122

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

6694
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالخسران و بطلان العمر

التاريخ 1426/08/13


التوضيح

لماذا رضي أمير المؤمنين (ع) بتضحية فاطمة (ع)؟ وهل فاطمة هي الهدف أم بقاء الإسلام؟
ما هو السلوك الحقيقيّ ومن هو السالك الحقيقيّ؟ وما هدفه؟ وكيف نعرف إن كنّا من أهل السلوك الحقيقيّ أم من أهل البطالة في السلوك؟
كيف نحيي 15 شعبان؟ وكيف نستعدّ لشهر رمضان؟
تجيب هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة ضمن شرح فقرة ولا يدع أيّامه باطلاً.

/۲۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية وسدّ ؟

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٢٢

  •  

  • ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على نبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  •  

  • يقول الإمام صادق عليه السّلام لعنوان البصريّ: وَ لَا يدَعُ أيّامَهُ باطِلاً. فمن كان صاحب هذه الخصوصيّات فإنّه بالطبع ونتيجة لها لن يقضي أيّامه بالبطالة. 

  • تحدّثنا بمقدار ما إلى الرفقاء حول كيفيّة مرور الأيّام بالبطالة، وقد عرّفت البطالة بنحو كليّ وعام وبنحو خاصّ واتّضح كيف يقضي عامّة الناس أيّامهم بالبطالة، وكيف يقضون مجالسهم، وكيف تسبّب علاقاتهم بطالة أيّامهم، ولا يثمر مرور الأيّام بالنسبة إليهم أيّة ثمرة، وينفد رأسمالهم. فهذا ما تقدّم. 

  • تحوّل الطريق إلى هدف

  • وقد تحدّثنا عن معنى أدقّ وألطف لانقضاء الأيّام باطلاً، وأنّ الإنسان إذا شعر بأنّ تلك الحالة التي هو فيها تمنعه عن تحقيق أهدافه وتنفيذ نواياه، فإنّ مرور الأيّام بالنسبة إليه سيكون بالبطالة، ولا بدّ أن يعيد النظر في وضعه ويعيد تقييم أحواله، ويرى هل هو مستمرّ على هذا النحو وتلك النيّة وذلك الصدق وتلك الاستقامة التي كانت حاصلة له في بداية الأمر أم لا؟ لا بدّ أن يدرس أعماله، لا بدّ من إخضاع سلوكه للمحاسبة كلّ يوم، وقد ذكرت بصورة عامّة للرفقاء أنّ النفس في كلّ حال لها وضع خاصّ، وهي تجعل حالتها حجابًا لنفسها وتحاصر نفسها به. 

  • كنت أذهب مدّة إلى معهد للخطّ، فكان الذين يأتون يهدفون في البداية إلى تحسين خطّهم. فالتخطيط هو فنّ كبقيّة الفنون، مثل الرسم والخياطة والنجارة والحدادة والهندسة والتصميم. ولدينا في الروايات عليكم بحسن الخط. ۱ حسّنوا خطّكم واكتبوا بشكل حسن وجميل وصحيح. وكان المرحوم العلاّمة إذا أرسل إليه أحد رسالة بخطّ غير جيّد يكتب له في الجواب اعتراضاته على الخطّ، فيقول: خطّك هذا يحتاج إلى تمرين. اكتب رسالتك إليّ بتأنّ. أحيانًا كان يقول: هؤلاء الذين يكتبون إلينا رسالة لو وضعوها تحت الشمس لانمحت، هكذا. واللبيب من الإشارة يفهم! فكان يقول: اكتب بتأنّ. وكان يقول لي آنذاك: إذا أردت أن تكتب إليّ رسالة فاكتبها بالقلم والدواة، واكتب في كلّ أسبوعين مرّة. وكنّا قد أرهقنا من ذلك، فحين كنّا نريد أن نكتب كان علينا أن نعدّ قلمًا ودواة، وفي كلّ أسبوعين مرّة، وكنّا إذا توقّفنا نؤاخذ. وكان بنفسه شديد الاهتمام بحسن الخطّ، وكان يؤكّد علينا أيضًا أن يكون خطّنا حسنًا ونحصل على حسن الخطّ. 

    1. . الرواشح السماوية في شرح الأحاديث الإمامية، ميرداماد، ص ٢۰٢.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

3
  • فعندما كنّا نذهب إلى هناك عند الأساتذة رحمهم الله فقد توفّوا جميعهم... فقد كنت أذهب إلى أكثر من أستاذ، منهم وأفضلهم السيّد حسين ميرخاني رحمه الله الذي كان يكتب بخطّ رائع جدًّا، وأعتقد أنّه لم يأت له نظير في هذه الأزمان المتأخّرة، فبعد الميرزا رضا كلهر والذي كان قبل ما يقارب المائة سنة لم يأت له نظير من الخطّاطين المعروفين. وواقعًا جميعهم أصحاب خطوط رائعة جدًّا وجميلة ولكن بعضهم يمتلكون لطفًا موهوبًا خاصًّا وليس للجميع. 

  • فهذا الأمر يعدّ عند الإنسان فنًّا ـ وما أريد أن أقوله لكم أمرٌ دقيق جدًّا ولا أريد أن أقصّ عليكم حكاية وقصّة، بل أريد أن يلتفت الرفقاء والأصدقاء إلى أوضاعنا وأحوالنا ومشكلاتنا التي تسبّبها النفس للإنسان! ـ فموضوع الخطّ موضوع رفيع جدًّا، وهو فنّ جميل جدًّا ويستحقّ الثناء، وواقعًا يستحقّه. فالذين كانوا يشاركون في تلك الدورات كانوا في البداية يأتون ليتعلّموا فنًّا من الفنون ويصلوا إلى خطّ جذّاب وجميل ويصبح خطّهم هكذا. ولكن بعد مضيّ مدّة وإذا ما ارتفعت العلامات قليلاً، وارتقى الصفّ شيئًا ما، فإنّ الإنسان يصبح في نظر نفسه شيئًا مهمًّا ويقيّم نفسه في تلك المجموعة وتلك الحوارات وتلك الجلسات، وشيئًا فشيئًا يتحوّل هذا الأمر بالنسبة إليه إلى موضوع أساسيّ وأصلي في حياته، وكأنّ جميع الفنون قد تنحّت جانبًا وزالت جميع الامتيازات وما هو موجود فقط هو وما كنّا نشاهده ونسمع عنه في الحوارات هو أنّ الله لم ينزل من السماء إلا فنًّا واحدًا وهو فنّ الخطّ، وسائر الفنون لا فائدة منها أصلاً! فلا الطبّ له فائدة ولا الهندسة لها فائدة ولا العلم له فائدة لا شيء لا شيء لا شيء. فما أقوله هو لأنّي كنت بنفسي هناك ـ فقد كنت هناك لسنوات ـ لم ينزل الله من السماء إلاّ فنًّا واحدًا وهو الخطّ، حتّى الرسم لم ينزله! فما هذا؟ هذا معناه أن الإنسان عندما يأتي في البداية يريد أن يصل إلى المقصود والمطلوب، فيطوي طريقًا ثمّ يتحوّل هذا الطريق إلى مقرّ له، أي يتحوّل إلى بيت له، الطريق يصبح قيدًا له، الطريق والمسير يصبح مانعًا، يصبح مقرًّا ومقامًا. 

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

4
  • ما هو هدف السالك الحقيقيّ؟

  • من كان يطوي طريق الله فإنّ مقرّه هو الله فقط، ولا مقرّ له سواه، هو معبر هو محلّ للاستراحة في الطريق ومحلّ للعبور، هو طريق وجادّة، مهما كان هذا الشيء، وفي أيّة حالة كان. من كان يريد أن يتعلّم علمًا ـ وهذه المسألة مهمّة بالنسبة لنا نحن وأمثالنا خصوصًا للذين يريدون أن يدعوا الناس إلى ذاك المقصد وذاك الهدف والغاية وذلك المنويّ عن طريق اكتساب العلوم الإلهيّة وعلوم الأئمّة الأطهار، فما هو المنويّ؟ المنويّ معرفة الإمام عليه السلام، المنويّ معرفة الإمام عليه السلام، معرفة إمام الزمان عليه السلام، علينا أن نعرف إمام الزمان عليه السلام، أن نعرف الإمام الغائب عن الأعين والأنظار. الدين بدون إمام الزمان عليه السلام صفر، الدين الذي ليس فيه الإمام عليه السلام الإمام المعصوم عليه السلام لا يساوي فلسًا واحدًا. 

  • روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: من صام النهار وصلّى الليل وأنفق ملء الأرض ذهبًا ـ فانظروا أيّة نعمة أنعم الله علينا، فلو كنّا كغيرنا ماذا كان سيحلّ بنا؟ـ ينفق ملء الأرض ذهبًا ويعمّر عمر نوح ويموت وهو يسعى بين الصفا والمروة ويدفن بينهما ولكنّه لا يعرف إمامه فلا يعادل ذلك قيمة فلس واحد۱. فالدين بدون معرفة صفر، لا معنى للدين بدون معرفة إمام الزمان عليه السلام. 

  • فإذن كامل هدف وهمّة ومقصد ومقصود عالِم الدين هو أن يسوق الناس إلى إمام الزمان وأن يحرّك الناس نحو تلك الحقيقة وتلك المعرفة، وذلك في كيفيّة كلامه، لا أن يقيم المجالس والأعياد والاحتفالات لأجل إمام الزمان، كلا! فهذا مجرّد شعارات وهو جزء يسير من حقيقة الأمر. لا أنّه فقط يذكر اسم إمام الزمان عليه السلام ويتصوّر أنّه بذكر اسم إمام الزمان عليه السلام فإنّ الإمام يُحيى بين الناس، كلاّ فلا ينتهي الأمر بهذا النحو وبهذا الكلام. ولا أن يتظاهر بأنّه يعمل لأجل إمام الزمان عليه السلام ويبذل الجهود من أجل إمام الزمان عليه السلام، كلاّ فليس الأمر هكذا. 

  • ففي العهد السابق كان هناك بعض الناس وبعض المؤسّسات وبعض الجمعيّات التي كانت تعتقد أنّها بسبب بعض المواقف التي كانت تقوم بها، أنّها تقوم بما يريده الإمام عليه السلام وأنّ الآخرين لا يقومون بشيء أصلاً! فقد كان تصوّرهم هكذا وكانوا يصرّون علينا ويضغطون للدخول في تلك المؤسّسات وتلك التجمّعات. حتّى سمعت بنفسي ذات يوم من مسؤولهم أنّه كان يقول: من لم يدخل إلى هنا لم يقم بشيء لإمام الزمان عليه السلام. في حين أن كامل همّهم وغمّهم ومساعيهم وتشكيلهم للمجالس والمؤتمرات والاجتماعات والسفر وطباعة المقالات والكتب كان فقط لأجل أمر واحد وهو مواجهة البهائيّة. فهذا ليس شيئًا مهمًّا، فمواجهة البهائيّة لا تشكّل واحدًا بالمائة من عملنا. نأتي باثنين أو بواحد ويقرآ بضعة كتب لهم يدركون حقيقة الأمر، وكم لديهم من الهراء، فما هي وظيفتنا في النهاية؟! ولكن لأنّ الأمر يرتبط بصاحب الزمان عليه السلام وقد تقدّمت بواسطة حذف إمام الزمان عليه السلام صار يتصوّر وكأنّ عالم الوجود كلّه قد ترك عمله وجميع الملائكة فقط ينظرون إلى هذا الطريق خاصّة، والذي لا يعادل واحدًا بالمائة من عملنا نحن. 

    1. مشارق أنوار اليقين، البرسي، ص ٩۱: ابن عمر: والّذی بعثنی بالحقّ نبیًّا لو أنّ أحدکم صفّ قدمیه بین الرکن والمقام یعبد اللَّه ألف عام، صائمًا نهاره قائمًا لیله، وکان له ملؤ الأرض ذهبًا فأنفقه، وعباد اللَّه ملکًا فأعتقهم، وقتل بعد هذا الخیر الکثیر شهیدًا بین الصفا والمروه، ثمّ لقی اللَّه یوم القیامه باغضًا لعلیّ لم یقبل اللَّه له عدلاً ولا صرفًا وزجّ بأعماله فی النار وحشر مع الخاسرین.
      الكافي، ج٢، ص ۱٩: عن الإمام الباقر عليه السلام: أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الايمان.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

5
  • من يدخل إلى هنا فهو تابعٌ لإمام الزمان ومن لا يدخل فلا علاقة له بإمام الزمان، من جاء إلى هذا المسير فقد سار في طريق الولاية، ومن لم يأت فلا، إنّها تلك المشكلة بعينها، نعم، إنّ مواجهة ومحاربة الأديان الفاسدة والمنحرفة، هو في حدّ ذاته عمل خير ومستحسن. ولكن هذا لا يعني أنّ كلّ قضيّةٍ هي هكذا، لا أنّ الآخرين لا يقومون بأيّ عمل ونحن فقط الذين نعمل، هذا لا يعني أنّ الآخرين الذين يقومون بأعمال أكثر وأكثر رقيًّا وأهميّةً وأعمالاً أكثر رفعةً ويتحمّلون مشقّاتٍ أكثر كلّ ذلك كان {هباء منثورًا} ۱، وفقط هؤلاء الذين يذهب اثنان منهم إلى هنا وهناك فيقومون بأعمال ما، والقضية هذه بتمامها لهم، هؤلاء هم على رأس عالم الوجود والجميع عاطلون وفي البطالة ولا تترتّب أيّة نتيجةٍ على عملهم! لا فالمسألة ليست هكذا.

  • ولقد كنّا نشاهد هذه المسألة في المجالات المختلفة ودائمًا كانت هكذا، ففي الأحداث التي كانت في العهد السابق، كان البعض يعتقد أن المواجهة هي فقط عبارة عن حمل السلاح واللحاق بهذا وذاك وضرب هذا وذاك، وهذا يقال له مواجهة.

  • فمن يفعل ذلك فهو بالطبع في طريق الإسلام وقد أدّى تكليفه، وإن لم يفعل ذلك فهو مخالفٌ للإسلام، ولم يقم بتكليفه، وقد سار في الطريق المخالف للأوامر، كلا فليس الأمر هكذا. فللمواجهة أنحاءٌ وأنواع، واحد بالمئة منها هو هذا وتسع وتسعون بالمئة منها أمور ثقافية فهل التفتم؟ أن نأتي ونحصر كلّ شيء في طريقٍ واحدٍ ونقول إنّ الذين اجتمعوا في هذا الطريق هم المقبولون والآخرون الذين لا يرتضون هذا الطريق ولكنّهم بأنفسهم يعملون أكثر بكثير في طريق إعلاء كلمة التوحيد هؤلاء نهمّشهم ونعبّر عنهم بتعابير قاسية وقبيحة وهذه هي الآفة التي ابتلينا بها.

  • فإذن مشكلة الإنسان هي هذه، في جميع الطرق التي يختارها لأجل الوصول إلى الغاية ويرجّحها من وجهة نظره على سائر الطرق والأهداف التي يراها، فعليه أن ينظر إليها جميعًا على أنّها معابر وطرق ولا يحصر نفسه ويقيّدها ويحبسها بها، لا يتصوّر أنّه حين سار في هذا الطريق فإنّ حكم الإنسانيّة لا ينطبق إلا على هؤلاء والآخرون خارجون عن دائرة الإنسانيّة، كلا فليس الأمر كذلك، فكلّ إنسانٍ له ارتباطه الخاصّ مع ربّه وانتسابه الخاصّ إليه، أنت اخترت هذا الطريق حسنًا فليكن، فهناك إنسانٌ آخر قد اختار طريقًا آخر ومن أين يُعلم أنّ هذا الآخر لم يمض في طريقه عن صدقٍ وصفاء؟ لماذا تحكمون بالعناد والأغراض الشخصيّة والأمراض على سائر الناس الذين ليسوا في سلككم؟ لماذا تنتقدون الآخرين بعباراتٍ غير مناسبة لأنّهم لا ينسجمون مع أفكاركم؟ لماذا ينبغي أن نكون كذلك؟ 

    1. سورة الفرقان، الآية ٢٣.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

6
  • هنا نصل إلى هذه النتيجة: أنّ النفس تستفيد من أيّة فرصةٍ وأيّة مكانةٍ لتطرح نفسها مع غضّ النظر عن ذلك الطريق الذي تسير فيه، في أيّة مكانةٍ كانت تجعل منها صنمًا ولو كانت تلك المكانة هي الله، ولو كانت تلك المكانة هي الإمام، ولو كانت تلك المكانة مدرسة أهل البيت، ولو كانت تلك المكانة طريق تبليغ مدرسة أهل البيت ويمكن للإنسان أن يختبر نفسه جيّدًا، يمكن أن يمتحنها جيّدًا، وأنّه بهذه النية التي لديه والطريق الذي يطويه هل هو محصورٌ في الطريق، أم أنّه حرٌّ؟ حرّ، اليوم يقولون تعال وقم بهذا العمل فيقوم به وغدًا يقولون اذهب وقم بذاك العمل فيقوم به.

  • كيف تتحوّل العمامة إلى هدف؟

  • ينقل عن المقدّس الأردبيليّ رحمه الله ـ وكان مرجع تقليد وعالمًا وأستاذًا ورجلاً تقيًّا جدًّا ومن الذين تُنقل عنهم الحكايات في علاقتهم مع الأئمة وخصوصًا إمام الزمان عليه السلام ولا أحد يشكّ في هذا الأمرـ أنّ الحرم احتاج ذات يومٍ إلى الإصلاح وكان يُراد فتح طريقٍ وحصلت مشكلة فجاؤوا إليه وقالوا: يجب أن نفتح هذا الطريق كي نتمكّن من توسيع الحرم قليلاً ولا يمكن هذا فبماذا تأمر؟ فخرج فجأةً من داخل بيته بقميص وبنطال وقال: أعطوني معولاً وإزميلاً فمشى ومشى الآخرون خلفه ولم يعتمر عمامةً ولا لبس جبّةً ولا عباءة فبها لا يمكن الحفر بالمعول فخرج هكذا، فلمّا رأى الناس أنّ المقدّس الأردبيلي قد خرج بقميص وبنطال خرجوا هم أيضًا وهدّموا الموضع المطلوب وأنهوا العمل، ثم عاد المقدّس إلى شؤونه الخاصة. 

  • فقد كان هذا الرجل ممن لم تقيّده هذه الحالة وهذه المكانة وهذا اللباس، لباس أهل العلم هو لباس رسول الله ولباس الأئمة، العمامة تيجان الملائكة، فما معنى تيجان الملائكة؟ تاج الملائكة هي هذه العمائم والتي نلبسها نحن، وقد قال رسول الله إنّ هذا اللباس هو مظهرٌ لمدرسة رسول الله ولكن إذ نلبس هذا اللباس لا لكي نحصر أنفسنا به ونحبسها به بحيث لا نتمكّن من الحريّة والخروج من القيود وأن نحبس أنفسنا بلباسٍ كهذا، كلا فهذا خطأٌ أيضًا، هذا خطأ، يجب أن نلبسه كلباسٍ مقدّسٍ لقادتنا، وعلى أهل العلم أن يلبسوا هذا اللباس، أمّا أن يُحبس الإنسان فيه بحيث يغدو فكره وعمله وسلوكه في دائرة هذا اللباس فهذا خطاٌ وهذا الأمر يُعرف من أعمال الإنسان. فعندما يكون الإنسان بهذا اللباس ويخجل من الذهاب إلى مكانٍ ما، وعندما يكون الإنسان بهذا اللباس فيخجل من شراء كيلوّين من الخضار، وعندما يكون الإنسان بهذا اللباس فيخجل أن يذهب إلى اللحّام ليشتري اللحم، هذا كلّه تقيّد وتوقّف، على السالك أن لا يقبل التوقّف، واللباس الذي يلبسه يجب أن يكون بهدفٍ ونيّة، أحيانًا أكون في طهران أمشي فيقول لي بعض الرفقاء لنذهب من ذاك الطريق ومعهم سيّارة فأقول كلا أريد أن أذهب ماشيًا من هذا الشارع عمدًا، الآن في هذه الظروف أريد أن أمشي كيلومترًا واحدًا سيرًا على الأقدام. لماذا أريد ان أذهب ماشيًا؟ لكي تقع أعين الناس على هذا اللباس على الأقلّ، وإذا أرادوا أن يقولوا أشياء أيضًا فليقولوا لا إشكال فأنا أيضًا أضحك لهم لا إشكال، ولكن ليس الأمر هكذا وأن تأتي يد الاستعمار وتقوم بعملٍ ما فنخفي أنفسنا عن أعين المجتمع بواسطة الانحصار في الأفكار الهشّة وهم سيقومون بذلك، اليد الخارجيّة تريد أن تقوم بذلك وهم يقومون بهذا الآن شئنا أم أبينا فقلت له: إن شئت فانتظرني بعد كيلومترٍ عند ذلك التقاطع وهناك أركب معك ولكن هذا الكيلومتر أريد أن أقطعه مشيًا على الأقدام، فأوّلاً مشينا والأطباء جميعهم يوصون بأنّ على الإنسان أن يمشي خصوصًا المريض، فالمشي بمقدارٍ ما جيّد، وخير ما تداويتم به المشي۱ كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولكن للأسف في هذا الزمان ومع وجود وسائل النقل هذه قلّ المشي ولذلك ايضًا زادت الأمراض فالمشي أفضل علاجٍ، و نفعه يرجع إلينا.

    1. . النهاية، ج ٤، ص ٣٣٥

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

7
  • وثانيًا يرى الناس ويشعرون أنّه رغم كلّ هذه الأمور وهذه الحملات الإعلاميّة والدعايات والأمور الأخرى لن نخلع هذه العمامة عن رؤوسنا فلتستريحوا إنّها موجودة.

  • أمّا لو قلت: بما أنّ الناس يخاطبونني بشكلٍ سيّء فعليّ أن أذهب بالسيارة فهذا انحصارٌ بهذا القيد قد حوصرت به، قد حوصرت به، أي إنّ هذا اللباس أخرجني من نفسي ومن إنسانيّتي لأجل كلام الناس فلكي لا يسيء الناس الكلام أخفي نفسي، لأجل كلام الناس الجهلاء أتنحّى جانبًا وبتأثير كلامهم الفارغ أخرج عن نفسي وعن حرّيتي، وأجعل نفسي أسيرًا ومغلوبًا لأفكارهم الفارغة، فهذه هي نتيجة ذلك، فهل هذا إنسانٌ، هل هذا إنسان؟ إنّه ليس إنسانًا، علينا أن لا نمشي كما يرغب المجتمع! نحن لم نرتدِ هذه العمامة لهدفٍ أو لغاية (دنيوية) فلتصنعوا أيّ فيلمٍ أردتم فلا إشكال، صنعتم فيلم مارمولك۱ فلا مشكلة ولو صنعتم فيلم العقرب وأم الأربع والأربعين فلتصنعوا فإنّا لن نخلع العمامة عن رؤوسنا وليكن ما يكون فنحن لم نعمتر العمامة لأجل المجتمع لكي نخلعها من أجل المجتمع، افترضوا أنّي أقول إنّ الناس يسيئون القول ويقولون كذا وكذا فنتراجع ونتراجع ونتراجع وننطوي حتى لا يبقى حيثيّةٌ ولا هويةٌ في شخصيتنا فماذا نتحوّل؟ إلى فقّاعة، إلى بالون وبإبرةٍ واحدة ينفجر ويزول. فقط بإبرةٍ واحدة.

  • لا تقيّد نفسك بمركز أو مهمّة!

  • الذين يريدون أن يعملوا في مؤسسة ما أو جمعيّةٍ في بداية الأمر يكون هدفهم هو الخدمة وهم يقولون ذلك وربّما كان واقعًا هدفهم كذلك فإذا دخلوا بعد مدّةٍ تتحوّل هذه المكانة بالنسبة إليهم إلى قيدٍ وحصار فلو قيل لهم اخرجوا يقولون لا نخرج لماذا نخرج، ألم تكن أنت تقول بنفسك أنّهم دعوني وأرسلوني، فقد أجبت وقمت بالتكليف الشرعي والآن اخرج.

  • ـ كلاّ ما معنى اخرج؟! فلكلّ شيءٍ حساب، لكلّ شيءٍ حدّ، فما معنى هذا؟ وهل أمرنا يسير حتّى يطردونا؟ هذا يصبح قيدًا، أي إنّ هذا الطريق الذي كان إلى الآن لأجل الله تحوّل إلى مقرٍّ بالنسبة إليه شعر أم لم يشعر، فالعمل الذي يقوم به الآن صار لأجل نفسه، إن كان يساعد الأيتام فلأنّه هو صاحب هذا الكرسي، إن كان يحسن لا أقول إنّه يقوم بعملٍ السوء، حتى الإحسان وعمل الخير والإنفاق ومساعدة الآخرين هو لأجل الحفاظ على هذا الكرسي، لا لأجل الإحسان نفسه، لا لأجل عمل الخير نفسه.

    1. كلمة مارمولك باللغة الفارسيّة تعني نوعًا من السحالي (الحردون) وتستعمل في العرف للتعبير عن المحتال، وقد جعلت عنوانًا لفيلم ينتقد المعممين ورجال الدين في إيران (م)

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

8
  • هذه القاعدة العامة على السالك أن يلاحظها في حالاتٍ أدقّ وألطف، هذه الحالة بعينها. فما معنى طريق الله؟ يعني العمل وفق الأوامر التي تُخرج الإنسان من القيود والأغلال والمنازل، أن يجعل الإنسان هدفه وفكره وطريقه بحيث يجعل منازل النفس مجرد طريقٍ ومعبرٍ بدلاً من أن يجعلها مستقرًا ومقامًا، هذا هو معنى السلوك. 

  • سألوا عارفًا ما هي الحقيقة فقال: الخروج من المجاز وتنحية المجاز والاعتبار. هذا هو معنى الحقيقة ومعنى الواقع، معنى الله هو هذا، الله يعني الخروج عن الاعتبار وتنحية الاعتبار هذا هو الله، لماذا؟ لأنّ الآية تقول {ذلك بأنّ الله هو الحقّ}۱. أي يمكن للإنسان أن يمتحن نفسه في كلّ مكانٍ والجميع يمكنهم ذلك.

  • قبل بضعة أيّام كنت جالسًا فقلت في نفسي دعني أراجع أعمالي، أيّ الأعمال للّه أكثر وأيّها للنفس أكثر؟ دعني أراجعها فجلست ونظرت فيها، نظرت في هذا فقلت هذا يمكن أن نتجاوز عنه، وصلت إلى الثاني... ووصلت إلى واحدٍ فرأيت أنّه لا بدّ أن أجلس وأفكّر فيه، هل نفسي داخلةٌ فيه أم لا ـ وعلى الجميع أن يقوموا بذلك أيضًا ـ قلت يجب عليّ أن أعمل على هذه المسألة، أن أبذل جهدًا، أن أراقب، أدرس الجوانب، أحقّق في الطرق الأخرى، أسلك طرقًا أخرى وأرى هل لنفسي تعلّقٌ بها أم لا؟ هل تتأذّى أم لا؟ إن تأذّت فمن المعلوم أنّ هناك مشكلةً، فهل التفتّم؟ الأمر دقيقٌ جدًًّا، الأمر مهمٌّ جدًًّا، مهمٌّ جدًًّا. 

  • كان رسول الله يرسل سريّةً إلى مكة وقد أعطى قيادتها لسعد بن عبادة كبير قبيلة الخزرج في المدينة فبدأ بإطلاق شعاراتٍ شديدة تحدّثتُ لكم عنها، وفي موضعٍ من المواضع يقول لأمير المؤمنين اذهب وخذ الراية من يده ولتكن أنت القائد، يأتي إليه فيتوقّف، لقد كانت القيادة إلى الآن لي، وقد وصلنا إلى مشارف مكّة، والآن نريد أن ندخل مكة فمن القائد؟ سعد بن عبادة، أفبهذه الحالة نريد أن ندخل مكة ونفتحها؟ وما إن نريد أن ندخل قبل بضع كيلومترات يقول النبيّ سلّم الراية، سلّمها لغيرك، فالذي يريد أن يفعل ذلك لا يريد أن يكون سعد بن عبادة قائدًا، كلا، فأوّلاً يريد أن يتخلّى سعد بن عبادة عن هذا الأمر لصالح سعد نفسه. وثانيًا يرى أنّ فتح مكّة هذا لا بدّ أن يجري بيد التوحيد، أتلتفتون ماذا أريد أن أقول أيّها الرفقاء، ففتح مكة الذي يقوم به رسول الله هو فتح مكة الذي يترافق مع كلمة التوحيد التي تخرج من فم موحّدٍ لا من أيّ إنسانٍ، نمسك بالسيف وبالخنجر وندخل، ونقتلع المشركين ونقمعهم ونضربهم وهذا هو العمل الذي نقوم به نحن. كلا يا سيدي، كلا، ففتح مكّة المطلوب هو الذي لو جاء الله ونزل إلى الأرض ماذا صنع لأهل مكّة هؤلاء؟ رسول الله يفعل ذلك الفعل بعينه، يعني يصل إلى أبي سفيان فيقول لا تضربوا لا تقتلوا. إنّه أبو سفيان الذي آذى الجميع ولكنّ النبيّ هنا يقول لا تفعلوا، ما فعله فعله في الجاهليّة والآن أبو سفيان هذا يصبح منزله آمنًا ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، هذا هو التوحيد، فهل التفتّم ماذا أريد أن أقول، هذا هو التوحيد، هذا يصبح من دون هوى، هذا يصبح من دون هوس، ومن دون نفسٍ ومن دون أنانيّة، هذا معنى تلك الآية ذلك بأنّ الله هو الحقّ، لماذ؟ لأنّ رسول الله عندما يريد أن يدخل مكّة يقول: أيّ فعلٍ فعله هؤلاء الناس فيما مضى فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله، الإسلام يقطع كافة الأعمال السابقة، يجبّ يعني يقطع، وبما أنّه قطع فما الفرق بين أبي سفيان وغيره؟ ما الفرق؟ لقد فعل أبو سفيان تلك الأعمال في زمان الجاهليّة لذلك فإنّ أبا سفيان وحتى آخر عمره هل يمكنه أن يجد في وجدانه وضميره نقطة ضعف في الإسلام هذا؟ أيمكن أن يكون في الإسلام الذي حامل لوائه هو أمير المؤمنين نقطة ضعف؟ يعني عندما يخلو مع وجدانه في الظلمة والخلوة ويغمض عينيه واقعًا ويجعل نفسه إلى جانب أمير المؤمنين والنبيّ فبماذا يمكنه أن يعترض على فعل النبي؟ واقعًا بماذا؟ نعم النفس تقوم وتنكر من جديد وتفسد ولكن في تلك الوحدة الخاصة وفي حالة التجرد عندما ينظر إلى فعل النبي عند فتح مكة كيف جاء ونهى عن القتل...

    1. سورة الحج، الآية ٦.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

9
  • خالد بن الوليد هذا ذهب وقتل بضعة رجال فأرسل إليه النبي على الفور أن يُمسك، لماذا تضرب وتقتل؟! هل أمرتك؟! ولم يكن خالد بن الوليد يريد ذلك لأجل الإسلام فأعماله معروفة، وسجلّه الأسود خصوصًا بعد وفاة رسول الله والفضائح التي ارتكبها وتأييد أبي بكر له والمنع من قتله كلّه واضح، فهذا لا يفعل لأجل الله، كان لديه حسابٌ مع جماعةٍ فما إن ورد مكة ذهب إليهم ليقتلهم كمشركين فمنعه رسول الله فورًا. لديك حسابٌ؟! ما معنى هذا الكلام؟ من وجهة نظري... أرسل إليه رسولاً أن إذا قتلت قاصصتك فألقى سيفه جانبًا.

  • هذا الكلام ليس مزاحًا، النبيّ لا يمازح أحدًا، لماذا لا يمازح أحدًا لأنّ النبيّ مظهر الله، تجلّي الله في الوجود هو النبيّ، والله لا يمازح أحدًا وليس لله ثأرٌ من أحد، ليس عند الله مشكلة مع أحد، لا شيء، الجميع سواسية، بما أنّكم صرتم سواسية فمن شاء فليرتق إلى الأعلى، بما أنّكم صرتم سواسية ولا فرق بينكم فليرتق كلٌّ منكم بمقدار همّته وبمقدار نيّته، كلّ إنسانٍ بمقدار ما يمكنه أن يبذل، فالآن أنتم جميعًا سواسية فلا تقولنَّ غدًا: كلا لقد كان هذا أقرب وأنا أبعد فارتقى هو، كلا، لقد دخل رسول الله مكة وقال: جميعكم سواسية، جميعكم سواسية. آمنوا تصبحوا سواسية. 

  • ما معنى الإسلام يجبّ ما قبله؟

  • الإسلام يجبّ ما قبله، فما معنى يجبّ؟ يعني نطهّر سجلّكم وننظّفه فلا تبقى فيه نقطةٌ واحدةٌ، إن كنتم في زمان الجاهليّة فعلتم ما فعلتم ووأدتم البنات وارتكبتم الفظائع وأيّ عملٍ عملتموه في طريق كفركم، فما إن أتيتم ووضعتم أرجلكم في دائرة التوحيد، فهذا يعني أنّ الأمر قد انتهى ولم يبق شيء من تلك الأعمال. 

  • أتذكرون؟ لا أدري إن أخبرتكم بهذا الأمر أم لا؟ عندما كنت أتحدّث عن مبادئ الحكومة الإسلامية لا أدري إن كنت ذكرت هذا الأمر أم لا؟ عند انتصار الثورة كانوا يعاقبون المجرمين على أعمالهم وفي ذلك اللقاء الذي كان بين المرحوم العلامة وآية الله الخميني في قم فإنّ أحد المواضيع التي ذكرها المرحوم العلامة له كان هذا: ما هو المعيار عندكم في هذه المسائل التي لديكم في هذه المحاكمات وهذه القضايا والعقوبات التي تعاقبون بها المجرمين؟ هل المعيار هو مجرد ارتكاب الخطأ؟ فالنظام الذي كان آنذاك كان من أساسه خاطئًا، والذين كانوا يعملون فيه فهم مخطئون بالتبع، فتارةً يكون هناك إنسانٌ في ذلك النظام يقتل إنسانًا آخر، فهذا يجب الاقتصاص منه ولا خلاف في ذلك، ولكن إن كان هناك إنسانٌ يرتكب خطًا ما في أصل النظام فهو يرتبط بالنظام، يعني أصل النظام خطأ وأنتم عليكم أن تعتبروا هذه الحالة حالة ظهور الإسلام في محيط الكفر، أي عليكم أن تعتبروا النظام السابق نظامًا كافرًا ونظامًا ضدّ الإسلام وضدّ الله، ثم إذا جاءت الثورة وهذه الثورة إلهية، هذه الثورة ثورة التوحيد، والإسلام يجبّ ما قبله في النهاية، فلا بدّ من التفكير بما ارتكب سابقًا من أعمال بطريقةٍ أخرى. الذين قتلوا لا بدّ أن يقتصّ منهم ولا خلاف في ذلك، أمّا بمجرد أن يكون الإنسان قد ارتكب خطًا فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله، فحكومة السافاك لم تكن حكومة الإسلام، كانت حكومة كفر، كانت المبادئ غير إلهيّة، كانت المبادئ ضدّ التوحيد. والآن يرتفع نداء التوحيد، فهذا يصبح مثل فتح مكة. ولكن ... لنمض.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

10
  • عندما يدخل أمير المؤمنين إلى مكّة، أمير المؤمنين نفسه نفس النبيّ، الأفكار التي تدور في ذهن النبيّ بعينها تأتي نسخةٌ منها إلى ذهن أمير المؤمنين وقلبه وروحه. كلّ عملٍ يقوم به فيه رضا النبي، يعطي هذا، ينفق على ذاك، يعفو عن هذا، يقوم بهذا العمل، يقوم بذاك العمل...

  • لماذا يقوم النبي بهذا ويجعل القيادة بيد من هو نفسه؟ نفسه يعني أنّ فكره لا يعمل من دون فكره هو، عمله هو عين عمله، غاية الأمر أنّه هو في نقطة وذاك في نقطةٍ أخرى كلٌّ منهما في نقطةٍ من المدينة، في موضعين مختلفين، ولكنّهما يفعلان فعلاً واحدًا لا فعلين مختلفين، هذا يعفو وهذا يأخذ، هذا يعدم وهذا يعفو، هذا يرحم ويعطف، وهذا يقسو ويغلظ، كلا، هناك عملٌ واحدٌ يتحقق.

  • لذلك فإنّ سعد بن عبادة لا يمكنه أن يكون صاحب لواء التوحيد وإن كن إنسانًا جيدًا، وإن كان من أصحاب رسول الله، وقيس بن سعد بن عبادة من أفضل أصحاب أمير المؤمنين، وهو الذي لم يبايع أبا بكر، كما أنّ سعد بن عبادة نفسه لم يبايعه. ثمّ قتلوا سعد بن عبادة في الصحراء بسهمٍ رموه به وقالوا قتله الجن. هذه حكومةٌ إلهيّة ، في النهاية حكومةٌ إلهيّة، أو عليهم أن يقتلوا بنت رسول الله ويقطعوها أفهذه هي الحكومة الإلهية؟ ثمّ بعد ذلك يأتي ذلك الشاعر العربيّ المصريّ المجنون فيفتخر: 

  • وقولة لعليٍّ قالها عمر

  • يقول: يا له من كلامٍ عجيبٍ قاله عمر لعليّ!

  • أكرم بسامعها أعظم بملقيها

  • كم كان عظيمًا ذلك الذي سمع وكم كان جليلاً ذلك الذي قال يعني عمر!

  • حرّقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

  • سأحرق دارك ولا أدع فيها أحدًا، لماذا؟ لأجل حكومتنا الإلهيّة هذه، من أجل حكومة التوحيد، بيت الوحي... انظروا هذا هو القيد، لقد كان هؤلاء من البداية معارضين ومعاندين، والعجيب هنا أنّ عددًا من البسطاء السذّج قد اتّبعوهم. ثم بعد ذلك تصبح هذه الحكومة قيدًا لهم يحاصرهم، كلّ من يخالف فله حدّ السيف، فهذا يصبح قيدًا، إن لم يريدوا أن يبايعوا فليكن، لا يريدون فليكن، لقد بلغت مرادك وهناك بضعة رجالٍ لم يبايعوك فقط.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

11
  • أحرقت دارك لا أبقي عليك بها إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها 

  • وفعلوها أيضًا، ثم يقول: ما كان غير أبي حفصٍ يفوه بها أمام فارس بطحاء وحاميها

  • أفيمكن لغير أبي حفصٍ عمر أن يقول كلامًا كهذا أمام فارس البطحاء، فارس جزيرة العرب وأشجع جزيرة العرب، حتى عمر يمكنه أن يقول ذلك عندما وقعت معركة أحد، لقد فرّ أبو حفصٍ هذا ثلاثة أيام برفقة أبي بكرٍ وخرجا خارج المدينة، لماذا لا تتحدّث عن تلك الحادثة؟ أمّا ابن أبي الحديد فقد تحدّث فقال: أأخاطبكما بأنّكما رجلان أم أنّكما امرأتان؟ فعندما تحدّث عن أبي بكرٍ وعن عمر قال أدعوكما بناعم الخد، يعني هؤلاء اللواتي يزيّن وجوههن، أم أسميكما رجالاً؟ ففي النهاية هل أنتم رجال وتتركون النبي وسط الجيش والعدو وتفرّون لثلاثة أيّام؟ هنا أنظر يا شاعر النيل! يأتي ويلقي قصيدته العمريّة أمام الملك فاروق حشره الله مع عمر هو وجميع أتباع مدرسته.

  • كنت ذات يومٍ في المدينة قبل عدّة سنوات أزور فرأيت سنيًا من أولئك الشرطة قال اللهم إني أقسم عليك برسول الله هذا أن تحشرني مع الشيخين فقلت: آمين اللهم ألف آمين! فنظر إليّ فقلت: ألف آمين أن يحشرك الله مع هذين.

  • يأتي ذلك ويطرح أوّل جريمةٍ في التاريخ كبطولةٍ وافتخار، أفهل إحراق دار ابنة النبي، ابنة ضعيفة عمرها ثمانية عشر سنة لا يمكنها الدفاع عن نفسها هل إحراق دارها بطولةٌ؟ عندما كان أمام النبي فقط سبع رجالٍ وكان أمير المؤمنين وحده أين كنتم؟ أين؟ حينما نادوا بين الناس أنّ محمدًا قد قُتل أين كنتم؟ والآن تتحدثون عن الأخلاق والسلوك أفهذا هو التوحيد؟ 

  • لماذا ضحّى أمير المؤمنين بفاطمة عليهما السلام؟

  • يقول أمير المؤمنين إنّ هدفي هو التوحيد، يأتون ويحرقون فليأتوا، عليّ أن لا أقيّد نفسي هنا، لأنّهم يا للعجب يقومون بإحراق داري ويخطأون كلا، العجيب أنّهم كانوا أيضًا يدركون فعمرو هذا كان قد عرف أمير المؤمنين جيدًا وعرف سلمان جيّدًا، وعرف النبيّ جيدًا، فقد كانوا يعرفون جيّدًا، كانوا يدركون جيدًا وإلا فإنّ من قسم مرحبًا في معركة خيبر نصفين بضربةٍ واحدةٍ لا يهاب عمرًا أمن هذا يخاف؟ هذه هي الحقيقة، كلا ليست هكذا لأنّ طريق أمير المؤمنين طريق التوحيد فإنّه يحافظ على ذلك الهدف حتّى النهاية، لا يحافظ عليه فقط ما دام هناك مائدة وحلوى وأرز بالزعفران بل في مثل هذه المواضع يحافظ عليه، يحافظ على تلك النيّة، صعبٌ وصعبٌ جدًّا، صعبٌ جدًّا. 

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

12
  • لقد سمعتم في النهاية برثاء أمير المؤمنين للسيّدة الزهراء عليها السلام وأنّه ماذا تعني لي الدنيا من بعدك قد كان يقول حقًّا،إنّها ابنة النبيّ وبتلك الخصوصيّات، لقد كانت السيّدة الزهراء سيّدة نساء العالم، سيّدة نساء عالم الوجود وواسطة الفيض الإلهي في اتصال الوحدة بالكثرة، يعني جميع الكثرات في عالم الوجود، الوجود الخارجي للكثرات وكلّ ما نشعر به وما لا نشعر به، كلّه بواسطة نفس السيّدة الزهراء قد وُجد. ليست بالإنسان اليسير الذي يفتقد ولكن هنا التوحيد أعلى أيضًا، ذلك الهدف أيضًا هو أعلى يقول لا بأس سأفتدي هذه العلاقة الظاهريّة واللقاء الظاهريّ والصحبة الظاهريّة في سبيل ذلك الهدف وفي سبيل التوحيد فصارت السيّدة الزهراء عليها السلام نفسها فداءً للتوحيد، أي إنّ النفس الظاهريّة قد افتدت حقيقتها الباطنيّة وروحها وسرّها، وسيّد الشهداء عليه السلام أيضًا هكذا، وسائر الأئمة عليهم السلام هكذا، كلّهم هكذا، لماذا؟ لأنّهم أعلى. فليبق هو وأنا أذهب، إنّه المحافظة على الهدف والمحافظة على النيّة التي يجب أن تكون لدى الإنسان دائمًا.

  • من هو السالك الحقيقيّ؟ وما هو السلوك الحقيقيّ؟

  • لقد ذكرنا إنّ السالك هو الذي لا يهمّه هذا العنوان، يعني مثلاً سمّوه سالكًا ويريد أن يميّزه هذا الاسم واللقب والاعتبار والعنوان، السالك هو الذي تحقّقت فيه حقيقة السلوك لا عنوانه، وما هي حقيقة السلوك؟ يعني النظر إلى ما هو رضا للّه والقيام به وهذه هي حقيقة السلوك، النظر إلى ما يُرضي إمام الزمان عليه السلام والقيام به، فإذن لا يحتاج السالك للقيام بعمله إلى أمرٍ من إمام الزمان، نحن علينا أن لا نطيع إمام الزمان لأنّه إمام الزمان عليه السلام، ولأنّه صاحب عنوان الإمامة، ولأنّه إنسان يختلف في نظرنا عن سائر الناس، لأنّ له مقامًا عاليًا يميّزه عن سائر الناس، كلّ هذه اعتباراتٌ لأنّ إمام الزمان حقٌّ مطلقٌ علينا أن نطيعه، نحن نريد أن يأتي إمام الزمان ويجلس إلى جانبنا ويقول: افعل هذا العمل لكي نقوم به، ولا فائدة من ذلك. جيّدٌ، لا أقول إنّه سيّء، ولكن ليس له كثير فائدة. 

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

13
  • أفهل إمام الزمان أفضل أم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟! ألم يكن هؤلاء في زمان النبيّ؟ كان النبيّ يقول: تعالوا وصلّوا، صلّوا في أوّل الوقت فكانوا يأتون، لماذا كانوا يأتون لأنّه النبيّ، نعم النبيّ، يضع عمامته على رأسه ويلبس جبّةً ويأتي ويشقّ القمر وقد رأينا جميعًا، فلأنّه شقّ القمرنصغي إلى كلامه، هذا يصبح أحاسيس، هذا يصبح نظر، هذا يصبح عينًا لا قلبًا وسرًّا وضميرًا، لأنّ رسول الله أشار ونبع الماء من الأرض نخضع جميعًا ـ دقّقوا ماذا أريد ـ لأنّ رسول الله أُوحي إليه من الله بواسطة جبرائيل نحن نقبل كلامه، لو لم نكن نرى رسول الله صاحب حالاتٍ مختلفة، فعندما يهبط جبرائيل يُغشى عليه وأحيانًا عندما كان ينزل الوحي ورسول الله على الناقة يسير كانت الناقة تهوي على الأرض من ثقل الواردات التي كانت تأتي من هناك، أحد اصدقائنا كان يقول: عندما كنت في أمريكا ـ وكان يدرس هناك الطبّ ـ كان أستاذنا يهوديًّا وكان يتحدّث عن الصرع وأنواع مرض الصرع والإغماء الذي يحصل للإنسان وأسبابه المختلفة، وهنا قال إمّا عامدًا أو غير متعمّدٍ مثل ذلك الصرع الذي كان يحصل لمحمّدٍ كما كان يقول في بعض الحالات الخاصّة لأنّ هؤلاء لا يعتقدون بالإسلام ولكن في التاريخ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عندما تأتيه هذه الحالات من الوحي كان يغشى عليه وطبعًا لم يكن صرعًا ولكن كان إغماءً، وقد سمّاه هذا الآن صرعًا، يريد أن ينتقص من النبيّ، وأنّه في بعض الحالات غير المتعارفة التي كُتب عنها في التاريخ كان يحصل لديه صرعٌ أيضًا. كان يقول: قمت وقلت له: ألم تقرأ في التاريخ أنّ النبيّ عندما كان يصاب بما تسميه الصرع كانت ناقته تهوي إلى الأرض فأيّ صرعٍ هذا إذا حلّ يهبط منه الجمل إلى الأرض؟ أفهل الصرع هكذا؟ فبُهت وقال: لم أطّلع على هذا. 

  • لقد كان الجميع يرون هذه الحالات، حتّى اليهود يعترفون بهذه الحالات في النهاية، هم يعترفون الآن، لو لم يكن الناس يرون هذه الحال، لو لم يكونوا يرون شقّ القمر، وردّ أمير المؤمنين للشمس والاعتراف بالشهادة من التمساح، والاعتراف بالشهادة من الشجرة، لو لم يكونوا يسمعون الشهادة بالرسالة والبعثة للنبي من لسان الحصى والأشجار بآذانهم هذه، لو لم يكونوا يرون ذلك فكيف كانوا يتعاملون مع النبيّ؟ هذا هو الأمر الذي كنت أودّ أن أتحدّث عنه اليوم معكم. لو لم يكن ذلك كيف كانوا سيتصرّفون؟ كيف كانوا سيحترمون؟ كيف كانوا سيعظّمون؟ أجل لاختلف، لقالوا حينها حسنًا نستمع لا بأس، ولقالوا في أوقاتٍ أخرى: كلا يا عزيزي من غير المعلوم أنّه حقّ، رأينا نحن أفضل، ذلك الاهتمام الذي كان موجودًا للقاء رسول الله ما كان ليحصل من دون هذه الأمور، ذلك الاحترام لرسول الله الذي يجب أن يكون من قبل الناس هو احترامٌ ناشئٌ من الأحاسيس وليس احترامًا عقلانيًّا، فهذا معنى العرفان، العرفان والسلوك هو أن يخرج الإنسان من دائرة الأحاسيس ويخطو في وادي الواقع والحقيقة. لذلك فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحيانًا كان يُجبر أن يقوم بعملٍ، لقد كانوا مجبرين فقد كان يصل الأمر إلى حدٍّ أنّهم إذا مرّت عدّة أيّامٍ ومرّت مدّةٌ لم يروا فيها من النبيّ شيئًا، كانوا يبدأون شيئًا فشيئًا من جديد بالشكّ، إلى أن يروا شيئًا ثمّ ينقلوه فتحلّ المشكلة بالكامل، ماذا حصل؟! إنّه هو. ما دام النبيّ موجودًا فنحن نتّبعه وما إن ذهب شقُّ القمر بذهاب النبيّ وذهب ردّ الشمس وتسبيح الحصى وكلام الحيوانات وشهاداتهم، عندما ذهب كلّ ذلك ماذا حصل؟ ارتدّ الناس إلى حالتهم الاعتباريّة والأحاسيس الدنيئة والسافلة لذلك اتّبعوا عمرًا وأبا بكرٍ، لماذا؟ لأنّهم رأوا أنّ هذا لحيته بيضاء وطويلة إلى هنا ما شاء الله أكثر من ستة أشبار. عمامته رائعةٌ جدًّا، عمّ رسول الله يتكلّم مع الناس بكلماتٍ هادئةٍ ولطيفة ثمّ يرتقي المنبر ويبكي، لقد كان تكليفًا إلهيًّا في النهاية، لقد أُجبرت أن أقبل، وعندما ذُكر اسم عليٍّ عليه السلام في السقيفة صفع عمر ذلك الرجل على فمه فملأه دمًا، فهذا كلّه تكليفٌ إلهيّ في النهاية، يسمّون الخداع والرياء والاحتيال والجناية تكليفًا إلهيًّا، ولقد اعترف عمر نفسه فقال: كانت بيعة أبي بكرٍ فلتةً وقى الله شرّها، كانت بيعة أبي بكرٍ خطأ ولكنّ الله ستر شرّه، فعمر نفسه هو بعينه اعترف بهذا، وأبو بكر ألم يقل مرّاتٍ من على المنبر إذا أخطأتُ فقوّموني، فذاك هو التوحيد وهذا هو الاعتبار.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

14
  • إمام الزمان عليه السلام يعني حقيقة الأسوة في جميع المسائل وجميع الأمور، هذا هو الإمام، إمام الزمان عليه السلام لا يختلف بالشكل والهيئة عن الآخرين، مثل واحدٍ من الناس لا يختلف، الكلام الذي أسمعه من إمام الزمان تارةً لأجل أن أستيقن وأعمل فهذا شيء، وعلى الإنسان أن يستيقن وأن يسير على أساس اليقين حسنًا، وهذا اليقين يحصل من أيّ طريقٍ، لا أنّ الشكل الظاهري وجسم الإمام عليه السلام يكون مؤثّرًا في طاعتنا وانقيادنا وهذا خطأٌ، إمام الزمان موجودٌ في كلّ مكان ولا يحتاج إلى رؤية، إن كنّا ننتظر أن يأتي ويقول فنصغي فلا فائدة من ذلك، يقول فإذن أنتم كنتم تنتظرون أن آتي إلى كلّ واحدٍ منكم بعينه؟! أفهل أنا عاطلٌ عن العمل حتى آتي إلى كلّ واحدٍ وأقول له: إفعل هذا ولا تفعل ذاك؟ أقول كلامًا واحدًا وعلى الجميع أن يعملوا وينتهي الأمر، أنهى نهيًا واحدًا وعلى الجميع أن يجتنبوا، أصدر أمرًا وعلى الجميع أن ينفّذوا، فإذن إذا استيقن الإنسان أنّ أمرًا ما يريده الإمام عليه السلام فلا بدّ أن يتعامل معه وكأنّ الإمام حاضرٌ وموجودٌ إلى جانبه، وكأنّه جالسٌ هنا يقول له قم بهذا العمل، فإن فعل فهو سالك وإن لم يفعل فليس سالكًا. فإذن السلوك لا عنوان له، السلوك يعني الطريق الذي يرضاه إمام الزمان عليه السلام، وأن يطوي الإنسان هذا الطريق، ويتقدّم إلى الأمام ويسير ويتقدّم في علاقاته، في عمله، في جميع الأمور عليه أن يسلك هذا الطريق، إن فعل ذلك حينها لا يكون السلوك قيدًا للإنسان ومَقَرًّا بل يكون معبرًا، بعدها لا يميّز الإنسان نفسه عن الآخرين، وبعدها لا ينظر الإنسان إلى الآخرين بنظرةٍ أخرى، بل ربّما يرى نفسه أقلّ من الآخرين لا أنّه يلقّن نفسه بل يراها كذلك، واقعًا يراها، فتارةً نحن نلقّن أنفسنا أنّنا أدنى فلا فائدة من ذلك كلّه مزاح، كلّه مزاح. بعضهم يكتبون إليّ رسائل ويقولون نحن أدنى ... وأنا أضحك وأقول له: لا تمزح! لا تستصغر نفسك المباركة! ولتحترمها ولتقدّرها! تعرض مسألةٌ ما وكأنّ شيئًا لم يكن، نرسب ليتنا نأخذ علامةً واحدة بل نأخذ صفرًا، لماذا؟ لأنّنا نمزح مع أنفسنا، نمزح مع أنفسنا، دعونا نتكلّم قليلاً بصراحة وصدق، نحن نمزح مع أنفسنا لا نأخذ الأمر جادًّا، لقد أخذه الأعاظم بجدّ وأمّا نحن فلا، نحن لا ننظر إلى الأمر كما هو حقّه، فلتعمل يا رجل بما يرضي أولياء الله ولا معنى لهذا الكلام، فما معنى أنّه يجب أن أسمع من السيّد نفسه؟! ما معنى هذا الكلام؟! هل هذا موضع رضا أولياء الله أم لا؟! السيّد القاضي ماذا قال للذين جاؤا إليه ليأخذوا برنامجًا؟ قال: هل تعملون بما تعلمون حتى تأخذوا منّي شيئًا جديدًا؟! إنّه كلامٌ عجيبٌ جدًّا، نحن ليس لدينا هنا نظام وجهاز ومكتب ودكّان وأمثال ذلك، نحن نقول ما هو موجود، أنت تعرف ثلاثين بالمئة فاعمل ثلاثين بالمئة في النهاية، تعلمُ أربعين بالمئة فاعمل أربعين بالمئة فلا نخادع أنفسنا! لا نخادعها من هذه الجهة ومن تلك! فهذا لأماكن أخرى لا لهذا المكان. نأتي ونعمل عملاً ما نبذل جهدًا ثم بعد ذلك نكون خالي الأيدي فلا معنى لهذا لا معنى له. 

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

15
  • ما هو معيار كوننا من أهل البطالة أم لا؟

  • هناك معيارٌ لكي نعلم ما إن كنّا قضينا وقتنا بالبطالة أم لا؟وهو أنّه بعد انقضاء بضع سنوات عندما نراجع أنفسنا كم نجدها خاضعةً أمام مدرسة الحقّ؟ هل نقبل أم لا؟ وآنذاك كم كنّا نخضع؟ فلنفكّر الآن، ليس الآن الآن، بعد قليل أيّها الرفقاء إذا ذهبنا فلنجلس في البيوت ونفكّر فالموارد أيضًا واضحة ويمكن للإنسان [أن يدرك ذلك من نفسه]، فكم لدينا مرونة أمام الحقّ مهما كان وكم لدينا مواجهة؟ هل نقف أمام الحقّ؟ إن وجدنا أنّ لدينا مرونةً ندرك أنّ الأوقات لم تمض بالبطالة، وطبعًا يمكن أن يكون أيضًا هناك مجالٌ لأن نفعل أكثر من ذلك ولم نفعل. ولهذا مراتب أيضًا فكم لدينا من المرونة؟ عندما نسمع بكلامٍ ما فهل قبل أن نفكّر فيه نقف مباشرةً في مقام الدفاع أم لا؟ أرأيتم عندما يتكلّم الإنسان مع بعض الناس ما إن يتكلّم يشعر أنّهم يلقون ستارًا في أذهانهم وفقط ينتظرون الموضع المناسب ليردّوا فلا فائدة من ذلك مهما قال: أنا سالك ولو قال مئة سنة. ولكنّ بعضهم عندما يتكلّم الإنسان يراهم يصغون قبل أن يمسكوا بالسكين، قبل أن يجعلوا حاجزًا من الإسمنت يقولون: ماذا يريد أن يقول هذا؟ ما هو الكلام الذي يريد أن يقوله؟ هذا الأمر سيصل لاحقًا. لكنّ بعضهم يصطدم الكلام به، وما إن يراه يصطدم به تشرع النفس بالشيطنة وتجد لنفسها مهربًا، ولكنّ الناس الأذكياء ليسوا كذلك، يقولون: ما دام يصادمني فلأمرّن نفسي بذلك. يمرّنها ويمرّنها فإذا انتهى يقول: نعم الحقّ معكم، صحيح وأنا سأغيّر طريقي، سأقوم بذلك، سأقوم بذلك صحيح، هذا هو الرابح، هذا هو الرابح. فالإنسان يدرك في النهاية.

  • في النهاية جميعنا مبتلون، جميعنا، فلنطلب المساعدة شيئًا فشيئًا من الله، ولنستمدّ، لنستمدّ من الله أن يجعلنا مطيعين منقادين ولا يجعل أوقاتنا تمضي بالبطالة. والإنسان يمكنه طوال مسيره أن يحقّق هذه الحال في نفسه وأن يختبر نفسه فيما تعدّه حقًا، فليختبرها مرّةً ونفع ذلك يعود إليه.

  • كيف نحيي الخامس عشر من شعبان؟

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

16
  • في هذه الأيام أيّام ولادة إمام الزمان عليه السلام في شهر شعبان ماذا علينا واقعًا أن نطلب من الله؟ إقامة المجالس وذكر اسمٍ لإمام الزمان وأمثال ذلك فهل هذا هو المطلوب؟ هذا كلّه جيّد وشعائر للدين، هذا كلّه مفيد، ويجب أن تكون هذه الشعائر، وإعلاء كلمة الحقّ وكلمة التوحيد لا بدّ أن تكون توأمًا مع هذا. فمراتب فهم الناس مختلفة والناس من حيث القدرات في مراتب مختلفة، فهذه الأمور أيضًا لا بدّ منها. ولكن ما يجب أن يبحث عنه الإنسان الذكيّ والحاذق هو أنّ إمام الزمان عليه السلام دائمًا حيٌّ. 

  • ليلة الثلاثاء هي ليلة ولادة ولاية ذلك الإمام، لا ليلة ولادة جسمه الظاهريّ، يعني علينا أن نجد هذا الإمام حيًّا، أن نشعر بذلك في تلك الليلة، أن نجعل وجود إمام الزمان عليه السلام في نفوسنا، علينا أن نجهد في ذلك وتلك الحقيقة نجعلها في أنفسنا. ما معنى ذلك؟ حينها سنشعر في اليوم التالي أنّنا نتّبعه، عندما جعلنا من تلك الولاية في أنفسنا لن يمكننا بعد ذلك أن نفارقه وأن نعمل على مخالفته، لا يمكننا أن نسير خلاف ما يرى، لا يمكننا أن نعمل ما يخالف رأيه، لماذا؟ لأننا نكون قد خنّاه، فإمّا أن لا نجعله من البداية ونقول دائرة إمام الزمان مستقلّة ونحن أيضًا مسلمون وشيعة وهو بحاله ونحن بحالنا، وإن شاء الله نأمل بالشفاعة، حسنًا فهذا نوعٌ وهم أيضًا سيعاملوننا هكذا لا أكثر، وتارةً أخرى نرتقي أكثر يعني إذا حلّت ليلة النصف من شعبان نقول يا الله اجعل وجود هذا الإمام في نفوسنا، فنحن فانون في وجود هذا الإمام شئنا أم أبينا سواءٌ كنّا مسلمين أو كافرين أو مشركين، كلّ عالم الوجود فانٍ في وجود إمام الزمان عليه السلام ونفسه، والجميع يسترزقون من نفس إمام الزمان سواء المؤمن والكافر، لا فرق في ذلك، غاية الأمر أنّ عنايته الخاصّة هي بالشيعة وبالموالين، فإذن نحن لأجل هذا نجعل إمام الزمان في نفوسنا، كان المرحوم العلامة يقول جاء رجلٌ إلى السيد الحداد رضوان الله عليه يريد أن يسافر إلى مكّة فقال له أنا لا أكلك إلى الله ولكن أوكّلك بالله، معنى أوكلك إلى الله واضح أن الله يحفظك، وأوكّلك بالله أنّك أضعت الله وأريد أن أجعل الله عندك فخذه، على الأقلّ لا تضعه هذين اليومين، نحن علينا أن نجعل إمام الزمان في أنفسنا، لا أن نجعل أنفسنا فيه، هو موجودٌ، هو المؤمن والكافر في وجوده بلا فرقٍ، وجميع عالم الوجود فانٍ في إمام الزمان وجبرائيل أيضًا فانٍ في إمام الزمان عليه السلام. حياة جبرائيل، حياة ميكائيل جميعها مرتبطة بنظر إمام الزمان عليه السلام فهكذا هو إمام الزمان في النهاية، نحن نظنّ أن إمام الزمان هو إنسانٌ في النهاية مثل سائر الناس وله لقب الإمامة أيضًا مثل سائر الناس. إمام الزمان حقيقةٌ، حياته في أن يكون موجودًا فينا، لو لم يكن ذلك فإنّه لا يكون حيًّا، سيكون لنفسه ولا علاقة له بنا، متى يكون إمام الزمان حيًّا؟ عندما يكون في نفوسنا، عندها يكون حيًّا، متى يكون ميّتًا؟ عندما لا يكون في نفوسنا ولا تكون ولايته في نفوسنا، عندها لا يكون إمام الزمان حيًّا، يكون لنفسه، يقوم بأعماله الخاصّة، يدبّر أموره الخاصّة ولا علاقة له بها.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

17
  • فإذن علينا أن لا نكتفي بالمجالس والاحتفالات و... ونظنّ أنّه انتهى الأمر، قلنا مدحًا لإمام الزمان وقرأنا شعرًا ووزّعنا بضعة كيلوات من الحلوى وانتهى الامر وصرنا شيعةً، كلا، هذا جيّدٌ ولا بدّ منه فالناس مختلفون والمراتب مختلفة ويبج أن يستفيدوا جميعًا، يجب أن يعلم الأطفال، يجب أن يكبروا على ولاية إمام الزمان، يجب أن تكون حياتهم مقرونةً بذكر إمام الزمان، فهذا كلّه موجود، وله خصوصيّاته وهذ الشعارات هي كلّها في هذا المجال. ولكن ما هو الأعلى من ذلك، هو أن نجعله في أنفسنا وهذا أمرٌ صعبٌ ومشكلٌ ويحتاج إلى مداومة واهتمام وهمّة، وهمّة ذلك أيضًا يجب أن نأخذها من الإمام نفسه.

  • الأيام هي أيّام منتصف شعبان وأيام ولادة ذلك الإمام، وفي شهر شعبان وشهر رجب وشهر رمضان الأمور واضحة وكيف يجب أن تكون البرامج وكيف يجب أن تكون المراقبة، فعلى الأقلّ لنهتمّ أكثر في هذه الأشهر الثلاثة بهذا الموضوع، لندقّق أكثر بكلام الإمام الصادق هذا: ولا يدع أيّامه باطلاً، لا حاجة لأن نجهد أنفسنا وأن نذكر ذلك الإمام بشكل دائم، كلاّ، لافائدة من ذلك، فالأمر سهلٌ يكفي أن لا نغلق الباب أمام إمام زماننا وهو بنفسه يدخل، كلاّ، فلا حاجة إلى التفكير والإجهاد الدائم وأمثال ذلك، هو دائمًا يريد أن يدخل، هو يريد، يقول: أريد أن أدخل إلى هذا المنزل ولكنّنا دائمًا نغلق الباب بالأعمال الخاطئة التي نرتكبها في المنزل نغلق الباب بالكذب والغيبة والتهمة والأذى، بالاختلافات، بالنفاق، بإثارة النزاع بين اثنين، بالضجيج، بالموسيقى نغلق الباب في وجه إمام الزمان عليه السلام، نغلقه فإمام الزمان لا يطأ برجله بيتًا فيه أصوات الموسيقى والغناء وأمثالها.الإمام لا يطأ بيتًا فيه نقوش ورسومات وصور وأفلام وأمور محرّمة، بل الشيطان في هذا المنزل ، الشيطان.

  • قبل بضعة أيّام دخلت إلى بيت وكان هناك عقد زواج، فلّما دخلت إلى جوّه أصابتني حالة من التهوّع فقد كان عجيبًا جدًّا، وكثير من الناس ومن الأصدقاء أيضًا والرفقاء والأخوات اللواتي كنّ هناك أيضًا شعروا بذلك، كان عجيبًا جدًّا قد سيطرت عليه الظلمة وغطّته، ماذا كان قد حصل؟ فقلت لماذا هنا كذلك؟ وكنت أريد أن أخرج في الأساس وفي النهاية أجرينا العقد بعد جهدٍ جهيد وواقعًا كأنّهم قد حطّموا على رأسي جبل أبي قبيس حتّى استطعت أن أقوم بمقدّمات العقد وأمثالها ثم علِم أنّه كان في هذا المجلس عددٌ من النساء غير المحجّبات، وهذا هو الأمر يا سيّدي لا مزاح في ذلك فطريق الله وطريق الشيطان لا يلتقيان، عندما تدخل امرأةٌ سافرة إلى مجلس فهذا يعني أنّ نفسها الخبيثة والملوّثة تجعل ذلك الجوّ متعفّنًا، شئتم أم أبيتم، خذوا كوبًا من الماء، الماء الزلال، هذا الماء المصفّى ثمّ ألقوا فيه ملعقةً من الحبر فلا يبقى كذلك بل يفسد كلّ الماء ويكدّره ويجعله أسود، مهما قلتم: لا، يجب أن يقاوم هذا الماء. فإنّه لا يقاوم، ماذا يصنع؟! لا يقاوم فالجوّ والفضاء هو له هذه الحالة، فإذا دخل الإمام غيّر الأجواء وإذا دخل الباطل غيّر الأجواء. ولا يمكن بيدٍ واحدة أن نحمل بطيختين. لقد كان الجوّ عجيبًا جدًّا، الله يعلم كم كان ضاغطًا علينا حتى استطعنا أن نجلس ربع ساعة لننهي الأمر ثمّ فررنا على الأعلى، لماذا؟ لأجل هذا الأمر. 

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

18
  • كم نشارك نحن في هذه المجالس؟ كم نتعامل مع أنواعٍ مختلفة من الناس الملوّثين بالاعتبارات والملوّثين بالنفسانيّات، نتكلّم معهم، نسلّمهم قلوبنا، كلّ ذلك يسبّب فعلاً وردود فعل ثمّ بعد ذلك نقول: نحن سلاّك وقد أمضوا سجلّنا ولا يمكن لأحدٍ حتى جبرائيل أن يمحيه.

  • قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المجلس الذي لا يكون فيه ذكر للّه وبالٌ على أهله يوم القيامة.۱ وخلوّه من ذكر الله لا يعني أنّه لا يُقرأ فيه دعاء الجوشن، بل يعني أنّه يُقضى بالدنيا، بالكلام الفارغ، بالغيبة، بالمعاصي، هذا كلّه ماذا يعني؟ يدع أيّامه باطلاً ، هذه هي البطالة.

  • إن أردتم أن تصغوا فاصغوا وإلا فالأمر إليكم، لا يختلف الأمر، تشارك في هذه المجالس إلى حدٍّ كبير فيقول الله: نحن جعلنا الطريق لك ولغيرك، لكليكما، غاية الأمر إذا انتقلنا إلى هناك فلا يمكن للذين يذهبون إلى ذلك المجلس أن يأخذوا بأيدينا حينها سنكون وحيدين، وحيدين.

  • إذا كان هناك عدد من الناس مع بعضهم، ودخلوا منطقةً وبائية أصيبوا بالجذام والوباء و... أفسمعتم أنّهم يقولون دعونا نخرج معًا؟ أم أنّ كلّ واحدٍ منهم يفرّ في اتّجاه ويركب سيارةً وهذا من هذه الناحية لا يستنشق حتى نفسًا واحدًا ويغلق زجاج السيارة وذاك من جهة أخرى... 

  • ـ لقد كنّا معًا إلى الآن! 

  • ـ دعه واهرب، لا معنى للقول كنّا معًا هنا.

  • والأمر يوم القيامة هكذا أيضًا، كلّ إنسانٍ يفرّ في اتّجاه لما هو أصعب من ذلك، أصعب من ذلك بألف مرّة، فلنفكّر بأنفسنا الآن فإنّه لا أحد يفكّر بنا يوم القيامة. إن كان هناك أحدٌ يفكّر بنا هو إمام زماننا لا غير، فقط هو إنسانٌ واحد.

  • فلتعظّموا ليلة النصف من شعبان كثيرًا، لقد كان المرحوم العلامة والأعاظم والأولياء يحيون ليلة النصف من شعبان، وأنا لم أر في حياتي اهتمام الأعاظم لإحياء ليلةٍ من الليالي كاهتمامهم بإحياء ليلة النصف من شعبان، رغم أنّه هناك أيامٌ في السنة وليالٍ للإحياء مثل ليلة السابع والعشرين من رجب والسابع والعشرين من شهر رمضان وعيد الغدير والسابع عشر من شهر رمضان وأمثالها والتي لدينا في الروايات أنّ أمير المؤمنين كان يُحييها. وإن كان في المنزل فلا إشكال، فليس من الضروري أن يكون هناك اجتماع. وليُقرأ حتمًا دعاء كميل ودعاء الجوشن وسوَر الحواميم. ولنعلم أنّ هذه الليلة مهمّةٌ جدًّا جدًّا. ولو قلت للرفقاء من أسرار ليلة النصف من شعبان والتي لست مجازًا بالحديث عنها لبقوا مستيقظين من الآن إلى نصف شعبان يهيّؤون أنفسهم، إنّها مهمة إلى هذه الدرجة.

    1. مسند أحمد بن حنبل، ج٢، ص ٢٢٤: ما مِن قَومٍ جَلَسوا مَجلِسًا فتَفَرَّقوا عن غَيرِ ذِكرِ اللهِ إلَّا تَفَرَّقوا عن جِيفةِ حِمارٍ، وكان ذلكَ المَجلِسُ عليه حَسرةً يَومَ

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

19
  • كان المرحوم العلامة يقول إنما أُعطينا ما أُعطيناه في ليلة النصف من شعبان. ففتح الباب الذي حصل له والأمور التي حصلت كانت كلّها من أجل هذا. 

  • كيف نستعدّ لشهر رمضان

  • شهر رمضان على الأبواب وهو شهرٌ مهمٌّ جدًا، هو شهرٌ وسّع الله فيه رحمته مقدارًا ما، يعني تلك الرحمة التي تشملنا نحن أيضًا، أمّا شهر رجب وأمثاله فهو للأولياء ـ طبعا أنا أتحدّث عن نفسي فعندما أمزح مع الرفقاء فإنّما أتحدّث عن نفسي، وإن كان مزاحًا جادًّا ـ شهر شعبان شهر النبيّ وله آثاره الخاصّة، ولكنّ التقديرات الإلهيّة ومدبّرات الأمر في شهر رمضان تعمل بطريقةٍ أخرى، فالله فتح باب رحمته أكثر في هذا الشهر، والذين ليس لهم الاستعداد الكافي لتلقّي الجذبات والواردات الإلهيّة في شهري رجب وشعبان، يحصلون على هذا لاستعداد في شهر رمضان وهذا معنى الرحمة، لأنّ شهرَي رجب وشعبان لهما شروطهما الخاصة، ويتطلّبان طهارةً خاصّة، ورجب هو الأقوى ومن بعده شعبان، ولكن ما دام هناك شهر رمضان فهذه الرحمة لا تقلّ بل تتّسع وتشمل عددًا أكبر من الناس، وتشمل بدائرة ولايتها عددًا أكبر، ولذلك لا بدّ من التدقيق أكثر، وكلّما دقّق الإنسان أكثر، وكلّما راقب أكثر ازداد نصيبه. لنبتعد عن كثرة الطعام. والأطعمة الدسمة والمتنوعة واللذيذة ليست مطلوبة كثيرًا، لا بدّ أن يكون الطعام مفيدًا ومقويًّا. والأطعمة المقلية والتي تحتوي الدهون والتوابل كلّها مضرّةٌ للجسد وتترك تأثيرًا على الروح أيضًا. كلّما كانت حالة الدم قلويّة أكثر كان تأثيره أفضل مما لو كانت حمضيّة، لا بدّ أن يكون الدم رقيقًا، تناول الفواكه والخضروات والأطعمة المقويّة وقليلة الحجم تؤدّي إلى أن تكون النفس أقلّ اهتمامًا بالبدن لأجل هضم الطعام وبالتالي تستفيض من الأعلى أكثر، فإذا ملأ الإنسان معدته اشتغلت النفس بها، وصرفت قواها في تدبيره فقصّرت في الناحية الأخرى جرّبوا ذلك، جرّبوا. كلوا في ليلة حتّى التخمة، وفي ليلةٍ أخرى طعامًا ملائمًا ومقويًّا ... يجب أن لا يكون الطعام ثقيلاً في النهار وخصوصًا في الليل ينبغي أن يكون أخفّ، وفي السحرّ ينبغي أن يكون الطعام بنحوٍ يمكّن الإنسان من الحركة لا أن يكون ثقيلاً.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

20
  • يجب أن نمتنع عن الدعوات إلى الإفطار التي لا معنى لها، والتي تكون للمباهاة والتنافس فقط، لا داعي لكثرة الإفطارات هنا وهناك، كلا فالكثير منها هي لأمورٍ أخرى أكثر من كونها ذات بعدٍ إلهيّ، لا تبذخوا في دعوات الإفطار، ورجّحوا الجوانب الإلهيّة، وعلينا أن لا نكثر من الذهاب إلى هنا وهناك، وخصوصًا في العشرة الأخيرة من شهر رمضان فلنحترمها جيّدًا، ولدينا في الروايات أنّه إذا حلّـت العشرة الأخيرة من رمضان كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يجمع فراشه أي إنّه كان يبقى مستيقظًا حتّى الصباح، والسيّد القاضي لم يكن أحدٌ يراه، وتبدُّل حال أولياء الله في هذه العشرة الأخيرة من شهر رمضان بالمقارنة إلى سائر الأيّام كان واضحًا حيث كانوا يحسبون لها حسابًا آخر، كانت مراقبتهم أكثر واهتمامهم أكثر، ورحم الله الحاج هادي الأبهري كان يقول على قدر ما تدفع من مالك تُعطى.

  • هنا ينبغي أن ننظر إلى همّة الناس، فكلّما كانت الهمّة أعلى كان النصيب أكثر، فالسالك الذكيّ والسالك الحاذق هو الذي يستفيد من هذا المتاع الإلهي أكثر، ما إن يأتي شهر رمضان حتى يُعلن الناس المصيبة أن يا ويلنا لقد جاء شهر رمضان فماذا نصنع؟! علينا أن نصوم شهرًا كاملاً وإن شاء الله يمضي سريعًا، كلا، الله لا يرضى بهذا، الله يرضى إذا كان الإنسان يعدّ اللحظات لكي يصل شهر رمضان، فرقٌ كبيرٌ بين العبد الذي يأمره المولى القيام بأمرٍ ما، فيعبس ويتأفّف ويقوم به، لا أنّه لا يقوم به، وبين العبد الذي ما إن يأمره حتى يطير، أيّهما أفضل؟ كلاهما يؤدي العمل، ولكن بأيِّهما يُسرّ المولى وعن أيِّهما يرضى؟ وأيّهما يزيد من نصيبه أكثر؟ فالذي ينتظر وصول شهر رمضان يرزقه الله أم الذي يقول: في النهاية سيأتي شهر رمضان و...

  • كنت ذات مرّةٍ في المدينة ولم نكن قد ذهبنا إلى مكّة بعد، وذلك في أيّام المرحوم العلامة في السفر الأخير، جاء أحد هؤلاء الرفقاء فقلنا: كيف الحال؟ فقال: إن شاء الله ستمضي في النهاية، ستمرّ هذه الأيّأم ونرجع إلى نسائنا وأولادنا، إن شاء اللله ستنتهي. فقلنا: ما شاء الله! بعد هذا العمر سبعين سنة رجلٌ عجوز يقول: إن شاء الله تمضي هذه الأيّأم ونرجع إلى أهلنا؟! كلاّ، هذا ليس جيّدًا، ليس صحيحًا، فهذه هدايا إلهيّة تُعطى هكذا، تُعطى بهذا الشكل، وعلى الإنسان أن ينتظر، على الإنسان أن ينتظر العبادة.

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

21
  • قبل بضعة أيّام كنت أستمع إلى كلام المرحوم العلامة في أحد خطبه في مسجد القائم ـ وعلى الرفقاء أن لا يغفلوا عن هذه الكلمات فإنّها لا يُعثر عليها في مكانٍ آخر، وواقعًا عندما أستمع أحيانًا إلى هذه الأشرطة وهذه الخطب يرتجف بدني، وهذه الكلمات واقعًا دواء طريقنا ومسيرنا وبرنامج عمل لنا نستمعها من هؤلاء الذين ساروا ووصلوا إلى الهدف، وإلا فالكلام كثير في الكتب والمجلاّت ـ كان يقول: إذا اقترب وقت صلاة الظهر كان الجميع يرون رسول الله صلى الله عليه وآله في حال انتظار، متى يحلّ، مثلاً كم دقيقة؟ ربع ساعة، عشرون دقيقة قبل الزوال، وعندما كان يحلّ موعد صلاة المغرب كان الجميع يرون أنّ حال رسول الله تتغيّر شيئًا فشيئًا بحيث لا يعرف أحدًا، لا يتكلّم مع أحد، لا يضحك لأحد ولا يمزح مع أحد. إنّه ينتظر، فهل نحن كذلك؟ صار وقت المغرب، أيمكن أن نؤخّر الصلاة ساعةً أخرى؟ نؤخّرها ساعتين ثلاث ساعات، ثمّ إن لم يمكن نقضيها لاحقًا.

  • كان رسول الله صلّى الله عليه وآله ينظر إلى صلاة الظهر والمغرب والصبح على أنّها مائدةٌ إلهيّة. فكيف ننظر إليها نحن ؟! نقول لقد تعلّق بنا تكليفٌ وعلينا أن نقوم به وإلا وقعنا في قعر جهنم. إذا نظرنا هكذا فلا فائدة، والله لا يرضى من هذا، الله يقول أيّها الشقيّ كان بإمكاني أن لا آمرك بالصلاة، ألم يكن بإمكاني؟! كان بإمكاني أن أقول: لا تصلّ! ولكنّه ينقص من جيبك أنت أيها المسكين، هكذا علينا أن ننظر، صيام شهر رمضان هكذا، يعني علينا أن ننتظر من الآن، وعلينا من الآن أن نبدأ، ففي النهاية صيام شهر شعبان مهمٌ جدًّا، كان رسول الله يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيّامه، فكان يصوم في شهر شعبان هذا، وكان يُوصل صيام رجب وشعبان بشهر رمضان، يعني كان رسول الله يصوم ثلاثة أشهر، وأولياء الله كانوا يصومون ثلاثة أشهر والأئمة عليهم السلام كانوا يصومون ثلاثة أشهر، نحن لسنا هكذا، ولكن علينا أن لا نكون مثل هؤلاء الذين يقولون إنّ شهر رمضان كلّفنا به. أحيانًا أقول ماذا كان حصل لو أنّ الله يجعل شهر رمضان ثلاثة أشهر أو شهرين؟! في النهاية شهرٌ واحدٌ لا يفي، ما إن يبدأ الإنسان بالصيام حتى ينتهي، كم كان جميلاً لو يجعله ثلاثة أشهر أو أن يقسّمه في أيّام السنة، في كلّ شهرين شهرًا للصيام، لصمنا ثلاثة أشهر، ولكنّ الله ترك الأمر مفتوحًا فقال شهرٌ واحد هو شهر رمضان ثمّ من كان رجل هذا الميدان ومن كانت له همّةٌ أعلى كان له نصيب أكثر وأرفع. 

كيف يتحوّل طريق السالك إلى غاية و سد ؟

22
  • نسأل الله تعالى أن يشملنا برحمته الواسعة ولا يمضي أوقاتنا بالبطالة، وأن يقدّر لنا ما هو موضع رضا وليّه ووليّ عالم الإمكان قطب دائرة الوجود بقيّة الله الحجّة بن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وأن لا يحرمنا في الدنيا من زيارته وفي الآخرة من شفاعته.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد 

  •