7

جهة ارتباط المخلوقات بالله

تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

249
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1428

التاريخ 1428/09/09

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

توضيح: لماذا يشعر الإمام بالخرس أمام الله وكيف يجتمع ذلك مع دعائه؟ ما هي نظرتنا المطلوبة لأنفسنا أمام الله؟ ما هي الرؤية التي يمتلكها الإمام إلى نفسه في ارتباطه بالله؟ هل كانت هذه الرؤية عند النبيّ موسى عليه السلام وبأيّ حدود؟ ما هو التغيّر الذي حصل لدى النبيّ موسى حين حصلت هذه النظرة وسمع نداء أنا ربّك من الشجرة؟ وما الفرق بين قول الشجرة أنا ربّك وقول فرعون أنا ربّكم الأعلى؟
أسئلة تعالجها هذه المحاضرة من محاضرات شرح دعاء أبي حمزة.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • جهة ارتباط المخلوقات بالله

  • تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸هـ. ق - الجلسة السابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم

  • و صلَّی‌ اللَه عَلَی سیّدنا و نبیّنا أبی‌القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلی آله الطّیبین الطّاهرین و اللعنة عَلَی أعدائِهِم أجمَعین 

  •  

  •  

  • «أدعوك يا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».

  • أدعوك يا مولاي بلسان جعله الذنب ألكن ومنعه من الحركة فلا يتحرّك ليمدحك ويثني عليك ويطلب منك.

  • عجز اللسان والقلب عن المناجاة

  • هذه النقطة التي يشير إليها الإمام السجّاد عليه السلام نقطة عجيبة حيث يشير إلى أنّ هذا اللسان لا يمتلك حتّى القدرة على بيان ما في ضميره، فمن كان أخرس كيف يمكنه الإخبار عمّا في ضميره؟! تصوّروا إنسانًا أخرس لا يتحرّك لسانه فماذا يفعل إذا أراد أن يقول: عليّ دين؟ يلجأ إلى ألف أسلوب ليفهم الآخر أنّ عليه قرضًا، فهو أخرس لا يمكنه الكلام، وافترضوا أنّه أيضًا لا يعرف الكتابة، ليس لديه سوى طريقة واحدة وهي اللسان. فالإمام لديه هنا إشارات ولطائف إن شاء الله سنتحدّث عنها إذا تذكّرنا. وليذكّرني الرفقاء بها. 

  • يقول: أدعوك بلسان ليس قادرًا على الحركة، فالخرس يعني الثقل والعجز عن بيان الفكرة. هذا أولاً ثمّ: ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه. 

  • إلهي أناجيك بقلب قد عطّله الجرم والجناية. جرمه يعني ذلك الجرم الذي ارتكبه وتلك الجناية التي جناها والظلم الذي قام به، بحيث لم يعد لديه قدرة على الحياة، لم يعد لديه قدرة على التنفّس، لم يبق لديه رمق، لكي يجالسك ويتحدّث إليك فإذا أراد إنسان أن يجالس آخر فلا بدّ أن يكون في حالة جيّدة نشيطًا مأنوسًا لا يؤلمه رأسه ولا تؤلمه بطنه. أليس كذلك؟ أنت تريد أن تذهب إلى منزل رفيقك وتتحدّث معه، وما دام هناك ألم في البطن وأنت نائم فلا يمكن أن تقوم، فتذهب وتتناول قرصًا من الدواء، ولا تذهب بحالة ألم في الرأس وأمثال ذلك. فأنت تريد أن تخالط الناس فما دامت بطنك تؤلمك ورأسك وأنت مضطرب فأيّ كلام وأيّة مجالسة يمكن أن تكون لك؟ وما هو أثر المجالسة مع الآخر حينها؟ يقول الإمام: هكذا هو حال قلبي عند مناجاة الله. هكذا هو، لديه ألف علّة، فلا بقيت لديه طاقة ولا مجال ولا رمق، فقد ألقى بنفسه إلى هذا الحدّ في الكثرة وفي هذه الأهواء الدنيويّة والتعلّقات والألوان، وقد ذكرت للرفقاء أنّه عندما يكون للّون جرم فإنّ الوضوء باطل، وما دام اللون لا جرم له فلا إشكال، فبعض الألوان لا جرم لها، فلا إشكال في الوضوء فيها، ولا يجب أن نسلخ جلودنا. 

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

3
  • الوسواس آفة العبادة

  • كان هناك إنسانٌ يعاني من الوسواس، وكان من الأصدقاء. وهذه الوسوسة هي أكبر آفة يمكن أن تُصيبَ السالك، فتُسقطه من الوجود، تُسقطه من الوجود. أيُّ عبادة يؤديها السالك مع الوسواس لا تساوي شيئاً. أيُّ صلاة تُصلّى مع الوسواس، مهما راعى فيها الأحكام الظاهرية والشؤون والآداب، حتى لو كانت صحيحة من وجهة نظر الرسائل العمليّة، إلا أنّها من وجهة نظر التقرب وتغيير النفس والروح لا تساوي شيئاً، لا قيمة لها إطلاقًا. الصلاة بدون وسواس، ولو كان المصلّي مستدبرًا القبلة سهوًا تُقرِّب الإنسان إلى الله، بينما الصلاة مع الوسواس، حتى لو كانت باتجاه القبلة، تُبعد الإنسان عن الله وتُلحقه بالشيطان لا بالرحمن! لماذا؟ لأنّ الوسواس يعني عدم الاطمئنان، الوسواس يعني عدم الاستقرار، الوسواس يعني عدم التوقف، الوسواس يعني عدم حضور القلب، وصلاةٌ لا يكون فيها حضورٌ لا تساوي شيئاً، لا قيمة لها إطلاقاً. ودائماً ما كانَ كبارُ أهلِ الطريق وأولياء الله يحذّرون الناس من هذا المرض.

  • وقد روى لي أحد أصدقائنا في زمان المرحوم العلامة أنّه ابتُلي بهذا الداء الذي لا دواء له، فكان يقول: أذهبُ عند الظهر للتطهّر والوضوء لصلاة الظهر، ثمّ لا أصلّي الظهر والعصر إلا قبل الغروب بنصف ساعة، أي أنّني أقضي خمس ساعات عند حوض الماء مشغولاً بالوضوء! فأيّةُ صلاة هذه؟! أيّةُ صلاة هذه؟! هذا هو الوسواس الذي يأتي في الوقت المناسب ليضربَ جذورَ العقائد ويُدمِّر حياةَ المرء! هذا هو! هذا هو الوسواس الذي يُحوِّل جميعَ العقائد إلى حُطام ويُزيل الأصالة. يعلمُ الله ما مرَّ علينا من هذه المسائل ومن هذا الوسواس، ولا فائدةَ من الحديث عنها.

  • حضور القلب في العبادة

  • يقول الإمام السجاد عليه السلام: يجب أن يكون القلب حاضرًا، وأن يكون لديه اطمئنان وثبات، وأن يكون على يقين بأنّ الله حاضر في هذا العمل الذي يقوم به، وأن النفس ليست حاضرة، والشيطان ليس حاضرًا. يجب أن يقوم العبد لعبادة الله بيقين، أما أن يعبد بهذا القلب مع تعلّقه بالدنيا، ومع انشغاله بهذا وذاك، ومع نظره إلى هذا وذاك، ومع انشغاله بأمور تسبّب في نفس الإنسان البعد لا القرب، فإنّه حينها يتوهّم أنه يقوم بعمل، وأنه يخطو خطوة، لكنه لا يعلم أنّ عمله هذا كحمار الطاحونة، يدور حولها من الصباح إلى المساء ولا يحقّق أيّة نتيجة، إلا التوهّم بأنّه قام بعمل اليوم، والحمد لله أنه أنجز شيئًا اليوم. هذه التعلقات تأتي وتوقف القلب عن الحركة، وتأخذ قوته، وتأخذ روحه، وتأخذ حياته. حسنًا، نترك بقية الكلام في هذه المسألة لوقت آخر إن شاء الله.

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

4
  • خرس اللسان وحالة الفقر والارتباط بالله

  • ما هي حقيقةُ أعمالِنا التي نأتي بها؟ ففي النهاية الإمامُ عليه السلام يقول إنّنا ندعو اللهَ بلسانٍ أَخْرَسَ أَلْكَن، فيجبُ أن ندركَ مسؤوليّتنا، فما عسى أن يكونَ معنى هذا الكلام؟! كيفَ يكونُ اللسانُ أخرسَ بسببِ ما ارتكبَ من ذنوب وهو يدعو اللهَ؟ كيفَ يمكنُ الجمعُ بين هذينِ الأمرينِ المتناقضين؟ إذا كانَ يدعو اللهَ حقًّا، فلماذا هوَ أخرس؟ لماذا لا يستطيعُ أن يُعبِّرَ عمَّا في قلبِه؟ لماذا لا يستطيعُ أن يُخبرَ عمَّا يُضْمِرُ في نفسِه؟ وإذا كانَ القلبُ يدعو اللهَ، فكيفَ يكونُ مُتَقَلِّبًا غيرَ ثابتٍ في أثناءِ الدعاءِ؟ ما هذهِ المُصيبةُ التي قد تُصيبُ الإنسانَ؟ ما هذه المشكلة التي تصيبه؟

  • تقدّم أنّ الإمام السجاد عليه السلام يذكر هذه الأمور لنا نحن، هذه المطالب التي يبيّنها هي لنا، يجب ألا تكون نظرتنا إليها مجرد نظرة عابرة، وكأنّها مجرد أحاديث في ليالي شهر رمضان، حيث نقرأ دعاء أبي حمزة الثمالي وينقضي شهر رمضان! كلاّ! بل يجب أن نتعمّق فيها.

  • لقد ذكرت ليلة أمس للرفقاء تلك الحكاية التي نقلتها، وقلت لكم: ارجعوا إلى كلمات المرحوم العلامة، وابحثوا عن أسرارها. حينئذ يمكننا أن نقول إنّ هذه المسائل ستكون مفيدة.

  • الشعور بالألم شرط الاستفادة من دعاء أبي حمزة

  • إن عبارات الإمام السجاد هذه هي لنا ولوَضعِنا، ولمن عنده ألم ويبحث عن علاج. أما من لا يشعر بالألم، فإنّ هذه الكلمات لا تنفعه. ولماذا؟ لماذا يأتي ليقرأ دعاء أبي حمزة من الأساس؟ فهو يُصلّي صلاته، ويصوم أيّامه، ثمّ يذهب لمشاهدة كرة القدم، فأيّ ألم لديه؟ ولأجل ماذا؟ وحتّى متى؟ لا أعرف حتّى متى ستستمر هذه البرامج، ليس لديّ علم. يذهب ليشاهد، وقد صلى صلاته وصام صيامه، ولم يرتكب ما يُفطِر، حسنًا، صيامه صحيح، لا يوجد ألم، هذا المقدار يكفي، يكفي هذا المقدار.

  • كنتُ شخصيًا في مجلسٍ ما، وكان أحدُ العلماء قادمًا من طهران إلى مشهد، ولم يكن قد تشرفْ بزيارةِ الإمامِ الرضا بعد. كنتُ أسمعُهُ يتحدثُ مع رجل آخر ـ وكان من العلماء المعروفين ـ فسألهُ: "هل زرتَ؟" فقال: "لا! هناك الليلة مباراةُ كرةِ القدم بين إيرلندا و[فريق آخر]، وإذا ذهبتُ إلى الحرمِ فستفوتُني!" وأضاف: "يمكنني الذهابُ إلى الحرمِ غدًا!"

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

5
  • إذن، ما الذي يدعو هذا السيّدَ لقراءةِ دعاءِ أبي حمزة؟ لم يذهب وجلسَ يُشاهدُ [المباراة]. لا أعرفُ إن كانَ قد ذهبَ بعدَ ذلكَ [لأننا] قمنا وانصرفنا، كنا في منزلِ أحدِهم وذهبنا. فلماذا يريدُ هذا الرجل قراءةَ دعاءِ أبي حمزة؟ ولماذا يريدُ فهمَ كلماتِ الإمامِ السجادِ هذهِ من الأساس؟

  • مناقشة شبهة عدم وجوب معرفة الله 

  • وكما يقول ذلك العالم، الشيخ محمد علي الكاظميني رحمة الله عليه، والذي كان من مراجع النجف، فقد كان يقول: لماذا هذهِ الأقوال التي يقولها العرفاء عن معرفة الله وتوحيده؟ إنها لا تنفع! لماذا؟ لأنّ وظيفتنا هي أن نطيع أوامر المولى ونقوم بواجبنا، وهذا ما نفعله. أما من هو المولى، فهذا لا يعنينا! سواء كان المولى أي شخص، سواء كان بشرًا أو جنًّا أو ملاكًا، سواء كان له ذيل أو حافر أو أسنان أو ناب ـ وطبعًا هذا ما أقوله أنا في توضيح كلامه ـ وظيفتنا هي الصلاة والعبادة! هذه فقط!

  • فدعاء أبي حمزة إذن لا ينفع هذا الرجل الذي يقول: لا يجب أن أعرف من هو الله؟ هل هو جسم؟ لا أعلم. هل هو روح؟ لا أعرف. هل هو مجرّد؟ لا أعرف ما هو. كلّ ما أعرفه أنّ هناك خالقًا وقد خلق هذه العوالم وأوجدها، وبعد ذلك وضع تكاليف للبشر، والسلام، انتهى الأمر! هذا كلّ شيء! فهذا المستوى من المعرفة الظاهريّة هو [كلّ ما يعرفه] عن الدين أيّها السادة! 

  • حسنًا، يجب أن يُقال لهذا الرجل: يا عزيزي، إذن ماذا عن كلّ هذا الكلام الموجود حول مراتب التقوى؟ وهذه الحقائق حول مراتب الجنّة؟ وهذه المسائل التي حول مراتب التجرّد؟ وهذه [الحقيقة] التي تقول إنّ الإيمان عشر درجات، وإنّ سلمان وصل إلى الدرجة العاشرة، وجابر بن [يزيد الجعفي] كذلك؟ فماذا نصنع بكلّ هذا؟! وهذا جواب بسيط، وهذا كلام لا يحتاج إلى جواب أصلًا، فما كلّ هذا؟ ما هذه المسائل؟! ألم يكن أصحاب الأئمة متفاوتين فيما بينهم؟ ألم يكن هناك فرق بين ميثم التمّار وبين الأشعث بن قيس ذاك؟ ألم يكن هناك فرق بين طلحة والزبير وبين سلمان والمقداد من حيث مراتب الإيمان؟! ألم يكن هناك فرق بين أبي الدرداء الذي كان شخصًا عاديًّا ظاهريًا، لا هو سيّئًا ولا هو جيّدًا، ألم يكن هناك فرق بينه وبين حبيب بن مظاهر؟! ألم يكن هناك فرق بينه وبين أبي خالد الكابلي؟! وبين جابر بن يزيد الجعفي الذي قال الإمام الباقر عليه السلام في حقّه إنّ جابرًا بحر لا يُنزف۱! أليس هناك فرقًا بين هذا وبين بائع الأقمشة الذي لا يعرف إلا قياس الأمتار من [أنواع الأقمشة]، في ذلك الوقت لم يكن هناك تترون، لم يكن هناك أقمشة مصنوعة من النفط، [بل كان هناك] كتان وصوف ووبر وما إلى ذلك، أليس هناك فرق بين هؤلاء؟! هل هذا هو مستوانا ومبلغ علمنا من الدين ومن وقواعده؟ هل هذا هو؟! حسنًا، وهذا العالم أيضًا له مكانة وله حسابٌ. ولكن الآخرين أدركوا أشياء أخرى، وهم يدركون حقائق أخرى، ولا يستمعون إلى هذهِ الخُرافات، ويسيرون في الطريق، ويستمعون إلى تلك الحقائق التي هي من العنايات الخاصة للبارئ تجاه أخص عباده، وهم يريدون الوصول إلى تلك المراتب، فهم يهتمّون بهذهِ الحقائق ويلتفتون إليها. 

    1. ورد في حقّ سلمان: عن جابر بن عبد الله الأنصاري، يقول: سألت رسول الله ص عن سلمان الفارسي، فقال صلّی الله عليه و آله و سلّم: «سلمان بحر العلم لا يقدر على نزحه، سلمان مخصوص بالعلم الأول و الآخر، أبغض الله من أبغض سلمان، و أحب من أحبه...» (معجم رجال الحديث و تفصيل طبقات الرجال، ج‌۱٩، ص: ٣٤۷‌) وروى الصدوق في الإختصاص/٢۱٦ ، عن المفضل بن عمر أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام :(يا ابن رسول الله فما منزلة جابر بن يزيد منكم؟ قال: «منزلة سلمان من رسول الله صلى الله عليه وآله»

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

6
  • يقول الإمام السجاد عليه السلام هنا: أدعوك بلسان يعجز عن بيان الحق. 

  • ولفهم هذه المسألة بوضوح، ينبغي أن نلتفت إلى حقيقة مهمّة، وهي أنّ كلّ ما نال عناية الله سبحانه وتعالى في عالم الوجود وارتدى لباس الوجود، له جهتان:

  • الحيثيّة الربوبيّة والحيثيّة الخلقيّة في المخلوقات

  • الجهة الأولى والحيثيّة الأولى: هي جهة ارتباطها بالله وجهة نورانيّتها، والجهة النوريّة لها والتي هي حقيقة ارتباط الماهيّات الممكنة بذات الربوبيّة المقدّسة، وبهذا الوجود البسيط المطلق الذي ظهر في صور التعيّنات والمظاهر المختلفة. هذه هي الجهة الأولى، وهي حقيقة عامّة تشمل كلّ ما في عالم الوجود، وهنا لا يعود للخير والشر معنى، فلا الخير هنا له معنى ولا الشر، بل ذات ذلك الوجود ـ بما أنه هو الخير المحض ـ فإن الخيرَ والصلاحَ والقيمةَ تكون بالضرورة لوازم ذاتيةً له، دون اعتبار لأيّ أمر آخر. 

  • وكلّ ما هو موجود في العالم، وكلّ ما تعلّق به الوجود وإرادة الله، يحمل هذه الخصوصيّة الربطيّة، فلا فرق في هذا الأمر بين الشجرة والجماد، ولا بين الحيوان والإنسان، ولا بين الصغير والكبير، ولا بين الصالح والطالح، ولا بين الكافر والمؤمن، ولا بين الطاهر والنجس. لماذا؟ لأنّ كلّ ذلك لديه هذه الحقيقة الربطيّة، ولو لم تكن هذه الحقيقة موجودة، أي لو لم تكن هناك إضافة إشراقيّة وإفاضة مطلقة من قبل الله، لما كان لها أيّ وجود خارجي.

  • فالكافر نفسه لم يكن ليحظى بوجود خارجيّ لولا عناية الله ولطفه، سواء أكان لطفًا ابتدائيًّا في عالم النفس أم لطفًا استمراريًّا، حدوثيًّا أو استمراريًّا، فكلاهما واحد، أي لا فرق بين إرادة الله في خلق الأشياء بداية، وبين إرادته في استمرارها.

  • كما أنّ تلك الحقيقة النوريّة التي أوجدت المظهر ابتداء، هي نفسها التي تبقيه قائمًا في الآنات المتوالية والمتواترة. وكما أنّ إرادة الله تلك في إفاضة نور الوجود أوجدت ـ دون أيّ خلط أو تركيب ـ شيئًا ما في البداية، فإنّ تلك العناية وتلك الكيفيّة تبقى ثابتة في استمرار الخلق وتجديده، دون أي نقصان أو زيادة.

  • هل يمكننا أن نقول إنّ الكافر مستثنى من هذه القاعدة؟ هل خلق اللهُ المؤمنَ واستمرّ بمنحه وجوده، ثمّ خلق الكافرَ وتخلّى عنه؟ بالطبع لا! فذلك خطأ.

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

7
  • اگر نازی کند از هم فرو ریزد قالبها. 

  • یقول: لو صرف الله نظره عن الوجود لحظةً واحدة، لانهارت قوالبه وانعدم كلُّ شيء.

  • فكما أنّ المؤمن في بقائه، والصالح في استمراره، محتاجان إلى عناية الله المستمرّة، فكذلك الكافر، بل حتّى يزيد، وفلان وفلان، جميعهم خاضعون لهذه القاعدة، ولا فرق بين المؤمن والكافر فيما يتعلّق بخلقهم الابتدائيّ واستمرار وجودهم، فكلاهما يستمدّ وجوده من الإرادة الإلهيّة ذاتها.

  • وحدة الإرادة الإلهيّة في خلق الأشياء

  • وإذا دقّقنا النظر في المسألة، نجد أن الخلق ابتداء والخلق استمرارًا ليسا فعلين مستقلّين، بل هما نتاج مشيئةٍ واحدةٍ، لا مشيئتين، ولا إرادتين، ولا نيّتين، ولا فكرتين، ولا نظرتين، ولا رؤيتين، ولا رغبتين، ولا شوقين. بل إنّ هذه الإرادة الإلهيّة الواحدة هي التي أوجدت العوالم المجرّدة كما أوجدت العوالم الماديّة، وهي نفسها التي تحكم استمرار الأشياء إلى حيث اللانهاية، أي ما دام الله هو الإله الأبديّ، في نطاقٍ لا تدركه معرفتنا المحدودة، وإلى يوم القيامة، حين تنهار السماوات والأرض، وتكون الجنةُ والنارُ بمراتبهما المختلفة، ولن يكون هناك زمان، لأنّ الزمان سيتلاشى حينها، ولكن الله سيبقى، ونحن سنبقى أيضًا، والجنّةُ والنارُ ستبقيان. أما جهنّم، فهي ليست مكانًا محمودًا، ولا يُوصي بها طبيبٌ عاقل! بل لا أظنّها مناسبةً لأحدٍ منكم! [ملاطفة] فلنقل جميعًا: اللهم اجعلنا من أهل الجنة، على مائدة أمير المؤمنين، قولوا: آمين. إن شاء الله. 

  • كلُّ ذلك، ما دام الله هو الإله الأزلي، قائمٌ بإرادةٍ واحدةٍ فقط. فالله ليس مثلنا، لا يجلس ليحسب الأمور، ولا يستخدم المقاييس الزمنية والموازنات العقليّة كما يفعل البشر، فلا يتردّد بين الخيارات أو يتأرجح بين الشكوك والتخمينات، ثمّ يقرِّر ما هو الأرجح. إنَّه لا يخوض في الحسابات ولا يحتاج إلى آلة حاسبة أو حاسوب ليقرِّر ما يجب أن يكون. هذه كلّها أمور تخصُّ المخلوقات المقيّدة بالزمان والمكان، أما الله، فبمشيئةٍ واحدةٍ فقط، أوجد نظام الوجود كله.

  • بهذه الإرادة الواحدة، تجلَّت سلسلة الأسماء الإلهية الكليّة في مرحلتها الأولى، ثمّ انعكست في صفات الأفعال في المرحلة الثانية، وفي النهاية تحقَّقت الأفعال الخارجية في المرحلة الثالثة، حيث ظهر الوجود في مراتبه المختلفة وأشكاله المتنوعة. كل ذلك بمجرَّد نظرةٍ واحدةٍ من الله.

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

8
  • أما نحن، فهل يمكننا القيام بأمرين بنظرةٍ واحدةٍ فقط؟ هل يمكن للإنسان أن يُحدِّق في شخص أمامه ويستمع إلى حديثه، وفي الوقت نفسه يتحدّث مع شخص آخر خلفه؟ مستحيل! لأنّ كل فعلٍ يستلزم نيّةً وتركيزًا مستقلًا، فالاستماع يتطلب إرادةً خاصة، والحديث يحتاج إلى إرادةٍ أخرى.

  • القدرات الخارقة عند رشيد الهجري وجابر الجعفي

  • لكن هذا القانون يسري علينا نحن، ولا يسري على الكمّل، فلكلّ شيءٍ نظامه الخاص، ولكلّ مرتبةٍ قوانينها التي تحكمها. 

  • ينقل جابر بن يزيد الجعفي والذي تحدّثنا عنه سابقًا... لا بل هذه الحادثة عن رُشيد الهجري؛ ففي زمان ابن زياد، عندما كان يلاحق شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ويعدمهم، كانت هناك قائمة بأسماء الشخصيّات المعروفة، وكان يرسل في طلبهم.

  • وحين وصل دور رشيد الهجري ـ و الذي يقع قبره اليوم في العراق ـ أُرسل الجنود للقبض عليه. كان رشيد يتنقل من زقاق إلى آخر هاربًا من ملاحقة الجنود، يبحث عن ملجأٍ يختبئ فيه. وفجأة، وجد زقاقًا صغيرًا فدخله، ثمّ دخل إلى أحد المنازل.

  • كان صاحب المنزل يعلم بالخطر المحيط، فشعر بالخوف من أن يكتشف الجنود أن رشيدًا الهجري لجأ إليه، فيُتّهم هو أيضًا بإيوائه ويُعدم معه، كما كان يحدث أحيانًا في تلك الأيام، حيث يُعدم المطلوب ومن يوفّر له الملجأ وزوجته أيضًا. وبدافع الخوف، أسرع الرجل إلى إخفاء رشيد داخل غرفة، وأغلق الباب بإحكام. لكنّه ظل قلقًا ومضطربًا يفكّر: "ماذا لو رأى أحدُ الجنود دخوله إلى بيتي؟ سنهلك جميعًا!"

  • لم يهدأ له بال، فقرّر الذهاب إلى دار الإمارة ليرى ما إذا كان هناك من يتحدّث عن رشيد. فدخل المجلس وجلس، ولم تمضِ إلا دقائق قليلة حتى رأى رشيدًا الهجريّ يدخل مباشرةً إلى مجلس ابن زياد! تعجّب الرجل وقال في نفسه: "يا له من أحمق! إنّهم يبحثون عنه، وهو يأتي بنفسه!"

  • لكنّ المفاجأة كانت في استقبال ابن زياد له، إذ نهض مستبشرًا وقال: أهلاً وسهلاً! أين كنتَ كلّ هذه المدّة؟ لم نرك منذ زمن! لماذا لا تزورنا؟!" وردّ عليه رشيد قائلاً: والله كانت مشاغل الحياة والعمل تمنعني."

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

9
  • عندها أدرك الرجل أنّ ابن زياد لا يرى رشيدًا بشكله الحقيقي، بل يراه على هيئة أحد أصدقائه القادمين من الشام! ففي الواقع كان رشيد قادرًا على فعل مثل هذه الأمور، بل إنّ بعض الأشخاص كانوا يستخدمون مثل هذه الحيل أحيانًا حتى على سبيل المزاح!

  • فبدأ يتودّد إليه قائلاً: ما أخبار الشام والجيران، وأقاربك، وفلان، ورفاقك؟ فيجيبه: نعم، الأوضاع كذا وكذا، أمير المؤمنين يزيد يفعل كذا، ماذا يفعل؟ يلعب بالقردة، يلعب بالكلاب...

  • الحمد لله، هؤلاء من مفاخر الإسلام، هؤلاء الخلفاء، نعم! هؤلاء الذين يعتزّ الإسلام بوجودهم، ويصبح منيعًا! رفيع المقام عزيزًا! خليفة يلعب بالكلاب، يلعب بالقردة، مقامر، يشرب الخمر، يلعب القمار، وغير ذلك وكلّ ما تعرفونه من هذا القبيل، فهذا يصبح خليفة رسول الله! حقاً! لا تستطيعون تصديق ذلك! هل يمكنكم أن تتخيلوا ذلك؟ يعني لو وضعنا أنفسنا الآن مكان أهل السنة، إما أن لا نلتفت ولا نبحث، أو نأخذ التاريخ وننظر إلى الأشياء التي كتبوها بأنفسهم عن الخلفاء في كتبهم، فهل نحن الآن نصبح سنة، الآن نحن على فرض المحال ـ أعوذ بالله، أعوذ بالله من قول هذا الكلام، لكن حسناً، على كل حال ـ نريد أن نرى من هم هؤلاء الخلفاء وما هو مذهبنا وديننا؟ هل يمكن لشخص أن يقرأ سيرة هؤلاء ويتبع مذهبهم لمدة ساعة فقط؟! هذا مستحيل! حينئذٍ تنظرون وترون هؤلاء الناس يتّبعون فلانًا وفلانًا وفلانًا، يتبعون يزيد، معاوية، ملاعب الكلاب، ملاعب القردة، كلّ عمله لعب الشطرنج، وأعمال من هذا القبيل، من الفواحش، كلّ عمله من تلك الأمور التي إذا أراد الإنسان أن يتحدث عنها فهي مقززة، مقززة هي أفعالهم، هؤلاء كانوا على هذه الشاكلة.Top of Form

  • حسناً، بدأ يتحدث ويقول كذا وكذا، ويذكر له الأحوال وغيرها، واستمر ذلك ربع ساعة أو عشرين دقيقة، ثمّ ودعه وانصرف! فسُئل: ما الذي حدث؟ لقد جاء رشيد الهجري إلى هنا، وهو يقول: ما أخبار الشام؟ ما أخبار يزيد؟ ما أخبار كذا؟ فذهب إلى ابن زياد فسأله: من هذا؟ فقال: هذا أحد أصدقائنا في الشام، لم أره منذ مدّة، جاء الآن لزيارتي! فقال: فهمتُ الأمر. فرجع إلى منزله، فنظر، فرأى أنّ الغرفة مقفلة، ففتح الباب، فرأى رشيدًا المسكين جالساً في ذلك الركن، فقال: أين كنت يا عزيزي؟ لقد تعبنا، أغلقت الباب! والوقت ظلام... فقال: الآن يمكنك أن تأتي إلى هنا متى شئت، وتذهب متى شئت، وتفعل ما يحلو لك، فاطمأنّ المسكين، كان قلبه يخفق بشدّة...

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

10
  • وفي أحد الأيام، كان الإمام الباقر عليه السلام جالساً مع أصحابه، فجاء جابر بن يزيد الجعفي، ليس جابر بن عبد الله الأنصاري، بل جابر بن يزيد الجعفي، فجابر بن عبد الله ذاك لم يصل إلى هذه المراتب، كان رجلاً صالحاً، رجلاً جيّداً جدّاً، ولكن كان جابر بن يزيد شيئاً آخر، كانت مراتبه مختلفة تماماً، كان شكله وطبيعته مختلفين. فجاء وبدأوا يتحدّثون، فالتفت أحدهم إلى الإمام الباقر فقال: بالأمس كان جابر عندنا في المنزل، وقد قال أشياء رائعة جدّاً، فقال الرجل: نعم، بالأمس كان عندنا في المنزل، وقال الثالث: لا يا عزيزي، كان الساعة كذا بالأمس في بيتنا، فنظر هؤلاء إلى بعضهم البعض، وانكشف أمر جابر، فالتفت إليه الإمام وقال: ما هذا الذي تفعله؟! لا تفعل ذلك، فهذه ليست أعمالاً صحيحة.

  • حسناً، هل يمكنكم فعل هذه الأشياء؟! في نفس الوقت الذي تجلسون فيه هنا، الساعة العاشرة ودقيقتين ليلاً من يوم الثلاثاء، في نفس هذه اللحظة تكونون في مجلس صديقكم في طهران؟ هل هذا ممكن؟ حسناً، لا أقول إن شاء الله، لأن الأمر ليس مهمًّا، ولكنّي بنفسي رأيت هذا الأمر عند بعض الأصدقاء في الأزمنة الماضية، في الأوقات السابقة.

  • الإرادة الواحدة لله

  • تمام هذه الامور مرتبطة بإرادة الخالق، إرادة واحدة. يعني بإرادة واحدة خلق الأرض وخلق السماء وخلق جميع عوالم الوجود، المجرّدات، الأنبياء، المؤمنين، المنافقين، الكافر، الجنّ، الشياطين، الجميع، واستمرارهم إلى يوم القيامة، وبعد يوم القيامة إلى حيث يشاء الله، كلّ ذلك بارادة واحدة. فانظر إلى عظمة الأمر! لا أنّه يريد ثمّ يصحح إرادته ويأتي بأفضل منها، لا! ليس هناك أفضل. نفس وجوده، نفس وجودها موجب لرجحان الوجود على جانب العدم، وهو موجب للإيجاد والإيجاب، الإرادة نفسها لا أن ينطبق الفعل على مصلحة خارجة عن مرتبة الذات ومرتبة الوجود. إذن كلّ ما تحقّق في هذا العالم من وجود خارجيّ، كلّ ذلك له جانب توحيدي، وبعبارة أخرى عرفانيّة: له جانب ارتباط وجانب ربوبيّ، جانب يستند اليه الفعل، جانب تستند إليه تلك الحياة، جانب تستند إليه مسألة الارتباط والتعلّق في الأشياء، وهذا يحكم جميع عوالم الوجود.

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

11
  • الجانب الربوبيّ ودعاء اللهمّ اجعل في قلبي نورًا

  • نقرأ في دعاء القنوت: "اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، وفي لساني نورًا، وفي يديّ نوراً، وفي رجلي نوراً، وفي جميع جوارحي نورًا، يا نور الأنوار"، هذا النور هو الذي يبرز هذا الجانب. «اللهم اجعل في قلبي نورًا، في يديً نورًا، في رجليً نورًا». أيّ نور؟ ذلك النور وتلك الحقيقة التي تبرز جانب التعلّق والارتباط بك في عالم الشهود والظاهر والذي هو أمر واقع ولا شكّ فيه، تبرزه في عالم الظاهر أيضًا. 

  • تحليل ما حصل عندما خاطب الله موسى من الشجرة 

  • فعندما تحرّك موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام نحو مصر مع أهله، جاء الخطاب: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾۱، انزع تعلّقك من الدنيا وما سواها، فأنت في وادي طوى. فأيّ تغيّر طرأ على موسى؟ هل تغيّرت الحصى؟! هل صارت الصخور ياقوتًا وزمرّدًا؟! كلاّ! فالحصى بقيت كما هي، والصخر بقي كما هو، ولم تتحوّل الصخور إلى فيروز! كلا! فالصخر صخر والشجر شجر، وأوراق الشجر الخضراء لم تتحوّل إلى أوراق أرجوانيّة، تلك الكيفيّة الخشبيّة والكون خشبًا لم تتحوّل إلى حديد أو نحاس أو ذهب أو فضّة، الشجر هو هو، والخشب هو هو، والغصن هو هو، والورق هو هو، فما الذي تغير؟ تغيّرت رؤية موسى.

  • لقد تغيّرت الرؤية لا الشجرة، فانطلق صوت ﴿أَنَا رَبُّك‌﴾٢ من الشجرة، لا أنّ الله تجلّى في الشجرة وصارت الشجرة وعاء للصوت، فهذا شرك، هذا كفر! لا لا! فوجود ذات الحق لا يقبل التحديد، لا يقبل القيد، بل في تجلي الذات يرتفع القيد، عن أي شيء يرتفع القيد؟ هل يعني أنّ الشجرة تذوب؟ هل كانت خشبًا ثمّ فجأة صارت بخارًا؟ البخار أيضًا قيد. هل تصير الشجرة دخانًا؟ الدخان أيضًا قيد، فلو أحرقتم الخشب، فأوّلاً هذه النار تشتعل ثمّ تتحول إلى حرارة، فالشعلة قيد والحرارة قيد والدخان قيد، كلّ هذا قيود، تصير بخارًا، البخار قيد. هل تصير هواء؟ الهواء قيد. وكلّ ما تتصورونه في عالم المظاهر وعالم التعيّنات ليس خارجًا عن كونه قيدًا. إذن فماذا سبّب تجلي ذات الحقّ على الشجرة؟ سبّب رفع القيد. عمّن؟ عن موسى لا عن الشجرة. غيّر رؤية موسى . Bottom of Form

    1. سورة طه (٢۰)، الآية ۱٢
    2. سورة طه (٢۰) الآية ۱٢. 

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

12
  • «اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري» ! نعم! نورٌ يأتي ويدخل القلب، فيُشاهد ذات الحقِّ. نور يدخل السمع لا هذه الأذن، لا يا عزيزي! بل لو قلنا إنّه يدخل هذه الأذن فلا إشكال لأنّ نفس التجلّي ممكن أن تحصل له صورة خارجيّة فلا إشكال في ذلك. فالأذن يحصل فيها نور. وعندما يصبح النور في الأذن لا تسمع القيد، وعندما لا تسمع القيد ماذا يجدث؟ تسمع (أنا الحق). تسمع (أنا ربك). دخل النور إلى البصر، فماذا رأى؟ لا أنّ الشجرة فجأة تنحّت جانباً ورأى مكانها ذهباً! لا يا عزيزي الشجرة شجرة، وقد رأى الشجرة بعينها ورأى الخصائص ولكنّه لم ير تلك الشجرة مُقيّدة بتلك الحدود. يراها منحلّة في عالم الوجود وفانية في ذات الله وإرادته. وعندما يتحقق هذا الأمر... وكان هنا الحديث عن مثال الشجرة وإلاّ فإنّ كلّ حصى وصخرةٍ يرتفع منها نداء ﴿أنا ربك﴾، لكنّ القرآن يشير في تلك الآية إلى الشجرة تحديدًا، أو ربما لأنّ الخصوصيّة الوجوديّة لموسى عليه السلام في تلك اللحظة، من حيث محدوديّة سعته الوجوديّة أو اتساعها، جعلت التجلّي يتعلق بالشجرة دون باقي الجمادات. وهذه مرتبةٌ من مراتب انكشاف حقيقة التوحيد للإنسان، والتي تختلف باختلاف الأحوال. ففي النباتات يكون التجلي بشكلٍ، وفي الجمادات بشكلٍ آخر، وفي الحيوانات بشكلٍ ثالث. وقد يرى الإنسان التجلي في الحيوان ولا يراه في النبات، فيكون قد حصل لديه في تلك الحالة تجانس مع الخصوصيّة الربطيّة الحيوانيّة لتجلّي الذات لا مع الخصوصيّة النباتيّة، فلكلٍّ تجلّيه الخاص. ثم فجأةً تجتمع كلّ التجليّات، فتلك هي مرتبة الفناء. ولم يكن موسى عليه السلام قد وقصل بعد إلى مرتبة الفناء، كلا! فلا يزال أمامه طريق حتّى يبلغها. والآن ظهر له التجلّي النباتي، وفي هذا التجلي تُرفع القيود.

  • شعر الحكيم السبزواري حول سماع أنا الحقّ من الشجرة

  • ولذلك يقول الحكيم السبزواري رحمه الله أيضًا: 

  • موسئی نیست که دعوی انا الحق شنود***...
  • فليس هنالك موسى ليسمع نداء"أنا الحق". أين هو موسى الذي ينطبق عليه دعاء «اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا»؟ 

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

13
  • موسئی نیست که دعوی انا الحق شنود***ور نه این زمزمه اندر شجری نیست که نیست.
  • يقول: ليس هنالك موسى ليسمع نداء "أنا الحق"، وإلاّ فليس هناك شجرة تخلو من هذه الهمسة. فهو ينفي أن يكون هناك شجرة تخلو من هذا النداء ونفي النفي إثبات، مما يعني أنّ كلّ الأشجار تقول "أنا الحق"، وكلّ حجر وكل طين يقول: "أنا الله". لكن ما الشرط لسماعها؟ الشرط هو تحقيق معنى ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ حتّى تسمع ذلك النداء. ومع وجود القلب الذي يظل معلّقًا بألف مسمار بهذه الدنيا فكيف نسمع "أنا الحق"؟! وكيف نسمع ﴿أنا ربك﴾؟ أين نسمع ﴿أنا الله لا إله إلا أنا﴾۱؟ مع وجود تعلقاتنا كيف سيصل هذا النداء إلى آذاننا؟ لا بدّ أن يتحقّق معنى ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ لتصلنا تلك الحقيقة. 

  • شعر مولانا حول اختلاف موسى وفرعون

  • متحد بودیم و یک گوهر همه***بی سر و بی پا بدیم آن سر همه
  • يقول: كنّا متّحدين وكنّا جوهرًا واحدًا *** وكنّا كلّنا بلا رؤوس ولا أقدام

  • كانت لنا جميعًا حقيقة واحدة، كانت لنا حقيقة ربطيّة واحدة، وكنّا كلّنا بدون قيود وبدون نفوس وبدون تعلّق، كان الجميع جوهرًا واحدًا. 

  • چون به صورت آمد آن نور سره***...
  • يقول: فلمّا تجلّى ذلك النور الخالص في صور *** ...

  • عندما تجلّى ذلك النور النقيّ في الصور أصبح واحد منّا حسنًا وآخر حسينًا وثالث تقيًّا. واحدٌ بهذا الشكل وآخر بذاك الشكل. واحد طويل القامة وآخر متوسّطها، واحد ينتمي إلى هذه الأرض وآخر إلى تلك، واحد عالم وآخر غير عالم.

  • چون به صورت آمد آن نور سره***شد عدد چون سایه‌های کنگره
  • يقول: مذ تجلّى النور في تلك الصور *** قد تعدّد مثل أظلال الجدر 

  • فعندما تجلّى ذلك النور الخالص في الصور، تحوّل هذا أشكال متعدّدة مثل ظلال جدران القلعة ذات الأشكال المختلفة.

  • کنگره ویران کنید از منجنیق***تا رود فرق از میان این طریق
  • يقول: دمّروا الجدران بالمنجنيق *** كي يزول الفرق من هذا الطريق

  • ومعنى دمّروها هو ﴿اخلع نعليك﴾، فلا بدّ من ضرب هذه الجدران ذات الظلال بالمنجنيق وإزالة القيود لكي تتجلّى حقيقة الذات هنا.

    1. سورة طه (٢)، مقطع من الآية ۱٤. 

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

14
  • چون که بی رنگی اسیر رنگ شد***موسی با موسی در جنگ شد
  • يقول: حين صار عديم اللون أسير اللون *** صار موسى ضدّ موسى في جنون

  • عندما أصبح عديم الألوان أسيرًا للألوان، وقع موسى في نزاع وصراع واختلاف في الشريعة مع موسى آخر، أي مع نظيره في عالم الشهادة، والذي هو فرعون، فكلّ هذا يرجع إلى الشريعة في النهاية، يرجع إلى عالم التربية في النهاية.

  • چون که این رنگ از میان برداشتی***موسی و فرعون کردند آشتی
  • يقول: ولو رفعت من البين هذا اللون *** صار موساك صديقًا لفرعون

  • فعندما أزيل ذاك اللون وصارت تلك الحقيقة واحدة ورفع القيد، تعانق موسى وفرعون هذا يقول لذاك: أين كنت أنت؟ وذاك يقول لهذا: أنت أين كنت؟! 

  • ما الفرق بين قول فرعون "أنا ربّكم" وقول الشجرة "أنا ربك"؟

  • مكشلة فرعون أنّه كان عليه أن يصبر قليلاً، فلو صبرت يا فرعون لكنت علّمتك، ألم تدرس؟! لو جئت ودرست الفلسفة ـ لكنّك لم تدرس ـ لو جئت لكنّا علمناك قليلاً! ولما قلت ﴿أنا ربكم الأعلى﴾، كنت ستمسك لسانك عن قول ذلك للنّاس، كنت هذّبت نفسك وراقبتها، وكنت خضعت للتربية، كانت تعلّقاتك بالعالم المادّي ستنقطع، كان وجودك سيصبح صافياً وطاهراً، وكان الصدأ سيجلى عن قلبك، وكانت القذارات والرذائل ستزول من وجودك، وكانت عيناك ستصبحان خاليَتين من التعلّق بالدنيا والهوى، وكنت ستخرج من عالم التعلّق، وكان نور التوحيد وحقيقة التوحيد سيتجلّى فيك، وكان ذلك النور والبصيرة سيفيضان على قلبك وسمعك وبصرك من جانب الله، وعندها عندما تفهم هذه الحقيقة ستقول ﴿أنا ربكم﴾، ولكنّها ستكون كلمة أخرى حينها! لا الآن يا عزيزي! أنت تسير في هذا الطريق بسرعة كبيرة، لكنك تسير بسرعة لأنك تسير في غير وقت السير، سيُنزلونك من الأعلى إلى الأسفل، سيعاقبونك ضربًا، سيضربونك ليس لأن هذا القول خطأ، ففي الواقع، لا يختلف الأمر بين فرعون وبين تلك الشجرة، لا فرق بينهما، إلا أنّ الشجرة صامتة، ليس لها نفس، ليس لها تعلّق، ليس لها شهوة، ليس لها أنانيّة، فهي لا تحمل الأنا حتّى تقف في مواجهة كبرياء الله وأنانيّته، وفرعون هو الذي يحمل الأنا، ويحمل النفس، ويحمل الشهوة، ويحمل أنانيّة وفرعونّية، ويحمل الذاتيّة، ويقيّد نفسه بآلاف الصفات التي هي من لوازم ذات الله، تلك الصفات التي هي للذات الإلهيّة هو نسبها إلى نفسه، سيسألونه: لماذا لا تقول هذا الكلام عن إدراك حقيقي؟! وهنا يجب أن تتلقّى العقاب، ويجب أن يحدث لك ما يكون عبرة للآخرين، يجب ألا تتكلّم قبل وقت الكلام، كلّ شيء يجب أن يُقال في وقته، يجب أن يُقال كل شيء في مكانه.

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

15
  • لو أرادوا أن يعطوا مبضعًا لأحد، ليجري عمليّة جراحيّة لإنسان بعد أن يعطى من البنج، فلا بدّ أن يمرّ من يجري العمليّة بمراحل فيدرس لسنوات ويتلقّى التدريب، ويتعلّم عند الأساتذة، يجب أن يقوم بعمليّات التشريح، و لا بدّ أن يقف إلى جانب أستاذ ماهر، وتدريجياً يبدأ بمساعدته فيصبح مساعدًا، ثمّ تدريجيًا يصبح مستقلاً، والآن يمكنهم بكلّ اطمئنان أن يسلّموه مريضًا ما لإجراء العمليّة. الآن، اذهب وقم بعمليّة إزالة الزائدة له، حسنًا. 

  • ولكن لو أنّ هذا الرجل يقول الآن: حسنًا، أنا نفس ذاك الرجل الذي سيتخرّج، فعندما يُعطى لي المبضع بعد ستّ سنوات سأكون كما أنا الآن، أبي هو نفسه، وأمي هي نفسها، لا يتغيّران، أبي وجدّتي لن يتغيرا بالتعليم، طولي هو نفسه، وزني أعدك أنني سأبقى على الـ ۷٥ كيلو بعينها، لا أتعرّض لأي تغيير، لا مشكلة. حسنًا، أنا نفس الرجل، فبدلًا من أن آخذ السكّين بعد ستّ سنوات، لماذا لا آخذها الآن؟! 

  • ـ إذا فعلتَ ذلك، سيقبضون عليك ويسجنونك! بأيّ حقّ تأخذ المبضع؟ 

  • يقول: أنا أريد أن أذهب وأدرس! 

  • ـ ولكن لم تدرس بعد!

  • يقول: أنا متأكّد، فبالموهبة التي أراها في نفسي، والفهم الذي أمتلكه، والوضع الذي أراه في نفسي، سأصل إلى هذا المستوى لاحقًا. 

  • ـ حسنًا، إذا وصلتَ لاحقًا، فهذا أمر آخر، نحن ندعوك، وسنقدّم لك المبضع عندما تصل، لكنّك الآن لم تصل بعد. أخبرني، هل لديك خبرة الذي يعمل الآن بجانبك ويقوم بإجراء العملية؟ 

  • يقول: لا. 

  • ـ هل لديك ذلك العلم؟ 

  • يقول: لا! لا أملكه. 

  • ـ هل لديك هذا الفهم؟ لا يمكنه أن يقول إنّه يمتلكه لأنه سيُختبر. لا مجال هنا ليقول إنّه يملكه. هل لديك ذلك؟ قل لي، ما هو هذا؟ يقول شيئًا آخر! ها! يقول شيئًا آخر.

  • العبرة من موقف فرعون: عدم الادّعاء بأكثر من القدرة

  • لا قدّر الله أن يدّعي الإنسان شيئًا ويقف عنده، فهذا أمر سيّئ جدًّا. فهل الإنسان مجبر على أن يدّعي شيئًا؟! على الإنسان أن يدّعي بقدر طاقته، عليه أن يحمل حجرًا بقدر طاقته، ويأخذ اللقمة بقدر فمه. يدّعي فيقال له: حسنًا، لقد ادّعيت، فلتقدّم جوابك، يحاول أن يفرّ فيقال: له مكانك! توقف، لماذا تفرّ؟ توقّف وكن مسؤولاً عن عملك! يقول: إذا توقّفت، ستفسد الأمور، فيحاول الفرار من هنا وهناك... ويقول: دعنا نتجاوز عن هذا الكلام، فهناك الكثير من المواضيع، الكثير من المسائل، لا نريد أن ندقّق في كلامنا هذا، ولنتابع موضوعنا.

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

16
  • يمسكون به ويقولون: لا! هذا غير مقبول. هنا توجد قوانين، هنا يوجد حكم، هنا يوجد شرطة، هنا توجد محكمة، هنا سجن، هنا يوجد سياط. إذا أخذت المبضع وشققت بطن هذا الرجل، فبمجرّد أن تدخل المبضع ستأتي الشرطة وتقبض عليك، ثمّ هناك محكمة، وبعدها سيُلقون بك في السجن، ثمّ ستكون تحت السياط لأنّك ارتكبت جريمة، ارتكبت عملاً مخالفاً، جئت وارتكبت عملاً مخالفاً للقانون. أما لو درست واكتسبت الخبرة، حينها إذا أردت أن تأخذ المبضع سيدعوك الجميع إلى هنا وهناك، سيقولون: تعال وافعل، سيشجّعونك، يقولون: ما شاء الله، ولن يكون هناك مشكلة.

  • لقد ادّعى فرعون بسرعة، وكان خطؤه في ذلك، ظنّ أنّه مثل موسى عليه السلام الذي كشف الله عنه الحجاب وسمع نداء ﴿أنا ربك﴾ من الشجرة، وقال: "إذا كانت الشجرة قالت: ﴿أنا ربك﴾ فنحن البشر أفضل منها؛ لأنّنا نملك الجانب النباتي والحيواني والمَلكوتي، وبالتالي فنحن أولى بأن نقول: ﴿أنا ربك﴾. تمامًا كما ﴿قال الله للملائكة اسجدوا لآدم﴾، فمن الذي سجدوا له؟ هل سجدوا للتراب؟ وهل يستحقّ التراب السجود؟! بل سجدوا لتلك الحقيقة التي هي تجلٍّ للّه، سجدوا للذات الإلهيّة التي تجلّت في آدم. لكن في تلك اللحظة كانت الملائكة تملك رؤية مختلفة تماماً عن رؤية هذا الكائن الذي هو مجرد شبيه بالحيوانات. أنت الآن مليء بالأهواء والتعلّقات الدنيويّة والشهوات، فما شأنك أن تدعي ﴿أنا ربكم الأعلى﴾؟ لو كنت صبرت، لتربّيت على يد موسى عليه السلام، وكان سيتولّى تدريبك، حينها كنت ستنظّف قلبك من الأدران، وستذهب عنك الكدورات، وكان الصوت الذي خرج من الشجرة سيخرج منك أيضًا. فهو ليس للجميع، فهناك حساب وعقاب. فلا تظنّ أنّ أيّ إنسان يمكنه أن يقول: ﴿أنا ربك﴾، كلاّ! فهناك حساب.

  • معنى قول أمير المؤمنين ما قلعت باب خيبر بقوة جسديّة

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: ما قلعت باب خيبر بالقوة البشرية أو الجسدانيّة، بل بالقوة الربانيّة والإلهيّة.۱ ففي تلك اللحظة كان تجلّي اسم الله القويّ والقادر فيّ، وذلك الاسم هو الذي قلع الباب وما أنا قلعته، فأنا هذا الذي ترونه، وقدرتي هي قدرة معروفة كسائر القدرات، وطبعًا وفق القاعدة الفلسفيّة العامّة فإنّ حركة البعوضة أيضًا هي عين ذلك الظهور والتجلّي، ولكن نحن نتكلّم بحسب العادة والعرف والنظرة العاميّة، فباب خيبر أنا لا يمكنني أن أقتلعه، هذا الباب الذي يقال إنّه لا يمكن أن يفتحه إلا أربعون رجلاً، فما هذا الباب؟ لا ندري، فلو كان قطارًا لتمكّن أربعون رجلاً من تحريكه، فأي باب هذا حتّى يحتاج إلى ذلك؟ فهكذا ينقل، وأحيانًا يكون هناك زيادة ونقصان في التاريخ، أربعون رجلاً يفتحونه، وأربعون رجلاً يغلقونه، فلا بدّ أنّه من تلك الأبواب الثقيلة جدًّا التي يمكنها أن تقاوم هجمات الأعداء. ومع ذلك فقد قلعه أمير المؤمنين كالقشّة وألقى به فرسخين، لم يلقه إلى فرسخين بل إلى بضعة أمتار فمن يمكنه فعل ذلك؟ فمهما كان قويًّا فهو بشر في النهاية، والإنسان العاديّ قواه محدودة في النهاية، قواه محدودة وقدرته محدودة، ولذلك يقول الإمام نفسه إنّ تجلّي اسم القادر هو الذي فعل ذلك ولم يفعله عليّ، هو قام بذلك فلماذا ترونه منّي؟ لماذا ليست عيونكم مصداقًا لـ «اللهمّ اجعل في بصري نورًا»؟ فلو كانت مصداقًا له وكنّا في خيبر لرأينا عمل أمير المؤمنين هذا تجليًّا لاسم القادر، ولما نظرنا إلى أمير المؤمنين وأنّه يقوم بذلك، بل لنظرنا إلى اسم الله القادر كيف يفعل ذلك، ولتغيّرت النظرة. 

    1. الخرائج و الجرائح، ج‌٢، ص: ٥٤٢: وَ اللَّهِ مَا قَلَعْتُ بَابَ خَيْبَرَ بِقُوَّةٍ جَسَدَانِيَّةٍ وَ لَا بِحَرَكَةٍ غَذَائِيَّةٍ لَكِنِّي أُيِّدْتُ بِقُوَّةٍ مَلَكِيَّةٍ وَ نَفْسٍ بِنُورِ رَبِّهَا مُضِيَّةٍ.
      الأمالي - الشيخ الصدوق - الصفحة ٦٠٤: والله ما قلعت باب خيبر ورميت بها خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية، ولا حركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضية، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت. 
      بحار الأنوار، ج‌۸٤، ص: ٣٢‌: مَا قَلَعْتُ بَابَ خَيْبَرَ بِقُوَّةٍ جِسْمَانِيَّةٍ بَلْ بِقُوَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ.

جهة ارتباط المخلوقات بالله - تحليل مواقف النبيّ موسى مع الشجرة وفرعون

17
  • فالنبيّ موسى عليه السلام كانت قد تغيّرت نظرته في ذلك الوادي، تغيّرت رؤيته، والشجرة لم تتغيّر بل بقيت على حالها. 

  • حسنًا انتهى الوقت، وقد أخلفنا الوعد بعشر دقائق أو أكثر، وقد تعبت. وإن شاء الله نكمل الموضوع في الجلسة القادمة.

  •  

  • اللهمّ صل على محمّد وآل محمّد.