المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةالسالك البصير
التاريخ 1414/08/15
التوضيح
محاضرة ألقاها العلامة الطهراني قدس سره في أواخر حياته الشريفة يوم النصف من شعبان في مدينة مشهد المقدّسة بمناسبة تشرّف أحد الطلاب بلبس العمامة، و تعرض فيها لأساليب الاستعمار في التغلب على المسلمين وبيان وظيفتنا تجاه ذلك.
هو العليم
كيف تغلّب الاستعمار على المسلمين؟
محاضرة ألقيَت يوم النصف من شعبان
في مدينة مشهد المقدّسة
بمناسبة تشرّف أحد الطلاب بلبس العمامة
ألقاها سماحة العلامة الراحل:
آية الله الحاج السيّد محمد الحسين الحسيني الطهراني
افاض الله علينا من بركاته نفسه القدسيّة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلّى الله على سيّدنا محمّد و آله الطاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين
من الآن إلى يوم الدين
قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
{لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً }۱
ففي هذه الآية جعل الله تعالى رسوله الكريم أسوةً وقدوةً،وذلك في كلّ شأنٍ من الشؤون الظاهريّ منها والباطنيّ؛ في المأكل والملبس، في العمل والمكسب، وفي الأمور كلّها.
التسلسل التاريخيّ لضربات الأعداء للحكومة الإسلاميّة الموحدّة
لقد كان للمسلمين ـ حتّى سقوط الحكومة العباسيّة على يد هولاكو المغوليّ ـ دولةٌ وكيانٌ قويّ، وكان لهم حكومةً إسلاميّة، وكانت تجمعهم كلمةٌ واحدةٌ، فرغم أنّ الحكّام كانوا ظالمين غاصبين، ولكن لأنّ الحكم كان يرتكز إلى الإسلام فقد كان القضاة يعيّنون في المدن والبلاد المختلفة. أمّا الآن فقد ذهب ذلك الكيان وتمزّقت تلك الوحدة وانتهى أمرها؛ ورغم أنّ الحكومة في ذلك الزمان كانت حكومةً ظالمةً جائرةً إلاّ أنّ زوالها كان مضرّاً بالمسلمين، حيث زالت الوحدة وتفرّقت الكلمة؛ وقد حدث ذلك في منتصف القرن السابع الهجريّ.
وعندما وقع هذا الاختلاف والتفرّق بين المسلمين، استغلّ أعداء الإسلام الفرصة ليشنّوا الحروب على الحكومة الإسلاميّة المركزيّة التي كانت مسيطرة على الشرق والغرب، وهي الحكومة العثمانيّة التي كانت تتّخذ من القسطنطينيّة عاصمةً لها، وكانت تواجه المسيحيّة بقوّة وثبات، فقد شنّ هؤلاء الأعداء الحروب الصليبيّة على هذه الحكومة الإسلاميّة مستفيدين من ضعفها و تشتتها، ورغم أنّهم تمكّنوا من إلحاق أضرارٍ بالغةٍ بها إلاّ أنّ النصر في النهاية كان حليفاً للمسلمين.
ولكنّ هؤلاء الصليبين تمكّنوا من الاستيلاء على الكُتب والمعلومات التي كانت بأيدي المسلمين، فشرعوا بدراستها ومطالعتها، وكانت قلوبهم مليئةً بالحقد على الإسلام والمسلمين؛ وذلك إثر الحروب التي خاضوها معهم والخسائر التي تكبّدوها منهم، خصوصاً تلك الهزيمة التي لحقت بهم على يد >صلاح الدين الأيوبي< ، وصلاح الدين هذا كان رجلاً مغرضاً معادياً للتشيّع بشدّة، حتّى أنّه قتل في مدينة حلب السوريّة سبعين ألف شيعيٍّ في يومٍ واحدٍ؛ وقد هُزم الصليبيّون على يده هزيمةً نكراء تركت في أنفسهم أحقاداً و عداوةٍ شديدةٍ للمسلمين. ومن هنا فقد شرعوا بقراءة كتب المسلمين ودراسة علومهم، مثل: علم الأرض (الجيولوجيا) ، وعلم الفلك ، وعلم الطب، وغيرها من العلوم؛ فقد تعلّموا العلوم الإسلاميّة، وسرقوا كُتب العلماء المسلمين،ثمّ قرؤوها لكي يستفيدوا منها في القضاء على الإسلام واقتلاعه من الجذور.
ومن هنا، نفهم ما قاله قائد القوّات الإسرائيلية بعد الحرب الأخيرة التي تمكنّوا بسببها من احتلال فلسطين، حيث قال: اليوم انتهت الحروب الصليبيّة التي بدأت قبل سبعمائة سنة!! يعني أنّهم اليوم فتحوا فلسطين!!
أثر تقسيم الدولة الإسلاميّة في تمكين الغرب من السيطرة عليها
وكان من ضِمن الطرق التي استخدموها للتغلّب على المسلمين و السيطرة عليهم، السيطرة على فكر المسلمين وأموالهم وأرواحهم وأعراضهم وشرفهم وسيادتهم، وقد نجحوا في ذلك نجاحاً باهراً، وقد خطّطوا للمسألة بحساب دقيق جاعلين شعارهم توجيه الضربات المتتالية للإسلام. ولهذا فقد قاموا ـ بعد أن هُزمت الدولة العثمانية ـ بتقسيم هذه الدولة الواحدة الكبيرة، إلى تسعة عشرة دويلة، وجعلوا على رأس كلٍّ منها رئيساً أو سلطاناً، ثمّ أطمعوا كلاًّ منهم في الحكم من ناحية، وسيطروا على شخصيّته من ناحية أخرى، فقبضوا في أيديهم على زمام شخصيّته وكرامته وشرفه، فصار الواحد منهم يتعامل معهم كالعبد أمام سيّده، لكي يحافظ على مركزه وموقعه؛ فكانوا تارةً يقدّمون له المغريات، وتارةً يهدّدونه ويخوّفونه، وبهذه الطريقة تمكّنوا من السيطرة على مقدّرات المسلمين وكرامتهم وعزّتهم وأموالهم وسيادتهم.
خطط الاستعمار بشأن القرآن
لقد كان اللورد <كورزون> وزير خارجيّة إنجلترا،وكان رجلاً معروفاً كما أنّه كان من المستشرقين ومن أشدّ المحاربين للإسلام، وكان يسعى بكلِّ ما أوتي من قوّة للقضاء عليه، وكان معاصراً لـ <جلادستون> الذي رفع القرآن في مجلس الأعيان الإنجليزي وقال: جلادستون>كورزون><لن نستطيع="" أن="" نحكم="" البلاد="" الإسلاميّة="" ما="" دام="" هذا="" موجوداً="" بينهم،="" ولن="" نستطيع="" أن="" نسيطر="" على="" المسلمين="" إلاّ="" إذا="" تمكنّا="" من="" القضاء="" على="" القرآن="">لن> ، فقالوا له: <و كيف="" يمكن="" ذلك؟="">و> ، وللإجابة على سؤالهم فقد استخدم مجلساً كبيراً كان هناك، فوضع القرآن على طاولة في آخره، وكانت أرض المجلس مفروشة بسجادة كبيرة بحيث لم يكن بالإمكان الوصول إلى الطاولة التي عليها القرآن إلاّ بالمرور فوق السجادة، ثمّ التفت إليهم و سألهم: من منكم يقدر أن يرفع المصحف من مكانه دون أن يضع قدمه على السجادة؟ فقال النوّاب الحاضرون جميعاً: هذا مستحيل! هذا غير ممكن!
فأجابهم: <بل هو="" أمرٌ="" سهلٌ="" يسيرٌ="" !="" ثمّ="" بدأ="" بلفّ="" السجادة="" قليلاً="" قليلاً،="" مقترباً="" في="" كلّ="" مرّة="" من="" الطاولة="" التي="" عليها="" المصحف="" حتّى="" وصل="" إلى="" الطاولة،="" ثمّ="" قال="" لهم:="" يجب="" علينا="" أن="" نُقصيَ="" القرآن="" ونبعده="" عن="" المسلمين="" تماماً="" بنفس="" الطريقة="" التي="" أزحتُ="" السجّادة="" فيها="" عن="" طريقي="" فوصلت="" من="" خلال="" ذلك="" إلى="" مرادي!!="">بل> .
وهذا واقعاً كلامٌ عجيبٌ جدّاً ! و قد صدر قبل مائة وعشرين سنةٍ تقريباً!
ومنذ ذلك اليوم شرع الإنجليز الأوغاد الوقحون عديمو الشرف والحياء في تنفيذ مخططاتهم دون خجل أو حياء، وبدؤوا بتطبيق رؤيتهم القذرة على أرض الواقع وبأسوأ وجهٍ ممكنٍ. إنّ من يقرأ تاريخ قضيّة المشروطة سيرى بشكلٍ واضحٍ مدى رذالة هؤلاء الإنجليز ! لقد كانوا على قدر من الانحطاط إلى درجة أنّهم جعلوا حكم اللواط قانونيّاً و اقرّوا ذلك في مجلسهم!
هدم الحوزة وإقصاؤها من أهم أهداف الاستعمار
وبهذه الدرجة من الانحطاط بدؤوا بشنّ حملاتهم على القوانين الإسلاميّة وعلى القرآن الكريم، وقد استفادوا من بعض الماسونيين في هجومهم على الإسلام من أمثال: آخوند زاده، وتقي زاده، والسيّد ضياء وغيرهم، وقالوا: إنّ إيران لا يمكن أن تصل إلى كمالها إلاّ إذا صارت غربيّة من رأسها إلى أخمص قدميها ! وقامت مجموعة منهم تضمّ السيّد نصر الله تقوي والشيخ إبراهيم الزنجاني وتقي زاده بتشكيل مجلسٍ أصدروا من خلاله حكم الإعدام بحقّ الشيخ فضل الله النوري، و لم يعلم أحدٌ أنّ كلّ ذلك كان بإدارة الإنجليز مائة بالمائة.
وفي زمان رضا شاه مُنع منعاً باتاً وبشكل رسميّ القرآن والوعظ والخطابة وبيان المعارف والمسائل الدينيّةً، وفي طهران لم يكن هناك إلاّ أربعة عشر معمّماً لا غير، لأنّهم نزعوا العمائم عن رؤوس الطلاب والعلماء، ومزّقوا ملابسهم الدينيّة، وكانوا يعتقلون أيّ شخص يعتلي المنبر للخطابة ـ غير تلك العدّة القليلة ـ بعنوانه مُجرماً ويأخذونه إلى التحقيق في قسم الشرطة. ثمّ قاموا بتأسيس جامعة المعقول والمنقول لمواجهة الحوزات العلميّة في النجف وقم.
لقد قام علي أصغر حكمت بتأسيس هذه الجامعة واستلم رئاستها، وكان الهدف منها إعداد الطلبة والعلماء التابعين للبلاط الملكيّ والمنفّذين لأغراضه والمطيعين لأوامره، وهذا ما فعلوه فعلاً، فأحضروا مجموعة من الطلاب إليها و بدؤوا بتدريسهم ...
بعد ذلك، ضعفت قدرة النظام الحاكم بسبب الحرب العالميّة وفرار رضا خان، وبدأ الناس يُدركون حقائق الأمور، وصاروا يقولون: إنّ هؤلاء الذئاب أكلة لحوم البشر قد استولوا على كلّ ما لدينا. وبدأ الناس بمعارضتهم ومواجهتهم، فقام أولئك الخبثاء بتغيير سياساتهم، وقاموا بتأسيس جامعات أخرى ووسّعوا ميادين نشاطهم في اتجاهات متعددة، ولاحظوا أنّهم لم يعودوا بحاجة لجامعة المعقول والمنقول بعد فقاموا بإغلاقها.
استغلال القوميّة في وجه الإسلام والقرآن
ثمّ شهروا حربة القوميّة والعزّة الوطنيّة في وجه الإسلام والقرآن، وصاروا يروّجون لأفكار من قبيل أنّ كلّ أمّة ينبغي أن تقرّر مصيرها بنفسها، وسعوا لتشكيل التكتّلات القائمة على أساس القوميّة كالجامعة العربيّة والجامعة الإيرانيّة و ... ، فتمكّنوا بهذه الطريقة من اصطياد عقول الناس الضعيفة وخداعها.
لقد رأيت بنفسي كتيّباً كانوا قد طبعوه في عهد رضا خان الملعون، وكان في أحد صفحاته صورةً لرجلٍ عربيّ يحمل في إحدى يديه كتاباً وفي الأخرى ضبّاً كان قد اصطاده، وكتبوا هذين البيتين تحت الصورة:
ز شير شتر خوردن و سوسمار | *** | عرب را به جائي رسيده است كار |
كــه تاج كـيـاني كــند آرزو | *** | تـفو بر تو اى چرخ گردون تــفو |
( يقول : لقد وصل الأمر بالعربيّ الذي يشرب حليب الناقة و يأكل الضبّ ،
إلى أن صار يطمع بالحكم و الرئاسة ، فاللعنة عليك أيها الزمن الدوّار اللعنة )
هذه من أشعار الشاعر فردوسي۱، وكان هذا الشعر مكتوب خلفها !!
الأعرابي يحضر هديّة إلى قصر السلطنة!! فما هي هذه الهدية ؟
۱ ضبّ. ٢ كتاب.
يعني القرآن الكريم!! و هذا أمر مهم جدّا !
لا ينبغي أن يكون الرسول أسوةً للمسلمين بنظر الاستعمار
فهؤلاء قد تمادوا إلى هذا الحدّ، لقد بذل الماسونيّون جهداً كبيراً في هذا الاتجاه، وما زالوا يسعون إلى ذلك في مجالسهم ومحافلهم المنتشرة في كل أنحاء المعمورة، وهم يريدون أن يقولوا أنّ آية {لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً}٢ ليست صحيحةً، وينبغي إلغاؤها و إزالتها.
فبعد أن لاحظوا بأنّ الناس لم يُقبلوا علي جامعة المعقول والمنقول بشكلٍكبيرٍ ـ إذ أغلقت هذه الجامعة أبوابهامن تلقاء نفسها ـ شرعوا في إحضارالتجّار إلي مخفر الشرطة فنزعوا عن رؤوسهم القُلَنسُوة وقالوا لهم: إمّا أن تلبسوا >البرنيطة< وإمّا >القبعة<، فكانت هذه سيرتهم في تعاملهم معهم! أشاعوا الاختلاط في المدارس وأوجبوا علي الأولاد والبنات أن يدرسوا معاً، قضوا علي الحجاب وكان همّهم الشاغل في الحقيقة محاربة الإسلام والعلماء.
لقدكانوا يتصوّرون أنّ بإمكانهم القضاء علي الحوزة، إلاّ أنّهم رأوا أنّ ذلك لم يتحقّق؛ فالمرحوم الحائري (يعني:آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم) والمرحوم السيّد أبو الحسن الأصفهاني والمدرّسون وعلماء الحوزة كانوا مستمرّين في أداء مهامهم، كما أنّ الناس لم يقبلوا لا ظاهراً ولا باطناً بذلك.
ولذلك عندما جاء >هويدا< في هاته المدّة الأخيرة وشاور بعض المسؤولين الكبار ـ بعد إفشال مسألة المجالس البلديّة والولايتيّة من خلال بيانات آية الله الخميني ومساندة العلماء والناس ـ قالوا له: تعال ولنحفظ أنفسنا! فقال لهم >هويدا< الذي كان ذكياً جدّاً وذا تجربة وشيطاناً: يجب علينا المساس بالشرف وعلينا التحقيق في هذه المسألة؛ لأنّنا قمنا بذلك العمل سابقاً ولم نحصل علي أيّة نتيجةٍ! (أي: نفس جامعة المعقول والمنقول تلك).
كيفية اندثار جامع الأزهر وفقدان رونقه
إنّ «جامع الأزهر» (و ليس جامعة الأزهر؛ لأنّ جامعة الأزهر أسست لتقع في مقابل جامع الأزهر) والذي تأسس علي يد الشيعة، وتمّ بناؤه قبل ألف سنة من قبل الخلفاء الفاطميين ـ الذينكانوا من السادة ومن الشيعة ـ قد اندثر علي يد الماسونيين في مصر.
جاء جمال عبد الناصر و بني في مقابل «جامع الأزهر» عمارةً من عدة طبقات وجعل دروس الفقه والأصول واللغة الإنجليزية والرياضيات ودروس علم الاجتماع وغيرها جزءاً من البرامج الدراسيّة، وفتح باب الجامعة في وجه البنات، لكي يدرس هناك الأولاد والبنات وجعل لهم راتباً شهرياً،كما أنّه لم يقل لأيّ أحد لا تذهب إلي «جامع الأزهر» ولا تدرس هناك؛ بل إنّه ومن خلال تشجيع المنتسبين لتلك الجامعة بواسطة توفير الإمكانيّات الوفيرة والبرامج الحديثة تمّ القضاء علي ذلك المسجد الجامع ودروسه العميقة.
كيف نحفظ الحوزة من الاندثار؟
فما المقصود من الكلام الذي يتناهى إلي أسماعنا في هذه الأيام والذي سيتمّ بمقتضاه الدمج بين الجامعة والحوزة؟!ينبغي أن لا يكون المراد من ذلك القضاء علي الحوزة، أو أن يأتي>الحوزويّون< إلي الجامعة؟! أما أنّ المقصود هو أن يأتي الجامعيّون إلي الحوزة ويتركوا الدروس غير الصحيحة والسطحيّة ويدرسوا بشكل جيّدكما يفعل الطلبة، إن كان كذلك فهو أمر جيّد! إلاّ أنّه لا توجد أيّة فائدة ومصلحة من ذهاب الطلبة إلي الجامعة ودراستهم لمقدار من الدروس الرائجة هناك، مثل: الفلسفة وبعض الدروس السطحيّة جداً التي لا يحصل المرء من خلال دراستها علي أيّة فائدة، وهذا الأمر يشبه مسألة «جامع الأزهر» و «جامعة الأزهر».
إنّ الحوزة مهمّة جدّاً! وتمتلك الأصالة! ويجب علي الطلبة أن يدرسوا بتمعّن! فالدروس الحوزويّة ليست مرتبطة بيوم أو يومين بل إنّ العمر كلّه لا يفي بحقّها.
إنّ من يدرّس «حاشية الملا عبد الله» يعلم جيداً ماذا يدرّس؛ لأنّه تعب في ذلك وطالع واستوعب، ولم يكن له هدف دنيوي في ذلك.
ليس للطلبة هدف دون الله والعلم، بواعثهم ليست ولم تكن دنيويّة، ليست من أجل الحصول علي الشهادة والأوسمة، باعثهم هو الله تعالي؛ لقد كان هذا هو باعث الشهيد والعلامة الحلّي.
أمّا العلوم الجامعيّة فلا تمتلك هذا الدافع، إنّهم يذهبون إليها رجاءَ الحصول علي الشهادة والدنيا وللاستفادة من الإمكانات التي تتيحها؛ إلاّ أنّ المرء لا يصير عالماً من خلال تعلّم بضعة ألفاظ ومصطلحات سطحيّة، ولا يصبح الإنسان فيلسوفاً من خلال بضعة مصطلحات!
إنّ الإنسان ليخجل حقاً من هؤلاء الفلاسفة الاستعراضيين الذين جاؤوا وطرحوا فكرة «قبض وبسط نظريّة الشريعة»۱ !! إنّ الجامعة هي التي تربّي مثل هؤلاء الأفراد الأميين الذين يُدلون بآرائهم ويبدون وجهات نظرهم في مقابل العلماء من خلال تحصيل بعض المصطلحات، مع العلم أنّهم عارون وخالون وفارغون عن الفضل والكمال؛ بينما الحوزة ليست كذلك، فهي تلازم المطالعة والتعب والمشقة والكدح، والعيش في غرف أنهكتها الرطوبة مع الفقر وخلوّ ذات اليد.
لقد كان المرحوم البروجرديّ يطالع في الليل مع أنّه يبلغ من العمر ثمانٍ وثمانون سنةً، وحتّي أنّه كان يغلق البوابة الخارجيّة ولا يسمح لأيّ أحدٍ بالدخول عليه، وكان يقول: يجب عليّ غداً إلقاءُ الدرس علي الطلبة، ويجب عليّ أن أكون حاضراً للإجابة علي إشكالاتهم، ولم يترك المطالعة إلي آخر عمره لأنّه كان يمتلك الأصالة. أمّا هؤلاء فلا يدرسون ولا يطالعون الكتب ولا يستوعبون، ويقولون: إنّ «المغني» لا يفيد في شيئاً!والكتاب الفلانيّ لا يفيد في شيء! حينئذ يأتي الأميّ ويبدي رأيه بعنوان أنّه مجتهد!
هؤلاء متعلّمون ناقصون وغير ناضجين، والجامعة سطحيّة. هل رأيتم أنّها خرّجت بروفسوراً ومحققاً واحداً لحدّ الآن؟!
إن العلاّمة الطباطبائي، وآية الله الشيخ عبد الجواد الأصفهاني ـ أستاذنا في <الرسائل>الرسائل>٢ ـ الذي كان بدوره محقّقاً نزيهاً دقيقاً، وسماحة الحاج>آقا سيّد صفي< وهو شيخٌ طاعنٌ في السنِّ وما يزال على قيد الحياة٣ وهو الذي تفضل بتدريسي الاستصحاب في >الرسائل<، والسيد البروجردي ، كانوا جميعاً من أصحاب الأصالة والثبات.
هل نختار الإسلام أم نختار الآداب والأعراف والقوميّات؟!
و الخلاصة: هي أنّنا يجب أن نتخلّى عن الآداب والأعراف والقوميّات وأن نتمسّك بالإسلام والنبيّ وسنّته المباركة، وينبغي أن نفهم أنّ الانجليز والأجانب شيءٌ واحدٌ وبعضهم من بعضٍ فـ>الكفر ملّةٌ واحدةٌ !< ، وأنّ وصولنا إلى السعادة والتوفيق لا يكون إلاّ بالتمسّك بأصالتنا، لا بأن نضع الحوزات جانباً ونترك دراسة >الجوهر< و الدروس الفلسفيّة والحكَميّة العميقة ونستبدل ذلك بفلسفةٍ ظاهريّةٍ لا أصالة لها.
كان جمال عبد الناصر يقول: من أراد أن يأتي إلى هنا فليأتِ، ومن راد أن يبقى هناك في >جامع الأزهر< فليبقَ، ولكنّنا هنا سنعطي راتباً شهريّاً قدره كذا، كما أنّ عندنا إمكاناتٍ كبيرةٍ و و ... وبهذه الطريقة ذهب الجميع إليه وتمكّن من إحداث التغيير الذي أراده.
كيف نسلّم الجوهرة الثمينة للأعداء مقابل الخزف؟!
إنّ تقسيم العلوم وإيجاد التخصّصات بالنّسبة للبعض لا بأس به، ولكن المهمّ هو إعداد وتربية المجتهدين.
لقد بذل الشيعة جهوداً مضنيةً وسعوا لمدّة ألفٍ وخمسمائة سنةٍ تقريباً وتحمّلوا المشاقّ جيلاً بعد جيلٍ لكي يُوصلوا الإسلام إلينا. فمن العجيب أن يأتي أعداؤنا ليأخذوا منّا هذه الجوهرة الثمينة ويعطونا بدلاً منها قطعة خزفٍ عديمة القيمة!! وأنا قد بيّنت هذا الأمر مفصّلا في المجلد الثاني من كتاب (أنوار الملكوت)۱ ، كما توجد بعض المواضيع الأخرى في المجلد الثالث والرابع.
إنّما نرمي إليه هو أنّ قوله تعالى {لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }٢مخالف ومتضادّ مع كلام <جلادستون> الذي يقول: نحن يجب أن ننتزع القرآن من يد المسلمين! ويصوّر العلماء على أنّهم عديمو الفهم والعلم وأنّهم عالةٌ متخلفون متعصبون و ...جلادستون>
لا! ليس الأمر كذلك ! إنّ لباس النبيّ مهمٌّ جدّاً، وإلى يوم القيامة سيبقى رسول الله صلّى الله عليه وآله سيّدنا ورئيسنا وقائدنا.
تشرّف بعض الطلاب بلبس العمامة
إنّ اليوم هو يوم تعميم مجموعةٍ من الأصدقاء، وهم يجب أن يكونوا قد قطعوا مرحلةً معيّنةً مِن الدراسة، كما أنّ عليهم أن يقطعوا مراحلَ أخرى بعد ذلك ليكونوا مؤهّلين للإجابة على مسائل الناس والمجتمع ولكي يلبسوا هذا الزيّ واللباس، ويتمكنوا من حفظ حقّ هذا اللباس؛ هذا اللباس الذي قد حورب بشدّة بعد ثورة<رضا خان=""> ، فمزّقوه وقاموا بنزعه عن أبدان العلماء.رضا>
يجب علينا أن نتذكّر صاحب الزمان دائماً، فالإمام ـ سلام الله عليه ـ حيٌّ، وهو الإمام ! ولقب <الإمام> حقٌّ منحصرٌ له ومختصٌ به، فهو الإمام ! هو الإمام!الإمام>
ونحن إذا أردنا فإنّه سيرشدنا إلى الطريق، حتّى نصل إلى مقامٍ لا يعود هناك فرقٌفيه بالنسبة لنا بين حضور الإمام أو غيبته.
إنّ دنيانا لحقيرةٌ ووضيعةٌ!
اللهم صل على محمّد و آل و محمّد