المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمناسبات الإسلامية
المجموعةعيد الفطر
التاريخ 1431/10/01
التوضيح
ما هي الفطرة التي فطر الناس عليها؟ وكيف يشعر الإنسان بها؟ ومتى كان ذلك العهد الفطريّ بالعبوديّة لله؟ وكيف تؤثّر التكاليف الشرعيّة كالصيام والحجّ في حفظها؟ وكيف تؤثّر هي في معرفة الصواب واستنباط الأحكاك الشرعيّة؟ وهل كان علماؤنا يعتمدونها في ذلك؟
تجيب هذه المحاضرة على ذلك من خلال تفسير قوله تعالى ضعف الطالب والمطلوب وقوله تعالى ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام ليستأدوهم ميثاق فطرته، وكلام النبيّ في حديث وابصة في معرفة البرّ والإثم والذي يتضمّن استفت قلبك.
كما تعرّضت المحاضرة ضمن ذلك إلى كيفيّة أداء الحجّ وهل علينا أن نغرق في ما يفرضه علينا العصر من أدوات تشغلنا عن مناسكه؟ وكيف يمكن الحفاظ على آثار الحجّ والصيام؟
هو العليم
فطرة التوحيد وطريق الوصول إليها
خطبة عيد الفطر لعام ۱٤٣۱ هـ
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم
بسم الله الرّحمن الرّحیم
الحَمدُ لِلَّهِ الواصِلِ الحَمدَ بِالنِّعَمِ و النِّعَمَ بِالشُّکرِ. نَحمَدُهُ عَلَی آلائِهِ کَما نَحمَدُهُ عَلَی بَلائِهِ. و نَستَعینُهُ عَلَی هذه النُّفوسِ البِطاءِ عَمّا أُمِرَت بِهِ، السِّراعِ إلَی ما نُهیَت عَنهُ. ونَستَغفِرُهُ عَمّا أحاطَ بِهِ عِلمُهُ و أحصاهُ کِتابُهُ؛ عِلمٌ غیرُ قاصِرٍ و کِتابٌ غیرُ مُغادِرٍ. و نُؤمِنُ بِهِ إیمانَ مَن عایَنَ الغُیوبَ و وَقَفَ عَلَی المَوعودِ إیمانًا نَفَی إخلاصُهُ الشِّرك و یَقینُهُ الشَّك. ونَشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريك لَهُ و أنَّ مُحَمَّدًا صلّی الله عَلَیهِ و آلهِ و سَلَّمَ عَبدُهُ ورَسولُهُ شَهادَتَینِ تُصعِدانِ القَولَ و تَرفَعانِ العَمَلَ لا یَخِفُّ میزانٌ توضَعانِ فیهِ و لا یَثقُلُ میزانٌ تُرفَعانِ عَنهُ.
أوصیکُم عِبادَ اللهِ [و نَفسی] بِتَقوَی اللهِ الَّتی هی الزّادُ و بِها المَعاذُ [المعاد]؛ زادٌ مُبلِّغٌ و مَعاذٌ [معاد] مُنجِحٌ. دَعا إلَیها خَیرُ داعٍ و وَعاها خَیرُ واعٍ؛ فَأسمَعَ داعیها و فازَ واعیها.۱
﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۱ إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَهِ وَٱلۡفَتۡحُ ٢ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَهِ أَفۡوَاجٗا ٣ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾.٢
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ﴾.٣
اللهمّ کُن لِولیّك الحُجّةِ بنِ الحَسَن صَلَواتُك عَلیهِ و علی آبائه فی هذه السّاعَةِ و فی کُلِّ ساعَةٍ وَلیًا و حافِظًا و قائِدًا و ناصِرًا و دَلیلًا و عَینًا حَتَّی تُسکِنَهُ أرضَکَ طَوعًا و تُمَتِّعَهُ فیها طَویلًا.٤
للتعجيل في فرج الإمام وليّ العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ورفع الهموم والغموم عن الشيعة صلّوا على محمّد وآل محمّد.
لماذا نتّخذ يوم عيد الفطر عيدًا؟
الشكر لله على ما منّ علينا هذه السنة حيث وفّق عددًا عظيمًا من الصائمين وأذاقهم حلاوة إدراك يوم العيد والحضور في الصلاة، ولم تكن لديهم حسرة إقامة هذه السنّة العظيمة طوال فترة الصيام. لله الحمد وله الشكر.
اليوم يوم عيد الفطر، يوم عيد الصيام، يوم عيد قبول الطاعات، يوم الوفود على الحرم الإلهيّ والختم بخاتم القبول على طاعات شهر كامل من الصيام والمراقبة والتوجّه والمزيد من الخلوص والصدق والإخلاص والصفاء والنورانيّة والالتفات إلى التوحيد والتقرّب، لذلك يسمّى هذا اليوم عيدًا حيث إنّ الله وفّقنا إلى أن نخرج من هذه الضيافة متنعّمين وعلينا أن نشكر الله على هذه الضيافة والتوفيق الذي وفّقنا له والمنّة التي منّ بها علينا. فاليوم هو يوم الشكر.
ماذا كنّا سنفعل لو أنّ الله تعالى لم يوجب علينا طوال السنة هذا الشهر من الصيام؟! حتمًا لما كنّا سنصل إلى مثل هذه النعمة والاستفادة. نحن اليوم نعيّد لأنّ الله تعالى منّ علينا بهذه المنّة وأنّه فرض علينا هذا الشهر لمزيد من التقرّب إليه، وأوجب علينا أمورًا، وأوجب علينا الجوع، وأوجب علينا المزيد من التوجّه إليه، فرض العبادة، فرض علينا قطع التعلّق عمّا سواه، التوجّه إلى الآخرة والتوجّه إلى ذلك الجانب. فهذه أمور فرضها الله علينا ونحن اليوم نشاهد آثار وثمرة هذا التكليف الإلهيّ في وجودنا.
التقرّب إلى التوحيد هو نتيجة صيام شهر رمضان
قارنوا أحوالكم اليوم بما قبل الشهر المبارك، وانظروا ألم تختلف؟ أولم تختلف ميولكم وطلباتكم ونيّاتكم وما يجري في ضمائركم ونفوسكم عمّا كان قبل شهر رمضان؟! ألم يقلّ تعلّقكم بالدنيا وبآثار الدنيا؟! فهذا ناشئ من هذا الأمر وأنّ الاهتمام بهذه الأمور شئنا أم أبينا قرّبنا إلى تلك الحقيقة والواقع بحيث تبلورت خلقتنا وفطرتنا على أساس هذه الحقيقة والواقع. وهذا الأمر مهمّ جدًّا يتوقّعه الله منّا من الصيام والمراقبة في هذا الشهر المبارك. لذا كان المرحوم العلاّمة والأعاظم يوصون تلامذتهم بعد الشهر المبارك بالاستمرار بهذه الحالة وأن اسعوا أن تدوم هذه الحالة التي تشعرون بها في وجودكم.
من الواضح جدًّا في هذا الشهر أنّ ما كان لدينا سابقًا من التصوّرات والتخيّلات قد تناقص، لا نقول إنّه انتهى بالكامل. نرى أنّ سوء الظنّ الذي كان لدينا تجاه أخينا في الإيمان قد تناقص، وقلّ الاهتمام بالأمور التي تصرفنا عن التوحيد، وقلّ في هذا الشهر الاشتغال بالأمور التي ليس لها ذاك الارتباط بنا، وقلّ الفضول في حياة الآخرين وتصوّراتهم وأمورهم، قلّت الغيبة في هذا الشهر، وكلّ هذا ناشئ من ذلك الأثر المترتّب على هذه الضيافة الإلهيّة.
وعلى العكس من هذا ما يتحقّق في سائر المواقع، ففي المجالس التي يقصدها الإنسان خارج هذا الشهر نرى أنّه قليلاً ما يهتمّ بهذه الأمور، ومن المشهود بوضوح الغيبة والنميمة والتهمة وسوء الظنّ بالآخرين ومحوريّة الأنا ودعوة الآخرين إلى الذات والأنانيّة والفرعونيّة، وبكلمة رعاية ما سوى الله وحذف الله من النفس والضمير وما يرتبط بالذات. ولكن في هذا الشهر تخفّ هذه الأمور، ويزول الاهتمام بها، وبدلاً منها يأتي الالتفات إلى المبدأ ويتجسّد ويظهر بأفضل نحو ما غرس في فطرتنا وجبلّتنا.
هذه آثار ضيافة الله ودعوة الله، ولازم تحقّق هذه الآثار وهذه الأمور هو الصيام. وهكذا يمكن للإنسان أن يصل إلى مراده وما وجد من أجله وما خلق من أجل إيصاله إلى الفعليّة وما كلّف بتحصيله.
التشابه بين الحجّ والصيام وكيفيّة تحصيل آثار الحجّ والحفاظ عليها
فإذن، وكما قال الأعاظم: على الإنسان أن يحافظ على هذه الحالة، تمامًا كما لو تشرّف الإنسان بالحجّ، وخرج لشهر عن تلك الأوضاع والظروف والأجواء التي يعيشها في حياته وابتعد عن الناس وخرج عن المحيط، وابتعد عن التجارة والعمل، وابتعد عن العلاقات وعن التعلّقات إلى حدّ ما.
كم يمكن للحجّ أن يكون مفيدًا للإنسان وأن يحقّق ذلك الأثر له فيما لو حصل هذا المعنى! لا أن يتّصل الإنسان بالهاتف ونحوه كلّ يوم أن ماذا حصل لفلان؟ وكيف حاله؟ وكيف الأوضاع؟ وهل لا زالت المعاملات التي كان من المقرّر أن تجري في المدينة على قدم وساق؟ من فعل في غيابي كذا وكذا؟ فهذا الحجّ لا فائدة منه، وما هو بالحجّ الذي يترتّب عليه ذاك الأثر! وهنيئًا لأولئك الحجّاج وضيوف الله المتعال الذين كانوا يتشرّفون بالحجّ في سابق الزمان، حيث لم تكن هذه الأجهزة المعاصرة، ولم تكن هذه الأمور التي تزيد من تعلّق الإنسان وتؤدّي إلى زيادة تعلّقه بالمحيطين به. عندما تشرفّنا بالحجّ في تلك السنة، كان الاتّصال أمرًا صعبًا للغاية، وكان أمرًا معقّدًا، فكان للناس توجّه أكثر وكانوا يستفيدون أكثر. إنّ شرط الحجّ والوصول إلى ذلك المطلوب هو الانفصال والانقطاع عن هذه التعلّقات.
[گه دلم پیش تو گاهی پیش اوست] | *** | رو که در یک دل نمیگنجد دو دوست۱ |
يقول: تارة قلبي عندك وتارة عنده *** فاذهب فما جعل الله في قلب واحد من حبيبين.
على الإنسان أن يخرج من التعلّق لكي يقول لنداء الله جيّدًا وبشكل صحيح وتام: لبّيك.
ما معنى التلبية في الحجّ؟
فالتلبية هذه التي يقولها الحجّاج في بداية الإحرام هي تلبية قطع التعلّقات، تلبية الانقطاع عن الزوجة والأطفال، تلبية الانقطاع عن المعاملات والعلاقات في المدينة والقرية، تلبية قطع العلاقات العائليّة ومع الجيران والمدينة والمنطقة والعلاقات والصداقات. هذا المعنى هو الذي يسمّى تلبية، وبهذا النداء هم يجيبون، ولكن نحن نرى أنّ الناس في هذا الزمان عندما يحجّون يصطحبون معهم التعلّقات إلى تلك الديار، ويحافظون على تلك العلاقات، ويحفظون برفقتهم تلك التخيّلات والتصوّرات، ويجعلون تلك الأحوال والأجواء التي كانت لهم في بلادهم رفيقًا وجليسًا لهم، فهذا لا فائدة منه، وليس هناك تلبية، فالتلبية تعني قطع الأمل وقطع العلاقة.
أنا لا أقول إنّ التلبية التي نلبّي بها هي كتلبية إبراهيم الخليل، فهذا لا يتأتّى منّا ولن يتأتّى! حيث يؤمر بالانقطاع عن زوجته وابنه وتركهم بالكامل، ويدير ظهره لأمله الوحيد وثمرة حياته ويتركه في الصحراء المحرقة في أمان الله، حتى إنّه يؤمر أن لا يلتفت وراء ظهره، وعندما يترك زوجته وابنه عليه أن لا يخطر في باله أيّ خطور عن عاقبتهما ومآلهما.
فهذا شيء، والحال والجوّ الذي يجب أن نكون نحن عليه ولكن بيننا وبينه مسافة شيء آخر، ولكن على الأقل يمكننا أن نقوم به، فلماذا لا نقوم به؟! لماذا يجب حتمًا أن يصطحب الحجّاج معهم هاتفًا إلى الحجّ؟! لأيّ شيء؟! لماذا تكون تلبية الذين يريدون أن يلبّوا لله مصحوبة بالتصوّرات والتعلّقات؟! فهذه ليست تلبية، إنّها اصطحاب للأثقال والأوزار!
هل على الإنسان أن يقبل ما يفرضه الزمان عليه من أجواء؟
التفتوا أيّها الرفقاء، نحن لسنا مجبرين أن نجاري ما يحدث، بل علينا أن نقرّر بأنفسنا ماذا نصنع وكيف نعيش وأن نقرّر بأنفسنا أن نختار ما يفيدنا ونجتنب ما يضرّنا. من الذي قال إنّ على من يذهب إلى مكّة أن يصحب معه هاتفًا جوّالاً؟! من الذي قال إنّ الإنسان ما دام في هذه الظروف وبهذه الأحوال [المعاصرة] فينبغي أن لا تظهر فيه تلك الآثار وتلك الخصوصيّات [المستفادة من الحجّ]؟! فقد طوى طريقًا، وبذل جهودًا، ولبّى نداء المعبود، ولكن نصف تلبية، وثلاثين بالمائة منها، وأربعين بالمائة، فلماذا لا تكون كاملة مائة بالمائة؟! لماذا لا نقترب بأنفسنا من مرتبة الأعاظم؟! لماذا لا نعمل بما أوصوا به؟! لماذا؟! ستكون المنفعة والفائدة أقلّ؟! فلتجرّبوا أن تذهبوا مرّة إلى العمرة من دون هذه الأمو، ألا تلاحظون الفرق؟! جرّبوا أن تحجّوا مرّة بهذا الانقطاع وانظروا إلى أثره ألن يكون أكثر؟!
كيف يؤثّر الصوم والحج على قرب السالك من التجرّد والتوحيد؟
تعاليم من هي هذه؟ إنّها التعاليم التي أمرنا بها الأعاظم، فقد سلكوا هم هذا الطريق والآن يقولون لنا: تعالوا أنتم أيضًا إلى هذا الطريق. إن أردتم الوصول إلى هنا وإن أردتم الوصول إلى هذه النقطة فعليكم أن تبتعدوا قليلاً عن الذوبان في المحيط، وتتنحّوا عمّا يفرضه عليكم المجتمع والمحيط والدنيا وأجواؤها. أنتم اختاروا لأنفسكم، وأنتم قرّروا لصلاح أنفسكم. لا تدعوا الآخرين يقرّرون عنكم ويفرضون عليكم ما لا صلاح لكم فيه، ويعرضون أمامكم للبيع والشراء ما فيه مفسدة لكم فيجدون فيكم خير زبائن لهم. فلتطمئنّوا إلى أنّ هناك سوقًا وزبائن لهذه البضاعة وهذا المتاع، كما أنّ لتلك الأمور أهلها، وكلّ منهما يسير في طريقه، وكلّ منهما يعمل وفق ذوقه وسليقته. فلماذا نكون نحن هكذا؟!
لقد مثّلت بمثال صغير لنعلم أنّ الطريق الذي نسير فيه خاطئ وغير موصل، فإذا سار الإنسان في ذاك الاتّجاه فعليه أن يترك ما سوى الله جانبًا ويخرج من تمام التعلّقات! نحن نقول لبّيك ولكنّنا نتكلّم مع المنزل عبر الهاتف، فأيّة تلبية هذه؟! وأيّ حجّ هذا؟! وأيّ إحرام هذا الذي يتضمّن كلّ شيء سوى الله؟! كلّ شيء موجود في هذا القلب سوى التعلّق بالله!
ده بود آن نه دل که اندر وی | *** | گاو و خر باشد و ضیاع و عقار۱ |
يقول: مزرعة هو لا قلب ما كان فيه *** بقر وحمير وضياع وعقارات
ما دام الإنسان يسير في ذاك الاتّجاه، فعليه أن ينقّي قلبه ويخرج من التعلّقات، لا أن يكون له في ذلك القلب أبناء وزوجةً وزوجًا وأقارب، ويصحب معه ما تركه في مدينته! فإلى أين جاء هو إذن؟! ولماذا جاء أصلاً؟! ولو بقي في مكانه لكان خيرًا له، على الأقلّ لما طوى كلّ هذا الطريق!
إنّ لشهر رمضان المبارك هذه الخصوصيّة أيضًا، فالصائمون بصيامهم في هذا الشهر وتحمّلهم للجوع يخرجون أنفسهم من التعلّق، ويقطعون توجّه النفس إلى البدن ويجعلونه باهتًا، وبواسطة هذا القطع والبهوت تزداد قوّة ذلك الجانب الذي هو التوحيد والتجرّد، فهذه هي خصوصيّات الشهر المبارك.
كيف نحافظ على ثمرة شهر رمضان؟
بناء على ذلك يقول الأعاظم: اسعوا أن تستمرّ أحوال وأجواء هذا الشهر المبارك في أنفسكم، إن كان من الممكن أن تصوموا فلتصوموا في كلّ أسبوع يومًا، لا تسمحوا لأن ينقطع دفعة واحدة ما كنتم متّصلين به، وأن تخرجوا من تلك الأجواء إلى أجواء وظروف أخرى لا تناسب أبدًا ما كنتم عليه. فهذا الانقطاع عن الجوّ السابق يوقع الإنسان في ورطة السقوط، فتزول الحالات التي حصلت للإنسان، وتنعدم تلك المراقبة التي حصلت له في الشهر المبارك، ويزول ذلك التوجّه إلى الله وقطع التعلّق عمّا سواه. ولنسع أن نتذكّر بشكل دائم طوال الليل والنهار ذلك الجانب الذي نشاهده في أنفسنا، ولنجعله حديث النفس مع نفسها، ولا نخرج أنفسنا من ذلك الجوّ. فهذه هي الثمرة التي يمكن لنا أن ننالها من شهر رمضان المبارك.
الانقطاع إلى الله في آية ضرب مثل فاستمعوا له
تقول الآية القرآنيّة التي قرئت بداية الحديث: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓ﴾ وإنّها لآية عجيبة جدًّا وتشير إلى هذه النقطة حيث يقول الله تعالى فيها: أيّها الناس سأضرب لكم مثالاً وأنتم عليكم أن تعرفوا التفاصيل من إجماله وماذا يكمن في الآية من معانٍ وكيف بيّن الله هنا جانب التوحيد ذاك. تقول الآية: ﴿ٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓ﴾ كان بإمكان الله هنا أن يقول ضرب مثل كذا وكذا، ولكنّه لم يفعل ذلك، يريد أن التفتوا، التفتوا إلى نظام التكوين، التفتوا إلى ذلك النظام الذي أنتم جزء منه وذرّة منه، التفتوا إلى جانب الخالقيّة والمخلوقيّة، إلى جانب الآمريّة والمأموريّة! يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فأنا أضرب لكم مثالاً فالتفتوا أنتم بأنفسكم من خلال تمثّل هذه المسألة وتصوّر هذه القضيّة ما هو موقعكم في هذا المقام وماذا يمكن أن تفعلوا في هذا المجال؟
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥ﴾؛ فهؤلاء الذين تدعونهم من دوني وتجعلون قلوبكم متعلّقة بهم دوني وصارت لكم علاقة وأنس بهم دوني وأنتم في هذه الدنيا تسعون للوصول إليهم والانتفاع منهم والانتفاع من الذين تعدّونهم مؤثّرين، فاعلموا من هم هؤلاء وكم لديهم من القدرة والقوّة في هذه الدنيا؟!
ألم نر نحن؟! ألم نر نحن بأعيننا؟! أليس في ذلك عبرة لنا؟! فهؤلاء الذين كانوا يتصوّرون في هذه الدنيا أنّ لهم عمرًا دائمًا وقوّة لا نهاية لها وأنّ الدنيا كلّها تدعمهم وجميع الدول والشعوب تحميهم أرأيتم إلى أين وصلوا؟! أرأيتم إلى في أيّ يوم سقطوا؟! أرأيتم الذين لم يكن يخطر في بالنا أنّه يصيبهم يومًا ما هذا الأمر ويتصوّر لهم نهاية ـ فمتى كنّا نتصوّر ذلك؟! رأينا فجأة أنّ التقدير والمشيئة الإلهيّة قد نزلت وقد سيطرت عليهم صاعقة القهر الإلهيّ كأن ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾۱ لم يبق منهم دار ولا ديّار، ولا اسم ولا رسم.
يقول الله: هؤلاء الذين تهتمّون بهم وتتوجّهون إليهم في هذه الدنيا وخلافًا لفطرتكم التي فطرتكم عليها من الارتباط بذاتي وجعلتها في تعلّقكم، فأوكلتم هذا الشرف إلى الأغيار وأوكلتم هذه المسألة الحيويّة إلى الأجانب وجعلتم هذا القلب الذي هو عرش الرحمن مركبًا للأباعد، هؤلاء لا يقدرون على خلق ذبابة في هذه الدنيا!
فكيف يبيّن الله تعالى هنا أنّ جميع مبدعاتكم ومنسوجاتكم وتصوّراتكم هي هباء منثور؟! فهؤلاء الذين تهتمّون بهم وتتوجّهون إليهم في هذه الدنيا وتعتمدون عليهم تتصوّرون أنّ بإمكانهم أن يفعلوا شيئًا، وأنّ بإمكانهم أن يفعلوا لكم شيئًا في مقابل التقدير والمشيئة الإلهيّين، من الشريك والجار وما فوق ذلك وكلّ إنسان في هذه الدنيا، فالذي التفتّم إليه في هذه الدنيا وفتحتم له حسابًا فيها وأزحتموني أنا جانبًا أو قلّلتم من الاهتمام بي ـ فلا فرق بين الأمرين، هؤلاء ليس لديهم قدرة على خلق ذبابة، ومع ذلك أنتم نحّيتموني جانبًا واتّبعتموهم؟!
﴿وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥ﴾ لو أنّهم جميعًا اجتمعوا وأعملوا جميع قدراتهم ووسائلهم وآلاتهم للوصول إلى هذا الهدف لما أمكنهم أن يخلقوا ذبابًا!
وأعظم من ذلك أنّهم ﴿وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ﴾ فلنترك أمر الخلق، لو أنّ هذا الذباب أخذ شيئًا ومضى، لما أمكنهم أن يستعيدوه ويحصلوا عليه من جديد! لو أنّ الذباب أخذ منهم شيئًا لما أمكنهم أن يلحقوا به ويأخذوه منه! فأين وجّهتم فكركم أنتم؟ ﴿ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ﴾، فيا من يبحث عن الغير أنت نفسك في منتهى درجات الضعف والمسكنة والخسران والنكبة وسوء العاقبة، وكذلك الذين تطلبهم! أظننت أنّهم يقومون لك بشيء؟! أظننت أنّهم يسكّنون لك ألمًا؟! أظننت أنّهم يمكن أن يكونوا مؤثّرين؟! ﴿ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ﴾.
لماذا يجب أن يكون الله وحده في القلب؟
حقًّا إنّها لآية عجيبة يقول الله تعالى إنّ المؤثّر الأوحد في عالم الوجود هو أنا، كلّ التأثير وكلّ السببيّة في عالم الوجود هي لله، فأمر كلّ هذه يرجع إلى جميع الأشياء، لا إلى بعض الطرق فحسب، أي إنّ حيثيّة عالم الوجود قائمة على أساس اقتدار الله المتعال. وذلك القلب الذي جعله الله لنفسه ولا يجيز لغيره الدخول إليه قمنا نحن بتقطيعه إربًا إربًا، وفتحنا باب هذا القلب أمام الغرباء والأغيار وأدخلناهم إليه، وحينها ماذا ستكون النتيجة؟ إذا جاء هؤلاء إلى هذا القلب واختاروا السكنى فيه، وإذا جاءت تلك التعلّقات، وجاءت تلك العلاقات، وإذا جاء الالتفات إلى هذا وذاك، وإذا جاء تأثير هذا وذاك، وأخذ الذهن نحو أمور الدنيا وحصلت هذه الأمور فإنّ الله سيخرج من هذا القلب طبعًا، ولن يبق له موضع فيه. لذلك فإنّكم إذا كلّمتم هؤلاء الناس رأيتم أنّ كامل كلامهم في أمور الدنيا وفي العلاقات: سأرى فلانًا، سأراه ليرفع هذه المشكلة، لأقم بهذا العمل! لا يذكرون اسم الله أصلاً، ولو ذكروا اسمه فبغير التفات ويواجه بقلّة المبالاة والسخرية، وإن لم يكن هناك سخرية في الظاهر، ولكن في القلب لم يعط لهذا الأمر أيّة قيمة. وذلك لأنّه أدخل إلى هذا القلب البقر والحمير بدلًا من الله، وقد بدّلت هذه الأبقار والحمير هذا القلب إلى مزرعة بدلاً من أن يكون قلبًا. والله ليس له مكان في المزرعة، الله له مكان في القلب. قلبُ المؤمنِ عرشُ الرّحمٰن.۱ لذا قال:
... | *** | رو که در یک دل نمیگنجد دو دوست |
اذهب فإنّه ما جعل الله في قلب من حبيبين.
إمّا أن يؤتى بالتعلّق بالله، أو ينحّى جانبًا. ولذلك لا بدّ من الاهتمام بهذا الأمر والالتفات إليه وأنّه إلى أيّ درجة استفيد من الفطرة الإلهيّة التي هي وسيلة للالتفات إلى المبدأ؟ وكم استعملت؟ وكم انتفع بها؟!
تساوي الناس في فطرة العبوديّة
إنّ جميع الناس متساوون من حيث وجود هذه الوديعة الإلهيّة والفطرة التي هي وسيلة للالتفات إلى المبدأ ووسيلة وواسطة لتزكية القلب والنفس وتطهيرهما، تقول الآية الشريفة:
﴿أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ، وَأَنِ ٱعۡبُدُونِي هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ﴾.۱
ألم أعقد بيني وبينك يا بن آدم عهدًا وعقدًا أن لا تعبد الشيطان؟ وأن لا تتّبع وساوس الشيطان؟! وأن لا تسير خلف تسويلاته وتبتعد عنّي تبعًا لذلك؟!
متى كان هذا العهد؟ متى يمكننا أن نستذكر هذا العهد؟ متى تحقّق هذا العهد في وجودنا؟ إنّه الأمر الذي يسمّيه بعهد التوحيد في الآية الشريفة:
﴿وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡ قَالُواْ بَلَىٰ﴾.٢
عند الفطرة والخلق وتكوّن روحك منّي حيث تحقّق في الواقع مقام ﴿وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ في تلك المرحلة حيث روحي وذاتي التي هي عين التوحيد وعين التجرّد المحض، عند ظهور النفس والروح من ذاتي تحقّق ذلك العهد هناك، حيث عاهدتك أن: بما أنّك أنت من مبدئي وذاتي قد نشأت وخرجت من حقيقتي، فلا يتعلّقنّ قلبك ولا تتعلّقنّ أنت بغيري ولا تجعل أحدًا بديلاً عنّي فإنّي ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾؛ ألست أنا إلهك، ألست ربّك ومالك اختيارك؟!
ألم يكن هذا العهد؟! الآن شاهده في وجودك، ألا تراه؟ هذه هي الفطرة التي أودعها الله المتعال فينا، إنّها العهد الذي أخذ منّا في عالم ﴿أَلَسْتُ﴾ والذي يقول عنه أمير المؤمنين عليه السلام: وَ اصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ، أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ وَ اجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَ اقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ؛ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ وَ يُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ. ٣
فعندما رأى الله أنّ الناس قد نسوا العهد وتركوا حقّ الجوار جانبًا، أرسل الأنبياء لينبّهوهم ويذكّروهم منسيّ نعمته التي هي حقيقة التوحيد والتعلّق بذلك المبدأ الحيّ، وذلك من خلال التعاليم والأحكام والتكاليف.
لذلك فإنّنا نشاهد ونرى هذا الأمر في نفوسنا، وجميع الناس يرونه، حتّى الكافر يشاهد هذا العهد. فعندما يكذب يظهر الندم في وجوده، فهذا هو العهد، عندما يخطئ يخجل بينه وبين نفسه، عندما يتنحّى جانبًا ويصمت ويغرق في الفكر يلوم نفسه، هذا هو العهد. الكافر نفسه عندما يظلم آخر يخجل، فهذا هو العهد. هؤلاء الذين جاؤوا إلى كربلاء وقتلوا ابن رسول الله ألم يندموا بعد ذلك؟! لو لم يكن هذا العهد موجودًا فيهم لما خجلوا، ولو أنّ هذه الفطرة قد قطعت لما خجلوا. فلماذا هذا الخجل؟ ولماذا تأنيب الضمير هذا؟ فهذا التأنيب وهذا الندم وإظهار التأسّف للانحراف عن الطريق وانحراف الفطرة هو بسبب العهد الذي عقده الله معنا.
لذلك يقول في سورة يس: ﴿أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ﴾ إذا رجعتم إلى أنفسكم ألا ترون هذا العهد في وجودكم؟! ثمّ بعد ذلك تعبدون الأصنام؟! ثمّ بعد ذلك تشرك؟! ثمّ بعد ذلك تنحّونني جانبًا؟! أنتم لا تحتاجون أن أرسل إليكم نبيًّا، في مرحلة الظاهر وفي المرحلة الابتدائيّة راجعوا أنفسكم تدركون أنّكم بعيدون أم قريبون، تدركون هل أنّكم في صراط ذلك العهد تعيشون أم تمضون دهركم في الخداع والكذب؟ بالحيلة والمكر وخداع الناس تقضون أيّامكم، بالظلم والعدوان وبأيّ شكل وأيّ طريقة تقضون حياتكم؟ أنتم بأنفسكم يمكنكم أن تدركوا هل أنتم الآن تخطون في ذلك الصراط وفي ذلك المسير الذي استقرّ فيه عهدي أم في غيره؟ فهذا لا يحتاج إلى دليل وبيّنة وشاهد، كلّ إنسان يراجع نفسه في أيّ مسير وفي أيّ طريق يسير؟ نعم الأنبياء والأعاظم والأولياء يأتون ويعلّمون الناس طريق إيصال ذلك العهد إلى الفعليّة ويأخذون بيد الإنسان. ولكنّ الإنسان لا يحتاج بالنسبة إلى هذا الأمر إلى نبيّ وإمام، الإنسان يدرك هل الكذب صحيح أم الصدق صحيح؟ أيّهما صحيح؟ ما أيّدته الفطرة هو الصحيح.
معيار تحديد الحسن والقبح في عمل الإنسان
لذلك قالوا ـ ويبدو أنّ هذا الأمر منقول في سنن الدارمي ـ أنّ رجلاً جاء إلى رسول الله وكان جالسًا في مسجد المدينة، فقال له النبيّ: جئتَ تسألُ عن البرِّ والإثمِ ؟
قال: نعم.
فقال: استفتِ قلبكَ: البرُّ ما اطمأنتْ إليهِ النفسُ، واطمأنَّ إليهِ القلبُ، والإثمُ ما حاكَ في النفسِ وتردّدَ في الصدرِ، وإن أفتاكَ الناسُ وأفتوكَ. ۱
يا لها من رواية عجيبة! رغم أنّ هذه الرواية وردت في كتب أهل السنّة٢، ولكن آثار الصدق واضحة من مضامينها. استفت قلبك دائمًا راجع قلبك لتشخيص البرّ ولتشخيص العمل الصالح. عندما تظلم، عندما تصفع أحدًا بغير حقّ راجع قلبك، لو كان ابنك هل كنت ستضربه أيضًا؟! عندما تكذب كذبة راجع قلبك، لو كان مقابلك من أقاربك وكان يضرّه ذلك فهل كنت ستكذب أيضًا؟! راجع قلبك ألا ترى فيه كدورة الذنب؟! راجع قلبك هل ترى فيه نورانيّة الحقّ والصواب والعمل الصالح؟! الأمر سهل جدًّا. استفت قلبك النبيّ لا يقول: قم من الصباح حتّى المساء وتعال إلى مسجد المدينة واسألني دائمًا، ودائمًا استهلك وقتي، دائمًا قل لي: هل أقوم بهذا العمل وهل أقوم بذاك؟ فهنا لا أنا لديّ وقت ولا حياتي الاجتماعيّة تقتضي أن تفعل ذلك! فقد أعطاك الله قلبًا، أعطاك الله ذهنًا وأعطاك شعورًا، كيف تستعمل هذا الشعور جيّدًا في الأعمال الأخرى ولكن في هذا الأمور إذا حدثت [لا تستعمله] فهل تريد دائمًا أن تقوم وتسأل؟! استفت قلبك خذ الفتوى من قلبك واطلب الفتوى منه وانظر ماذا يحكم وبماذا ينصح وأيّ طريق يقترح.
ثمّ بعد ذلك يزيد النبيّ توضيحًا: اَلبِرُّ مَا اطْمَأنَّتْ إلیهِ النَّفْسُ وَ اطْمَأنَّ إلیهِ القَلبُ البرّ هو الشيء الذي يقع في ا لقلب ويستقرّ لا أنّه يأتي ويذهب. إذا قلت صدقًا ولو كان في ضررك فإنّك تشعر بالهدوء، وإذا نظرت دائمًا إلى هذا الأمر تقول: لقد قمت بعمل صحيح. عندما نقوم بعمل صحيح فإنّ لهذا العمل وتلك النيّة استقرارًا في القلب، وليس بالذي يأتي ويمضي، وليس بالذي يُنسى في وقت ويُذكر في آخر، بل نشعر أنّه عجن مع وجودنا وتركّب معه.
وَ اطمَأنَّتْ إلیهِ النَّفسُ إذا قمنا به اطمأنّ بالنا وكنّا مطمئنّين. فلو سألَنا أحدٌ لماذا قمنا به؟ نقول: هذا هو السبب، وهذه هي البيّنة وهذه هي العلّة. فاطمئنان النفس في عمل البرّ هذا واضح بشكل كامل ونسير بثقة ولا نطأطئ رؤوسنا خجلاً ولا نخجل من الناس، نظهر أنفسنا أمام الناس ونشعر بالفخر الكامل بهذا العمل الذي قمنا به وبالمباهاة، فهذا هو البرّ. اَلبِرُّ ما اطمَأنَّتْ إلیهِ النَّفسُ و اطْمَأنَّ إلیهِ القَلبُ.
و الْإثمُ ما حاك فی النَّفسِ و تَرَدَّدَ فی الصَّدرِ ففي مقابل البرّ الإثم وهو ذاك الشيء الذي يدخل القلب ولا استقرار له، وعلى الإنسان أن يبحث عنه دائمًا ويأخذه، لا يشعر أنّه عجن مع وجوده، فإذا قال كذبًا يشعر دائمًا أنّه يريد أن يفرّ منه، دائمًا يريد أن يفرّ من ذلك العمل، دائمًا يريد أن ينسى ذلك العمل، لا يريد أن يتابعه، لا يريد أن يستمرّ عليه، ولا يشعر به بالفخر والمباهاة أمام الناس. لأنّه قال كذبًا وباطلاً ومكر ونافق لذلك يريد دائمًا أن يبعد هذا الأمر عن نفسه، لأنّ وجوده مع وجود النفاق شيئان اثنان. هذا القلب قلب خلقه الله لنفسه، فلماذا أدخلت إليه النفاق؟! ليس لهذا القلب مجانسة وسنخيّة مع ذلك، إذا أريد زرع عضو في البدن كالكلية مثلاً فإنّ البدن يرفضها ويردّها ولا يقبلها، ففئة الدم لا تتوافق، هذه الخليّة لا تتجانس، فلذلك هي ترفض هذا الزرع. وقلبنا يرفض الكذب ولا يقبله ولا يجعله فيه، لذلك نريد أن نفرّ من هذا الكذب على الدوام، ولا نريد أن يأتي أحد بذكر هذا الكذب وأنّك يا فلان كذبت هذه الكذبة في العام الماضي، نقول: لا تأت على ذكرها أصلاً! لا نريد بعد الآن [أن نسمع بها]، أمّا لو فعلنا خيرًا فمهما كرّروا ذكره ازداد أنسنا وسرورنا وتلذّذنا. وذلك لأنّ للقلب تجانسًا مع العمل الصالح وهو يقبله. وأمّا العمل الباطل، ذلك النفاق ذلك المكر، ذلك الظلم وذلك التجاوز وتلك الجناية فإنّها لا تنسجم مع القلب ولا سنخيّة بينها وبين عرش الرحمن هذا، ولذلك عندما نفعل ذلك نرغب بالفرار، لقد قمنا بعمل وارتكبنا خطأ ولكن نريد أن نفرّ، لا يذكره أحد بعد الآن، لا يتكلّم عنه أحد بعد الآن، ولا يذكّر به أحد ولا ولا... هذا كلّه لأنّه ليس فيه مجانسة وسنخيّة.
وتردّد في الصدر لا يستقرّ، له تردّد، دائمًا يأتي ويذهب، لا طمأنينة للإنسان عندما يقوم به.
كيف نستفيد من القلب لاستباط الأحكام والمباني؟
هذه الرواية عجيبة جدًّا ويمكن أن تكون واحدة من الأصول الموضوعة لاستنباط الأحكام والمباني وأنّه كيف يحدّد الإنسان ما إن كان هذا العمل مقرّبًا إلى الله أم مبعّدًا؟ يعرض الإنسان هذا العمل على نفسه، يفكّر به، طهّر قلبك ممّا سوى الله، ثمّ فكّر في هذا العمل وانظر ما هو موقف نفسك وقلبك منه. حينها يسطع النور الإلهيّ وتتّضح كدورة ونورانيّة هذا العمل للإنسان. لذلك يرى الإنسان في كثير من الموارد أنّه يواجه بعض الأحكام التي مهما راجع قلبه وجد أنّه لا يقبلها، لأنّ الحكم باطل وخاطئ، ومهما قصد من الناس فإنّ قلبه لا يقبل! وهنا إذا ما قوّى الإنسان هذا التوجّه ووهب هذا الأمر المزيد من التجرّد، فإنّه يصل شيئًا فشيئًا إلى مراتب بحيث يمكنه أن يعثر في نفسه على تلك الملاكات وتلك المناطات وتلك المرتبة من جعل علل الأحكام، ويقدّم نظره في الأمر.
رحم الله الحاجّ هادي الأبهريّ وغفر له، لقد طرأ هنا ذكر اسمه ولا شكّ أنّ له نصيبًا في أن يذكره الأصدقاء والمؤمنون، فقد كان رجلاً ذا ضمير شديد النورانيّة، وقد سمعت بنفسي من المرحوم الوالد رضوان الله عليه أنّ آية الله الميلاني رحمه الله كان يقول:
عندما كانت تبرز بعض المشاكل لدي في كيفيّة الفتوى وبعض الأحكام كنت أتحدّث إلى الحاج هادي الأبهريّ، ونظر الحاج هادي الأبهريّ هذا حجّة بالنسبة إليّ.
آية الله السيّد محمّد هادي الميلاني مرجع التقليد الكبير الذي كان المرحوم الوالد يقول عنه: لم أكن أرجع أحدًا بعد السيّد عبد الهادي الشيرازي رحمه الله إلا إلى آية الله الميلاني دون غيره.
فقد كان رجلاً عظيمًا وكانت له علاقات مع المرحوم الوالد، وكان من الذين كانت لهم مشاركة في المساعي مع آية الله الخميني رحمه الله والمرحوم الوالد والعلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه في موضوع الثورة الإسلاميّة في إيران في بداية أمرها. ۱وقد سمعت بنفسي من المرحوم الوالد أنّه كان يقول: لقد صار في أواخر عمره ذا انقطاع جيّد وخرج من الدنيا على حال انقطاع.
لقد كان رجلاً عظيمًا جدًّا وصاحب نفس وصاحب نفَس. فانظروا إنّه مرجع تقليد وليس إنسانًا متعارفًا من عوامّ الناس مثلاً بل هو مرجع تقليد وصاحب رسالة عمليّة، كما أنّه رجل عظيم يصرّح جميع العلماء والفقهاء بفضله وأولويّته، فكيف يعترف هنا بأنّني في بعض المشاكل والمسائل الاجتماعيّة وحتّى الأحكام والفتاوى إذا أصبت بشبهة وترديد أتحدّث مع الحاج هادي الأبهريّ.۱
وكان الحاجّ هادي الأبهري خالي الوفاض من علوم الظاهر هذه و... بل حتّى لم يكن يتمكّن من الإمضاء، وكان قد صنع ختمًا لنفسه ووضعه في جيبه حتّى إذا قرؤوا له رسالة أو ما شابه أخرجه وختم به. وحتّى لم يكن يتمكّن من معرفة مقدار الأموال والأوراق النقديّة التي يريدها، وكان يعرفها من لونها وأنّ هذه مثلاً تومان واحد أو تومانان. وقد كان في ذلك الزمان أوراق تومانين وخمس توامين وما شابه أيضًا، فكان يعرفها من لونها لا من الرقم المكتوب عليها. ولكن كان قلبه بنحو يمكّنه من معرفة نورانيّة الأحكام وكدورتها. وكان المرحوم الميلاني يسأله أن يا حاج من أين تدرك أنّ هذا الحكم صحيح؟ فكان يقول:
عندما أنظر أرى أنّ هذه المسألة لها نورانيّة وخلافها له ظلمة؛ لذا فإنّ قلبي يلتفت إلى هذه الناحية ويتنحّى عن تلك.
وكان يقول:
لم يحدث في مورد من الموارد أنّي شاورت هذا الرجل العظيم ثمّ ثبت لي خلاف كلامه.
فهذا كلام من؟ إنّه كلام أحد مراجع التقليد، وهو مرجع بمستوى الميلاني الذي لا ندري هل سيأتي الدهر بمثله؟! هيهات.
ما هو المعيار في إصابة الناس للحقّ؟
لذا يقول الإمام الصادق عليه السلام:
تَجِدُ الرَّجُلَ لا یُخطِئُ بِلامٍ و لا واوٍ خَطیبًا مُصقِعًا وَ لَقَلبُهُ أشَدُّ ظُلمَةً مِنَ اللَّیلِ المُظلِم؛ وَ تَجِدُ الرَّجُلَ لا یَستَطیعُ یُعَبِّرُ عَمّا فی قَلبِهِ بِلِسانِهِ و قَلبُهُ یَزهَرُ کَما یَزهَرُ المِصباح.٢
تجد إنسانًا خطيبًا متكلّمًا يتكلّم بأحسن الكلام، يتحدّث ببلاغة وفصاحة فلا يجعل واوًا مكان فاء ولا فاء مكان واو، ولكنّ قلبه أشدّ ظلمة وكدورة من الليل!
عجيب! نعم هو هكذا وبهذا النحو! فالنورانيّة ليست بالدراسة، النورانيّة ليست بحسن الكلام وارتقاء المنابر! النورانيّة يا عزيزي ليست بصفّ الكلمات بعضها خلف بعض، النورانيّة ليست بجعل العبارات مسجّعة ومقفّاة، إنّها ليست بذلك.
وَ تَجِدُ الرَّجُلَ لا یَستَطیعُ یُعَبِّرُ عَمّا فی قَلبِهِ بِلِسانِهِ و قَلبُهُ یَزهَرُ کَما یَزهَرُ المِصباح تجد الرجل لا يقدر أن يبيّن ما في ضميره، إنّه فاقد للعلم إلى درجة أنّه لا يجد عبارة، لا يتمكّن من بيان نيّته، لا يمكن أن يبيّن، لا يستطيع أن يرجّع الكلمات ويقفّيها كذاك الأوّل، لا يمكنه أن يفعل ذلك، لا قدرة لديه على الكلام، لا علم له، يقول نصف الجملة ويترك نصفها الآخر، ولكن إذا نظرت إلى قلبه فإنّه يلمع كالمصباح.
فأيّهما هو المتقدّم الآن؟! أيّهما مقرّب أكثر من الآخر؟! أيّهما حفظ عهد الله؟ أيّ منهما لبّى نداء الله؟! عند الفراق وعندما نلبّي نداء ملك الموت من الذي سيكون شقيًّا ومن الذي سيكون سعيدًا؟! هل ذلك الذي يقضي عمره وراء الكلام والجمل المنمّقة والمرتّبة ثمّ يرتكب ألف خطأ ويطرحه باسم الله والرسول هو سعيد؟!
الالتفات المحض إلى صاحب الزمان هو طريق نجاة الإنسان وعلامة الظهور
لذا علينا أن نهتمّ بهذا الأمر، إنّه مهمّ جدًّا، وهو أن يكون الالتفات إلى ذاك الاتّجاه فحسب، وإخراج القلب ممّا سوى الله، فما لم نخلّص القلب ممّا سوى الله فلن يأتي الله ووليّ الله إلى هذا القلب. ما لم يتخلّ القلب من غير الله لن يتحلّى بوجود الولاية. ولا بدّ من تحقيق ذلك. وما لم يصل الإنسان إلى هذه الحالة لا يمكن أن ينتظر زمان ظهور الإمام. فما الفرق بين هذا الزمان والأزمان السابقة؟! إن كان من المقرّر أن لا يكون لدينا استعداد لإدراك ذلك الظهور فلماذا لم يظهر الإمام قبل ألف سنة؟! إن كان من المقرّر أن لا يستعدّ الناس لجعل إرادة ذلك العظيم بدلاً من إرادتهم فلماذا غاب أصلاً؟!
وبحمد الله يبدو أنّ هذا الأمر بدأ يتحقّق شيئًا فشيئًا. هذا الالتفات وتنحية ما سوى الله جانبًا ويقع الآن تصحيح التعلّق بما سوى الله وبالذين كنّا نجعلهم ـ خيالاً وتصوّرًا ـ مكان الله ومكان الموالين له وأوليائه، وهذا الأمر يتنحّى جانبًا لصالح كيفيّة الارتباط بمبدأ الوجود وبوليّه الإمام بقيّة الله الأعظم الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، والأمر يسير في ذاك الاتّجاه، اهتمام الناس والتفاتهم إلى ذلك الإمام يزداد، ويبرز ويتحقّق قطع علاقة الناس بغيره. وبدأت تتغيّر تلك التصوّرات التي كانت حول بعض الأمور لسنوات بل لعشرات السنين، ويتحقّق الآن تصحيح لذلك الالتفات والتوقّعات التي كانت في زمان كان الإنسان يبني حياته عليها، وبحمد الله يجري الآن تحقّق آثار ما يلزم لحضور ذلك الإمام. فقد فهم الناس أو أنّهم بدأوا يفهمون أنّه يجب أن تكون أذهاننا وقلوبنا وجميع شراشر وجودنا متوجّهة فقط وفقط وفقط وفقط وفقط إلى نقطة الحياة تلك، وإلى نقطة الوجود تلك، وإلى محور عالم التكوين ذاك، الإمام محمّد بن الحسن العسكريّ الحجّة ابن الحسن، ويجب أن تكون هذه الحقيقة وحدها في القلب وأن تجعل الحياة على هذا الأساس وأن تنظّم الأمور على هذا الأساس.
إنّ ذلك الزمان الذي كان يقول الأعاظم عنه أنّه يجب التوجّه فيه فقط وفقط إلى الإمام بدأ بالظهور شيئًا فشيئًا. وتلك الكلمات التي كان يقولها أولياء الله قبل سنوات طوال حول الأمور بدأ يتّضح صوابها شيئًا فشيئًا للناس. وما كان تصوّره وتصديقه صعبًا بالنسبة إلى كثير من الناس صار اليوم يتحقّق بسهولة. أليس كلّ ذلك آثارًا وعلامات للظهور؟! بلى لا بدّ أن تكون كذلك.
لذا وكما تقول الآية القرآنيّة: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥ﴾؛۱ الذين كنتم حتّى الآن تظنّونهم مؤثّرين، وكنتم تظنّون أنّهم يفعلون شيئًا ما، وكنتم تظنّون أنّ مدار العالم يدور حول محور إرادتهم ومشيئتهم، كنتم تظنّون أنّ الدين والدنيا يدبّران بأيديهم هؤلاء ﴿لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥ﴾، ﴿ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ﴾! فلا بدّ من تصحيح هذا الأمر، لا بدّ من الإصلاح لذلك، لا بدّ من التغيير والتبديل، على الجميع أن يعلموا أنّه فقط الوجود المقدّس لذلك الإمام هو الوحيد الذي يروي العطاشى، ويخرج الجائعين من جوعهم، ويوصل الحيارى والوالهين إلى منبع النجاة، هؤلاء الذين لم يستطيعوا في هذه الدنيا ـ التي ينادي كلّ من فيها وانفساه ـ أن يصلوا بالطريق إلى موضع ما، ولا يمكنهم في التشكيك وفي الشبهات أن يختاروا طريقًا معيّنًا ومسيرًا فيه صلاحهم، هؤلاء لا يهديهم إلا الإمام وحده. وبشارة هذا الأمر صارت واضحة، ومقدّمة هذا الأمر بدأت بالظهور بين شعوب الدنيا وأنّ الدنيا تصل إلى نهايتها، والناس حيارى لا يتمكّنون من حلّ مشكلة من مشاكلهم وكلّ يوم يضاف إليها مشكلة جديدة.
عيد الفطر هو عيد التوجّه إلى إمام الزمان عليه السلام
اليوم يوم عيد، ويوم شكر على هذه الضيافة الإلهيّة، على تصفية النفس وتزكيتها التي تحقّقت في هذه المدّة، ومن جهة أخرى اليوم يوم جمعة أيضًا وهو خاصّ بإمام الزمان عليه السلام، وحتّى لو لم يكن يوم جمعة فإنّ يوم عيد الفطر مرتبط بإمام الزمان عليه السلام، وعلى الجميع أن يتوجّهوا إليه ويسوقوا أذهانهم نحوه، ويطلبوا منه أن يرفع الله موانع الظهور، وأن يوجّه القلوب نحو ذاك الاتّجاه. هذه هي الحقيقة. لذلك كان الأعاظم يوصون أنّه يجب في هذا اليوم الدعاء لسلامة ذلك الإمام ويجب الصدقة لأجل ذلك. فماذا على الشيعة أن يفعلوا إذن؟ فماذا يجب أن يفعل الذين يدّعون اتّباعه ومتابعته ويعدّون أنفسهم شيعة له؟ عليهم أن يقوموا بهذه الأعمال. لا يتأتّى منّا عمل آخر. عملنا هو الدعاء لسلامة هذا الوجود الرحيم وهذا الوجود المطهّر الذي هو عصارة عالم الوجود وواسطة فيض الله.
لذلك فإنّ أفضل دعاء اليوم هو الدعاء لظهور ذلك الإمام والتعجيل في فرجه:
اللهمّ إنّا نَرغَبُ إليك فی دَولَةٍ کَریمَةٍ تُعِزُّ بِها الإسلامَ و أهلَهُ، و تُذِلُّ بِها النِّفاقَ و أهلَهُ، و تَجعَلُنا فیها مِنَ الدُّعاةِ إلی طاعَتِك و القادَةِ إلی سَبیلِك و تَرزُقُنا بِها کَرامَةَ الدُّنیا و الآخِرَةِ!۱
ولتعجيل ظهور الإمام ورفع البلاء عن جميع المسلمين وخصوصًا شيعة أمير المؤمنين عليه السلام صلّوا على محمّد وآله ثلاثًا.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.