المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالخسران و بطلان العمر
التاريخ 1427/03/16
التوضيح
هو العليم
كيف يعالج الإخلاص والخلوص ضياع العمر باطلاً؟
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٢۸
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
يخاطب الإمام الصادق عليه السلام في هذا الحديث الشريف عنوان بأنّ المؤمن وعبد الله هو من لا يدع أيّامه باطلاً. فالعمر الذي أودعه الله عنده وديعة وسيستردّها يومًا من الأيّام، ولا يقبل الاسترجاع والترميم، هذا العمر لا يقضيه بالبطالة، بل يعيد هذه الأمانة صحيحة وسالمة إلى صاحبها ولا يتصرّف بهذه الأمانة التي ائتمنه الله عليها، ولا يتلفها ويفسدها، يقول الله في الآية الشريفة: {إنّ الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها...}۱ وقد التفتّ الآن إلى هذه النقطة وهي أنّه لدينا رواية عن الإمام الصادق عليه السلام تفيد أنّ المقصود من الأمانات هم الأقارب الذين هم تحت رعايتكم ماذا تصنعون بهم؟ هل تربّونهم تربية صحيحة أم لا؟ وطبعًا هذا أحد موارد الأمانات.
لقد تقدّم بعض الكلام حول هذه الفقرة الشريفة التي مهما وضّحت يبقى فيها مجال للكلام وبنحو شامل يمكن أن يستوعب جميع الأمور والأحداث في حياة الإنسان، وقد طال الكلام أيضًا إلى حدّ ما، كما اتّسع الكلام شيئًا ما حول مراتب الإخلاص المختلفة. ونيّتي اليوم إذا وفّقني الله أن أنهي الكلام حول هذه المسألة ولو بشيء من الاختصار والضغط، حيث يبدو أنّ الكلام حول هذه المسألة قد طرح إلى حدّ ما، ومن الأفضل أن نتعرّض لسائر فقرات هذا الحديث الشريف.
ذكرنا في الجلسات السابقة ما هو المراد من البطلان الذي يتحدّث عنه الإمام حين يقول: ولا يدع أيّامه باطلاً، وبُيّنت مراتب البطالة في توضيح هذا الحديث الشريف. وذكرنا أنّ المراد من هذه الفقرة ليس أن يقضي الإنسان عمره بالعمل الحرام، فهذا ليس موضعًا للبحث والسؤال، فمقام الخطاب ومجلس بيان هذا الحديث لا يقتضي هذا المعنى، تمامًا كما لو أنّ أحد الأصدقاء يلتقي به الإنسان فيسأله: أيّ عمل أقوم به يكون مفيدًا لتكاملي؟ فأقول له: لا تشرب الخمر، لا تزنِ، لا تسرق، لا تتسلّق جدران الناس! هذا أمر مضحك. سيقول: سيّدنا لم آت لنتحدّث عن هذه الأمور، فهذه أمور بديهيّة وواضحة ونعرفها، هل لديك أمر آخر تقوله؟
ضرورة الفهم واليقين قبل السير في أيّ طريق
ذكرت يومًا للرفقاء أنّ أحد الأصدقاء كان يقول: جاء عدد من علماء النجف وغير النجف إلى المرحوم القاضي، وطلبوا منه برنامجًا، فقال: هل عملتم بما علمتم إلى الآن من الكتب والأخبار والسنن والروايات حتّى تطلبوا منّي أمرًا آخر؟! ففي النهاية أنتم من أهل العلم وأهل الاطّلاع، ولديكم اطّلاع زاد أو نقص على ما ورد في الأخبار والأحاديث. فلماذا جئتم إلى هنا؟! إن كنتم جئتم ولم تعملوا بما لكم يقين به [فلماذا جئتم؟] فأنتم تنظرون إليّ بعين الشك! أنتم تقولون: بعضهم يقول كذا وبعضهم يقول كذا.
يقول أحد الأصدقاء المقرّبين من المرحوم العلاّمة والذي لا زلت أذكر ذكرياته الحميمة وعلاقاته مع المرحوم العلاّمة من أيّام الطفولة، وقد بيّنها هو في بعض هذه الكتب، وطبعًا لن أذكر اسمه، فقد كان شاكًّا في الرجوع إلى الشيخ الأنصاري إن كان الأصدقاء قد قرأوا، ومهما كان المرحوم العلاّمة يتكلّم معه ليخرج هذا الشكّ والترديد من قلبه لم يتمكّن، لماذا؟ لأنّ فلانًا قال عنه كذا وفلانًا قال عن هؤلاء كذا وفلانًا قال عن هذه الجماعة كذا، وفلانًا قال عن هذه الفئة من الناس هذا الكلام. هذا أمر عجيب جدًّا، واقعًا علينا أن نعرف قيمة هذة المدرسة التي وصلت إلينا.
أقولها لكم أيّها الرفقاء: المدرسة الوحيدة التي تقول: انظر وتعقّل. هي مدرسة العرفان.
المدرسة الوحيدة التي تقول: افهم أوّلاً ولا تكن أعمى وحمارًا، بل امض بفهم. هي مدرسة العرفان! أمّا في غيرها فدائمًا وعند كلّ شيء لا تتكلّم! أغمض عينك! لا دخل لك بالأمر! ستدرك لاحقًا! هناك في العالم الآخر ستفهم!
يقال إنّ الحسن الصبّاح هذا الرجل الماكر المخادع رئيس الفرقة الإسماعليّلة كان راكبًا في سفينة، فهبّت عاصفة فقال: أيّها الناس لا تقلقوا ستصلون جميعًا بسلامة إلى الساحل، ولن يصاب أيّ منكم بأذى. وكان له رفيق هناك فقال له: أيّها الملعون أنا أعرفك فما هذا الخداع؟!
فقال: لا يخلو الأمر من حالين: إمّا أن نغرق بحيث لا يحاسبني أحد، وإمّا أن نصل إلى الشاطئ فيقولون: يعلم الغيب. وبهذه الألاعيب خدع الناس. فهذا الكلام يكشف عن أنّ فطرته من أيّ نوع؟ وأيّ إنسان هو؟ فلو كان هناك إنسان ذكيّ لأدرك بمجرّد أن سمع هذا الكلام حقيقة الأمر حتّى النهاية وأنّه أيّ مخلوق وماذا يجري في نفسه وفي خياله.
إن لم تدرك في هذه الدنيا فستدرك في العالم الآخر! هل رأيتم بعض الناس يقولون: سنذهب إلى ذلك العالم ونرى من سيكون خادمًا لمن، فإن قال له: لم نرَ. يقول: امض وشأنك يا عزيزي فنحن أنفسنا مبتلون لا ندري أفتريد أن نحمل مسؤوليّة الكلام الذي قلناه لك، كان بإمكانك أن لا تصغي إلينا، وبجملة "كان بإمكانك أن لا تصغي إلينا" يتخلّص منك ويتابع طريقه! هذا هو اليقين الذي حدّثتكم عنه أيّها الرفقاء، فجميع الذين يتكلّمون مع الإنسان بهذا الشكل يمضون وشأنهم في ذلك العالم ولا ينظرون وراءهم أن ماذا قالوا وبماذا تعهّدوا وماذا ضمنوا وأيّ مسؤوليّة تحمّلوا! فإذن علينا أن ندرك من الآن ماذا علينا أن نفعل.
المدرسة التي تقول: ما لم تفهم فلا تتّبع أحدًا! ما لم تفهم أخرج عقلك هذا من حالة الإنغلاق وافتحه قليلاً ولا تدعه مغلقًا، حينها انظر من تتّبع؟ ومن عليك أن تطيع؟ وأين يجب أن تسير؟ وأين يجب أن تحتاط؟ إذا تكلّم إنسان ما بكلام فلا تقبله على الفور، إذا شاهدت ظاهرة فلا تكن جزءًا منها بل استعمل عقلك هذا، هذه المدرسة هي مدرسة العرفان. لذلك قلت للرفقاء مرارًا: إنّ المدرسة الوحيدة التي تسير في مع المنطق والعقل في اتّجاه واحد هي مدرسة العرفان، والتي تتقدّم على أساس معيار واحد هي مدرسة العرفان.
والكلام الآن هو في أنّه يقول: بما أنّك تشكّ بنا، فتعال وانظر وشاهد وتحدّث وجالس وعاشر وانظر إلى الكلام المختلف في الظروف المختلفة وعند المدّ والجزر، اختبره في الحالات الجيّدة وغير الجيّدة، قارن بين كلامه في حالات المصائب والمشكلات التي تصيبه، وانظر إلى الفرق بين كلامه وكيفيّة كلامه في الموارد المختلفة من الانتقاد والمدح، كيف يتصرّف عندما يُمدح، وكيف يتصرّف عندما يُذمّ؟ اختبره في السرّ والعلن ثمّ عندها خذ بما يحكم به عقلك واعمل به، والله لا يريد منك شيئًا. أيكفي أن تقول: فلان يقول هذا وفلان يقول هذا؟!
الوظائف الثلاث للإخلاص في كلام أمير المؤمنين
يقول أمير المؤمنين عليه السلام حول الإخلاص: طوبى لمن أخلص لله العبادة ۱ هنيئًا للمؤمن الذي أخلص لله العبادة. وفي مكان آخر وردت: طوبى لمؤمن أخلص العمل لله. ثمّ يقول الإمام بعد ذلك ثلاثة أمور:
الأوّل: ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه. لا يشغله ما تراه عيناه، ولا يشغل نفسه بما يرى. الأمور التي يواجهها في حياته ويراها لا تشغل ذهنه. إذا رأى أمرًا جذّابًا لا يسلم قلبه إلى هواه. إذا رأى متاعًا لا يتحرّك قلبه لتحصيل ذلك المتاع. الآن ذلك الشيء قليل فلأذهب وأشتر منه لأتّجر به، لأنّ هذا الشيء قليل في البلد فلأذهب وأتّجر به. فتارة يقوم الإنسان بعمل ما وفق المعتاد أو يرى أنّ هناك شيء قليل في السوق فهذا أمر طبيعيّ. أمّا أن يفرّغ قلبه لذلك فهذا أمر آخر، عليّ أن أذهب سريعًا! ما إن أرى أنّ الظرف مناسب جدًّا فعليّ أن أسبق الآخرين وألقي بنفسي في هذا الفخّ ولا أدع الآخرين يقومون بذلك، هذا هو مراد أمير المؤمنين، وأمّا البحث عن العمل والتجارة فمن الطبيعيّ أنّ كلّ إنسان يبحث عن نقائص واحتياجات ذلك البلد أو المحيط الذي هو فيه ليرفعها، فهذا أمر طبيعيّ، ويجب أن يقوم بذلك، وهذا الكسب حلال، ولا مشكلة فيه، كلاّ! بل يبحث عن فرصة وما إن يجدها فإنّه يبذل الدين والدنيا لنيلها، هذا هو مقصود أمير المؤمنين بقوله: ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه. أو إذا رأى أمرًا جذّابًا يذهب فورًا لأخذه ويتغلّب ويصل إليه حتّى لا يأخذ الآخرون هذه اللقمة السائغة قبله، فالمؤمن ليس من هؤلاء.
الثاني: يقول الإمام: ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه فما تسمعه أذناه لا ينسيه ذكر الله، يسمع أنّهم اغتابوه فلا يضطرب، عليه أن يحصّل طمأنينته ويحافظ عليها، يجب أن تغلب عليه حالة الاطمئنان، يجب أن تكون حالة الاعتماد على الله والتوكّل عليه غالبة، ما إن يسمع كلامًا حسنًا لا يلتفت بقلبه إليه، وليتصوّر أنّه لم يسمع هذا الكلام وأنّه لم يقل أصلاً، هذه المسألة مقدّمة للكلام الذي أريد أن أقوله اليوم، وببيان هذا الأمر ننتهي من هذه الفقرة.
هذا الكلام للإمام يفيد أنّ المؤمن لا يشتغل قلبه بما ترى عيناه، بل يوكل أمره إلى الله، ولا ينشغل بأنّه هل سينال هذا الأمر أم لا؟ إن حصل فبها وإلا فلا بأس. وإمّا أن يكون ما سمعه صحيحًا أو خطأ ،فلماذا يشغل قلبه بأمر ذي طابع ظاهريّ في حين أنّه لا اطّلاع له على ما وراء الستار في هذا الأمر لماذا؟ فجأة يواجه الإنسان خلاف ذلك فيجد أنّه قد خسر، لأنّ المشيئة والتقدير الإلهيّين قد أنجزا ما عليهما، ولا دور لي أنا وأمثالي.
والثالث: أنّه لا يحزن صدره بما أعطي غيره. فلا يحزن لأنّه أعطي أحد شيئًا، لقد وصل إنسان إلى مقام ما فلماذا يحزن هذا؟ لقد وصل إنسان ما إلى موقع فلماذا يحزن هذا ويقول لماذا لم أعط أنا؟!
هذه الأمور الثلاثة هي التي لا بدّ للإنسان أن يقوم بها في مقام الإخلاص في الفعل والعمل ويمارس ذلك ويطبّقه، أي قبل أن يصل إلى مقام الخلوص. أمّا أنّ رجلاً ما قال كلامًا ما عن فلان فيرتدّ قلبنا! أم علينا أن نذهب بأنفسنا وننظر؟ لقد قال فلان عن هذا النوع من الناس كلامًا ما، فهل ينتهي الأمر أم علينا أن نبحث ونحقّق؟ لقد قال فلان عن فلان هذا الكلام فمع وجود هذا العدد من الذين يهتمّون بالتربية والتزكية والإرشاد والهداية والعلم والفهم والإدراك كيف يمكن للإنسان أن يتصوّر أن يكون أمر كهذا صحيحًا؟
التدقيق حتّى في كلام أولياء الله في بعض الموارد
أنا بنفسي ومن خلال التجربة التي لديّ خلال أربعين سنة مع المرحوم العلاّمة رغم أنّي كنت ـ بالقياس إلى سائر الناس في معاييرهم للاعتماد على الآخرين ـ أكثر الناس ثقة به واعتمادًا عليه بين الناس الذين هم من أمثالي، وفي الوقت نفسه كنت إذا سمعت منه أمرًا أحقّق بنفسي أيضًا، لأنّ من الممكن أن يصدر أحيانًا اشتباه من الإنسان أو خطأ، وليس هذا في الأمور التي تختلف رؤيتنا لحقيقتها عن رؤيته، ولكن في الأمور المتعارفة المعتادة فيمكن أن يطرق سمع الإنسان كلام خاطئ، ولا يكون هو في مقام المطابقة بين هذا الكلام المحكيّ مع الواقع، ولا يكون في مقام الالتفات إلى المنشأ وحقيقة الأمر، فهنا على الإنسان أن يحقّق. فعندما كان يؤلّف كتابًا، كان يعطيني كتابه وكنت أصحّحه، وكانت فيه أخطاء، أفلأنه وليّ الله ينبغي أن لا يكون هناك خطأ في كتاباته؟! أيجب حتمًا أن تكون جميع النقاط والفواصل وتكون جميع التعابير صحيحة، فأحيانًا كان يكتب أمرًا علميًّا أو حتّى طبيًّا، وأنا كنت أصحّح إلى حدّ ما إن كان لديّ اطّلاع عليه.
لا ينبغي للإنسان بمجرّد أن يصدر أمر أو كلام عن وليّ من أولياء الله أن يسلّم ؛ فعندما تكون رؤية وليّ الله في تلك المسألة على وجه الخصوص، غير ناشئة عن كونه في مقام المطابقة بين الواقع وعالم الكثرة كما يحدث أحيانًا، على الإنسان أن يحقّق. إنّ دائرة العرفان دقيقة ولطيفة ومحكمة ومعتدلة ومطابقة للعقل والاعتدال والمنطق إلى درجة كبيرة، فإلى هذا الحدّ كانوا يهتمّون بالأمور.
ثمّ بعد ذلك يرى الإنسان رجلاً يرشده ويقول له: اذهب إلى فلان وقل له: إنّ هؤلاء يتحدّثون عن هذه الجماعة هذا الكلام. شكرًا لكم! هذا هو كلامكم؟! هل إدراك الإنسان وفهمه إلى هذا الحدّ فقط؟ فإلى أين ذهبت كلّ تلك الدروس التي درسناها على مدى سنوات طوال؟ وأين ذهبت تلك التدقيقات التي يقوم بها الطالب وعالم الدين في العلوم المختلفة لكي يصل إلى النتائج وإلى مغزى المفاهيم ومعاني الأخبار والأحاديث؟ أين ذهبت تلك التدقيقات التي في علم الأصول التي تجرى في مسائل ليس لها تلك الثمرة العمليّة والتي تستغرق شهورًا وشهورًا؟! ليتنا نستعمل يسيرًا من ذلك الكثير في مسائلنا الحياتيّة والمسائل التي فيها موتنا وحياتنا وسعادتنا وشقاؤنا، قليلاً من ذلك الكثير.
الإخلاص والعمل بما نعلم دون أن نرى الإمام
ثمّ يقول السيّد القاضي لهؤلاء: هل عملتم بما رأيتم إلى الآن؟ فهو ليس كلامنا ليقال إنّهم دراويش ونُتّهَم بجرم التصوّف وطريقة الدراويش. فهذا لم يكن كلامنا. إنّها رواية الإمام عليه السلام، إنّها أخبار وأحاديث النبيّ، فهل عملتم بها أم لم تعملوا؟ إن لم تعملوا فاذهبوا أوّلاً واعملوا. أفتدرون ما معنى هذا الكلام؟! هذا الكلام يعني أنّكم لا تعتقدون بالأمر. فهذا الكلام الذي قاله الإمام الصادق عليه السلام لعنوان البصري، هل لا بدّ حتمًا أن يكون الإمام الصادق حاضرًا هنا وجالسًا مكاني يقول هذا الكلام لنقبله نحن؟! كلاّ. فهذا الكلام موجود في كتاب، إن كنّا ننتظر يومًا يأتي فيه الإمام الصادق عليه السلام ويجلس على المنبر ونستمع منه هذا الكلام حتّى نقبله، فليس هذا بإمامنا؟ إنّه إمامنا المتوهّم، إنّه إمامنا المتخيّل. يقول الإمام الصادق أنا الآن حاضر، حاضر في هذا المجلس أيضًا، بمجرّد أنّكم جئتم تقرأون وتستمعون وتفسّرون وتفهمون هذه الرواية التي صدرت عنّي وتعملون بها، فهذا هو حضوري. هذا المعنى هو معنى الإخلاص.
إن كان الرفقاء يتذكّرون تحدّثنا في الجلسة السابقة أو قبلها فقلنا: نحن الذين ننتظر الإمام، نحن المتنظرون للإمام، إن كنّا نعيش على أمل أن يأتي يوم يخرج فيه الإمام ويجلس ويتكلّم بيننا فنقبل حينئذ الكلام منه، فهذا ليس إمام الزمان ونحن لسنا منتظرين. إنّه إنسان عاديّ، ونحن نكون قد اهتمّينا بهيئة الإمام لا بشخصه، بملامح وجه الإمام لا بباطنه، لذا لو جاء إمام الزمان ونظرنا إليه فوجدنا أنّه لم يكن كما قالوا وكان من حيث الظاهر ذا شكل معتدل ومتعارف، فلو جاء إمام الزمان ولم يكن جميل الطلعة ما إن تقع أعيننا عليه نتراجع إلى الوراء ونقول: أهذا هو؟! هذا هو إمام الزمان؟! ثمّ نقول: نعم هو إمام الزمان.
هذا الكلام ليس سببًا للضحك أيّها الرفقاء، إنّه حقيقة، لا بدّ أن نخرج الأوهام من أذهاننا، إنّها تخيّلات. وهؤلاء الذين يقولون شعرًا غزليًّا في الإمام الحسين وينشدونه ويجرّون جماعة من الشبّان وراءهم ألا يعلم هؤلاء أنّ هذا النوع من المديح هو ذمّ للإمام وإهانة للولاية وشخصيّة الإمام؟! فأولاً لم يكن الحال أنّ الإمام الحسين هو أجمل من الجميع، كلاّ فوجه الإمام الحسين عليه السلام كان عاديًّا. الإمام الحسن المجتبى كان جميل الوجه، أما وجه سيّد الشهداء فكان عاديًّا.
ثمّ بعد ذلك نأتي نحن ونطرح شخصيّة مقام الولاية الرائعة التي تستوعب عالم الملك والملكوت والجبروت واللاهوت وما دون الإرادة والمشيئة الإلهيّة في جميع العوالم المجرّدة، في قالب وجه جميل كلّ من يراه يسرّ به ويؤسر به ويعشقه ويتّبعه، نطرحها ونبيّنها في هذا القالب، فهل هذا تعريف للإمام؟! إنّها إهانة للإمام، إنّها قضاء على الإمام، إنّها إبادة لحقيقة الإمام.
الصور المتوهّمة للأئمة
إذا جاء الناس ورأوا أنّ إمام الزمان الذي [ينتظرونه ليس له كلّ هذا الجمال]، طبعًا الحمد للّه لم يرسم الرسّامون صورة إمام الزمان عليه السلام فهو غائب، وإلا فإنّ صور الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين من تلك الصور المبتدعة والمخترعة والتي يبذلون فيها جهدهم أن يقوّسوا حواجبه ويرقّقوا أنفه ويحسّنوا فمه ويزيّنوا وجهه، ثمّ يجعل الإنسان هذه الصورة في إطار ويجعلها هناك، فما هذه الصورة؟! ما هذه الخرافات؟! ما معنى تعليق صورة الإمام؟! فهذه الصور مخالفة للشرع، وتعليقها مخالف للشرع. هل يجب أن يضع الإنسان صورة الإمام هناك ويقول: هذا الإمام الحسين، وينظر الطفل إليها ويقول: هذا الإمام الحسين. أين هو من الإمام الحسين وأين هو من النبيّ وأين هو من الإمام السجّاد؟! كلّ ذلك تخيّلات.
في إحدى الليالي من أيّام حياة المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه رنّ جرس المنزل ـ ويبدو أنّها كانت ليلة التاسع والعشرين من صفر، أو الليلة التالية لشهادة الإمام الرضا عليه السلام ـ ما إن طرق الباب قال لي المرحوم العلاّمة وكنت معه في باحة الدار وكانوا قد جاؤوا من دون تنسيق مسبق، فقال: اصطحب هؤلاء إلى الطابق العلويّ واستضفهم وعاملهم بلطف ومحبّة ولكن أنا لن ألتقي بهم. فذهبت ووجدت أنّهم امرأتان ورجلان يريدون أن يلتقوا بالمرحوم العلاّمة فقلت: تفضّلوا إلى الطابق العلويّ، فذهبنا وجلسنا واستقبلتهم بحفاوة وتحدّثت معهم. وقلت لهم: هل اتّصلتم مسبقًا حتّى جئتم إلى هنا؟
قالوا: لا! لم نتّصل.
فقلت: ماذا تريدون؟
فقال واحد منهم: لقد رسمت صورة إمام الزمان عليه السلام وأريد أن أريها للسيّد.
فقلت: هل أرسلكم أحد إلى هنا؟ فسكتوا فجأة.
فقلت: هل أرسلكم فلان؟
فقالوا: نعم.
فقلت: أعطوني الصورة، فأخذتها وأريتها للسيّد وقلت: هناك عدد من الناس هذه خصوصيّاتهم ـ ويبدو أنّهم قد درسوا في معهد الفنون الجميلة ـ وقد رسموا صورة إمام الزمان ويريدون أن يعرفوا ما إن كانت صحيحة أم لا؟
فقال: دعني أراها، فما إن رآها حتّى قال: اذهب وأعطهم إيّاها، بكلّ أدب وأخلاق فليس الأمر بحيث يدركه أيّ إنسان. فربّما تكون هذه تخيّلات وتوهّمات. وخصوصًا الذين يعملون في هذه الاختصاصات، فمن الطبيعي أن يكون لديهم استعداد أكثر في هذا المجال، ويمكن أن يكون لديهم مجال لهذا النوع من التخيّلات. فجئت وجرى يسير من الكلام، فقلت: كلاّ فهذه ليست صورته، ولا تبحثوا عن هذا الأمر. المهمّ أن يكون الإنسان في طريق هذا الإمام. قلت: لو جاء الإمام الآن وجلس إلى جانبكم وتحدّث معكم فماذا تطلبون منه؟ ماذا نقول؟ الكلام الذي يقوله الإمام هو إنّكم يا من يدّعي التشيّع لنا كونوا كما نرضى. ألا يقول ذلك؟! حسنًا بسم الله، فلتكن الآن كما أحبُّ فلماذا يجب أن تراني؟ فلماذا عليك أن لا تسمع كلامي إلا إذا كنت تراني؟ لماذا يجب أن تسمع هذا الكلام من فمي شخصيًّا حتّى تقبل به؟ نعم تارة يكون هناك كلام مشكوك فعلى الإنسان أن يعمل وفق القاعدة. أمّا أنّه يجب أن يأتي ويرى وحتمًا يجب أن يأتي ويسمع فهذا العمل هو عمل العوام. وليس هذا عمل من يريد أن يجعل روحه وسرّه متّصلاً بروح إمام زمانه وسرّه وضميره، هذا لا يرى الإمام منفصلاً عنه في لحظة واحدة ـ وإنّي إذ أقول هذا الكلام لكم، أشعر بالخجل من نفسي بلا مجاملة وأقول لكم بصدق ـ أعلم أنّ هذا الكلام صحيح ويوم القيامة أيضًا أثبت عنده ولكنّي لست عاملاً به، نحن علينا أن نجعل منهجنا كما يعلّمنا منطق العرفان والتوحيد الإلهيّ.
إحاطة الأئمة عليهم السلام بوجودنا وأحوالنا
ألم يأت الإمام في هذا الروايات [ويحدّثنا عن علمه ومقامه]؟ فهل هذا الكلام كلام الدراويش؟ يعني هل الأئمّة كلّهم متصوّفة؟ فهذا في النهاية كلام الروايات! ما يقوله الإمام من أنّه ما من شيء إلا ونحن نعلم به، هل هو كلام الدراويش والصوفيّة؟! أم لا؟ ما يقوله الإمام عليّ عليه السلام: نزّلونا عن الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم لا تسمّونا الله وسمّونا ما شئتم. المهمّ أن لا تقولوا: الله. فنحن أينما كنّا ونكون عباد وهو معبود، وهذا يكفينا، في أيّ مرتبة كنّا فنحن مخلوقون وهو خالق، في أيّ منزلة كنّا فنحن متأثّرون وهو مؤثّر، نحن مسبَّبون وهو سبب، نحن مخلوقون وهو إله، هذه هي المسألة، ثمّ بعد ذلك قولوا فينا ما شئتم! أولم يثبت الأئمّة بأنفسهم ذلك؟ فعندما كان يأتي أصحاب الأئمّة إليهم ألم يكونوا يخبرونهم عمّا في ضمائرهم؟! فهذه الأمور ذكرت إلى حدّ يجعل الإنسان يحتار من أين يبدأ في نقلها وأيّها ينقل؟ أولم يكونوا يخبرون بما قبل وما بعد وما سيأتي؟! ألم يكن أمير المؤمنين والإمام السجّاد والإمام الباقر يقولون؟! جاء رجل إلى باب الإمام موسى بن جعفر ثمّ نوى نيّة سوء وقبل أن يدخل قال له الإمام: لا أمّ لك! ما هذه النيّة التي نويتها؟! فمن المعلوم أنّ هذا إمام لا يشكّ الإنسان في ذلك، وإن كان هناك عدد من مدّعي العلم وهم أجهل الجهلاء [ينكرون علم الأئمة]، فالسنّة اعترفوا بعلم الأئمّة ثمّ يأتي عدد من بيننا ينكرون علم الإمام، فهذا واقعًا مثير للضحك والفكاهة.
طالعوا كتاب ابن الجوزي، طالعوا ينابيع المودّة لسليمان القندوزي وانظروا كم ورد عن الأئمّة من العلوم والأمور الغيبيّة، ولاحظوا الاعترافات التي اعترفها السيوطي حول علوم الأئمّة، والأمور التي ذكرها الشافعيّ، أحد الأئمّة الأربعة لأهل السنّة حول أمير المؤمنين عليه السلام، والشعر الذي قاله فيه، وما ذكره ابن أبي الحديد حول أمير المؤمنين فهذه كلّها اعترافات أهل السنّة، ثمّ بعد ذلك يأتي جماعة من بيننا ويقولون: لا. من قال؟! الإمام لا يعلم الغيب. {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير...}۱ لو كنت أعلم الغيب لكانت حياتي جيّدة. يعني هل يجب على الإنسان أن يكون عديم الفهم إلى هذا الحدّ حتّى لا يعرف عن عن أيّ مقام تتحدّث الآية؟! فـ {لاستكثرت من الخير} هذه ترتبط بمقام البشريّة، أي إنّ النبيّ يقول: لو كنت بشرًا [وأعلم الغيب من حيث إنّي بشر] لكان علم الغيب سببًا لجمع المال وزيادته وتحسين حياتي. أمّا الآية الأخرى التي تقول: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول...}٢ فقد نسيها.
هذه هي مرتبة الإمام عليه السلام، هذا ما عُلّمناه في مدرسة التوحيد والعرفان، فالإمام أقرب إليك من نفسك وإلى أفكارك من نفسك، هذا في مدرسة التوحيد. الإمام عليه السلام إلى جانبك ويراقبك، ولديّ حول هذا الأمر عن المرحوم الوالد ما لا يمكن إحصاؤه، فكيف بإمام الزمان عليه السلام؟! أكون جالسًا معه وفجأة أرى أنّه يقول أمرًا ويخبر.
في لقاء لنا مع سماحة آية الله الخامنئي في مشهد بعد وفاة المرحوم العلاّمة، حيث أحبّ أن يكون هناك لقاء معنا، فذهبنا إليه، وكان متأثّرًا جدًّا لذلك الحدث، وقال لنا: كما كتب والدكم كتابًا عن أستاذه، يجب عليكم أن تكتبوا أنتم كتابًا عنه مثل الروح المجرّد ـ وطبعًا لم نوفّق إلى الآن، وإن شاء الله أوفّق أن أبيّن إلى حدّ ما جانبًا ممّا رأيت وسمعت وجرّبت وعلى حسب حدود ذهني ونقصان فكري، وأقدّمه لمحبّي مدرسة أهل البيت والمشتاقين إلى حريم الولاية ضمن كتاباتي في أسرار الملكوت ـ وقال لنا هذا الأمر: أنا أقطع أنّ والدكم كان على اطّلاع بمسائل غيبيّة، لأنّي في اللقاءات التي كانت لي معه كان يخبرني أحيانًا أمورًا لا أحد غيري وغير الله مطّلع عليها. فهذا كلام إنسان عالم إنسان صاحب دراسة وليس إنسانًا جاهلاً.
ثمّ بعد ذلك لا نعتقد بهذا المقدار للإمام عليه السلام؟ نحن لا نعتقد للإمام بهذا المقدار؟ من يدري؟! من يعلم علم الغيب؟! علم الغيب لا يعلمه إلا الله! ماذا نستنج من ذلك وماذا نستفيد؟! فلنفترض أنّا جئنا وتكلّمنا بهذا الكلام الفارغ وأفسدنا أنفسنا، فلنترك هذا العناد والغرض. الإمام شيء آخر، وهو في أفق آخر. يقول الإمام الرضا: أوهام عقولكم. يعني عقولكم كلّها وهم وليست عقولاً، فمن الذي يمكنه أن يتناول مقام الإمامة والولاية؟ دعوا الكلام في هذا.
اليقين والإخلاص
فإذن لا بدّ أن يكون الإنسان مطمئنًّا إلى ما يصل إليه، عليه أن يعمل، هذا المقام مقام الإخلاص، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام، أن لا يكون هناك شريك غير الله في العمل الذي تقوم به، أن لا يكون هناك دخيل غير الله. على الإنسان أن يلتفت إلى ذلك في جميع الأعمال قبل القيام بالعمل وأثناءه. يقول الإمام: ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه، ولا ينسى الله إذا سمعت أذناه شيئًا، عليه أن يصوّب نحو ذلك الهدف الذي جعله أمام عينيه، ولا يلتفت يمينًا وشمالاً، أن يكون له هدف واحد في ذهنه فيهبط فيه. فالذين يقودون الطائرة ماذا يصنعون؟ الهدف هو الوصول إلى مدرج معيّن، فيكون في مدينة معيّنة فلا يحدّد ذلك المدرج من البداية، بل أولاً يجعل النقطة الجغرافيّة التي يريد أن يصل إليها البلد كذا، فيقود الطائرة على أساس ذلك إلى أن يصل إلى ذلك البلد، فإذا وصل إليه فإنّه يحدّد المدينة ويجعل الدرجة من الطول والعرض الجغرافيين على تلك المدينة، وقبل أن يصل إليها بثلاثين كيلومتر يحدّد تلك النقطة التي يجب أن يهبط فيها فيجعل درجات الطول والعرض على أساسها، ولا يجعلها تختلف درجة واحدة يمينًا أو شمالاً، ثمّ إذا صار على بعد ثماني كيلومترات عندها يجب عليه أن يعيّن المدرج ويجعل الدرجة على أساسه، فإذا صار مقابلاً له يتّضح له أنّ عليه أن يهبط فيه، حتّى لو كان هناك مدرجان قريبان فلا يمكنه أن يهبط في المدرج الأيسر، لأنّ لكلّ من المدرج الأيمن والمدرج الأيسر برنامجه الخاص به ـ يوجد هنا من له اطّلاع على ذلك إن كنت مخطئًا فليصحّحوا لي ـ يأتي ويحدّد الدرجة بشكل دقيق بحيث أنّه لو أسدل ستارًا أيضًا ولم يرَ ما في الخارج فإنّه يحدّد الدرجة ويهبط، فهذا هو الشيعي لأمير المؤمنين. يأتي من ذلك البلد في تلك الجهة للكرة الأرضيّة ويهبط هنا بشكل دقيق، هذا هو الشيعي، يقول أمير المؤمنين الميزان الذي جعلته لك هو أن يكون الله في ذهنك، بما أنّ الله في ذهنك ما إن تريد أن تنحرف نحو هذا الاتّجاه أو ذاك فتذكّر وصحّح. ما إن يأتي ريح ويغيّر الاتّجاه، فصحّح الحركة لكي تأتي بشكل دقيق وتهبط هناك.
السيّد القاضي واللوحة الحجريّة باسمه على مسجد الكوفة
كان السيّد القاضي قد أنشأ في مسجد الكوفة بمساعيه ومساعي الناس الذين جاؤوا من تبريز فأعطاهم مبلغًا من المال لإنشاء منشآت صحيّة وحمّامات لراحة الزوّار الذين يبيتون في المسجد، فلمّا انتهى جاء في اليوم الأخير فرأى أنّهم نصبوا في الأعلى لوحة من الفسيفساء فيها أنّ هذا البناء قد أنجز بمساعي وجهود سماحة آية الله السيّد علي القاضي سنة كذا. هذا الرجل رجل إلهيّ، ليس باحثًا عن الهوى، ليس باحثًا عن الاسم، إنّه يفرّ لا أنّه يتأذّى فقط، فسيطر عليه الغضب إلى حدّ أنّه حمل المعول والإزميل وضربها فتفتّتت، لم يقل لهم أنتم اكسروها، بل ضرب عليها وهو على السلّم وفتّتها واحدة واحدة وألقى بها على الأرض، فلمّا وقعت على الأرض سرّ كثيرًا وبدأ بالضحك مشغوفًا، ولم يكن ذلك منه تظاهرًا! لقد كان على هذه الحالة، فلمّا وقعت على الأرض سرّ: ما شاء الله! الآن حدث أمر مهمّ! الآن أنِس. أوضعتم اسمي في الأعلى؟! وضعتم اسمي في الأعلى؟! فهذا نوع من المدارس. وهناك مدرسة أخرى إن لم تضع الاسم في الأعلى لا أدفع! فبين قمري والقمر ما بين الأرض والسماء، بل ما بين الفرش والعرش الأعلى! هذا هو إخلاص العمل.
إن شئت أن لا ينقضي وقتك بالبطالة، إن شئت أن لا تكون أعمالك هباء هكذا [فعليك بالإخلاص]. فهل السيّد القاضي إذ فعل ذلك كان سيتأذّى واقعًا لو أنّ هذا الاسم كان في الأعلى؟ كلاّ لما تأذّى أصلاً، ولما حصل له شيء، ولكن يريد أن لا يكون اسمه هو أمامه، كان يراقب إلى هذا المستوى ـ والآن نريد أيّها الرفقاء أن نصل شيئًا فشيئًا إلى المرتبة الأخيرة ـ يريد أن لا يكون أمامه اسم، لا أنّه إن كان هناك اسم يتأذّى، لا فرق بالنسبة إليه. فلو أنّهم جاؤوا في اليوم التالي وقالوا له إنّ تلك الفسيفساء التي رأيتموها بالأمس جاء إنسان واقتلعها، لقال جزاه الله خيرًا. ولكنّ غضبه هذا يعني أنّه لماذا يجب أن يكون هناك اسم أمامه، فأصلاً من أكون أنا لكي يكون اسمي هناك، أنزعج أو لا أنزعج ليس مهمًّا! ولكن في الأساس من أنا؟ أيّ رقم أنا حتّى تضعوا اسمي في أعلى باب مسجد الكوفة حيث يوجد أمير المؤمنين عليه السلام، لقد كان هنا مجسّمةُ الخلوص والمظهر المتنزّل للأسماء والصفات الإلهيّة، والآن تريدون أن تجعلوا اسمي أنا هنا؟! هذه هي الأمور التي علّمتنا هي هذه الجماعة، ولا نجدها في مكان آخر، نحن نجد هذه الأمور عند أمثال السيّد القاضي رضوان الله عليه والشيخ الآخوند الهمداني والشيخ الأنصاري والسيّد الحدّاد والمرحوم العلاّمة وأمثال العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليهم، فهذه الطريقة من العمل نجدها عند هؤلاء الناس.
يمكن للبعض أن يقول في الظاهر: كلاّ لا تضعوا اسمًا. ولكن في الباطن لو وضعوا اسمًا آخر ألا يتأثّر أيضًا؟! فهل أنت بنيت هذا؟! يأتون ويقولون: هذه الحسينيّة وهذا المسجد بنيا بجهود ومساعي فلان وفلان التاجر، ألا يختلف الأمر حينها؟! إن لم يكن هناك اختلاف فهذا موضع أمل، وطبعًا دائمًا هناك أمل، نحن لا نريد أن نكون سببًا في اليأس، فرحمة الله رحمة واسعة، وليست مهمّةً تلك الأمور التي نسمعها، فنحن لسنا من أهل هذا الكلام، الطريق طويل، ولكنّ التعامل مع الكرام ليس صعبًا۱. فالطريق هو الطريق الذي فتحه الله، وقال المرحوم العلاّمة: نحن بسطنا المائدة فلماذا لا تجلسون عندها؟! المائدة مبسوطة.
هذا العمل الذي يقوم به الإنسان يجب أن ينظر كم هي النسبة المئويّة للخلوص فيه؟! كم هو مقدارها؟ عليه أن يغوص في نفسه، نقوم بالعمل وهو في نظرنا عمل خير، نؤلّف ونكتب الكتب، ما شاء الله لقد كتبتُ في هذا الموضوع كتابًا وحللت مشكلة من المشكلات، ومعضلة من المعضلات، لم تذكر هذه الأمور حتّى الآن، لم يكتب هذا الكلام حتّى الآن، وقلبنا مسرور فرِحٌ لأنّ هذا الأمر كان بواسطتنا، هنا هي المشكلة، نتوهّم. لقد فعلنا هذا، لقد قمنا بهذا العمل الخيّر.
قال المرحوم العلاّمة ذات يوم لأحد الناس: يجب عليك أن تلبس العمامة. فقلت له: هل قلت له ذلك كأمر واجب؟ فقال: أنا لا يهمّني هذا الكلام، هو يجب أن يلبس عمامة، هذا هو طريقه، فقلت: فهمت مرادكم. وفي كلامي مع ذلك الرجل قلت له: هذا ما قاله لكم العلاّمة. فقال: كلاّ الأمر هكذا، وأنا أدرك الأمر بشكل أفضل. فالمجتمع الآن يقتضي هذا، وبدون العمامة يمكن العمل أكثر، وغير المعمّم يمكنه أن يعمل بشكل أفضل. الآن يقبلون كلام غير المعمّم أكثر، هناك مشكلات وحساسيّات تجاه المعمّمين، وهناك أنواع من سوء الظنّ بهم. واستمرّ الكلام بضع ساعات، وفي النهاية قلت: عزيزي! أنت لمن تريد أن تعمل؟ أتريد أن تعمل لنفسك أم للّه؟ ـ وهنا لا مفرّ ـ أتقبل بهذا المستوى وأنّ العلاّمة يمكنه يوم القيامة أن يتعهّد بمسؤوليّة هذا الأمر أم لا؟ إن كان لا يمكنه فلتذهب وشأنك؛ لأنّه إنسان لا يمكنه أن يتعهّد بمسؤوليّة كلامه هناك. لا يمكنه أن يتعهّد بمسؤوليّات الكلام الذي يقوله في الدنيا ويجيب هناك، وإنسان كهذا لماذا أتّبعه؟ إن كان قال هذا الكلام فهو على عهدته، فما هو جوابك أنت بعد ذلك؟ فقال: يا فلان إنّ نفسي لا تسمح. قلت: أخذ الله بنفسك لقد أتعبتني ثمانية ساعات ليتك قلت من البداية فأنا لا أدري حقيقة الأمر من البداية. لماذا؟ وهو إلى الآن هكذا، ولو مضت ألف سنة لما لبس العمامة، وما لم يلبسها فلا فائدة. هذه هي حقيقة الأمر.
الآن نعمل ونكتب ونبلّغ كلّ ذلك صحيح، لا أريد أن أقول إنّه باطل، ولكن كلّ ذلك يحبسنا في هذا المستوى لا أكثر منه، لا يرتفع بنا، في هذا المستوى يجعلنا نتوقّف، نذهب إلى هذا الاتّجاه وإلى هذه الزاوية وتلك، ندور، نجلس قرب هذا العمود ونتوقّف! فلا نصعد إلى الطابق الثاني والثالث والرابع ونبقى هنا، هذه المسألة هي مسألة الإخلاص.
أحيانًا تأتي النفس وتزيّن الأمر للإنسان، بل دائمًا وليس أحيانًا، وجميعنا مبتلون، ابتداء من المتكلّم إلى الرفقاء الأعزّاء والذين هم خير منّي، ولكن علينا جميعًا أن نسعى، وقد قلت إنّ العمل مع الكرام ليس صعبًا، بالتوكّل على الله وعناية الإمام عليه السلام الذي هو أقرب إلينا من آبائنا وأمّهاتنا وأكثر لنا محبّة وشفقة ولا يتركنا إن شاء الله. ولكن يريد خطوة واحدة منّا. هكذا إذا جلس الإنسان وحاسب نفسه وفكّر ودقّق في الأعمال التي يقوم بها فإنّ إمام الزمان عليه السلام يساعده، لماذا إمام الزمان حيّ؟ إمام الزمان حيّ لأجل هذا، حتّى إذا قال محترق قلب: يا صاحب الزمان أريد أن أفعل هذا العمل قال له الإمام: لبّيك! وجذبه، فالحال التي تحصل لنا هي جذبة الإمام. من هناك وإلاّ فلا إمكان للحركة بمقدار رأس إبرة، كلّ من تقدّم بمقدار رأس إبرة فقط فليخبرني، لا يمكن التقدّم بمقدار رأس إبرة، بمجرّد أن نريد أن نخطو فإنّ الشوق الذي نشعر به هو من هناك، الجذبة من هناك. جئنا من هذه المرتبة ونريد أن نصل إلى أين؟ إلى مرتبة لا وجود للنفس فيها، هذه المرتبة مرتبة مميّزة.
ما الفرق بين الإخلاص والخلوص؟
سئل الإمام الصادق عليه السلام حول هذه الآية: هناك آية حول النبيّ إبراهيم عليه السلام: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين}۱ فما معنى حنيفًا مسلمًا؟ يقول الإمام: أي خالصًا مخلصًا لا يكون في قلبه إلا الله٢. الذي وصل إلى مقام الخلوص أي تجاوز مقام العمل، ولم يعد يرى نفسه أمام الله، فعندما يريد العبد أن يطيع المولى فلماذا يطيعه؟ لأنّه يريد أن يعمل عملاً ـ مع غضّ النظر عن العباد الفارّين والعبيد الآبقين الذين يفرّون من المسؤوليّة ومن تحت طاعة المولى، فهؤلاء لا كلام عنهم كلاّ! بل ذلك الذي يريد أن يقوم بعمل لأجل رضا محبوبه، لماذا؟ لكي يسرّ به محبوبه، فقط هدفه محبوبه، هذا هو الأرفع وهذا هو كلّ أملنا. تقوم بعمل لصديقك ليفرح، وليبرز الرضى، تقوم بعمل لأبيك ليرضى عنك، فقط لأجل هذا، لا تقوم به لأجل الدنيا، بل فقط لأجل رضا والدتك، احترام الوالدين من أوجب الواجبات، يقول المرحوم العلاّمة: من لا يحترم والديه فإنّ طريق الصعود إلى الله أمامه مغلق، لا يمكن لإنسان أن يطوي هذا الطريق وأبواه غير راضيين عنه. فالمسألة مهمّة جدًّا، سواء الوالدان المسلمان أو غير المسلمين، سواء الشيعيّان أو غيرهما سواء كانا مسلمين أو مسيحيّين أو زردشتيّين أو بغير دين أصلاً، فكلّ ذلك لا أثر له، فاحترام الوالدين واجب ـ يقوم به لأجل الله، يقوم الإنسان بعمل لأجل الله ولأجل أن يحصل على رضا الله، يشعر أنّ هذا العمل كان لأجل الله، يجعل نفسه في كفّة الميزان وليزن نفسه. ينظر فيجد عمله لأجل الله فيشعر بالرضا. ولكن بما أنّا أردنا أن نسير من هنا إلى مكان ما هو مقام الإخلاص، وهناك لا يوجد عبد وإله، فالعمل الذي يقوم به العبد ليس هو العمل الذي يرضاه الله، بل أصلاً لا يرى نفسه من الأساس، ولا يشعر بنفسه من الأساس. وطبعًا هذه المرتبة موجودة نعم يجب أن يوفّق الله ويعين. فهناك المقام هو مقام الإخلاص، يشعر الإنسان أنّه مجرّد آلة ووسيلة، هكذا فقط. حتّى تتنحّى جانبًا فكرة أنّه يعمل لكي يرضي الله ويرضي إمام الزمان، فهنا لا يبقى إلا الله وحده، هنا لا تكون إلا الولاية وحدها، لا أنّ هذا يريد أن يعمل للولاية وللإمام وقصده هو الإخلاص، فلا كلام في هذا. حتّى لو عمل لأجل الإمام ثمّ نُسب العمل إلى إنسان آخر فهذا لا إشكال فيه.
رحم الله المرحوم شمران، فقد تحدّث عنه المرحوم العلاّمة يومًا وقال إنّه إنسان إذا عمل عملاً ما باسم غيره لا يتأثّر أبدًا. فقد سمعت تعبيرًا كهذا عنه، إنّه إنسان يريد أن يعمل بخفاء، رحمه الله كم ينقصنا من أمثال هؤلاء! فهذا مقام جيّد جدًّا، وهو أنّ الإنسان إذا أراد أن يعمل عملاً ما يكون قصده هو الإخلاص ولأجل الله ولو كان هذا العمل يُنسب إلى إنسان آخر.
ولكنّ مقام الأولياء ليس كذلك، إنّه يعني أن لا يرى الإنسان نفسه أصلاً حتّى يعمل لأجل آخر أو لا يعمل، فهذا معنى أن لا يكون في قلبه إلا الله، أي إنّ النفس تتنحّى جانبًا، ويأتي الله ويسيطر. فهذا الإنسان هو الذي يصبح مصداقًا لقوله: ولا يدع أيّامه باطلاً، هذا الإنسان لا يدع بعد ذلك أيّامه باطلاً، هو أن يصل الإنسان إلى حدّ ومرحلة ووضع لا يرى فيه نفسه أصلاً، ولا يشعر بذلك ولا يرى اختيارًا.
كان السيّد الحدّاد رضوان الله عليه يقول ـ وقد كنت بنفسي في تلك الجلسة التي كان يتحدّث فيها ـ : لديّ حال لا أرى نفسي فيها، حتّى كالطفل الرضيع الذي لديه إرادة بهذا المستوى الذي يجعله يريد ويأخذ رزقه من أمّه ويرتضع منها، فإنسان كهذا لا يرى في نفسه هذه الإرادة والاختيار، لأجل من يعمل؟ لأجل الله؟ إنّه ليس إنسانًا وليس فردًا. علينا أن لا نقول: متى نصل نحن إلى هذا؟ كلاّ، علينا أوّلاً أن نبدأ من مقام الإخلاص إلى أن يوفّقنا الله للوصول إلى هنا إن شاء الله، علينا أن ننظر إلى الله ولا نيأس.
يقبل من العمل بمقدار الإخلاص فيه
في إحدى جلسات عصر الجمعة في زمان المرحوم العلاّمة وحينما كان في مشهد، أعطاني كتاب مفاتيح الجنان وقال: تحدّث حول بعض هذه الفقرات. فبدأت بالكلام، ويبدو أنّ بعض هذه الفقرات كانت ترتبط ببحث الإخلاص والخلوص وأمثال ذلك، فذكرت هناك مثالاً وقلت: تارة يأتي إنسان ما إلى مشهد لأجل الزيارة، فيذهب ويزور الإمام، فلذلك مراتب، والإمام بكرمه يقبل الزائر، فينال الإنسان ثوابًا ويجعل نفسه تحت ولاية الإمام ـ ولتعلموا أيّها الرفقاء أنّا إذا ذهبنا إلى الزيارة فالكثيرون يسألون أن ماذا يجب أن تكون نيّتنا وماذا علينا أن نطلب من الإمام؟ فقلت: زيارة الإمام لا تحتاج إلى نيّة بل نذهب ونزور وينتهي الأمر. أمّا أن نذهب ونطلب من الإمام شيئًا فهذا موضع كلام والسالك لا يفعل ذلك. السالك يذهب إلى زيارة الإمام عليه السلام فحسب: يا ابن رسول الله لقد جئت لزيارتك فحسب وانتهى الأمر. والإمام نفسه يعلم ما حقيقة الأمر. نذهب إلى زيارة سيّد الشهداء فقط هكذا، نذهب ونرجع، نذهب لزيارة أمير المؤمنين هكذا فقط، جئنا للزيارة. فهذا المقام أرفع بكثير من أن يقول الإنسان: بما أنّي جئت وقد قطعت طريقًا ومسافة ـ ماذا أقول؟ فمن الأفضل أن لا أقول ـ وأنفقت المال، فهذا واقعًا مخجل! فعليّ أن آخذ في مقابل ذلك شيئًا، كلاّ! لقد جئنا لزيارة النبيّ وأئمّة البقيع وهذا يكفي ـ حسنًا فهذا يأتي لزيارة الإمام الرضا ويرجع، يريد أن يركب بوسيلة النقل فيجد أنّها ستتأخّر ساعتين، فيقول: ماذا أفعل؟ بما أنّها ستتأخّر فلأذهب إلى الزيارة، فلأزر من جديد. فلو لم يكن هناك تأخّر في الموعد فهل كنت ستزور أيضًا؟ فهذا ليس عملاً صحيحًا.
فلمّا قلت هذا الكلام، أوقفني العلاّمة فجأة وقال: هذا الكلام فيه مشكلة، قال: كلاّ يا عزيزي! ماذا تقول؟! كلاّ. صحيح أنّه رأى الآن أنّ هناك تأخّر لساعتين، ولكن كان بإمكانه أن يذهب إلى أماكن أخرى، أليس لاختياره زيارة الإمام الرضا عليه السلام الآن قيمة؟!
نعم صحيح أنّه بحسب مستوى إدراكه، فلو أنّه جاء وحالته أنّه سيأتي على كلّ حال لكان أفضل، أمّا أنّه جاء لأنّ هناك تأخيرًا في ساعة الانطلاق فهذا لا يعني أنّ الزيارة غير مقبولة. فالإمام يقبل بهذا المقدار، فلا ترفع أنت السيف تقول: إنّه ليس مقبولاً أصلاً. فهو مقبول بنسبة خمسين بالمئة، بنسبة ثلاثين بالمائة، ولكنّه مقبول بهذا المقدار في النهاية، فقد كان بإمكانه أن يذهب إلى أماكن أخرى.
هذا هو الطريق، فالله فتح لنا الطريق وأنّه مهما استطعنا ومهما حاولنا أن نجعل جانب الله بدلاً من إرادتنا نحن في علاقاتنا وفي حياتنا الشخصيّة وفي عباداتنا للّه وفي الأعمال التي نقوم بها، وفي المواقف اليوميّة التي لدينا، إلى أن نصل إلى مرتبة يوفّقنا الله إليها لا تكون فيها إرادة. فإذا وصل الإنسان إلى هذه المرتبة حينها يشمله كلام الإمام الصادق عليه السلام: ولا يدع أيّامه باطلاً. الآن لا يدع أيّامه تنقضي بالبطالة، أي لا معنى للبطلان بأيّ مستوى ومرتبة في عمله، {ذلك بأنّ الله هو الحقّ}۱. يأتي الله ويجلس مكانه. من هو الموجود في مقام الإخلاص؟ فالله لم يأت بعد، ومع ذلك هو يعمل لأجل الله، يريد أن يحصّل رضا الله، يريد أن يقوم بعمل يرضي الله. ولكنّه لا يزال يرى نفسه في حدود ولو يسيرة، لا تزال أنانيّته باقية. رغم أنّه أوقف هذه الأنانيّة على الله، ولكنّها لا تزال باقية. فلو كان عمله باسم أحد آخر لم يكن ليتأذّى. أليس كذلك؟! بل تجاوز هذه المرحلة ولكن بعض أنانيّته لا يزال موجودًا فمتى يأتي الله؟ الله حقّ مطلق وحقّ مائة في المائة. لا يمكن لشيء أن يكون في الذات، عندما يكون الله نفسه حاضرًا بتمام معنى الكلمة، فهذا هو معنى الإمام عليه السلام، والأولياء الذين وصلوا إلى هذه المرتبة تحت ولاية الإمام عليه السلام. فالأولياء لهم مراتب مختلفة، أمّا ذلك السالك الذي شملته العناية الإلهيّة ووصل إلى تلك المرتبة بحيث إنّ كلّ شوائب البطلان قد سدّت وصار وجوده حقًّا مطلقًا، ذلك الإنسان قد وصل إلى مرتبة هو فيها مظهر لجميع الأسماء والصفات الإلهيّة. فهذا الإنسان هو الذي لا يقضي أيّامه بالبطالة. فهذه هي المرتبة الأخيرة.
لقد كنت قاصدًا اليوم أن أوضّح الأمر حول هذه المسألة أكثر من ذلك، ولكن أظنّ أن توضيح الأمر سيأتي إن شاء الله في الكتب إن وفّق الله، ويقوم الأصدقاء وأهل الفنّ والخبراء بتوضيح هذه الأمور.
إن شاء الله في الجلسة القادمة سنخوض في فقرة جديدة، وفّقنا الله وأعاننا وسدّدنا للوصول إلى أعلى مرتبة، وخلّصتنا من الأنانيّةِ عنايات الإمام عليه السلام وليّ العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وأدخلتنا في حريم الولاية وتركِ الإرادة ورفض جميع حيثيّات النفس وشؤونها إن شاء الله.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد