3

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

8732
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمجبل عامل

المجموعةعدم التأثر بالإعلام

جلسات المجموعة(3 جلسة)

التوضيح

تحدّث سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (رحمه الله) في هذه المحاضرة عن معنى آية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. مُشيرًا الى أهميّة مراقبة النفس والقيام بالتكاليف وعدم اقتفاء أفعال الآخرين، مؤكّدًا على أنّ الله تعالى سيفيض بألطافه ويأخذ بيد مَن يسلك هذا الطريق بجدّ واهتمام. ثمّ بيّن أهميّة الابتعاد عن المسائل الدنيويّة وعدم إشغال القلب والفكر بها. وتحدّث؛ عن الزواج المتعدّد، وأنّ الأمر فيه يعود إلى الزوجين بعد دراسة كافّة الجوانب والمصالح. وعن كيفيّة التعامل مع غير الملتزمين. وعقد ردًّا مُفحمًا ومتينًا لمنكري الحوادث البديهيّة واليقينيّة، سواء كانوا مِنَ السنّة أو مِمّن يدّعي التشيّع، ككسر ضلع السيّدة الزهراء، ورزيّة يوم الخميس. ثم ذكر بشيء مِنَ التفصيل أمورًا وردت مِنَ الثقافة الغربية والمخالفة للسنّة وللثقافة الإسلاميّة: منها أعياد الميلاد المعروفة، فوضّح معنى العيد في الإسلام، وأنّ العيّد يختصّ بما له واقع معنويّ وروحانيّ، وليست ولادات الأشخاص كذلك. ومنها منصّات الخطابة الغربيّة الّتي أصبحت بديل المنبر الإسلاميّ النبويّ. كما أشار بكلمة حول فترات العزاء (ثلاثة أيّام والأسبوع والأربعين والسنويّة) سواء للمعصومين ولغيرهم، وفي اختصاص الأربعين بالحسين عليه السلام.

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد الصوت

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك 

  •  

  • ضرورة التعقل و اتباع الحق و عدم التأثر بالإعلام - المحاضرة الثالثة 

  •  

  • محاضرة ألقاها 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

2
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد)

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • بيان قوله تعالى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)؛ اقتفاء أفعال الآخرين بليّة موبقة للسالك

  • يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ۱.

  • هذه الآية مِن أهمّ الآيات، فلو بحثنا في هذه الآية [ومضينا في] تفسيرها شهرًا لَما أتممنا الكلام فيها ولَما انتهينا مِنها. كان السيّد الوالد يقول في أيّام حياته أنّه يجب على الإنسان أن يقوم بواجباته وأعماله، وأن لا يلتفت إلى أفعال سائر الأشخاص. المسألة الّتي واجهناها وشاهدناها وابتُلينا بها في زمن حياة السيّد الوالد، هي أنّ الأفراد عندما كانوا يرجعون إلى السيّد الوالد ويُطلب منهم بعض الالتزامات والقيام بالبرامج، كانوا في السنوات الأولى يشتغلون بواجباتهم ويقومون بأعمالهم وفرائضهم وبرامجهم، ولا يفكّرون في شيء آخر ولا في مسائل أخرى، بل يقومون بواجبهم ولا يلتفتون يمينًا ويسارًا، مثلًا؛ لماذا يفعل هذا الشخص كذا، ولماذا يفعل ذاك كذا! ولكن بعد مضيّ سنوات، وشيئًا فشيئًا، رأيناهم يتكلّمون عن هذا وذاك، ويخوضون في سبب تصرّف فلان بهذا الشكل، وتصرّف آخر [بهذا الشكل]، وأنّ على فلان أن يفعل كذا، ويجب على آخر أن يفعل كذا! وهذا الأمر، شيئًا فشيئًا، سبّب مشاكل.

  • كان السيّد الوالد (رحمه الله) مُبتلًا دائمًا في زمن حياته بهذه المصيبة، فكان دائمًا يذكّر تلامذته بأن لا يقعوا في هذا الطريق. وقد سمعناه مرارًا يذكر هذه الآية ويقرؤها في مجالسه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. وكنّا، حتّى في زمن السيّد الحدّاد، نرى تصرّفاتٍ غريبة لبعض تلامذته، والّتي كانت لا تليق به وبشأنه وبشخصيّته، فكان هذا البعض يقول: لماذا ينزل فلان في بيت السيّد الحدّاد؟! ولماذا يطلب السيّد الحدّاد منه إقامة الجماعة، ولماذا يصلي [السيّد الحدّاد] خلفه ووراءه؟! [ويقول:] نحن جئنا مِن أماكن بعيدة لنصلّي خلف أستاذنا السيّد [الحدّاد]، فوجدنا هذا الشخص هو الإمام والسيّد الحدّاد مأمومًا يأتمّ به ويصلّي وراءه! حتّى أنّه اعترض على السيّد الحدّاد بحضور ذاك الشخص، والحال أنّ هذا الأخير ضيفُ السيّد الحدّاد، كما أنّ السيّد الحدّاد هو أستاذ الأخلاق والعرفان وأستاذ التوحيد وأستاذ التربية ومكارم الأخلاق، وكان عجيبًا في خجله أمام الجرأة والجسارة الّتي كان يشهدها مِن تلامذته بحضور ذاك الشخص! قد شهدنا واقعًا في زمن حياتنا الحرج الغريب الّذي كان يتعرّض له هؤلاء الأولياء.

    1. سورة المائدة (٥)، الآية ۱۰٥.

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

3
  • لم يكن السيّد الوالد يسمح لأحد أن يقوم أمامه بهذا الشكل، بل كان حادًّا، يمنع الآخرين صراحةً، وكان يطرد جدّيًا الشخص الّذي يقوم أمامه ويتكلّم بهذا الكلام، كأن يقول [أحدٌ]: لماذا أنت تتصرّف هكذا، ولماذا أنت تفعل هذا! أمّا السيّد الحدّاد فكان يخجل، وكان (حييّ)، وكان كثير التواضع أكثر ممّا يُتوقع.

  • لماذا [يحصل هذا]! جميع تلك التصرّفات كانت خاطئةً، وهذا هو السبب الأصليّ والأساسيّ [وراء] طرد السيّد الحدّاد لذاك الشخص [المتجاسر]. لا أدري إن رأيتم وقرأتم في كتاب (الروح المجرد)۱ عن أحوال ذاك الشخص، فإنّ السيّد الوالد حكى عنه [في كتابه هذا]، ووضّح وشرح حالاته وعلاقته بالسيّد الأستاذ، وفي النهاية قال إنّ السيّد الحدّاد طرده، ومنع أولادَه أن يُدخلوه ويُنزلوه في بيته. والسبب هو عدم العمل بهذه الآية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ.

  • ورغم أنّ السيّد الوالد كان يرى جميع تلك الأمور، إلّا أنّه كان يسكت، لماذا؟ لأنّ لا علاقة له بذلك، فالبيت بيت أستاذه وهو ضيفه، وذلك الشخص أيضًا كان ضيفه، وإن كان معاندًا له، معاندًا، معاندًا، دون أيّ فرق. إنّ هذا منزل السيّد الحدّاد وهو الّذي سمح لهذا الشخص بالنزول في بيته، فلماذا أنت [أيّها المتجاسر] تتكلّم هكذا! ولماذا تتجرّأ أمام أستاذك! فإنّ فعلك هذا سينتشر، فهذا الشخص [قد] يرجع إلى الحوزة وإلى سائر الأفراد ويقول: انظروا، هؤلاء هم تلامذة السيّد الحدّاد، فأنا نزلتُ في بيته، وهو طلب منّي [إمامة] صلاة الجماعة، فأتى هذا التلميذ [واعترض على أستاذه] قائلًا: لماذا تصلّي خلفه! كيف هي هذه التربية، كيف! فيجب على الإنسان أن لا يتسبّب بالإهانة، [يجب] أن لا يأتي بشيء يكون ذريعة [يتمسّك بها] المعاندون، المعاندون لسيرة الأئمّة، والمعاندون لسيرة الأولياء ولسيرة العرفان.

  • على هذا، كنّا دائمًا نسمع أساتذتنا، كالسيّد الحدّاد والسيّد الوالد، يقولون في هذا المجال: قد أفلح مَن عمل بهذه الآية، وقد أفلح مَن فكّر في تصرّفاته وأفعاله، دون أن يلتفت إلى الأمور الأخرى، فهكذا شخص يفلح دون الآخرين.

  • خطورة إعمال الخيال وعدم الالتفات إلى الواقع في اتّخاذ القرارات والإقدام على الأعمال

    1. كتاب (الروح المجرّد) تأليف العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ (قدّس الله سرّه) في ذكرى الموحّد العظيم والعارف الكبير الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد. (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

4
  • كان الأفراد دائمًا ينظرون إلى غيرهم [ويعترضون قائلين]: ما هذا التصرّف، ولم [وقع] هذا الأمر، ولماذا قال فلان كذا، ولماذا هو .. ! نعم، لو كان الله تعالى قد كلّفنا بتكليف ما، فهذا أمر آخر، ولكنّ الله لم يكلّفنا .. قد سمعتُ مِن بعض الأفراد هذه المقالة: أنا تحمّلت هذه المسؤوليّة، لأنّني رأيت أنّه إن لم أتحمّلها فلن يتحمّلها غيري، ولهذا أقدمتُ على هذا الأمر وتحمّلت هذه المسؤوليّة. فقلتُ له: لماذا، فهل ألقى الإمام الحجّة في قلبك أن تتحمّل هذه المسؤولية، أو هل أبصرتَ اللهَ تعالى في منامك فحمّلك هذه المسؤوليّة؟! كيف فكّرت بهذه الطريقة، وكيف رأيت أنّه [يجب] أن تتقبّل هذه المسؤولية، وإن لم تتقبّلها ستقع هذه المسؤوليّة على الأرض ولن يتحمّلها أحد؟! فأنت لو مُتَّ فمَن يقوم بهذه المسؤوليّة، مَن؟! لماذا لم تفكّر أنّه يوجد حجّة لأمور الدنيا ولنظام العالَم ولتدبير العالَم، وهو الإمام عليه السلام، وهو ألطف وأرحم منّا فيما يخصّ الأمور الدينيّة، وأنّ مسؤوليّته أشدّ وأكبر مِن مسؤوليّتنا وتكاليفنا، لماذا [لم تفكّر بهذا]؟! فلو تعرّضتُ أنا لمثل هذا الأمر وفي هذه الظروف لتوسّلتُ بالإمام الحجّة وطلبتُ منه أن يأمرني بنفسه – أن يأمرني بنفسه – بحيث أكون متيقّنًا [مِن لزوم تحمّل] هذه المسؤوليّة، فيأمرني، ثمّ أقوم أنا بهذا الواجب وأُقدم على هذا الأمر. أمّا مجرّد أن أتخيّل وأُحدِس بأنّي إن لم أقُم بهذا المسؤوليّة فسوف تقع على الأرض! لا، لن تقع على الأرض، بل يأتي مَن هو أقوى وأعلم وأجدر منك وأصلح وأحسن وأفضل منك بكثير، بل هناك آلاف الأفراد مَن هم أحسن وأفضل للقيام بهذا الواجب. فلماذا تتخيّل أنّه يجب عليك أن تتحمّل هذا المسؤولية، ولن يكون أحد غيرك مسؤولًا وأفضل لتحمّل هذا الأمر؟! فهذا مِنَ الخيالات والأوهام.

  • على هذا، فإن أمَرنا الله تعالى بتكليف خاصّ، فهذا أمرٌ آخر، وإن أمرنا الإمام عليه السلام بشيء، فهذه حالة خاصّة وله شأنٌ آخر. أمّا أن نتخيّل مِنَ أنفسنا أنّه يجب أن نقوم بهذا الواجب، وأن نتكلّم في هذه المسألة وفي تلك المسألة وبشأن كلّ أحد، وأنّ لنا الولاية على آحاد الأفراد في المنطقة والشرق الأوسط والعالَم، فهذا ليس صحيحًا، وهو يُبعّدنا عن الهدف والغاية والمقصد، يُبعّدنا .. أنا جادّ في قولي هذا، جادٌّ في قولي .. ويوم القيامة سأقف [وأتحمّل مسؤوليّة] مقالتي هذه، وهي أنّ: الشخص الّذي، عوضَ أن ينظر في أحوال وتصرّفات وأعمال نفسه، ينظر في أحوال وحالات الآخرين وفعالهم وأسباب أفعالهم، لا يسير خطوةً واحدةً إلى الله تعالى، لا يسير أبدًا. ونحن جرّبنا هذا الأمر طوال أيّام حياتنا، وسمعنا مرارًا مِنَ السيّد الوالد ومِن أصدقائه أنّهم كانوا بصدد إثبات هذا المطلب لتلامذتهم.

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

5
  • قال السيّد الوالد: إنّ جميع المطالب الّتي تَلزم السالك كتبناها ووضّحناها وشرحناها في خُطبنا وتأليفاتنا، ولم يبق شيء. إنّ الّذي أحكيه هنا هو مقالة السيّد الوالد، حتّى أنّه قال؛ نحن قلنا في زمن حياتنا أكثر ممّا هم بحاجة مِنَ الالتزام به. وكلّ هذه المسائل موجودةٌ في مؤلّفاته وخطبه وغيرها فيما نَشرناه ولم نَنشره بعدُ، ولكن سننشره فيما بعدُ إن شاء الله.

  • كلّ ما يحتاجه السالك موجود بين يديه فإلى متى سنبقى عرضة للتجاذبات

  • [بالنسبة] للمسائل الّتي نسمعها مِنَ الأفراد والأصدقاء فيما يتعلّق بالأمور السلوكيّة؛ فإحدى تلك المسائل، والّتي كثُرت فيها الرسائل المُرسلة إلينا مِنَ الأصدقاء والرفقاء، هي: نحن نحسّ بالفشل والكسل في حالاتنا .. ومن تلك المسائل: لماذا لا يوجد عندنا نشاطٌ سلوكيّ اتّجاه المطالب واتّجاه أعمالنا وبرامجنا؟ ومِن تلك المسائل الموجودة في الرسائل: لماذا لا [يمكن أن] نتّصل ونتواصل معك دائمًا، وذلك لنسألك مباشرةً. وكثير مِنَ الأفراد والأصدقاء يسألون: لماذا لا نراكم في كلّ سنة أو في كلّ ستّة أشهر؟ هذا مِن لطفهم وكرمهم ..

  • [أقول:] إنّ الأمر المهمّ هو أنّه لا يمكن لكلّ شخص أن يتصرّف في كلّ شيء وأن يفعل كلّ ما يريد، 

  • ما كلّ ما يتمنّى المرء يُدركه***تجري الرياح بما لا تشتهي السفن۱.
  • بعد زمن السيّد الوالد ابتُلينا – كما تعلمون – بالبليّة العظمى والبليّة الموبقة واقعًا، فاقترح بعض الأخوة والأصدقاء أن أهاجر مِن مدينة قُم إلى مدينة مشهد، لأكون على الدوام بصحبة بعض الأفراد – هذه عين عباراتهم – فأمنع الشياطين مِن التجوال حول بيوتهم، وآخذ بأيديهم وأكون إلى جانبهم، وأُصلح الأمور، وأمنع بقيّة الأفراد مِنَ التواصل معهم ومِن قول كلّ ما يحلو [لهم]، وأمنعهم مِن إفساد الأمور. فقلتُ:

  • أولًا، بالنسبة إليَّ، فلديّ أشغال كثيرةٌ، وكان السيّد الوالد قد أمرني بالنزول في مدينة قُم، وأن لا أخرج منها إلّا بعد تكليف مِنَ الله تعالى، والأمر إليه. هذا ما قاله لي السيّد الوالد في آخر سنة مِن حياته، وأنا أَلزمتُ نفسي أن أسكن وأنزل في قُم حتّى يأتيني مِنَ الله تعالى أمر آخر. وأنا لديّ أشغال ودراسات وتأليفات [أعمل عليها]، ولديّ خُطب وأمور مختلفة. حسنًا، كيف يمكن [والحال هذه] أن أنزل إلى مشهد وإلى خراسان وأن أكون إلى جنب الأفراد، هذا مستحيل. نعم [يمكنني] طبعًا أن أذهب في كلّ شهر لأُصلح بعض الأمور وأوضّح بعض المسائل، أمّا أن يكون ذلك دائمًا، فلا، وهذا مستحيل أصلًا.

    1. بيت شعر للمتنبّي. (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

6
  • ثانيا، كيف يمكن أن أمنعَ الشياطين مِنَ التجوال، وكيف أمنعهم مِن ورود البيوت، وكيف [أستطيع] أن أمنع [أولئك الأفراد] مِنَ الاتّصال والتواصل بهؤلاء، كيف أمنعهم؟! هذا يستلزم أن أكون معهم في بيوتهم وغُرفهم وعلى فراشهم – فإن كان الأمر بهذا الشكل فذلك ممكن نعم – وأن أكون معهم على الدوام؛ أن أسير وأجلس معهم، وأن أكون معهم في النوم وفي اليقظة وفي جميع الأحوال! حسنًا، هذا مستحيل، ولا يجوز لنا أن نقوم بهذا الأمر. كيف يسمح المرء لنفسه أن يقوم بهذا الأمر على هذا الشكل، كيف يمكن [أن يسمح بذلك]!! أليس لدينا القدرة والاستطاعة على القيام بواجبنا، حتّى نضطرّ لتلك التصرّفات؟! ألا يجب أن يكون لدينا عقل ومتانة وإرادة واهتمام بأمورنا؟! ألا ينبغي علينا أن نقوم بواجبنا؟! ألا ينبغي علينا أن نمنع الأشخاص مِنَ التصرّفات غير المجازة والمحرّمة؟! ألا ينبغي علينا أن لا نتواصل مع كلّ شخص؟! ألا ينبغي علينا أن لا نستمع إلى كلّ شيء وإلى كلّ مقالة؟! إلى متى، وإلى أيّ زمان سنبقى كالأطفال، يتصرّف بنا الآخرون، ويأتون إلينا، ويلقون التُّهمة والغيبة والخلاف [بيننا]، ثمّ نحتاج إلى كبير يُلازمنا ويكون معنا وإلى جانبنا ويحدّثنا؟! نحن كبار [ولسنا أطفالًا].

  • عين هذه المسألة أوجّهها الآن إلى أصدقائنا ورفقائنا جميعًا؛ ألم يَحِن الزمان الّذي يجب فيه أن نفكّر جديًّا في تصرّفاتنا وأحوالنا، وأن لا نلقي بنفوسنا وأنفسنا في تلك المهالك والأمور؟! الآن – بحمد الله – كلُّ شيءٍ موجودٌ عندنا، فكلّ واحد مِن رفقائنا وأصدقائنا الرجال الجالسين في هذا المجلس، يجب أن يكون مربّيًا، لا فقط متابعًا، يجب أن يكون مربّيًا لآحاد الأفراد وللمجتمعات [في] المناطق المتعدّدة.

  • فائدة الرسائل العمليّة لا تتجاوز الرسم الظاهريّ للتكاليف

  • كيف تكون التربية؟! يجب على الإنسان أن يرى ما هو المأثور والمدّون والمكتوب وما تركه لنا الأولياء والعرفاء، فيعمل به ويأمر جميع الناس باتّباع هذا المنهج، هذا هو [المطلوب]. التقيتُ الآن بشابّ، وهو أستاذٌ جيّد في [هذه] المطالب، فقال لي: أنا لم أكن أعرف أصلًا هذا المنهج والطريق – أي طريق العرفان – وكنتُ أظنّ أنّه يجب فقط أن أتّبع مرجعًا دينيًّا في الأحكام والتكاليف الظاهريّة، كالصلاة والصوم والصيام وغيرها، ثمّ رأيتُ في نفسي أنّ العمل بالرسائل العمليّة ليس فيها فائدةٌ أكثر مِن هذا، والحال أنّني أتوقّع الأكثر، فغاية ما في هذه الرسائل العمليّة هو القيام بالواجبات. لاحظوا [ما هو المدوّن في الرسائل العمليّة]: كيفيّة صلاة الصبح، بأنّها ركعتين تبدأ بوجوب التكبير وتنتهي بالتسليم، وأن تكون بقراءة صحيحة بإخراج الألفاظ مِن مخارجها – على ما هو موجود في هذه الرسائل – ويجب أن يكون الإنسان على طهارة بأن يتوضأ [مثلًا. فالرسائل العمليّة لا تبيّن الصلاة وغيرها مِن حيثيّات أخرى]، كالصلاة الّتي تحدّثتُ [عنها] في الجلسات الماضية۱، وهي صلاة [ذلك العالِم] الّذي كان جالسًا بجنبي [في التشهّد] ويريد أن يصلح صلاتي، فهل يفهم هذا الشخص – والحال هذه – ما يقول، أيفهم! وهل هو متوجّه إلى الله في صلاته وفي تشهّده! هل صلاته تلك هي الصلاة الّتي أمرنا بها النبيّ! هل تلك هي الصلاة الّتي تكون قربان كلّ تقيّ! هل هذه هي الصلاة الّتي تنهى عن الفحشاء والمنكر! أبدًا [لا]، أبدًا، فلو صلّى هذا الشخص تلك الصلاة لآلاف الملايين مِنَ السنين، لن تقرّبه مِنَ الله تعالى ولو بمقدار مترٍ أو شبرٍ، فلن يصل إلى الله تعالى. أمّا الصلاة الّتي يوصينا بها الأولياء والعرفاء، هي الصلاة الّتي تنهى عن الفحشاء والمنكر، نعم ..

    1. وذلك في محاضرة (لزوم اتّباع الحقّ وعدم التأثّر بالإعلام – الجزء الأول)، والمشار إليه هي قصّة المحاضِر مع أحد العلماء الّذي كان بجانبه في صلاة الجماعة بإمامة الشيخ محمّد عليّ الآراكيّ (رحمه الله). (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

7
  • مراقبة النفس هي رافعة السالك في طريقه إلى الله

  • على كلّ حال، يجب على الإنسان أن يلتزم بهذه الأمور، [ومنها] المراقبة، وكثير مِنَ الرسائل الّتي قرأتُها [تتعلّق] بهذه المسألة. فالّذي يكون مراقبًا [نفسه] – [والمراد] بالمراقبة هي تلك الّتي كتب عنها السيّد الوالد في كتبه وهي أن يقوم الإنسان بواجبه وأن يحفظ نظراته وأن يحفظ آذانه وأن يحفظ خواطر قلبه وأن يحفظ تصرّفاته – لا يُصاب بالكسل والفشل والملل، أبدًا لا يصاب بذلك. أمّا نحن فنجول – مثلًا – في الشوارع، وننظر ونستمع إلى كلّ شيء، ونقول كلّ شيء، ونتكلّم مع الجميع، ونتكلّم بكلّ شيء، ثمّ نتوقّع أن ينزل علينا جبرائيل ويوحي إلينا القرآن! هذا مستحيل، هذا مستحيل. والأفراد والأولياء الّذين وصلوا إلى تلك المرحلة، لم يسلكوا هذا الطريق، بل سلكوا طريقًا آخر، وهو طريق المراقبة وطريق مراعاة المسائل [السلوكيّة]، [فـ] أفاض الله تعالى عليهم ولطَف بهم بهذا النحو.

  • الوسائل الإخباريّة والإعلاميّة المختلفة تغذّي الخواطر وتمنع الصفاء والسلوك

  • كنتُ قبل شهرين في قُم، وتكلّمت في بعض الليالي وذكّرتُ ببعض المطالب، ومنها ما نراه الآن، وكأنّه صار مِنَ الوسائل اللازمة والضروريّة في البيت، كالتلفاز والإنترنت؛ نرى الآن الجميع يقول: أنا بحاجة للرجوع إلى الإنترنت ومراجعة الإنترنت. لماذا، لماذا؟! أنا شخصيًّا لا أدخل إلى الإنترنت، إلّا للاطّلاع على الرسائل، ولمتابعة بعض الأخبار الّتي يجب أن أطّلع عليها، لأنّ شأني وخصوصيّتي وظروفي تقتضي ذلك، ولا [أدخل إلى الإنترنت] لأيّ شيء آخر، لا [أدخل]. فكيف للمرء أن يقول مثلًا: يجب أن أدخل إلى الإنترنت وأتكلّم مع الجميع وأطّلع على كلّ شيء و .. فهذه الأقوال هي كقول ذلك الشخص أنّه رأى إن لم يتحمّل تلك المسؤوليّة فستقع على الأرض! [فقوله هذا] كقولنا هنا أنّه: قد يكون هناك أمور خطيرة، فإن لم ندخل إلى الإنترنت ونطّلع عليها، سنكون غير عالمين بها ولن نعرف عنها شيئًا!

  • ثمّ بعد ورود الإنسان [إلى الإنترنت] وامتلاء قلبه وفكره ورأسه بتلك المسائل [الّتي يراها]، نتوقّع مِنَ الله تعالى أن يقبل صلاتنا، ونتمنّى مِنَ الله تعالى أن يقبل صومنا وقراءتنا للقرآن وأن يقبل واجباتنا الّتي قمنا بها! لا، إنّ الله لن يقبل ذلك. [نعم،] إن كان على الشخص تكليف مِنَ الله تعالى، فإنّ الله تعالى سيفرض عليه هذا التكليف ويُريه كيف يسلك فيه، أمّا إن لم يكن هناك تكليف بذلك، فأنا أضمن لكلّ شخص أنّه إن لم يرجع إلى الإنترنت والأنباء وغيرها مِن أمور ومسائل مختلفة وعديدة، فلن يؤاخذه الله تعالى يوم القيام لعدم وروده في ذلك، وأنا لذلك ضامنٌ؛ أنا أضمن أنّ ملائكة القبر، نكير ومنكر، لن يسألا عن [عدم] الورود في الإنترنت، وإنّما سيسألان عن الدخول والورود فيه، وأنّ الملائكة يوم القيامة لن يحاسبوك على عدم دخولك في الإنترنت وعدم اطّلاعك على تلك المسائل المختلفة في الدنيا والعالَم، وإنّما سيحاسبونك على سبب دخولك [إلى الإنترنت]؛ إذ ليس لك علاقة [بتلك المسائل]، فإن وقع أمر في إيران مثلًا، فليقع، فليس لنا علاقة بذلك. وإن وقع أمر في أفريقيا، فليس لنا علاقة بذلك. وإن وقع أمر في أمريكا فليس لنا علاقة بذلك.

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

8
  • يجب علينا أن نقوم بواجبنا، أمّا إن دخلنا في تلك الأجواء والأنباء وامتلأت أنفسنا ورؤوسنا بتلك المطالب، ثمّ أردنا أن نصلّي، فكلّ تلك الأشياء والأفكار – كالواقعة الفلانيّة في هذه المنطقة، والواقعة في تلك المنطقة، والحدث الّذي وقع في إيران مثلًا – سترِد [إلى أذهاننا وأنفسنا]. ما هذا!! هذه الأحداث أصلًا عاديّة، وهي موجودة دائمًا، وذلك مِن أوّل خِلقة آدم وستستمر إلى يوم القيام. فليس لنا علاقة بهذا أبدًا، أبدًا لا علاقة لنا بهذا. وقد خلق الله تعالى لهذه الأمور أفرادًا، يقومون بهذا الواجب بنحو أحسن وأفضل منّا.

  • فيجب علينا أن نهتمّ بتصرّفاتنا ونقوم بالواجبات. وأقول جادًّا وأنا متأكدٌ، أنّ مَن يقوم بتلك التصرّفات، فلو مضى عليه ألفُ سنةٍ لن يتحرّك أبدًا، أبدًا لن يتحرّك. وهذه هي المسألة الجديّة الّتي يجب على كلّ فرد أن يراعيها.

  • في طول حياة السيّد الوالد رحمه الله – البالغة إحدى وسبعين سنة – لم نره يشتري جريدةً واحدةً، إلّا جريدتين يوميّتين في زمن الشاه؛ إحداهما حين وضع إعلانًا عن إقامة مجلس فاتحة وعزاء وترحُّم، لارتحال أستاذه في النجف الأشرف الشيخ حسين الحلّي ... وذلك ليحضر العلماء وجميع الأفراد في طهران. والثانية حين وضع إعلانًا عن وفاة والدته. ففي هاتين المرّتين فقط رأيتُه يشتري جريدةً. وكذلك [اشترى] نحو ثلاثين جريدةً يوميّةً في أوائل الثورة الإسلاميّة [في إيران]، فكان يأمرنا بشراء الجريدة لضرورة أن يطّلع على بعض الأمور، وهذه الجرائد موجودة. هكذا كانت حالته، فلم يكن يستمع للإذاعة في زمن حياته، ولم يكن عندنا تلفاز أصلًا، فلم يكن يشاهده، وإن كان يسمع بعض الأخبار العاديّة مِنَ الرفقاء. لماذا [كان كذلك]؟ لأنّ المؤمن حريصٌ على أوقاته، فالله تعالى لن يعطينا هذا العمر مرّتين، وإنّما هي مرة واحدة فقط؛ «إنّ الدنيا دار ممرّ لا دار مقرّ فخذوا مِن ممرّكم لمقرّكم»۱، «اليومَ عملٌ ولا حسابٌ وغدًا حسابٌ ولا عملٌ»٢.

  • هذه إحدى المطالب الّتي كان يجب أن أُذكِّر بها ... فالعلّة المهمّة للكسل والملل وعدم النشاط في السلوك، هي عدم قيامنا بواجبنا، هذا هو الأمر المهمّ، وليس شيء غيره.

    1. الأمالي، للشيخ الصدوق، ص ۱۷٢، مع اختلاف يسير. (م)
    2. الإرشاد، للشيخ الصدوق، ج۱، ص ٢٦٣. (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

9
  • توجد بعض المسائل الّتي يجب أن [أتكّلم] عنها بشكلٍ عامّ، وهي ممّا ورد في بعض [هذه] الرسائل، وفي الرسائل الّتي أرسلها إليّ الأصدقاء إلى إيران؛

  • تعدّد الزوجات مسألة حسّاسة لا أتدخّل فيها وأمرها يرجع إلى الزوجين بالدراسة

  • مِن هذه المسائل مسألة الزواج، فكنتُ أُسألُ دائمًا عن رأيي بالزواج المكرّر، إمّا الدائم وإمّا المنقطع. حتّى أنّ النساء كانوا يُراسلونني بخصوص أزواجهنّ، فتقول إحداهنّ أنّ زوجها يريد أن يتزوّج مرّة ثانية، وهو بصدد طلب الإجازة منّي، فهل أسمح له أم لا أسمح؟ كما أنّ بعض الأفراد قال أنّ زوجته لا تمانع هذا الأمر، إذا أجزتُ أنا له وسمحتُ له بذلك، أمّا إن كنتُ لا أسمح بذلك فهي تمانع هذا الأمر.

  • أنا قلتُ مئة مرّة أمام الرفقاء وفي [جوابي على] الرسائل، أنّ السيّد الوالد (رحمه الله) منعني مِن تحمّل مسؤوليّة التدخّل في هذا الموضوع. إنّ هذه المسألة مسألةٌ حسّاسة جدًّا، وأنا لا [يمكن أن] أتحمّل مسؤوليّةً [فيها] أبدًا؛ فلا أقول نعم، ولا أقول لا؛ فمَن أراد أن يتزوّج فليتزوّج، ومَن لا يريد أن يتزوّج فلا يتزوّج.

  • كنتُ قد حاضرتُ في بيت سماحة الحاجّة أمّ محمّد – لا أدري منذ كم سنة حصل ذلك – وقلتُ حينها أنّ الزواج مسألةٌ جديّة ومسألةٌ عاطفيّة ومسألة منطقيّة وعقليّة وشرعيّة واجتماعيّة، فيجب على كلّ شخص أن يرى ما هي المصلحة بالنسبة له، [فإن كانت المصلحة في أن] يتزوّج فليزوّج، [وإن كانت المصلحة في أن] لا يتزوّج فلا يتزوج. فيجب أن لا يُنظر إلى هذا الموضوع بعنوانها مسألة شهوانيّة وغريزيّة وجنسيّة فقط، [بل] يجب أن يُنظر إلى خلفيات المسألة وما سيستتبعها مِن أمور، ويجب أن يلاحظ الظروف وجوانب المسألة، ويجب أن يرى ما هي المصلحة. على هذا، أنا لا آمر بالدخول في هذا الموضوع ولا أنهى الشخصَ بترك هذا الموضوع.

  • فالأفراد والأصدقاء الّذين هم بصدد أخذ الإجازة منّي، أقول لهم بصراحة: أنا لا أتدخّل في هذا الموضوع، فعليهم واقعًا أن ينظروا هم إلى موقعهم وظروفهم، وأن يُلاحظوا حالات وشخصيّات زوجاتهم، في كيفيّة تعاملهنّ مع هذا الموضوع؛ فقد تسمح مثلًا المرأة لزوجها بالزواج – دائمًا كان أم منقطعًا – وبعد شهر تنقلب مئة وثمانين درجة، فلا تعُد قادرة على الصبر على هذه الحالة، ولا تعُد باستطاعتها أن تتحمّل هذه المسؤوليّة، فتتواجد المشاكل. وهذا ما رأيناه ونراه، حتّى أنّنا نرى ذلك في إيران.

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

10
  • قبل مدّة راجعني شخص مِن أصدقائنا وقالت: سيّد، ما رأيك في زواجي [بفلان]؟ فقلتُ لها: هل فكّرتِ بالموضوع بشكلٍ جيّد، وهل فكّرتِ بهذا الزوج بشكلٍ جيّد؟ قالت: نعم، إنّه شخص صالح وكذا. فقلتُ: حسنًا، ولكن لهذا الشخص زوجة وأطفال وأولاد، فكيف فكّرتِ بهذا الموضوع؟ قالت: إنّ زوجته ظاهرًا تسمح له أن يتزوّج [بأخرى]. فقلتُ: هي تسمح الآن، ولكن هل [ستبقى] على هذا السماح بعد سنة أو بعد شهر أو شهرين؟ وقلتُ لها: أنا هكذا أفكّر .. وعندما كنتُ في مشهد عند عتبة الإمام الرضا عليه السلام، جاءت هذه المرأة وهذا الرجل إلى بيتنا في مشهد، فزوّجتُها له. ثمّ بعد مدّة، يعني بعد ثلاثة أشهر، أرسلتْ إليّ رسالة، ومِن ثَمّ بدأت بالرسائل والكلام والاتّصالات بمنزلنا، تقول: سيّد، [حصل] كذا. سيّد، إنّ هذا الشخص لم يفِ بوعده، وزوجته تقول أنّها لا تستطيع أن تتحمّل هذه الحالة و .. فيجب عليه أن يطلّقني. فقلتُ لها: أنا قلتُ لكِ مِن أوّل الأمر [أن تفكّري جيّدًا في جوانب الموضوع].

  • هذه المسائل واقعًا مسائل عجيبة! لماذا لا نفكّر بشكل جديّ وبشكل صحيح؟! فلنفكّر مِن الأوّل وننظر في المسألة، إن كان يوجد مجال أن نُقدِم على هذا الأمر، وإن كان هناك طريق لذلك، على أن لا يوجب – طبعًا – علينا مشاكلَ.

  • ثمّ أنّه لدينا مِنَ الأشغال الكثير، فيجب أن نقوم بواجبنا، ولا يلزم علينا [أن نتدخّل في هذه الأمور]، يعني حرام أن نصرف أوقاتنا بالتدخّل في هذه المواضيع، [خاصّة] مع وجود أمور قد وقعت – واقعًا – على الأرض، ويجب أن نقوم بها. ولهذا أصرّ علَيَّ السيّد الوالد مرارًا في زمن حياته فقال: سيّد محسن، لا تتدخّل في مسألة الزواج أبدًا. وأنا لا أتدخل، وأقول بصراحة: أتمنّى مِنَ الرفقاء والأصدقاء، مِن هذه اللحظة، أن لا يكتبوا إليّ رسالةً فيها هذا الموضوع، لا مِنَ النساء ولا مِنَ الرجال. فإن كانت المرأة ترضى بأن يتمتّع زوجها، فلا علاقة لي بذلك، وإن كان المرء يحبّ أن يتزوّج زواجًا منقطعًا أو دائمًا، فلا علاقة لي بذلك. فعليهم أن يُلاحظوا هم مصلحتهم في ذلك. وهذا الإصرار وتكرار [الأسئلة حول هذا الموضوع] يسبّب لي ردَّ [فعلٍ] نفسانيٍّ وانزعاجًا، ولا يمكنني أن أتحمّل هذا الأمر بعد [الآن] ... هذه إحدى المطالب الّتي أردتُ أن أصرّح بها ...

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

11
  • تحصيل العلوم الدينيّة وكيفيّته وأماكنه هي مِن شؤون المعنيّ بها

  • وتوجد مسألة أخرى، وهي أنّ الأصدقاء مِن طلبة العلوم الدينيّة، كانوا يرسلون إليّ رسائل أيضًا، يسألونني فيها عن نزولهم إلى إيران وإلى قُم، والدخول في الحوزة العلميّة. [أقول:] كان السيّد الوالد يقول أنّه لا يأمر أحدًا بالنزول إلى أيّ بلد مِنَ البلاد لتحصيل ودراسة العلوم الدينيّة؛ فإذا كان لدى الشخص استعدادٌ ورغبة ولديه إمكانيّات النزول إلى إيران والاستفادة مِنَ الحوزة العلميّة، حسنًا، فليقُم بذلك، بمعنى أنّ هذا الأمر باختياره. وإن كان الشخص مثلًا يرى أنّ صلاحه بالوجود في هذه المنطقة، أو [أيّ منطقة أخرى] في لبنان، للاستفادة مِنَ الحوزات العلميّة، فيَلزمه أن يقوم بذلك.

  • ويذكرون في بعض تلك الرسائل، أنّ الوالدين أو الأسرة، يمانعون نزوله إلى إيران. [أقول:] ليس لي علاقة بهذه المطالب، فلا أجيب.

  • ويسألون عن رأيي في الحوزات في لبنان. [أقول:] على الشخص الّذي يحصّل في هذه الحوزات أن يرى، هل يستفيد أم لا يستفيد، فليس هذا موردًا للسؤال.

  • ويسألون كيف عليهم أن يتصرّفوا في حياتهم، إذا نزلوا إلى إيران. [أقول:] لهذا شأن آخر، ولا علاقة لي به، فلا أتدخّل في هذه المسائل والمواضيع.

  • كلّ هذه الموضوعات لا ترجع إليّ، والآن يجب أن أجيب عن المسائل المهمّة؛ فقد استلمتُ كمًّا مِنَ الأسئلة الموجودة على السايت، وفي طول فترة نزولي في الشام – الّتي امتدّت ثلاثة أيّام – حتّى مجيئي إلى لبنان، لم انتهي مِن هذه الإجابات إلّا قبل يومين. حسنًا، فمَن يقوم بهذه الأمور، أعني نشر المطالب على السايت وغيرها مِنَ الأمور الّتي أشتغل بها. كما أنّ رفقاءنا وأصدقاءنا جميعهم ينتظرون الإصدار منّي، حتّى يتابعوا ذلك. فلهذا أنا أتوقّع وأتمنّى مِنَ الرفقاء جديًّا، أن لا يكتبوا شيئًا يتعلّق بحالاتهم الشخصيّة وبأمور موجودة في جميع الأفراد، حتّى أنّ هذه الأمور موجودة في نفسي ونفسيّتي؛ فإذا لم أقم بواجبي، سأكون في كسل وفشل وسأبتعد عن الله تعالى.

  • الضابطة في معاشرة الأشخاص غير الملتزمين

  • ومِنَ الأمور الخاصّة [الّتي سُئلتُ عنها]، كانت في كيفيّة المعاشرة [في الحياة] العائليّة. [أقول:] أنا بيّنتُ هذه المسائل مرارًا.

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

12
  • [ومِنَ المسائل الّتي تُطرح أيضًا]، كيفيّة معاشرة الأفراد غير الملتزمين. [أقول:] إذا كانوا غير ملتزمين، فلا يلزم علينا معاشرتهم بشكلٍ دائم، ويجب أن نعاشرهم بأسلوب دينيّ وأخلاقيّ، دون أن يتوقّعوا منّا مثلًا .. كان أحد الأشخاص في أسرتنا – وهو ليس مِن أقاربنا النسبيّين بل السببيّين – يتوقّع منّي أن أزوره في بيته، وأنا كنت أُأخّر الأمر. على كلّ حال، استجبت لدعوته [فيما بعد]، ولمّا ذهبتُ إلى بيته كان التلفاز مشغَّلًا، وكنّا نسمع مِن هذا التلفاز الموسيقى بشكل عجيب، وكان الأطفال يلعبون به ويشاهدون الأفلام عليه. فلم يراعِ هذا الشخصُ ضيفَه! فهذا الضيف قد نزل في بيتك وأنت لم تُغلق هذا التلفاز! ثمّ تراه يقول: لماذا لا يأتي السيّد إلى بيتنا، ولماذا لا ينزل السيّد في بيتنا؟! أنت لم تُكْرمنا بإغلاق هذا التلفاز خمسة دقائق أكونها معكم، فكيف تتوقعون منيّ زيارةً؟!

  • نحن جرّبنا هذه الأمور، [وكذلك الآخرون]؛ قال أحد الأشخاص [يومًا]: إذا نزلتُ إلى بيت [فلان]، فإنّ زوجته ستحضر أمامي سافرة! وقال آخر أنّه إن عاشر العائلة الفلانيّة، فإن أفرادها سيحضرون أمامه ويجلسون إلى جانبه سافرات!

  • إن كنتم تريدون دعوة شخص ملتزم دينيًّا [ألا ينبغي أن تراعوا ذلك]؟! فإن أراد المرء مثلًا أن يدعو شخصًا إلى بيته لطعام الغداء، فمِنَ اللازم أن ترووا ما هي متطلباته، كنوع الغذاء الّذي يفضّله وما هي الأطعمة الّتي لا يأكلها. فهل مِنَ الكرم والضيافة أن تطعموه غذاءً لا يريده؟! [بل يجب أن تضيّفوه] غذاءً يفرح به وينبسط له. فما تَقدّم هو مِن هذا القبيل؛ فإنّ الناس يتوقّعون منّا معاشرتهم، والحال أنّهم على موقفهم [في جميع الأمور]، فهذا لا يليق. كيف [نعاشرهم] وهم لا يغيّرون أنفسهم، هم لا يستطيعون أن يعدّلوا في تصرّفاهم لنصف ساعة أكون فيها معهم! جميع هذه الأمور سخرية .. يجب على المؤمن أن لا يكون موضعَ استهانةِ الأفراد، [يجب أن لا] يبذل نفسه. فالمؤمن متين وعزيز وقدير، أمّا سائر الأفراد فهم تحت عزّة المؤمن، لا فوقه. [فليس لهم] أن يقولوا ما يقولون ويفعلوا ما يفعلون، ثمّ يتوقّعون منّا اتّباعهم ومصاحبتهم، لا، هذا ليس جيّدًا.

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

13
  • وكذلك في طريقة تصرّفنا مع الأولاد والعائلة ومع جميع الأفراد، فهي مِن هذا القبيل؛ ففي بعض المواضع يجب على الإنسان أن (يغضّ) بصره، وفي بعض المواضع يجب على الإنسان أن يتصرّف برحمة وعطف، وفي بعض المواضع يجب أن يتصرّف بشدّة وبحدّة، حتّى لا يستغلّ الآخرون الفرصة نتيجة كيفيّة تصرّفاتنا.

  • كان السيّد الوالد يقول أنّ على الأفراد أن يروا ما هو الواجب عليهم، وأن يروا ما هي المصلحة. ونحن لا نقدر أن نقول كلّ شيء، ولا نقدر أن نكتب كلّ شيء في الرسائل، ولا نقدر أن نقول كلّ شيء في وسائل التواصل هذه، ولا أن نكتب كلّ شيء. فيجب أن يفهموا [الأمور] وينظروا [فيها] بأنفسهم، والحمد لله تعالى أنّه بيّن وأوضح لنا الطريق.

  • إن كان هناك مسألةً شخصيّة في هذه الأوراق، غير تلك المسائل [الآنفة الذكر]، فسآخذها وأجيب عنها جميعها إن شاء الله.

  • والأفراد الّذين طلبوا في رسائلهم برنامجًا سلوكيًّا، فعليهم أن يتابعوا البرنامج العامّ، وهو متوفّر – بحسب الظاهر – عندنا هنا، وهو البرنامج المأثور عن السيّد القاضي لهذه الأشهر الثلاثة (رجب وشعبان ورمضان)، وبعد شهر رمضان إن شاء الله نعطيهم برنامجًا آخر.

  • سأذكر الآن بعض المسائل المتفرقة، وهي مسائل عامّة تفيد الكثير؛

  • كسر ضلع السيّدة الزهراء قضيّة بديهيّة وضروريّة الثبوت ومن الأصول الاعتقاديّة

  • السؤال: يختلف العلماء حول مسألة كسر ضلع السيّدة الزهراء عليها السلام وفتحها الباب، فمنهم مَن يُنكر هذه الحادثة ويشكّك في سندها، حيث يَعتبر أنّه لا يمكن للسيّدة الزهراء عليها السلام أن تفتح الباب، والحال أنّ الإمام عليه السلام في الدار، وأنّه كيف يمكن أن يسمح الإمام عليه السلام بحصول ما حصل. أما البعض الآخر فيقرّ بالحادثة ويعتبر أنّ ما حصل هو أمر إلهيّ لحفظ الولاية. ولكن لم نحصل على تبيانٍ أو شرح شافٍ وواف لهذه المسألة. فما هو رأيكم حيال هذه المسألة؟

  • جواب سماحة السيّد: واقعًا ما هذه المسألة!! واقعًا لا أدري أنضحك لهذا أم نبكي!! يعني هل يمكن لشخص أن ينكر سندَ روايةٍ عن الإمام الصادق بذلك التخيّل والعلّة!۱ إنّ هذه الحادثة هي مسألة ضروريّة، مِن أبده البديهيّات التاريخيّة، حتّى أنّها موجودة في كتب السنّة، فهي موجودة في كتب السنّة، وكذلك وردت في كتب الشيعة وفي الروايات الموثّقة عن الأئمّة عليهم السلام. ولا يجوز لأحد أن ينكر هذه الحادثة، إلّا إن كان في قلبه شيء، كأن يكون معاندًا ومنكرًا للولاية. وإذا أنكرنا هذه الحادثة، لزم أن نُنكر أبده الضروريّات في اعتقاداتنا، يعني يلزم أن ننكر الإمامة والرسالة، يعني أنّ هذه القضيّة مساويةٌ لمسألة الإمامة والرسالة والتوحيد والمعاد وغيرها، بهذه الصراحة.

    1. نلفت عنايتكم أنّ كلامه إلى هنا كانت عبارة عن اعتراضات أوردها سماحته خلال قراءته للسؤال ردًّا على المنكرين، فاستنسبنا إدراجه في الجواب جملة. (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

14
  • وقد أنشد الشعراء، ومنهم شعراء أهل السنّة، أشعارًا في هذه الحادثة؛ فهذا شاعر النيل، أنشد قصيدةً في مدح عُمَر، وقرأها أمام الملك فاروق في مجلس في القاهرة، فقال على ما أتذكّر منها:

  • وقولة لعلَيّ قالها عُمر***أكرم بسامعها أعظم بملقيها
  • حرّقتُ دارك لا أبقي عليك بها***إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
  • ما كان غير أبي حفص يفوه بها***أمام فارس عدنان وحاميها
  • ومع كلّ هذا يقولون كيف [يمكن أن يحدث ذلك]! إنّ شعراء أهل السنّة يمدحون عُمَر على هذا الفعل، وأولئك [يستنكرون الحدث]، محتجّين بأنّه: كيف يمكن أن يجلس المرء في بيته، حين يأتي عُمَر ومَن معه، فيسمح لزوجته أن تفتح الباب الخارجيّ [للمنزل]؟! [أقول:] إن أمير المؤمنين كان جالسًا في بيته وأتاه عُمَر وغيره [إلى بيته]، وهذا [مثبت] في كثير مِن كتب السنّة. أنظروا في كتاب (الغدير) للعلّامة الأمينيّ .. واقعًا يندهش الإنسان مِن الأمور والمصائب الّتي أصيب بها أهل بيت [نبيّنا]، ومع هذا [يأتي بعض] علماء الشيعة ويُنكرون ويغرِزون الخناجر في قلب إمام زماننا بهذه المقالات.

  • كان أحد هؤلاء موجودًا في قُم، وقد ذكرته في الأمس أو أوّل أمس۱، وهو ذاك العالِم الدينيّ المدرّس للخارج وللأخلاق، مدرّس للأخلاق، الّذي انتشر له في آخر حياته كتابٌ – وظاهرًا كان عنده شيء في .. – يقول فيه أنّه إمّا أن ننكر إسلام عُمَر، أو أن نُنكر تلك الحادثة، وبما أنّه لا يمكننا إنكار إسلام عُمر فيجب علينا أن نُنكر تلك الحادثة [الّتي يقول فيها عُمر لرسول الله:] (إنّ الرجل لَيَهجُر)! [أقول] إنّ هذه الحادثة [يثبتها جميع] السنّة، فحتّى علماء السنّة يقرّون بأن عُمَر قال ذلك. فأنت [أيّها العالِم الدينيّ] ماذا الّذي تفعل بتصرّفك [ومقولتك] تلك!! إنّ الله تعالى سيأخذ برقبتك، وإنّ أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء سيأخذونك يوم القيامة ويرمونك في النار، ولو كنتَ عالِمًا دينيًّا، فمكانك هو في قر جهنّم إلى جانب أبي بكر وعُمَر. ولمّا مات [هذا العالِم الدينيّ] لم أقرأ له الفاتحة. فقد كان مجلس درسنا في الحوزة العلميّة بجانب مجلس درسه، وكنتُ أسلّم عليه دائمًا، وكان في سن التسعين، ولكن بعد [أن صدر منه ذلك] امتنعتُ عن السلام عليه، ولم أُجِب سلامه إلى آخر حياته حتّى مات، وحُشر مع مَن يجب أن يُحشر معه، حُشر مع مَن كان يُحبّ، ومع مَن دافع عنهم في أيّام حياته في مقابل الولاية، في مقابل الولاية.

    1. وذلك في محاضرة (لزوم اتّباع الحقّ وعدم التأثّر بالإعلام – الجزء الثاني). (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

15
  • كان أمير المؤمنين عليه السلام جالسًا في بيته وعنده سلمان وأبو ذرّ وطلحة والزبير – جميعهم كانوا جالسين – فذهبت فاطمة الزهراء عمدًا – عمدًا – إلى الباب حتّى يفهم أولئك الخنازير والوحوش أنّ الّذي وراء الباب هي بنت النبيّ، لهذا السبب [حصل ذلك]. [ومع هذا] يستنكر أولئك البعض [حصول هذه الحادثة] بحجّة أنّه: مَن يسمح لزوجته أن تذهب إلى فتح الباب وهو صاحب غيرة! [أقول:] إنّ السيدة فاطمة الزهراء ذهبت إلى الباب حتّى يسمعوا صوتها، [ويُدركوا] أن هذا الصوت ليس صوتًا عاديًّا، بل هو صوت بنت النبيّ، [فهل] تريدون بعد هذا أن تحرقوا الباب؟! قالوا نعم سنحرق الباب.

  • مَن الّذي قتل الإمام سيّد الشهداء وابن النبيّ عليه السلام؟ هو عُمَر بن سعد. ألم يكن عُمَر بن سعد مسلمًا؟ كان عُمر بن سعد مفتيًا في الكوفة، وإمام الجماعة في أحد المساجد الضخمة في الكوفة، ثمّ إنّه أرسل الجيوش وجاء إلى كربلاء وقتل الحسين بن علِيّ وذبحه. [فهل يمكن بعد هذا] أن نقول كيف [لمسلم أن يقتل ابن بنت النبيّ]! وكذلك هو الأمر في الحادثة الّتي نحن فيها. [وكذلك هو الحال بالنسبة] لعُمَر بن سعد ويزيد ومعاوية وجميع الأفراد.

  • فيجب على الإنسان أن يتوكّل على الله ويفوض أمره إليه، ولكن إذا تغلّب الشيطان على الإنسان، فلن يعرف الإنسان [حينئذ] النبيّ ولا الوصيّ ولا أيّ شيء، ولا أيّ شيء.

  • على هذا، فإن دليل [أولئك المنكرون] مِن أوهن ما سمعناه في تاريخ حياتنا. كما أنّ سند هذا الحديث موجود، فهل يمكننا أن ننكر سندًا عن الإمام الصادق والإمام الرضا عليه السلام عن أمير المؤمنين وعن جميع الأئمّة. ثمّ إنّ هذه الأمور مِن البديهيّات والضروريّات في كتب أهل السنّة، فإمّا أن (ننكر) جميع الضروريّات، أو أن نقبل بها، فلا نسمح للشيطان بأن يتغلّب علينا.۱

  • تحقيق حول أعياد الميلاد المتعارفة ومعنى العيد في الإسلام وإقامة مجالس العزاء والوفاة

  • [السؤال] الثاني: ما هو رأيكم بأعياد الميلاد، فإنّ الطفل يرى كلّ مَن حوله يحتفلون بأعياد ميلادهم، فيرغب في ذلك. بالإضافة إلى أنّه قد يتساءل عن احتفالنا بميلاد الأئمّة عليهم السلام، وأنّه يمكن أن يحيي عيد ميلاده ضمن الضوابط الشرعيّة وبطريقة خاصّة مغايرة للغرب ولغير المسلمين؟

    1. إنّ قوله (كما أن سند هذا الحديث) إلى قوله (فلا نسمح للشيطان بأن يتغلّب علينا) هو استدراك وتتمّة الجواب عن هذا السؤال، ذكره المحاضِر (قدّس الله سرّه) خلال قراءته للسؤال الثاني الآتي، فنقلناه إلى موضعه المناسب. (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

16
  • جواب سماحة السيّد: يجب أن نعلم أنّ الشيء بعنوانه عيد، يجب أن يكون [مرتبطًا] بواقعَةٍ وحادثة معنويّة وروحانيّة. فالعيد في الإسلام يكون لواقعة وحادثة ذات معنى؛ مثلًا، عيد شوال أي عيد الفطر، فهو يقع بعد صيام شهر رمضان وضيافة الله تعالى لنا، وقبوله إيّانا في هذه المضافة، وقبول أعمالنا ونيّاتنا، [وبعد] الوصول إلى المراتب العالية مِنَ الكمال والتجرّد والبهاء. ولهذا نحن نحيِيه [بصفته عيد]. فبسبب هذه الأمور وبسبب وفودنا إلى ضيافته تعالى، فَرَضَ الله تعالى علينا العيد وحرَّم الصوم [في هذا اليوم]، حيث نقرأ قبل صلاة الفطر دعاء «اللهمّ [مَن تهيّأ في هذا اليوم] أو تعبّأ ...إلخ»۱. وهذا الأمر في الواقع، هو أمرٌ جديٌّ وحقيقيّ وواقعيّ. على هذا، يحسّ الإنسان بالفرح والانبساط، لأنّ الله تعالى قَبِلَه، فاستضافه وأكرمه.

  • ولهذا كان السيّد الحدّاد – على ما حكاه عنه السيّد الوالد – بعد مُضيّ شهر رمضان، ومِن باب الشكر والامتنان، يزور الأئمّة في العراق وأولاد الأئمّة أيضًا. وكان يبدأ مِنَ النجف [ثمّ] الإمام الحسين عليه السلام والسيّد أبي الفضل العبّاس، [ثمّ يذهب إلى] الكاظميّة وسامراء، وبعدها كان يزور أولاد الأئمّة عليهم السلام كالقاسم والسيّد محمّد في سامراء أو حمزة وغيرهم، وهم معروفون. هذا مِن باب الامتنان والشكر لاستضافة الله تعالى وقبوله له. 

  • وكذلك الحال [بالنسبة] ليوم عيد الأضحى، فإنّ الأفراد الّذين حجّوا وتقبّل الله تعالى منهم الحجّ، وقدّموا القرابين، يكون لهم مكانةٌ خاصّة، [فلهذا كان يوم الأضحى عيدًا]. وكذلك الأمر بالنسبة لأعياد [ولادة] الأئمّة عليهم السلام؛ فإنّ الأئمّة عليهم السلام هم أئمّتنا ويجب إحياء ذكراهم، كما في الرواية «رحم الله مَن يحيي ذكرنا»٢؛ والحضور في مجالس الإمام عليه السلام والاستماع لمناقبهم وللمعارف الدينيّة، هو إحياء للذِّكر. ليس المراد هنا هو مجرّد الحضور في المجالس وتناول الحلويّات، لا، بل المقصود مِن إحياء الذِّكر هو التعرّف على مباني الأئمّة عليهم السلام، هذا هو معنى «رحم الله مَن أحيا ذكرنا».

  • أمّا بالنسبة لولادة الأشخاص [العاديّين]، فإنّ صرف ولادتهم ليس بشيء، [حتّى] يحتفلوا بذلك. نعم، الغرب والغربيّون [وتلك] الحضارات، يحتفلون بذلك، حتّى في إيران. ولم يكن هذا موجودًا، ولكن بعد أن استولت الحضارة الغربيّة على بلاد الإسلام، بدؤوا بالاحتفال بولادات [الأشخاص]، أمّا قَبل ذلك فلم يكن هذا الأمر موجودًا. قال السيّد ابن طاووس في كتاب الطرائف أنّ بعض الأفراد كانوا يحتفلون بمواليدهم، فيجب عليك أن لا تفعل ذلك، بل عليك أن تحتفل بالبلوغ، لأنّ البلوغ أمر جيّد. نعم، لأنّ الإنسان الّذي يصل إلى مرحلة البلوغ، يجب أن يرى أنّ ذلك عيد مِنَ الله تعالى، وأنّ الله تعالى يتقبّله، ويقبل به [مكلّفًا] ليقوم بالواجبات والفرائض. نعم، هذا عيد، لأنّ الله تعالى وجدنا مؤهّلين وجاهزين لأداء التكاليف والواجبات والدخول في منهج الأولياء والوصول إلى المطالب. أمّا صرف ولادة الإنسان في الدنيا ومضي عشر سنوات مِن عمره، والحال أنّه يقوم بكلّ عمل ويكُنّ سافرات، فيُعقد لهم عيد ميلاد! فلا، يعني أنّ هذا ليس صحيحًا. وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى أولادنا، فنفس ولادتهم ليست بشيء، فلا يكون عيدًا. هذا ما يجب على الإنسان فعله.

    1. إقبال الأعمال، السيّد ابن طاووس، ص٤۷٦. (م)
    2. الاختصاص، للشيخ المفيد، ص٢٩، مع اختلاف يسير. (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

17
  • وبالنسبة لمجالس العزاء، فيجب على الإنسان أيضًا أن يقيم مجالس العزاء فقط للأئمّة عليهم السلام، فقط للأئمّة عليهم السلام. أمّا عقد مجالس العزاء للمتوفّي [غير المعصومين عليهم السلام]، فإنّ المأثور في السنّة ومِنَ السيرة هو العزاء لثلاثة أيّام، قال النبيّ إنّ العزاء ثلاثةُ أيّام ثمّ ينتهي العزاء. هذا ما ورد في السيرة. وكان السيّد الوالد يقول أنّه يجب على الإنسان اتّباع السيرة، ففي إقامة العزاء في السابع خلاف، وفي السنويّة خلاف، وفي الأربعين إشكال؛ يعني فيه إشكال جديّ، فإن لم نقُل أنّه محرّم فيجب أن نقول بأنّ فيه إشكال، وهو مبغوض عند الأئمّة، ونحن لا نجد روايةً واحدة ولا حكايةً واحدة ولا قصّةً واحدة، في تاريخ الأئمّة عليهم السلام، يوصون فيها تلامذتهم والمسلمين الشيعة بإقامة هذا العزاء لوفاة آبائهم وأمّهاتهم، مع أنّه يموت في كلّ يومٍ واحد ويولد آخر، يعني أنّ هذه المسألة مسألةٌ عاديّة، والحال أنّ كلّ شخص يحبّ أن يقيم مجلس فاتحة لوالده ولوالدته ولأولاده إن كانوا متوفّين، ولكن لم نر ذلك يحصل، وهذا يُنبئ عن مبغوضيّة هذا الأمر.

  • بعد أن ألّفنا كتاب (الأربعين في التراث الشيعيّ) [الّذي تكلّمتُ فيه عن] اختصاص الأربعين عند الشيعة بالإمام الحسين سيّد الشهداء عليه السلام، سمعتُ أحد العلماء في قُم – مِمّن يخالف هذا الكتاب – عندما سألوه في مقابلة إذاعيّة عن اختصاص الأربعين بالإمام عليه السلام، يقول: لا، بل يمكن أن يُقام الأربعين لكلّ شخص، والأربعون [لغير الإمام الحسين] كان موجودًا في زمن الأئمّة، إلّا أنّ هذا العزاء انحصر الآن بسيّد الشهداء. [أقول:] لماذا تتّهم الأئمّة بهذا المقالة! حسنًا، أرني، أرني هذه الرواية الّتي تدّعي أنّها موجودة في الكتب! لماذا عندما تفحّصنا جميع الكتب لم نجد روايةً واحدة تحكي عن هذا الأمر، وأنت بهذه الصراحة تكذب أمام الأمّة! هكذا هي مصيبتنا، بهذا الشكل. هذا الشخص يقول أنّ هناك روايةً، فيجب عليه أن يلتزم بخلفيّات الموضوع ومستتبعاته، قد سمع الجميعُ – سبعون مليونًا أو أكثر – هذا الشخص الآن يدّعي أن هناك روايةً، فيجب عليه أن يلتزم بخلفيات المسألة وما سيستتبعها، فإذا ادّعيتَ أمرًا فيجب أن تبرز سند هذه الرواية إن كان السند موجودًا. أمّا أن نُلقي مِن تلقاء أنفسنا شيئًا على الهواء ثمّ نمضي ونعبر بهذه السهولة والبساطة، فلا، فالإمام الحسين عليه السلام سيأتي يوم القيامة ويأخذ برقبته ويقول أرني، أرني هذا الّذي تدعيه.

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

18
  • نحن لم نجد روايةً واحدة أو قصةً واحدة عن أربعين للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والحال أنّه أفضل مِنَ الأئمّة ومِن جميع الأفراد، ولم نجد روايةً واحدة عن أربعين للإمام أمير المؤمنين، أو عن أربعين للسيّدة الزهراء، وكذلك لباقي الأئمّة، لم نجد، فكيف بالنسبة لسائر الأفراد [غير المعصومين]!

  • لهذا أقول، يجب على السالك أن لا يستمع لكلّ شخص، فكثير مِن هذه المسائل يغلب عليها الجانب النفسانيّ وجوانب أخرى نعوذ بالله منها.

  • على كلّ حال، بالنسبة لموضوع [إحياء ذكرى] الولادات، يجب أن تكون فقط للإمام عليه السلام، فإحياء المناسبات يجب أن يكون للأئمّة عليهم السلام. أما موضوع الوفاة ومجالس العزاء، [فالعزاء] لازم إلى ثلاثة أيّام لكلّ الأشخاص، وبعد ثلاثة أيّام يجب أن ينتهي العزاء، أمّا ذكرى الأسبوع والسنويّة فليسا مِنَ الشريعة، والأربعون على الخصوص فيه إشكال، لأنّنا نرى شدّة وحدّة مِنَ الأئمة عليهم السلام في [تخصيص] الأربعين بالإمام [الحسين] عليه السلام.۱

  • فليوفّقنا الله، إن شاء الله. ليس هناك مجال بعدُ [لطرح أمور أخرى]، ونحن نستودعكم [الله]، وإن شاء الله نُرسل لكم الرسائل في المستقبل، ونجيب عن هذه المطالب الّتي نراها. وإن شاء الله أتواصل معكم قريبًا وأجيب عن المسائل الشخصيّة والمسائل العامّة.

  • نحن لنا منبر رسول الله أمّا منصّة الخطابة الغربيّة فليست لنا

  • بحمد الله، قد هيّأ لنا الله تعالى الآن الطرق، وهيّأ لنا الأسباب. والرفقاء – بحمد الله – جميعهم أو أكثرهم عالمين وعارفين وعالمات وعارفات بالمسائل وبمنهج الأولياء وبمنهج السيّد الوالد، وهم مطّلعون ومطّلعات على كتب السيّد الوالد المؤلّفة. وكما قلتُ في الجلسة الماضية: إنّ أجوبة جميع الأسئلة – بحمد الله – موجودةٌ في كُتب السيّد الوالد، ولا نحتاج إلى [إرسال] هذه الرسائل. نعم، إن كانت هناك مسألة ليست موجودةً، فنحن نوضّحها ونشرحها، ولكن على الإنسان أن يعمل بهذا.

  • ومِن تلك المسائل مثلًا المنبر؛ أنا لمّا جئتُ إلى هنا لم أرَ منبرًا، فقلتُ لسماحة الشيخ ... ماذا عن المنبر٢؟ 

  • قال: المنبر موجود، ولكنّهم يستفيدون مِنَ الـ (تريبون) [أي منصّة الخطابة الغربيّة] ٣

    1. لمزيد مِنَ الاطّلاع على هذا الموضوع وحيثياته، راجع الكتاب التحقيقيّ للمحاضِر الموسوم بـ (الأربعين في التراث الشيعيّ). (م)
    2. المراد بـ (المنبر) هو المنبر الإسلاميّ النبويّ، المؤلَّف مِن ثلاثة أدراج يعلوها تخت يُجلس عليه لإلقاء الخُطب. والجدير بالالتفات أنّه عندما يقول (منبر) يكون المراد هو المنبر الإسلاميّ. (م)
    3. (تريبون) لفظ يُستعمل في اللغة الفارسيّة، وهو المنبر الغربيّ، أي المنصّة الّتي يقف خلفها الخطيب ليُلقي كلمته. (م)

أهمية المراقبة و الجدّ والإعراض عن الدنيا في السير والسلوك

19
  • قلتُ: ألم يكتب السيّد الوالد أنّ التريبون حرام، هذا حرام، هذه الأداة هي مِن المستوردات الغربيّة، وهو بدل المنبر، يعني هم بدّلوا المنبر بهذه الأداة! ولهذا، كما ترون الآن، فإنّ الخطيب في صلاة الجمعة لا يصعد المنبر، بل يخطب خلف التريبون! ما هذه التريبون!! التريبون للغرب وللحضارة الغربيّة، [أمّا نحن] فعندنا منبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الّذي كان يصعد عليه [ليُلقي خطبته]، وكذلك الأئمّة كانوا يصعدون على المنبر، والخطباء كذلك .. 

  • إنّ وضْع التريبون في صلاة الجمعة حرام، لأنّه مِنَ المستوردات الغربيّة. وكأنّ الناس يخجلون إذا صعدوا على المنبر!! نعم، بعض الخطباء في إيران – وأنا أعرِفهم – يصعدون على المنبر، وهذا أمر جيّد. أمّا أن يقول الخطيب مثلًا في يوم الجمعة: أنا أعلن للعالَم مِن وراء التريبون صلاة الجمعة! [أقول:] التريبون ليست لصلاة الجمعة، بل هو للمجالس الغربيّة وللأماكن الغربيّة. ونحن – للأسف الشديد – بسبب أنّه لا حظَّ لنا مِنَ المسائل والمعارف الدينيّة، وإهمالنا العمل بواجباتنا، قبلنا تلك المسائل بقبول حسن، وأدخلنا هذه الحضارة الغربيّة والمظاهر الغربيّة في حضارتنا وفي مجالسنا. ولكن يجب علينا أن نطرد هذه الأمور، وإن شاء الله، بعد هذه الجلسة، يصعد الأشخاص على المنبر ويخطبون مِن على المنبر ...

  • هذه المسائل موجودةٌ في كتب السيّد الوالد، فهل مِنَ اللازم أن أكتبَ وأصرّح بذلك وفي هذا المكان حتّى تغيّروا وتبدّلوا؟! لا [يحتاج الأمر إلى ذلك]، فهي مسائل موجودة، وكلّ هذه المسائل موجودةٌ [في كتب السيّد الوالد]، ونحن بحمد الله في غنى عن تلك الأمور وعن [الذهاب] يمينًا ويسارًا في المسائل.

  • هذا هو طلبي وأمنيتي ودعوتي ورجائي مِنَ الرفقاء، وهو أن يهتمّوا بهذه المطالب. وإن شاء الله تعالى يَفتح لهم الأبواب في المستقبل ويجدون ما فيه رضى الله تعالى.۱

  • والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    1. تنويه: نلفت عناية القارئ الكريم أنّ هذه المحاضرات أُلقيت بشكل شفاهيّ وباللغة العربيّة، واقتصرت على تفهيم المستمع بأبسط الكلام، فلم يُلتفت كثيرًا إلى ضوابط اللغة، كما اشتملت على كلام عاميّ. ولذا عمدت اللجنة العلميّة بأمر مِن سماحة السيّد (قدّس الله سرّه) إلى إعادة تقويم الكلام وضبطه مِنَ الناحية اللغويّة، ومع ذلك آثرنا المحافظة على عبارة المحاضِر وترتيبها وبساطتها قدر الإمكان. كما تجدر الإشارة إلى أنّ العناوين الواردة هي مِنَ اللجنة.
      أمّا الرموز المستخدمة في المحاضرة فهي كالتالي: رمز الثلاث نقاط للكلام المحذوف، والرمز (...) للكلام غير الواضح وعند انقطاع الصوت، والرمز (م) لكلام المحقّق، والكلام المدرج في هذا [] فهو مِن وضع اللجنة لإتمام الجملة الناقصة بحسب ما يقتضيه السياق.
      ختامًا نلفت النظر إلى أنّ التسجيل الصوتيّ للمحاضرة متوفّر في الموقع لمَن يرغب الاستماع والمراجعة.
      (اللجنة العلميّة)