم، فإن كان هناك كلام مفيد أطرحه عليكم ومن دون مجاملة وبكامل الحريّة، ولا بدّ من فداء كلّ شيء أمام الحقّ. ولا بدّ من التمسّك بالحقّ والصدق والصفاء فقط.

  • لم نسمع القليل من هذه الأقاويل بعد زمان المرحوم العلاّمة، ولأجل هذا طُرِدت، ولأجل هذا صرت من المطرودين المبعدين والمزجورين، وقد وقفت في وجه جميع هذه الأمور. لماذا؟ لأنّه إن كان ما له الأصالة والحقيقة في العالم هو الحقّ والصدق ﴿فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ۱؟! لقد سمعت بنفسي من أحدهم بعد المرحوم العلاّمة يقول في جلسة من الجلسات في مشهد: إنّه حتّى لو جاء السيّد الحدّاد وقال: اتركوا فلانًا فإنّا لا نتركه! فهذا يشبه تمامًا أيّة قصّة؟ قصّة الشيخ جواد مغنيّة رحمه الله ـ والتي ذكرتها للرفقاء ـ حيث يقول إنّه جاء ليصلّي في مسجد المدينة عند المحراب، فجاء رجل من علماء السنّة، وجرى بينهما حديث قال في ضمنه: لو جاء رسول الله وقال: اتركوا عمر لما تركته! فصفعه الشيخ مغنيّة على وجهه وصرعه أرضًا، وانتهى الأمر إلى المحكمة، وقال: إنّ هذا قد كفر واستدلّ على أنّه خالف السنّة فبرّأته المحكمة برّأت الشيخ مغنيّة. فلو جاء رسول الله فهم لا يتركون فلانًا! حقًّا هكذا هم هؤلاء، فإذا وقع الإنسان في دائرة النفس تكلّم أيضًا بهذا الكلام.

    1. سورة يونس، الآية ٣٢. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

4
  • لا قداسة لأحد كقداسة رسول الله (تشريع المتعة نموذجًا)

  • الآن قداسة عمر عند أهل السنّة تفوق قداسة النبيّ، يعني من السهولة أن ينحّي النبيّ جانبًا ولكن ليس من السهولة أن ينحّي عمر! سيدنا عمر سيّدنا عمر! لقد صار هذا عملهم وديدنهم وفكرهم، ولا يقولون لمرّة واحدة سيّدنا عليّ، إن كان عمر خليفة فعليّ أيضًا خليفة، فلنفترض أنّنا لا نقول إنّ عليًّا أرجح من عمر، كلاّ بل هو مساو له مساو، فهل تنكرون كونه خليفة؟! أتنكرون كونه خليفة أم لا؟! أنتم تغيّرون سنّة النبيّ من أجل كلام واحد لعمر! حسنًا نرضى منكم بأنّ الخليفة يمكنه أن يغيّر بمقتضى الزمان سنّة النبيّ الذي يوحى إليه والذي يهبط عليه جبرائيل ويوحي إلى قلبه بالحكم مباشرة من عند الله، قبلنا بذلك وسلّمنا. حسنًا ألم يكن عليّ خليفة؟! فهو يغيّر كلام خليفة، فهل تغيير كلام وسنّة خليفة أهمّ من تغيير سنّة رسول الله وكلامه الصحيح؟ أيّهما أهمّ؟ لا يمكنهم أن يقولوا إنّ كلام الخليفة أهمّ في النهاية! فهذا أمر مسلّم. فلماذا لا تقبل؟ لماذا لا ترضى؟ ولماذا عندما جاء عليّ وأبطل تلك السنن الباطلة التي حدثت بواسطة عمر والذي صرّح: متعتان كانتا محلّلتين في زمن رسول الله وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما۱. وهذه عين عبارته، ونقلت بعبارات مختلفة حتّى ورد لفظ محلّلتان من باب "إنّ أباها وأبا أباها". فقد كانت هناك سنّتان ومسألتان ومتعتان إحداهما متعة النساء والأخرى متعة الحجّ، كانتا في عهد رسول الله، فهو يريد أن يقول إنّه لم يغيّر هذين الحكمين حتّى لحظة وفاة رسول الله وارتحاله، فهذا عين كلامه. وعندما كنت أطرح هذا الكلام معهم لم يكونوا يجيبون، ومهما حاولوا أن يفرّوا من هذه المشكلة لم يستطيعوا، فقد اعترفوا في النهاية أنّه حتّى زمان وفاة رسول الله لم يغيّرهما، فقد أخذنا منهم هذا الاعتراف أوّلاً ثمّ صفّينا معهم الحساب. 

  • فقد كان هناك حكمان في زمان رسول الله حتّى لحظة موته، فماذا حصل فجأة حتّى إذا ما توفّي رسول الله صار شرق الأرض غربها وغربها شرقها؟ وصار الشمال جنوبًا والجنوب شمالاً؟! ماذا حصل؟! ما إن توفّي رسول الله حتّى تغيّر ذلك، حتّى الساعة الثامنة واثنان وثلاثون دقيقة وخمسة وأربعون ثانية مثلاً من يوم الاثنين ـ لأنّ رسول الله توفّي يوم الاثنين ـ كان هذا الأمر موجودًا، ولكن بمجرّد أن توفّي فجأة صارت الشمس مكان القمر وصارت المنظومة الشمسيّة مكان منظومة أخرى، وتغيّرت المجرّات وتبدّلت ووقعت الأرض في منطقة أخرى وتغيّرت البروج وصار القطب الشماليّ مكان الجنوبيّ والجنوبيّ مكان الشماليّ وخطّ الاستواء انقلب وتغيّرت فجأة الأحكام الإلهيّة! فما هو دورك أنت؟ ماذا تغيّر حتّى غيّرت أنت هذا؟ 

    1. مسند أحمد، ج ٣، ص ٣٢٥؛ سنن البيهقي، ج ٧، ص ٢٠٦؛ المبسوط للسرخسي، ج ٤، ص ٢٧؛ المغني لابن قدامة، ج ٧، ص ٥٧١؛ المحلى لابن حزم، ج ٧، ص ١٠٧؛ كنز العمّال، ج ١٦، ص ٥٢١؛ التفسير الكبير للفخر الرازي، ج ١٠، ص ٥٢.

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

5
  • والعجيب هنا أنّ بعض المتحدّثين رأيتهم وسمعتهم بنفسي من هؤلاء المتحدّثين والذين لا يملكون في جعبتهم شيئًا وبدأوا بإعطاء آرائهم في الأحكام الإسلاميّة. عندما سئلوا ـ وكانوا جماعة ـ عن قضيّة المتعة هذه، فقال أحدهم ولكي يكون لديه كلام ما يقوله حول هذه المسألة التي سألت عنها النساء وفي النهاية لا بدّ أن يكون لديه شيء يقال! وخصوصًا أمام النساء أمام المخدَّرات أو المخدِّرات! فلا بدّ أن يقول شيئًا ما، فقال: هذا حكم إلهيّ كان في وقت ورفع في وقت آخر، وهذا ليس مهمًّا وأنا أظنّ أنّ هذا كان حكمًا سياسيًّا، وبمقتضى السياسة جعل في زمان ما، وبمقتضى السياسة أيضًا رفع! فمن الذي طلب منك أن تتدخّل في الأحكام الإلهيّة؟ فيا لها من أوضاع عجيبة! يأتي المخاطب وأمام الناس ثلاثمائة أو أربعمائة أو خمسائة من الناس وينكر أكثر الأحكام الإلهيّة ضرورةً ولا أحد يقول له شيئًا! فما معنى ذلك؟ لقد صار هذا عين عمر! هذه مدرسة عمر! وهذه حكومة عمر! فما هذا الكلام؟! قال أمير المؤمنين عليه السلام: لو لم يحرّم عمر المتعة لما زنى إلاّ شقيّ۱. فماذا تدرك أنت من الأحكام الإلهيّة حتّى تتكلّم بهذا الكلام الفارغ؟ فهل قرأت الفقه؟ هل درست؟ يطالعون كتابين من كتب أهل السنّة وروايتين أدبيّتين وأربعة مقالات وأمثال ذلك وينتهي الأمر، ثمّ يبدون آراءهم أنّ المتعة كانت أمرًا سياسيًّا! فلدينا أحكام سياسيّة في الإسلام وأحيانًا تشرّع حسب مقتضى الزمان...

  • وأنا الآن أسأل هذا الرجل: ماذا حصل حتّى تغيّرت جميع الأحكام عندما توفّي رسول الله؟ هل كانت هذه الحاجة في زمان النبيّ وعندما توفّي صار جميع الرجال خصيانًا؟! فماذا حصل؟! كلاّ يا عزيزي بل كان كلّ شيء على ما كان عليه ولم يتغيّر عن مكانه سانتيمترًا واحدًا، كلّ شيء صحيح وسالم وسليم، كلّ غريزة كانت في زمان النبيّ كانت في زمان أبي بكر وعمر أيضًا، وكلّ صفة كانت في زمان النبيّ كانت في زمانهم، وعدد الناس الذين كانوا في زمان النبيّ من الرجال والنساء كان أيضًا في ذلك الزمان، وكلّ ما حدث في زمان النبيّ حدث في زمان هذين الرجلين أيضًا، كلّ شيء كان كما كان، فما الذي تغيّر؟ نبدأ بصناعة أشياء فارغة لا معنى لها من عند أنفسنا ونحن نعلم أنّها لا أصل لها ولا أساس! فلمن نبرّر نحن؟ وماذا نبرّر؟ وممّن نسخر؟ ففي النهاية لا بدّ من حساب! يا عزيزي هذه الدولة لها صاحب ولها وليّ ولها إمام زمان يراقب، وأنت هكذا أمام عينيه وبكلّ جرأة تقول عين ذاك الكلام الذي قاله عمر؟! تقول ما قله عمر، فما الفرق بينك أيّها المتكلّم والناطق وبين ذاك الخليفة الذي بدّل سنّة رسول الله؟ ما الفرق؟

    1. الكافي (ط - الإسلامية)، ج‌٥، ص: ٤٤۸ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَقُولُ: «لَوْ لَا مَا سَبَقَنِي بِهِ بُنَيُّ الْخَطَّابِ مَا زَنَى إِلَّا شَقِيٌّ».

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

6
  • الولاية خطّ أحمر 

  • فمن يأتي وينقل إلى رفيقه وصديقه وجميع الرفقاء ما ينتهي إلى ذهنه الفاسد فكلامه عين ذاك الكلام الذي قلت لكم إنّا سمعناه بعد المرحوم العلاّمة من الآخرين، لا يختلف أبدًا. ذاك الكلام كان قبل اثنتي عشرة سنة وهذا الكلام هو الآن، ذاك يعود إلى سنة ۱٤۱٦ أو ۱٤۱۸، ولا يختلفان أبدًا. لو كان لدينا عقل ولو كان لدينا فكر، ولو نحّينا انعدام الفهم هذا جانبًا شيئًا ما، ولو لم نكن فضوليّين ولو لم نكن نعدّ أنفسنا المدّعي العام لهذه المدرسة، ولو لم نكن قد وضعنا أنفسنا في مكان غيرنا، ولو لم نكن ملوكيّين أكثر من الملك لما ارتكبنا هذه الأخطاء! فكم قلت للرفقاء إنّه إن كان هناك أمر ما فأنا أقوله بنفسي؟ إن كان هناك مسألة ما فأنا أبيّنها، فإذا ما متّ وجاء غيري ليتكلّم بدلاً عنّي فليقل ما شاء، وما دام الرفقاء يظهرون لي المحبّة واللطف، فلو سمعت مرّة أخرى شيئًا من ذلك ـ وقد أتممت الحجّة الليلة ـ سواء بالكناية أو التصريح فكلّ من يرتكب أمثال هذه الأخطاء فسأطرده إلى آخر العمر ولا تساهل في ذلك. فلا يمكن التساهل مع العرفان. الرفقاء يعلمون هذا عنّي وأنّي لم أتساهل مع أحد في مسائل الولاية ومسائل العرفان، والمسائل التي جرت في طهران ناطقة بهذا الأمر وكذلك في مكان آخر، فحيث يكون الأمر لإمام الزمان وحيث يكون الأمر لأولياء الله على الرفقاء أن يعلموا أنّه خطّ أحمر.

  • ما نستفيده من فقرة الدعاء هذه

  • يقول الإمام عليه السلام هنا إنّ علينا أن نعرف موقعنا ومنزلتنا ونعلم من نحن، قيل لنا تعالوا إلى هنا، تعال إلى هنا واجلس في تلك الزاوية واسمع وامض، فما ذاك الكلام؟ ما معنى ذاك الكلام؟ تعال واجلس فإنّهم يبيّنون لك حقيقة ومسألة فخذها وامض، ولا يريدون منّا شيئًا غير ذلك، لا يريدون منّا شيئًا غير ذلك، فما هذه الأمور التي هي حقًّا مضحكة من جهة فقد مضى علينا كلّ هذا العمر ولا زلنا متعلّقين بأمور صبيانيّة، كما أنّها من جهة أخرى باعثة على الأسف لأنّها لا تفيد دنيانا ولا آخرتنا وليس فيها أيّة فائدة، فكلّ إنسان لديه تكليف بمقدار عقيدته الخاصّة التي بناها على أساس المباني الصحيحة، وأمّا ما هو أكثر من ذلك وأزيد فالله لم يطلبه منه، ولو أراد أحد أن يعيش مع التخيّلات والأوهام فلو عشت معها أيّها المسكين مائة سنة فقد خسرت وبقيت في تلك المرتبة الدنيا ولم تتحرّك عنها ولم تتكامل، وهذا الكلام الذي يقال هو لمصلحتك، هذا الكلام الذي يقال وهذه الحقائق التي تبيّن. ونحن يمكننا أن نقول كلامًا آخر من هنا وهناك ومن الأعلى والأسفل فنكون من المقرّبين جدًّا ونصبح موضع مراجعة هنا وهناك وتصبح لنا مكانة ولكن في النهاية من أجل ماذا؟ ماذا سيحصل؟ فكم يومًا نحن في هذه الدنيا؟ كم يومًا سنعيش في هذه الدنيا؟ نحن إذ لا اطّلاع لنا على غدنا فلماذا نسلّي أنفسنا بأمور واهية؟ من منكم يمكنه أن يقول هل هو حيّ غدًا أم ميّت؟ من يمكنه؟ من الذي قال إنّكم باقون إلى أسبوع؟ نحن نعمل وكأنّا تملّكنا الدنيا وسخّرنا المكان والزمان! كلاّ يا عزيزي، فالملائكة المقرّبون مهيمنون ومسلّطون على الدقائق من أيّامنا وليالينا، ويسجّلونها واحدة واحدة، فالسجلّ هو إلى هنا ومنه هنا فلاحقًا ينتهي، إلى ما بعد الغد وما بعده ينتهي. ونحن هكذا في عالم الخيالات والأوهام. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

7
  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: كلاّ هذا ليس صحيحًا، هذا ليس صحيحًا، علينا أن نعلم نحن أمام من ومن هو الطرف المقابل لنا ومخاطبنا، فأيّة ذات هي؟ وما هي خصوصيّاتها؟ وما هي أوصافها؟ وماذا لديها من خصائص وماذا لديها من صفات وماذا لديها من أسماء؟ وفي المقابل ماذا نحن ومن نحن؟ من نحن وماذا نحن؟ كثيرًا ما يشتبه الأمر على الإنسان نفسه، وعلى الإنسان أن يلتفت بشكل دقيق ويقيّم نفسه بشكل كامل. 

  • الموازنة بين الذكر وحقوق الوالدين والأسرة

  • وأمّا أنّه في زمان ما هو مشغول ويعمل ببعض الأمور فعليه أن لا يأنس بذلك، فإن كان سيأنس فسيرى فجأة أنّهم إمّا يسلبون منه تلك الحال فيلتفت إلى خسرانه وضعفه وحالة انكساره أو لا قدّر الله إن لم يسلبوها منه يقوّون له حالة الذكر والفكر، يقوّون لديه حالة الالتزام بالأوراد فيلتذّ بها حقًّا، لا أنّها تكون صعبة عليه ولا يقدّم عليها غيرها ويدعها، ولكن هذه الحالة من الأوراد والذكر تصبح له حجابًا، تصبح له حجابًا، تصبح بالنسبة إليه صنمًا، فيغفل عن مسائل أخرى ويغفل عن حقوق الآخرين التي هي عليه، ويرجّح حالته التي هي حالة ذكر على سائر التكاليف. وقد كان هناك رجل ابتلي بهذه المصيبة، أذكر أنّ أمّه طلبت منه يومًا طلبًا فصرخ في وجهها: ألا ترين أنّ لديّ عمل؟! ألا ترين أنّي في خلوة؟ ألا ترين...؟! فتراجعت تلك الأمر عن طلبها مكسورة القلب ولم تطلب منه شيئًا! فانظروا إلى أين يصل الإنسان، هو يذكر الله ولكنّ عديم الشعور هذا لا يدرك أنّ مفتاح كلّ هذا الذكر والورد والاشتغال بالله هو رضى الله الأمّ وانبساطها، مفتاحه هو الإحساس برضى الأب، وبدون رضى الأب ورضى الأمّ لا يمكن للإنسان أن يخطو خطوة واحدة، وسيكون سيره في الأنانيّة وسيكون سيره في الفرعونيّة وسيكون سيره في النفس، فلو كنت في حالة ذكر اترك الذكر ويجب عليك أن تعمل بما قالته أمّك، وإن أمكنك أن تعود وتتابع فتابع، وإلاّ فاقضه، وإلاّ فأدّه أثناء الطريق. فباب الله دائمًا مفتوح، دائمًا الطريق مفتوح، ولكن على الإنسان يميّز الطريق من الهاوية. ولا قدّر الله أن تكون تلك الحركة حجابًا عن الاهتمام بالأمور الأهمّ ومانعًا عن القيام بسائر التكاليف. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

8
  • إنّ رعاية الزوجة والأولاد ومحيط الأسرة هي أحدى المسائل المهمّة التي على الإنسان أن لا يؤدّي انشغاله بالذكر وانشغاله بالعبادة وانشغاله المسائل السلوكيّة بالمعنى الاصطلاحيّ لا بالمعنى الواقعيّ إلى نسيانها والتقليل من أهميّتها. السلوك يعني الحركة في طريق رضى الله، هذا هو السلوك. فمن أراد أن يكون في هذا الطريق فقد ربح ومن أراد أن لا يكون فيه خسر، خسر. 

  • قصّة المرحوم العلاّمة في رعايته لامرأة مريضة

  • كنت طفلاً وكان الفصل شتاء، وكنّا جالسين في المنزل، كان المرحوم العلاّمة يريد أن يذهب إلى المسجد، وفجأة جاءت امرأة كانت قد فقدت أعصابها ولديها بعض الاختلالات، فرأى المرحوم العلاّمة من جهة أنّ هناك مسجد وكانت الليلة ليلة عيد وهناك مجلس وقد دعا واعظًا، ومن جهة أخرى جاءت هذه ولا بدّ من إيصالها إلى مكان معيّن. ومهما فكّر لم يجد بدًّا من أن يوصلها بنفسه، كان بإمكانه حينها أن يرسل أحدًا ويردّها بنحو معيّن، ويستأجر لها سيّارة ويرسلها مع أحد. ولكنّه قام بنفسه وكنت أنا معه، وقال لها هيّا بنا لنذهب، فقالت: أنا أريد أن أذهب إلى ذاك المكان ـ ولم تكن واعية أصلاً ما تقول ـ فقال لها: هيّا بنا لنذهب، فساروا وفجأة في وسط الطريق توقّفت، توقّفت في وسط الطريق، وكنّا نحن معه، فقالت: أنا لا آتي معك. 

  • ـ لماذا لا تأتين معي؟!

  • قالت: القرآن يقول لي: لا تذهبي مع هذا الرجل! 

  • فأجابها المرحوم العلاّمة بجواب أعتذر عن نقله. فمشت نحوه وركبت في السيّارة، والحاصل أنّا ركبنا السيّارة وكان منزلها في مستديرة شوش وتلك المنطقة، فذهب وبحث عن منزلها من هذا الزقاق إلى ذاك وهو يسأل أصحاب المحالّ التجاريّة، وهي تقول شيئًا آخر، فهي لم تكن واعية أصلاً، ولم تكن تدرك شيئًا، ومن هنا إلى هناك وجد منزلها وطلب من صاحب البيت أن يهتمّ بها ويأخذها إلى الطبيب، وكان قد مضى من الليل ما يقارب الساعة والنصف، فلم يعد هناك مجال للرجوع إلى المسجد، فالتفت إليّ المرحوم العلاّمة وقال: حسنًا لو أردنا أن نذهب الآن إلى المسجد فلا وقت ولا مجال ـ وكنت صغيرًا قريب التاسعة أو العاشرة ـ فلنرجع إلى البيت. فرجعنا. فقالت له الوالدة: لماذا رجعت باكرًا؟ قال: كنّا مشغولين بهذه المرأة فأوصلناها وبحثنا عن بيتها... ولست أنسى ذلك الوقت رغم طفولتي تلك الحالة التي حصلت له وذلك الانبساط الذي وجده وذلك الوضع الذي صار عليه بواسطة عمل الخير هذا وهذا العمل الذي صادفه حينها في ذلك الوقت، فترك المسجد والمجلس وهذه الأمور، فالمجلس قد دعي عليه خطيب، وكلّ خطيب من الخطباء الذين كان يدعوهم كان معروفًا ويعدّ شخصيّة مرموقة، ولكنّه ترك كلّ ذلك. ولكنّ السلوك ماذا يقول للإنسان؟ هل يقول: الآن هناك مسجد واحتفال أو مجلس عزاء، لا أذكر هل كانت ليلة احتفال أم عزاء، ولكن أذكر أنّه كان هناك مجلس. يأتي الناس ويتوقّعون أن يكون إمام الجماعة حاضرًا أيضًا في ذلك المسجد ويستقبل الناس، ولكنّه الآن جاءت هذه المرأة المسكينة التي لا معيل لها ولا مأمن لها وليس لديك من توكّله بها وتعهد بأمرها إليه، فحيث لم يكن هناك أحد، ولم يكن هناك أحد من الرفقاء، فالمكان الذي كنّا نعيش فيه لم يكن فيه أحد، ولكن على الأقلّ كان بإمكانه أن يستأجر سيّارة ويعطي صاحبها المال ليأخذها إلى مستديرة شوش وينزلها هناك وفي النهاية هي بنفسها تهتدي ينحو ما إلى بيتها. ولكنّه لم يفعل ذلك بل جاء برفقتها وسأل هذا وذاك ثمّ ذهب لمساعدتها وأوصى بها صاحب الدار، وأمّا المسجد فتركه. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

9
  • فأيّهما هو المقرّب إلى الله؟ صلاة الجماعة مع ثوابها، وقد جاء المؤمنون ـ وأحيانًا المؤمنون تصبح المعمنون بحرف العين۱ ـ جاء المؤمنون واجتمعوا من كلّ مكان، ويريدون أن يلتقوا بالسيّد، يريدون أن يلتقوا بالسيّد! فما هذه الليلة؟ تمرّ علينا ليلة عيد وليس لنا إمام جماعة! فهذه ليست ليلة عيد! هذه ليست بالنسبة لنا ليلة عيد ـ وما أقوله لكم هو حقّ وموجود في الواقع، فلو ذهبتم إلى المجتمع وإلى هذا المحيط العباديّ للمجتمع لرأيتم هذه الحقائق، فالمسجد الذي يخلو من إمام الجماعة ليلة ليس مسجدًا، وتلك الليلة لا قيمة لها، فلا هي ليلة عيد ولا فيها احتفال، ويتحوّل الاحتفال إلى مصيبة، ثمّ يأتي الخطيب، وفي النهاية إدارة المجلس والضيافة وتحديد الأوقات للضيافة وللخطابة وأمثال ذلك فهذه كلّها أمور دينيّة وهي أيضًا جزء من التبليغ الديني، ولكن في مثل هذه الحالة يترك كلّ ذلك... وأمّا أنّه كيف كان المرحوم العلاّمة يقوم بهذه الأمور فهذا له شأن آخر، وقد كان يؤكّد عليها كثيرًا، ولكن الكلام هو في موضع رضا الله من هذه المسألة. فماذا يجب عليه أن يصنع هذه الليلة؟ هل عليه أن يوصل هذه المرأة إلى مأمن أم لا؟ وألف سنة من الذهاب إلى مسجد القائم لا يعادل قيمة العمل الذي قام به تلك الليلة، لا يعادلها. ألف سنة لا تسعمائة سنة، إلا أن يقع الذهاب إلى المسجد في سياق هذا العمل بحيث يكونان شيئًا واحدًا، فحينها سيكون هناك مجال لذلك، سيكون هناك مجال لهذا، هناك مجال لأمر آخر. ويجب أن لا يخدع الموقع الإنسان أبدًا ـ وليعلم الرفقاء هذا الأمر فهو مهمّ جدًّا ـ ليس هناك أخطر على السالك من أن يمنعه الموقع الذي لديه عن رؤية الحقائق الأخرى، يغطّيها فلا تكون للمسائل الأخرى أهميّة بالنسبة إليه، ولا يحسب لها حسابًا. 

  • قصّة السيّد بحر العلوم مع خادم مسجد الكوفة

  • وقد ذكرت للرفقاء هذه القصّة الآتية عدّة مرّات، أذكر أنّي قلتها، وقد نقلها المرحوم العلاّمة عدّة مرّات أيضًا، ويبدو أنّي نقلتها في مجالس عنوان البصري، فهذه المطالب مهمّة. فقد كان السيّد بحر العلوم يأتي من النجف إلى الكوفة في الصيف، فهواء الكوفة ألطف بقليل من هواء النجف، فبينهما فارق ببضع درجات، وكان السيّد بحر العلوم يصلّي ليلاً صلاتي المغرب والعشاء في مسجد الكوفة، وكان الجميع يأتون إلى الكوفة، وكان كثير منهم يأتي ماشيًا أو بالوسائل المتاحة، فالطريق لا يستغرق أكثر من ساعة أو ساعة ونصف، فكانوا يأتون بهدوء وشيئًا فشيئًا ويجلسون في مسجد الكوفة، ويصلّون والسيّد بحر العلوم هو إمام الجماعة، الرجل الذين هم على يقين من أنّه من المعدودين الذين تشرّفوا بلقاء الإمام، فلم يكن أحد يشكّ في تشرّف السيّد بحر العلوم بالإمام في زمانه، لم يكن أحد يشكّ. 

    1. بما أنّ حرف العين يلفظ همزة في اللغة الفارسيّة يقع بعض المتزمّتين الذين يهتمّون كثيرًا بالنطق بمخارج الحروف باللغة العربيّة بمشكلة تحويل كلّ همزة عربيّة إلى عين. والمحاضر يشير إلى هؤلاء من باب الملاطفة. (م)

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

10
  • مقام الميرزا القمّي وتواضعه للسيّد بحر العلوم

  • الميرزا القمّي صاحب قوانين الأصول ـ والذي هو كتاب مهمّ جدًّا وكان المرحوم العلاّمة يوصي الطلاّب بقراءة كتب الميرزا القمّي وخصوصًا كتاب جامع الشتات، وقد كنت أطالعه كثيرًا، فهو مؤثّر جدًّا في القدرة على الاستنباط وقوّتها، وهو كتاب مهمّ جدًّا في تفريع الفروع وارتقاء قدرة الاستنباط لدى المجتهد ـ ورغم مكانته العلميّة وشهرته العلميّة كان ينظّف نعلي السيّد بحر العلوم بحنك عمامته، وأثناء تنظيفه لها ينظر إليه ـ وقد شوهد منه هذا الأمر مرارًا ـ ويقول ه: فداك أبي وأمّي رغم أنّي على يقين من تشرّفك بالإمام ولكن لأنّا مكلّفون بالإنكار فإنّي أنكر ذلك، فقد كانت هذه عبارة الميرزا القمّي. أي إنّ البقّال كان يعلم أيضًا أنّ هذا الرجل يتشرّف بلقاء الإمام كلّما شاء، أو كلّما شاء الإمام، فلا يختلف الأمر لأنّ هذا النوع من الناس هم في حالة بحيث إنّ إرادتهم تأتي من هناك، ولكن لا شكّ في هذا الأمر. 

  • علاقة السيّد بحر العلوم بإمام الزمان عليه السلام

  • حسنًا فهؤلاء يأتون ويصلّون خلف شخصيّة كهذه، فأيّة جماعة هي أرفع من هذه الجماعة؟! خلف إمام جماعة إن لم نكن نستطيع الصلاة خلف الإمام نفسه فإنّا نصلّي خلف إمام جماعة يرى الإمام ويعرف صوت أنفاس إمام الزمان، ومن صوت تنفّس إمام الزمان يدرك أنّ الإمام حاضر في المجلس أم ليس حاضرًا، فإلى هذا المستوى كان لهذا الرجل اطّلاع على الإمام، كان يعرف صوت قراءته للقرآن وهناك حكايات في هذا المجال. فلو كنتم أنتم هناك ماذا كنتم تصنعون؟ لو كنتم في مثل هذه الظروف هل كنتم ستفوّتون مثل هذه الجماعة؟ هذا أمر واضح في النهاية. مسجد الكوفة ومقام أمير المؤمنين ومجيئ الأولياء والأنبياء إلى مسجد الكوفة ـ وليعلم الرفقاء مكانة مسجد الكوفة ليعلموها ـ ثمّ تقام صلاة الجماعة بإمامة رجل كهذا، فأيّة فضيلة أعلى من ذلك؟! هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا عرف الإنسان ونظر إلى هذا العدد من الناس، فهذه الجماعة لم تكن كلّها من عامّة الناس، بل كان بينها مئات المجتهدين المسلّمي الاجتهاد قد وقفوا لأجل الصلاة، ينقل أنّه كان بينهم مئات المجتهدين المسلّمي الاجتهاد حينها كانوا يأتون من النجف، كانوا يأتون مشاة للمشاركة في صلاة السيّد بحر العلوم، وهو نفسه كان يأتي، وكان العمّال والتجّار يأتون، فكان صحن مسجد الكوفة بعظمته مليئًا، بل ينقل أنّه كان الناس يصلون إلى خارج المسجد. فلو كنّا نحن فما هي النظرة التي ننظرها إلى هذا الأمر؟ ما هي المكانة التي نستشعرها لأنفسنا حول هذا الأمر؟ الجميع منتظرون، لقد جاء الجميع، لقد انطلقوا من النجف إلى هنا فماذا نجيب الناس؟ فبأيّة أخلاق في النهاية يجب أن نعاملهم؟ وبأيّ سلوك؟ هذه الأبّهة وهذا العدد من الناس وكذا، فنشعر بشيء في أنفسنا لماذا؟ لأنّا صرنا إمام جماعة، فإضافة إلى إمامة الجماعة يأتي شيء آخر، وهذا الشيء الآخر يفسد الإنسان، فإضافة إلى ذلك انظر إلى هذا العدد، انظر هؤلاء العلماء في هذا الصحن المليء، لقد جاء هؤلاء... فليتهم جاؤوا من بيتهم فقط، ولكنّهم جاؤوا من النجف! فانظر إلى هذا أيضًا. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

11
  • الرأي الفقهيّ حول النارجيلة

  • عندما كان السيّد بحر العلوم يأتي إلى هناك، كان خادم المسجد في كلّ مرّة يأتيه بنارجيلة ـ ولا بدّ أنّه لم يكن هناك مشكلة بحسب اعتقاده ونظره وفتواه، وفي نظري النارجيلة محرّمة، فالتنباك والسيجارة وأمثالها محرّمة، وكان المرحوم العلاّمة يقول بذلك أيضًا، ولا بدّ أنّ السيّد بحر العلوم لم يكن يشعر بضررها. وعلى كلّ حال فنحن لم نكن حينها لنطرح رأينا في فعله آنذاك، ولكلّ إنسان تكليفه ـ فكان هذا الخادم يأتي بالنارجيلة ويعدّها بصفائه وطهارته ولطافة روحه...، ففي النهاية له قلب ولديه ارتباط بالله في النهاية، ولديه صفاء في عالمه الخاصّ، فكان يحبّ أن يقدّم خدمة ويقوم بعمل ما، فكان يبدأ بغسل التنباك وإعداده... فتصوّروا حالته وأجواءه، فهذه رموز وأسرار يدركها أولياء الله. 

  • أثر رضى المضيف على الطعام والأجواء المحيطة بالضيوف

  • هناك من يقول إنّا نذهب إلى منازل فنشعر أنّ أهل المنزل ليسوا في منتهى الرضى من مجيئنا، وعدم رضاهم هذا وكرههم واضح في الشاي الذي يعدّ في السماور، فعندما تشرب هذا الشاي تسعر أنّه لم يعدّ عن محبّة، فقد كان المرحوم الشيخ الأنصاري يقول: إذا ذهبنا إلى بعض المنازل ـ ولم يكن يسمّي أسماء أصحابها كي لا يريق ماء وجوههم ـ عندما نشرك الشاي ندرك أنّ أهل هذا المنزل أعدّوا الشاي عن عشق أم أنّه كان هناك ضغط عليهم وإحراج وكان هناك كره في الأمر، لذلك لم يكن بإمكاننا شرب الشاي، فالشاي الذي يصنع عن كره لا يمكن تناوله، ما إن يتذوّقه حتّى يضعه جانبًا، لا يمكنه تناوله. فالشاي الذي لديه نور هو الذي يعدّ عن محبّة، والطعام الذي يحصّل للإنسان النور هو الذي يعدّ عن محبّة. وقد قال المرحوم العلاّمة مرارًا: أيّها الرفقاء لا تسبّبوا الإزعاج لأهلكم وعيالكم بدعوة رفقائكم إلى منزلكم فإنّ فائدة ذلك تزول وأثره يذهب وبركته تذهب، والإنسان يدرك ذلك، وأحيانًا عندما يذهب الإنسان إلى بعض الأماكن يشعر أنّ الأرض فيها مسامير وأسياخ فلا يستقرّ. 

  • وقد ذهبت يومًا مع أحد الرفقاء وليس موجودًا الآن إلى مكان ما، وما إن جلسنا حتّى قال: كم تريد أن تبقى هنا؟ قلت: أنا أدرك ألمك! لن نجلس أكثر من عشرة دقائق وسأقوم بعدها، فقال: الشكر لله! فما إن جلسنا حتّى قال: كم تريد أن نبقى جالسين؟ قلت: أنا ملتفت إلى ما تشعر به، لن نبقى أكثر من عشر دقائق، سندخل السرور على قلب ونؤنسه ثمّ نمضي، فلا نسبّبنّ أذى للنّاس، فجلسنا عشر دقائق ومشينا. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

12
  • فالأمر واضح ولا يحتاج إلى كثير من البحث والتأمّل، فهو يشير إلى ذلك. وفي المقابل على العكس من ذلك يذهب الإنسان إلى بعض الأماكن وكأنّه جالس في الهواء وليس على الأرض، وكأنّه يبتعد عن الأرض بضع سانتيمترات، خفيف. لا يتعب. لا يمرّ عليه الزمان. لا يشعر أنّه جالس هنا الآن، وإذا ما تناول طعامًا فكأنّ معدته لا تشعر بالثقل، وكأنّه لم يأكل شيئًا، لا يشعر بالثقل، وهكذا لهذا الأمر مراتب ومراتب ومراتب. 

  • وصف أحوال خادم المسجد أثناء إعداده للنارجيلة

  • ففي النهاية هؤلاء يعلمون لقد ذهب هذا وأعدّ التنباك، ونعّمه وغسله وأزال منه التراب ـ أنا لم أمارس هذه الأعمال حتّى هذه اللحظة ولكن هكذا ينقلون لي، ويبدو أنّهم هكذا يعدّونه، وإن كان هناك شيء من الزيادة والنقصان فإن شاء الله أهل الخبرة يسامحوننا ـ أخذ منه الأجزاء غير النافعة والغبار والتراب، وهكذا قام بما ينبغي وأعدّ الجمر، ووضعه حتّى احمرّ لونه، وسيأتي السيّد متعبًا من النجف وقد سار فرسخين حتّى وصل إلى هنا، فيجلس ويتناول النارجيلة ويسرّ ويأنس ثمّ يقوم ويقول: الله أكبر. فلا بدّ أن هذا الرجل بحسب فهمه الخاصّ وعالمه الخاصّ كان يحسب الأمور هكذا. 

  • ما درون را بنگریم و... 

  • والمعنى: نحن ننظر إلى الباطن و...

  • ما شاء الله على مولانا! رحمة الله عليه، رحمة الله على مولانا هذا، ومهما ترحّمنا عليه فهو قليل.

  • ما درون را بنگریم وحال را***نی برون را بنگریم وقال را
  • والمعنى: نحن ننظر إلى الباطن والحال *** لا إلى الظاهر والقال

  • الدنيا كلّها [تنظر إلى الظاهر] ـ وقد دخلنا اليوم في موضوع آخر، كنت أودّ الحديث حول قضيّة الظاهر والباطن والوحدة بين الباطن والظاهر، وإن شاء الله يبقى هذا للغد ـ فهو ينظر إلى هذا، إلى صفائه، يأتي بالنارجيلة ليتناولها السيّد، فقد كان يأتي قبل البدء بالصلاة بربع ساعة لكي يتناول هذه النارجيلة التي يكون الخادم قد أعدّها له. 

  • سرّ تكرار المرحوم العلاّمة لبعض القصص

  • وقد سمعت هذه القصّة من المرحوم العلاّمة أربع أو خمس مرّات، وبعض القضايا التي كان يكرّرها لم تكن هكذا بغير حساب، بعض القضايا أذكرها، كلّها تبلغ مع بعضها عشر قصص أو اثنتا عشرة قصّة لا أكثر فكان يكرّرها، في كلّ سنة أو سنتين كان يكرّرها رغم أنّه يعلم أنّه قالها قبل ذلك ولكنّه كان يكرّرها، وهذه من القصص التي سمعتها منه أربع أو خمس مرّات سواء في الجلسات العامّة أم الخاصّة. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

13
  • طريقة حديث السيّد بحر العلوم مع الخادم

  • حسنًا فقد كان السيّد بحر العلوم يأتي مبكّرًا كي لا يتأخّر عن وقت الصلاة، وكان ذاك الخادم يعلم أيضًا أنّ عليه أن يعدّ النارجيلة قبل الصلاة بعشر دقائق أو عشرين دقيقة ليأخذ منها نفسًا بواسطة أنبوبها الخشبي أو غير الخشبيّ ويرتاح قليلاً من عناء الطريق الذي طواه، فإذا ما مرّت ربع ساعة كان يقول له: إلى أين أنت ذاهب يا عزيزي؟ تعال تعال! فكان يناديه وكان الخادم يجلس عنده ويتكلّم ويأنس به ويضحك، فهو يسأله: كيف أولادك وكيف زوجتك كيف الأحوال والأوضاع؟ مثلاً في ليالي الجمعة وبعد عدة ليال، فيسأله: كيف أولادك؟ وكيف زوجة ابنك إن كان له زوجة ابن، وهكذا كان يجلس معه ويتحدّث حول هذا الموضوع وذاك، الهواء حارّ، الهواء بارد وأمثال ذلك من الكلام الذي يفيده، وعندما كان يتكلّم معه لم يكن يتصنّع ـ وأنا أخبركم عن هذا الأمر ـ بل كان يندمج معه بالحديث بشكل كامل. لماذا؟ لأنّ موضع الاندماج في الحديث هو هنا، موضع الاندماج هو حيث يكون الصفاء، ولا يرتبط الأمر بالعمامة وغيرها والعلم والخصوصيّات والدكتوراه والهندسة وأمثال ذلك، كلاّ فبحر العلوم ذكيّ يعرف الناس ويعرف القلوب، وخبير بالقلوب، فلو جاء الآلاف من هؤلاء لا ينظر إليهم، ولكن إذا جاء واحد صاحب صفاء فيجلس معه ويندمج في الحديث ويستفيد ـ وهذا هو المهمّ ـ فبهذا الاندماج والارتباط، لا من تناول النارجيلة كلاّ بل من الجلوس معه والأنس معه والاتّحاد القلبيّ بينه وبينه، لماذا؟ لأنّ قلبه قلب صاف، لقد فعل ذلك عن صفاء وعن صدق، وما أقوله لكم هي تجاربي مع الأعاظم، ونحن نقول هذه المسألة الآن بهذه الطريقة، يندمج معه ويتحدّث معه، وهو يجلس معه أيضًا ربع ساعة ويخالطه ـ فهكذا يُنقل ـ فإذا ما انتهى الوقت وحان وقت الأذان نحّى النارجيلة جانبًا. هكذا كان دأبه. 

  • تأخّر السيّد بحر العلوم عن الصلاة 

  • وذات ليلة وصل من النجف متأخّرًا، وعندما وصل كان وقت الأذان قد انقضى، وقد أعدّ الخادم النارجيلة أيضًا، فلو كنّا نحن مكانه فماذا كنّا نفعل؟ هل يخطر في بالنا؟ اذهب يا عزيزي! لقد أعد النارجيلة عبثًا، أعدهّا فقد أعدّها! غدًا نتناولها، ولو أردنا أن نمنّ عليه في أحسن الأحوال فإنّا نذهب إليه ونعتذر منه: نعتذر منك اليوم تأخّرنا. وأمثال هذا الكلام فقط. صحيح أنّ هذا اعتذار، ولكن تلك الحالة التي هي حالة عشق والتي تزول ولا يمكن إعادتها لا يمكن! نعم يعتذر الإنسان، فلو لم نكن بشرًا لما اعتذرنا، ولكن لو كنّا بشرًا بمستوى ما لاعتذرنا وقلنا العفو لم يكن الأمر بيدنا وأمثال هذا الكلام ـ وربّما لم يكن الأمر بيده حقًّا ـ نعتذر ونستعطف قلبه قليلاً، ولكنّه يقول في باطن قلبه: إنّ تلك الحلاوة واللطافة التي حصلت حين أدائه لهذا العمل ماذا حصل لها؟ ذهبت. في النهاية بقيت كلّ أتعابي هكذا بغير فائدة رغم أنّه اعتذر منّي ومازحني بكلمتين، ولكن تلك الحال والأجواء التي بذلت هنا كيف يمكن جبرها؟ فهل التفتّم أيّها الرفقاء ماذا أريد أن أقول؟ فما بذله من الجهد من أعماق قلبه له قيمة عند الله وقد سجّل في السجلّ واحتفظ به، فماذا سنجيب عن ذلك؟ كيف يمكن أن نجيب عن ذلك؟ هذا هو المهمّ. وهنا يختلف الأمر بين أولياء الله وغيرهم حتّى من الصلحاء والجيّدين، هنا يختلف الأمر. 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

14
  • الفرق بين أولياء الله وغيرهم في تعاملهم مع الناس

  • الأناس المنحرفون وأمثالهم يأتون من البداية مطاطئي الرؤوس كالأبقار ويتوجّهون نحو عملهم، والصلحاء والجيّدون يعتذرون ويمازحون بكلمتين ويقدّمون هديّة بحيث يسترضون قلبه ويعود هو إلى حالته السابقة ويفرح وأمثال ذلك. أمّا أولياء الله فيفعلون أمرًا آخر، فهم يحلّون المشكلة من أصلها ويضعون يدهم على الألم، أمّا الصلاة في أوّل الوقت والجماعة ومجيئ الناس فهذا كلّه له أهميّته الخاصّة، ولكنّ هناك قلبًا مكسورًا هنا ولا بدّ من ترميمه وهذا هو المهمّ، هذه المسألة مهمّة. 

  • موقف السيّد بحر العلوم عند التأخّر عن الصلاة

  • يقال: إنّ السيّد بحر العلوم جاء وكان قد مرّ وقت الصلاة، وجاء هذا الرجل خجلاً ولم يتكلّم هو أصلاً، فلمّا جاء السيّد بحر العلوم لم يقل هذا الرجل هل آتي بالنارجيلة أم لا؟ فالوقت وقت الصلاة. ولكنّ السيّد بحر العلوم هو الذي قال: فأين نارجيلتك التي أعددتها إذن؟ لماذا لا تتكلّم؟! فقال ذلك الرجل: حاضر حاضر الآن آتي بها. وقام راكضًا ليأتي بها. 

  • ـ تعال الآن واجلس إلى جانبي: قر قر قر كيف حالك؟ ومن جديد قر قر قر وقد جلس هذا الرجل وهو يقول: ماذا عن هذه الجموع من الخلق؟ لقد أنس للتوّ، يأخذ نفسًا ويسأله عن أحواله سؤالين، لا أنّه يسرع في تناولها ليدرك الصلاة... كلاّ كلاّ كلاّ بل لا يزال هناك متّسع من الوقت، وربّما أطال اليوم بالجلوس نصف ساعة ـ يخيّل إليّ أنّه وفق ما أعلمه عنه أنّه أضاف ربع ساعة ذلك اليوم، قال: بما أنّي أتيتُ متأخّرًا فخذ هذه أيضًا، فهذه زيادة أيضًا ـ هؤلاء يجب أن يكونوا هم المتولّين لنا، هؤلاء هم متولّو الدين. هؤلاء هم متولّو الأمانة الإلهيّة. يأتي ويجلس بشكل هادئ. أمّا أولئك المنتظرون فإنّ قلوبهم تغلي وتغلي! ولكن بما أنّهم يرون أنّ لهذا ارتباطًا بإمام الزمان فإنّهم لا يجرؤون، وإلا فلو لم تكن له علاقة بإمام الزمان لقالوا: لقد تأخّرت الصلاة يا سيّد! لماذا فعلت هذا يا سيّد؟! أمّا هنا فلا شيء من هذا الكلام، فهم يعلمون أنّ هذا حسابه مختلف عن الآخرين، يعلمون بهذا المقدار، لذا فهم يبتلعون أصواتهم، وأمّا في قلوبهم فلا، بل يبدأون ولا أحد يدرك حقيقة ما يفعل، فلو أنّ واحدًا من تلك الجماعة أدرك علّة الأمر وسِرّه لكفى، ولكنّهم يقولون في أحسن الأحوال وإذا أردنا أن نحترم أنفسنا كثيرًا ونبرز لها فضلاً: نردّ علمه إلى الله ورسوله، نقول: هو نفسه أخبر بما يصنع. لا أكثر من ذلك! نحن لا نعلم. حسنًا جزاهم الله خيرًا إذ اكتفوا بهذا المقدار وقالوا: نحن لا نعلم. وهو قد جلس هادئًا وزاد على وقته، مضى على وقت الصلاة نصف ساعة وهذا لا يزال يتناول النارجيلة، فإذا ما انتهت ولم يبق فيها شيء ولم يبق في قلب ذاك الرجل شيء وصار مسرورًا ومأنوسًا وفرحًا قال: أتسمح لي أن أقوم الآن إلى الصلاة؟ 

الادّعاء في طريق العبوديّة - الذكر ومداراة المحيطين

15
  • ـ نعم يا سيّدي نعم تفضّل تفضّل! قام ورفع النارجيلة وبدأ السيّد بالصلاة. 

  • قيمة صلاة السيّد بحر العلوم بعد رعاية قلب الخادم

  • فانظروا الآن إلى هذه الصلاة أيّة صلاة هي؟ هذه هي الصلاة. هذه هي الصلاة التي ترفعها الملائكة إلى الأعلى، هذه هي الحقيقة. 

  • لقد انتهى الوقت. وأنتم الآن اجعلوا هذا الموضوع إلى جانب ذلك الكلام الذي قاله المرحوم العلاّمة في تسجيلاته ولا بدّ أنّكم سمعتموه حول مسألة ردّ الشمس لأمير المؤمنين حين كان رأس رسول الله على فخذه أو عباءته، عباءة أمير المؤمنين، في ذلك الموضع الذي هو مسجد ردّ الشمس والذي أزال معالمه وهدّمه السعوديّون ولم يبقوا له أثرًا، كي لا يبقى اسم لأمير المؤمنين. نعم وهذه هي الوحدة مع هؤلاء! يريدون أن لا يبقى اسم لأمير المؤمنين. فالكلام الذي قاله في التسجيلات فيه عبارة من عثر عليها فهو ملك الإفرنج كما كانت جدّتي رحمها الله تقول، كلّ من يجدها فهو ملك الإفرنج. فاذهبوا وابحثوا عنها وانظروا ماذا قال عند بيانه لهذه الحادثة. واحفظوا تلك الجملة واحتفظوا بها واحفظوها۱

  • إنّ عمل بحر العلوم هذا هو عين عمل أمير المؤمنين في ردّ الشمس، كلاهما واحد. فإن قلتم لماذا؟ فلأنّه هو أيضًا متّصل به، وأمير المؤمنين يعلّمه أنّ عليك أن تفعل هذا، لأنّك وصلت نفسك بي فإنّي أغيثك هنا، ولو لم تصل نفسك لجاء آخرون وعلّموك أمورًا أخرى، لعلّموك أمورًا أخرى نعوذ بالله منها. 

  • حسنًا فقد انتهى الوقت ولا يزال الكلام في أوّله...

  • ما هنوز اندر خم يك كوچه هستیم 

  • والمعنی: ولا زلنا على منعطف أحد الأزقّة. 

  • نسأل الله أن يوفّقنا ببركة هذا الشهر أن لا ينظر بكرمه وعظمته إلى نقائصنا وقصورنا وأن يجعلنا بكرمه وفضله وفضيلته مورد رحمته وعطفه. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. ذكر المرحوم العلاّمة هذه القصّة في محاضرة الصلاة وآثارها والتي ألقيت في اليوم الثامن من شهر رمضان المبارك سنة ۱٣٩۷ هـ في مسجد القائم فقال: في زمان النبي، وبينما كان النبي قد أتى من خارجِ المدينة، حيثُ وصلَ إلى مشربةِ أمّ إبراهيم في مكانٍ يسمّى بمسجد" الفضيخ"، وما زال الآن موجوداً أيضا، وهو خارج المدينة، حيث يذهب إليه الذين يتشرّفون للحجّ، فيذهبون لزيارة مشربةِ أمّ إبراهيم، فمشربة أمّ إبراهيم عبارة عن غرفة كانت لإحدى زوجات رسول الله .. كانتْ لماريا القبطيّة حيثُ كانتْ نساء النبي يؤذينها كثيرا، فأخرجها النبي من المدينة، وبنى لها كوخاً هناك وأسكنها في ذاك المكان والذي يسمّونه: مشربة أم إبراهيم، وقربَ مشربة أمّ إبراهيم يوجد مسجد اسمه: مسجد الفضيخ، يعني محاطٌ بأشجار البلح الناضج، وهو المسجد الذي يسمّوه بمسجد ردّ الشمس.
      كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذاك المكان، وكان واضعاً رأسه على طرف ثوبِ أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ غفا صلّى الله عليه وآله- ليس ذاك المكان مسجداً بل هي أرضٌ- فنام النبيّ! ولم يكن أمير المؤمنين قدْ صلّى صلاة العصر بعد، كان صلّى الظهر فقط، فنام النبيّ .. ورأى أمير المؤمنين حيثُ لمْ يصلّ صلاة العصر، فإنْ أراد أنْ يقوم للصلاة فسيؤدّي ذلك إلى أنْ يوقظ النبيَّ من نومه، وهو عملٌ غيرُ لائقٍ ولا يتناسب مع احترام خاتم النبيين .. وأشرف الأنبياء والمرسلين .. صاحب الشفاعة الكبرى!! فمع جميع هذه الآلام والمصائب والشدائد التي كانت قدْ ألمّت بالنبي .. ثمّ جاء الآن وغفا ساعة على طرف ثوبي ونام .. فآتي أنا وأقوم وأوقظ النبيّ؟! هذا ليس لائقاً! وإنْ أبقَ على هذا الحال فسوف أقضي صلاتي؟ فأيّهما أهمّ؟
      المقدّسون! لدينا التقديسيّون، كما ولدينا أهل المعرفة، فالتقديسيون يقولون: الصلاة واجبة، والنبي إنّما بعثَ لأجل الصلاة، فانهضْ ونحِّ رأس النبيّ جانباً، واعتذر منه وقلْ له: أنا أريد أنْ أصلّي!! ولكن العارف لا يصدرُ منه هذا الموقف أبداً، فالعارف يقول: إنّ حقيقة الصلاة هي النبيّ، وحقيقة الصيام هي النبي، وجميع العوالم وسائر هذه الفرائض والمحاسن قد ترشّحتْ من قلبه، فالصلاة هي أثر النبيّ، فآتي أنا وأكسر المؤثّر وآخذ بالأثر!!
      أمير المؤمنين عليه السلام مع أنّه في حال صلاة دائمة وتوجّه دائم .. هكذا كان أمير المؤمنين .. إلّا أنّ الإتيان بهذه الصلاة والقيام والتوضّؤ والركوع والسجود حسب هذه الكيفيّة، مستلزم لإيقاظ النبيّ، لذلك لم يقم أمير المؤمنين بها. فبقي رأس النبي على طرف ثوب أمير المؤمنين .. وغربت الشمس .. وانتشرَ الظلام في السماء .. ظلام ..! فأفاق النبيّ من نومه، فرأى أمير المؤمنين جالساً، فرفع رأسه عن رداء أمير المؤمنين .. يا عليّ! هل صلّيتَ صلاتك للعصر؟ لا .. لماذا لم تصلّ؟ يا رسول الله! كان رأسك على طرف ثوبي، فقال النبي: يا عليّ أدعُ الله! ادعُ الله أنْ يردّ الشمس! فدعا أمير المؤمنين عليه السلام بجمل وتكلّم بكلماتٍ، وذكر اسم الله، وسبّح وقال: إلهي! نبيُّك يطلبُ أنْ تردَّ الشمس لكي أُقيمَ صلاتي في حال طلوع الشمس!
      أمّ سلمة- وهي المرافقةُ للنبي والملازمة له- تُقسمُ بالله .. بالله الذي روحها في قبضته .. أنّ الشمس قدْ ارتفعتْ من تحت الأفق .. وأحدثتْ صوتاً .. وزمجرتْ وهدرتْ وكأنّها كانتْ تئِنُّ .. وكيفَ أشرقتْ حتّى أنّها أضاءتْ الأرضَ وكلّ السهل والجبل .. فنهضَ أمير المؤمنين عليه السلام وتوضّأ .. وصلّى صلاته بطمأنينة .. وحينما أنهى الإمام صلاته، غربتْ الشمس وعادتْ كما كانتْ عليه من الظلام الدامس والمستوعب لكل المكان؛ وقدْ دوّن هذه الواقعة جميع السنّة والشيعة بلا استثناء وذلك بعنوان معجزة أمير المؤمنين والنبي.