المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالخسران و بطلان العمر
التاريخ 1426/10/23
التوضيح
هو العليم
ما هو العلاج لانقضاء العمر باطلاً وشرح (ولا يدع أيّامه باطلاً)
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٢٤
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على نبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
الفهم والشعور بالحاجة الشرط الأوّل لعلاج انقضاء العمر باطلاً
يقول الإمام الصادق عليه السلام في حديث عنوان البصريّ الشريف: ولا يدع أيّامه باطلاً تقدّم للرفقاء بعض الكلام حول هذه الفقرة ٍالشريفة، ويبدو أنّنا وصلنا حسب ما تفيدني ذاكرتي إلى أنّ الإنسان عليه أن يحصّل شيئًا مقابل عمره ووقته الذي رزقه الله، ولا يمكن لشيءٍ أن يكون مقابلاً لهذا الوقت وهذا العمر إلا ما يُرضي الله.
كما أنّ الأعاظم أكّدوا على هذا الأمر وأنّه يرجع إلى مستوى فهم الإنسان وحاجته، وقد ذكرنا في الجلسات السابقة أنّ من لا فهم له لا يشعر بالحاجة، فنحن نحتاج إلى الطعام عندما نلتفت إلى الجوع والضعف في أنفسنا، فلو فرضنا أنّ الإنسان بتناوله لبعض الأدوية أو لكونه في بعض الحالات السارّة أو الأليمة قد يحدث أن لا يشعر أبدًا بالجوع وينساه وينسى حاجات الجسد، فالذين يصابون بمصيبةٍ يفاجؤون بأنّهم لم يتناولوا شيئًا منذ أربعٍ وعشرين ساعةٍ، وينحفون دون أن يشعروا بالجوع لأنّ هذه الترشّحات التي تسبّب بإثارة المعدة من الدماغ، هذه الترشّحات تنقطع، فلا تشعر المعدة بعد ذلك بالجوع، وهناك أيضًا عكس ذلك، أو بسبب الاستفادة من بعض الأدوية يزول اشتهاء الإنسان فيضعف دون أن يلتفت من أين جاء هذا الضعف؟ وفجأةً يفعل هذا الضعف فعله في الإنسان.
فمن لا إحساس له بأمرٍ ما ولا علم، لن يشعر بالحاجة إليه طبعًا، والذين في هذه الدنيا كلّ واحدٍ منهم في طريقه ولا أحد يلتفت إلى أمور الآخرة والتكامل، فهم مبتلون بهذه المشكلة، مشكلة عدم الإحساس بالمشكلة والجهل.
لا دواء لداء الجهل
كان المرحوم العلامة يقول أكبر مشكلة هي مشكلة الجهل، جميع المشكلات لها حلول وأدوية وعلاجات ولكن هذا لا علاج له، فمثلاً يتناول الإنسان بضعة أقراصٍ لإزالة الجهل، كلاّ ليس الأمر كذلك، ولا سمح الله أن يكون هذا الجهل جهلاً مركّبًا وعن عناد وأن يتعمّد الإنسان أن يفرض على نفسه الجهل، فهذا أيضًا موجودٌ، يريدون أن يقولوا للإنسان أمرًا ما فيقول: أصلاً أنا لا أريد أن أسمع هذا الكلام. يقولون: تفضّل إلى هذه الجلسة واستمع إلى كلمتين. يقول: أنا لا أريد أن آتي إلى هذه الجلسة من الأساس. يقولون: ربّما يتغيّر رأيك. يقول: أنا من الأساس لا أريد أن يتغيّر رأيي. فهذا فرضٌ للجهل، أي يلقي الإنسان بحجابٍ على فكره وضميره وفطرته ويحقن نفسه بالجهل بيده، فهذا أصعب الآلام والمشكلات وكما ذكرت للرفقاء فهناك مثلٌ يُضرب فيقال: يمكن إيقاظ النائم ولكن لا يمكن إيقاظ من يتظاهر بالنوم، فيمكنك أن توقظ النائم بحركتين أو بكلامٍ فيقوم ومهما كان نومه ثقيلاً فإنّه ليس غائبًا عن الوعي وفي النهاية يقوم، ولكن لا قدّر الله أن يتظاهر الإنسان بالنوم والتظاهر بالنوم يعني أنّه يعطّل جميع إمكاناته واستعداداته الوجودية ويضع عليها حجابًا، ويحرم نفسه من الوصول إلى تلك النعمة الإلهيّة فهذا هو البطلان، هذا هو البطلان. فإذن ما نحتاجه بدايةً كشرطٍ للشعور بالحاجة هو الفهم.
لقد كان المرحوم العلامة يؤكّد كثيرًا على مطالعة كتبه لأجل الوصول إلى هذه الحقائق، وذلك لهذا السبب، ففي كتبه تلك المطالب التي تسبّب بتفتّح الاستعدادات المجهولة والتي كانت مختفيةً عنّا واحدةً تلو الأخرى، وأن تتّضح تلك القدرات التي أودعها الله فينا لأجل الوصول إلى التجرّد، لم يقل أحدٌ أنّ بإمكان الإنسان أن يصل إلى مقامٍ يكون فيه مشابهًا ومساويًا لمقام الإمام عليه السلام، ما إن يقال هذا الكلام حتى يُقال: أين نحن وأين الإمام؟! كيف يمكن أن نصل إلى هذه الأمور؟! كيف؟! ولكنّكم ترون أنّ أولياء الله يحقّقون هذه المسألة بشكلٍ واضحٍ وصريح ويقولون: إنّ الإمام هو إمام الإنسان في أيّ موضعٍ وأيّ مكانٍ كان.
ما قيمة المعجزات والكرامات في شخصيّتي النبيّ والإمام؟
علينا أن لا نتصوّر بحسب تفكيرنا وسعتنا أنّ الإمام عليه السلام [يقوم بأمر مهمّ] إذ يقوم بفعلٍ ما كردّ الشمس وشقّ القمر وأمثال ذلك مما هو بسيطٌ عند أهل الفن، ويقوم به أطفال الكتّاب في المراحل الأولى لهذا الطريق من خلال الإرهاصات وتجلّيات الله في النفس، فيقومون بهذه الأفعال وقد رأيت بنفسي سابقًا أناسًا من هذا النوع، طبعًا لا بهذه الكيفيّة ولكن بطريقةٍ أخرى، قد قاموا بهذه الأمور أمام عينيّ، والحال أنّ هذه الأمور كانت ولا تزال غير جذّابةٍ بالنسبة إليه وهي كالأعمال المعتادة التي يقوم بها عامّة الناس، ولكنّ هذه الأمور مهمّة جدًّا بالنسبة إلى الناس، وبالنسبة إلى أهل المعرفة هناك أمورٌ لا ينالونها أصلاً.
ذكرت يومًا للرفقاء هذه الرواية ولا أذكر متى، وهي أنّ هناك روايةً عن الإمام الصادق عليه السلام تفيد أنّ ما كان النبي سليمان يقوم به أو وزيره... لأنّ النبي سليمان ردّت له الشمس، فلا تظنّوا أنّ هذا مختصٌ بأمير المؤمنين، هذا ذمٌ لأمير المؤمنين وسببٌ للحطّ من شخصيته أنّه ردّ الشمس، فأمير المؤمنين يضحك من هذا الكلام، واقعًا أقول لو نظرنا إلى... ولكن ماذا نصنع إذا كان يجب التحدّث إلى عامّة الناس بهذا النحو، فلو جئنا وقلنا إنّ أمير المؤمنين يحوّل قلبًا وسرًّا وضميرًا وينقله من مرحلة المادّة والتوغّل في الاعتبارات إلى عالم التجرّد فهذا غير واضحٍ لنا من الأساس، فكلمة واحدة من أمير المؤمنين هي أرفع بآلاف المرّات من ردّ الشمس، ما هو ردّ الشمس؟ وقلت لكم أنّي بنفسي رأيت أمثال هذه الأمور طوال حياتي وهي ليست أمرًا مهمًّا.
وهذه الأمور التي تُنقل عن آصف بن برخيا حسب رواية الإمام الصادق أنّه كان يردّ الشمس ويسخّر الرياح، ومادة الوجود كلّها كانت تحت تصرّف آصف وسليمان بواسطة تجلّي الاسم الأعظم لله، كما أنّ ابن سينا قال إنّ من صفات العارف إطاعة مادة عالم الوجود له وأنّ مادة الكائنات تطيعه، وأنّ مادة عالم الوجود كلّها هي تحت تصرف العارف بواسطة ذلك الاتصال، والذي يكون في ذلك الحين مظهرًا لإرادة الله ومشيئته في قلبه.
هل تختلف قدراتنا عن المعجزات؟
فأنا الآن أتكلّم وأنتم تستمعون وتركّزون على كلامي وكلّ هذه الأفعال التي نقوم بها الآن هي بواسطة اتصال نفوسنا بمقام إرادة الله ومشيئته ولا عجب في ذلك. فأنا إذ أتكلّم الآن في هذه الظروف أشعر بمظهر مقام التكليم في نفسي، ولولا هذا المظهر لما أمكنني أن أتكلّم ولكنت هنا كالنائم، وأنتم إذ تستمعون فأنتم مظهر كيفيّة العلم لأنّكم تشعرون في أنفسكم أنّكم تدركون كلامي، وإلا لما فهمتم منه شيئًا، تمامًا كما لو أنّ صينيًّا تكلّم ساعتين مع طفلٍ في الخامسة من عمره فلم يفهم منه شيئًا، فكونكم الآن تفهمون كلامي وتتصوّرونه وتقارنونه بمرتكزاتكم الذهنيّة السابقة وتحدّدون موارد الخطأ والصواب فيه الآن أو لاحقًا عندما تفكّرون فيه كلّ ذلك هو لأنّ المشيئة والإرادة الإلهيّتين قد تعلّقتا في ظهور العلم في وجودكم الآن وذلك من خلال الارتباط الذي حصّلتموه بملكوتكم كنوعٍ إنسانيّ، وإلا لما أدركتم شيئًا، لما أدركتم شيئًا. كونكم تسمعون صوتي الآن فهو لأنّكم صرتم مظهرًا لمقام السمع في {هو السميع العليم}، فلو لم يكن هذا المظهر لما دخل صماخ آذانكم أيّ مقدارٍ من صوتي ولما سمعتم، فهذا الصماخ يتحرّك هكذا ولا يصل منه شيءٌ إلى الدماغ كإنسانٍ أصمّ. وكونكم الآن ترونني ـ التفتوا فأنا أوضّح لكم الأمر تلو الآخر وأنّ أعمالنا في هذه الدنيا هي بواسطة ذلك، فلا نتصوّر أنّ النبيّ حين شقّ القمر قام بأمرٍ غير معتاد، فنحن هنا وفي مرتبتنا هذه ووضعنا هذا في سياق ما قام به أولياء الله في مقامهم من الأعمال غير المعتادة، فنحن أيضًا مثلهم ولا يختلف الأمر ـ كونكم الآن ترونني وأنا أراكم هو بواسطة كوننا مظهرًا لاسم البصير الذي به يُشرف إشرافًا حضوريًّا على الظهورات أو المظاهر، غاية الأمر أنّ البصير في الله له معنى، والله ليس له عينٌ مادّية، وأمّا نحن فلكي نتحقّق بهذا الظهور نحتاج إلى آلاتٍ وأدوات. فقط هذا هو الفرق ولا فرق غيره.
الميكروب الذي يرونه تحت المجهر، لا يخلقه المجهر، عمل المجهر هو فقط رؤية هذا الميكروب الذي لا يمكن رؤيته بهذه العين، وليس له قدرةٌ أخرى، فهو لا يخلق الميكروب، الميكروب موجودٌ وأنتم لا يمكنكم أن تروه بأعينكم هذه، إذا قوّيتم الوسائل والأدوات وهذه هي قدرة المجهر والمكبّر والتلسكوب، فنحن لا يمكننا أن نرى بهذه العين النجوم، وقيمة التلسكوب هي أنّه يوضّح لنا هذه الرؤية، ولا قدرة لديه أكثر من هذا. فإذن علينا أن نلتفت إلى أنّ أعيننا لم تقم بأمرٍ ذي بال، آذاننا لم تقم بأمرٍ ذي بال، ألسنتنا لم تقم بأمرٍ ذي بال، كلّها وسائل لتتحقّق فينا تلك الإرادة والمشيئة الغائبة عن أعيننا والمخفيّة عن قلوبنا والمستورة عن مدركاتنا، فهذا هو دورها لذلك تنظرون أحيانًا في جهةٍ معيّنة ولا يلتفت الذهن إلى الأعمال التي يقوم بها، لماذا لأنّ هذه الآلة قد تعطّلت، ذهنكم متوجّهٌ إلى موضعٍ معيّن يتحدّث معك صديقك فيقول: فيمَ أنت سارحٌ أنا أتكلّم معك ألا تلتفت؟! رغم أنّ ذلك الصوت يدخل في الأذن ويصطدم بطبلتها ويطوي المطرقة ويصل إلى ذلك السائل وتلك الأعصاب ويصل إلى الدماغ أيضًا، ولكن لأنّ الواسطة قد قُطعت وما هي تلك الواسطة؟ هي اتصال النفس بالإرادة والمشيئة التي يجب أن تأتي من عند الله في تلك اللحظة لكي تُدرك أنت، إن لم يحصل فلا شيء تمامًا كالإنسان الأصمّ الذي لا يسمع فلا يُدرك شيئًا. وهذه الطريقة الموجودة عندنا الآن هي بنفسها قابلة للترقية، ترتقي وترتقي حتّى يمكن أن تروا بدون أن تعمل العين، يمكن أن تسمعوا رغم أنّكم صمٌّ، ممكن أن تدركوا دون أن يعمل العصب، متى؟ عندما يقوى هذا الارتباط بين النفس وبين الإرادة والمشيئة الإلهيّتين، فقد كانت هناك أدوية والآن هي موجودة... وكذلك هناك أناسٌ من الناحية الظاهريّة والماديّة يتمتّعون بنظرٍ حادّ جدًّا يمكن أن يكون عشرة من عشرة أو تسعة من عشرة أو ثمانية من عشرة وأعلى درجة للنظر هي عشرة من عشرة ثم يقولون إنّه إذا كان الإنسان شديد النظر فإنّه يكون بدرجة أحد عشر، وأمّا درجة اثني عشر فهي نادرة جدًّا ولكنّها موجودة أيضًا، كما أنّ هناك درجة ثلاثة عشر. قد كان هناك أفرادٌ سابقًا ويمكن أن يكونوا الآن موجودين حتّى أنا بنفسي كان نظري بقوّةٍ لا يملكها أصحاب النظر القويّ فقد كنت أرى الأشياء البعيدة التي لم يكن حتّى أصحاب درجة الأحد عشر يرونها. وهذا بسبب الخصائص الفيزيولوجيّة الموجودة في العين وهذ أمورٌ مألوفة.
ما دور الحواسّ في تحقّق الإدراك؟
نحن يمكننا بواسطة التكامل والرقيّ أن نحذف وساطة هذه المادة من أنفسنا، أيّ إنّ كيفية اتصال نفس الإنسان بالعالم الأعلى وحدها تكفي إلى أن تحصل لديها الأمور التي تحصل بواسطة الحواس ولكن من دونها، وهذا الأمر طويلٌ جدًّا، فكون النفس تستخدم تلك الآلات والوسائل المادية هو أمرٌ، وكونها من الممكن أن تستفيد من هذه الأسباب الخاصّة بنوعٍ معيّنٍ من الإدراك في نوعٍ آخر فهنا العجيب، فالأذن هي للاستماع ولكنّه يرى بأذنه، ويسمع بعينه ويتكلّم بأطراف أصابعه ويُدرك بها ويرى بها، فهذا بحثٌ آخر، وفيه الكثير من الكلام. وطبعًا هناك في هذا العصر شيءٌ يسيرٌ من الكلام حول هذا الأمر.
فالآن النبيّ سليمان أو وزيره ومساعده ومعاونه الذي كان يقوم بجميع هذه الأمور الخارقة فإنّما كان يقوم بها لأنّه مثلنا كان في تلك الحالة مظهرًا لتلك الصفة والاسم الإلهيّ الخاص، غاية الأمر أنّه كان مظهرًا أقوى، كانت قدرته إلى أيّ حدٍّ؟ إلى حدٍّ أنّه يتمكّن من ردّ الشمس، وفي القرآن الكريم آيةٌ حول ذلك. إلى حدٍّ يمكن معه للإنسان أن يشقّ القمر إلى نصفين، ألم يفعل ذلك النبيّ؟ إلى حدٍّ يمكن للإنسان أن يقوم بأمورٍ خارقةٍ للعادة، وهذا في عالم الظاهر أيضًا فقط.
يقول الإمام الصادق عليه السلام هذا العمل الذي كان يقوم به سليمان ووزيره هو بسبب جزءٍ من القوّة التي جعلها الله فيه بواسطة تجلي الاسم الأعظم والتي يُعبّر عنا باسمٍ من اثنين وسبعين اسمًا أو بأسماء أخرى۱، يعني التجلّي الأعظم للّه الذي هو اسم المريد واسم المنشئ ـ يعني هذه هي الجهة العمليّة له ولكنّ ذلك الاسم الأعظم له حالةٌ خاصّة تعبّر عنه بعض الروايات بالحال وفي بعضٍ آخر تعبّر عنه باسمٍ خاصّ ولكنّ المقصود هو ذلك الحال ـ وكما يقول حافظ الشيرازي :
اگر انگشت سليمانى نباشد | *** | چه خاصيت دهد نقش نگيني |
يعني: لولا إصبع سليمان فما الجدوى من خاتمه العقيقيّ.
إنّ حال سليمان هي التي تعطي الأثر لخاتم العقيق ويمكنها أن تسيطر على جميع عالم المادّة والجن بواسطة هذا الخاتم، يظنّ ذلك العفريت أنّه بسرقة هذا الخاتم يمكن أن يقوم بعملٍ ما ـ ولدينا في الروايات وهي قضيةٌ مشهورة ففي يومٍ من الأيّام خرج الخاتم من يد النبي سليمان فأخذه رئيس الجن والرواية تذكر اسمه أيضًا ـ فأخذه وذهب إلى مكانٍ واختفى فيه فقال سليمان لآصف: إنّ خاتمي غير موجود فقال الآن نتحقّق من الأمر، فاستعمل أحد أسماء الله التي جعلها الله في ضميره وفي نفسه ومن تجليّاته، لأنّ تجليّات الله مختلفة ولها صورٌ وأسماءٌ مختلفة، فاستعمل واحدًا منها فلم يقتصر على معرفة المكان الذي اختبأ به بل جاء به من مكانه بالحالة التي هو عليها وأحضره أمامه فرأى النبيّ سليمان أنّ هذا الجنّ باسم الله وهذه السرقة أيضًا باسم الله فحاكمه بسرعة. ولم يطل الأمر عشر سنوات يذهب ويرجع بحيث يندم الإنسان أو تتخذّ المسألة شكلاً آخر، كلاّ.
في زمان إمام الزمان عليه السلام الذي ننتظر جميعًا ظهوره لا وجود لهذه الأمور، حيث يأتي المدّعي ويقف أمام الإمام أو أمام حكّامه الذين يحكمون من قبله في المدن والبلاد فيقول القاضي ماذا تقول؟ ما إن يريد أن يكذب يسودّ وجهه أفيمكن للإنسان بعد ذلك أن يكذب؟ فلا وجود بعد ذلك لسرقة السجلاّت في الليالي بحيث يأتي القاضي صباحًا فلا يجد سجلاً أصلاً أو يعطون رشوةً أو إلى ما شاء الله... ومسائل التزوير وما شابه كلّها لا وجود لها، تفضّل إمّا أن تقول الحق أو لا فمن الذي يكذب؟! تفضّل بكلّ وضوح هذا مالك فخذه، فهل سيكون هناك محاكم في زمانه؟!
كان هناك أحد أقاربنا الأبعدين ينقل للمرحوم العلامة في عهد الشاه حيث كنّا في زيارة أحد الأرحام فقال: عندما كنت في سويسرا آنذاك اختلفت مع جاري الإيراني في أمرٍ فقلت لنذهب إلى المحكمة فذهبنا ومهما بحثنا لم نجد محكمةً وزارة العدل، قصر العدل أين؟! وفي النهاية أرشدونا فرأينا بيتًا من طابقين وكنّا نظنّ أنّنا سنجد ناطحة سحاب من عشرة طبقات فتعجّبنا وقد كُتب على لوحةٍ فوقها محكمة، دخلنا فلم نجد حاجبًا سألنا إلى أين نذهب قالوا اذهبوا إلى الطابق الأعلى هناك غرفةٌ. ووجدنا فيها رجلاً يجلس خلف الطاولة فارغًا. فقلنا له أهنا محكمة؟ قال: نعم تفضّلوا، هل لديكم شيء؟! فقلنا أجبنا أوّلاً أيّ محكمةٍ هذه ليس فيها أكثر من غرفة وخادم؟ فقال: وهذه الطاولة أيضًا وضعناها من أجلكم أنتم الإيرانيين، أمّا أهالي هذه المنطقة فلم يراجعني أحدٌ منهم إلى الآن، فأنا جلست هنا من أجلكم وإلا عليّ أن أمضي إلى عملي، جلست من أجلكم أنتم أيّها الإيرانيون!
وإن شاء الله في زمان الإمام لن يكون هناك إيرانيّون يخادعون الإمام كلاّ بل نأمل أن يأتي الإمام ويخلّص الدنيا كلّها من شرّ الظلم والجور سواءٌ ظلم الجسم أو ظلم الروح، سواء ظلم الظاهر أو ظلم الباطن وينجّي الجميع، وعلى كلّ حال طريق الإمام موجود ودائمًا موجود.
قال النبيّ سليمان أعطني الخاتم، أخرجه فرأى أنّه لا مجال هنا للإخفاء فأخرج الخاتم ووبّخه بعد ذلك، ثم يقول الإمام الصادق إنّ هذا العمل الذي قام به سليمان أو وزيره حيث سيطر على جميع قوى عالم المادة، كان بمقدار واحد من اثنين وسبعين من تلك القوّة التي أعطاها لنا أهل البيت. فإلى أين تصل المسألة؟! لم يكن أمرًا لا يقدرون عليه. لقد كان نبيًّا من أنبياء الله، نبيّ أو وزيره في أيّ مكانة كانا؟! فهل هناك أعظم من ردّ الشمس في عالم الوجود؟! والآية القرآنيّة تصرّح بذلك أيضًا، يقول الإمام الصادق نحن نمتلك أكثر من ذلك باثنين وسبعين ضعفًا من التجلّيات الإلهيّة ومن تجلّي الاسم الأعظم، والإنسان يمكنه أن يصل إلى هذا الأمر، غاية الأمر أنّ عليه أن يخلّص نفسه من مستنقع النفس وخصوصيّاتها وتلك الأمور التي تقيّده، وأن يلتفت وأن لا يتظاهر بالنوم، وأن يدرك أنّه يمكنه أن يصل إلى ذلك والوعد الذي وعدوه وعدٌ حقّ.
فإذن الأمر الأوّل للوصول إلى الكمال هو الفهم والإدراك، وما لم يصل الإنسان إلى حقائقه الوجوديّة فلن يصل إلى ذلك الإكسير والكيمياء الذي وضعه الله فيه، فما لم يُدرك الإنسان بمطالعة كتب الأعاظم الذين قالوا: إنّ هذه الحقائق موجودة ونحن ذهبنا ووصلنا ونخبركم الآن، لا أنّ أيّ إنسانٍ يقرأ شيئًا من كتاب ما وهو لا يدرك ماذا قرأ ولا ماذا يكتب، كلا بل هؤلاء الذين ساروا ووصلوا وينقلون لنا، فإذن الشرط الأوّل الذي ذكرناه للرفقاء هو الفهم.
الهمّة هي الشرط الثاني لتحقيق الكمال وعدم تضييع العمر باطلاً
الشرط الثاني هو الهمة، وبما أنّا أدركنا فماذا علينا أن نصنع؟ وقد تحدّثنا عن ذلك أيضًا وأنّ الإنسان إذا أدرك حقًّا ما وحقيقةً ما فعليه أن لا يخدع نفسه ولا يدسّ رأسه في الرمل، عليه أن لا يلقي بحجابٍ على فهمه وإدراكه، فإذا فعل ذلك فقد خسر وانتهى الأمر. وبما أنّ الأمر هكذا فعلى الإنسان أن يتابع . هذا الوقت الذي أُعطي للإنسان يجب أن يجعله رأس مالٍ وثروةٍ لنفسه، يجب أن يكون لديه همّة، وإن شاء الله سنصل إلى ذلك، علينا أن لا نقصّر في هذا الأمر ونقول: هناك الكثير من الوقت، ينبغي أن لا يؤدّي مرور الليالي والأيّام إلى ضعف همّة الإنسان، إن كان يشعر بالحاجة فلا ينبغي أن يكون بعد المسافة مانعًا، إن كان يشعر بالحاجة فعليه أن ينظّم أوقاته بحيث يلبّي حاجته كما يشعر بها، فالطريق طويلٌ والوقت قليل والانشغالات و... هذه كلّها ذرائع، إمّا أنّ النفس لم تدرك الأمر جيّدًا أو أنّها إن كانت أدركته فإنّ الجواذب الموجودة على جوانب الطريق في الخارج تُضعف من هذه القوّة وتقلّل من حركته، الأمور المحيطة بالإنسان والعلاقات المحيطة بالإنسان، الذهاب والإيّاب، كيفيّة الأمور التي ينشغل بها الإنسان في ليله ونهاره هي بنحوٍ يقلّل من أهميّة الأمر، في حين أنّ أهمّ شيءٍ للإنسان وأكثر الأمور أساسيّةً بالنسبة إليه هي هذه المسألة الحياتيّة.
مهما أردنا أن نلتفت إلى المحيطين بنا والأمور التي من حولنا فإنّها لن تفوق الاهتمام بأنفسنا، إذا عارض أمرٌ ما من الأمور الخارجيّة رعاية الأمور الشخصيّة فأيّهما يقدّم الإنسان؟ فلو مرضت مرضًا شديدًا وقد أخذت موعدًا من الطبيب منذ شهرٍ أو شهرين والآن تريد أن تذهب إليه وفجأةً يُطرق الباب ويأتيك ضيفٌ ويريد أن يراك فهل تقول له: تفضل أم تقول له الآن لديّ موعد لدى الطبيب إن أردت أن تراني فائت في الليل أو غدًا أو في يوم كذا؟ نحن عكسنا الأمر، فرجّحنا العلاقات الخارجة عن وجودنا والتي لا نجني منها سوى إتلاف الوقت على تلك الأمور ذات البعد الحياتي والتأثير على وجودنا وأرواحنا وعلى رقيّنا، فإذا رجّحناها فهذه خسارة وبطلان. يقول الإمام الصادق عليه السلام ولا يدع أيّامه باطلاً، إشارةً إلى هذا الأمر، يعني عليه أن لا يقضي عمره بالبطالة، عليه أن يعلم ما هو الأمر الأساسي بالنسبة إليه وما هو الأمر غير الأساسي وأن يميّز بينهما. عليه أن يقسّم حياته وأوقاته وأن يرتّب أموره وفق الأهمّ والمهم، كم يعطي لهذا الأمر من الوقت وكم يُعطي لذاك؟! رؤية هذا وذاك ألف مرّة لا فائدة منها ومع ذلك نذهب، أمّا زيارة الشاه عبد العظيم مرّةً في الأسبوع أو في الأسبوعين أو على الأقلّ مرّةً في الشهر فلا نذهب إليها، لدينا ألف نوعٍ من اللقاءات مع هذا وذاك ولكن لا نفكّر في يومٍ ما بالذهاب إلى هذه الأماكن المباركة المفيدة لأرواحنا والتي ورد التأكيد عليها كثيرًا وكم هي أساسيّة وكم هي سببٌ في التغيير التكويني! فزيارةٌ واحدة تحفظ الإنسان مدّة أسبوع وتلقّحه وتصونه.
معنى النظر إلى العالم عبادة
زيارة إنسانٍ عالمٍ يذكّركم الجنة وزيارته عبادة۱، لا ذاك الذي يحدّثك عن هذا المكان وذاك والحروب والتحالفات وهذه الأمور التي لا طائل منها والموجودة في كلّ مكان، كلاّ، بل عالمٌ يذكّركم الجنة، ورؤيته عبادةٌ، فما معنى العبادة؟ العبادة تعني أنّ يقوم الإنسان بعملٍ يجعله في مقام العبوديّة والروحانيّة والتقرّب إلى الله ويبعده قليلاً عن التخيّلات والأوهام، هذه هي العبادة.
الصلاة التي تعطي الإنسان هذه الحال هي عبادة، أمّا الصلاة التي هي مجرّد فخٍّ فليست عبادة، الصيام الذي يصومه الإنسان والذي يجعل الإنسان متوجّهًا ويقرّبه من التجرّد ويؤدي جوعه إلى ابتعاد الإنسان شيئًا ما عن الماديّات والاعتبارات هو عبادة. أمّا لو أكل الإنسان عند السحر مقدارًا يُجبر المعدة المسكينة أن تُفرز الأسيد إلى العصر لكي تهضمه فهذا الصيام ليس عبادةً. الصيام الذي يقوم به الإنسان حبًّا بالصيام نفسه... وما ذكرته في الجلسة السابقة علينا أن نلتفت إليه وأنّه كيف علينا أن نحافظ على تلك الحالات التي حصلنا عليها في شهر رمضان وأن لا نفقدها بالخروج منه وأن تبقى وتُحفظ ففي شهر رمضان أكلنا قليلاً وتكلّمنا قليلاً وقلّلنا من العلاقات ولم نخض في أيّ كلام ولم نذهب إلى أيّ مكانٍ بل دقّقنا، فشهر رمضان بنفسه يوجب حساسيّةً عند الإنسان حتّى عند عامّة الناس، فكما أنّ حالة الإحرام تمنع لسان الإنسان من أيّ كلامٍ وتحدّد أفعاله فعندما يُحرم الإنسان تصبح لديه حالة من القلق، غاية الأمر يقولون له في حالة الإحرام يحرم عليك، وهذا المسكين خوفًا من دفع الكفّارة وذبح الفدو وإنفاق المال يسكت. أمّا في شهر رمضان فلديه حالة الإحرام هذه بعينها، غاية الأمر أنّك إذا شتمت فلا كفارة، فالأمر واحدٌ في الحالتين وشهر رمضان شهر إحرامٍ وشهر ضيافة الله ولا بدّ من الذهاب إلى الضيافة بعد المقدّمات، لا بدّ من الذهاب باستعدادٍ وتهيّؤ. افترضوا لو قالوا مثلاً: إنّ من يستغيب في شهر رمضان عليه أن يذبح فدوًا لسكت الجميع كما في حالة الإحرام، ولما سلّم بعضهم على بعضٍ أيضًا حتى لا تحصل الغيبة، فهذه أحاسيس.
كيف نحوّل أعمالنا من حالة الأحاسيس إلى حالة العقلانيّة؟
لقد كنت عازمًا أن أتكلّم اليوم ـ إن شاء الله أوفّق إلى حدٍّ ما وربّما يبقى إلى جلسةٍ أخرى إن شاء الله ـ حول كيفيّة تحويل أعمالنا من حالة الأحاسيس إلى العقلانيّة، فلو لم يكن السباب والغيبة والفحش محرّمًا في حالة الإحرام للحجّ فهل كنّا سنلتزم به تمامًا كما لو كان محرّمًا أو لا؟ إذا وصلنا إلى هذه النقطة بحيث نلتزم من دون أن يكون هناك قانونٌ يضرب فوق رؤوسنا وخوفٌ من العقاب وخوفٌ من عذاب الله، نلتزم بما فيه صلاحٌ وكمالٌ لنا حينها نصبح عقلانيّين، ما يقوله النبيّ لأمير المؤمنين عليه السلام: يا عليّ إذا رأيت الناس يقبلون على بارئهم بأنواع البرّ فأقبل عليه بعقلك تسبقهم.۱ عندما ترى الناس يتقرّبون إلى الله بكثرة أعمالهم، يظنّون أنّهم بكثرة صلاتهم وصيامهم وتلاوتهم للقرآن يمكنهم أن يصلوا إلى الله، فتقرّب إليه أنت بعقلك واجعل عقلك حاكمًا تسبقهم، فما هو هذا السبق، إنّه هذا المعنى، يعني أن يشعر الإنسان أنّه ليس حال الإحرام فقط يسبّب له حرمةً وتكليفًا وكفارة، وأنّ الصيام لا يختلف عنده عن حالة الإحرام، وأنّ الأوقات الأخرى لا تختلف عنده عن حال الإحرام والصيام، فهذا هو السلوك العقلاني، لا أن تتركوا في السلوك العقلاني كلّ شيء جانبًا، كلا، ففي السلوك العقلاني تصبح لذلك العمل الخارجيّ قيمةٌ، يصبح سببًا للكمال وللفهم ويصبح ذا قيمةٍ.
لدينا روايةٌ حول قصّة ذلك الراهب الذي كان يصلّي كثيرًا والملائكة يغبطونه وطبعًا ليست أيّ ملائكة لأنّ للملائكة أيضًا مراتب مختلفة من التجرّد والعلم، فنظروا إلى سجلّه فلم يجدوا شيئًا، المسكين يُصلّي ولكن لا يُسجّل له شيءٌ في كتابه، ميزانه ليس ثقيلاً ولدينا آيةٌ {والوزن يومئذٍ الحق}٢. والميزان حقّ فقالت الملائكة: يا ربّ إنّه يصلي من الصباح حتى المساء كما نرى فقال لهم: اذهبوا وامتحنوه، فجاؤا وامتحنوه وقالوا أليس لديك أمنية؟ فقال أنا أتحسّر على هذا العشب النابت هنا لو أنّ الله يُرسل حماره ليأكله لما نبتت في الربيع ثم يبست في الخريف، إنّ هذه الأعشاب تنبت عبثًا ولا يُستفاد منها في مورد ما. يعني فهمه للّه أنّه راكب حمارٍ وهذا الحمار يجب أن يأكل هذه الأعشاب.
ما أذكره لكم يعني أنّ علينا أن نلتفت إلى أنفسنا وأنّ مستوى تفكيرنا ما هو، وإلى أيّ حدٍّ نحن نفكّر بالأمور وإلى أيّ مستوى جعلنا أذهاننا عميقة فالله عندما جعل الإحرام هكذا يريد أن يقول أنت في جميع الأحوال في حالة إحرام أيّها المسكين ولست هنا فقط، أنت هنا بواسطة الإحرام غيّرت من حالتك، غيّرت في نفسك والتفتَّ إليها، لم يصدر عنك عملٌ خاطئٌ، جعلت نفسك في هذه الحالة الخاصّة، أنت الآن ملتفت إلى أعمالك وأنا دائمًا معك فلماذا لم تكن ملتفتًا قبل الإحرام، فهذه عبرةٌ، آيةٌ تدقّ ناقوس الخطر وتذكّر بأنّ حال الإحرام لا بدّ أن يستمرّ إلى ما بعد الإحرام، فكما كنت ملتفتًا ومتوجّهًا في حالة الإحرام ولم تكن تتكلّم باللغو، ولو شمت بك أحدٌ لم تكن تجيبه، أليس لدينا آية: {إذا مرّوا باللغو مروا كرامًا}۱. فهل هذه في حالة الإحرام أم دائمًا، {إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} عندما يواجهون الجاهلين عديمي الفهم والحمقى وعديمي المنطق والذين يخرج من أفواههم أيّ شيءٍ ولا يحسبون حسابًا لما يقولون فلا يلاحظون شخصيّة الإنسان ولا يعون ما يقولون ولا يقدّرون خصوصيّة المجلس ولا خصوصيّة الإنسان ولا الله ولا النبيّ، بل يتكلّمون هكذا بما يأتي على ألسنتهم سواءٌ بصورة السخرية أو السباب {قالوا سلامًا} موفّقون إن شاء الله، مؤيّدون إن شاء الله، حفظكم الله، لا يتابعون ولا يردّون ولا يرسلون رسالةً بعشر أضعاف ما سمعوا، إنّك إذن مثلهم أيّها المسكين، لقد بدأ هو وأنت تابعت، لقد صرتما متماثلين لا تختلفان، كلا، فعندما يتكلّم الجاهل عديم الفهم بكلامٍ فليكن سلوكك سلوك الكرام، ليكن تعاملك تعامل السلام والسلامة والعافية وهذا يؤدي أن تهمد هذه الأمور في الخارج وأن ترتقي أنت من الناحية النفسيّة، فلنجرّب أنفسنًا أسبوعًا أو شهرًا أو أربعين يومًا، عندما يتكلّم الناس معنا فلنصبر عشر ثوانٍ قبل أن نجيبهم ولنترك سمّاعة الهاتف عشر ثوانٍ ولنفكّر أثناءها ماذا نقول لهم ستجدون أنّ الأمر اختلف كثيرًا، ما إن يُقال كلام ٌ ما حتى تثور الأحاسيس وترتفع، ما إن يقول كلامًا حتى نجيبه. ولكن لا، فكّر قليلاً، فترى أن يا للعجب! كما كان جوابًا دقيقًا ومتقنًا الذي أجبنا به، هذا معنى{ إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}. هذا هو حال الإحرام ذاك، غاية الأمر أنّ الله في حال الإحرام قد أجبر الإنسان أن ابق بضعة أيّامٍ في هذه الحالة، فهذه مسألةٌ جبريّة ولكن كما كان المرحوم العلامة يقولون للذين كانوا يرجعون من مكّة: أيّها السادة حافظوا على هذه الحالة التي حصلت لكم في مكّة واستمرّوا عليها. إنّها ضيفٌ أرسله الله تعالى لك فأحسن ضيافته وحافظ عليه في قلبك ونفسك. فإذا فعل الإنسان ذلك تقدّم وتقدّم. فجأةً يعود فيجد أنّ جميع أحواله حالة إحرام ولا مشكلة في ذلك فقط يحتاج إلى همّةٍ واستمرار.
رحم الله بابا طاهر وواقعًا إن كان هناك كلامٌ في هذه الدنيا فإنّ هؤلاء هم الذين تكلّموا به، هؤلاء المعدودون، حافظ الشيرازي وبابا طاهر ومولانا وهؤلاء العرفاء في النهاية. وإن كنّا قد رأينا شيئًا فإنّا رأيناه منهم وقد سمعنا كلام الآخرين:
خوشا آنان كه الله يارشان بى | *** | هميشه قل هو الله كارشان بى |
يقول: هنيئًا لمن كان الله معينهم وشغلهم الدائم قل هو الله
يعني هم دائمًا مستغرقون في مقام التوحيد، عندما نقول {قل هو الله أحد}۱ فإنّنا ننحّي كلّ شيء غير الله جانبًا، الجار يتنحّى جانبًا، الشريك يتنحّى جانبًا ، البستاني يتنحّى جانبًا، الزوجة تتنحّى جانبًا، الولد يتنحّى جانبًا، الزوج يتنحّى جانبًا، الجميع يتنحَّوْن جانبًا ويبقى الله فقط. تصوّروا تصوّرًا واحدًا{ قل هو الله أحد}، يعني فقط هو الذي له البقاء في العالم والإنيّة والهويّة والتشخّص والأثر والسبب، حينها يرى الإنسان عجبًا، كم يغدو مرتاحًا! فليأتوا بعد ذلك وليشتموه فإنّه يضحك ويقول: قل ما تحبّ! لنرى هل ينتهي أم لا؟! فكأنّ هناك شريطًا يتكرّر ويخرج منه صوتٌ. وواقعًا هكذا يصبح الإنسان، فعندما كان السيّد جمال الدين الكلبايكاني رحمه الله يقول إنّ من لديه عرفان لديه خير الدنيا والأنس في الدنيا والآخرة ومن لا عرفان له فله شقاء الدنيا والآخرة أيًّا يكن، لقد كان قد وصل إلى هذا الأمر ولمسه، رغم كلّ آلامه وابتلاءاته والتي يعرفها الرفقاء وقد أوردها المرحوم العلامة في أحد كتبه٢، كان يقول هذا الكلام أن يا سيّد محمّد حسين من لا عرفان له فهو شقيٌّ في الدنيا والآخرة، كان يقرأ الصحيفة السجاديّة وهو ملقى على تخته وقد أُجريت له عمليّةٌ جراحيّة وازدادت ديونه وكان صاحب الدين يطرق كلّ يومٍ باب داره وكان قد حصل لابنه أمور، ورغم ذلك كان على السرير يقرأ دعاء الصحيفة السجاديّة ويبكي مستأنسًا مع إلهه.
أين نجد أمثال هؤلاء؟! واقعًا أين نجد أمثالهم؟! يقول يا سيّد محمد حسين من لا عرفان له لا دنيا له ولا آخرة، أنت تراني في هذه الحال، أنا مسرور، كان يضحك للجميع، تأتي زوجته إلى الغرفة العليا فتقول له شاكية: لا نمتلك كذا فيضحك ويقول ادعي أن نحصل عليه في النهاية فماذا نصنع؟ يأتي صاحب الدين فيطرق الباب فيقول له: إن شاء الله ندعو أن يحلّ الله أمرك هذا فيضحك في النهاية فهو لا يتأتّى منه شيء، أيمكنه أن يضرب بالمعول؟ نائم على السرير وبحالةٍ من المرض والإرهاق فهؤلاء هم هكذا يثبّتون حقيقة {قل هو الله} في قرارة أنفسهم، والله أيضًا يأتي وينقشها فيها بشكلٍ كاملٍ. هذه هي المسألة فقط.
خوشا آنا كه دائم در نمازند | *** | بهشت جاوادن مأواى شان بى |
يقول: هنيئًا للذين هم في صلاتهم دائمون *** جعل الله جنّة الخلد مأوى لهم
هذا هو معنى كونهم دائمًا في حال الصلاة.
ما معنى أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة؟
وهذا معنى يا عليّ إذا رأيت الناس يفعلون ذلك فتقرّب بعقلك، ذاك يصلي حتّى الصباح ولم يتغيّر ولكن أنت تصلّي ركعتين ولا يُدرى إلى أين تحلّق فيهما، أو أنّك لا تصلّيهما لعلةٍ ما ولكنّ حالك حالة صلاة، تتنفّس في حالة صلاة، نحن نظنّ أنّ النبيّ كان يمزح عندما قال في آخر شعبان للنّاس في خطبته: أيّها الناس أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة۱، فالنفَس الذي تتنفّسه في شهر رمضان تسبيحٌ. نحن نقول: إنّ الله في النهاية قد تلطّف بنا في هذا الشهر ووهبنا هبةً وجعل أنفاسنا تسبيحًا، كلا يا عزيزي، بل هذا أمرٌ واقعيٌ وتكوينيّ، أيّ شهر رمضان وأيّ صيامٍ وأيّ صائمٍ؟ ونومكم فيه عبادة، النوم لا يختلف، النوم نومٌ في النهاية، أفهل يختلف النوم؟ هل معادلته تختلف في شهر رمضان؟ إنّه نومٌ في النهاية، يتعب الإنسان فيحتاج جسمه للاستراحة، ذلك النوم الذي كان ينامه آخر يومٍ من شعبان هو نفسه ينامه أوّل يومٍ من رمضان فبماذا يختلفان؟ يختلفان في أنّ للإنسان في شهر رمضان حالةً أخرى، في هذه الحال الاستراحة صلاةٌ، والتنفّس تسبيحٌ، فأنت عندما تسبّح تقول سبحان الله وتحمد الله وبواسطة قول سبحان الله يتغيّر ملكوت قلبك بملكوت ذلك الذكر وتغييره وتحوّله الروحيّ. عندما تسبّح تسبيحات السيدة الزهراء عليها السلام بعد الصلاة تجد أنّك تغيّرت، إنّه ملكوت هذا التسبيح، وكلّما كان هذا التسبيح أعمق فإنّ تأثيره في القلب سيكون أعمق والتغيير الذي يحدثه هو أعمق، وكلّما قلته بطريقة ببغائيّة قلّ تأثيره.
ففي شهر رمضان، تصبح الأنفاس تسبيحًا، تتنفّس ولكن لأنّك في حالةٍ معيّنة تسجّل لك هذه الحالة كدرجة بطريقةٍ تلقائيّة، فهذه الثانية هي حالةٌ تبتعد فيها عن التعلّقات، تبتعد فيها عن التوغّل في الدنيا من خلال الصيام والجوع والمراقبة والدقّة التي لديك. فإذا حلّ وقت الإفطار ترى أنّك على أيّة حالةٍ من الخفّة، وعلى أيّة حالةٍ من الروحانيّة، ليت الإفطار يتأخّر لساعتين، بما أنّك تقول: ليت الإفطار يتأخّر لساعةٍ أو ساعتين فما سبب ذلك؟ سببه حصول التغييرات. هذه الحال هي عبادة، لأنّ العبادة شأنها هو التغيير، والتبدّل والتحوّل، وتبدّل الحال، ونزع الجلد القديم، أليس لدينا في الحيوانات تبدّلاً في الحالات وخروجًا من شكلٍ إلى آخر، فالإنسان يتخلّى في قلبه عن هذه المظاهر. كان الأعاظم يقولون حافظوا على هذه الحال إلى ما بعد شهر رمضان، فإن حافظتم عليها صارت أنفاسكم عبادةً وتسبيحًا، صار نومكم عبادةً، لذلك يقول: حبّذا نوم الأكياس وإفطارهم في الإشارة إلى ذلك، وأنّ الإنسان قد غيّر وجوده من الوجود الفعلي إلى الوجود العقليّ، من الوجود الفعلي إلى الوجود العقلي. وبعد ذلك لا يختلف الأمر بين حضور الإمام عليه السلام وغيبته، هو دائمًا في حالة حضور.
المرحوم العلاّمة: لا تهتمّوا بما أقوله لأنّي أنا أقوله!
كم كان المرحوم العلامة يقول: لا تهتمّوا بما أقوله لأني أنا أقوله، فيومٌ أكون فيه وسيأتي يومٌ لا أكون. هذا سلوك عقليّ، لأنّنا أمام رجلٍ عظيمٍ تجعلنا أبّهته وجلاله ننقاد إليه ونطيعه، وهذا لا فائدة منه، إنّها الحالة التي كانت لدى أصحاب النبيّ في زمانه، كان إذا نظر فرأى شقّ القمر وردّ الشمس فمن الطبيعيّ أن يخضع لوجودٍ كهذا، ونفسه تنفعل بذلك، غير أنّ هذا الانفعال انفعالٌ حسيٌّ، وليس انفعالاً بالنبيّ، انفعالٌ بالتحريك ولو أنّ النبي لم يفعل ذلك حتى النهاية لما بالوا به، فمن هو هذا؟! لا يمكنه أن يفعل شيئًا! من هو هذا الذي لا يمكنه أن يتكلّم بكلمةٍ واحدة؟! لو لم تشهد الحصى برسالة النبيّ فهل كان سيتّبعه الناس؟! كلا، لو لم يشقّ النبيّ القمر، فهؤلاء ينقلون ويرون يقولون: قام بسحرٍ، يقولون: فلنذهب ونسأل فيخرجون عند الصباح من المدينة فيجدون قافلةً قد جاءت تقول: يا للعجبّ رأينا ليلة أمس أنّ القمر قد انشقّ إلى نصفين، فهذه القافلة لم تكن أمام النبيّ، القوافل التي تأتي من الخارج، وقد توقّف نصفه أيضًا ونصفه الآخر دار عدّة دورات، فقد رأوا ذلك، فخضعوا. ولو جاء إنسانٌ آخر مثل النبيّ وقام بسحرٍ لاتّبعوه أيضًا لماذا؟ لأنّهم يعتمدون العين، هنا ما يقوله النبي من أنّ الناس يتقرّبون إلى الله بأعمالهم لا بعقولهم، لو كانوا بعقولهم فلماذا ذهبوا بعد النبيّ إلى أبي بكرٍ ألم يكن عليٌّ موجودًا؟ فلماذا ذهبوا؟! لأنّهم اتّبعوا النبي جميعًا بواسطة الأحاسيس، جميعهم اتّبعوه بواسطة هذه العين، لا بالبصيرة، اتّبعوه بالبصر فهؤلاء الذين التفّوا حول النبيّ ماذا كانوا؟ كانوا يرون أنّه رسول الله ينزل الوحي عليه ولا يمكن إنكار الوحي، فقد كانت حالة النبي تتغيّر، ولم يكن الأمر شعوذةً ويريد أن يتظاهر به ليمثّل فيلمًا كهؤلاء الفنّانين، بل كانت حالته كذلك، كانوا يشعرون أنّ جبرئيل قد جاء وأثّر فيه فطبعًا ماذا كان يحصل، ولو كنّا نحن لكنّا مثلهم، لو كنّا لتأثّرنا، ألم نكن لنتأثر؟!
ماذا لو دخل إمام الزمان إلى مجلسنا الآن؟
إذا كان الإنسان أمام أحد الأعاظم فلا ينبغي أن يطيعه بعنوان أنّه عظيم، لا فائدة من ذلك، لو جاء إمام الزمان إلى هنا لاختلّ نظم المجلس، تقفون، تسلّمون وتصلّون ويا بن رسول الله! لقد جاء وهو إمام الزمان، هنا يقول الإمام أمرًا: لقد جئت لأقول لكم هذا ثمّ أذهب وهو أن تصلوا صلاتكم في أوّل الوقت، فإنّنا من هذه الليلة نصلّيها في أوّل الوقت أليس كذلك؟! حسنًا، ألم يقل الإمام ذلك الآن فلماذا لا نطيع؟ بسبب الأحاسيس. هذا بعينه دليل على أنّا لا نزال نتّبع الأحاسيس، لأنّ الإمام دخل من هذا الباب وجلس مكاني وقال لكم ولي، فإنّنا نطيع، وإن لم يأت فلن نطيع. لا فائدة من هذا أبدًا وهذا السلوك ليس سلوكًا عقلانيًّا، هذا السلوك هو سلوك العين.
لقد جاء الإمام، إمام الزمان الذي كنّا ننتظره ألف وأربعمئة سنة فيا للعجب! ماذا حصل حتّى جاء إلى مجلسنا ونوّره، السلام والصلوات عليك يا بن رسول الله، نقتل أنفسنا...
فلندع هذا الكلام، يقول الإمام هنا هل رأيتموني في النهاية؟ نقول جميعًا رأيناك.
ـ هل تريدون أن تسمعوا مني شيئًا؟
ـ نعم.
ـ إنّه ما أقوله الآن من أن تصلوا صلاة الظهر وقت الظهر، وصلاة العصر وقت العصر، وصلاة المغرب وقت المغرب.
فنسمع وفي الأسبوع الأوّل نراقب كثيرًا وبعد عشرة أيّام نصلّي العشاء مع المغرب، لا بأس هذه المرّة، فإذا مرّ شهرٌ ولم نر إمام الزمان فقد جاء ومضى، فبعد شهرٍ نرجع كما كنّا، هل تريدون أو إن شئتم فاختبروا! إنّه لم يأت الآن، فهذه هي الأحاسيس، هذه هي الصلاة القائمة على الأحاسيس، الصيام القائم على الأحاسيس، الأعمال القائمة على الأحاسيس.
لماذا تبدّل الكثيرون بعد وفاة المرحوم العلاّمة؟
وفي زمان المرحوم العلامة كان الأمر هكذا أيضًا، وقد قال لي ذات يومٍ: يا فلان يا سيّد محسن ما أقوله لك لا تقبله لأنّه منّي أنا، فلا فائدة من ذلك، بل عليك أن تدرك بنفسك. وقد رأينا نتيجة ذلك أيضًا، هؤلاء الذين كانت تتساقط الدموع من أعينهم عندما كان يأتي المرحوم العلامة، فكنّا نقول: ما شاء الله يا لها من حالٍ! أيّة حالٍ لديه! كانوا يكتبون كلام العلامة، كانوا يسلّمون ويصلّون وكلّما جاؤا كانوا إذا وصلوا إلى أوّل الزقاق، أوّلاً ينظرون نظرةً إلى المنزل ثمّ يسلّمون ـ لقد رأيتهم بنفسي إذ أقول لكم ذلك ـ فماذا حصل بعد العلامة؟! حصل امتحانٌ فأدركنا أنّ كلّ ذلك كان أحاسيس، كلّه كان أحاسيس.
أنا أقول: إنّ ما قاله في الكتاب إمّا كذبٌ أو صدق. فإن كان صدقًا فلماذا؟! فهل تكلّم بهذا الكلام للناس دوننا؟! بالله عليكم انظروا أليس هو في الكتاب ما قاله في تلك الجلسة؟!
ـ لقد مضى هذا الكلام ولا شأن لنا به!
هل تلتفتون؟! هذه هي الأحاسيس، لقد كان مع الأعاظم عشر سنوات ولم يتقدّم خطوةً واحدة، كان معهم عشرين سنة ولم يتقدّم، لم يتقدّم، لم يتقدّم. ولكن ليت الإنسان يكون شهرًا واحدًا مع النبيّ أو أسبوعًا ولكن في هذا الأسبوع يكون معه بسلوكٍ عقلانيّ يستعمل عقله، لا أن يعمل لأنّهم أمروه.
لم يكن المرحوم العلامة أعلى من النبيّ فماذا حصل؟! ذاك هو النبيّ في النهاية، إنّه النبيّ ، أمير المؤمنين، وقد ذكرت للرفقاء إنّهم كانوا إذا سُلّم عليهم في الطريق يديرون وجوههم وقالت السيدة الزهراء يا عليّ ألم يكن هذا صاحبًا لك فكيف أدار بوجهه الآن؟ فقال الإمام ـ وطبعًا أنا أقول ـ رحم الله أبا هذا فالآخرون أسلّم عليهم فلا يجيبون، لماذا؟ لأنّها أحاسيس. لقد كان أمير المؤمنين شابًّا في الثالثة والثلاثين من عمره عندما توفّي النبيّ، وفي المقابل كان أبو بكر في الثمانين من عمره، لحيته إلى هنا، وعمامته بهذا الحجم. حسنًا، إن كان النبيّ قد قال فقد قال لكنّه توفّي، ما دام النبيّ موجودًا وتمثاله يتجلّى أمام النفس [فإنّا نطيعه] أمّا الآن فقد وضع النبيّ رأسه على الأرض، ولم يعد هناك شيءٌ أمام الإنسان، فيعود الإنسان إلى تلك الأمور والغرائز والصفات التي كانت النفس قد أنست بها إلى الآن، وما هي رؤية الظاهر، ينظر فيرى أبا بكرٍ قد جاء يصعد المنبر فيبكي ويقول: آه آه آه. فيقول: كم هو إنسانٌ جيّد! انظر كم يحترق قلبه على الإسلام، أيعقل ذلك؟! أمّا عليّ فإنّه لا يبكي ولا يصنع شيئًا يأتي ويجلس جانبًا ولا شيء يصدر منه. ينظر إلى هذا يقول: أيّها الناس أنا لا أستحق ـ وقد قال ذلك ـ أيّها الناس أنا لا أستحق فماذا أفعل في النهاية؟ أمتثل الأمر، شعرت بالتكليف الشرعيّ.
ـ تذكّرْ ضربة عمر على وجه ذلك الرجل في سقيفة بني ساعدة عندما قال: أين عليّ إذن؟ فصفعه على وجهه فامتلأ فمه دمًا وسال دمه.
ـ ماذا أفعل أيّها الناس؟! أنتم انتخبتموني، ربّما أخطأت فقوّموني.
ـ تنحّ عن المنبر ليصعد مكانك هذا ابن الثلاثة وثلاثين سنة الجالس هنا، لا يشتبه ولا يقول أنا أشتبه، بكلّ وضوح أبدًا لا أشتبه ولا شيئًا آخر، وأخبركم عمّا تريدون إلى يوم القيامة، أتريد أن أخبرك بما في بيتك؟! أتريد أن أخبرك ماذا فكّرت ليلة أمس؟ أأخبرك ماذا صنعت ليلة أمس؟ أأقول؟ إنّه يقول في النهاية! إنّ ما يقوله لك هو لكي تتّبعه، هذا البكاء والإحساس بالشفقة على الإسلام، نعم رأيت أمّة النبيّ حيارى فجئت لأمنع هذا الانثلام في هذه الجماعة، لأمنع التشتّت، فقد قبلتم فماذا أصنع؟ ففي النهاية هناك تكليفٌ شرعيّ وهذا النوع من التكاليف الشرعيّة نعرفها نحن أيضًا، التكليف الشرعيّ وهذه الأعمال.
هؤلاء الناس جالسون هكذا ينظرون، يا له من إنسانٍ عجيب، قلبه يحترق من أجل الإسلام، يا له من إنسانٍ جيّد، ولكن ماذا في الباطن؟ هؤلاء هم أنفسهم عندما مشوا اصطدموا بالجدار.
الكلام كثير والحمد لله الرفقاء يعلمون ما ينبغي أن يعلموه حتى يعلمون أكثر منّي، لم نصل اليوم إلى ما كنّا نريد، وإن شاء الله إذا وفّقنا في الجلسة اللاحقة سنتحدّث عن السلوك العقلاني وما هي مراتبه؟ وأعتقد أنّي ذكرت ما ذكرت من باب المقدمة والحمد لله انتهى الكلام إلى موضعٍ بحيث أنّه في الجلسة القادمة نتعرّض لأصل المسألة التي هي كيفيّة استفادة الإنسان من الطريق والمنهج والفعل والكلام والتفكّر والتسليم لإرادة اللّه ومشيئته كما يريد الإمام الصادق عليه السلام في أعلى المراتب بحيث لا يقضي الإنسان عمره بالبطالة. إن شاء الله إذا وفّقنا الله في الجلسة القادمة .
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد