المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالعزّة والعلو
التاريخ 1426/02/15
التوضيح
كيف تبني حياتك على أساس الحاجات الواقعيّة لا الخياليّة؟ وما نتيجة الاهتمام بالنفس أولاً؟
ما هي القراءات الثلاث لسيّد الشهداء؟ وهل يكفي البكاء عليه؟! وكيف تكون معه (ع)؟
تجيب هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة وغيرها ضمن شرحها لفقرة وولا يطلب الدنيا تفاخرًا وتكاثرًا ولا يطلب ما عند الناس عزّا وعلوًّا.
هو العليم
حاجات النفس الواقعيّة والخيالية
شرح حديث عنوان البصري- المحاضرة ۱۱٣
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على نبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
ولا يطلب الدنيا تكاثرًا وتفاخرًا!
يقول الإمام الصادق عليه السلام لعنوان البصري: ولا يطلب الدنيا تكاثرًا وتفاخرًا ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا.
الحاجات الواقعيّة أم الخياليّة؟
تحدّثنا مع الأصدقاء إلى حدّ ما حول الفقرة الأولى، وأنّ على السالك أن لا يريد الدنيا لأجل التفاخر على الآخرين، بل لأجل سدّ حاجته، وكلّما حصلت الحاجة في أيّ مرتبة توقّف.
وتقدّم حول هذه الفقرة أنّ على الإنسان بالالتفات إلى هذا الأمر أن يحدّد أحواله ومكانه أمام الأمور المهمّة والأهمّ، ولا يخدع نفسه ولا يغشّها، ولا يمزج الحاجة الواقعيّة والحاجة المجازيّة في هذه الدنيا، ولا يضع إحداهما مكان الأخرى، وأن يعلم أنّ الدنيا معبر ومكان للعبور وأنّ مقصدنا وغايتنا في هذه الدنيا شيء آخر. ولكنّ الناس يأتون ويستبدلون تلك الغاية الأساس والمقصد الأصل بالمقاصد الدنيويّة والحاجات المجازيّة، فتنزوي تلك الحقيقة جانبًا وفي المقابل تأتي الأمور الاعتباريّة بما هي حاجات اعتباريّة وتحلّ مكانها، وتبعًا لذلك فإنّ مسير الحياة يسير في طريق الحاجات المجازيّة ويتقدّم فيه ويُنسى ذلك المقصد الأصليّ بشكل كامل ويغدو لدى الإنسان نسيًا منسيًّا، وينهي عمره في هذا المأزق.
تخيّل أنّه لا يوجد غيرك فهل تحتاج هذا؟
هذا هو الأمر الذي يريد الإمام الصادق عليه السلام أن ينبّه عليه السالكين إلى الله ويقولَ إنّ على الإنسان أن لا يطلب الدنيا لأجل التفاخر، وقد ضربت للرفقاء والأصدقاء مثالاً في الجلسات السابقة ـ ولا أدري في أيّ جلسة كان ذلك ـ من أنّ بإمكان الإنسان أن يختبر نفسه ويمتحنها، ويفترضَ أنّه لا يوجد غيره في هذه المدينة فهل يبني أيضًا بيتًا كهذا؟ ليفترض أنّه لا يوجد غيره في هذه المدينة فهل يشتري لنفسه هذه الأسباب والأدوات أيضًا؟ ليفترض أنّه لا يأتيه أحد فهل يهيّئ وسائل كهذه في المنزل؟ فالإنسان يهيئ هذه الوسائل حتّى يأتي الآخرون ويروها في النهاية، هو لا يريد أن يراها في كلّ يوم، لا يأتي وينظر كلّ يوم إلى تلك الآنية وذلك الشيء كيف هو وما هي خصوصيّاته؟ ففي النهاية هذه الأمور هي للتزيين.
فلو لاحظنا هذه الأمور من بُعدها المنطقي فسيختلف نظرنا إليها تمامًا، وسيسهل علينا الطريق، وسيتعيّن المقدار الواقعي من الحاجة في هذه الدنيا، وسترتفع من عند الجميع هذه الأمور وهذه المشكلات وهذه الأزمات وهذه الأمراض وهذه المنغّصات والأمور غير الملائمة وغير المناسبة والتي يقضي الناس معها ليلهم ونهارهم.
كيف يقتني الناس الأشياء في عصر ظهور الإمام؟
لدينا رواية أنّه عندما يخرج الحجّة ابن الحسن المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء فإنّ أمر التعامل بين الناس سيختلف عن هذه الحالة ويصبح على طريقة أخرى، فمثلاً لو ذهب أحد إلى دكّان ما ومتجر لبيع الفواكه، فإنّه يأخذ في ذلك اليوم بمقدار حاجته لذلك اليوم ويرجع إلى المنزل ولا يدفع مالاً. عجيب جدًّا. فمثلاً لو كانت هناك أسرة من سبعة أفراد، يكفيها في اليوم سبع تفّاحات لتأمين فيتامينات الجسم، فلا يأخذون أكثر من ذلك. فعندما يحكم المنطق فلا يفرط الإنسان، فالإفراط هو لأجل الخوف من الفقدان. فلماذا يذهب الإنسان ويشتري كثيرًا من شيء ما ويخزنه في منزله؟ لأنّه يخاف أن لا يتهيّأ له السوق في اليوم التالي! خصوصًا إذا قُطعت وعود ولم يوفَ بها، فمن الطبيعيّ أن يبحث الإنسان عن هذه الأمور بعد ذلك. سنحضر هذا الشيء ثمّ لا يجد له أثرًا! على كلّ حال، فإنّ هذا الخوف من الفقدان يدعو إلى المبالغة والإفراط.
أمّا لو لم يكن الأمر كذلك، بل كانت الحكومة حكومة إمام الزمان، وإمام الزمان يعمل بما يقول، فلو كان هناك في هذه الدنيا إنسان صادق في كلامه فهو إمام الزمان في النهاية، فهو عندما يقول كلامًا، عندما يقول: كلّ الاحتياجات مؤمّنة، فإنّها ستكون مؤمّنة واقعًا، ولا يكذب. عندما يقول كلّ الأشياء موجودة فستكون موجودة واقعًا، أو سيقول إنّها غير موجودة، حينها يطمئنّ بال الجميع بأنّها غير موجودة. فلماذا يكون الإنسان قلقًا بعد ذلك؟ لماذا يخاف؟ لماذا يخاف؟ لماذا يفسح المجال لذهنه لأن يتشوّش؟ يمضي إلى متجر الفاكهة، يأخذ كيلوًّا من التفّاح مثلاً لليوم، وربّما يقول لديّ ضيف اليوم مثلاً فيأتي إلى متجر الأرزّ، ويقول يكفينا ليومنا أو لليومين القادمين أو الأيّام الثلاثة القادمة كيلوّان، فيأخذ كيلوّين ويقدّمهما للضيف. فالمعاملات، المعاملات في البضائع ستكون بغير توقّع للزيادة وبغير قلق وخوف من الفقدان. هكذا! وانظروا حينها كيف سيكون المجتمع! إنّه المجتمع المنطقيّ والمجتمع العقلائي.
لو نظرنا الآن إلى أنفسنا فكم من الوسائل والأدوات التي نهّيئها في المنزل لا نحتاجها ولو مرّة واحدة؟! وإنّما اقتنيناها لأنّ الجميع يقتنونها، لمجرّد أنّ الكثيرين يقتنونها يقتنيها الإنسان أيضًا. سمعت يومًا أنّ امرأة ذهبت لتشتري شيئًا من هذه الأدوات ولوازم المطبخ، فسألتها هل تستفيدين منها؟ قالت: لا! تدفع ما يزيد عن مائة تومان لأنّها موجودة عند الآخرين، فمن القبيح أن لا تكون موجودة في بيتنا. انظروا فهذا الشيء لا يمكن لأيّ إنسان أن يقتنيه، يجب على هذا الزوج المسكين أن يذهب إلى العمل ثمّ تشتريها هذه السيّدة لأنّها موجودة عند الآخرين في بيوتهم، ثمّ لا تستعملها ولو مرّة واحدة، وتضعها في المنزل لمجرّد الزينة.
فهذا كلّه ينشأ من أيّ شيء؟ ينشأ من التفكير بغير عقلانيّة وبغير منطقيّة. عندما يصحّح الإنسان طريقه حينها ستكون الأمور على أساس الحاجة الواقعيّة في هذه الدنيا، ولا يسعى الإنسان إلا لرفع الاحتياجات الواقعيّة. افترضوا أنّ الحاجة اليوم بنحو وغدًا بنحو آخر. اليوم بشكل وغدًا بشكل آخر، فمثلاً اليوم يحتاج إلى منزل من غرفتين لا أكثر، وغدًا يحتاج إلى منزل من خمسة عشر غرفة أو عشرين غرفة، ثمّ بعد غد ارتفعت الحاجة فإنّه يعود إلى ذاك المنزل المؤلّف من غرفة. هل التفتّم؟!
فما يجري في ذهن السالك هو تأمين الحاجة المنطقيّة لا الحاجة الوهميّة والتخيليّة. والإمام الصادق عليه السلام يعبّر عن هذا الأمر بعدم التفاخر وعدم التكاثر، التفاخر على الآخرين وطلب الزيادة.
يستمرّ الإنسان بالإضافة، يستمرّ بالزيادة. فلماذا هذه الإضافة والزيادة؟ ولا تحصل الزيادة هكذا، بل لا بدّ لتحقّقها أن يمرّ وقت، أن ينقضي عمر، أن تبذل الثروات الوجوديّة للإنسان، أن يحذف جزء من سجلّ الإنسان، أن ينقص مقدار من ذلك النصيب الذي عيّنه الله تعالى لنا. فلا تحصل الزيادة هكذا، بل ينقص من وجود الإنسان، من أعصاب الإنسان، من مزاج الإنسان، من وضعه الصحّي. لأجل ماذا؟ لا لشيء، لا لشيء، فقط تخيّل وتخيّل وتخيّل. وليس ثمّة نتيجة.
النفس أولاً أم الآخر؟
فإذن السالك الذكيّ والذي يطوي طريق الله، هو الذي ينظر في الوهلة الأولى إلى نفسه فيما يعمله، ثمّ يفكّر في الجوانب والأطراف والأمور الأخرى، ففي الوهلة الأولى نفسه!
أرأيتم الأطفال عندما يأتون بشيء، عندما يحضر الأب حلوى أو فاكهة مثلاً أو شيئًا جيّدًا، فإنّ الطفل يأخذ لنفسه أوّلاً عندما يكون هناك الكثير ثمّ ينظر إن بقي شيء فإنّه يعطي لأخته واحدة، وواحدة لابن جيرانه، إنّه يأخذ أوّلاً لنفسه، لا يوزّع ابتداء، ثمّ بعد ذلك إن زاد أو لم يزد... أمّا نحن فنعمل خلافًا لهم، فأوّلاً ننظر إلى الآخرين، أولاً ننظر إلى الناس، أولاً ننظر إلى التخيّلات، أولاً ننظر إلى آراء الناس، ولا ننظر أبدًا إلى وجودنا، وفجأة نجد أنّ الوقت قد انتهى فننظر ونقول: يا للعجب! صارت صلاتنا في آخر الوقت، قراءتنا للقرآن اليوم انتفت، ذِكرُنا مثلاً انتفى، يأتون ويقولون: سيّدنا هل يمكن أن نقول الذكر بحالة من التعب أم لا؟ كلاّ! لا يمكن أن تقول الذكر بحالة من التعب، لماذا؟ لأنّ أنفسنا ليست هي التي تحتلّ المرتبة الأولى من الأهميّة، بل عملنا، المحيطون بنا.
ما مشكلة الكثيرين مع السيّد القاضي؟
كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه جالسًا يومًا مع عدد من علماء النجف في طهران في ذلك العهد السابق، وكان يتحدّث عن أحوال المرحوم القاضي وحالاته وبعض الأمور التي كانت موضعًا للإشكال هناك. فالتفتَ إليهم وقال: ماذا تقولون أنتم عن رجل كهذا؟ هل كان في طريقه وسلوكه ومدرسته مشكلة؟! فلتبيّنوا إشكالاً واحدًا على طريقه وعلى مدرسته وعلى كيفيّة عمله هناك! لم تكن تنقطع زيارته اليوميّة للحرم، لم تكن دروسه تتعطّل، كانت صلاته على هذا النحو، كانت مراقبته على هذا النحو. فما هو الإشكال الذي وجدتموه لديه في هذا المجال حتّى صرتم تنتقدونه.
ثمّ قالوا: افترض أنّنا من أهل الدراسة وأهل كذا وهو يقول: يجب أن تصلّوا صلاة الليل، يجب أن تقرؤوا الأذكار. فقال لهم: كم يستغرق الذكر من الوقت؟ فمن نخادع نحن؟! كم يستغرق الذكر؟ أفلم يكن هو مدرّسًا؟ ألم يكن هو نفسه يعطي الدروس؟! ألم يكن يطالع ويقرأ؟! أنتم تجلسون من الساعة العاشرة ليلاً حتّى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وتدخّنون بالنارجيلة وتشربون القهوة ولا تحسبون ذلك، ولكنّ هذا الأمر شاقّ، لدينا درس، لدينا تحضير غدًا، لدينا طلاّب غدًا. وصلاة الليل هذه وهذا الذكر وهذه الأوراد هي للعاطلين عن العمل، وهذه الساعات الخمس من التدخين بالنارجيلة هي لأهل الدراسة وللذين تطرح عليهم الأسئلة في اليوم التالي. فهل يمكن أن نخادع الله أيضًا؟ هل يمكن أن نخادع الملائكة أيضًا أم لا؟!
يقول الإمام السجّاد عليه السلام: مكتوب في زبور داوود لا تسأل عمّا لا تعلم ما لم تعمل بما تعلم. فهل نحن نعمل بما نعلم واقعًا حتّى نبحث عن الأمور والقضايا الأخرى.
هل نجد خيرًا من حياة أولياء الله؟
هذه هي الحياة التي تدعى حياة منطقيّة وعقلانيّة. واقعًا لو أنّ الإنسان أراد أن ينظر نظرة عقلانيّة ومنطقيّة فهل يمكن أن نجد خيرًا من حياة أولياء الله القائمة على أساس العقل وأساس المنطق؟ هل يمكن أن نقوم بهذا الأمر؟
هذا معنى أنّا نسينا أنفسنا في هذه الدنيا! ـ وطبعًا هناك كلام آخر يرتبط بهذا الموضوع، ولأنّي اليوم كنت أنوي أن أتكلّم حول موضوع آخر، فإنّي سأختصر في هذا، وأتركه ناقصًا إلى أن نوضّحه أكثر في الجلسات القادمة إن شاء الله، إن شاء الله لولا البداء ـ لقد نسينا أنفسنا في هذا الخضمّ وأضعناها. والإمام الصادق عليه السلام يريد أن ينبّهنا على أنفسنا، يقول: الذكيّ والفطن والسالك هو الذي يفكّر أوّلاً بنفسه عندما يقوم بأيّ عمل في هذه الدنيا، ويفكّر بمنافعه، ثمّ بعد ذلك يفكّر في الآخرين وأنّه ما هي ردّة فعل الآخرين؟ وماذا ستكون نظرتهم إلى هذا الأمر؟ ويجعل ذلك أساس عمله. نحن دائمًا نفكّر في الآخرين وننسى أنفسنا. نمشي ولكن بنحو لا يثير اعتراض الآخرين علينا، نسير ولكن بنحو لا يجعل الآخرين يقولون فلان يسير هكذا أو هكذا، نصلّي ولكن بنحو يشدّ انتباه الناس إلينا. علاقتنا مع الناس علاقة تجعلنا نكون موضعًا لثنائهم، ففي الحالات المختلفة نعمل بحيث يثني علينا الناس، والويل لنا إذا ما سمعنا أحدًا ينتقدنا، أحدًا يعترض علينا، تخرب الدنيا فوق رؤوسنا، تهبط السماء على الأرض، لماذا؟ لأنّ كافّة آمالنا وكافّة ما ننسجه في أذهاننا هي لكي نكون أمام الناس مقبولين، فنجد أنّ ذلك كلّه قد زال ولا شيء بعد ذلك في أيدينا.
أمّا السائر إلى الله فإنّه لا ينظر إلى ذلك، ولا يهتمّ بهذه الأمور، وأنّه اليوم كذا وغدًا كذا، بل يجعل عمله على أساس المنطق وعلى أساس العقل. وطبعًا لا يقوم بعمل يخالف العرف ويخالف الطريقة العرفيّة وما يرضاه العرف، فأخلاقه حسنة وطريقه حسن وسلوكه صحيح ولكن كلّ ذلك على أساس محوريّة المنافع والمصالح الواقعيّة لنفسه والتي يرضاها الله، لا على أساس تحسين وتقبيح الناس الذين يتعامل معهم وينظر إليهم.
وقد تحدّثت حول هذا الأمر، فكم ذكرت للأصدقاء حكايات عن حياة الأعاظم وعن كيفيّة معاشرتهم، وكيفيّة كلامهم! نقلت لكم عن المرحوم الوالد رضوان الله عليه، وأنّه كيف كان في مسيره لا ينظر إلاّ إلى هذا الأمر.
ألم أقل لكم إنّه عند الظهر كان يأتي ويصلّي سواء كان هناك مأموم واحد أو لم يكن، كان يقول وقت الظهر هو وقت الصلاة، سواء كان هناك مأموم أم لم يكن. كانوا يقولون: اصبر يا سيّد حتّى يأتي أصحاب المتاجر، فكان يقول: ليغلقوا متاجرهم قبل هذا الوقت. وفي مقابل هذه المدرسة هناك مدرسة أخرى لا بدّ فيها من مراعاة الناس، لا بدّ فيها من مراعاة المأمومين، لا بدّ من إرضاء الناس . ألا يقولون: لا بدّ من جلب قلوب الجميع بالألفاظ الجميلة والعذبة والمنمّقة؟ والجميع يقولون: نعم لا بدّ للعالم أن يراعي ولا يمكن أن يكون على نمط واحد، لا يمكن أن يكون جامدًا بلا المرونة. فانظروا كيف يأتي الشيطان بأيّ أسلوب ويمحو تلك الحقائق الأصيلة بالتنميقات العاميّة ويغطّيها بغطاء ويجعل عليها ستارًا.
كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يتحدّث للنّاس من على المنبر فحان وقت الصلاة، فنزل وقال: الآن وقت الصلاة. لم يهتمّ بالناس، لم يبال بالخطبة وأنّه الآن يخطب بالناس وهم يستمعون، وماذا يفعلون؟ نزل ثمّ صلّى. ثمّ قال: حسنًا هناك أمور أخرى قد بقيت، فعاد إلى المنبر وتابع كلامه. فهل نفعل ذلك نحن؟ هل حدث ذلك إلى الآن؟ فمثلاً لو حلّ وقت الصلاة ونحن ـ ليتنا نخطب في الناس ـ نجلس ونتحدّث ونتناول الحلوى والفاكهة في المجالس، في مجالس الأعياد والاحتفالات فتفوت صلاة المغرب، وتفوت صلاة العشاء، ونحن نجلس نتكلّم ونضحك وكأنّه لم تأت رواية حول صلاة أوّل الوقت، وكأنّ النبيّ وأمير المؤمنين والأئمّة والإمام الصادق لم يؤكّدوا على الصلاة أوّل الوقت؟! ألم يقولوا لنا؟! كلاّ بل علينا أن نستجلب رضا الناس. وتلك الأمور هي للعاطلين عن العمل الذين إذا لم يصلّوا يومًا يُفسدون، لهؤلاء قالوا صلّوا في أوّل الوقت والتفتوا! أمّا بالنسبة إلى العالِم فالإمام الصادق عليه السلام لا يعيّن تكليفًا. الإمام الصادق لا يبيّن للعلماء هذه الأمور نعوذ بالله نعوذ بالله!
ثمّ ما نتيجة ذلك؟ نتيجته أن {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله}۱ يأتي الشيطان فورًا وبلا تردّد فيمحو شيئًا فشيئًا تلك الحقائق التي خرجت على لسان الإمامين الصادق والباقر، ويجعل مكانها مظاهر الدنيا وما يعجب العوامّ، وهذه الحالة تصبح شيئًا فشيئًا أساس التفكير في جميع الأعمال، تصبح أساسًا! لا يعود الأساس هو الإمام الصادق، لا يعود الأساس هو إمام الزمان، لا يعود الأساس هو الإمام الرضا، يصبح الأساس هو إرضاء الناس، الأساس هو الاهتمام بالناس، الأساس هو الاهتمام بالمريد، الأساس هو المحافظة على المريد، الأساس هو المحافظة على الأمور التي يحبّها العوامّ، ثمّ ماذا سيترشّح من هذا الدماغ بعد ذلك؟ هل يمكن أن يأتي الله من هذا الدماغ؟ عندما تصبح واردات هذا الدماغ اعتبارات الدنيا فماذا ستكون صادراته؟! اليوم نقول كلامًا، وغدًا نقول خلافه، المصلحة اليوم في هذا، وغدًا المصلحة في ذاك، فهذا هو عالم التوهّم.
أمّا أولياء الله فماذا؟ لقد صفّوا حسابهم مع الناس من البداية، فقالوا أيّها الناس نحن لن نُخدع بكم، نقولها بصراحة، فقد وصلنا إلى حقيقة ما، إن جئتم أنتم فستصلون، وإن لم تأتوا ففي أمان الله والسلام. هذا هو الكلام الأوّل والأخير لأولياء الله، نحن نصنع هذا.
قصّة طلب أحد الناس تقليل الحقّ الشرعيّ
جاء ذاك الرجل إلى المرحوم العلاّمة يريد أن يحسب حقوقه الشرعيّة، فقال له: الحقوق الشرعيّة التي عليك أن تدفعها هي بهذا المقدار. فقال: سيّدنا خفّض لنا قليلاً. فقال: ما علاقتي أنا لكي أخفّض، فهل الأمر بيدي لكي أخفّض؟! قال: سيّدنا بقيّة العلماء يخفّضون. فقال: تفضّل واذهب إلى بقيّة العلماء، امض إلى بقيّة العلماء. قال له: الحقوق التي عليك هي بهذا المقدار، ولا يمكن تقليلها ذرّة واحدة، وأنا لا أقبل. فذهب إلى العلماء الآخرين ونال تخفيضًا كبيرًا، الثلث و... ثمّ قال له كلمة: يا سيّد فلان أنا أرافقك وأسير معك إلى عتبة باب جهنّم وعلى باب جهنّم أودّعك. فالمكان هناك ـ وطبعًا هذا ما أضيفه أنا ـ لا يلائم مزاجي، أنا آتي معك إلى هناك فقط، نعم ربّما كان هناك من يدخل معك إلى جهنّم، فأنت أخبر. نعم هناك من يأتي معك.
إن كان دخول جهنّم واجبًا كفائيًّا فهناك من به الكفاية
عندما جاؤوا إلى السيّد أحمد الكربلائي واقترحوا عليه المرجعيّة، وكانوا عددًا من الرجال، له عبارة جميلة جدًّا، لقد كان رجلاً حرًّا للغاية، كان رجلاً حرًّا. وعلى الإنسان واقعًا أن يتعلّم الحريّة من هؤلاء والذين تعلّموها بدورهم من سيّد الشهداء، فله عبارة جميلة جدًا يقول فيها: إن كان الذهاب إلى جهنّم واجبًا كفائيًّا، فبحمد الله هناك من به الكفاية! إن كان لا بدّ أن يدخل أحد ما إلى جهنّم فلماذا أدخل أنا؟! لماذا أدخل أنا؟! الحمد لله الداخلون كثر، فدعهم يدخلون الآن. فقد جعل الله طبيعة بعض الناس ملائمة لبعض الأماكن، ولكن طبيعتنا ليست كذلك ولم نوصَ بذلك.
هذه الحالة وهذه الوضعيّة لمن؟ للمهتمّين بأنفسهم، فأولاً يحفظون أنفسهم، ثمّ يحفظون تلامذتهم، أولاً أنفسهم، ثمّ صفّهم، أولاً أنفسهم ثمّ جلستهم، أولاً أنفسهم ثمّ عائلتهم، النفس أولاً.
{يا أيّها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا}۱ فماذا أوّلاً؟ أولاً احفظوا أنفسكم من النار ثمّ وبالدرجة الثانية زوجتكم وأبناءكم وأهلكم والذين هم معكم. أيّ نار؟ نار الاعتبارات، نار التوهّمات هذه ونار التخيّلات.
العزّة الإلهيّة نتيجة الاهتمام بالحاجة الواقعيّة للنفس أولاً
وهنا تحصل للإنسان حالة العزّة تلك، عندما يريد الإنسان أن يسير في هذا العالم فعليه أن يحافظ على نفسه ولا يبالي بأحد، فينظر فجأة فيرى نفسه عزيزًا، عزيزًا، لا يعود منتظرًا لأن يهتمّ به هذا وذاك، يراعي هذا أن لا يتأذّى، يراعي ذاك أن لا يتأذّى، فقد صار عزيزًا لنفسه ومن أين جاء بهذه العزّة؟ لقد جاء بها من الله، لأنّ الله عزيز. لأنّ الله لا يتيح للغير أن يرد حريمه، فالمؤمن لا يتيح للغير أن يرد حريمه ويتدخّل، ويعيّن التكليف للإنسان، ويحدّد له مساره. امض من هذا الطريق، قل هذا الكلام، لا تقل ذاك. إذا قلت هذا الكلام فربّما يتأذّى وينصرف، إن لم تقل هذا الكلام فربّما يحصل لديه سوء فهم ولا يهتمّ بك. فهذا يصبح ذليلاً، هذا يصبح شقيًّا، هذا يصبح مسكينًا.
من هو العزيز؟ العزيز هو الذي ينظر على الدوام إلى عزّة الله، ولا يبيع تلك العزّة الإلهيّة بالمجّان وبهذه الذلّة. هذا كلّه ذلّة.
عزة السيّد عبد الهادي الشيرازي وطرده للمتدخّلين بعمله
لقد كان المرحوم السيّد عبد الهادي الشيرازي رضوان الله عليه من مراجع التقليد وقد قال عنه المرحوم الوالد: لم آمر أحدًا بعد المرحوم السيّد عبد الهادي الشيرازي أن يقلّد أحدًا. كان رجلاً مراقبًا جدًّا، كان رجلاً مراقبًا جدًّا، كان رجلاً من أهل الحال، كانت له حالات. كانوا يعترضون عليه أنّه يهتمّ بتلامذة السيّد القاضي، يميل إلى مدرسة السيّد القاضي، هذا كان الإشكال الذي يعترضون به عليه، كان رجلاً حرًّا، لم يكن يسمح أن يتدخّل أحد في عمله، لم يكن يسمح لأحد أن يعيّن له مساره، لم يكن يسمح لأحد أن يعيّن له طريقه، لم يكن يسمح لأحد أن يأتي بالناس أو يمنع من مجيئ بعضهم، لم يكن هذا الأمر في عمله.
كان المرحوم العلاّمة يقول إنّ اثنين من أقاربه كانا يتدخّلان في أموره، كما هو الحال في جميع الأماكن، هذا يأتي وهذا لا يأتي، وهذه الأمور التي ترونها. فما إن التفت حتّى أخرجهما ولم يسمح لهما بالدخول إلى منزله ما دام حيًّا. التفتوا هذا الذي يسمّى إنسانًا حرًّا. إنسان لا يريد أن يجعل عمله وحياته تحت تصرّف الآخرين. يجد عزّته في عزّة الله، ويجد عزّة الله في هذا الأمر. في حين أنّ أمثال هذه الأمور قد وقعت وتقع وستقع في كلّ الأماكن، هناك من هذه الأمور في كلّ مكان، ولكنّ المؤمن ليس كذلك. لا يطلب الدنيا تكاثرًا وتفاخرًا ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا.
حسنًا سنترك البحث هنا ناقصًا.
ثلاث تعريفات لسيّد الشهداء
هذه الأيّام هي أيّام محرّم وصفر، أيّام عزاء سيّد الشهداء، أيام حزن الشيعة وأهل البيت وغمّهم، وأيّام التفات الشيعة وتذكّرهم ويقظتهم. فكيف عرِّف لنا الإمام الحسين؟ كيف رسِم لنا سيّد الشهداء؟
هناك في المقام طائفتان وتعريفان:
سيّد الشهداء المظلوم!
تعريف هو أنّ سيّد الشهداء كان مظلومًا وأنّه جرى عليه ما جرى من الظلم. وقد كنت حضرت بنفسي محاضرات أحد مشاهير الخطباء في العهد السابق، وكان إنسانًا صاحب أفكار خاصّة ومزايا خاصّة وكان مشهورًا جدًّا وفاضلاً وعالمًا، لكنّ طريقة تفكيره كانت أنّ الإمام الحسين كان مظلومًا؛ حيث بايعوه وأوقعوه في المحذور. فخرج وابتعد عن هذا الأمر ثمّ لاحقوه. حتّى إنّ التعبير الذي استعمله عن هذه الحادثة كان أنّه فرّ من المدينة فرّ من المدينة، ونأى عن مواجهة الحكومة، ولكنّ الحكومة لاحقته حتّى عثرت عليه في كربلاء وقتلته هناك، دون أن يريد قتالاً، دون أن يريد مواجهة. فهذه إحدى النظريّات حول القضيّة.
حسنًا فعلى أساس هذه النظريّة ـ والتي هي رؤية عموم العوامّ ـ ينظر نظرة مظلوميّة بريء تستتبع الحزن والغمّ والبكاء كسائر المصائب التي تحدث للإنسان، غاية الأمر أنّها تتجسّد في الأذهان أكثر وفي مرتبة أعلى. فعندما تقام مجالس العزاء فعلى هذا الأساس تقام، وقراءة المراثي على هذا الأساس، والبكاء والنحيب على هذا الأساس، ولذلك يطرح مبدأ البكاء على سيّد الشهداء كمبدأ أساس في الثقافة الشيعيّة وفي ثقافة العوام. وطبعًا أنا لا أريد أن أنكر تلك الروايات الحقيقيّة والأصيلة الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام حول البكاء على سيّد الشهداء وإقامة العزاء، بل سأتكلّم عنها وجميعها صحيحة.
الإمام الصادق عليه السلام يقول لذلك الذي جاء ورثى الحسين وأمر الإمام أن تأتي النساء وعلّقت في البيت الستائر السوداء يقول: لقد بكى برثائك هذا لجدّي الحسين جميع ملائكة السماء، وجمع الكائنات، وجميع الحيتان في البحار. فهذا الكلام كلام إمام.
مسألة مصيبة سيّد الشهداء تختلف عن مصائبنا وموت آبائنا وأمّهاتنا. إنّه روح عالم الخلق وناموسه، وليس إنسانًا كسائر الناس. ولايته وارتباط جميع الموجودات به، هي حقيقة تكوينيّة وليست أمرًا اعتباريًّا.
نحن إذا ما تركنا مجالس ذكر إنسان ما ليومين فإنّ الناس ينسون في اليوم الثالث أنّه توفّي إنسان كهذا أصلاً. ولكن هل سيّد الشهداء كذلك؟ هل يحتاج سيّد الشهداء أيضًا إلى تذكير أم لا؟ إنّه إمام والإمام له ارتباط مع جميع عالم الوجود، فلا يحتاج إلى دعوتي أنا وأمثالي أن تعالوا وأقيموا العزاء لسيّد الشهداء. عالم الوجود كلّه يلبس السواد في أوّل محرّم، عالم الوجود كلّه محزون في أوّل محرّم. أمر الإمام عليه السلام يختلف كثيرًا عن الأمور الاعتباريّة والتوهّمات والتخيّلات الأخرى، اختلاف الحقيقة عن المجاز، اختلاف الواقع عن الكذب. تلك هي قضيّة الإمام عليه السلام.
ولكنّ الكلام هو في أنّه ما هي نظرتنا نحن إلى سيّد الشهداء عليه السلام؟ هل علينا أن ننظر إلى الإمام الحسين كإنسان مظلوم لم يريد أن يبايع يزيد وفرّ وابتعد وتلافى الحكومة والناس، ولكنّ الحكومة تتبّعته ثمّ قتلته وسبت أسرته وأهل بيته؟ فهل المسألة هكذا أم أنّها على نحو آخر؟
سيد الشهداء الثائر
وفي مقابل هذه النظريّة نظريّة أخرى حول سيّد الشهداء وهي أنّ تمام وجوده قد تلخّص بالحرب والقتال والمواجهة للظلم والحكومة، هذا سيّد الشهداء! وكأنّه ليست له في هذه الدنيا أيّة مهارة أخرى وأيّة خبرة، فلا علم لديه ولا فقه ولا فهم ولا ولاية ولا إمامة ولا اتّصال بالملكوت. قدرة الإمام الحسين هي في أنّه ثار وشهر السيف غاية الأمر أنّه لم يقو عليهم فأخذوه وقتلوه، هذه هي مهارة سيّد الشهداء!
فلو كان الأمر كذلك فلدينا في كلّ يوم ألف من أمثال الإمام الحسين، جيغيفارا وغيره من الذين ثاروا على الحكومات، فكلّ واحد من هؤلاء هو الإمام الحسين نعوذ بالله! لماذا؟ لأنّ الإمام الحسين عليه السلام في هذه النظرة هو رجل مواجهة للظلم فحسب، لا أكثر، والظلم ليس الظلم الواقعي، بل الظلم الظاهريّ والظلم المحسوس، هكذا! سيّد الشهداء هو إنسان لم يتمكّن من تحمّل الحكومة الظالمة فخرج وثار. غاية الأمر أنّه حيث كان أصحابه قلّة فقد غلبه المخالفون له.
وفي هذه المدرسة خبرة سيّد الشهداء ومهارته هي فقط في يوم عاشوراء ولم تكن له خبرة ومهارة قبله. في هذه المدرسة يطرح سيّد الشهداء كإنسان محارب لا كعاقل ومنطقيّ ومفكّر. في هذه المدرسة لا يُبرز سيّد الشهداء سوى حالته النفسيّة تجاه الظلم، دون بُعده الولائيّ وإمامته. فإن كان بُعد الإمامة أيضًا مطروحًا فقد كان بقيّة الأئمّة أيضًا موجودين، فنحن ليس لدينا فقط إمام واحد، لدينا اثنا عشر إمامًا وأربعة عشر معصومًا. واحد من هؤلاء الأربعة عشر سيّد الشهداء، وهناك ثلاثة عشر آخرون. فالإمام الحسن الذي صالح معاوية كان إمامًا أيضًا، وكان أحد هؤلاء الأربعة عشر سيّدَ الشهداء. فسيّد الشهداء هذا من بين الأئمّة له هذه الميزة والخصوصيّة من أنّه قاتل وواجه الظلم. لذلك ـ ووفق هذه الطريقة من التفكير ووفق هذه الفلسفة ـ فإنّ الأقرب إلى مدرسة سيّد الشهداء هم الأقرب إلى أعماله وسلوكه في هذا المجال.
فلو فرضنا أنّ الإمام الباقر عليه السلام جالس في منزله يدرّس الفقه فلا علاقة له بسيّد الشهداء، وإذا رفض الإمام الصادق مشاركة محمّد وإبراهيم ابني عبد الله المحض في ثورتهم على حكومة المنصور، فقد أخطأ الإمام والعياذ بالله ونحن لا نقبل به! إنّما نقبل نحن سيّد الشهداء والإمام الصادق إذا كانا قد ولدا من بطني أمّيهما والسيف في يديهما، هذا الإمام الصادق نحن نقبل به. نحن نقبل بالإمام الباقر الذي إذا أحسّ بشيء أمسك السيف وسار في الشوارع وقاتل إلى أن يموت أو يقتل ولا نقبل به بغير هذه الحالة! لذلك يعرّف الإمام كجنديّ مقدام، الإمام جنديّ! انظروا بالله عليكم! الإمام إنسان ثائر، يفرّ من هنا إلى هناك، ومن هناك إلى موضع آخر يدعو الناس. لماذا علينا أن نحدّ الإمام ونحصره في هذه النقطة؟!
سيّد الشهداء الإمام
إنّ حادثة عاشوراء هي واحد من مليار مليار مليار من حقيقة سيّد الشهداء تجلّت لنا، وليست كلّ الإمام الحسين، ماذا ندرك نحن من الإمام الحسين؟ هذا الضرب وحده؟ هذا القتل وحده؟ أم لا بل إنّ الإمام الحسين الذي رسم قضيّة عاشوراء هكذا إلى الأبد لجميع الناس مسلمين أو غير مسلمين هو نفسه الإمام الحسين الذي لم يتعرّض لمعاوية عشر سنين؟! هل حقيقة الأمر سوى هذا؟ لماذا لم يقاتل معاويةَ؟ أيّهما كان أسوأ يزيدُ أم معاويةُ؟ معاوية. فأساس القضيّة وكلّ شيء كان معاوية. والإمام الحسين بعينه عاش في حكومة معاوية عشر سنوات. لماذا؟ لأنّه كان إمامًا ولم يكن مجرّد ثائر!
لقد وضعنا إمامة سيّد الشهداء جانبًا ولم نرَ إلا سيفه في يوم عاشوراء. لقد جاء الإمام الحسين عليه السلام ورسم لنا بإمامته ثورة بمفهوم واسع وبمعنى شامل وهي الثورة على ظلم النفس. وهذه الثورة على ظلم النفس إمّا أن تتجلّى في مقام الخنوع للحكومة الظالمة فيكون على الإنسان أن يثور، أو تتجلّى في سائر المجالات. فليست مسألة الظلم ذات مفهوم خاصّ يتمثّل بالحكومة الظالمة والحكومة الجائرة، كلاّ ليس الأمر هكذا.
كلّ ما يراه الإنسان حقًّا في جميع مجالات حياته، سواء في مجال الظاهر أو في مجال الباطن، وسواء في المجال الثقافيّ أو غيره، والاجتماعيّ أو غيره، الأمور النفسيّة، الرغبات والمطالب والميول والدوافع، فعليه أن يختبر نفسه أمامه، فإن رأى أنّه يميل إلى الحقّ فليعلم أنّه في مدرسة الإمام الحسين، رغم أنّ تلك المسألة ثقافيّة. وإذا علم أنّه يتّخذ موقفًا في نفسه مقابل الحقّ، فليعلم أنّه لا مكان له في يوم عاشوراء. فليست المسألة مسألة يزيد، فمن هو يزيد؟ لقد كان يزيد قبل ألف وأربعمائة سنة ومات وانتهى وطار رماده مع الريح.
لقد جاء سيّد الشهداء وطرح الأمر كأساس وكحركة محوريّة في جميع المجالات. فإذا أراد الإنسان أن يتكلّم بكلام ثمّ أخذ يحسب حساب الناس فليعلم أنّه في مواجهة سيّد الشهداء. وإذا أراد الإنسان أن يبيّن أمرًا فلو لاحظ مصالح أخرى فليعلم أنّه في مقابل سيّد الشهداء، وأنّ هذا الأمر لا علاقة له بكربلاء. إذا أراد الإنسان أن يقدِم على مشروع فإن رأى أنّه مخالف لرضا الله فليعلم أنّه مخالف لسيّد الشهداء، وإذا قبل بالكذب لأجل مراعاة مصالحه الدنيويّة الخاصّة فليعلم بأنّه مخالف لسيّد الشهداء.
هؤلاء الذين يعدّون حركة سيّد الشهداء حركة محوريّة لهم ولكنّهم لا يتحمّلون انتقادًا لأعمالهم هم يكذبون على سيّد الشهداء. لقد اتّخذوا من سيّد الشهداء درعًا أمام رغباتهم الشخصيّة، إنّهم يستفيدون من سيّد الشهداء للوصول إلى مطامعهم الشخصيّة.
أيَّ إنسان كان سيّد الشهداء؟ هل كان سيّد الشهداء إنسانًا إذا انتقده أحد يغضب ويقول اسكت! اخجل! اخرج من هنا... ! أم لا؟ بل كان سيّد الشهداء عين الإمام الصادق. ألم يكونوا يأتون إلى الإمام الصادق ويتكلّمون ويعترضون؟ فكان الإمام يقول: سألت فاسمع لأجيبك، إن كانت لديك مشكلة فاجلس! فكان يجلس والإمام يجيبه، ثمّ كان ذلك الرجل يقول بعد ذلك: أشهد أنّك أنت الإمام بعد رسول الله وأنت الخليفة خليفة رسول الله. فهل كان يصرخ في وجهه؟! هل كان يغضب؟ هل كان يقول: امض وشأنك؟! من الواضح أنّه لم يكن شيء من ذلك يا عزيزي! سيّد الشهداء يعني رجل الحقّ في جميع المجالات والأصعدة. فمن ير حقًّا ثمّ يدوسه فهو يكذب بقوله أنّه متّبع لسيّد الشهداء، وإن جلس في مجالس سيّد الشهداء وبكى وكان صوت بكائه أعلى من أصوات الجميع.
هل كان الحاج هادي الأبهريّ دائمًا مع حقيقة سيّد الشهداء ؟
رحم الله الحاج هاديًا الأبهري، فقد كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، حتّى لم يكن يتمكّن من الإمضاء، وبدلاً من ذلك كان قد أعدّ ختمًا ووضعه في جيبه ـ وهذا الأمر الذي أريد أن أذكره لكم أريد منه أن تدركوا أهميّة الأمر وكم هو دقيق ـ كان كلّما أراد أن يُمضي إمضاء يخرج الختم ويضعه في الحبر . وبسبب توسّلاته وبسبب صفاء باطنه وبسبب حالاته الروحيّة، وبسبب توسلاته الممتدّة وبكائه الطويل كانت له حالات ومكاشفات. وكان يمضي أكثر من نصف ليله ونهاره في البكاء على الإمام الحسين. فمن مثله هكذا؟ هل من أحد يعرف له مثيلاً إلى الآن؟ كان يقضي أكثر من اثنتي عشر ساعة في ليله ونهاره في البكاء ولم يكن الأمر باختياره. وبواسطة هذه التوسّلات حصلت لديه حالات ومكاشفات، وكان ينقل لنا بعض الأمور فنجد أنّها توافق أحداث التاريخ. كان ينقل لنا أحداث يوم عاشوراء، فأوّلاً خرج فلان فقتل ثمّ فلان وهكذا، فكان ينقل لنا الأحداث فنجد أنّها صحيحة. كيفيّة الأسر، والذهاب إلى الشام، لقد كشف الله له كلّ ذلك، وكان يقول إنّ خطبة السيّدة زينب في الكوفة كانت هكذا. لم يكن متعلّمًا، لم يكن يستطيع الإمضاء، لقد حصلت هذه الحالات له كمكاشفة وصار لديه نور فكان يدرك حقائق الأمور، ويخبر عن بواطن الناس، بل حتّى تجاوز ذلك إلى درجة أنّه كان يعرف الكذب من الصدق، والنيّة الخالصة من النيّة الكاذبة، وكان رجلاً صريحًا جدًّا، إذا أدرك أنّ إنسانًا يريد أن يتعاطى معه بنفاق فإنّه كان يبيّن له الحقيقة ويضعها بين يديه بدون أيّ تردّد.
ذهبنا يومًا إلى مجلس عقد برفقة المرحوم العلاّمة في العهد السابق، وكنت صغيرًا جدًّا وكان عمري يقارب العاشرة، وكان الحاج هادي رحمه الله هناك، وعندما دخل هذا الحاج كان هناك أحد العلماء من المستوى الرفيع ـ ولن أذكر اسمه الآن فقد توفّي وكان من العلماء المهمّين، من علماء طهران ـ كان جالسًا هناك فما إن جلس الحاج هادي حتّى أراد هذا العالم أن يبرز بعض الدعابة فقال [وبطريقة عامّية جدًّا]: أيّها الحاجّ أنت عزيز علينا كثيرًا ونحن مخلصون لك. فقال له الحاجّ فورًا: أنت تكذب كثيرًا في كلامك هذا. لقد كان هذا العالم وجيهًا جدًّا بين الناس، فتأذّى كثيرًا، وقال في نفسه: سأردّها لك وكان ذلك باديًا من هيأته. فمضت مدّة وجرى حديث ما، فتكلّم الحاج هادي من جديد وأبدى وجهة نظره قائلاً: لا هذا الكلام ليس صحيحًا. فقد طرحت مسألة، وكانت مسألة فقهيّة أيضًا، ولكن انظروا عندما يعطي الله لأحد ما نورًا فإنّه يدرك. وفجأة قام أمام الجميع وقال: لا بحث بين الجاهل والعالم! وأجابه. فقال له في المقابل: الجاهل أنت! ولا داعي لأن تلصق نفسك بنا! والحاصل أنّه رأى أنّ الحاج هادي هذا ليس ممّن يمكن النيل منه فطأطأ رأسه. فقد كان الحاج هادي هكذا رحمة الله عليه.
ولكنّ المشكلة التي كانت لديه هي أنّه كان لديه كلام حول حقيقة قبول ولاية السيّد الحدّاد ـ رحمه الله ـ كأستاذ، وذلك بسبب الخنّاسين والشياطين الذين جاؤوا وبدّلوا رأيه، وقد كتب المرحوم العلاّمة في النهاية، وطبعًا كتب جزءًا من الأمور. وقد كنت شاهدًا حينها وكنت أرى ما يجري! حتّى إنّه في إحدى سفراته إلى العتبات المقدّسة لم يلتق بالسيّد الحدّاد بسبب هذا الكلام وهذه الأمور التي طرحت، وكان قد رجع رغم وجود هذه الحالات والمكاشفات. ولكنّه لأنّه كان مخلصًا ونيّته كانت خالصة فقد أخذ الله بيده.
عندما كنّا في إحدى السفرات في مكّة، وفي السفرة الأولى التي تشرّفنا فيها بمكّة، أذكر أنّ المرحوم العلاّمة كتب من مكّة عددًا من الرسائل لبعض الناس، وكانت رسائل عجيبة، وللأسف هذه الرسائل ليست في أيدينا، ولا زلت أبحث عنها لأحصل عليها، وقد حصلت على واحدة منها. وكانت من تلك الرسائل رسالة إلى الحاج هادي الأبهري وفيها هذه العبارة: يا فلان أنصحك وأنذرك وأحذّرك من أنّك رغم هذا الحزن والبكاء والمجالس التي شاركت بها على سيّد الشهداء وكنت مخلصًا في نيّتك ولا شكّ في ذلك، ولكنّي خائف من أنّ الكتمان للحقّ الموجود الآن في نفسك بالنسبة إلى صاحب الولاية سيؤدّي يوم القيامة إلى أن يأتي سيّد الشهداء بنفسه ويلقي بك في جهنّم على رأسك، على رأسك يلقي بك في جهنّم ويقول: لماذا وقفت أمام الحقّ؟ لماذا وقفت؟
إنّ سيّد الشهداء هو رجل الحقّ وليس رجل السيف. فما هو السيف؟ السيف لا يبيّن جزءًا من مليار جزء من حقيقة الإمام.
هل كان العرب في الجاهليّة من أتباع الإمام الحسين؟
لقد كان عرب الجاهليّة أصحاب أنانيّة ونفس إلى حدّ أنّهم كانوا يطلبون في الحروب مبارزًا، ولو جاء رجل لا يعادلهم شأنًا لم يكونوا يقاتلون، فكان خصمهم يجعل السهم في القوس ويرميهم وهم لا يمدّون أيديهم إلى السيف. كانوا يقولون: أنت لست بمستواي، إن شئت فاضرب واقتلني! فقد كانوا مستعدّين لأن يقتلوا ولكن المهمّ أن يأتي من هو بمستواهم. فانظروا كم تعظم الأنانيّة! كم يكبر الإنسان في نفسه فيقدّم القتل على موقعه وشأنه. ولو جاء إنسان من خلفه وضربه بالسيف فقد كان لهذا الإنسان من الأنانيّة ما يمنعه من أن يدير بوجهه، فكان يأتي ذاك ويضربه بالسيف ويقطع رأسه وهو لا يدير برأسه إلى الطرف الآخر. كان يقول: إن كنت رجلاً فأتِ من الأمام! لماذا تأتي من الخلف؟ لقد كان هؤلاء على هذه الحالة. فهل هذه مهارة؟ هل هذه مهارة؟! فكان يأتي ذاك ويقضي عليه. كان يقول: ليس من شأني أن أدير بوجهي إلى من جاءني من خلفي لأحفظ نفسي. فأصلاً أنا لا أدير بوجهي ولو قتلت. فإلى أيّ مستوى من الأنانيّة يصل الإنسان. وهذا أمر عجيب جدًّا. كلّ هذا يكشف عن علوّ مقام الإنسان، ولكنّه لا يعلم أين عليه أن ينفق علوّ مقامه هذا، لا يدري أين يستعمل عزّة النفس هذه. عليك أن تستعمل عزّة النفس هذه في الطريق الصحيح لكي تصل إلى نتيجة، لا في الأنانيّات الدنيويّة. فهذا المستوى الآن من العزّة الحاصلة عند هذا هو العزّة الإلهيّة بعينها، غاية الأمر أنّه ينفقها في الطريق الفاسد، في الطريق المخالف، وإلاّ فهو لم يأت بها من نفسه. تلك العزّة الإلهيّة تقول في بعض الموارد: اسكت، تلك العزّة الإلهيّة تقول في بعض الموارد ضع يدًا على الأخرى، تلك العزّة الإلهيّة في بعض الموارد تقول لا تتكلّم، وهذا أشقّ وأثقل على إنسان كهذا بألف مرّة.
كيف يمكن لتارك الصلاة أن يعرّف الإمام الحسين؟
ذلك الكاتب الذي يكتب حول سيّد الشهداء عليه السلام كتابًا في حين أنّي سمعت بنفسي عن المرحوم مطهرّي أنّه قال: أنا على يقين قاطع من أنّه لا يصلّي. فهل هو في طريق سيّد الشهداء هذا؟ أنت تكتب لأجل الإمام الحسين، فأيّ إمام حسين هو هذا؟ الإمام الحسين الذي توقّف يوم عاشوراء عن القتال وصلّى صلاتي الظهر والعصر بين صفوف الأعداء وخسر أفضل أنصاره (حبيب بن مظاهر) في هذه الصلاة. فقد رمي بدن حبيب بن مظاهر بالنبال إلى درجة أنّه ما إن انتهى سيّد الشهداء من الصلاة سقط وأسلم الروح، ثمّ أنت لا تصلّي، وتريد أن تعرّف لنا الإمام الحسين؟! فماذا فهمت أنت من الإمام الحسين؟ ماذا أدركت أنت من الإمام الحسين؟ لم تدرك أكثر من الضرب بالسيف وعدم الخضوع للظلم. أيّها المسكين الشقيّ! لقد جاء الإمام الحسين لإحياء الصلاة. ألم يقل هو في كلامه إنّي خرجت لأظهر معالم الدين وأحيي سنّة جدّي رسول الله، خرجت لأجل هذا. أرأيتم كم نحن بعيدون عن ثقافة الولاية والإمامة ونريد أن نرسم مقام الإمام عليه السلام وشأنه بأوهامنا الطفوليّة الجاهلة والبعيدة عن العقل؟! لذلك يجب القول:
اى مگس عرصهى سيمرغ نه جولانگه توست, | *** | عرض خود مىبرى و زحمت ما مىدارى۱ |
ما سماء السيمرغ لكِ يا ذبابه | *** | تسبّبين لكِ الهَتكَ ولنا الإتعابا |
لا يمكن للذبابة أن تتوهّم مكان العنقاء وأن تحلّق في ذلك الأفق، وهي تظنّ أنّ العنقاء مثلها بهذا الحجم.
هذا معنى أنّ مجالس سيّد الشهداء يجب أن تكون مجالس تنبّه ومجالس فهم ومجالس تذكّر، لا بدّ أن يوضّح في هذه المجالس هدف ذلك الإمام ويبيّن وأن يوضّح أنّ عنوان مدرسة سيّد الشهداء هو الحريّة أمام بني البشر والعبوديّة أمام الله. فإذا اتّضح ذلك حينها سيشعر الإنسان شيئًا فشيئًا كم اقترب! كم تغيّرت أحواله! كم تبدّلت! وما هي رؤيته إلى الأفراد وإلى الزمان وإلى المجتمع، وكيف يتّخذ القرار في المواقف.
سيّد الشهداء جامع لصفات المعصومين كلّهم
حينها يصبح سيّد الشهداء فردًا جامعًا لجميع صفات الأئمّة والمعصومين الأربعة عشر وكمالاتهم. الأربعة عشر معصومًا الذين يبرزون ويظهرون في كلّ زمان بظهور وتجلٍّ لحقيقة الولاية والإمامة. حينها لن ننظر بعد ذلك إلى سيّد الشهداء كمواجه ليزيد، بل سنرى سيّد الشهداء عندما بايع الإمامُ زينُ العابدين يزيدَ، فعندما جاء جيش يزيد إلى المدينة قالوا للإمام السجّاد أتبايع أم لا؟ فقال الإمام: وإن لم أبايع؟ فقال أميرهم: لدينا أمر بقتلك أنت وجميع أهل بيتك. فبايع الإمام حينها وهذا مذكور في التاريخ. بعضهم يقولون نحن لا نسلّم بهذا الكلام. لا تقبلون؟! فماذا تقولون في بيعة الإمام الصادق للمنصور الدوانيقي؟! وماذا تقولون في كلمات موسى بن جعفر مع هارون؟! فهل هذا أيضًا لا تقبلون به؟!
علينا أن ننظر إلى سيّد الشهداء في مجلس الإمام الصادق عليه السلام حيث قعد في حكومة المنصور الدوانيقي وبدلاً من السباب والشتائم وإعداد السيوف والرماح والزحف إلى بغداد راح يسلّح تلامذته بسلاح العلم وبسلاح الفقه والحكمة. علينا أن نرى سيّد الشهداء في هذا القالب. علينا أن نرى سيّد الشهداء في قالب الإمام موسى بن جعفر، في قالب الإمام الرضا، في قالب الإمام الهادي في قالب الإمام المجتبى عليه السلام الذي صالح معاوية. ألم يحترم سيّد الشهداء نفسُه ـ ولعشر سنوات ـ معاهدة أخيه أولم يعش في المدينة إلى جانب معاوية؟! هل أعدّ جيشًا؟ هل هاجم؟ أم لا بل جلس يقوم بشؤون إمامته ويشتغل ببيان المسائل العلميّة. سيّد الشهداء هذا يصبح بالنسبة لنا سيّد الشهداء، أمّا لو أردنا أن ننظر إلى سيّد الشهداء في قالب يوم عاشوراء وفي مواجهة يزيد فحسب فنكون "نسبّب لأنفسنا الهتك ولغيرنا الإتعاب."
لا حسين زمان إلا الحجة!
لذا فإنّ الإمام الحسين عليه السلام يغدو فردًا واحدًا، سيّد الشهداء يغدو إنسانًا واحدًا، والإمام الحسين واحد، وليس هناك حسينو الزمان فما معنى حسينو الزمان؟ يعني مثلاً لدينا الآن مائة إمام حسين؟ لدينا ستّة من الإمام الحسين؟ حسين الزمان هو إمام الزمان فحسب! هو وحدة وانتهى الأمر. عليّ الزمان فقط إمام الزمان فحسب. سجّاد الزمان هو إمام الزمان فحسب! صادق الزمان هو إمام الزمان فحسب! وانتهى الأمر! هذا ما تراه مدرسة التشيّع. مدرسة التشيّع تقول يجب أن تقبل بالحقّ، ولو تنازلت عن الحقّ قيد أنملة فلست من مدرسة التشيّع! لقد خسرت. لو تنازلت ورجّحت يسيرًا علاقاتك الاجتماعيّة على علاقتك بالله فقد خسرت على الفور بلا أيّ تأخير.
لقد جاء سيّد الشهدء وأعلن لنا هذا السرّ: أن يا أيّها الشيعيّ أنت من شيعتي وعليك أن تقف في مقابل الظلم في جميع المجالات، وليس فقط في مقابل يزيد أو الحكومة، في جميع مجالات حياتك؛ ففي علاقتك مع أبيك وفي علاقتك مع أمّك عليك أن تكون إلى جانبي. في صفحك وتغاضيك عن الخطايا وعفوك عن الأخطاء التي تراها من الآخرين لا بدّ أن تكون إلى جانبي.
عندما جاء الحرّ إلى الإمام الحسين ماذا قال له الإمام؟ قال: لقد كنتَ حينها مخطئًا والآن ندمتَ فتفضّل بسم الله. هل قال له: لماذا فعلت هذا؟! اذهب أعرف ما أجيبك به يوم القيامة؟! اذهب [حسابك] يوم القيامة! فهل قال له الإمام هذا الكلمات؟! ماذا قال سيّد الشهداء؟ لقد كنتَ مخطئًا، فلو أنّ الحرّ لم يأت هل كانت وقعت حادثة كربلاء؟ الحرّ نفسه يعلم ماذا صنع؟ لقد خلع نعليه الطويلين ولفّهما حول رقبته، فقد كان يعي في النهاية.
كلّ عطش أطفال سيّد الشهداء كان بسبب الحرّ، كلّ هذا الأسر كان بسبب الحرّ، كلّ هذا التقطيع لشباب بني هاشم كان بسبب الحرّ. ألم يكن؟ أيمكن أن ينظر إلى وجه الإمام الحسين؟! ولكنّ الإمام لم يكن من أصحاب هذا الكلام أصلاً. الإمام ينظر إلى الوضع الراهن، الآن تائب أنت أم لا؟! إن كنت تائبًا فتفضّل بسم الله! وكأنّ شيئًا لم يكن، إنّه بحر محيط! هذا هو الذي يدعى إمامًا!
كيف تكون مع الإمام الحسين؟
عندما ترى خطأ فتجاوز، حينها تصبح جزءًا من محاربي الظلم وتكون قد حاربته، فالظلم هو بهذا المعنى. في علاقتك مع الأب، في علاقتك مع الأم، في علاقتك مع الزوجة، في علاقتِكِ مع الزوج في علاقتك مع الأطفال، مع الأصدقاء، مع التلاميذ، مع جميع الناس مع نفسك مع عملك وشغلك، وفي جميع الأمور أحضر الإمام الحسين واجعله في نفسك. لو كان سيّد الشهداء الآن هنا فماذا كان يأمرني؟ حينها نشرع بالعثور شيئًا فشيئًا على الطريق إلى ذلك الحريم، حينها يمكننا أن نسير نحو هذا الأمر لا لأجل الناس.
وقفة مع عيد النوروز
في العادات والتقاليد جميع الناس لديهم هذه العادة، ونحن أيضًا يجب أن تكون لدينا! جميع الناس يعملون هذا العمل، فعلينا نحن أن نفعل ذلك. بعد عدّة أيّام يأتي عيد المجوس والزردشتيّين، فنحن في الإسلام ليس لدينا عيد يسمّى النوروز. النبيّ قال إنّه ليس لدينا عيد النوروز! النبيّ قال، أمير المؤمنين قال! فجأة بعد ۱٥۰ سنة بعد زمان النبيّ إلى زمان الإمام الصادق نبت المعلّى بن خنيس فجأة من الأرض ونقل هذه الرواية عن الإمام الصادق. لماذا لم يقل النبيّ طيلة هذه المدّة؟ والرواية التي ينقلونها أنّه في يوم النوروز ماذا حصل، نزلت الملائكة رست سفينة نوح على الجبل، دخل الجبل في باطن الأرض وهي خرجت، عيد الغدير كان في النوروز، ويوم عاشوراء كان في النوروز. لقد كان يوم عاشوراء في الثالث عشر من خرداد ولا علاقة له أصلاً بالنوروز يا سيّدي العزيز! ومن يعمل في النورزو هذا العمل فله كذا وكذا، في اليوم الثاني كذا، وفي اليوم الثالث كذا وفي اليوم الرابع كذا واليوم الثالث عشر يجب أن تخرجوا من البيوت ـ ولا أدري ـ تُعقد عقدة ويوضع حجر على حجر. واقعًا أمور تبعث على الخجل، ابن عشرة سنوات يخجل منها فكيف بإنسان كبير في الخمسين من عمره؟! إذا خرج العلف من الأرض فهل علينا نحن أن نعيّد، على الماعز أن يعيّد! البقر يعيّد لا نحن! فما هذا الكلام؟! نتّخذ عيدًا لأنّ العلف والأشجار قد أنبتا. ثمّ بعد ذلك انظر ماذا يصنعون ويبتدعون؟ من الآن فصاعدًا استأنف العمل.
لقد ذهبنا ليلة أمس إلى مكان فسمعنا أصوات مفرقعات، ولم يحن وقته بعد! الله يعلم كم من الأمراض تحدث بسببه، الله يعلم كم من الأجنّة تسقط بهذه الأعمال الجنونيّة والوحشيّة للناس والتي لا وجود لها في أيّ من بلاد الدنيا! كم في هذه المستشفيات من حالات الإجهاض بسبب هذه المفرقعات التي يطلقونها، واقعًا يحسب الإنسان أنّ قنبلة وقعت على رأسه، ولا أدري لماذا لا تمنع الحكومة هذه الأعمال؟! لماذا لا تمنع هذا الضجيج؟! هناك الحوامل، وهناك مرضى القلب، ولدى الناس آلاف الأمراض. أنا رجل وأعصابي سليمة وأخاف واقعًا، إنّها عجيبة جدًّا! عجيبة جدًّا، عمل شنيع ووقح وخطر إلى هذا الحدّ وهم يضعون يدًا على أخرى وينظرون والناس تفعل ما يحلو لها. بأيّ عنوان؟ بعنوان أربعاء كذا وخميس كذا۱ ألم يكن "هويدا"٢ في العهد السابق يأتي ويقفز من فوق النار؟ فكيف كان ذلك قبيحًا والآن صار حسنًا؟! أليس لديكم صوره في العهد السابق؟ أفصار ذلك الآن قانونًا؟ فهل هذه إدارة؟! وهل هذا تنظيم؟! فما هذه الأوضاع؟!
هذه الأوهام وهذه الخرافات وهذه المسائل بدأ البرامكة بنشرها في زمان عبد الملك بن مروان عندما ذهبوا إلى هناك، ثمّ ازدهر ذلك في عهد المنصور الدوانيقي كثقافة دخيلة على الثقافة الإسلاميّة، هؤلاء البرامكة الزردشتيّين (يحيى بن خالد البرمكي وأبناؤه كجعفر والفضل).
أتدرون على يد من قُتِل موسى بن جعفر ؟ كان على يد يحيى بن خالد البرمكي، وبواسطة الخطّة التي قدّمها والوشاية التي قام بها هذا الرجل الزردشتي لدى هارون مما جعله ينقلب عليه، إلى أن أخذه وألقاه في السجن ثمّ قتله.
لدينا رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه عندما دعاه المنصور ـ حين زار المدينة في مثل هذه الأيّام ـ إلى احتفال ولقاء عام وقال له لدينا في هذه الأيّام احتفال ولقاء عامّ فتفضّلوا أنتم أيضًا، أرسل إليه الإمام: إنّ هذه سنّة الفرس ومحاها الإسلام ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام. ٣ هذه الرواية هي رواية موسى بن جعفر عليه السلام. هناك من يقول نقوم بها برجاء المطلوبيّة وما أشبه هذه العناوين ولأجل احتمال، فمع وجود هذه الرواية لا معنى لهذا الكلام، خصوصًا في هذه الأيّام أيّام محرّم وصفر.
على شيعة أمير المؤمنين أن يتّخذوا عيد الغدير عيدًا، عيد المبعث عيدًا، عيد إحياء النفس وإحياء الروح، عيد إحياء الحقّ، فعيد الغدير عيد ماذا؟ لقد أحيا الله الحقّ وأراه للنّاس. فقال: أيّها الناس إن أردتم الفلاح فعليكم أن تتّبعوا عليًّا. ثمّ بعد ذلك هل يستحقّ العيدَ أن يخرج العلف والعشب من الأرض وتأتي الأبقار والأغنام وتشرع برعيها. أيّ عيد هذا؟ وهذا أيضًا لبقعة خاصّة من الأرض وسائر البقاع مثلجة على الدوام أو جافّة على الدوام ولا أثر فيها لذلك. هناك بقعة من الأرض في هذا الزمان تتغيّر بنحو ما، فيصبح هناك تنزّه وماء وهواء، بقعة خاصّة، وليس للجميع. فمناطق القطب الشمالي والقطب الجنوبي ليس لها عيد إذن؟ الذين لديهم ثلوج على الدوام أو الذين لا ينبت لديهم عشب أبدًا، أو الذين يبدأ ذوبان الثلوج عندهم بعد الواحد والعشرين من آذار بشهرين؟
هذه كلّها خرافات وعلى الإنسان أن لا يقوم بهذه الأعمال ولا يتّخذ عيدًا وعليه أن يبيّن للآخرين ويوضّح لهم هذا الأمر. تقديم هدايا العيد في مثل هذه الأوقات خلاف لسنّة الإسلام، والشيعيّ لا يفعل ذلك، فلا تعطوا الهدايا ولا تقبلوها. وعليكم أن توضّحوا وتقولوا حقيقة الأمر للآخرين، حينها نكون صادقين إلى حدّ ما فيما نعتقد وما نرى أنّنا تابعين له.
حسنًا فالموضوع يستحقّ المزيد من الكلام، وحيث إنّ حالي لا يسمح والساعة اقتربت من ساعة الفراغ، وطبعًا الفراغ بحسب الظاهر وحيث إنّ:
جرس فرياد بردارد | *** | كه بربنديد محمل ها۱ |
يقول: يعلن *** الجرس *** أن احزموا أمتعتكم
فإنّا ننهي الكلام. وإن شاء الله نأمل أن يوفّقنا الله وأن يطلعنا على الأصول والقواعد وما يرضاه ويجعل لنا بصيرة ويوفّقنا للعمل بها.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد