1

معرفة الله ج1

معرفة الله ج1 7140
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم العقائد

المجموعة معرفة الله

مجلدات الكتاب (3 مجلدات)

التوضيح

أصل‌ هذه‌ الابحاث‌ دورة‌ تفسيريّة‌ جرى فيها المذاكرة‌ والتحرير من‌ الآية‌ المباركة‌ {اللَهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} إلى {وَاللَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
وقد جري البحث‌ والمذاكرة‌ في هذه‌ الأبحاث‌ عن‌ مسألة‌ التوحيد الذاتي والأسمائي والأفعاليّ للذات‌ المقدّسة‌ للحقّ تعالى، وعن‌ كيفيّة‌ نشوء عالم‌ الخلقة‌، وربط‌ الحادث‌ بالقديم‌، ونزول‌ نور الوجود في مظاهر الإمكان‌، وحقيقة‌ الولاية‌ وربط‌ الموجودات‌ بذات‌ الباري تعالى، وعن‌ لقاء الله‌ والوصول‌ إلي ذاته‌ المقدّسة‌ بفناء الوجود المجازي المُعار واندكاكه‌ في الوجود الحقيقيّ المطلق‌ الأصيل‌.
/۳۵۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معرفة الله ج۱

1

معرفة الله ج۱

2
  •  

  •  

  • المُقَدِّمَةُ الاولَى‌

  •  

  •  

معرفة الله ج۱

3
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • الحمد للّه حمداً لا حدّ له

  • و شكراً لا عدّ له

  • كما تستحقّه ذاته المقدّسة جلّ و علا

  • الذي خلق الوجود و عالَم الخلق سبباً لتكامل وجود الإنسان

  • و خلق الإنسان لعبادة ذاته المقدّسة.۱

  •  

  •  

  • {وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.٢

  • و لا يمكن معرفة حقيقة العبادة دون معرفة حقيقة العبوديّة. لذا فإنّ معرفة ذاته سبحانه و تعالى و أسمائه الحسنى و صفاته العليا هي من جملة العلل الغائيّة و النهائيّة لوجود عالم التكوين.

  • و أمّا الغاية القصوى و الهدف الأعلى من تلك المعرفة، فهي الخضوع و الخشوع للحيّ القيّوم و الاصطباغ بصبغة العبوديّة، و ارتداء لباس الذلّ و المسكنة في مقابل عِزّ كبريائه، و رؤية جميع عوالم الوجود كآية و مرآة

    1. هناك بعض الآيات في القرآن الكريم وردت في سياق هذا المعنى؛ مثل الآية: {أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ}.(صدر الآية ٢۰، من سورة لقمان) و الآية: {وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ}.(صدر الآية ۱٣، من سورة الجاثية) و الآية: {وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ}.(صدر الآية ٣٣، من سورة إبراهيم) و الآية: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}.(صدر الآية ٢٩، من سورة البقرة). و قد جاء في الحديث القدسيّ: "عَبْدِي! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ لأجْلِكَ؛ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلِي".(كلمة الله، ص ۱٦٩، عن «مشارق أنوار اليقين» لحافظ رجب البرسيّ).
    2. الآية ٥٦، من السورة ٥۱: الذاريات.

معرفة الله ج۱

4
  • لذات الحقّ، و الخروج من قيود الغرور، و الوصول إلى ذروة الإقرار و الاعتراف بالفَناء و الزوال و الاندكاك في ذات الحقّ المقدّسة:

  • {وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً}.۱

  • و التحيّات الزاكيات و الصلوات المباركات على الأنبياء العظام و ملائكة الملأ الأعلى، الذين أنقذوا بني البشر من سجن السبُعيّة و البهيميّة و الشيطنة، و ذلك من خلال المساهمة في إيصال الوحي إليهم، و الذين عرّفوهم سُبل معرفة العبوديّة، و جعلوهم قابلين و مستعدّين للاستفادة من جميع المواهب الربّانيّة و المُتَع السبحانيّة. و بالخصوص على سيّد الرسل و هادي السبل و عقل الكلّ، بداية البدايات و نهاية النهايات، سيّدنا محمّد ابن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلّم، و على صنوه و شقيقه و وصيّه و وزيره و صهره و وليّه و أخيه و خليفته، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين السابق في إيمانه، و المتربّع على كرسيّ مقام عزّ ذي الجلال، و ناشر لواء الحمد بيده، و نائل المقام المحمود للشفاعة الكبرى.

  • و على ذرّيّتهم الطاهرة، الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، لا سيّما مولانا بقيّة الله في الأرضين الحجّة ابن الحسن العسكريّ أرواحنا فداه، الإمام الحيّ، و الواسطة للفيض الإلهيّ، و مُفيض الرحمة و الوجود من العالَم الأعلى و ناشرها على الماهيّات الإمكانيّة، و باسط نور الرحمة الإلهيّة من مقام غيب الغيوب و الكنز المخفيّ، على النفوس العالميّة، كلٌّ حسب قابليّته و استعداده.

  • {وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}.٢

    1. الآية ۱۱۱، من السورة ٢۰: طه.
    2. الآية ٢۱، من السورة ۱٥: الحجر.

معرفة الله ج۱

5
  • و منزل خزائن الجود و الرحمة حسب إرادة الحقّ تبارك و تعالى و مشيئته على كلّ ذرّة من ذرّات ماهيّات عالَم الوجود، و موزِّع ذلك عليها كلّ حسب قوّته و ما قُدّرَ له منها.

  • {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}.۱

  • نعم، فمنذ عودة هذا الحقير المسكين من النجف الأشرف في شهر شوّال المكرّم سنة ۱٣۷٦ هـ٢ و حتى هذا التأريخ، و هو شهر ربيع الأوّل من عام ۱٤۰۰ هـ، كان محور البحث الذي دار بيني و بين الأشقّاء و الروحانيّين الأعزّاء و سادة الإيمان، على أساس تفسير اي القرآن و البحث و التنقيب في الروايات الواردة عن المعصومين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، و كانت في أحايين كثيرة تتّضح مسألة تطابق الآيات القرآنيّة و الأخبار النبويّة مع الحقائق، سواءٌ من ناحية الاستدلال الفكريّ و الذهنيّ، أم من الناحية الوجدانيّة و مشاهدة الضمير، و ذلك باستخدام البحوث الفلسفيّة

    1. جزء من الآية ٣٥، من السورة ٢٤: النور.
    2. في هذا التأريخ، قَدِمَ الحقير إلى طهران بنيّة التوجُّه منها للتشرّف بزيارة الضريح الطاهر للإمام علي بن موسى الرضا عليه آلاف التحيّة و الثناء، و بعد أداء الزيارة و اللقاء بالأساتذة السابقين للحوزة العلميّة في قم و زيارة الأقرباء و الأرحام- و كان فصل الصيف على الأبواب- فرجعتُ مرّة أخرى إلى النجف الأشرف، حيث كنتُ قد خلّفتُ بيتي مع أثاثه و باقي المتعلّقات الخاصّة هناك. و لأنّي كنتُ قد قرّرتُ الإقامة في طهران، فقد جعلتُ عودتي إليها في التأريخ المذكور، و أقمتُ فيها حتى انتهاء فصل الصيف، ثمّ عدتُ ثانية إلى النجف، و مكثتُ فيها حتى بعتُ الدار، فكانت عودتي إلى طهران أواسط شهر جمادي الاولى سنة ۱٣۷۷ هجريّة قمريّة. و منذ ذلك الوقت، ذهبتُ إلى المسجد، و تابعتُ من هناك الدرس و البحث.

معرفة الله ج۱

6
  • و العلميّة من جهة، و المحاورات الذوقيّة و العرفانيّة من جهة أخرى.

  • و لقد كانت لنا في مرّات عديدة و أوقات مختلفة بحوث خاصّة بمسألة التوحيد و الولاية و المعاد، و تفسير الكثير من الآيات القرآنيّة و العديد من المسائل الفقهيّة و العلميّة.

  • و مع وجود التفاسير الكثيرة و البالغة أكثر من ثلاثين نوعاً، فقد اعتمدنا أكثر ما اعتمدنا على تفسير «الميزان في تفسير القرآن» تأليف سماحة الاستاذ آية الله العظمى العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ التبريزيّ أمدّ الله في ظلاله السامية، و كان ملاذنا في البحث و التدقيق.

  • و للتفسير المذكور مكانة سامية و مَعَزَّة غالية في نفس الحقير، و إنّه لذو مَعلَم خاصّ و فريد بين التفاسير الأخرى.

  • و لذا، فقد استقرّ رأينا على تهيئة سلسلة كاملة من التفسير المشار إليه و ذلك باللغة الفارسيّة و بإنشاء سهل و تحرير مُدرَك و سلس، يحوي جميع المواضيع المذكورة فيه، حتى يتسنّى للإخوة الناطقين باللغة الفارسيّة الاستفادة كما يجب و بأقصى ما يمكن من ينابيع «تفسير الميزان».

  • ثمّ رسا بنا المقام، و لأسباب معيّنة، إلى تأليف رسالة مستقلّة عن كلّ من المواضيع المتعلّقة بالأبحاث العقائديّة و الأحكام التعبديّة و المسائل الأخلاقيّة و الاجتماعيّة، حتى يتمّ بحث كلّ موضوع من تلك المواضيع بتفصيل أكثر و إطناب أوسع، تُستَوفي فيه متعلّقات ذلك الموضوع كافّة، فتزول بذلك كلّ الإشكالات و الشبهات و الأسئلة، و تتّضح جميع جوانب ذلك الموضوع بشكل كامل و وافٍ.

  • و كان مجموع ما بلغ من تلك الرسائل حتى الآن حوالي مائة رسالة، كرسالة إعجاز القرآن، و إعجاز الأنبياء، و رسالة الشفاعة، و رسالة الولاية، و رسالة الإمامة و الزعامة، و رسالة النبوّة، و رسائل متفرّقة في أحوال و سيرة

معرفة الله ج۱

7
  • الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، و رسالة في البرزخ، و رسالة في القيامة، و رسالة في الحشر و قيام الإنسان عند الله، و رسالة الميزان، و رسالة الصراط، و رسالة العبوديّة في الإسلام، و رسالة الصلاة، و رسالة الوجوبَينِ العَينيّ و التعيينيّ لصلاة الجمعة في جميع الأزمنة، و رسالة الصيام، و رسالة الحجّ، و رسالة الجهاد و الحكومة، و رسالة القرض الحَسن و الربا، و رسالة الملكيّة و طرقها المشروعة و غير المشروعة، و رسالة الحقوق العامّة، و رسالة حقوق المرأة، و غير ذلك من البحوث الدينيّة و العلميّة، و التي هي صُلب ما يحتاج إليها شبابنا في العصر الحاضر و أجيالنا في المستقبل.

  • لكن، و ممّا يُؤسَف له، لم يُنجَز من تلك الرسائل إلّا النزر اليسير و ذلك لكثرة الشواغل العلميّة و الامور الاجتماعيّة التي كانت تاحيط بي، و التي حالت دون وصولي إلى الهدف المنشود.

  • إلّا أن العناية الإلهيّة شملتني، فتمكّنتُ من جمع المواضيع القرآنيّة و التفاسير الروائيّة و العلميّة و الاجتماعيّة و التأريخيّة و الأخلاقيّة على شكل سلسلة علميّة سمّيتها «دورة علوم و معارف اسلام» (سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة) بحثتُ فيها تلك المواضيع و وضعتها بين يدي الإخوة الأعزّاء، فلم تَقلّ أهمّيّة عن ذلك الهدف المنشود.

  • و هذه السلسلة من العلوم، هي من قسم العقائد و تنقسم إلى ثلاثة محاور رئيسة هي: معرفة الله، و معرفة الإمام، و معرفة المعاد، و تعالج ثلاثة مواضيع مهمّة: مسألة التوحيد و الولاية و المعاد.

  • و أمّا في أقسام الأحكام و المسائل فتشمل أبحاثاً حول القرآن و الصلاة و الصوم و الحجّ و المسجد و الدعاء و الربا و رؤية الهلال في شهر رمضان و لزوم اشتراك الآفاق بالنسبة إلى الدخول في الشهر الجديد، و حول‌

معرفة الله ج۱

8
  • جهاد و قضاء و حكومة المرأة، و تفسير الآية الكريمة {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} و بعضاً من الأحكام الأخرى و التي تمّ تأليف معظمها، و سيتمّ وضعها بين يدي القرّاء لدراستها و مطالعتها إن شاء الله تعالى. و هذا هو القسم الأوّل من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة «معرفة الله».

  • و أصل هذه الأبحاث مأخوذ من تفسير الآية المباركة {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، حتى آخر الآية الكريمة {وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ}.

  • و قد تمّ فيها معالجة مسألة التوحيد الذاتيّ و الأسمائيّ و الأفعاليّ لذات الحقّ المقدّسة، و كيفيّة وجود عالَم الخَلق، و الربط بين الحادث و القديم، و نزول نور الوجود في ظواهر الإمكان، و حقيقة الولاية و ربط الموجودات بذات البارئ تعالى، و لقاء الله و الوصول إلى ذاته المقدّسة بالفَناء و باندكاك الكينونة المجازيّة المُعارة في الوجود المطلق و الكينونة الأصيلة الحقيقيّة.

  • نسأل الله الربّ الودود و المنّان أن يوفّقنا في إنجاز هذه المهمّة التي نسعى جاهدين في إتمامها، دون أن ندّخر أيّ جهد و وسع في سبيل ذلك، و أن يتقبّل منّا هذا العمل البسيط بكرمه و فضله، و أن يسدّد خطانا بجوده و مَنّه.

  • "إلَهِي... وَ ألْحِقْنَا بِعِبَادِكَ الَّذِينَ هُمْ بِالبِدَارِ إلَيْكَ يُسَارِعُونَ، وَ بَابَكَ على الدَّوَامِ يَطْرُقُونَ، وَ إيَّاكَ في اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ يَعْبُدُونَ، وَ هُمْ مِنْ هَيْبَتِكَ مُشْفِقُونَ؛ الَّذِينَ صَفَّيْتَ لَهُمُ المَشَارِبَ، وَ بَلَّغْتَهُمُ الرَّغَائِبَ، وَ أنْجَحْتَ لَهُمُ المَطَالِبَ، وَ قَضَيْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ المَآرِبَ، وَ مَلأتَ لَهُمْ ضَمَائِرَهُمْ مِنْ حُبِّكَ، وَ رَوَّيْتَهُمْ مِنْ صَافِي شِرْبِكَ؛ فَبِكَ إلى لَذِيذِ مُنَاجَاتِكَ وَصَلُوا، وَ مِنْكَ أقْصَى مَقَاصِدِهِمْ حَصَّلُوا".۱

    1. بعض الفقرات من مناجاة المريدين، و هي من جملة المناجاة الخمسة عشرة المنسوبة إلى الإمام السجّاد عليه السلام، و قد ذكرها المرحوم الشيخ الحرّ العامليّ في «الصحيفة الثانية السجّاديّة» ص ٣۰ و ٣۱، الطبعة الحجريّة.

معرفة الله ج۱

9
  • إلهي! سهّل لنا سبلك حتى لا نرى غيرك و لا نعرف أحداً سواك. و أوصِل ذاتنا و كياننا إلى مقام الفَناء، حتى تنعدم كلّ ذرّة من الأنانيّة و العجب في وجودنا، فنكون عبيداً خالصين مخلصين لك العبوديّة، بمحمّد و آله الطاهرين صلواتك و تسليماتك عليهم أجمعين، و السلام علينا و على عباد الله الصالحين، و الحمد للّه ربّ العالمين.

  • في تاريخ ربيع المولود سنة ۱٤۰۰ هجريّة

  • السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ‌

معرفة الله ج۱

11
  •  

  •  

  • المُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ

  •  

  •  

معرفة الله ج۱

13
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • الصلاة و السلام على الرسول الأمين

  • خاتم الأنبياء و المرسلين محمّد،

  • و على الوصيّ غُرّة الدين،

  • و على أولاده الأماجد الأمجاد الطاهرين،

  • و اللعنة و الخزي من ربّ العالمين على أعدائهم و 

  • معانديهم و غاصبي حقّهم من الآن إلى يوم الدين.

  •  

  •  

  • كما لاحظتم في المقدّمة الاولى، فقد صمّم الحقير في شهر ربيع الأوّل من سنة ۱٤۰۰ هـ على تأليف و كتابة القسم الأوّل من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة، و هو «معرفة الله»، و نشر أجزائه بالتتابع بحول الله و قوّته، و الشروع في بقيّة أقسام العلوم و المعارف التي ذُكِرت آنفاً، لكنّ الله سبحانه لم يشأ لذلك أن يتمّ.

  • فوُفِّقْتُ بعد ذلك بشهرين من نفس السنة، اي في يوم السادس و العشرين من شهر جمادي الأولى، بالسفر إلى مدينة مشهد المقدّسة، و تشرّفتُ بتقبيل عتبة الإمام الهُمام، و اكتحَلت عيناي بتراب أقدام زائري ثامن الأئمّة علي بن موسى الرضا عليهما السلام و على آبائهما و أولادهما جميع صلوات الله و ملائكته المقرّبين و أنبيائه المرسلين و عباده الصالحين، من الآن إلى قيام يوم الدين، و ألقيتُ رحال الفاقة على أعتابه المحروسة بالملائكة، متوسّلًا بساحة قدسه و طهارته و علوّ درجاته، معترفاً مذعناً بفقري و عجزي و عدم قدرتي على تحديد صلاحي و فسادي، و عدم معرفتي طريق الحقّ من الباطل، طالباً الشفاعة و العون منه، في أن‌

معرفة الله ج۱

14
  • يأخذ الله جلّت عظمته و علت آلاؤه بيدي، و أن يُنجّيني من هزائز آخر الزمان و فتنه، و لا يَكلَني إلى نفسي طرفة عين أبداً، و الله المستعان.

  • فتقبّل مولاي روحي فداه ذلك منّي، و سكبَ لي بعظمته و كرامته كأس رحمته برعايته الدائمة لي على أتمّ وجه و أكمل نحو، و ليس بمقدار استجدائي منه.

  • و من جملة ما قُدّر بالقلم أمر تأخير خروج سلسلة «معرفة الله» خمس عشرة سنة، و ها هو ذا غرّة شهر ربيع المولود من سنة ألف و أربعمائة و خمسة عشر للهجرة قد طلعت، حيث وُفّقتُ للبدء بذلك، و لا عِلم لي في مقدار ما قدّرته لي روحي من العون و قلمي من القدرة، الله وحده أعلَم!

  • يقول مَولى الموحّدين و سيّد قلوب العاشقين أمير المؤمنين عليه السلام:

  • "عَرَفْتُ اللهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ العَزَائِمِ وَ حَلِّ العُقُودِ وَ نَقْضِ الهِمَمِ".۱

  • خاطب الحقير يوماً استاذنا سماحة العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله سرّه الزكيّ: كثيراً ما يصمّم الإنسان على فعل الخير، و تتوفّر له الظروف و المسبّبات لإنجاز ذلك، و لم يملك أدنى شكّ في حُسن و خلوص ذلك العمل، فيجدّ في تنفيذ ذلك الفعل، حتى يصل إلى مرحلة الجزم و الإرادة القطعيّة، ثمّ و بدون أيّة علّة و لا سبب، يُثني ذلك الإنسان نفسه عن تنفيذ ذلك العمل و ينصرف‌

    1. «نهج البلاغة» الحكمة ٢٥۰؛ و في طبعة صبحي الصالح- بيروت، الطبعة الثانية، سنة ۱٣۸۷، الصفحة ٥۱۱؛ و يقول في ص ۷٢۱ ضمن شرحه لمعاني «النهج»: العزائم: جمع عزيمة، و هي ما يصمّم الإنسان على فعله؛ و فسخ العزائم: نقضها. العقود: جمع عقد بمعنى النيّة، تنعقد على فعل أمرٍ.

معرفة الله ج۱

15
  • عن إنجازه! و بعد ذلك يعتريه العَجب و تنتابه الدهشة في حصول كلّ ذلك؟! و يتساءل عن منشأ المانع الذي تسبّب في عدوله عن نيّته؟! فلا يصل إلى حلّ و لا يقترب من شاطئ الأمان.

  • فأجاب الاستاذ على ذلك بجملة واحدة فقط قائلًا: «نعم، هو ما تقول!».

  • و رُمتُ أنا الحقير في البدء على تأليف سلسلة «معرفة الله» و تقديمها على جميع البحوث العقائديّة، من مبحث «معرفة الإمام» و مبحث «معرفة المعاد» و سائر الأبحاث الفلسفيّة و العرفانيّة و الأخلاقيّة و العلوم و الفقه و التأريخ و التفسير، ذلك بأنّ الله هو الأوّل، و هو المُقدَّم على عالَم الوجود بالتقدّم التكوينيّ، فاستوجب الأمر أن يكون مُقدَّماً كذلك في التأليف. إلّا أن الله لم يشأ و لم يرغب، فقد تمّ خلال مدّة الخمس عشرة سنة هذه بحمده و مَنّه تأليف القسم الخاصّ بـ «معرفة الإمام» في ثمانية عشر جزءاً، و القسم الخاصّ بـ «معرفة المعاد» في عشرة أجزاء، هذا ما يخصّ سلسلة المعارف. و أمّا ما يخصّ سلسلة العلوم في قسم الأخلاق و الحِكمة و العرفان، فقد تمّ تأليف: «رسالة السير و السلوك المنسوبة إلى بحر العلوم» مع مقدّمة و تعليق من قِبَل الحقير، و «رسالة لُبّ اللُّباب في سير و سلوك اولي الألباب»، و كتاب «التوحيد العلميّ و العَينيّ»، و «الشمس الساطعة»، و «الروح المجرّد»، و ما يخصّ قسم البحوث التفسيريّة: «رسالةٌ بديعةٌ» ترجمة «رسالة جديدة»؛ و ما يخصّ قسم البحوث العلميّة و الفقهية: «رسالةٌ حولَ مَسألة رُؤية الهِلال»، و كتاب «وظيفة الفرد المُسلم في إحياء حكومة الإسلام»، و كتاب «ولاية الفقيه في حكومة الإسلام» في أربعة أجزاء، و كتاب «نور ملكوت القرآن» في أربعة أجزاء من سلسلة أنوار الملكوت، و «رسالة مسوّدة القانون الأساسيّ»، و كتاب «نظرة على مقالة 

معرفة الله ج۱

16
  • بسط و قبض نظريّة الشريعة للدكتور عبد الكريم سروش»، و «الرسالة النكاحيّة: تحديد النسل ضربة قاصمة لكيان المسلمين»؛ و في قسم الأبحاث التأريخيّة: «لمعاتُ الحسين عليه السلام»، و «الهديّة الغديريّة: رسالتان قاتمة و مشرقة». و قد تمّ طبع و نشر أغلب هذه المؤلَّفات.

  • و الآن نشرع، بحول الله و قوّته، في كتاب «معرفة الله»؛ {وَ مَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إليه انِيبُ}.

معرفة الله ج۱

17
  •  

  •  

  • البَحْثَانْ الأوَّلُ وَ الثَّانِي: تفسير آية النور

  • {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‌ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ‌ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ}؛۱

  •  

  •  

    1. سورة النور(٢٤) الآية ٣٥.

معرفة الله ج۱

19
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم‌

  • وَ صلى اللهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ‌

  •  

  •  

  • تفسير العلّامة الطباطبائيّ لآية النور

  • قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

  • {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ (بل هي في وسط الصحراء تظلّها السماء، تكتسب من الشمس و الهواء و الأرض) يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‌ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ‌ (إلى منزل قُربه) مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ عَلِيمٌ ، (و تلك المشكاة- أو المؤمنون الذين اهتدوا بنور الله تعالى‌) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ، رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}.۱

    1. الآيات ٣٥ إلى ٣۸، من السورة ٢٤: النور.

معرفة الله ج۱

20
  • تفسير العلّامة الطباطبائيّ لـ: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌

  • قال استاذنا الأعظم العلّامة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله سرّه في تفسير هذه الآيات و الآيات التي تليها و الخاصّة بوصف الكافرين:

  • «تتضمّن الآيات مقايسة بين المؤمنين بحقيقة الإيمان و الكفّار، تميّز المؤمنين منهم بأنّ المؤمنين مهديّون بأعمالهم الصالحة إلى نور من ربّهم يفيدهم معرفة الله سبحانه و يسلك بهم إلى أحسن الجزاء و الفضل من الله تعالى يوم ينكشف عن قلوبهم و أبصارهم الغطاء، و الكفّار لا تسلك بهم أعمالهم إلّا إلى سراب لا حقيقة له، و هم في ظلمات بعضها فوق بعض و لم يجعل الله لهم نوراً فما لهم من نور.

  • و قد بيّن سبحانه هذه الحقيقة بأنّ له تعالى نوراً عامّاً تستنير به السماوات و الأرض فتظهر به في الوجود بعد ما لم تكن ظاهرة فيه، فمن البيّن أن ظهور شي‌ء بشي‌ء يستدعي كون المُظْهِر ظاهراً بنفسه و (الظَّاهِرُ بِذاتِهِ المُظْهِرُ لِغَيْرِهِ هُوَ النُّورُ)، فهو تعالى نور يظهر السماوات و الأرض بإشراقه عليها، كما أن الأنوار الحسّيّة تُظْهِر الأجسام الكثيفة للحسّ بإشراقها عليها غير أن ظهور الأشياء بالنور الإلهيّ عين وجودها و ظهور الأجسام الكثيفة بالأنوار الحسّيّة غير أصل وجودها.

  • و نوراً خاصّاً يستنير به المؤمنون و يهتدون إليه بأعمالهم الصالحة و هو نور المعرفة الذي سيستنير به قلوبهم و أبصارهم يوم تتقلّب فيه القلوب و الأبصار فيهتدون به إلى سعادتهم الخالدة فيشاهدون فيه شهود عيان ما كان في غيب عنهم في الدنيا، و مثّل تعالى هذا النور بمصباح في زجاجة في مشكاة يشتعل من زيت في نهاية الصفاء فتتلألأ الزجاجة كأنّها كوكب درّيّ فتزيد نوراً على نور، و المصباح موضوع في بيوت العبادة التي يسبّح الله فيها رجال من المؤمنين لا تلهيهم عن ذكر ربّهم و عبادته تجارة و لا بيع.

  • فهذه صفة ما أكرم الله به المؤمنين من نور معرفته المتعقّب للسعادة

معرفة الله ج۱

21
  • الخالدة، و حرّمه على الكافرين و تركهم في ظلمات لا يُبصرون، فخصّ من اشتغل بربّه و أعرض عن عرض الحياة الدنيا بنور من عنده، و الله يفعل ما يشاء له الملك و إليه المصير.

  • و قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌- إلى آخر الآية.

  • المشكاة على ما ذكره الراغب و غيره: كُوَّةٌ غَيْرُ نافِذَةٍ و هي ما يتّخذ في جدار البيت من الكوّة لوضع بعض الأثاث كالمصباح و غيره عليه و هو غير الفانوس.

  • و الدرّيّ: من الكواكب، العظيم الكثير النور، و هو معدود في السماء. و الإيقاد: الإشعال، و الزيت: الدهن المتّخذ من الزيتون.

  • و قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌، النور معروف و هو الذي يظهر به الأجسام الكثيفة لأبصارنا، فالأشياء ظاهرة به و هو ظاهر مكشوف لنا بنفس ذاته، فهو الظاهر بذاته المظهر لغيره من المحسوسات للبصر. هذا أوّل ما وُضع عليه لفظ النور، ثمّ عُمّم لكلٌّ ما ينكشف به شي‌ء من المحسوسات على نحو الاستعارة أو الحقيقة الثانية فعُدّ كلّ من الحواسّ نوراً أو ذا نور يظهر به محسوساته كالسمع أو الشمّ و الذوق و اللمس، ثمّ عُمّم لغير المحسوس فعُدّ العقل نوراً يظهر به المعقولات، كلّ ذلك بتحليل معنى النور المبصر إلى الظاهر بذاته المُظْهِر لغيره.

  • و إذ كان وجود الشي‌ء هو الذي يظهر به نفسه لغيره من الأشياء كان مصداقاً تامّاً للنور، ثمّ لمّا كانت الأشياء الممكنة الوجود إنّما هي موجودة بإيجاد الله تعالى كان هو المصداق الأتمّ للنور، فهناك وجود و نور يتّصف به الأشياء، و هو وجودها و نورها المستعار المأخوذ منه تعالى، و وجود و نور قائم بذاته يوجد و يستنير به الأشياء.

  • فهو سبحانه نور يظهر به السماوات و الأرض، و هذا هو المراد بقوله:

معرفة الله ج۱

22
  • {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، حيث اضيف النور إلى السماوات و الأرض ثمّ حُمل على اسم الجلالة، و على هذا ينبغي أن يُحمل قول من قال: أن المعنى اللهُ مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ، و عمدة الغرض منه أن ليس المراد بالنور النور المستعار القائم بها و هو الوجود الذي يُحمل عليها تعالى اللهُ عَنْ ذَلِك وَ تَقَدَّسَ.

  • و من ذلك يستفاد أنّه تعالى غير مجهول لشي‌ء من الأشياء، إذ ظهور كلّ شي‌ء لنفسه أو لغيره إنّما هو عن إظهاره تعالى، فهو الظاهر بذاته له قبله، و إلى هذه الحقيقة يشير قوله تعالى بعد آيتين: {أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ‌}، إذ لا معنى للتسبيح و العلم به و بالصلاة مع الجهل بمن يصلّون له و يسبحونه، فهو نظير قوله:

  • {وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‌}، (الآية ٤٤، من السورة ۱۷: الإسراء)، و سيوافيك البحث عنه إن شاء الله.

  • فقد تحصّل أن المراد بالنور في قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}، نوره تعالى من حيث يشرق منه النور العامّ الذي يستنير به كلّ شي‌ء، و هو مساوٍ لوجود كلّ شي‌ء، و ظهوره في نفسه و لغيره و هي الرحمة العامّة.

  • و قوله: {مَثَلُ نُورِهِ} يصف تعالى نوره، و إضافة النور إلى الضمير الراجع إليه تعالى- و ظاهره الإضافة اللاميّة- دليل على أن المراد ليس هو وصف النور الذي هو الله، بل النور المستعار الذي يفيضه، و ليس هو النور العامّ المستعار الذي يظهر به كلّ شي‌ء و هو الوجود الذي يستفيضه منه الأشياء و تتّصف به، و الدليل على قوله بعد تتميم المثل: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ}، إذ لو كان هو النور العامّ لم يختصّ به شي‌ء دون شي‌ء، بل هو نوره الخاصّ بالمؤمنين بحقيقة الإيمان على ما يفيده الكلام.

معرفة الله ج۱

23
  • و قد نسب تعالى في سائر كلامه إلى نفسه نوراً كما في قوله:

  • {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ}. (الآية ۸، من السورة ٦۱: الصفّ)

  • و قوله‌: {أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها}. (الآية ۱٢٢، من السورة ٦: الأنعام)

  • و قوله‌: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ}. (الآية ٢۸، من السورة ٥۷: الحديد)

  • و قوله: {أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى‌ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}. (الآية ٢٢، من السورة ٣٩: الزمر)

  • و هذا هو النور الذي يجعله الله لعباده المؤمنين يستضيئون به في طريقهم إلى ربّهم و هو نور الإيمان و المعرفة.

  • و ليس المراد به القرآن كما قاله بعضهم فإنّ الآية تصف حال عامّة المؤمنين قبل نزول القرآن و بعده. على أن هذا النور وصف لهم يتّصفون به كما يشير إليه قوله: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ}. (الآية ۱٩، من السورة ٥۷: الحديد)

  • و قوله: {يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا}. (الآية ۸، من السورة ٦٦: التحريم)

  • و القرآن ليس وصفاً لهم و إن لوحظ باعتبار ما يكشف عنه من المعارف رُجع إلى ما قلناه.

  • تفسير العلّامة الطباطبائيّ لقوله تعالى: كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ‌

  • و قوله: {كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ}، المُشَبَّه به مجموع ما ذكر من قوله‌ {كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ‌}- إلى آخره، لا مجرد المِشْكَاة و إلّا فسد المعني، و هذا كثير في تمثيلات القرآن.

معرفة الله ج۱

24
  • و قوله: {الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}؛ تشبيه الزجاجة بالكوكب الدرّيّ من جهة ازدياد لمعان نور المصباح و شروقه بتركيب الزجاجة على المصباح فتزيد الشعلة بذلك سكوناً من غير اضطراب بتموّج الأهوية و ضرب الرياح، فهي كالكوكب الدرّيّ في تلألؤ نورها و ثبات شروقها.

  • و قوله‌: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}؛ خبر بعد خبر للمصباح، اي المصباح يشتعل آخذاً اشتعاله من شجرة مباركة زيتونة، اي أنّه يشتعل من دهن زيت مأخوذ منها، و المراد بكون الشجرة لا شرقيّة و لا غربيّة أنّها ليست نابتة في الجانب الشرقيّ و لا في الجانب الغربيّ حتى تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار و يفي‌ء الظلّ عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها فلا يصفو الدهن المأخوذ منها فلا تجود الإضاءة، بل هي ضاحية تأخذ من الشمس حظّها طول النهار فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها.

  • و الدليل على هذا المعنى قوله: {يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}، فإنّ ظاهر السياق أن المراد به صفاء الدهن و كمال استعداده للاشتعال و أن ذلك متفرِّع على الوصفين: لا شرقيّة و لا غربيّة.

  • و أمّا قول بعضهم: من أن المراد بقوله: {لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ}، إنّها ليست من شجر الدنيا حتى تنبت إمّا في شرق أو في غرب، و كذا قول آخرين: أن المراد أنّها ليست من شجر شرق المعمورة و لا من شجر غربها، بل من شجر الشام الواقع بين الشرق و الغرب و زيته أفضل الزيت، فغير مفهوم من السياق.

  • و قوله: {نُورٌ عَلى‌ نُورٍ}؛ خبر لمبتدأ محذوف و هو ضمير راجع إلى نور الزجاجة المفهوم من السياق، و المعنى نور الزجاجة المذكور نور عظيم على نور كذلك، اي في كمال التلمّع.

معرفة الله ج۱

25
  • و المراد من كون النور على النور قيل: هو تضاعف النور لا تعدّده فليس المراد به أنّه نور معيّن أو غير معيّن فوق نور آخر مثله، و لا أنّه مجموع نورين اثنين فقط، بل إنّه نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه، و هذا التعبير شائع في الكلام.

  • و هذا معنى لا يخلو من جودة، و إن كان إرادة التعدّد أيضاً لا تخلو من لطف و دقّة، فإنّ للنور الشارق من المصباح نسبة إليه بالأصالة و الحقيقة و نسبة إلى الزجاجة التي عليه بالاستعارة و المجاز، و يتغاير النور بتغاير النسبتين و يتعدّد بتعدّدهما و إن لم يكن بحسب الحقيقة إلا للمصباح و الزجاجة صفر الكفّ منه، فللزجاجة بالنظر إلى تعدّد النسب نور غير نور المصباح، و هو قائم به و مُستَمَدّ منه.

  • و هذا الاعتبار جار بعينه في الممثَّل له، فإنّ نور الإيمان و المعرفة نور مستعار مُشرِق على قلوب المؤمنين مقتبس من نوره تعالى قائم به و مستمدّ منه.

  • فقد تحصّل أن الممثّل له هو نور الله المشرق على قلوب المؤمنين، و المثل هو المشبّه به النور المشرق من زجاجة على مصباح موقد من زيت جيّد صاف و هو موضوع في مشكاة، فإنّ نور المصباح المشرق من الزجاجة و المشكاة تجمعه و تعكسه على المستنيرين به يشرق عليهم في نهاية القوّة و الجودة.

  • فأخذ المشكاة للدلالة على اجتماع النور في بطن المشكاة و انعكاسه إلى جوّ البيت، و اعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقيّة و لا غربيّة للدلالة على صفاء الدهن و جودته المؤثّر في صفاء النور المُشرِق عن اشتعاله و جودة الضياء على ما يدلّ عليه كون زيته‌ {يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}، و اعتبار كون النور على النور للدلالة على تضاعف النور أو

معرفة الله ج۱

26
  • كون الزجاجة مستمدّة من نور المصباح في إنارتها.

  • و قوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ}؛ استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان و المعرفة و حرمان غيرهم.

  • فمن المعلوم من السياق أن المراد بقوله: مَنْ يَشاءُ القوم الذين ذكرهم بقوله بعد: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ‌}- إلى آخره، فالمراد بـ {مَنْ يَشاءُ}، المؤمنون بوصف كمال إيمانهم‌۱.

  • تفسير العلّامة الطباطبائيّ لقوله تعالى: وَ يَزِيدَهُم مِن فَضْله‌

  • و في تفسيره لـ {وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ‌}، قال:

  • و قوله‌: {وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ‌}؛ الفضل العطاء، و هذا نصّ في أنّه تعالى يعطيهم من فضله ما ليس بإزاء أعمالهم الصالحة، و أوضح منه قوله تعالى في موضع آخر: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ}، (الآية ٣٥، من السورة ٥۰: ق)، حيث أن ظاهره أن هذا المزيد الموعود أمر وراء ما تتعلّق به مشيّتهم.

  • و قد دلّ كلامه سبحانه أن أجرهم أن لهم ما يشاؤون قال تعالى:{أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ}. (الآية ٣٤، من السورة ٣٩: الزمر)

  • و قال:{أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً ، لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ}‌. (الآيتان ۱٥ و ۱٦، من السورة ٢٥: الفرقان)

  • و قال: {لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ}. (الآية ٣۱، من السورة ۱٦: النحل)

  • (و عليه، فإنّ المؤمنين وحدهم الذين يُثابون على أعمالهم الصالحة التي تقع تحت إرادتهم و في قبضة مشيّتهم.) فهذا المزيد الذي هو وراء

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ۱٥، ص ۱٣۰ إلى ۱٣٥.

معرفة الله ج۱

27
  • جزاء الأعمال أمر أعلى و أعظم من أن تتعلّق به مشيّة الإنسان أو يوصل إليه سعيه، و هذا أعجب ما يعده القرآن المؤمنين و يبشّرهم به فأجد التدبّر فيه»۱.

  • و يستطرد الاستاذ العلّامة قدّس الله سرّه في بحث فلسفيّ مستقلّ كاشفاً الحقيقة المطلقة لمشيّة البارئ و المتمثّلة بالآية ٤٥، من هذه السورة: {يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ}، حيث يقول:

  • «إنّا لا نشكّ في أن ما نجده من الموجودات الممكنة معلولة منتهية إلى الواجب تعالى و أن كثيراً منها- و خاصّة في المادّيّات- تتوقّف في وجودها على شروط لا تحقّق لها بدونها كالإنسان الذي هو ابن، فإنّ لوجوده توقّفاً على وجود الوالدين و على شرائط أخرى كثيرة زمانيّة و مكانيّة، و إذ كان من الضروريّ كون كلّ ممّا يتوقّف عليه جزء من علّته التامّة كان الواجب تعالى على هذا جزء علّته التامّة لا علّة تامّة وحدها.

  • نعم، هو بالنسبة إلى مجموع العالم علّة تامّة، إذ لا يتوقّف على شي‌ء غيره، و كذا الصادر الأوّل الذي تتبعه بقيّة أجزاء المجموع، و أمّا سائر أجزاء العالم فإنّه تعالى جزء علّته التامّة ضرورة توقّفه على ما هو قبله من العلل و ما هو معه من الشرائط و المعدّات.

  • هذا إذا اعتبرنا كلّ واحد من الأجزاء بحياله، ثمّ نسبنا وحده إلى الواجب تعالى.

  • و هاهنا نظر آخر أدقّ و هو أن الارتباط الوجوديّ الذي لا سبيل إلى إنكاره بين كلّ شي‌ء و بين علله الممكنة و شروطه و معدّاته يقضي بنوع من الاتّحاد و الاتّصال بينها، فالواحد من الأجزاء ليس مطلقاً منفصلًا، بل هو

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ۱٥، ص ۱٤۰.

معرفة الله ج۱

28
  • في وجوده المتعيّن مقيّد بجميع ما يرتبط به متّصل الهويّة بغيرها.

  • فالإنسان الابن الذي كنّا نعتبره في المثال المتقدّم بالنظر السابق موجوداً مستقلًّا مطلقاً فنجده متوقّفاً على علل و شروط كثيرة و الواجب تعالى أحدها يعود بحسب هذه النظرة هويّة مقيّدة بجميع ما كان يعتبر توقّفه عليه من العلل و الشرائط غير الواجب تعالى، فحقيقة زيد مثلًا هو الإنسان ابن فلان و فلانة المتولّد في زمان كذا و مكان كذا المتقدّم عليه كذا و كذا المقارن لوجوده كذا و كذا من الممكنات.

  • فهذه هي حقيقة زيد مثلًا و من الضروريّ أن ما حقيقته ذلك لا تتوقّف على شي‌ء غير الواجب، فالواجب هو علّته التامّة التي لا توقّف له على غيره، و لا حاجة له إلى غير مشيّته، و قدرته تعالى بالنسبة إليه مطلقة غير مشروطة و لا مقيّدة، و هو قوله تعالى: {يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ}.۱

  • بحث روائيّ للعلّامة الطباطبائيّ في تفسير آية النور

  • و قد ذكر الاستاذ العلّامة قدّس الله ترابه في معرض كلامه عن البحث الروائيّ:

  • «و في التوحيد و قد روي عن الصادق عليه السلام أنّه سُئل عن قول الله عزّ و جلّ‌: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ}‌؛ فقال: "هو مثل ضربه الله لنا؛ فَالنَّبِيّ وَ الأئِمَّةُ صَلَوَاتُ الله عليهم مِنْ دِلَالاتِ اللهِ، وَ آيَاتِهِ التي يُهْتَدَي بِهَا إلَى التَّوْحِيدِ وَ مَصَالِحِ الدِّينِ وَ شَرَائِعِ الإسْلَامِ وَ السُّنَنِ وَ الفَرَائِضِ. وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ".

  • ثمّ قال:

  • أقول: الرواية من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق و هو من أفضل‌

    1. «الميزان» ج ۱٥، ص ۱٤٩ و ۱٥۰؛ و هذه الآية هي الآية ٤٥، من السورة ٢٤: النور.

معرفة الله ج۱

29
  • المصاديق و هو النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم و الطاهرون من أهل بيته عليهم السلام، و إلّا فالآية تعمّ بظاهرها غيرهم من الأنبياء عليهم السلام و الأوصياء و الأولياء.

  • نعم، ليست الآية بعامّة لجميع المؤمنين، لأخذها في وصفهم صفات لا تعمّ الجميع كقوله: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ‌}- إلى آخره.

  • و في «الدرّ المنثور» أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم في قوله: {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ}؛ قال‌: "قَلْبُ إبْرَاهِيمَ؛ لَا يَهُودِيّ وَ لَا نَصْرَانِيّ".

  • أقول: و هو من قبيل ذكر بعض المصاديق، و قد ورد مثله من طرق الشيعة عن بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام كما تقدّم.

  • و فيه أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك و بريدة قالا: قرأ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم هذه الآية: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ‌}، فقام إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟

  • قال: بُيُوتُ الأنْبِيَاءِ.

  • فقام إليه أبو بكر فقال: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا البَيْتُ مِنْهَا، لِبَيْتُ على وَ فَاطِمَةَ؟! قَالَ: "نَعَمْ! مِنْ أفَاضِلِهَا"!۱.

  • نعم، كان ذلك جزءاً من تفسير هذه الآية الشريفة من دُرر كلام سيّدنا الأعظم و سندنا الأقوم سماحة العلّامة الأكرم حشره الله مع المقرّبين و المخلَصين من أنبيائه و أوليائه المُعظَّمين، و الذي تبرّكنا به في هذا الكتاب.

    1.  «الميزان في تفسير القرآن» ج ۱٥، ص ۱٥٢ و ۱٥٣.

معرفة الله ج۱

30
  • و أمّا تفصيل و شرح المواضيع التي ذكرها العلّامة، و المستفاد من الآيات المذكورة، فهو على النحو التالي:

  • «الله» اسم جامع للكمال و الجمال و الجلال الربّانيّ، و شامل لجميع الأسماء و الصفات الكلّيّة و الجزئيّة. و لأنّ بحثنا يرتكز على معرفة الله، لا بدّ لنا من البحث و التمحيص في هذه الكلمة المباركة من جميع جهاتها، حتى تنكشف لنا كلّ الامور و الجوانب المتعلّقة بهذه المسألة: من النور البحت للذات و الوجود الصِّرف، حتى نور الأسماء و الصفات الكلّيّة، و عبر مراتب و درجات متفاوتة و مختلفة؛ ثمّ الوصول إلى نور الأسماء و الصفات الجزئيّة، حتى الهيولي المبهمة، و هي المادّة الكثيفة القابلة لعُروض الأجناس و الفصول و الأنواع.

  • و علينا أن نرى كيفيّة نزول القديم في الحادث، و الكلّيّة في الجزئيّة، و الأنوار المحضة في الأنوار المشوبة بالظُّلمة، و عموماً، الله في اسم الأحديّة و اسم الوحدانيّة.

  • و أن نرى كيفيّة نزول النور المطلق في شبكات التعيُّن، الواحدة بعد الأخرى و معنى الولاية الكلّيّة و المطلقة و الذي هو واحد و يُعتبر من مختصّات الله سبحانه؟

  • و للبحث في هذا المقام لا غِنى لنا من استمداد العَون من آية النور المباركة.

  • نحمد الله عزّ و جلّ على أنّنا أكملنا بحث موضوع الولاية حتى الجزء الخامس من «معرفة الإمام» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة بجميع تفاصيله، بِدءاً من المعنى اللغويّ، و حتى مواطن استخدام هذه الكلمة، و كذا كيفيّة الولاية و مفاد هذه الكلمة و محتواها في الوجود المقدّس لسيّدنا خاتم الرسل و الأنبياء و المقام المقدّس لمولانا أمير المؤمنين و الأئمّة

معرفة الله ج۱

31
  • الطاهرين عليهم جميعاً صلوات الله و سلام أنبيائه المرسلين و ملائكته المقرّبين إلى يوم الدين، و قد تمّ بحث كلّ ذلك بالتمام و الكمال. فاتّضح معنى الولاية التكوينيّة و الولاية التشريعيّة.

  • لعلّ من أهمّ الأبحاث و المواضيع و مسائل الاصول العقائديّة هو البحث في موضوع الولاية. فمعرفة الوليّ (صاحب الولاية) و الآثار المترتّبة على الوليّ و الولاية، و معرفة كيفيّة موضوع مقام الرحمة، و إفاضة الفيض من قِبَل الربّ الفيّاض في الماهيّات الإمكانيّة بوساطة نفس الوليّ، و الآيات الواردة في القرآن الكريم بهذا الصدد، و الروايات المُسَلَّم بها و الموثوقة و الصحيحة المرويّة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلّم، كلّ ذلك يُعتَبر من أعظم و أكبر المسائل الاصوليّة.

  • و لقد بحثنا تفسير و معنى و شأن نزول الآية الشريفة: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ}.۱ و الآثار المترتّبة عليها.

  • و بحثنا كذلك معنى و محتوى قول الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلّم:

  • "يَا على! أنْتَ وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ مِنْ بَعْدِي".

  • اعتقاد طوائف المسلمين المختلفة في أن الله هو نور السماوات و الأرض‌

  • و يا لها من آية مباركة تلك التي ذُكرت في الجزء الثامن عشر من القرآن الكريم: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌، فهي آيةٌ تنشر النورَ في القلوب و تُضفي على الفكر الصفاء و النقاء، و تمنح الروح قوّةً و قدرة.

  • {اللَّهِ}‌، اسمٌ جامعٌ لصفات الكمال و مُنزّهٌ عن صفات النقص و العَيْب، ينطوي على كلّ صفات الجمال و الجلال، و يمتلك صَرافةً ذاتيّة محضة،

    1. الآية ٥٥، من السورة ٥: المائدة.

معرفة الله ج۱

32
  • و هو لا متناهٍ في الحياة و العلم و القدرة. هو نور السماوات و الأرض. و لكن، ما معنى كونه نوراً للسماوات و الأرض؟! هل الله سبحانه نورٌ حسيّ، و السماوات و الأرض شي‌ءٌ آخر؟! و هذا النور المحسوس المُشاهَد في السماوات و الأرض هو الله..؟؟ على هذا، ففي غياب السماوات و الأرض و انعدام وجودهما لا وجود للّه كذلك ليكون نوراً للسماوات و الأرض. و عليه فلا وجود للّه إذاً. فما معنى و مُحَصّلة هذا الافتراض في تلك الآية؟!

  • أو أن معنى‌ {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌ أن اللهُ مُنَوِّرُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ، فلا هو و لا حقيقته نور، بل مُنَوِّر، اي أن النور الموجود في السماوات و الأرض إنّما هو نور الله، فهو مُنَوِّر.

  • الوهّابيّون و الحنابلة يعتقدون بجسمانيّة الله تعالى‌

  • و قد قال بعض العامّة بالقول الأوّل، في حين ذهب بعض الخاصّة ممّن فتحوا باب التأويل إلى انتخاب المعنى الثاني. فالمجموعة الاولى تعتقد بأنّ الله هو جسم و لا إشكال في كون واقعه نوراً مادّيّاً. و الثانية تعتقد بأنّ الله سبحانه ليس مادّة و لا مادّيّاً، و على هذا فنور السماوات و الأرض الذي هو نورٌ ما دّيّ لا يمكن أن يكون هو الله. لذا، لا محالة من تأويل الآية الشريفة و اعتبار النور بمعنى المُنَوِّر، حتى نخرج من هذا المأزق و هو القول بجسميّة الله سبحانه، ممّا يستلزم الشِّرك و نسبته تعالى إلى المحدوديّة و الإمكان. و أمّا القول بالمنوِّر فلا إشكال فيه، ذلك بأنّ الله هو الخالق و الموجِد لجميع الموجودات المجرّدة و المادّيّة، و خلقته و تنويره للسماوات و الأرض بالنور المادّيّ لا يستلزم الإشكال، فينتج عن ذلك معنى معقول و مقبول.

  • و الحنابلة (أتباع أحمد بن حنبل) هم الطائفة الوحيدة من بين طوائف المسلمين الذين يقولون بالمعنى الأوّل، و يُصرّون على ذلك. و يؤكّد ابن‌

معرفة الله ج۱

33
  • تيميّة الحنبليّ أيضاً، على هذا الرأي، و يصرّ عليه بقوله: أن المراد من آيات القرآن في العبارات و الألفاظ المستعملة فيه، هو هذه المعاني المعروفة المادّيّة و الطبيعيّة و الجسمانيّة. و لا يجوز حَمل ألفاظه و كلماته على غير هذه المعاني. و تُصرّ الوهّابيّة (و هم أتباع محمّد بن عبد الوهّاب و يعتقدون بالمذهب الحنبليّ) على المبدأ المذكور و تؤكّد عليه.

  • يقول الحنابلة: أن المراد من العرش و الكرسيّ و اليد و النور و الاستواء و النزول و مجي‌ء الربّ، و أمثال ذلك ممّا ورد ذِكرهُ في القرآن الكريم و استُخدِمَ في كثير من الآيات، هو هذه المعاني المستعملة و المتعارف عليها، و لا يجوز بأيّ شكل من الاشكال التصرُّف في الآيات المذكورة أو تغييرها، أو حَمل تلك الألفاظ و الكلمات على مَعانٍ أخرى أوسع و أكثر تجرّداً.

  • و كان ابن تيميّة يقول صراحةً بأنّ المراد من نزول الله هو هذا النزول المُشاهَد و المحسوس. و أن ما رُويَ في الأحاديث النبويّة من نزول الله سبحانه في ليالى الجمعة، يُقصَد به هذا الشكل من النزول.

  • و قد كان يقول بصريح العبارة حين يعتلي المنبر و يقوم بإلقاء خُطَبِه: أن النزول المراد به هو هذا النزول المعروف، فالله ينزل تماماً كما أنزِل أنا! انظروا، هكذا! فكان ينزل دَرَجةً من على المنبر و يمثّل و يُشَبِّه للناس كيفيّة نزول الله سبحانه بصورة محسوسة.

  • {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌، اي أن الله سبحانه هو هذا النور المحسوس.

  • {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}‌۱، معناه أن الله جلس و استقرَّ على‌

    1. الآية ٥، من السورة ٢۰: طه.

معرفة الله ج۱

34
  • عرشه.

  • {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ}‌۱، تعني أن حجم كرسيِّه الذي يجلس عليه و اتّساعه هو بقَدر حجم و اتّساع السماوات و الأرض.

  • {وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}٢، معناه أن الله سبحانه يأتي في اليوم الآخِر مع ملائكته على شكل صفوفٍ مُتراصّة أو جماعات منظّمة.

  • و تقول هذه الطائفة كذلك: أن العرش هو بمعنى كرسيّ و عرش السُّلطان و المُلك؛ و كما أن السُّلطان يجلس على كرسيّه و عرشه أثناء حُكمه، و يتّكئُ عليه و يستقرّ فوقه، فإنّ هذه الآية تُفيد معنى أن الله كذلك يجلس و يستقرُّ على كرسيِّه (المناسب في سعته و عظمته له تعالى).

  • و أن مجلس الله و كرسيّه الذي يستقرّ عليه يوازيان حجم و وسع السماوات و الأرض.

  • و أن ربّك، يأتي يوم القيامة في صفوف مع ملائكته صفّاً بعد آخر، تماماً كما يتقدّم الناس رافعين أرجُلَهُم من مكان ليضعوها في مكان آخر.

  • و في تعليقهم على آية {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}‌٣، يقولون: اي أن الله سبحانه يملك يداً أقوى و أكبر و أعظم و أعلى من سائر الأيدي.

  • و تعتقد هذه الجماعة كذلك: أن الله لا يمكن رؤيته في الدنيا بحاسّة البصر، إلّا أنّه يمكن رؤيته في الآخرة بهذه العين الباصرة الظاهريّة الحسّيّة التي يملكها البصير. و سيأتي الله بجسم و اذُن و يد و أرجل نحو الناس تماماً كمجي‌ء الفرد العاديّ في الدنيا، و سيجلس على عرشه، تماماً

    1. الآية ٢٥٥، من السورة ٢: البقرة.
    2. الآية ٢٢، من السورة ۸٩: الفجر.
    3. الآية ۱۰، من السورة ٤۸: الفتح.

معرفة الله ج۱

35
  • كالجلوس المتعارف لدينا نحن البشر، كلّ ما في الأمر، أن الله سيبدو أعظم و أكبر و أقوى، لا غير.

  • معنى النور: الظاهر بذاته، المظهر لغيره‌

  • و أمّا حُكماء الإسلام و الفلاسفة اللاهوتيّون العِظام فكلّهم متّفقون على أن الألْفَاظَ إنَّمَا وُضِعَتْ لِلْمَعْنَى العَامِّ. و على هذا فإنّ أيّة كلمة وَضعها الإنسان أو يضعها في المستقبل بأيّ لسان و أيّة لغة، فهي إنّما تُوضَع للمعني العامّ، و ليس لخصوصيّة ذلك المعنى المحدود الحسّيّ و الطبيعيّ و المادّيّ و المُقَيَّد بالزمان أو المكان الفلانيّ.

  • فإذا أخذنا مثلًا كلمة «مصباح» بنظر الاعتبار، فإنّ هذه الكلمة مصداق للمصباح الموجود في غرفتنا في الليلة الفلانيّة، دون أن يكون لغرفتنا دَخلٌ في ذلك أو أن يكون للّيلة الفلانيّة أثرٌ على معنى المصباح. و لذا فإنّنا نري صِدق هذه الكلمة كذلك على مصباح غرفة صديقنا في ليلة أخرى. و من هنا يتبيَّن أن مفهوم و معنى لفظة «مصباح» لم يكن لهما أثر أو دَخل في خصوصيّة هذا الزمان أو ذاك، أو في خصوصيّة هذا المكان أو غيره، بل يَصدُقان على جميع أنواع المصابيح دون استثناء.

  • و لذلك فلو أعطينا المفهوم السابق بُعداً آخر أوسع، لشاهدنا أنّه لا دَخلَ هنا مثلًا لكون مِزيَتة المصباح مصنوعة من النحاس أو من البلَّور أو الخَزَف و ما إلى ذلك، بل تُطلَق لفظة مصباح على جميع تلك الأنواع من المصابيح. و إذن، فلا أثر لخصوصيّة المِزيَتة في مفهوم المصباح عموماً.

  • ففي الأزمنة الاولى كانت لفظة مصباح تَصدُق على كلّ إناء يحتوي على زيت و فيه فتيل و عليه زجاجة تُهيمن على شِدّة و تصاعد شعلته. و لمّا استُبدِلَ الزيت الذي كان يُستخدَم في تلك المصابيح- و كان زيت الخِرْوَع في أغلب الأحيان أو زيت الزيتون- بالنفط المعروف لدينا اليوم، لم يكن ذلك مدعاةً لتغيّر دلالة لفظة مصباح عمّا كانت تعنيه في السابق. و كذلك‌

معرفة الله ج۱

36
  • الحال مع اختراع المصباح الغازيّ حيث ظلّت تُطلَق عليه لفظة مصباح. و ها نحن اليوم نطلق كلمة مصباح حتى على المصابيح الكهربائيّة المنتشرة في عالمنا الحاضر. و ستظلّ كلمة مصباح تُطلَق على الأشكال الجديدة من المصابيح، و التي قد تُستَحدَث في المستقبل سواء كانت تعمل على الطاقة الكهربائيّة أو كانت قُدْرة الإنارة فيها بشكل لا تُقاس بما نستخدمه في عصرنا الحاضر.

  • و كلّ ذلك كان و لا يزال دون أدنى تصرُّف أو تدخّل في معنى كلمة مصباح أو المفهوم الموضوع له، فقد استخدمها السابقون و ها هم اللاحقون يستخدمونها كما هي عليه دون تغيّر يُذكَر.

  • و من هنا يتبيّن لنا أن أيّاً من الخصوصيّات المتفاوتة و الأشكال المختلفة لا دَخل لها و لا أثر على معنى كلمة المصباح و مراده و مفهومه الذي وُضِع له هذا اللفظ منذ بداية وجوده و اختراعه و على اختلاف أشكاله، و لا زال كذلك إلى يومنا هذا.

  • و المصباح في الحقيقة هو كلّ شي‌ء وُضِعَ في مكان أو حيّز محدود لاستخدامه في إنارة الأشياء و إضاءتها.

  • و كذا كلمة النور، فهي في أصل لفظتها و وضعها أوّل مرّة لم توضع للإشارة إلى النور الحسّيّ المحسوس بحاسّة الباصرة و حسب. بل أن معنى النور هو ذلك الشي‌ء الذي يكون ظاهراً بنفسه و ذاته، و قادراً على إظهار الأشياء الأخرى.

  • و أحد مصاديق هذه اللفظة هو النور المحسوس المادّيّ و الظاهريّ، كنور الشمس مثلًا و نور القمر و المصباح، ذلك أن هذه الأنوار لا تحتاج بوجودها و ذاتها إلى مُظهِرٍ لها، فهي ظاهرة بذاتها و نفسها. إنّنا لا نري نور الشمس و لا ضوء القمر بمعيّة أشياء أخرى، بل هي مُنيرة و مُضيئة بذاتها،

معرفة الله ج۱

37
  • و أمّا بالنسبة إلى الأشياء الأخرى، فإنّنا نراها و نتحسّسها بواسطة نور الشمس و ضوء القمر. إنّنا نلاحظ الصحراء و البحر و الجبال و البراري و البساتين و أشياء كثيرة أخرى و نتعامل معها في أوقات مختلفة و أزمان متباينة، و هي لا تَظهر لنا و لا نتمكّن من إدراكها إلّا بواسطة النور، فتصدق هنا المقولة القائلة النُّورُ هُوَ الظَّاهِرُ بِذاتِهِ، المُظْهِرُ لِغَيْرِهِ، و لهذا فإنّنا نُطلقُ عليه كلمة نور.

  • و لكنّ كلمة نور لا تقتصر على النور المادّيّ الحسّيّ، فنور الفكر و العقل، و النور النفسيّ و القلبيّ، و نور عالَم الملكوت، و نور الأسماء و الصفات الإلهيّة، و نور الجمال و الجلال، و نور ذات الحقّ تعالى و تقدّس، كلّ ذلك من أمثال النور.

  • فقد نتكلّم عن فلان قائلين أن له فكراً نورانيّاً، أو عقلًا نورانيّاً، أو نفساً نورانيّة، أو قلباً نورانيّاً، دون أدنى تصرُّف في معنى ما نقصده من إطلاق كلمة النور. و أن أنوار عالَم المثال و عالَم العقل، و نور صفة الجمال أو صفة الجلال للحقّ تعالى هي من الامور المعروفة لدى العرفاء. و أعجب من ذلك كلّه و أوضحه نور ذات الحقّ تعالى.

  • و عموماً فإنّ أهل العرفان يتعاملون بلفظة النور عند تكلّمهم و تحدّثهم عن الصفات المختلفة للحقّ سبحانه و تعالى، بِدءاً بأوضحها و هو نور القمر و ضوؤه، و انتهاءً بنور الذات السوداء اللون.

  • و على هذا الأساس و تلك القاعدة فإنّ ذات الله سبحانه نور، لأنّه لا يحتاج في ذاته و نفسه إلى مُنوِّر، و كلّ ما سوى ذلك من العقل الأوّل إلى العقل العاشر، و من أعلى رتبة للاسم و الصفة و حتى أوطئها، كلّها محتاجة إلى نور الله سبحانه.

  • الله سبحانه هو أصل الوجود، و الموجودات إنّما موجودة بوجوده،

معرفة الله ج۱

38
  • و على هذا فإنّ هويّته هي النور الذي هو الظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ المُظْهِرُ لِغَيْرِهِ.

  • {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌، اي أن الله هو أصل وجود السماوات و الأرض، و أصل حقيقتهما و تكوينهما و هو المُوجِدُ لهما.

  • الله هو الأوّل، و بعده تأتي الموجودات؛ و هو لا يحتاج إلى مُعرِّف، و كلّ الموجودات محتاجة إليه ليُعرّفها؛ هو أصل الوجود و باقي الموجودات موجودة بوجوده؛ هو الظاهر بهُويّته و بقيّة الأشياء ظاهرة بظهوره؛ هو النور، و بقيّة الموجودات مُنوَّرَةٌ بنوره. هو أصل الحقيقة، و بقيّة الموجودات إنّما هي مجاز و عارية.

  • إن البحث في عموميّة و شموليّة وضع اللفظ للمعني العامّ هو بحث شيِّق. و بحمد الله و حُسنِ توفيقه قد بحثنا بشكل وافٍ في معنى و حقيقة الصراط في المجالس ٥۱ إلى ٥٣، و في معنى و حقيقة الميزان في المجلسينِ ٥٤ و ٥٥ من الجزء الثامن من كتاب «معرفة المعاد» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة.

  • الموارد التي اطلق فيها لفظ النور في القرآن و الأخبار على الأنوار

  • كثيرة هي حالات إطلاق لفظة النور في القرآن و الأخبار على الأنوار المعنويّة، و لبيان بعض تلك الحالات نكتفي هنا بذِكْر بعض الأمثلة. فأمّا في القرآن الكريم فقد وردت الآيات التالية:

  • {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ}.۱

  • ففي هذه الآية الشريفة اطلِقت لفظة النور على الهدى و اطلقت الظُّلمة على الكفر.

    1. الآية ٢٥۷، من السورة ٢: البقرة.

معرفة الله ج۱

39
  • {يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‌ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.۱ هنا اطلِقَت كلمة النور على القرآن الكريم الذي أنزلَه الله على رسوله.

  • {وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ}.٢

  • في هذه الآية شُبِّهت البصيرة بالنور.

  • {أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ}، (كالغافل الذي قسي قلبه عن ذكر الله تعالى) {فَهُوَ عَلى‌ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.٣

  • و اطلِقت هنا لفظة النور على قبول دين الإسلام و تَبنّيه، في مقابل القاسية قلوبهم و الرافضين له.

  • الموارد التي اطلق فيها النور في «نهج البلاغة» و الأخبار على النور المعنويّ‌

  • و أمّا ما ورد في الأخبار، ففي «نهج البلاغة» قال مولي الموحّدين و أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين:

  • "وَ نَوَّرَ في قَلْبِهِ اليَقِينُ‌"٤.

    1. الآيتان ۱٥ و ۱٦، من السورة ٥: المائدة.
    2. الآية ٤۰، من السورة ٢٤: النور.
    3. الآية ٢٢، من السورة ٣٩: الزمر.
    4. «نهج البلاغة» الحكمة ٣۷٣، طبعة عيسى البابي الحلبي؛ و في طبعة مصر مع تعليقة للشيخ محمّد عبده: ج ٢، ص ٢٢٥: أيُّهَا المُؤْمِنُونَ! إنَّهُ مَنْ رَأي عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ وَ مُنْكَراً يُدْعَي إليه فَأنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَ بَرِئَ، وَ مَنْ أنْكَرَهُ بِلِسانِهِ فَقَدْ اجِرَ وَ هُوَ أفْضَلُ مِنْ صاحِبِهِ، وَ مَنْ أنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيا وَ كَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هي السُّفْلَي فَذَلِكَ الذي أصَابَ سَبِيلَ الهدى وَ قَامَ على الطَّرِيقِ وَ نَوَّرَ في قَلْبِهِ اليَقِينُ.

معرفة الله ج۱

40
  • "أحْيِ قَلْبَكَ بِالمَوْعِظَةِ، وَ أمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَ قَوِّهِ بِاليَقِينِ، وَ نَوِّرْهُ بِالحِكْمَةِ، وَ ذَلِّلْهُ بِذِكْرِ المَوْتِ، وَ قَرِّرْهُ بِالفَنَاءِ، وَ بَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا، وَ حَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَ فُحْشَ تَقَلُّبِ اللَيَالِي وَ الأيَّامِ"‌۱.

  • "وَ لَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأرَاهُ وَ لَا يَرَاهُ غَيْرِي. وَ لَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ في الإسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ خَدِيجَةَ؛ وَ أنَا ثَالِثُهُمَا. أرَى نُورَ الوَحْيِ وَ الرِّسَالَةِ، وَ أشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ"٢.

  • الأخبار و الروايات الواردة في «أوّل ما خلق الله»

  • و قد وردت روايات كثيرة عن طريق العامّة و الخاصّة، و كلُّها تؤكِّد على أن أوّل مخلوق خلقه الله سبحانه كان النور. كما ورد أنّه أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ الروح و القلم و العقل.

  • روي العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه، عن ثامن الحُجَج الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال في مجلس للمأمون، في تعليقه على بحث طويل مع عِمران الصابيّ حول بداية الخَلق:

  • "وَ النُّورُ في هَذَا المَوْضِعِ أوَّلُ فِعْلِ اللهِ الذي هُوَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ"‌٣.

  • أوّل ما خلق الله: الحقيقة المحمّديّة

  • و رُوي في كتاب «عوالى اللئالي» أن النبيّ صلى الله عليه و آله قال:

    1. «نهج البلاغة» ج ٢، ص ٣۸ و ٣٩، الرسالة ٣۱، طبعة مصر مع تعليقة للشيخ محمّد عبده، وصيّته عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام كتبها إليه بحاضرين، عند انصرافه من صفّين.
    2. «نهج البلاغة» الخطبة ۱٩۰؛ و في طبعة مصر مع تعليقة للشيخ محمّد عبده: ج ۱، ص ٣٩٢.
    3. «بحار الأنوار» ج ۱۰، ص ٣۱٤، باب مناظرات الرضا و احتجاجاته، الحديث الأوّل، الطبعة الحديثة.

معرفة الله ج۱

41
  • "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي"‌۱.

  • و في حديث آخر أن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال:

  • "أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ"‌٢.

  • و روي الصدوق في «الخِصال» بسنده عن سَماعة أنّه قال: كنتُ عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام و عنده جماعة من مواليه فجري ذِكر العقل و الجهل ... حتى قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام:

  • "إن اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلَقَ العَقْلَ وَ هُوَ أوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ مِنْ نُورِهِ"- إلى آخره.٣

  • و ورد نظير هذا الكلام في حديث الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام خلال حديث طويل له مع هشام بن الحكم، حيث قال:

  • "يَا هِشَامُ! أن اللهَ خَلَقَ العَقْلَ وَ هُوَ أوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ اللهُ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ مِنْ نُورِهِ"‌٤.

  • و روي عن عَبادة بن الصامِت قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول‌: "أن أوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ. فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ! فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلَى الأبَدِ"٥.

    1. «بحار الأنوار» ج ۱، ص ٩۷، باب حقيقة العقل و كيفيّته و بدو خلقه، الحديث السابع.
    2. «المصدر السابق»، الحديث الثامن.
    3. «المصدر السابق»، ص ۱۰٩، كتاب العقل و الجهل، الحديث السابع.
    4. «المصدر السابق»، ص ۱٥۸، الحديث الثلاثون.
    5. «بحار الأنوار» ج ٥۷، ص ٣۷٤، باب القلم و اللوح المحفوظ و الكتاب المبين، الحديث الرابع و العشرون.

معرفة الله ج۱

42
  • و عن معاوية بن قُرّة عن أبيه أنّه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه و آله: {ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ}. قَالَ: "لَوْحٌ مِنْ نُورٍ، وَ قَلَمٌ مِنْ نُورٍ، يَجْرِي بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".۱

  • قال عزيز الدين النسفيّ: جاء في الحديث "أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ". و جاء في حديث آخر "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ". و في آخر أنّه "أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ رُوحِي". و جاء في آخر أيضاً: "أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي". و قد وردت أمثال ذلك في كثير من الأحاديث.٢.

  • و قال في مكان آخر: جاء في حديث نبويّ أنّ‌: "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ". و ورد كذلك أنّ: "أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ". و في حديث آخر أنّ: "أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ العَرْشُ".

  • و وردت أحاديث كثيرة بهذا المعني.٣.

  • و قال الشيخ نجم الدين الرازي: اعلَم أن مبدأ المخلوقات و الموجودات كان الأرواح الإنسانيّة، و كان مبدأ الأرواح الإنسانيّة الروح المحمّديّة الطاهرة كما قال عليه الصلاة و السلام: "أوَّلُ‌ ما خَلَقَ اللهُ تعالى رُوحِي". و في رواية أخرى‌ "نوري". و لأنّه عليه الصلاة و السلام كان زبدة و خلاصة الموجودات و ثمرة شجرة الكائنات، إذ "لَوْلَاكَ لَمَا خَلَقْتُ الأفْلَاكَ‌"، فإنّه كان كذلك مبدأ الموجودات و لا يمكن أن يكون غير ذلك، و ذلك أن الخَلقَ كان على مثال الشجرة، و المصطفي عليه الصلاة و السلام هو ثمرة تلك الشجرة، و الشجرة في الحقيقة لا تكون إلّا من حَبِ‌

    1. «بحار الأنوار» ج ٥۷، ص ٣۷٤، الحديث الخامس و العشرون.
    2. «الإنسان الكامل» لعزيز الدين النسفيّ، ص ٢٢۰ و ٣٩۸، طبعة طهران، قسم المعهد الإيرانيّ و الفرنسيّ بتصحيح ماريجان موله.
    3. «نفس المصدر السابق» 

معرفة الله ج۱

43
  • الثمرة.۱.

  • و يقول في مكان آخر: «هنالك لطيفة عجيبة تُستَشَفُّ من قوله عليه الصلاة و السلام: أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ‌، أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ العَقْلُ، أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ رُوحِي‌، و هي أن هذه الأقوال الثلاثة كلّها صحيحة، و هي في الحقيقة قول واحد، و قد احتار خَلقٌ كثير في كيفيّة هذه التركيبة. فقوله: أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ القَلَمُ. إنّما هو قلم الله لا قلمنا نحن، فذلك القلم يجب أن يتناسب و عظمة الله و جلاله، و تلك هي روح محمّد الطاهرة و نوره. فلمّا خلق الحقّ تعالى تلك الروح و نظر إليها بالمحبّة، غلبَ عليها الحياء، فانقسمت الروح قسمين حياءً، فكان العقل شعبة من الروح»٢.

  • و قال أيضاً: «لقد قطعتُ نَسبي من الدنيا و الآخرة و الجنان الثمان في ذلك اليوم، و جعلته‌ أنَا مِنَ اللهِ. لا جَرم أن أيّ نَسبٍ مُتعلّق بالحدوث منقطع، و أمّا نَسبي فباقٍ، إذ كُلُّ حَسَبٍ وَ نَسَبٍ يَنْقَطِعُ إلَّا حَسَبِي وَ نَسَبِي‌، و قال للآخرين: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لا يَتَساءَلُونَ}‌، فقد فُزتُ بالأولويّة و السباق في كلّ ميدان.

  • فإن كان هناك أوّل في الفطرة، فقد كنتُ أوّل برعم طلع على شجرة الفطرة، إذ أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي.. و إن كان الأمر يتعلّق بساحة يوم القيامة، فأنا أوّل جوهرة تخرج من لآلي‌ء الثري، أنَا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ يَوْمَ القِيَامَةِ. و إن أردتَ البحثَ في مقام الشفاعة، أنَا أوَّلُ شَافِعٍ وَ مُشَفَّعٍ. و إن كنتَ تُريد الحديث عن الصراط و التقدّم عليه، أنَا أوَّلُ مَنْ يجوز الصِّرَاطَ. و إن أردتَ معرفة صاحب مقام الصّدارة في مجلس الجنان،

    1. «مرصاد العباد» ص ٣۷، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب.
    2. «المصدر السابق» ص ٥۱ و ٥٢.

معرفة الله ج۱

44
  • فأنَا أوَّلُ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ. و إذا رُمْتَ النظر إلى سيّد العاشقين و مقتدي المشتاقين، فأنَا أوَّلُ مَنْ يتجلى لَهُ الرَّبُّ. و أوّل عاشق حقيقيّ يفوز بوصال المعشوق.

  • و ما أطرف أن يكون كلُّ ذلك هو أنا، أمّا أنا فلا أكون أنا، أمَّا أنَا فَلَا أقَولُ أنَا: شعر:

  • چو آمد روي مهرويم، كه باشم من كه من باشم***كه آنگه خوش بوم با او، كه من بي خويشتن باشم‌
  • مرا گر مايه‌اي بيني، بدان كان مايه او باشد***برو گر سايه‌اي بيني، بدان كان سايه من باشم‌۱
  • إن هذا الذي سَمِعتَهُ من أن محمّداً عليه السلام لا ظلّ له، ناشئ من أن محمّداً كان هو النّور كلّه، إذ {يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ}‌،٢ و لذا، فلا ظلّ للنور كما تعلم. و لمّا كان عليه السلام قد تخلّص من ظلّه، فقد لاذ جميع الخَلق و العالَم كلّه بنوره، إذ إنّ: "آدَمُ وَ مَنْ دُونَهَ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ وَ لَا فَخْرَ".

  • لقد غمر النور المحمّديّ العالَم و الوجود و أحاط بهما، إذ إنّ: أوَّلُ‌ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِي‌، فختم الأبدَ بنوره إذ لَا نَبِيّ بَعْدِي.

    1. «مرصاد العباد» ص ۱٣٣ و ۱٣٤.
      يقول «إذا أقبل حبيبي بطلعة كالبدر، فمن الذي سأكونه يا ترى، لأكون أنا بذاتي؛ و ساسرُّ به حينئذٍ إذ سأكون بلا «أنا».
      و أن شاهدتَ من جوهرٍ في، فاعلم أن ذلك جوهره هو، و أن شاهدتَ فيه من ظلٍّ، فاعلم أن ذلك ظلّي أنا».
    2. مقتبس من ذيل الآية ۱٥، من السورة ٥: المائدة: {قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ}.

معرفة الله ج۱

45
  • و بعد شروق شمس الدولة المحمّديّة و طلوع نورها، أفلتْ كواكب ولاية الأنبياء، فنُسِخَت بذلك آية ليلة الأديان الأخرى، حيث حَلَّت آية {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، مَحلّها، إذَا طَلَعَ الصَّبَاحُ اسْتُغْنِيَ عَنِ المِصْبَاحِ.

  • فالمسكين هو ذلك الأعمي الذي حُرِمَ من كلّ ذلك النور و الضياء. شعر:

  • خورشيد بر آمد اي نگارين ديرست‌***بر بنده اگر نتابد از إدبارست‌۱
  • و أورد الشيخ نجم الدين الرازيّ كذلك: خلقت الملائكة من نور.٢

  • و قال أيضاً: هذه الطائفة هي أصحاب المَيمَنة، حيث مَشرَبهم من عالَم الأعمال، و مَعادُهم درجات جنّات النعيم. مع هذا فإنّ طريقهم ليس طريقاً بحسب معرفة الذات و الصفات الربّانيّة، إذ إنّهم ما زالوا أسري آفة حُجُب الصفات الروحانيّة و النورانيّة، إذ أن‌ لِلَّهِ [تَعَالَي‌] سَبْعِينَ ألْفَ حِجَابٍ مِنْ نُورٍ وَ ظُلْمَةٍ.٣ 

    1. «مرصاد العباد» ص ۱٣٤؛ و كذلك ص ۱٥۸ و ۱٥٩.
      «أشرقت الشمس فالوقت متأخّر أيّها المعشوق، فإذا لم تسطع على فذلك بسبب الإدبار».
    2. رسالة «عشق و عقل» ص ٤۰، منشورات بنگاه ترجمه و نشر كتاب، الطبعة الثانية؛ و في تعليقة ص ۱۱۱ يقول: مقتبس من «صحيح مسلم» كتاب الزهد، و «مسند أحمد بن حنبل» ج ٦، ص ۱٥۸ و ۱٦۸، نقلًا عن «المعجم المفهرس».
    3. ذُكرت هذه الرواية في «مرصاد العباد» ص ۱۰۱ و ٣۱۱. و ذكرها كذلك الملّا عبد الرزّاق الكاشانيّ في شرح «منازل السائرين» ص ۷ و ٢٩۰، منشورات بيدار، و ذكرها أيضاً المعلِّق على الكتاب في ص ٤۱٥. و قال العلّامة محمّد بن محمود الآمليّ في كتاب «نفائس الفنون» ج ٢، ص ٥٩ و ٦۰، حيث يقول: «الفصل الثامن: في بيان مشاهدات الأنوار و مراتبها»: قال الله تعالى: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى ‌، أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‌ ما يَرى‌ ، وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}‌. اعلم أنّه بسبب انصقال مرآة القلب تدريجيّاً بمصقلة الذِّكر، و امّحاء أدران الطبيعة و ظلمة البشريّة عنها، يكون ظهور الأنوار الغيبيّة فيها أقوي. و تتوهّج تلك الأنوار على غرار توهُّج الشمعة و المصباح و المشعل و النيران، و ذلك عند ما يكون الخيال لا يزال يشوب تلك الأنوار. و بعد ذلك تتراءي للعيان الأنوار العلويّة، حيث تكون في البداية على صورة كواكب متناثرة، و بعد ذلك على صورة قمر و من ثمّ تظهر بصورة شمس حتى تظهر الأنوار المجرّدة من المحالّ. و عند ما تنسلخ الأنوار من الحُجُب تماماً و لا يكون للخيال مجالًا للتصرّف فيها، تنعدم حينئذٍ الألوان و الأشكال، فيسود انعدام اللون و الشكل و الكيفيّة و الصورة؛ ذلك أن تلوّث الصفات البشريّة هو الذي يجعل الروح تُدرك شكل و لون النور من وراء حجاب الخيال، فعند ما تسود الروحانيّة المحضة و يتمّ الخروج من تلك حُجُب الخيال تنتفي الأشكال و الألوان. لكن على الرغم من أن الله سبحانه و تعالى هو مظهر جميع الأنوار و ذلك حسب ما تصرّح به الآية: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ} و أن كثرة هذه الأنوار و قلّتها يكون بحسب صفاء القلب و صقالته من ظلمة البشريّة، إلّا أن ظهورها يكون مختلفاً و متبايناً و ذلك بسبب اختلاف و تباين منشأ مشاهداتها و يقال لهذه الأنوار الأنوار الأرضيّة و ذلك عند ما تكون على صورة امور سفليّة مثل البروق و اللوامع و اللوائح و المشاعل و القناديل و المصابيح. أمّا عند ما تكون على صورة أجرام علويّة كالكواكب و الأقمار و الشموس فيقال لها الأنوار السماويّة.
      و على هذا فإنّها تظهر بصورة برق إذا كانت منشأ مشاهدتها الذِّكر، أو بصورة مشكاة أو قنديل إذا كانت منشأ مشاهدتها المعرفة.
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

46
  • ...۱

    1. .(...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      و من هنا يقول الحقّ تعالى{اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ‌}، اي أنّه تبارك و تعالى مظهر الأنوار السماويّة و الأرضيّة، و أن نور عرفانه يظهر على السالك على صورة مشكاة، فإذا كانت الروحانيّة منشأ مشاهدتها و التي تنعكس على القلب السماويّ تبعاً لمقدار صقالته، يكون ظهورها على مثال الكواكب و الأقمار و الشموس. فعلي سبيل المثال، إذا كان صفاء القلب بمقدار الكوكب، يُري نور الروح بمقدار ذلك الكوكب، و إذا كانت مرآة القلب صافية تماماً، يُري القمر كاملًا، و إذا كانت هناك بقيّة من الكدورة، يُري القمر ناقصاً، و عند ما يكتمل صفاء مرآة القلب و تقبّلها لنور الروح، تصبح المشاهدة بمقدار الشمس؛ و كلّما كان الصفاء أكثر، كان سطوع الشمس أكبر. و إذا وقعت مشاهدة القمر و الشمس في آنٍ واحد، يكون القلب حينئذٍ القمر الذي يعكس النور فيُنير الروح به، و تكون الروح الشمس. و انعكاس إشعاعات الأنوار لصفات الحقّ عزّ و علا من وراء الحُجُب الروحانيّة على مرآة القلب هو بمقدار صفائها».

معرفة الله ج۱

47
  • و قال في مكان آخر: حِجابُهُ النُّورُ؛ لَوْ كُشِفَتْ لأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ ما انْتَهَي إليه بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ‌۱.

  • لا جَرم أن قيل لهذه الطائفة: احذَروا من أن تخلطوا بين العقل و العِقال في ميدان التفكُّر في ذات الحقّ جلّ و علا الذي لا حدّ له، تَفَكَّرُوا في آلَاءِ اللهِ وَ لَا تَتَفَكَّرُوا في ذَاتِ اللهِ‌!٢

  • و ذكر في مناسبة أخرى: «و أمّا ما قاله من أنّنا متى ما حصلنا على عقل أكبر، فإنّنا نجد الحبّ فيه أظرف و أشرف و أثبت، كما أن سيّد الكائنات [صلوات الله عليه‌] كان أعقل الموجودات و أعشقها على الإطلاق.

  • الإنسان الكامل هو من تتجلّي فيه تمام شئون آية النور

  • و اعلَم حقّاً بأنّ نور العقل في كمال و سموِّ مرتبته، هو بمثابة مشكاة الجسد و زجاجة القلب، و زيت المصباح «الروح» بمثابة صفاء الزيت، إذ {يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ}. و مع أن الملائكة كانت تمتلك زيت الرُّوحانيّة و صفاءه الذي هو

    1. جاء في تعليقة ص ۱۱۰: «مأخوذ عن حديث نبويّ، «صحيح مسلم» باب الإيمان، ص ٢٩٣؛ مقدّمة كتاب ابن ماجة، ص ۱٣؛ «مسند أحمد» ج ٤، ص ٤۰۱ و ٤۰٥. و أصل الحديث هو: «حِجابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ ...».
      أقول: ذكرها كذلك مُؤلِّف «مرصاد العباد» ص ٣۱۰؛ كما ذكرها المعلِّق على كتاب «شرح المنازل» ص ۷.
    2. رسالة «عشق و عقل» ص ٥٣ و ٥٤.

معرفة الله ج۱

48
  • نور العقل، حيث خُلِقَتِ المَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، و كان ذلك الزيت مستعدّاً لاكتساب ناريّة النور الإلهيّ‌ {وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ}، إلّا أنّهم لم يحصلوا لا على مشكاة الجسد، و لا زجاجة القلب، و لا مصباح السِّرّ، و لا فتيلَ الخَفيّ، حيث إنّهم لم يستحقّوا اكتساب ناريّة النور الإلهيّ بدون هذه الأسباب.

  • و أمّا الحيوانات فعلى الرغم من حصولها على مشكاة الجسد و زجاجة القلب، إلّا أن ذلك كان في غياب زيت الروحانيّة و صفاء النور [الذي هو العقل‌] فكانوا في مقام العجز كذلك إذ فَأبَيْنَ أن يَحْمِلْنَهَا وَ أشْفَقْنَ مِنْهَا.

  • فاعطي الإنسان تمام الاستعداد و كمال التَّهيُّؤ لقبول تلك الأمانة، التي هي في الحقيقة نور الفيض دون واسطة، إذ {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}‌، فوُهِبَ جسداً مَثَله كمثل المشكاة، و قلباً على صفة الزجاجة، و زيت روحٍ بصفاء العقل الذي أنار زجاجة قلبه بذلك النور الساطِع، فأصبحت‌ {الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ}‌، و وضعَ زجاجة القلب و مصباح السِّرّ و فتيلَ الخَفيّ، فتجلّت هذه المجموعة و منها آدمُ بنارِ النور الإلهيّ إذ خُلِقَ آدَمُ فَتَجَلَّى فِيهِ مِصْبَاحٌ، فأصبح فيمن يستحِقُّ [نار] النور الإلهيّ حيث‌ {وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ}.

  • فكلُّ مصباح كان زيته أصفي، و صفاؤه في النورانيّة أكثر، فهو في النورانيّة {نُورٌ عَلى‌ نُورٍ} و اكتمل و ظَرُفَ بمجرّد اتّصال نار النور الإلهيّ به. و لمّا لَم يُمنَحْ أيّ مصباحٍ موهبة قبول النورانيّة و كمال الاستعداد لذلك إلّا مصباح سيِّد الكائنات صلى الله عليه و آله، و لمّا كان زيت مصباحه أتمَّ و أكمل و كان صفاء زيته الذي هو العقل لا ألطفَ و لا أظرف منه، فلا جَرَمَ أن يكون قد وصل إلى درجة الكمال لقبول نور الفيض دون واسطة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، فكان يُردّد و يُكثر من قراءة هذا الدعاء في كلّ صباح و هو:

معرفة الله ج۱

49
  • الأدعية التي اطلق فيها لفظ النور على الله تعالى‌

  • "اللهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً وَ في سَمْعِي نُوراً وَ في بَصَرِي نُوراً وَ في لِسَانِي نُوراً، وَ عَنْ يَمِينِي نُوراً وَ عَنْ يَسَارِي نُوراً [وَ مِنْ فَوْقِي نُوراً] وَ مِنْ تَحْتِي نُوراً [وَ أمَامِي نُوراً وَ خَلْفِي نوراً] وَ اجْعَلْنِي نُوراً وَ أعْظِمْ لي نُوراً".

  • و لمّا كان كلّ وجوده هو ذلك النور، حينئذٍ دعاه الحقّ تعالى نوراً، حيث قال‌: {[قَدْ] جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ}.۱

  • و بالجملة فقد اطلِقَت كلمة النور في كثير من أدعيتنا على الحقّ المتعال، ففي دعاء الجوشن الكبير وردت الجمل التالية:

  • "يَا نُورَ النُّورِ، يَا مُنَوِّرَ النُّورِ، يَا خَالِقَ النُّورِ، يَا مُدَبِّرَ النُّورِ، يَا مُقَدِّرَ النُّورِ، يَا نُورَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً قَبْلَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً بَعْدَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً فَوْقَ كُلِّ نُورٍ، يَا نُوراً لَيْسَ كَمِثْلِهِ نُورٌ"٢.

  • و في المناجاة الشعبانيّة:

  • "إلَهِي هَبْ لي كَمَالَ الانقِطَاعِ إلَيْكَ، وَ أنِرْ أبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إلَيْكَ، حتى تَخْرِقَ أبْصَارُ القُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إلَى مَعْدِنِ العَظَمَةِ، وَ تَصِيرَ أرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ"‌٣.

  • حتّي قوله:

  • "إلَهِي وَ ألْحِقْنِي بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَأكُونَ لَكَ عَارِفاً وَ عَنْ سِوَاكَ‌

    1. رسالة «عشق و عقل»، ص ۷٦ إلى ۷۸.
    2. «مفاتيح الجنان» ص ٩٣، طبعة الإسلاميّة، سنة ۱٣۷٩ هـ، نقلًا عن «البلد الأمين» و «المصباح» للكفعميّ، و هو مرويّ عن الإمام سيّد الساجدين، عن أبيه، عن جَدّه رسول الله صلى الله عليه و آله.
    3. «مفاتيح الجنان» ص ۱٥۸، نقلًا عن ابن خالويه، قال: «إنّها مناجاة أمير المؤمنين و الأئمّة من ولده عليهم السلام، كانوا يدعون بها في شهر شعبان».

معرفة الله ج۱

50
  • مُنْحَرِفاً وَ مِنْكَ خَائِفاً مُرَاقِباً، يَا ذَا الجَلَالِ وَ الإكْرَامِ".۱

    1. «مفاتيح الجنان» ص ۱٥٩.
      إن تشبيه آية النور المباركة لحالات نفس السالك إلى الله هي من أروع التشبيهات في هذا المقام. و ليس أجدر من أن ننقل هنا نصّ عبارات استاذ السلوك و العرفان آية الحقّ و الإيقان السيّد مهدي بحر العلوم في الرسالة المنسوبة إليه.
      يقول السيّد بحر العلوم:
      «و أمّا السالك فإنّه يري آثار و فيوضات ذلك. و من جملة الآثار حصول الأنوار في القلب حيث يكون في البدء على شكل مصباح ثمّ على شكل شعلة ثمّ كوكب ثمّ قمر ثمّ بعد ذلك على شكل شمس، ثمّ تنخمد و تزول ألوانها. و الكثير منها يكون على شكل برق و أحياناً تكون بصورة مشكاة و قنديل، و هذان الاثنان يحصلان أكثر ما يحصلان بفعل المعرفة و السبق من الذِّكر. و قد أشار الإمام أبي جعفر عليه السلام إلى المرتبة الاولى كما روي ذلك ثقة الإسلام في «الكافي» أن الإمام عليه السلام قال في بيان أقسام القلوب: وَ قَلْبٌ أزْهَرُ أجْرَدُ. فَقُلْتُ: وَ مَا الأزْهَرُ؟ فَقالَ: فيهِ كَهَيْئَةِ السِّراجِ- إلى أن قالَ: وَ أمَّا القَلْبُ الأزْهَرُ فَقَلْبُ المُؤْمِنِ. و قد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض هذه المراتب قائلًا: قَدْ أحْيَا قَلْبَهُ وَ أمَاتَ نَفْسَهُ حتى دَقَّ جَليلُهُ وَ لَطُفَ غَليظُهُ وَ بَرَقَ لَهُ لَامِعٌ كَثِيرُ البَرْقِ.
      إن إحدى المعاني الباطنية للآية الشريفة: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضِ} هي شرح لهذه المراحل حيث يستحيل شخص الإنسان في هذه الأحوال إلى مشكاة فيها مصباح و الذي يمثّل القلب، و في تلك الزجاجة مصباح و المذكور بالنور، و يتحوّل القلب بعد نشر ذلك إلى ما يُشبه الكَوْكَبٌ الدُّرِّيّ فيكون ساطعاً نيّراً مثلُهُ كمثل نور الشجرة المباركة الكثير النفع و هو ما يمثّل النورانيّة و الروحانيّة لذكر الله حيث ليس بشرقيّ و لا غربيّ، بل نابع عن الطريق الباطن و الذي هو كذلك ليس بشرقيّ و لا غربيّ. وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ اي إذا لم يغفل عن ذكر الله و الذي يؤدّي إلى مقارنة الشيطان المخلوق من النار بنصّ الآية الشريفة {وَ مَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، و يزيد {نُورٌ على نُورٍ}نوراً على نوره حتى يغدو جميع ذلك نوراً. وَ هَذِهِ الزُّجاجَةُ {في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}. و في بيان مَثَلُ نورِهِ قال عليه السلام: يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الآصَالِ، رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ.* («رسالة السير و السلوك المنسوبة إلى بحر العلوم» ص ۱٩٤ إلى ۱٩۷ مع مقدّمة و شرح للسيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، منشورات حكمت).
      * اي في بيان تحقّق هذا النور و مصداقيّته فإنّه يقول أن رجالًا يُسبّحون الله في الصباح و المساء في تلك البيوت.

معرفة الله ج۱

51
  • و ورد أيضاً في دعاء ليلة عرفة ما يلي:

  • وَ بِاسْمِكَ السُّبُّوحِ القُدُّوسِ البُرْهَانِ الذي هُوَ نُورٌ عَلَى كُلِّ نُورٍ، وَ نُورٌ مِنْ نُورٍ يَضِي‌ءُ مِنْهُ كُلُّ نُورٍ؛ إذَا بَلَغَ الأرْضَ انْشَقَّتْ، وَ إذَا بَلَغَ السَّمَاوَاتِ فُتِحَتْ، وَ إذَا بَلَغَ العَرْشَ اهْتَزَّ.۱

  • و بعد الجمل السابقة، تأتي هذه الجمل:

  • أسْألُكَ بِنُورِ وَجْهِكَ الكَرِيمِ الذي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِلْجَبَلِ فَجَعَلْتَهُ دَكَّاً وَ خَرَّ موسى صَعِقاً٢.

  • و جاء في آخر الدعاء المذكور (دعاء ليلة عَرَفة) ما يلي:

  • أنْتَ الذي أشْرَقْتَ الأنْوَارَ في قُلُوبِ أوْلِيَائِكَ حتى عَرَفُوكَ وَ وَحَّدُوكَ‌٣.

  • هذا و قد أفرد محمّد بن يعقوب الكلينيّ باباً خاصّاً في «اصول الكافي» و ذكر فيه أن الأئمّة عليهم السلام هم نور الله عزّ و جلّ، و قد أورد ستّ روايات بهذا الصدد نورِدُ منها اثنتينِ هنا على سبيل المثال:

  • الاولي: روي بسنده المتّصل عن أبي خالد الكابلي أنّه قال: سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ و جلّ: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ

    1. «مفاتيح الجنان» ص ٢٥٣، حيث ذُكِرَ أن في الرواية أنّه يُدعي به في ليلة عَرَفة و ليالي الجُمَع.
    2. «المصدر السابق» ص ٢٥٣.
    3. «المصدر السابق» ص ٢۷٣.

معرفة الله ج۱

52
  • الَّذِي أَنْزَلْنا}.۱ فَقَالَ: يَا أبَا خَالِدٍ! النُّورُ وَ اللهِ نُورُ الأئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؛ وَ هُمْ وَ اللهِ نُورُ اللهِ الذي أنْزَلَ، وَ هُمْ وَ اللهِ نُورُ اللهِ في السَّمَاوَاتِ وَ في الأرْضِ. وَ اللهِ يَا أبَا خَالِدٍ! لَنُورُ الإمَامِ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ أنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ المُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ.

  • وَ هُمْ وَ اللهِ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ المُؤْمِنينَ، وَ يَحْجُبُ اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتَظْلِمُ قُلُوبُهُمْ. وَ اللهِ يَا أبَا خَالِدٍ! لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَ يَتَوَلَّانَا حتى يُطَهِّرَ اللهُ قَلْبَهُ، وَ لَا يُطَهِّرُ اللهُ قَلْبَ عَبْدٍ حتى يُسَلِّمَ لَنَا وَ يَكُونَ سِلْماً لَنَا، فَإذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ اللهُ مِنْ شَدِيدِ الحِسَابِ وَ آمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ الأكْبَرِ٢.

  • الثانية: روي بسند متّصل آخر منه عن صالح بن سهل الهَمَدانيّ أنّه قال: قال أبو عبد الله (الصادق) عليه السلام في قول الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ}: فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ‌ {فِيها مِصْباحٌ}. الحَسَنُ‌ {الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ}. الحُسَيْنُ‌ {الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}. فَاطِمَةُ كَوْكَبٌ دُرِّيّ بَيْنَ نِسَاءِ أهْلِ الدُّنْيَا.

  • «توقد من شجرة مباركة» إبْرَاهِيمُ عليه السلام. {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ} لَا يَهُودِيَّةٍ وَ لَا نَصْرَانِيَّةٍ. {يَكادُ زَيْتُها يُضِي‌ءُ} يَكَادُ العِلْمُ يَنْفَجِرُ بِهَا. {وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‌ نُورٍ} إمَامٌ مِنهَا بَعْدَ إمَامٍ.

  • {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ} يَهْدِي اللهُ لِلأئمَّةِ مَنْ يَشَاءُ؛ {وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ}.

    1. صدر الآية ۸، من السورة ٦٤: التغابن.
    2. «اصول الكافي» ج ۱، ص ۱٩٤، كتاب الحجّة، باب أن الأئمّة عليهم السلام نور الله عزّ و جلّ، الحديث الأوّل.

معرفة الله ج۱

53
  • قُلْتُ: {أَوْ كَظُلُماتٍ}؟ قَالَ: الأوَّلُ وَ صَاحِبُهُ. {يَغْشاهُ مَوْجٌ} الثَّالِثُ. {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ} الثَّانِي. {بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ} مُعَاوِيَةُ لَعَنَهُ اللهُ وَ فِتَنُ بَنِي امَيَّةَ؛ {إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ} المُؤْمِنُ في ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ‌ {لَمْ يَكَدْ يَراها}. {وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً} إمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، {فَما لَهُ مِنْ نُورٍ} إمَامٍ يَوْمَ القِيَامَةِ.

  • وَ قَالَ في قَوْلِهِ: {يَسْعى‌ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ}۱: أئِمَّةُ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ، تَسْعَي بَيْنَ يَدَيِ المُؤْمِنِينَ وَ بِأيْمَانِهِمْ حتى يُنَزِّلُوهُمْ مَنَازِلَ أهْلِ الجَنَّةِ.٢

  • و روي الكلينيّ بهذا المضمون بسند آخر عن علي بن جعفر عليه السلام، عن أخيه موسى عليه السلام‌٣.

  • أصل طينة الأئمّة عليهم السلام من النور

  • و ذكر الكلينيّ في باب خَلق الأبدان و الأرواح و القلوب للأئمّة عليهم السلام أربع روايات، نكتفي هنا بذكر واحدة منها فقط:

  • روي بسنده المتّصل عن محمّد بن مروان عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال سمعته يقول: أن‌ اللهَ خَلَقَنَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ، ثُمَّ صَوَّرَ خَلْقَنَا مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ مِنْ تَحْتِ العَرْشِ، فَأسْكَنَ ذَلِكَ النُّورَ فِيهِ، فَكُنَّا نحن خَلْقاً وَ بَشَراً نُورَانِيِّينَ لَمْ يَجْعَلْ لأحَدٍ في مِثْلِ الذي خُلِقْنَا مِنْهُ نَصِيباً. وَ خَلَقَ أرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ طِينَتِنَا، وَ أبْدَانَهُمْ مِنْ طِينَةٍ مَخْزُونَةٍ مَكْنُونَةٍ أسْفَلَ في ذَلِكَ الطِّينَةِ، وَ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لأحَدٍ في مِثْلِ الذي خَلَقَهُمْ مِنْهُ‌

    1. مقطع من الآية ۱٢، من السورة ٥۷: الحديد.
    2. «اصول الكافي» ج ۱، ص ۱٩٥، الحديث الخامس.
    3. «المصدر السابق»، كتاب الحجّة، باب أن الأئمّة عليهم السلام نور الله عزّ و جلّ؛ و رواها البحرانيّ في تفسير «البرهان» ج ٢، ص ۷٣٥، الطبعة الحجريّة، عن طريق العامّة عن ابن المغازليّ الشافعيّ في كتاب «المناقب» مرسلًا عن علي بن جعفر.

معرفة الله ج۱

54
  • نَصِيباً إلَّا لِلأنْبِيَاءِ. وَ لِذَلِكَ صِرْنَا نَحْنُ وَ هُمْ: النَّاسَ، وَ صَارَ سَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لِلنَّارِ وَ إلَى النَّارِ۱.

  • و أورد الكلينيّ كذلك في باب ولادة النبيّ صلى الله عليه و آله و وفاته أربعين رواية نورد منها في هذا المقام ثلاثة:

  • ۱- روي بسند متّصل عن جابر بن يزيد قال: قال لي أبو جعفر (الباقر) عليه السلام: يَا جَابِرُ! أن اللهَ أوَّلُ مَا خَلَقَ، خَلَقَ مُحَمَّداً صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ عِتْرَتَهُ الهُدَاةَ المُهْتَدِينَ. فَكَانُوا أشْبَاحَ نُورٍ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ‌!

  • قُلْتُ: وَ مَا الأشْبَاحُ؟!

  • قَالَ: ظِلُّ النُّورِ، أبْدَانٌ نُورَانِيَّةٌ بِلَا أرْوَاحٍ. وَ كَانَ مُؤَيَّداً بِرُوحٍ وَاحِدَةٍ وَ هي رُوحُ القُدُسِ. فَبِهِ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ وَ عِتْرَتُهُ.

  • وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ حُلَمَاءَ، عُلَمَاءَ، بَرَرَةً، أصْفِيَاءَ؛ يَعْبُدُونَ اللهَ بِالصَّلَاةِ وَ الصَّوْمِ، وَ السُّجُودِ، وَ التَّسْبِيحِ، وَ التَّهْلِيلِ؛ وَ يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ، وَ يَحُجُّونَ، وَ يَصُومُونَ.٢

  • ٢- روي بسند متّصل عن أحمد بن على بن محمّد بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام أنّه قال:

  • إن اللهَ كَانَ إذْ لَا كَانَ. فَخَلَقَ الكَانَ وَ المَكَانَ. وَ خَلَقَ نُورَ الأنْوَارِ الذي نُوِّرَتْ مِنْهُ الأنْوَارُ. وَ أجْرَى فِيهِ مِنْ نُورِهِ الذي نُوِّرَتْ مِنْهُ الأنْوَارُ.

    1. «اصول الكافي» ج ۱، ص ٣۸٩، باب خلق أبدان الأئمّة و أرواحهم و قلوبهم عليهم السلام، الحديث الثاني.
    2. «المصدر السابق»، ص ٤٤٢، كتاب الحجّة، باب مولد النبيّ صلى الله عليه و آله و وفاته، الحديث العاشر.

معرفة الله ج۱

55
  • وَ هُوَ النُّورُ الذي خَلَقَ مِنْهُ مُحَمَّداً وَ عَلِيَّاً. فَلَمْ يَزَالا نُورَيْنِ أوَّلَيْنِ، إذْ لَا شَيْ‌ءَ كُوِّنَ قَبْلَهُمَا. فَلَمْ يَزَالا يَجْرِيَانِ طَاهِرَيْنِ مُطَهَّرَيْنِ في الأصْلَابِ الطَّاهِرَةِ حتى افْتَرَقَا في أطْهَرِ طَاهِرَيْنِ: في عبد الله وَ أبِي طَالِبٍ عليهم السَّلَامُ.۱

  • الزهراء عليها السلام من رجال آية النور و في بيوتها

  • ٣- و روي كذلك بسند متّصل أيضاً عن مُرازِم عن أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام قال: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَ تعالى: يَا مُحَمَّدُ! إنِّي خَلَقْتُكَ وَ عَلِيَّاً نُوراً، يَعْنِي رُوحاً بِلَا بَدَنٍ، قَبْلَ أن أخْلُقَ سَمَاوَاتِي وَ أرْضِي وَ عَرْشِي وَ بَحْرِي، فَلَمْ تَزَلْ تُهَلِّلُنِي وَ تُمَجِّدُنِي.

  • ثُمَّ جَمَعْتُ رُوحَيْكُمَا فَجَعَلْتُهُمَا وَاحِدَةً، فَكَانَتْ تُمَجِّدُنِي وَ تُقَدِّسُنِي وَ تُهَلِّلُنِي. ثُمَّ قَسَّمْتُهَا ثِنْتَيْنِ وَ قَسَّمْتُ الثِّنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ فَصَارَتْ أرْبَعَةً: مُحَمَّدٌ وَاحِدٌ، وَ على وَاحِدٌ، وَ الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ ثِنْتَانِ.

  • ثُمَّ خَلَقَ اللهُ فَاطِمَةَ مِنْ نُورٍ ابْتَدَأهَا رُوحاً بِلَا بَدَنٍ. ثُمَّ مَسَحَنَا بِيَمِينِهِ فَأفْضَى‌٢ نُورَهُ فِينَا٣.

  • أما و إنّنا لنقرا في زيارة الجامعة الكبيرة: خَلَقَكُمُ اللهُ أنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ حتى مَنَّ عَلَيْنَا بِكُمْ فَجَعَلَكُمْ «في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»٤.

  • و روي في تفسير «نور الثَّقلَيْن»٥ بسند متّصل منه عن جابر، عن الإمام‌

    1. «اصول الكافي» ج ۱، ص ٤٤۱ و ٤٤٢، الرواية التاسعة.
    2. جاء في بعض النسخ فَأضَاءَ.(التعليقة).
    3. «المصدر السابق»، ص ٤٤۰، الحديث الثالث.
    4. «مفاتيح الجنان» ص ٥٤۷، عن الشيخ الصدوق في «الفقيه» و «العيون»، عن موسى بن عبد الله النخعيّ، عن الإمام عليّ النقيّ عليه السلام.
    5. تأليف الشيخ عبد علي بن جمعة العروسيّ الحويزيّ، ج ٣، ص ٦۰۷.

معرفة الله ج۱

56
  • أبي جعفَر (الباقر) عليه السلام في قوله عزَّ و جلّ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ‌}، أنّه قال:

  • هِيَ بُيُوتُ الأنْبِيَاءِ، وَ بَيْتُ على مِنْهَا.

  • و روي في تفسير «البرهان»۱ عن الشيخ الحافظ رجب البرسيّ قال: روي ابن عبّاس أنّه قال: كنتُ في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و قد قرأ القارئ:

  • فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ.

  • فقلتُ: يا رسول الله! ما البيوت؟!

  • فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: بُيُوتُ الأنْبِيَاءِ عليهم السَّلَامُ، وَ أوْمَي بِيَدِهِ إلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهَا ابْنَتِهِ.

  • نعم‌، لقد تبيّن من هذه الأبحاث بصورة لا تقبل الشكّ معنى نور الله و أحقّيّة الوِلاية و عظمتها التي هي عين التوحيد، و كذلك طريق إفاضة النور من مقام وحدة الربوبيّة عزَّ و جلّ الذي هو عين النور و أصل الجود و الوجود، و طلوعه في المصباح، و استمداد المصباح من زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ، و تلألئه في الزجاجة، و انعكاسه في المشكاة،، و حفظ و صيانة المشكاة للنور، و إفاضة النور و نشره في فضاء الغرفة، و انتفاع الناس بوساطة ذلك في فضائه النيِّر و المتلألئ كلٌّ بحسب رتبته.

  • و عَلِمنا كذلك سرّ الولاية و الإمامة اللتين هما معدن النور و منبعه. و كذا كيفيّة اتّحاد الأنوار الخمسة الطيِّبة و وحدتها، و التي من جملتها المقام الأقدس للسيّدة الكبرى فاطمة الزهراء سلام الله عليها، و كيفيّة نشوء نورها

    1. تأليف السيّد هاشم البحرانيّ، ج ٢، ص ۷٣۷، الطبعة الحجريّة.

معرفة الله ج۱

57
  • المقدّس و إيجاده من نَش‌ء و مبدأ عالَم الإيجاد و نشأة الحياة في سلسلتَي التكوين و التشريع. و مع عدم وجود صفة الذكورة و الانوثة في عوالم التجرُّد، و أن الولاية الحقّة هي ولاية الله، و هي واحدة، فإنّه و مع الأخذ بنظر الاعتبار مسألة نشأة الكثرة فقد دُعيتْ بالرجال و وُضِعَت في بيوت أنوار الوحي و الإلهام و ذِكْر الله تعالى.

  • و على أيّة حال فقد يكون سبب ذِكر نور جلال تلك السيّدة الكبرى في الأخبار و الآثار بلحاظ صفة الانوثة في عالَم الكثرات، ممّا يجعل كلّ ناظر يغضّ النظر عن ذلك و يُمنَع من الاطّلاع على جمالها الذي هو جمال الله. أن نور ذلك الجمال الربّانيّ الأزليّ الأبديّ السرمديّ يَبرُقُ و يتلألأ بشكل يُعمي بصر كلّ عين عاجزة؛ و لهذا صار نور الجلال حجاباً لنور الجمال. و سيملأ دويّ ملائكة القدس: غُضُّوا أبْصَارَكُمْ‌، أسماع الخَلق و أركان ساحة المحشر الكبرى عند عبور سيّدة نساء العالمين، و تعبر تلك السيّدة معدن الولاية و منجم الإمامة يُغَطّيها حجاب تتدلّي منه آلاف‌ الحُجُزات‌۱، و يربط كلّ واحد من شيعتها نفسه بواحدة من تلك الحُجُز و يتمسّك بها. فتتقدّم صلوات الله عليها حتى تمثل بين يدي الله سبحانه في موقف عظيم و مشهد رهيب، واضعة في كفّها اليمني رأس ولدها الحسين بينما وضعت في كفّها اليسري قميصه الملطَّخ بالدماء، فتقول: ربّاه! لقد ضحّي ولدي الحسين بكلّ ما لديه في سبيلك، فهذا رأسه و هذا قميصه! فما جزاؤه عندك يا ربّ؟!

  • فيتقدّم رِضوان خازن الجنّة و مالِك خازن جهنّم في الحال و يسلّمانها مفتاحي الجنّة و النار، و يضعانه في كفّيّ السيّدة الكبرى قائلينِ: أن الله‌

    1. الحُجزة ج حُجَز و حُجُزات و حُجَزات و حُجْزات: مَعقَد الإزار.[ المنجد].(م)

معرفة الله ج۱

58
  • يقول: لقد أعطانا ولدك الحسين كلّ ما لديه، فسنعطيه نحن كلّ ما لدينا؛ فخذي مفتاحي الجنّة و النار و أدخلي مَن شئتِ من أحبّائكِ إلى الجنّة، و ألقي بمن شئتِ من أعدائكِ إلى النار، فهذا الموقف موقف العدل لديّ.

  • وَ لَها جَلَالٌ لَيْسَ فَوْقَ جَلَالِهَا***إلَّا جَلَالُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ‌
  • وَ لَهَا نَوَالٌ لَيْسَ فَوْقَ نَوَالِهَا***إلَّا نَوَالُ اللهِ عَمَّ نَوَالُهُ‌
  • مِشْكَاةُ نورِ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ‌***زَيْتونَةٌ عَمَّ الوَرَي بَرَكاتُها
  • هي قُطْبُ دائِرَةِ الوُجودِ وَ نُقْطَةٌ***لَمَّا تَنَزَّلَتْ أكْثَرَتْ كَثَرَاتُها
  • هي أحْمَدُ الثَّانِي وَ أحْمَدُ عَصْرِها***هي عُنْصُرُ التَّوْحِيدِ في عَرَصاتِها

معرفة الله ج۱

59
  •  

  •  

  • البَحْثَانْ الثَّالِثُ وَ الرَّابِعُ: اسْتِطَاعَةُ رُؤْيَةِ اللهِ و تفسير الآية المباركة

  • {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ‌ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ مُحِيطٌ}

  •  

  •  

معرفة الله ج۱

61
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم‌

  • وَ صلى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيّ العَظِيمِ‌

  •  

  •  

  • آية: سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا في الآفَاقِ وَ في أنفُسِهِمْ‌

  • قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

  • {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ‌ (أي آياتنا) الْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ مُحِيطٌ}.

  • (الآيتان ٥٣ و ٥٤، من السورة ٤۱: فصّلت)

  • ضمير {أنَّهُ الْحَقُّ} عائد إلى مُقَدَّر منتزع من {سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا}

  • لشرح الآيتينِ الشريفتينِ الآنفتَي الذِّكر، يتحتّم علينا البحث عن صاحب الضمير في الآية الشريفة {أَنَّهُ الْحَقُّ}.

  • في اعتقاد الحقير أن هذا الضمير يعود إلى المُقدّر و المستفاد من الفعل «نُرِي» و هو «مُرَي» (أي الآية و المرأة بلحاظ كونها آية و مرآة إلى الضمير «نا». فما هو المُرَى‌۱ إذن؟ إنّها في الحقيقة آيات الحقّ المُبيِّنَة

    1. مُرَي اسم مفعول من باب أرى يُري من باب إفعال. لأنّ اسم الفاعل منه مُرْئي و اسم المفعول منه هو مُرْأي. و قد حُذِفت الهمزة للتخفيف بعد نقل حركتها إلى ما قبلها، مُرِي و مُرَي. و أمّا مرئيّ فهو اسم مفعول من باب رأي يري، و اسم الفاعل منه راءٍ و اسم المفعول مَرئيّ. و قد كان اسم المفعول من ذلك في الأصل هو مَرْءُويٌ، فطرأ عليه إعلال مَرميّ فأصبح مرئيّ. فـ «رأي يري» متعدٍّ إلى مفعول واحد و «أرى يُرِي» متعدٍّ إلى مفعولين.

معرفة الله ج۱

62
  • للحقّ. إذ لا يمكن أن يكون غير ذلك بحسب البلاغة القرآنيّة، و كذا انسجام تتمّة الآية المذكورة و الآية التي تليها. فلا يمكن أن يكون عَوْدُها إلى {ءَايَاتِنَا}، ذلك أن «آيات» هي جمع مؤنّث مجازي، فلا يجوز أن يعود ضمير المفرد المذكّر الغائب إليها بحال من الأحوال. و أيضاً لا يُعقَل أن تكون مضافاً إليه بالنسبة إلى «نا»، إذ يجب أن يكون مرجع ضمير المذكّر الغائب إلى اسم الجنس للمذكّر الغائب، في حين أن الضمير «نا» هو ضمير جمع المتكلّم مع الغير.

  • و كذلك لا يمكن أن يعود إلى القرآن كما قال به البعض، و أوردوا دليلًا على ذلك، و هو الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة:

  • قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.

  • و ذلك أن هذه الآية، و إن تلاءمت مع الآيات الآفاقيّة الأخرى و انسجمت معها، إلّا أنّه لا بدّ من تفسيرها و تأويلها فيما يتعلّق بالآيات الأنفسيّة. و مضافاً إلى ما قيل، فإنّ هذه الآية لا تنسجم مع تتمّة الآية المذكورة و الآية التي تليها و لا تتلاءم معها.

  • و كذلك الحال في مسألة عَود الضمير إلى «رسول الله» إذ أن رسول الله ليس مذكوراً في سياق الكلام، اللهمّ إلّا باعتبار التوجيه، حيث يمكن أن يقال: لأنّ إنكار القرآن مُساوق مع إنكار نبوّة رسول الله، فقد اشير إليه هنا باعتباره «حقّ»، و هو مُساوقٌ مع ذِكر القرآن، فلا يخلو هكذا توجيه حتماً من التكلُّف.

معرفة الله ج۱

63
  • و لا ريب في أن الضمير المذكور لا يرجع لا إلى «الله» و لا إلى «التوحيد»، باعتبار أن نتيجة ما حصل من إنكار المشركين لرسول الله و للقرآن، هو إنكارهم وجود الله أو وحدانيّته، لأنّ هذا النوع من العَوْد يستلزم كذلك الاستعانة بالتأويل، و لا شكّ في أن تأويلًا كهذا يُخرجُ القرآن من حياض سلاسته و عذوبة بيانه.

  • إن ما ذكرناه هنا من تأويل الضمير و عَوده هو ما ارتكز عليه و أيّده إلى حدّ ما صاحب تفسير «مجمع البيان»: الشيخ الطبرسيّ و القاضي البيضاويّ و استاذنا الأكرم العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله أسرارهم جميعاً. مع أن العلّامة أورد وجهاً آخر أيضاً في هذا الصدد، و باعتقاد الحقير أنّه أقرب إلى الحقيقة، هذا في حين لفتتْ نظري مطالب في كثير من التفاسير الأخرى تدعو إلى الدهشة و الإعجاب.

  • فأمّا إرجاع الضمير إلى اللفظ المقدّر «مُرَي» فهو أقرب لسببينِ اثنين:

  • أوّلهما: أن إرجاع الضمير في مثل هذه الحالات شائع الاستعمال كثيراً عند العرب، و قد ورد مَثَلُهُ في القرآن الكريم كذلك: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى}‌.۱

  • فهنا نلاحظ أن الضمير «هُوَ» ليس له مرجع لفظيّ في الآية الشريفة، و لذا لزم إرجاعه حتماً إلى لفظٍ تقديريّ مُستَفاد من {اعْدِلُوا}، و هو فعل أمر للجمع المذكّر، و هذا اللفظ التقديريّ هو الـ «عدل».

  • و هنا وجب إرجاع الضمير إلى كلمة «عَدْل» و ذلك كما يتبيّن من جهة سياق و مفهوم الآية، لأنّنا حين نقول {اعْدِلوا} ثم نُتبِعها بقولنا: {هو أقربُ

    1. الآية ۸، من السورة ٥: المائدة.

معرفة الله ج۱

64
  • للتقوي}، ففي الحال يُفهَم من سياق الكلام و يتبادر إلى الأذهان أن «العَدلَ» المُشتَقّ من المصدر {اعْدِلُوا} هو الأقرب للتقوى من غيره.

  • ثانيهما: في الآية الشريفة التي هي مدار بحثنا هنا {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} يتبادر إلى ذهننا مباشرة من أن الشي‌ء «المُري» هو الحقّ. و هو عبارة عن لفظة «مُري»، اسم المفعول من الفعل «نُرِي»، بمعنى «ءَايَاتِنَا».

  • و يتوجّب علينا أن نعلم أن هاهنا تكمن مسألة عظيمة و شاهد أعظم على توحيد الله تعالى، و هي: أن الحقّ عبارة عن ءَايَاتِنَا (الآيات مضافة إلى الضمير «نا»)، و يُقصَدُ بها الآيات و الدلائل التي أقرّها الله في الآفاق و النفوس للدلالة على توحيده.

  • لا جَرَمَ أن جميع الموجودات، سوى الله سبحانه، هي آياته تعالى؛ سواء أ كانت تلك الآيات واقعة في العالَم الخارج عن نفوس بني آدم، أم تلك الحادثة في داخلها. لذا، فليس هناك أيّ وجود مستقلّ لأيّ من المخلوقات، بل هي في مجموعها آيات و مرايا و شواهد على سطوع جمال الذات المقدّسة للحقّ تعالى. و لأنّ هذه الآيات و المرايا لا تمتلك صفة الظهور بنفسها، بل هي كلّها مظاهر للّه سبحانه، لذا صار بالإمكان رؤية الله تعالى في كلّ واحدة من تلك الآيات. لأنّ الآية- بما هي آية- إنّما هي وسيلة لإظهار صاحبها (أي صاحب الآية)، و لا تُبدي أو تُظهر نفسها هي على الإطلاق. إنّها مرآة صافية خالية من أيّ لون أو صدأ، و عارية عن كلّ أنواع التموّج أو الخدوش. مرآةٌ تُري صورة الإنسان كما هي دون أيّة مغالطة أو تحريف. فإن تغيّر فيها أيّ شي‌ء أو تبدّل، فذلك لأنّها غير صافية و لا يمكنها أن تحاكي الواقع أو أن تكون ذات قيمة تُذكَر.

  • و على هذا فإنّ المرأة الصافية و الماء الرقراق الزلال و الهواء النقيّ في‌

معرفة الله ج۱

65
  • فضاء مُضاء تبدو الآيتيّة واضحة كلّ الوضوح خلالها لا يشوبها شي‌ء، و كأنّه لا وجود لا للمرآة و لا للماء و لا للهواء، بل أن كلّ ما هو موجود إنّما هو موجودات ماثلة أمام تلك المرأة و داخل ذلك الماء و مُشاهَد في ما وراء النور و الهواء.

  • كلّ ما موجود هو الله و لا وجود لشي‌ء غير الحقّ. جميع الآفاق و كلّ الأنفُس إنّما هي آيات، و لا وجود لشي‌ء أو موجود غير «نا» و «الله» و «الحقّ» في ما وراءها مطلقاً.

  • لا وجود لغير «الله» في عالَم الوجود. و كلّ ما سواه إنّما هو آية له لا أكثر. و هو وحده ذو الآية و صاحب العلّامة، هو كلُّ شي‌ء و لا شي‌ء سواه. و ذو الآية الذي هو الحقّ في هذه العبارة، هو نفسه الآفاق و الأنفس. فالآفاق و الأنفس هما حقّ إذن.

  • إن هذه الآية تُدَلِّل على أن حقيقة الآفاق و الأنفس هي وجود الحقّ تعالى، و أنّها لا تملك شيئيّة ما في حدّ ذاتها، لأنّها إنّما وُصِفتْ على أنّها آية و علامه، لا غير. و بالتالى فإنّ الحقّ تعالى عبارة عن واقع الآفاق و الأنفس و حقيقتها. أينما تُوَلِّ وجهك فثمَّ وجود الله، و إلى أيّ شي‌ء أرجعت بصرك ترى فيه الله. فما أكثر الأشياء، لكنّ الله واحد فرد صمد. فلا موجود في عالَم الوجود سوى الله. فالتعيُّنات و الإنّيّات و معها الماهيّات كلّ تلك امور عدميّة و باطلة، و الوجود المقدّس للحقّ تعالى واحد، حيث يتجلى في الآفاق و الأنفس و يظهر في كلّ جنبة من جنباتها.

  • إن كلمة {لَا إلَهَ إلَّا اللهُ} المباركة التي هي كلمة التوحيد و معنى التوحُّد و الوحدة، إنّما أصلها راجع إلى كلمة لَا مَوْجودَ سوى اللهِ التي تنفي كلّ نوع من أنواع التعيُّن عن ذات الحقّ تعالى، و تُجرّده منه.

  • و خير دليل و شاهد على هذا الكلام هو تتمّة الآية الشريفة:

معرفة الله ج۱

66
  • {أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ}.

  • أي أن الله سبحانه حاضر و ناظر و شاهد بوجوده في وجود جميع الموجودات الآفاقيّة و الأنفسيّة و كذلك في كلّ شي‌ءٍ يمكن أن تُطلَق عليه كلمة شي‌ء، لا بكونه موجوداً آخراً أو في مكانٍ آخر، و أن مُجَرّد عِلمه هو المحيط بالموجودات للتقدير فيها أو التحكُّم بها.

  • الله تعالى ظاهر في آيات الآفاق و الأنفس، لكنّ الناس يشكّون في لقائه‌

  • و أعجب من هذه التتمة هي الآية التي تليها:

  • {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ مُحِيطٌ}.

  • فما السبب في كون هذه الآية أعجب و أغرب؟ السبب في ذلك هو أن الله سبحانه يقول: أن الناس ليشكّون في لقاء الله ربّهم في حين أنّه موجود في الآفاق و الأنفس، و أن واقع الآفاق و الأنفس هو الله الذي برز من خلال الآيات و العلامات، و تجلّى فيها بوضوح. فلمّا كان الله سبحانه موجوداً في الآفاق و الأنفس و مشهوداً في كلّ جزء منها، و لمّا كان الله أوّل شي‌ء ينظر إليه الناس من خلال رؤيتهم لأيّ شي‌ء حولهم و لكلّ نفس من نفوسهم، فلِمَ، و الحال كذلك، يشكُّ الناس بوجود الله و يرتابون في أمره و لقائه، مع وضوح تلك الآيات و جلاء تلك الصور و العلامات؟!

  • ثمّ يقول سبحانه {إنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ مُحِيطٌ}، و هذا لا يعني الإحاطة العِلميّة الحضوريّة أو الحصوليّة، بل أن ما يعنيه هو الإحاطة الوجوديّة و إحاطة المَعيّة التي يتجلى فيها أوّلًا عبر وجوده مع كلّ آية و أيّة علامه في الآفاق و الأنفس و إحاطته بها، ثمّ تعيُّن تلك الآية و تشخُّصها ثانياً و بالعَرض و المجاز.

  • الله أوّلًا و من ثَمّ باقي الموجودات. هو السابق و ما دونه مسبوق مغلوب. هو القائم و ما دونه إنّما هو يتقوّم به. هو الظاهر و به تظهر الأشياء و تتجلّي.

معرفة الله ج۱

67
  • الله نور و ما دونه فهو مُنوَّرٌ بنوره. و لو كانت الأشياء قادرة على إظهار الله، لاستَبدلتْ مكانها بمكانه، و لأصبحت هي الإله، و لأصبح الله هو المخلوق، و لأصبحت الأشياء في سلسلة أعلى مراتب العلل، و لكان الله هو المعلول. لا يمكن للّه أن يتّكل على غيره، لا في أصل الخِلقة و لا في الظهور و الآيتيّة. لذا، فتعبير هو الحقّ يعني أنّه هو الموجود الأصيل عبر جميع مراتب الوجود، من أصل الوجود و من الظهور خلال مراتب الوجود.

  • و حيث علمنا أن الله سبحانه هو أصل النور و مبدأ الظهور و أصالة التحقُّق و الوجود في الآفاق و في الأنفس، لذا وجب أن نعلم: كيف يتسنّي للإنسان معرفة هكذا ربّ؟! فلو أراد الوصول إليه عن طريق معرفة غيره، لم يصحّ ذلك، لأنّ ما دون الله متعلِّق ظهوره بالله سبحانه، إذ الله هو المانح لظهوره فظهر كما يظهر، فكيف يكون بالإمكان إذن الوصول إلى الله، مع علمنا بأنّ الذي نروم معرفة الله عن طريقه إنّما هو ظاهر بظهور الله المُظهِر لذلك الشي‌ء؟!

  • إمكان معرفة الله تعالى بالله، لا بسواه‌

  • إن المصباح المضي‌ء في مسجد، مضي‌ء في نفسه و ذاته، و أمّا بقيّة الأشياء المضاءة في ذلك المسجد، فهي مضيئة بنور ذلك المصباح، لا بنورها هي بالذات. فنور المصباح ينتشر في ظُلمة المسجد، و الأشياء الموجودة في غياهب ذلك المكان تُضي‌ءُ و تُنير بضياء المصباح و نوره. فَلِكَيْ نري ذلك المصباح و نتعرّف عليه، يتوجّب علينا رؤيته هو بذاته و ليس نوره الساقط على الأشياء. لا يمكننا بحال من الأحوال رؤية المصباح نفسه من خلال نوره الساقط على الأرض و المنعكِس عن هذا الشي‌ء أو ذاك. يجب رؤية المصباح بنفسه، لا بالأشياء المظلمة المعتمة و المُنارَة بنوره و المستضيئة بضيائه.

معرفة الله ج۱

68
  • إن لهذه المسألة شأناً من الشؤون، إذ يجب معرفة الله عن طريق الله لا غير الله ممّن أساس وجوده و خِلقته و تسويته و حقيقته و ظهوره مأخوذ من الله و مبنيّ على وجوده.

  • و هنا تبرز مسألة أخرى إلى حيّز الوجود، و هي أنّه كيف يمكن معرفة الله بواسطة الله نفسه سبحانه؟ و ما العمل بشأن كلّ تلك الأخبار الدالّة على استحالة معرفة الإنسان للّه تعالى أو الوقوف على كُنه ذاته المقدّسة؟

  • لا سبيل إلى معرفة الله إلّا عن طريق آثار الله الدالّة عليه. و مع ذلك فإنّ تلك المعرفة لا يمكن أن تكون تفصيليّة، بل إجماليّة. الحقّ أن الأرض و السماء و الخُضرة و الماء و الموجودات من الذرّة حتى المجرّة، مروراً بالبرغوث و البقّة حتى الفيل، أقول كلّ تلك المخلوقات هي مشاهد تدلّ على وجود الله سبحانه. هي آيات و علامات تدلّ كلّ واحدة منها على وجود الله، كلٌّ حسب سعته الوجوديّة. القرآن نفسه يدعونا إلى تتبُّع تلك الآثار و الرجوع إليها كأصدق بيّنة على وجود الله.

  • و من هنا تتجلّي مصداقيّة الحِكمة القائلة تَفَكَّرُوا في آلَاءِ اللهِ؛ وَ لَا تَتَفَكَّرُوا في ذَاتِ اللهِ۱.

    1. يقول الشيخ نجم الدين الرازي في رسالة «عشق و عقل» ص ٥٣ و ٥٤، بعد بحثه حول الصالحين المحجوبين عن نور الله: «هذه الطائفة هي أصحاب الميمنة، و مشربهم يكون من عالم الأعمال، و يكون معادهم درجات جنّات النعيم؛ و مع ذلك فلا سبيل لهذه الطائفة إلى معرفة ذات الله و صفاته في الحقيقة، لأنّهم ما زالوا مقيّدين بآفة حُجُب الصفات الروحانيّة و النورانيّة؛ إذ أن لِلَّهِ‌[ تَعالَى‌] سَبْعينَ ألْفَ حِجابٍ مِنْ نورٍ وَ ظُلْمَةٍ. و قال في مكان آخر: حِجابُهُ النُّورُ، لَوْ كُشِفَتْ لأحْرَقَتْ سُبُحاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَي إليه بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ. و لذا قيل لهذه الطائفة: احذروا من خلط العقل بالعقال في مجال التفكّر في ذات الحقّ جلّ و عَلا، لأنّه ليس له حدّ؛ تَفَكَّرُوا في آلَاءِ اللهِ وَ لا تَتَفَكَّرُوا في ذَاتِ اللهِ».

معرفة الله ج۱

69
  • و من جهة أخرى علمنا أنّه لا يمكن معرفة الله سبحانه عن طريق الموجودات، إذ كما قلنا لا يمكن معرفة الله إلّا عن طريق الله نفسه. و قد وردت روايات كثيرة في هذا الباب في أن الإنسان باستطاعته معرفة الله بذاته.

  • كانَ أمير المؤمنين عليه السلام يخطب يوماً فسأله أحد الحاضرين قائلًا: يَا أمِيرَ المُؤْمِنينَ! هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟!

  • فأجاب عليه السلام: كَيْفَ أعْبُدُ رَبّاً لَمْ أرَهُ؟!

  • ثمّ أوضح عليه السلام ذلك بقوله:

  • لَا تَرَاهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ؛ وَ لَكِنْ تَرَاهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ.

  • و لدينا من الآيات القرآنيّة الشريفة ما يناهز العشرين آية أو أكثر و كلّها تدلّ على أن الناس سينالون شرف لقاء الله في يوم ما، دون ريب.

  • و بين هذه المجموعة من الأخبار و تلك وقع العلماء في أشدّ حيرة من أمرهم، قائلين: كيف يمكن حلّ مثل هذه المعضلة؟!

  • فنهج البعض منهجاً يقول بأنّ الأخبار التي دلّت على عدم إمكانيّة

معرفة الله ج۱

70
  • رؤية الله عزّ و جلّ و إدراكه و معرفته كلّها صحيحة؛ فإنّه لا سبيل لبني آدم إلى معرفة الله بأيّ شكل من الأشكال، سواء كانت تلك المعرفة إجماليّة أم تفصيليّة. فأين الخالق من المخلوق؟ أيْنَ التُّرابُ وَ رَبُّ الأرْبابِ!؟

  • أبيات الشبستريّ الرفيعة في عدم إمكان معرفة الله بغير الله عزّ و جلّ‌

  • سأل أمير حسين الهَرَويّ، عارف خراسان الكبير سنة ۷۱۷ للهجرة العالِمَ المعروف في شَبَستَر آنئذٍ و هو الشيخ محمود الشبستريّ، قائلًا:

  • كدامين فكر، ما را شرط راه است؟***چرا گه طاعت و گاهى گناه است؟۱
  • فأجابه الشيخ قائلًا:

  • در آلا فكر كردن شرط راهست‌***ولى در ذات حقّ محض گناه است‌
  • بود در ذات حقّ انديشه باطل‌***محال محض دان تحصيل حاصل‌
  • چو آيات است روشن گشته از ذات‌***نگردد ذات او روشن ز آيات‌
  • همه عالم ز نور اوست پيدا***كجا او گردد از عالم هويدا٢
    1. - يقول:
      «أيّ رأيٍ ألتَزِمْ أو مَنهَجٍ‌‌***أ فَأعصى مَرّةً ثُمَّ أتوب؟»
    2. يقول: «أن التفكير في الآلاء شرط للوصول إليها، لكنّ التفكير في ذات الحقّ إثم محض.إن التفكير في ذات الحقّ أمر باطل و هو أمر محال فاعلم ذلك.إن الآيات ظاهرة و جليّة بذاته و ليست ذاته جليّة بالآيات.فالعالم كلّه ظاهر بنوره، و لكن أنّي أن يظهر هو بواسطة هذا العالم».

معرفة الله ج۱

71
  • نگنجد نور ذات اندر مظاهر***كه سبحات جلالش هست قاهر
  • رها كن عقل را با عشق مى‌باش‌***كه تاب خور ندارد چشم خفّاش‌
  • در آن موضع كه نور حقّ دليل است‌***چه جاي گفتگوى جبرئيل است‌
  • فرشته گرچه دارد قرب درگاه‌***نگنجد در مقام لي مَعَ الله‌
  • چو نور او ملك را پر بسوزد***خرد را جمله پا و سر بسوزد
  • بود نور خرد در ذات انور***بسان چشم سر در چشمه خور
  • چو مُبصَر با بصر نزديك گردد***بصر از درك او تاريك گردد
  • سياهي گر ببيني نور ذات است‌***به تاريكي درون آب حيات است‌۱
    1. يقول: «لا يمكن أن تُحدّ نور ذاته بالمظاهر، لأنّ سُبُحات جلاله هي القاهرة.
      اهجر العقل و ذُب في العشق، فإنّ عيون الخفّاش لا طاقة لها برؤية نور الشمس.
      في ذلك الموضع الذي يكون نور الحقّ فيه هو الدليل لا مكان لحديث جبرئيل.
      فالمَلَك لا يمكنه أن يكون في مقام «لي مع الله» و إن كان قريباً من ساحته عزّ و جلّ.
      ذلك أن نوره يُحرق جناح المَلَك، و يُحرق العقل بتمامه.
      مَثَلُ بصيص النور في ذاته النيّرة كمَثَل العين الباصرة بالمقارنة مع المصبّ.
      فلو اقترب المُبصَر من البَصَر، لأظْلَمَ البَصَر و عجز عن دركه.
      فإن تحسب نور ذاته سواداً، فهذا السواد و تلك الظلمة يحويان ماء الحياة».

معرفة الله ج۱

72
  • سيه جز قابض نور بصر نيست‌***نظر بگذار كاين جاي نظر نيست‌
  • چه نسبت خاك را با عالم پاك‌***كه ادراك است عجز از درك ادراك‌
  • سيه روئي ز ممكن در دو عالم‌***جدا هرگز نشد و اللهُ أعلم‌
  • سوادُ الوجه في الدّارَين درويش‌***سواد اعظم آمد بي كم و بيش‌
  • چه مى‌گويم كه هست اين نكته باريك‌***شب روشن ميان روز تاريك۱
    1. يقول: «ليس السواد سوى قابض و خاطف لنور البصر، فافهم أن هذا ليس مكاناً للنظر.
      أين التراب من عالم الطهارة، فإنّ الإدراك هو العجز عن درك الإدراك.
      سواد الوجه ليس منفصلًا عن الممكن في كلا العالمَينِ، و الله اعلم.
      إن سواد الوجه في الدارين درويش، و قد جاء السواد الأعظم من غير زيادة أو نقصان.
      فما ذا نقول في مسألة دقيقة كهذه، فهي كالليل المُضي‌ء في نهار مُظلم».
      «گلشن راز» لنجم الدين محمود بن عبد الكريم الشبستريّ، ص ۱۱ إلى ۱٣، بخطّ عماد الأردبيليّ، منشورات مكتبة الأحمديّ، شيراز، ۱٣٣٣ هـ؛ و قد أورد آية الله العلّامة الكبير الحاجّ الشيخ آقا بزرگ الطهرانيّ قدّس الله سرّه في «الذريعة» ج ۱۸، ص ٢٢٦ و ٢٢۷ ما يلي:
      «۱٣۰: «گلشن راز»:
      قصيدة بالفارسيّة للشيخ العارف سعد الدين محمود الشبستريّ صاحب «مرآة المحقّقين» و الذي ذُكِر في «كشف الظنون» أن هذا الكتاب هو من كتب الشيعة، و قد ذكر له أربع شروحات. و هذه القصيدة هي جواب على سبعة عشر سؤالًا على شكل أبيات شعريّة و الذي بعث بها إليه من خراسان السيّد أمير حسين الهروي: خليفة بهاء الدين زكريّا-
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

73
  • ... ‌۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة) المَلتانيّ: خليفة شهاب الدين السهرورديّ. فأمّا السؤال الأوّل:
      ز اهل دانش و ارباب معنى‌***سؤالي دارم اندر باب معني‌
      يقول: «عندي سؤال لأهل العلم و أرباب المعنى في باب المعني».أوّلُ «گلشن راز»:
      بنام آنكه جان را فكرت آموخت‌***چراغ دل به نور جان برافروخت‌
      يقول: «باسم من علّم الروح التفكير، و أنار سراج القلب بنور الروح».و في ذلك قوله:
      نشان ناشناسى ناسپاسى است‌‌***شناسائىّ حقّ در خودشناسى است‌
      يقول: «أن الجحود علامه اللامعرفة (الجهل) و معرفة الحقّ هي في معرفة الذات».و في النهاية يذكر وجه تسمية ذلك إذ يقول:
      از آن گلشن گرفتم شمّه‌اى باز‌***نهادم نام او را «گلشن راز»
      يقول: «أخذتُ من الرياض قطفة و أسميتُها «گلشن راز» (= رياض الأسرار)».و ذكر تأريخه بقوله:
      گذشته هيفده از هفتصد سال‌‌***ز هجرت ناگهان در ماه شوّال‌
      يقول: «في شهر شوّال، سبعمائة و سبع عشرة مضين من الهجرة».و آخر بيت منه هو:
      بنام خويش كردم ختم پايان‌ ‌***الهي عاقبت «محمود» گردان
      يقول: «ختمتُ الكتاب باسمي، فاجعل اللهمّ عاقبتنا محمودة».و قد طُبع مع شرحه في «مفاتيح الإعجاز». و له شروح أخرى كذلك تزيد على أحد عشر شرحاً؛ منها تعليقات الخواجة عبد الرحيم الخلوتيّ.(علماء آذربايجان: ۱٤٢) و قد ذكر الميرزا حسن شفيع زاده الشبستريّ تلك الشروح في كتابه الكبير الذي ألّفه في ترجمة الشبستريّ.و قد تُرجِم «گلشن راز» إلى اللغة الألمانيّة سنة ۱٢٥٤ هـ (الموافق لسنة ۱۸٣۸ م). و كذلك تُرجِم شعراً إلى اللغة التركيّة، و نُظّم بالفارسيّة على شكل تخميسات. و قد شرح محمّد ابن محمود الدهدار بيتاً واحداً سمّاه «مرآة الحقائق»، و له شروحات أخرى لأبياته منفردة. و جدير بالذكر أن نُسَخ الكتاب الخطّيّة متوفّرة في الأسواق؛ و أمّا أقدم تلك النسخ، حسب علمي، فتوجد عند مهدي البيانيّ في طهران و يرجع تأريخها إلى سنة ۷٥٤ هـ، و (أدبيّات: ۱۰٩ د) بتأريخ النصف من رجب سنة ۸٣۰ هـ و (دانشگاه: ۱٩٣۰) ربيع الأوّل ۸٣٥ هـ و (مجلس: ٩٦٦) و الذي كُتب في سنة ۸٥۸ هـ-».

معرفة الله ج۱

74
  • اعتقاد العلماء عائد إلى طائفتين من أخبار رؤية الله تعالى‌

  • فلو قضي الإنسان سنيّ حياته بالجهدِ و الاجتهاد و التفكُّر و الاسترشاد، لما وصل إلى نتيجة ترضيه أو حِلٍّ يُغنيه، و دليل ذلك الأخبار المرويّة هنا. و أمّا الأخبار القائلة بأنّ الإنسان يري الله و تحصل لديه المعرفة به، فيجب حملها على المعنى المجازيّ. أيّ أن معنى رؤية الإنسان للّه تعالى هو أن يري نِعَمَهُ و مخلوقاته العينيّة و ملائكته و رضوانه و منازل الجنّة و الحُور و القصور في الجنّة، ليس إلّا.

  • في حين يعتقد البعض الآخر أن بالإمكان رؤية الله عزّ و جلّ، و يؤوِّلون الروايات القائلة بعدم القدرة على رؤية الله سبحانه على أنّها تريد بذلك عدم إمكانيّة رؤيته تعالى بالعين الإنسانيّة الموجودة في رأس الإنسان، و لم تقل بعدم إمكانيّة ذلك بعين القلب؛ و تريد بذلك عدم إمكانيّة رؤيته تعالى بالباصرة و لم تُصرّح أن ذلك غير ممكن بالبصيرة، و على هذا فتلك الأخبار مفهومة القصد.

  • إن الإنسان يري الله بحقائق الإيمان، و هذا ممّا تدلّ عليه الآيات القرآنيّة، بل الحقّ أنّها تُصَرِّح بذلك دون لبس و لا مجال للاعتقاد بكونها مجازيّة. و لِمَ يتكلّم الله بالمجاز؟ هل اغلِقَتْ طرق الصراحة و الحقيقة أمامه حتى يذكر في أكثر من عشرين مكاناً في القرآن الكريم لقاءه و التأكيد على ذلك؟ و هل هدفه من كلّ تلك الآيات هو التقاء أنواع مختلفة

معرفة الله ج۱

75
  • من التفاح و الكُمّثرى و العنب و الرُّطَب و الحُور العين و الغلمان‌ {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ}؟!

  • إذن، و الحال هذه، علينا أن نُؤوِّلَ الأخبار التي تؤكّد على عدم إمكانيّة رؤية الله عزّ و جلّ على أنّها نتيجة لدرجات المعرفة غير التامّة، مقارنة بإمكانيّة رؤيته تعالى، بل إمكانيّة حدوث ذلك و تحقُّقه في الخارج. تلك المعرفة أو المعارف الجزئيّة التي تحدث للناس كالمعرفة الحاصلة بالذات و الحقيقة عن طريق شبح أو صورة حسب تصوّرهم، فيريدون بذلك التوصّل إلى كيفيّة و كمّيّة الله عزّ و جلّ و شكله و صفاته، حيث يجعلون كلّ ذلك بمثابة آية للّه ذي الآية.

  • إنّنا نجد أنفسنا مضطرّين لبيان مقدّمة هنا إذا شئنا الفصل بين هاتين المجموعتين، مستعينين بحول الله و قوّته. و مع كون هذه المقدّمة بمثابة قانون علميّ و قاعدة حِكَميّة و فلسفيّة، إلّا أنّنا سنسعي جاهدين في بيانها بصورة مبسّطة حتى يكون بالإمكان فهمها:

  • حتّي يكون بإمكان أيّ موجود الحصول على معرفة كافية و عِلم شامل عن موجود آخر، يتوجّب وجود شي‌ء من ذلك الموجود (الثاني) في هذا الموجود (الأوّل). إنّنا نري الكثير من الموجودات في العالَم من حولنا، منها الإنسان، و الحيوان على مختلف صوره و أشكاله و آثاره و خواصّه، فالبقر و الغنم و الإبل و الطير و البطّ، كلّ هذه تختلف عن بعضها البعض.

  • و هناك الشجر و الحجر و الماء. و هي كلّها موجودات كثيرة مختلفة، و الكثرة تستلزم ذلك الإختلاف و التنوع الموجود فيما بينها.

  • فالشجرة كيان منفصل عن الحيوان، لأنّها تختلف و تتميّز عنه، و إلّا لكانَ الاثنان شيئاً واحداً. و زيد غير عمرو، و الوالد ليس بالولد. فلو كانا

معرفة الله ج۱

76
  • متشابهين تماماً في جميع الجهات لما كانا اثنين بل كانا واحداً. و هذه المقدّمة مفهومة و لا تحتاج إلى نقاش.

  • و الآن، و بعد أن علمنا أن في هذا العالَم و هذه الدنيا كلّ تلك الكثرات، كيف يمكن لشي‌ء ما أن يتوصّل إلى معرفة شي‌ء آخر و العلم به؟! فمثلًا، كيف يعلم الخروف بوجود بقرة هاهنا، و يتوصّل الجَمَل إلى العلم بأنّ الحصان حيوان لا عداوة له معه؟ و يفهم الثعلب أن الأسد عدوّ لدود له، و يدرك الخروف أيضاً أن الذئب عدوّه و قاتله، و هكذا الحال مع جميع أصناف الحيوانات؟

  • إن الإنسان يعرف الكثير من الموجودات، فهو يعرف الشجرة و الحيوان و الأفراد من أنواع جنسه، مع أن تلك الأشياء منفصلة عن الإنسان مختلفة عنه في كثير من النواحي، و هو أمر بديهيّ و معروف، إلّا أن الإنسان يعلم بها و يتعرّف عليها بهذه البساطة. فكيف تسنّي له ذلك؟

  • لقد توصّل الحكماء الأفاضل إلى إنشاء قانون مفاده:

  • قاعدة: لا يعرف شي‌ء شيئاً إلّا بما هو فيه منه‌

  • لَا يَعْرِفُ شَيْ‌ءٌ شَيْئاً إلَّا بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْهُ.

  • فحين أعلَمُ بوجود حيوان، كالخروف مثلًا، فما مقدار ما أستطيع الحصول عليه من المعرفة بهذا الخروف؟! بنفس الكمّ الموجود من الخروف في ذاتي شخصيّاً. فما الموجود من الخروف في ذاتي؟ هل هي الحيوانيّة، أم الإحساس؟ هل هي الحركة بالإرادة، أم الجسميّة أم الجوهريّة؟ أم هل هي الآثار و الخواصّ و لوازمها (كالقوّة المغذّية أو النامية أو الدافعة أو المُوَلِّدة و غير ذلك) و إدراك الجزئيّات؟ ربّما كان ذلك الحسّ المشترك و معرفة الصديق و العدوّ (بما يتناسب و حصول المنفعة و اجتناب الضرر)؟ كلّ تلك الامور هي خواصّ و علائم مشتركة موزّعة بين شخصي و بين الخروف بالسويّة، و قد استفاد كلٌّ منّا مشتركاً من تلك الخواصّ‌

معرفة الله ج۱

77
  • و العلائم.

  • و على الرغم من ذلك، فلا سبيل أمامي على الإطلاق للعِلم بالخروف من خلال الخصائص و المميّزات التي تفصلني عنه و تميّزني منه. لأنّه، و على افتراض حصولي على علم بالخروف، سواء كان ذلك العلم في «ما به الاشتراك» معه أم في «مابه‌الامتياز الامتياز» عَنه، فعلى أساس تلك الفرضيّة، وجب أن أكون أنا الخروف عينه و الخروف هو عيني، و هذا ما يدعي بالخُلف.۱

  • إن العلم بأيّ موجود و الاطّلاع عليه من قِبَل موجود آخر و التعرّف عليه يتأتّي من طريق معرفة الخواصّ المشتركة فيما بين هذين الموجودين و ليس من الامتيازات بينهما، فطريق العلم و العرفان مفتوح فقط في بيان المشتركات (أو الخواصّ المشتركة)، في حين أن الطريق نفسه مسدود عند البحث في المتميّزات، و إلّا كنّا جميعاً متشابهين، و لتشابهت كلّ الموجودات كذلك مع بعضها البعض. اي لو كان المجال (مجال العلم و المعرفة) مفتوحاً للبحث في جميع الجزئيّات و الكثرات، لأصبحت كلّ الموجودات بالضرورة موجوداً واحداً. و لكان الحصان و البقر و الجمل و الخروف و الطيور و الزواحف و الحيوانات البحريّة و الجوامد و النباتات و قبائل الجِنّ و الملائكة، موجوداً واحداً لا اختلاف يُذكَر بينها، فتزول بذلك الأسماء عن المسمّيات و تدعي كلّها باسم واحد.

  • و الآن، وجب أن نسأل أنفسنا نحن الذين نريد التعرّف على الله عزّ و جلّ، مَن هو الله الذي نروم التعرّف عليه؟! أين الله عزّ و جلّ و أين نحن؟ فنحن مخلوقون و هو الخالق، و نحن مرزوقون و هو الرازق، و نحن معلومون و هو العالِم، و نحن مقدور علينا و هو القادر، و نحن محكومون‌

    1. اي ما يُستَدلُّ فيه بامتناع أحَد النَّقيضَيْنِ على تَحَقُّق الآخر.(م)

معرفة الله ج۱

78
  • و هو الحاكم، و نحن مملوكون و هو المالك، و هكذا دواليك.

  • قابليّة الإنسان في الخلقة لا متناهية

  • الله عزّ و جلّ هو خالقنا، و هو الذي وهب لنا الجسد و الفكر و العقل، و منحنا الروح و النفس، و تلك كلّها مجرّد مظاهر من لدن الله. و الله ظاهر في ذاته عزّ و جلّ، و هو الذي فرض لنا الظهور و وهبنا إيّاه، لكنّ هذا الظهور إنّما هو ظهور مستند إلى ظهوره هو عزّ و جلّ.

  • ما مقدار القوّة و الاستطاعة التي نملكها حتى نعرف الله بواسطتها؟! أن ذلك المقدار هو مقدار وجود الله سبحانه في ذواتنا. و ما هو المقدار الموجود من ذات الله عزّ و جلّ فينا؟! ما المقدار من ظهور الله؟! ما المقدار من علم الله؟! ما المقدار من قدرة الله؟! و أخيراً، و ليس آخراً، ما المقدار من حياة الله؟!

  • لقد خلقنا الله عزّ و جلّ‌ {أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‌}۱ و أودع فينا من جميع الأسماء الحسنى و الصفات العليا، و جعل أنفسنا من الهيولي (أي قابليّة محضة لأيّة فعليّة متصوّرة في طريق التقدّم و الكمال و التخلُّق بأسمائه و صفاته). و لم يجعل لنا حدّاً و لا حدوداً من جهة الاستعداد و القدرة على التقدّم و التكامل و الارتقاء في سُلّم اليقين و الوصول إلى العرفان و التوحيد و الفَناء في ذات الله المقدّسة و الرُّسوِّ عند صفاته الحسنى. فكما أنّه عزّ و جلّ غير متناهٍ ذاتاً و وجوداً و فعليّة في ذاته و أسمائه و صفاته و أفعاله، فقد جعلنا نحن كذلك لا متناهين قابليّة و إيجاداً و استعداداً.

  • و على هذا، فبإمكاننا التقدّم إلى قمّة درجات صفاته و أسمائه من جهة الإمكان و الاستعداد، و بإمكاننا أيضاً التخلُّق بجميع ذلك كلّه. أمّا من حيث الفعليّة و تحقّق تلك القابليّة و تمركزها حول الحياة و الصفات و الأفعال، فإنّ‌

    1. مقتبس من الآية ٤، من السورة ٩٥: التين: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ}.

معرفة الله ج۱

79
  • ذلك منوط بالحركة و الجهاد مع النفس و سلوك الطريق الواصل إلى الله سبحانه.

  • فإذا ابتعدنا في مسيرنا عن جلاله و نأيْنا بأنفسنا عن مسلكه، و خُضنا في هوي النفس الأمّارة بالسوء، و أعْتَمتِ الطبيعة و الكثرة أبصارنا، و أغشَت أدْنَي العَوَالِم نواظرنا، و لم نُعِر أهمّيّة تُذكَر لنور الوجود و البساطة في الإطلاق و التجرُّد، و صار جلُّ سعينا هو الإستمرار في السّير في طريق الابتعاد و العزلة، ففي هذه الحالة علينا أن نعترف أنّنا لم نعرف الله إلّا النزر اليسير، و أنّنا هدرنا قابليّاتنا و إمكاناتنا تحت شعار الجهل و الحماقة و الكسل، لأنّنا، و مع الأسف، لم ننتفع من وجود الآصرة بيننا و بين خالقنا على الوجه الصحيح.

  • و أمّا إذا صعد البشر سُلّماً أفضل، و رقي فيه درجة أعلى، و أبصر العالَم ببصيرته من زاوية أوسع، و جهد في إصلاح نفسه مُخلّصاً إيّاها من الكثرات و الموجودات المختلفة و المتفرّقة و المتشتّة و المتبدّلة، فيكون بذلك قد عرف الله عزَّ و جلّ بنفس ذلك المقدار، لأنّ الله العليّ الأعلى مثله كمَثَل الشمس الساطعة في كبد السماء التي تُضي‌ء العوالم كلّها، و لو أطرقنا برءوسنا إلى الأسفل و أرخينا عيوننا إلى الأرض، فإنّنا لن نري إلّا نور تلك الشمس في هذا الرفّ أو ذاك، أو في هذا البستان أو ذاك. و أمّا إذا رفعنا رؤوسنا قليلًا إلى الأعلى و تخلّلت أبصارنا الغيوم و اخترقت ركام السحاب، فلا ريب في أنّنا سنري قدراً أكبر من نور الشمس لم نكن لنراه و نحن مطرقي الرءوس، و سنبصر الافق بقعة منيرة و مكاناً ساطعاً بسبب ذلك النور. و لو عرجنا من هناك إلى مرتبة أعلى فسيكون بإمكاننا مشاهدة قرص الشمس المتوهِّج المُشِعِّ بنوره على وجه الأرض. و لو حالفنا الحظُّ و قدرنا على الصعود أكثر فأكثر فإنّنا سنري بعض الكريّات التي تُدعي‌

معرفة الله ج۱

80
  • بالكواكب و السيّارات في منظومتنا الشمسيّة. و إن استمرّينا في العلوّ حتى اقتربنا من قرص الشمس فإنّنا سنطّلع على خصوصيّات أكثر لها كلّما سنحتْ لنا الفرصة من الاقتراب نحوها أكثر.

  • كذلك الحال مع الإنسان، فلأنّه موجود يعكس كلّ الصفات الجماليّة و الجلاليّة الربّانيّة، و هو أيضاً يمثّل الظهور التامّ و المظهر الأتمّ للّه عزّ و جلّ، فهو يمتلك قابليّة المرونة و المسير معاً. لكن، ما هي قابليّة مرونته و ما هو مسيره؟ هي تجاوزه للموجودات الباعثة على التفرّق و الفرقة، للهواجس النفسانيّة الباطلة التي تحيط بعقيدته، للخيالات و الأحلام المُمَوَّهة و الأفكار المُشوَّهة التي تذهب به بعيداً عن عالم القرب، فليست قابليّة المرونة إلّا مجموع ذلك، و لا شي‌ء غيرها.

  • يتحتّم على الإنسان أن يترفّع بمنزلته و ينأي بها عن ما يقتاته الحيوان في زريبته، و يأنف عن الناسوت و المادّة و يتنزّه عن أصالة الطبيعة. عليه أن لا يعير كلّ ذلك اهتماماً استقلاليّاً أو أهمّيّة كبيرة، و أن يتوجّه نحو عالم الملكوت و يوجّه فطرته إلى الوجهة الربّانيّة و ملكوتها، و أن يذوب و ينصهر فيها، و أن يصرخ بأعلى صوته:

  • {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.۱

    1. هذه الفقرة من الدعاء هي من ضمن الأدعية السبعة في التكبيرات الافتتاحيّة في الصلاة و التي ذكرها آية الله السيّد محمّد كاظم اليزديّ أعلى الله مقامه في كتاب «العروة الوثقي» في باب الصلاة، فصل (تكبيرة الإحرام)، و هو دعاء مأثور عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام، مقتبس من آيتين من اي القرآن الكريم، الاولي: الآية ۷٩، من السورة ٦: الأنعام، و هي قوله تعالى حكاية عن قول إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. و الثانية الآيتين ۱٦٢ و ۱٦٣، من نفس السورة، هي قوله تعالى خطاباً للنبيّ الأكرم يأمره أن يقول للمشركين: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.

معرفة الله ج۱

81
  • فحينئذٍ، و كلّما كانت وجهة القلب تزداد ميلاناً إلى هذا النحو، سيقترب أكثر من عالَم القدس الذي هو عالَم الطهارة و التجرّد و النقاء و القدس، و سيزداد اتّصافاً بالصفات الإلهيّة، حتى يوفَّق بعد ذلك إلى لقاء حقيقيّ بربّه فيصبح حقّاً و واقعاً من العارفين بالله عزّ و جلّ. و هو لن يُوَفَّق للّقاء بخالقه و حسب، بل و كذلك سيتخلّق بأخلاق الحقّ تعالى بكلّ وجوده من قمّة رأسه حتى أخمص قَدَمَيْهِ.

  • إمكان معرفة الله التامّة و لقائه الحقيقيّ من قبل المقرّبين إلى ساحته‌

  • أن الذين يقولون: «لا يمكن للإنسان الوصول إلى معرفة الله سبحانه و لقائه، و هو عاجز عن الوصول إلى ذلك المقام المنيع و تلك الذروة الرفيعة و لا حتى إيجاد السبيل إلى ذلك، فإنّ هذه المقولة ستصحّ ما دام بقي من وجوده و كيانه شي‌ء يذكر، فهذا الوجود هو مخلوق، و المخلوق هو ما امتلك حالة التعيّن، فلا يمكنه، و الحال هذه، إيجاد سبيل ليصل به إلى الخالق الذي يفتقد التعيّن و اللامتناهي. ليس بمقدور الإنسان معرفة الله بوساطة الفكر و التفكير و لا حتى بطريق الإدراك، ذلك أن الفكر و التفكير محدودان بينما الله سبحانه لا حدّ له. فكلّما حاول الإنسان جهده الإحاطة بالله بالتفكّر و القدرة العقليّة كان ذلك له محالًا، ذلك لأنّ صورة تفكيره، و هو ذهنه، هي صورة تخيّليّة من صُنعِه و صنيعته هو، فأين ذلك من الله عزّ و جلّ؟

معرفة الله ج۱

82
  • لذا، فإنّ الأخبار الدالّة على أن الإنسان عاجز عن معرفة الله تستند كلّها بالأساس إلى هذا المعني. و أمّا الأخبار القائلة بإمكانيّة تشّرف الإنسان بلقاء ربّه و حصوله على معرفة تامّة به، فهي لا تستدلّ بإمكانيّة هذا الوصول و ذلك اللقاء عن طريق الفكر و التفكير، بل عن طريق الوجدان و الإحساس في القلب. أيّ كأنّهم يقولون: اجتز حاجز الفكر و تخطَّ حدود العقل، ثمّ اخلع عنك النَّفْسَ و ترفّع عن القلب كذلك، ثمّ صِلْ إلى مرحلة لا ترى فيها وجوداً لذرّة من كيانك و لا تجد فيها ما كان منك فيما سبق، و حينئذٍ، تلاشَ!

  • فلا وجود هناك لفكر أو عقلٍ أو نفس أو روح أو وجود بالمرّة. فليس هناك مجال لالتئام الفكرة أو تَجَسُّد الشعور أو الإدراك. ليس هناك من موجود يُذكَر. هناك، حيث يوجد الله و حسب! و الله يعرف نفسه و يعلم ما فيها. في تلك اللحظة فقط يستطيع الإنسان أن يعرف الله، تلك اللحظة التي لم يعد فيها ذلك الإنسان إنساناً، لم يعد يدرك معنى لوجوده مقابل ذات الله عزّ و جلّ. فمتى برزتْ ذرّة من الوجود لم يعد لنور الله وجود في مقابل ذلك.

  • فهذا العالَم هو عالم المقرّبين الذي تجرّدوا من كلّ شي‌ء، و لا مُقام لأيّ شي‌ء آخر بينهم، اي أنّه لا وجود لهم. فهم لا يملكون وجوداً، لكنهم أحياء بحياة الله، و في الوقت نفسه فهم موتي من حياتهم. و هم لا يملكون شيئاً يتباهون فيه أمام وجود الله. هناك يوجد الله، و الله فحسب. هؤلاء قد اجتازوا مراتب الكثرات، و عبروا حدود التعيّنات، و خلعوا عن أنفسهم الحُجُب و أزالوا عنها الستار، و هم بالتالى قد جاوزوا حُجُب الظُّلمات و حُجُب النور.

  • لقاء النبيّ لله تعالى ليلة المعراج، و إيحاء الله إليه‌

  • و لقد اجتاز الرسول الأعظم كلًّا من كثرات عالَم الطبع و عالَم البرزخ‌

معرفة الله ج۱

83
  • و عالَم العقل- كلًّا حسب ما يناسبه-، هذا من جهة، و من جهة أخرى فقد اجتاز منزلة نفس الملك- التي تمتلك التعيّن و الحدّ كذلك- حتى وصل إلى مقام «قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَي» حيث لا يوجد شي‌ء سوى الله وحده!

  • {... وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى‌ ، ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ‌ (ذراعين) أَوْ أَدْنى ‌، فَأَوْحى‌ إِلى‌ عَبْدِهِ ما أَوْحى ‌، ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‌ ، أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‌ ما يَرى‌ ، وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ‌، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى ‌، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى ‌، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى‌ ، ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‌ ، لَقَدْ رَأى‌ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى‌ ، أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى ، وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى‌ (التي هي نماذج مؤنّثة من الملائكة السماويّين و واسطة لنزول فيض الله تعالى إلى الأرض)، {أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى‌ ، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى}‌ (أن يكون للّه قوى انفعاليّة و يكون لكم قوي فعليّة)، {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ ما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى}‌ (القرآن و الرسالة).۱

  • لقد كان المراد من‌ {شَدِيدُ الْقُوى‌} هو الله صاحب المقام الأقدس، كما في قوله تعالى: أن‌ {اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‌}.٢

  • و أمّا القول بأنّ المراد من ذلك هو جبرائيل فمستفاد من الآية المباركة: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}‌٣، و على هذا الأساس فالمقصود

    1. الآيات ۷ إلى ٢٣، من السورة ٥٣: النجم. و قبلها: {وَ النَّجْمِ إذَا هَوَى} (أي هوي للغروب)، {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} (أي رسولنا) {وَ مَا غَوَى ، وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الهوى ، أن هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَي ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى}.
    2. الآية ٥۸، من السورة ٥۱: الذاريات.
    3. الآية ٢۰، من السورة ۸۱: التكوير.

معرفة الله ج۱

84
  • بـ {شَديدُ القُوى} هو جبرائيل، و أن الضمائر المذكورة في الآيات: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ‌، وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى‌ ، ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى}، كلّها تعود إليه أيضاً. و كذا الحال مع ضمير المفعول في الآية الشريفة {وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}‌ حيث يعود إلى المَلاك جبرئيل.

  • و أمّا الضمير في‌ {فَأَوْحى‌ إِلى‌ عَبْدِهِ‌} مَا أوْحَي فيعود بالتأكيد إلى الله عزّ و جلّ، و المراد بـ {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}‌ فهو رؤية فؤاد رسول الله حقيقة الوحي مشافهة و رؤية و لقاء الله سبحانه كذلك.

  • و أيّاً كان القول فإنّ ممّا لا شكّ فيه أن هذه الآيات تدلّ كلّها على أنّها اوحيَت من قبل البارئ عزّ و جلّ إلى رسوله الكريم، و أن صيغتها بهذا الشكل إنّما هي دليل على أنّها اوحيت بطريق المشافهة الذي يتطلّب الحضور و الالتقاء حتماً.

  • كلّ ما في الأمر، أن الألقاب و الصفات الخاصّة بجبرئيل المذكورة في الحالة الاولى قد زُحزِحَتْ و وُضِعَت جانباً في الحالة التالية، ليأتي دَوْر تلقين الوحي و التدلّي و الدُّنوّ من مَقام العزّة و الحقّ تعالى، و رؤية ذلك الجلال الإلهيّ، فإنّ الدنوّ و الاقتراب و الرؤية في الحالة الجديدة كلّها تعود إلى الله عزّ و جلّ حيث عاين رسول الله كلّ ذلك ليلة عُرِج به إلى العُلى، و رأي الله و زاره بقلبه و بصيرته في تلك الليلة المباركة.

  • و لقد وردت أبحاث مفصّلة في التفاسير المختلفة حول لقاء و زيارة ليلة المعراج.

  • فسماحة استاذنا الأكرم العلّامة آية الله الطباطبائيّ قدّس الله تربته المنيفة يقول: «و ما أوردناه من الآيات هي الفصل الأوّل من فصول السورة الثلاثة و هي الآيات اللاتي تصدق الوحي إلى النبيّ صلى الله عليه و آله و تصفه، لكن هناك روايات مستفيضة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام‌

معرفة الله ج۱

85
  • ناصّة على أن المراد بالآيات ليس بيان صفة كلّ وحي، بل بيان وحي المشافهة الذي أوحاه الله سبحانه إلى نبيّه صلى الله عليه و آله ليلة المعراج.

  • فالآيات متضمّنة لقصّة المعراج و ظاهر الآيات لا يخلو من تأييد لهذه الروايات و هو المستفاد أيضاً من أقوال بعض الصحابة كابن عبّاس و أنس و سعيد الخدريّ و غيرهم على ما روي عنهم و على ذلك جري كلام المفسّرين و إن اشتدّ الخلاف بينهم في تفسير مفرداتها و جملها».۱

  • و على هامش الآية الشريفة {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}‌- يقول العلّامة قدّس الله روحه:

  • «و ليس في الآية ما يدلّ على أن متعلّق الرؤية هو الله سبحانه و أنّه لمرئي له صلى الله عليه و آله، بل المرئيّ هو الافق الأعلى و الدنوّ و التدلّي و أنّه اوحي إليه، فهذه هي المذكورة في الآيات السابقة و هي آيات له تعالى، و يؤيّد ذلك ما ذكره تعالى في النزلة الأخرى من قوله:

  • {ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‌ ، لَقَدْ رَأى‌ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}‌.

  • آيات سورة النجم دالّة على رؤية النبيّ لله تعالى في المعراج‌

  • على أنّها لو دلّت على تعلّق الرؤية به تعالى لم يكن به بأس فإنّها رؤية القلب و رؤية القلب غير رؤية البصر الحسّيّة التي تتعلّق بالأجسام و يستحيل تعلّقها به تعالى و قد قدّمنا كلاماً في رؤية القلب في تفسير سورة الأعراف، الآية ۱٤٣».٢

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ۱٩، ص ٢٦.
    2. «المصدر السابق»، ص ٢٩.
      يقول المؤلّف الفقير: ورد في كتاب «نفائس الفنون» ج ٢۷، ص ٦۸ و ٦٩:
      «الفصل الحادي العشر، في بيان الوصول:
      اعلم أن الوصول إلى حضرة البارئ عزّ و جلّ ليس من قبيل وصول الجسم إلى الجسم، أو وصول العرض إلى الجسم، أو العلم إلى المعلوم، أو العقل إلى المعقول؛ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
      و كذلك ليست مسألة الوصول إلى حضرته هي بفعل العبد، بل هي لطف دون علّة و تصرّف الجذبات الالوهيّة. أ لم تَرَ إلى موسى و قد قال، و هو يسعى إلى رؤية الرؤية: {ربّي أرِنِي أنظُرُ إلَيْكَ}، فقال: {لَن تَرَانِي}! لكنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم، و بحكم {سُبْحَانَ الذي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} ارْكِبَ البُراق و عُرج به (إلي السماء) مجتازاً قاب قوسين حتى وصل مقام أو أدْنى، و البِسَ كلّ لباس محمّديّ بحكم ما كانَ محمّد أبا أحدٍ من رجالِكُم و بُعِثَ رحمةً و تشرّف بالخطاب القائل و ما أرسلناك إلّا رَحْمَةً للعالَمين. فكلّ من لم يستطع أن يحلّق ببراق القدرة من حضيض البشريّة إلى سدرة منتهي الروحانيّة فليعرّج على حضرته و يقدّم له الولاء و الطاعة، لأنّ من وصل إليه فقد وصل إلينا؛ {من يُطِعْ الرسول فقد أطاعَ الله} إلى آخر البيان الذي أورده في هذا الفصل.

معرفة الله ج۱

86
  • و قال رحمة الله عليه في تعليقه على الآية الشريفة {وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}‌:

  • «و قد قالوا: أن ضمير الفاعل المستكن في قوله رَءَاهُ للنبيّ صلى الله عليه و آله، و ضمير المفعول لجبرئيل، و على هذا فالنزلة نزول جبرئيل ليعرج به إلى السماوات، و قوله:

  • {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى}‌ ظرف للرؤية لا للنزلة، و المراد برؤيته رؤيته و هو في صورته الأصليّة.

  • و المعني: أنّه نزل عليه صلى الله عليه و آله نزلة أخرى و عُرِج به إلى السماوات و تراءي له صلى الله عليه و آله عند سدرة المنتهى و هو في صورته الأصليّة.

  • و قد ظهر ممّا تقدّم صحّة إرجاع ضمير المفعول إليه تعالى و المراد بالرؤية رؤية القلب و المراد بـ: {نَزْلَةً أُخْرى}‌ نزلة النبيّ عند سدرة المنتهى في عروجه إلى السماوات، فالمفاد أنّه نزل نزلة أخرى أثناء معراجه عند

معرفة الله ج۱

87
  • سدرة المنتهى فرآه بقلبه كما رآه في النزلة الاولي».۱

  • و تعليقاً على الآية {ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى}‌ قال قدّس الله سرّه:

  • «الزَّيْغُ الميل عن الاستقامة، و الطغيان تجاوز الحدّ في العمل، و زَيْغُ البَصَرِ إدراكه المبصر على غير ما هو عليه، و طغيانه إدراكه ما لا حقيقة له، و المراد بالبصر بصر النبيّ.

  • و المعني: أنّه صلى الله عليه و آله لم يبصر ما أبصره على غير صفته الحقيقيّة و لا أبصر ما لا حقيقة له، بل أبصر غير خاطئ في إبصاره.

  • و المراد بالإبصار رؤيته صلى الله عليه و آله بقلبه لا بجارحة العين، فإنّ المراد بهذا الإبصار ما يعنيه بقوله‌: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}‌ المشير إلى مماثلة هذه الرؤية لرؤية النزلة الاولى التي يشير إليها بقوله: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‌ ، أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‌ ما يَرى}‌. فافهم و لا تغفل».

  • و علّق رحمة الله عليه على الآية الشريفة {لَقَدْ رَأى‌ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}‌ بقوله:

  • مِنْ للتبعيض، و المعني: أقسم لقد شاهد بعض الآيات الكبرى لربّه، و بذلك تمّ مشاهدة ربّه بقلبه، فإنّ مشاهدته تعالى بالقلب إنّما هي بمشاهدة آياته بما هي آياته، فإنّ الآية بما هي آية لا تحكي إلّا ذا الآية و لا تحكي عن نفسه شيئاً و إلّا لم تكن من تلك الجهة آية.

  • و أمّا مشاهدة ذاته المتعالية من غير توسّط آية و تخلّل حجاب فمن المستحيل ذلك، قال تعالى:

  • {وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}. (الآية ۱۱۰، من السورة ٢۰: طه).٢

    1. «الميزان» ج ۱٩، ص ٣۱.
    2. «المصدر السابق»، ص ٣٢.

معرفة الله ج۱

88
  • الروايات الواردة في رؤية النبيّ لله عزّ و جلّ في المعراج‌

  • و قد أورد العلّامة في بحث روائيّ: و في «تفسير القمّيّ» بإسناده إلى ابن سِنان في حديث قال أبو عبد الله عليه السلام:

  • وَ ذَلِكَ أنَّهُ- يَعْنِي النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ- أقْرَبُ الخَلْقِ إلَى اللهِ تعالى، وَ كَانَ بِالمَكَانِ الذي قَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ لَمَّا اسْرِيَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ: تَقَدَّمْ يَا مُحَمَّدُ! فَقَدْ وَ طَأتَ مَوْطِئاً لَمْ يَطَأهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيّ مُرْسَلٌ. و لَوْ لَا أن رُوحَهُ و نَفْسَهُ كَانَ مِنْ ذَلِكَ المَكَانِ لَمَا قَدَرَ أن يَبْلُغَهُ.

  • وَ كَانَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَمَا قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ: {قَابَ قَوْسَيْنِ (أي ذراعين) أوْ أدْنَي}؛ أيْ: بَلْ أدْنَى.

  • و في «المجمع» و روي مرفوعاً عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله في قوله: {فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ}‌، قال: قدر ذراعين أو أدنى من ذراعين.

  • و في «التوحيد» بإسناده إلى محمّد بن الفضيل قال: سَألْتُ أبَا الحَسَنِ عليه السلام: هَلْ رَأي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَبَّهُ عَزّ وَ جَلَّ؟!

  • فَقَالَ: نَعَمْ! بِقَلْبِهِ رَآهُ؛ أ مَا سَمِعْتَ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}؟ لَمْ يَرَهُ بِالبَصَرِ وَ لَكِنْ رَآهُ بِالفُؤَادِ.۱

  • و في «الدرّ المنثور» أخرج عبد بن حَميد و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن محمّد بن كعب القَرْظيّ، عن بعض أصحاب النّبيّ صلى الله عليه [و آله‌] و سلّم قال:

    1. روي في «اصول الكافي» ج ۱، ص ٩۸، في باب إبطال الرؤية، الحديث ۸، عن محمّد بن يحيي و غيره، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال:
      قالَ رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: لَمَّا اسْريَ بِي إلى السَّمَاءِ، بَلَغَ بِي جَبْرَئيلُ مَكَاناً لَمْ يَطَأهُ قَطُّ جَبْرَئيلُ. فَكُشِفَ لَهُ؛ فَأرَاهُ اللهُ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أحَبَّ.

معرفة الله ج۱

89
  • قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟

  • قَالَ: لَمْ أرَهُ بِعَيْنِي؛ وَ رَأيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ تَلَا: {ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى}.

  • قال العلّامة قدّس سرّه:

  • «أقول: و روي هذا المعنى النسائيّ عن أبي ذرّ- على ما في «الدرّ المنثور»- و لفظه رَأي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ، وَ لَمْ يَرَهُ بِبَصَرِهِ.

  • و عن «صحيح مسلم» و الترمذيّ و ابن مردويه، عن أبي ذرّ قال: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ: هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟! فَقَالَ: نُورَانِيّ أرَاهُ‌۱.

  • أقول: «نُورَانِيٌّ» منسوب إلى النور على خلاف القياس، كجسمانيّ في النسبة إلى جسم. و قرئ «نُورٌ إنِّي أرَاهُ» بتنوين الراء و كسر الهمزة و تشديد النون ثمّ ياء المتكلِّم، و الظاهر أنّه تصحيف و إن ايِّد برواية أخرى عن مسلم في صحيحه، و ابن مردويه عن أبي ذرّ أنّه سأل رسول الله صلى الله عليه [و آله‌] و سلّم: هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟!

  • فقال: رَأيْتُ نُوراً!

  • و كيف كان فالمراد بالرؤية رؤية القلب، فلا الرؤية رؤية حسّيّة

    1. روي في «اصول الكافي» ج ۱، ص ٩۸، باب إبطال الرؤية، الحديث ۷، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حُمَيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
      ذاكَرْتُ أبَا عبد الله عليه السلام فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ؛ فَقالَ: الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءً مِنْ نُورِ الكُرْسيّ، وَ الكُرْسيّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءً مِنْ نُورِ العَرْشِ، وَ العَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءً مِنْ نورِ الحِجابِ، وَ الحِجابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعينَ جُزْءً مِنْ نُورِ السِّتْرِ؛ فَإنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلْيَمْلَؤُوا أعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ!

معرفة الله ج۱

90
  • و لا النور نور حسّيّ.

  • و في «الكافي» بإسناده عن صفوان بن يحيي قال: سألني أبو قرّة المحدّث أن ادخِله إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام. فاستأذنته في ذلك، فأذِنَ لي فدخل عليه فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام. إلى قوله: أبو قرّة، فإنّه يقول: {وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى}‌.

  • فقال أبو الحسن عليه السلام: أن بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا رَأى؛ حَيْثُ قَالَ: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‌}. يَقُولُ: مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَأتْ عَيْنَاهُ.

  • ثُمَّ أخْبَرَ بِمَا رَأى فَقَالَ: {لَقَدْ رَأى‌ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى‌}؛ و آيات الله غير الله.

  • أقول: الظاهر أن كلامه عليه السلام مسوق لإلزام أبي قُرّة، حيث كان يريد إثبات رؤيته تعالى بالعين الحسّيّة فألزمه بأنّ الرؤية إنّما تعلّقت بالآيات، و آيات الله غير الله، و لا ينافي ذلك كون رؤية الآيات بما هي آياته تمثّل رؤيته تعالى و إن كانت آياته غيره، و هذه الرؤية إنّما كانت بالقلب كما مرّت عدّة من الروايات في هذا المعنى.

  • و جاء في «تفسير القمّيّ» بإسناده إلى إسماعيل الجعفيّ عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر عليه السلام في حديث طويل:

  • فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ إلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، تَخَلَّفَ عَنْهُ جَبْرَئِيلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: في هَذَا المَوْضِعِ تَخْذُلُنِي؟!

  • فَقَالَ: تَقَدَّمْ أمَامَكَ! فَوَ اللهِ لَقَدْ بَلَغْتَ مَبْلَغاً لَمْ يَبْلُغْهُ أحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ قَبْلَكَ! فَرَأيْتُ مِنْ نُورِ رَبِّي، وَ حَالَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ السُّبْحَةُ۱.

    1. سُبحَةُ الله: جَلالُه، ج: سُبَح. و سُبُحاتُ وَجهِ الله: أنوارُه، أو ما يُسبَّح به من دلائلِ عظمتِه.

معرفة الله ج۱

91
  • قُلْتُ: وَ مَا السُّبْحَةُ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟! فَأوْمَى بِوَجْهِهِ إلَى الأرْضِ وَ أوْمَأ بِيَدِهِ إلَى السَّمَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ: جَلَالُ رَبِّي! جَلَالُ رَبِّي! ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

  • أقول: السُّبحة الجلال كما فسّر في الرواية، و السبحة ما يدلّ على تنزّهه تعالى من خَلْقه و مرجعه إلى المعنى الأوّل، و محصّل ذيل الرواية أنّه صلى الله عليه و آله رأى ربّه برؤية آياته».۱

  • و أمّا القاضي البيضاويّ فقد قال في تفسير الآية الشريفة {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى}‌:

  • «ما رأى ببصره من صورة جبرائيل عليه السلام أو الله تعالى، اي ما كذب بصره بما حكاه له، فإنّ الامور القدسيّة تُدرَك أوّلًا بالقلب ثمّ تنتقل منه إلى البصر.

  • أو ما قال فؤاده لمّا رآه: لم أعرفك؛ و لو قال ذلك كان كاذباً، لأنّه عرفه بقلبه كما رآه ببصره، أو ما رآه بقلبه، و المعنى أنّه لم يكن تخيّلًا كاذباً. و يدلّ على ذلك «أنّه عليه الصلاة و السلام سئل: هَلْ رَأيْتَ رَبَّكَ؟! فقال: رَأيْتُهُ بِفُؤَادِي‌!».٢

  • و قال في تفسيره‌ {عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى}«التي ينتهي إليها أعمال الخلائق و علمهم، أو ما ينزل من فوقها و يصعد من تحتها، و لعلّها شُبّهت بالسدرة و هي «شجرة النَّبْق» لأنّهم يجتمعون في ظلّها، و روي مرفوعاً أنّها في السماء السابعة».٣

    1. «الميزان» ج ۱٩، ص ٣٤ إلى ٣٦.
    2. «تفسير البيضاويّ» ج ٢، ص ٤۷٢ و ٤۷٣، طبعة دار الطبع العامرة.
    3. «المصدر السابق»، ص ٤۷٣ و ٤۷٤.

معرفة الله ج۱

92
  • و قال في تفسير {أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى}‌: «إنكار لقولهم الملائكة بنات الله، و هذه الأصنام استوطنها جنّيّات هنّ بناته، أو هياكل الملائكة و هو المفعول الثاني لقوله: {أ فَرَأَيْتُمُ}.۱

  • كلام جبرئيل: لَوْ دَنَوْتُ أنْمُلَةً لَاحْتَرَقْتُ‌

  • و قد شاهدنا في تفسير «علي بن إبراهيم» عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام قوله: فَلمّا انتَهى بهِ إلى سِدرةِ المُنتَهى، تَخَلّفَ عَنهُ جَبْرَئِيلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: في هَذَا المَوْضِعِ تَخذُلُني؟!

  • فقال: تقدّم أمامك! فو الله لقد بلغت مبلغاً لم يبلغه أحد من خلق الله قبلك!

  • و قد ورد في كثير من كتب العرفان أن جبرائيل قال: لَوْ دَنَوْتُ أنْمُلَةً لَاحْتَرَقْتُ.

  • و ذكر الشيخ نجم الدين الرازيّ هذا الحديث في «مرصاد العباد» في أربعة أماكن‌٢، و في رسالة «عشق و عقل» (= الحبّ و العقل) في ثلاثة أماكن‌٣. و قال المعلِّق على هذه الرسالة: «لقد جاء ذِكر هذا الحديث متواصلًا في «مرصاد العباد» و «احاديث مثنوي (= أحاديث المثنويّ). و لم نجده في «مجمع البحرين» و «المعجم المفهرس» في حاشية موادّ: دَنا و دَنَوْتُ و أنْمُلَة، و حَرَقَ‌٤. و هذا المضمون ينسب إلى جبرئيل عليه السلام و أنّه قاله للرسول صلى الله عليه و آله ليلة المعراج. و ورد ذكر هذا الكلام و معناه في أشعار الكثير من العرفاء خاصّة، و من جملتهم (سعدي) في‌

    1. «تفسير البيضاويّ» ج ٢، ص ٤۷٣ و ٤۷٤.
    2. «مرصاد العباد» ۱٢۰ و ۱٢۱، ۱۸٤، ٣۷۸، ٣۸۱، رقم ٣۸٩، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب.
    3. رسالة «عشق و عقل» ص ۱۱۸، رقم ٢٥۸، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب.
    4. وردت هذه الرواية في «بحار الأنوار»، ج ۱۸، ص ٣۸٢، نقلًا عن «المناقب».

معرفة الله ج۱

93
  • ديوانه «بوستان» حيث يقول:

  • اگر ذرّه‌اى موى برتر پرم‌***فروغ تجلّى بسوزد پرم۱
    1. يقول: «لو اقتربتُ قيد أنملة- يا صاح- لأحرق نور الله جسمي و الجناح».جاء في «كلّيّات سعدي»، محمّد على فروغى، «بوستان» ص ٤ إلى ٦، في مدح النبيّ صلى الله عليه و آله الأبيات التالية:
      كريم السجايا جميل الشيم‌***نبيّ البرايا شفيع الامم‌
      امام رسل پيشواى سبيل‌‌***امين خدا مهبط جبرئيل‌
      شفيع الورى خواجة بعث و نشر‌***إمام الهدى صدر ديوان حشر
      كليمى كه چرخ فلك طور اوست‌‌***همه نورها پرتو نور اوست‌
      شفيعٌ مُطاعٌ نبى كريم‌‌***قسيمٌ جسيمٌ نسيمٌ وسيم‌
      يتيمى كه ناكرده قرآن درست‌‌***كتبخانه چند ملّت بشست‌
      چو عزمش بر آهيخت شمشير بيم‌‌***به معجز ميان قمر زد دو نيم‌
      چو صيتش در افواه دنيا فتاد‌***تزلزل در ايوان كسرى فتاد
      به لا قامت لات بشكست خُرد‌***به إعزاز دين آب عُزّى ببرد
      نه از لات و عُزّى برآورد گرد‌***كه تورات و انجيل منسوخ كرد
      شبى بر نشست از فلك بر گذشت‌‌***به تمكين و جاه از ملك درگذشت‌
      چنان گرم در تيه قربت براند‌***كه بر سدره جبريل ازو باز ماند
      بدو گفت سالار بيت الحرام‌‌***كه اى حامل وحى برتر خرام‌
      چو در دوستى مخلصم يافتي‌‌***عنانم ز صحبت چرا تافتى؟
      بگفتا فراتر مجالم نماند‌***بماندم كه نيروى بالم نماند
      اگر يك سر موى برتر پرم‌‌***فروغ تجلّى بسوزد پرم‌
      يقول: «كريم السجايا جميل الشيم، نبيّ البرايا شفيع الامم.إمام الرسل و سيّد السبيل، أمين الله و مهبط جبرئيل.شفيع الورى و البعث و النشر، إمام الهدى صدر ديوان الحشر.كليم تدور حوله الأفلاك، كلّ النور منك تبارك علاك.(تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

94
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)شفيع مطاع، نبيّ كريم، قسيم جسيم، نسيم وسيم.يتيمٌ (امّيّ) لم يؤلِّف القرآن (من تلقاء نفسه)، فاقت علومه كلّ ما في مكتبات العالم.فلمّا عزم شقّ القمر نصفين بسيفه.و لمّا ذاع صيته في الدنيا انشقّ من ذلك إيوان كسرى.و كُسّرت اللات قطعاً صغيرة و عزّ دينه و ذهب ماء وجه العُزّى.فلم يبق من اللات و العُزّى أثراً و قد نسخ من قبل التوراة و الإنجيل.فأمسك بالجاه و المُلك بين ليلةٍ و ضُحاها.و قد عَرَجَ في فضاء القُرب بمَضاء فوصل إلى السدرة التي مُنِعَ عنها جبرئيلفقال له حامي البيت الحرام: يا حامل الوحي، قد كنتُ مخلصاً في صداقتي معك فلِمَ تركتَ العنان و أبيتَ صُحبتي؟قال: لا أستطيع الدنوّ أكثر من هذا لأنّ جناحي لا يقوى على التحليق لأبعد من ذلك.فلو اقتربتُ قيد أنملة لأحرقَ نور تجلّيه تعالى جناحي».إلى أن قال:
      خدايا به حقّ بنى فاطمه‌‌***كه بر قولم ايمان كنم خاتمه‌
      اگر دعوتم ردّ كنى ور قبول‌‌***من و دست و دامان آل رسول‌
      چه كم گردد اى صدر فرخنده پى‌‌***ز قدر رفيعت بدرگاه حيّ‌
      كه باشند مشتى گدايان خيل‌‌***به مهمان دار السّلامت طفيل‌
      خدايت ثنا گفت و تبجيل كرد‌***زمين بوس قدر تو جبريل كرد
      بلند آسمان پيش قدرت خجل‌‌***تو مخلوق و آدم هنوز آب و گل‌
      تو اصل وجود آمدى از نخست‌‌***دگر هر چه موجود شد فرع تست‌
      ندانم كدامين سخن گويمت‌‌***كه والاترى ز آنچه من گويمت‌
      ترا عزّ لَوْلاكَ تمكين بس است‌‌***ثناى تو طه و يس بس است‌
      چه وصفت كند سعدى ناتمام‌‌***عليك السّلام اى نبى السّلام‌
      يقول: «إلهي بحقّ بني فاطمة اجعل إيماني بهم هو الخاتمة(تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

95
  • ...۱

  • و قال الشيخ نجم الدين الرازيّ: «كان جبرئيل و ميكائيل بازينِ صيّادَينِ في مُتصيّد ملكوت الله عزّ و جلّ يصطادان طيور التقديس و التنزيه‌ {وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ}. فلمّا استحالت التوبة إلى صفات الجمال و طمحا ببصرهما إلى مواطن الصمديّة و الجلال استحالا مقصوصَي الجناح و تركا الصيد في تلك البقاع البراح، فقالا: لَوْ دَنَوْتُ أنْمُلَةً لَاحْتَرَقْتُ.

  • مرغ كآنجا پريد پر بنهاد***ديو كآنجا رسيد سر بنهاد٢
  • و قيل لهم: لقد اصطدنا صيّاداً في مُتَصَيَّد الأزل بشباك «يُحِبُّهُمْ» و سنأتي به إلى هذا المُتصيَّد: إنِّي جَاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً، حتى يُريكم كيف يَتصيَّد. شعر:

  • در بحر عميق غوطه خواهم خوردن‌***يا غرقه شدن يا گهرى آوردن‌٣
    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      فسواءٌ قَبِلتَ دعوتي أم رفضتها فإنّي ممسك بجلابيب الرسول و آل بيته.
      لن يقلّل من عظمة منزلتك و مكانتك الرفيعة عند الحيّ تعالى.
      إذا دَعَوْتَ جمع الفقراء إلى ضيافة دار السلامة.
      لقد أثنى عليك ربّك و بجّلك و قبّل جبريل تراب مقدمك.
      لقد طأطأت السماوات العلي لقدرك و منزلتك و قد خُلِقتَ و لمّا يزل آدم طيناً و ماءً.
      أنت أصل الوجود كنت الأوّل، و ما وُجِدَ بعدك كان فرعاً منك.
      لا أعرف بأيّ كلام أخاطبك، فإنّك أرفع شأناً من كلّ ما أقول.
      يكفيك (عزّ لولاك) من عزّ و رفعة. يكفيك ثناءً (طه) و (يس).
      فمهما وصفك سعدي لن يكون كافياً عليك السلام يا نبيّ السلام».
    2. يقول: «لمّا طار الطائر إلى هناك طوى جناحيه، و حيث وصل العفريت هناك أحنى رأسه».
      يقول: «سأغوص في البحر العميق، فإمّا أن أغرق أو أفوز بجوهرة».

معرفة الله ج۱

96
  • كار تو مخاطره‌ست خواهم كردن‌***يا سرخ كنم روى ز تو يا گردن‌۱
  • فقالوا بأجمعهم: لا جَرَمَ إذا سبقنا هذا الصياد، في ميدان السباق بصولجان المعنى، و عمل ما لا نستطيع نحن عمله، و صاد ما لم نتمكّن جميعاً اصطياده، فإنّنا سنقوم مَقامَ خَدَمِهِ، و سنسرُّ للسجود بقلوبنا و أرواحنا أمامه...»٢- إلى آخر عباراته اللطيفة من ذلك المقال.

  • نعم، فهذا كلّه يشير بالبنان إلى المقام الأوحد و المنزلة الجامعة لرسول الله صلى الله عليه و آله و أصحابه الحقيقيّين، حيث لم يتمكّن جبرئيل من أن ينال ذلك المقام أو أن يحرز تلك المنزلة و يظفر بمراده، فأخذ يقول: لَوْ دَنَوْتُ أنْمُلَةً لَاحْتَرَقْتُ. و قد روي عن نبيّ الله أنّه قال:

  • "لِي مَعَ اللهِ وَقْتٌ لَا يَسَعُنِي فِيهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيّ مُرْسَلٌ"٣. 

    1. يقول: «أن ما أفعله إزاءك هو مخاطرة، فإمّا أن يحمرّ وجهي (سروراً) أو تحمرّ رقبتي (بالقتل).».
    2. «مرصاد العباد» ص ٣۸۱ و ٣۸٢.
    3. و تدلّ الفقرات التالية من زيارة الجامعة الكبيرة على هذا المقام:
      "فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ أشْرَفَ مَحَلِّ المُكَرَّمينَ وَ أعْلَى مَنازِلِ المُقَرَّبِينَ وَ أرْفَعَ دَرَجَاتِ المُرْسَلِينَ، حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ لَاحِقٌ وَ لَا يَفوقُهُ فَائِقٌ وَ لَا يَسْبِقُهُ سَابِقٌ وَ لَا يَطْمَعُ في إدْرَاكِهِ طَامِعٌ، حتى لَا يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيّ مُرْسَلٌ وَ لَا صِدِّيقٌ وَ لَا شَهِيدٌ وَ لَا عالِمٌ وَ لَا جَاهِلٌ وَ لَا دَنِيّ وَ لَا فاضِلٌ وَ لَا مُؤْمِنٌ صَالِحٌ وَ لَا فَاجِرٌ طَالِحٌ وَ لَا جَبَّارٌ عَنيدٌ وَ لَا شَيْطَانٌ مَرِيدٌ وَ لَا خَلْقٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَهِيدٌ إلَّا عَرَّفَهُمْ جَلَالَةَ أمْرِكُمْ وَ عِظَمَ خَطَرِكُمْ وَ كِبَرَ شَأنِكُمْ وَ تَمَامَ نُورِكُمْ وَ صِدْقَ مَقاعِدِكُمْ وَ ثَبَاتَ مَقامِكُمْ وَ شَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَ مَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ وَ كَرَامَتِكُمْ عَلَيْهِ وَ خاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ وَ قُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ".
      تعتبر هذه الزيارة من الزيارات المهمّة، التي وردت في «مفاتيح الجنان» ص ٥٤٤ إلى ٥٥۰، الطبعة الإسلاميّة، ۱٣۷٩ هجريّة، و قد رُويت عن الشيخ الصدوق في «الفقيه» 
      (...تابع الهامش في الصفحة التالية)

معرفة الله ج۱

97
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)و «العيون» عن موسى بن عبد الله النخعيّ.أشعار حكيم نظامي الكنجويّ في معراج الرسول الأعظمجاء ذكر معراج الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و عدم استطاعة الملائكة التقدّم معه و مرافقته إلى العُلى و ذلك في مواضع عِدّة من كتاب «كلّيّات ديوان حكيم نظامى گنجوى» طبعة أمير كبير، من جملة ذلك ما ذُكِر في «مخزن الأسرار» الذي يبدأ بالبيت التالي:
      بسم الله الرحمن الرحيم‌***هست كليد در گنج حكيم‌
      يقول: «بسم الله الرحمن الرحيم؛ ذلك مفتاح كنز الحكيم».و يقول في ص ۱۸:
      همسفرانش سپر انداختند***بال شكستند و پر انداختند
      او به تحيّر چو غريبان راه‌***حلقه زنان بر در آن بارگاه‌
      پرده‌نشينان كه درش داشتند***هودج او يك تنه بگذاشتند
      رفت بدان راه كه همره نبود***اين قدمش ز آن قدم آگه نبود
      هر كه جز او بر در آن راز ماند***او هم از آميزش خود باز ماند
      يقول: «توقّف مرافقوه عن مرافقته و كُسرت أجنحتهم و أصبح ريشهم منفوشاً.فارتسمت عليه حيرة الغرباء و أحاطت به من كلّ جانب.فحطّوا هودجه و تركوه وحيداً.فتابع الطريق دون صاحب أو رفيق، يُقدّم قدماً و يؤخّر أخرى.و تحيّر كلّ من سواه في هذا السرّ و حيل بينه و بينهم».و جاء «في خسرو و شيرين» ص ٤۱۰:
      چو بيرون رفت از آن ميدان خضرا***ركاب افشاند از صحرا به صحرا
      بدان پرندگى طاووس اخضر***فكند از سرعتش هم بال و هم پر
      چو جبريل از ركابش باز پس گشت‌***عنان بر زد ز ميكائيل بگذشت‌
      سرافيل آمد و بر پر نشاندش‌***به هودج خانة رفرف رساندش‌
      ز رفرف بر رف طوبى علم زد***وز آنجا بر سر سدره قدم زد
      جريده بر جريده نقش مى‌خواند***بيابان در بيابان رخش ميراند
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

98
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة التالية)
      چو بنوشت آسمان را فرش بر فرش‌***به استقبالش آمد تارك عرش
      ‌فرس بيرون جهاند از كلّ كونين‌***علم زد بر سرير قابَ قَوسَين
      قِدم برقع ز روى خويش برداشت‌***حجاب كائنات از پيش برداشت
      جهت را جعد بر جبهت شكستند***مكان را نيز برقع باز بستند
      محمّد در مكان بى مكاني‌***پديد آمد نشان بى نشانى‌
      كلام سرمدى بى نقل بشنيد***خداوند جهان را بى‌جهت ديد
      يقول: «فخرج من ذلك المكان قاطعاً الصحاري.حتّى تناثر جناح الطاوس الأخضر و ريشه من سرعة انطلاقه.و لمّا تخلّف جبريل عن مرافقته واصل هو مسيره تاركاً و راءه حتى ميكائيل.ثمّ أجْلَسَهُ إسرافيل على بساطٍ من ريش و أوصله إلى هودج الديباج.فارتقى من الهودج إلى مشارف طوبى و من هناك خطا نحو السدرة.و طالعَ كلّ صُحُفِ (أسرار الخَليقة) بعد أن طوى البراري بجواده الخَيفَق السريع.و زُيّنتْ السماء بالفُرُش و السجّاد و لاحت له كُنُف البيت.قد انطلق بفرسه قاطعاً الكونَينِ و أناخَ بِرَحْلِه عند قاب قوسين.رفع عن مُحَيّاه البرقع و أزال حجاب الكائنات من أمامه.ازيلت من أمامه كلّ الموانع و اسْدِل الستار خلفه.فدخل محمّد صلى الله عليه و آله إلى مكانٍ ليس كأيّ مكان و محلٍّ ليس له عنوان.و سمِعَ كلاماً سرمديّاً و رأى ربّ العالمين دون واسطة».و يقول في كتاب «ليلى و مجنون» ص ٤٣٤:
      بر طرّه هفت بام عالم‌***نه طاس گذاشتى نه پرچم‌
      هم پرچم چرخ را گسستى‌***هم طاسك ماه را شكستى‌
      طاووس پران چرخ اخضر***هم بال فكنده با تو هم پر
      جبريل ز همرهيت مانده‌***الله معك ز دور خوانده‌
      ميكائيلت نشانده بر سر***و آورده به خواجه تاج ديگر
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

99
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      اسرافيلت فتاده در پاي‌***هم نيم رهت بمانده بر جاي
      رفرف كه شده رفيق راهت‌***برده به سرير سدره گاهت
      ‌چون از سر سدره بر گذشتى‌***اوراق حدوث در نوشتى
      رفتى ز بساط هفت فرشي‌***تا طارم تنگبار عرشي
      سبّوح زنان عرش پايه‌***از نور تو عرش كرده سايه
      از حجلة عرش بر پريدى‌***هفتاد حجاب را دريدي
      تنها شدى از گرانى رخت‌***هم تاج گذاشتى و هم تخت
      بازار جهت به هم شكستى‌***از زحمت تحت و فوق رستى
      خرگاه برون زدى ز كونين‌***در خيمة خاص قاب قوسين
      هم حضرت ذوالجلال ديدي‌***هم سرّ كلام حقّ شنيدى
      از غايت وهم و غور ادراك‌***هم ديدن و هم شنودن پاك
      در خواستى آنچه بود كامت‌***در خواسته خاص شد به نامت
      يقول: «لم تترك عزّاً و لا بيرقاً في العوالم السبعة.لقد أزلت عَلَم الفَلَك و شققتَ قرص القمر.و تناثر ريش و أجنحة طواويس الأفلاك.و تخلّف جبريل عن مرافقته مودّعاً إيّاه على البعد قائلًا: الله معك.فأجلسه ميكائيل على رأسه و ألبسه تاجاً آخر.و توقّف إسرافيل كذلك و لم يستطع من مرافقته.فكان الديباج رفيقه في رحلته و الذي أوصل إلى سدرة المنتهى.و لمّا اجتزت سدرة المنتهى كتبت الأقدار على الأوراق.و اجتزت البساط السباعيّ الفُرُش حتى وصلت مشارف العرش.فسبّح المسبّحون عند قوائم العرش و قد أصبح للعرش ظلًّا من نورك.و طِرتَ من عند العرش مجتازاً سبعين حجاباً.و كنت الوحيد الذي لا يُضاهى لِما لَبِستَ من حُللْ و تُوجتَ و وُضعت على العرش.(تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

100
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة التالية)و سُدْتَ كلّ شي‌ء و ارتحت من العناء و الكلل.و خيّمتَ خارج الكونَينِ في خيمةِ قاب قوسين.و رأيتَ ذات ذي الجلال و سمعت سرّ كلام الحقّ.و تطهّر بصرك و سمعك من كلّ وهم أو إدراك.و نُلتَ كلّ ما اشتهيت، فخُتِمَ باسمك ما قد تمنيّت».و جاء في ديوان «هفت پيكر» ص ٦۰٦ و ٦۰۷. يقول فيه:
      هم رفيقش ز تركتاز افتاد***هم براقش ز پويه باز افتاد
      منزل آنجا رساند كز دوري‌***ديد در جبرئيل دستوري‌
      سر برون زد ز مهد ميكائيل‌***به رصد گاه صور إسرافيل‌
      گشت از آن تخت نيز رخت گراي‌***رفرف و سدره هر دو مانده به جاي‌
      همرهان را به نيمه ره بگذاشت‌***راه درياى بيخودى (بيرهي) برداشت‌
      قطره بر قطره ز آن محيط گذشت‌***قُطر بر قُطر هر چه بود نوشت‌
      چون در آمد به ساق عرش فراز***نردبان ساخت از كمند نياز
      سر برون زد ز عرش نوراني‌***در خطر گاه سرّ سبحاني‌
      حيرتش چون خطر پذيرى كرد***رحمت آمد لگام گيرى كرد
      قاب قوسين او در آن اثنا***از دنا رفت سوى أو أدنى‌
      چون حجاب هزار نور دريد***ديده در نور بى حجاب رسيد
      گامى از بود خود فراتر شد***تا خدا ديدنش ميسّر شد
      ديد معبود خويش را به درست‌***ديده از هر چه ديده (غير) بشست‌
      يقول: «و لقد عجز صاحبه عن اللحاق به و كَبا بُراقه أيضاً.و وَصل إلى منزل تخلّف عنه فيه جبريل.ثمّ أوصله ميكائيل إلى مقرّ إسرافيل.و البِسَ كذلك حُلّة من ذلك العرش و بقي الهودج و السدرة على حالهما.و ترك أصحابه في منتصف الطريق، و راح يقطع الطريق بدون دليل.(تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

101
  • ...۱

  • و في هذا المَقام يقول الشيخ نجم الدين أيضاً:

  • «... و أمّا آدم، فهو بيضة عنقاء جبل العِزّة. و تلك العنقاء هي لي خليفة و لكم سلطان، فـ{اسْجُدُوا لِآدَمَ‌} عند قدمَيْه و لا تقولوا {أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} ناظرين بعين الحقارة إليه، {إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} فيه. فاغتنموا الفرصة ما دام في البيضة و اسجدوا له، فإنّه لو خرج من البيضة فسيكون تحليقه إلى حيث عالَم لي‌ مَعَ اللهِ وَقْتٌ لَا يَسَعُنِي فِيهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ‌ [وَ لَا نَبِيّ مُرْسَلٌ‌]، فلن تبقى لكم إلّا الحسرة، و ستأخذكم العَبرة و الحيرة و تكثرون من قول لَوْ دَنَوْتُ أنْمُلَةً لَاحْتَرَقْتُ، و يكون كلامكم في كلّ وقت:

  • آن مرغكِ من كه بود زرّين بالش‌***آيا كه كجا پريد و چون شد حالش‌
  • از دست زمانه خاك بر سر باشم‌***پرواز چرا نكردم از دنبالش (خ ل)٢
    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      قاطعاً المحيطات مدوّناً ما كان في كلّ إقليم و ناحية.
      صانعاً له من حبل الدعاء سلّماً إليه (العرش).
      و ظهر من نواحي العرش النورانيّ في حرم السرّ السبحانيّ.
      فلمّا بدت عليه الحيرة تداركته الرحمة و أمسكت بلجام براقه.
      فتحوّل حاله عند قاب قوسين، من منزلة (دنا) إلى منزلة (أو أدنى).
      فلمّا زال حجاب الألف نور أصبح و دخل مرحلة النور بدون حجاب.
      ارتقى منزلة راقية تيسّر له فيها رؤية الله.
      فرأى معبوده عياناً، بحيث لم ترى عينه غيره»
    2. ٢ يقول: «أين طائر السعد الذي خلّى و طار، أين ذاك الطائر إلامَ صار؟
      يا ويلتاه سأظلّ العمر كلّه نادماً لعدم لحاقي به». 
      (تابع الهامش في الفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

102
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)رسالة «عشق و عقل» ص ۸٤؛ و يقول المعلّق على الرسالة في ص ۱۱٩ ما قوله: «حديث معروف يعتمده الصوفيّة و يستندون إليه».و قال مؤلّف «اللؤلؤ المرصوع» في ص ٦٦، في ذيل هذا الحديث: «يَذْكُرُهُ الصُّوفِيَّةُ كَثِيراً وَ لَمْ أرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَ فِيهِ إيمَاءٌ إلى مَقَامِ الاسْتِغْرَاقِ بِاللِّقَاءِ المُعَبَّرِ عَنْهُ بِالمَحْوِ وَ الفَنَاءِ».و يشير مولانا إلى مضمون هذا الحديث بقوله:
      لي مع الله وقت بود آن دم مرا***لا يسع فيه نبيّ مجتبي‌
      لا يسع فينا نبيّ مرسلٌ‌***و المَلَك و الرّوح أيضًا فاعقلوا
      يقول: «كان لي مع الله وقتٌ لم يكن لنبيّ مجتبي ما كان لي فيه».(نقلًا عن «أحاديث مثنوي» ص ٣٩، تدوين بديع الزمان فروزانفر).و قال الشيخ نجم الدين كذلك في كتاب «مرصاد العباد» ص ۱٣٤ و ۱٣٥: «... و إذا التقيتَ بالحقّ تعالى فستكون ظلًّا له، و أن اولئك الحائرين التائهين الذين أرادوا الهروب من الحقّ هم في الحقيقة لا مهرب لهم من دولته و سطوته، {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطَاعَ اللهَ} *** و متى ظَلَمْتَ نفسك فاهرب منها و ادخل ظلّ الحقّ تعالى، لي مَعَ اللهِ وَقْتٌ لَا يَسَعُنِي فِيهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيّ مُرْسَلٌ. شعر:
      چون سايه دويدم ز پيش روزى چند***وز ساية او به ساية او خرسند
      امروز چو آفتاب معلومم شد***كو سايه بر اين كار نخواهد افكند
      يقول: «قبل أيّام هربت كالظلّ، فخرجتُ من ظلِّه و دخلتُ ظلَّه راضياً.فلمّا تبيّنت الشمس لي اليوم علمتُ أنّها لن تظلّل هذا الشي‌ء».و مع أن الخواجة كان شمس العالمين إلّا أنّه نشأ في ظلّ أبيتُ عِنْدَ رَبّي. كان يتناول لقمته من مائدة يُطْعِمُنِي، و يرتشف شرابه من كأس يَسْقِينِي.[يقول جمال الدين عبد الرزّاق:]
      خوان تو أبيتُ عِنْدَ رَبّي‌***خواب تو وَ لا يَنامُ قَلْبي‌
      اى كرده به زير پاى، كونين‌***بگذشته ز حدّ قابَ قَوسَين‌
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

103
  • ما سوى الله تعالى حجاب؛ و المعرفة التامّة مشروطة بانتفاء

  • ...۱

  • و خلاصة الكلام في هذا المقام أنّه: ما لم تَزُل كلّ ذرّة من الأنانيّة من الإنسان، فلن يُسمَح له بالعروج إلى مَنسَك العدم و الفَناء المطلقَينِ المتزامنَينِ مع الوجود المطلق. فذلك مقام خاصّ بذات الله عزّ و جلّ و وجوده. و الله سبحانه غيور، و من شروط الغَيرة نَهر كلّ من استقرّت في قراره ذرّة من بقايا شخصيّته و أنانيّته.

  • تا بود يك ذرّه باقى از وجود *** كى شود صاف از كدر، جام شهود٢
  • فالمسألة جَدُّ مُحيِّرة، إذ يتحتّم هجر كلّ ما سوى الله تعالى للوصول‌

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      خاك قدم تو اهل عالم‌***زير عَلَم تو نسل آدم‌
      طاووس ملائكه بَريدت‌***سرخيل مقرّبان مريدت‌
      چون نيست بضاعتى ز طاعت‌***از ما گنه و ز تو شفاعت‌
      يقول: «مائدتك هي أبيتُ عند ربّي، و نومك هو و لا ينام قلبي.يا من داس بقدميه الكونَينِ و اجتاز حدود قاب قوسين.إن العالمين جميعاً هم تراب قدمك، و كلّ بني آدم منضوين تحت لوائك.يا من كان طاووس الملائكة بريدهُ، و كانت خيول المقرّبين أتباعك و أوليائك.و لمّا كانت كلّ طاعاتنا ليست إلّا بضاعة مُزجاة، فإن بدر منّا ذنب أو خطيئة فلا رجاء لنا غير شفاعتك»و يقول في ص ٤۸۱: «و أمّا العلم الباطن فهو معرفة تلك المعاني التي كان تُزرَق بها روح الخواجة عليه الصلاة (و السلام) دون وساطة جبرئيل من غيب الغيب، في مقام أوْ أدْنَى، في حالة لي مَعَ اللهِ وَقْتٌ؛ حيث {فَأوْحَى إلى عَبْدِهِ مَا أوْحَى} *** و كانت تُراق على سنّة الكرام من فيوضات كؤوس ولاية النبوّة، و على القلوب الحرقى لعالم الطلب». *** صدر الآية ۸۰، من السورة ٤: النساء. *** الآية ۱۰، من السورة ٥٣: النجم
    2. يقول: «لن يصفو لأحد كأس الشهود، ما دام هناك فيه ذرّة من الوجود».

معرفة الله ج۱

104
  • إليه، فكلّ ما سوى الله حجاب و سراب، و ما دام ذلك الحجاب باقياً، فلا سبيل إلى الحصول على المعرفة التامّة. و ما اكتُسِبَ من المعرفة إن هي إلّا معرفة جزئيّة و ناقصة. أن المعرفة الحاصلة من مشاهدة خلق الله تعالى من جبال و أحجار، و صَحارٍ و قفار، و التعرّف على حيوانات البَرّ و البحار، و ما إلى ذلك، إنّما هي معارف جزئيّة و ليست كلّيّة، و المهمّ في هذه المسألة هو المعرفة الكلّيّة، و لا سبيل للوصول إليها إلّا باجتياز سبيل خطير و عظيم!

  • إن العالِم في الرياضيّات الذي يكتشف بواسطة قوانينه الرياضيّة أن القرآن معجزة، و ذلك بسبب الاسلوب القويم لآياته، و السياق المتوازن لسوره، و يتوصّل إلى أن الآيات الخاصّة بالجهاد هي بالشكل الفلانيّ، و الآيات الخاصّة بالصلاة و الصوم بالشكل العلّانيّ، ثمّ يتوصّل طبقاً لحساباته الحاسوبيّة (الكومبيوتريّة) إلى إثبات أن هكذا جُمَل و هكذا ألفاظ لا يمكن للبشر أن يصوغ مثيلاتها، أو حتى صَبّها في قالبٍ يشبه إلى حدٍّ ما تلك الآيات الشريفة، و أنّه بدون تدخّل لقوّة غيبيّة أو أمرٍ من ما وراء الطبيعة سيكون ذلك مستحيلًا، و لن يكون بإمكان أحد على الإطلاق إيجاد مثل تلك الظاهرة العجيبة. فإنّ هذا، في الواقع، هو نوعٌ من أنواع المعرفة بالقرآن الكريم، و مع هذا فإنّ البُعدَ بين هذه المعرفة، و بين المعرفة الحقيقيّة للقرآن كبُعد الثريّا عن الثري! و بينهما ألفا حجاب! فأين هذه المعرفة و أين الدخول في أعماق و حقائق القرآن و بواطنه و معرفة تفسيره و تأويله و طريقة تطبيق آياته على مصاديقه؟

  • {أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ}.۱

  • فهذه المعرفة لا يمكن لها أن تكون معرفة مقنعة؛ انظروا إلى كلّ آية

    1. ذيل الآية ٤٤، من السورة ٤۱: فصّلت.

معرفة الله ج۱

105
  • من آيات هذا الكتاب السماويّ و ستجدون كلّ واحدة من تلك الآيات مرآة تعكس وجه الله عزّ و جلّ، إلّا أن الفَرق بين رؤية مَن كانت عيونهم مفتوحة و مَن كانت على أبصارهم غشاوة جِدُّ شاسع و بعيد. فهذا الأمر يستدعي التحقُّق من صحّة الباصرة و فحصها بدقّة.

  • فلو كانت عينا أحدهم عمياء، فليس معنى ذلك أن سُبُل كلّ العلوم مغلقة في وجهه، بل معناه أن بإمكانه أن يحصل على كثير من العلوم عن طريق سائر حواسّه الأخرى كحاسّة السمع و حاسّة الشمّ و حاسّة اللمس و حاسّة الذوق؛ لكنّ الفَرق بينه و بين مَن كانت حاسّة بصره سليمة من أيّة عاهة و تتمتّع ببصر و بصيرة سالمتَينِ كالفَرق بين السماء و الأرض.

  • فلا يتمّ اجتماع الله مع سواه ما دامت هناك في ذهن الإنسان أمانيّ باطلة، و نوايا تَشطُطُ، و أهداف نفسانيّة شيطانيّة، و أغراض مادّيّة من حبّ المال و البنين و الجاه و المقام و غير ذلك.

  • الأبيات الحكيمة لمجنون ليلى في معشوقته‌

  • أنشد قيس بن الملوّح العامريّ أبياتاً من الشِّعر في حبّ ابنة عمّه و معشوقته ليلى العَامِرِيَّة، تحتوي على أروع ما انشِدَ من الشِّعر في مقام الحِكمة و الدقائق العقلانيّة و تُعتَبَر بحقّ كتاباً للعرفان و الأسرار و الرموز الشهوديّة، مُبيّناً سبيل الوصول إلى المحبوب. و حتى لو كانت تلك الأبيات في ظاهرها تحكي قصّة حبّ عُذريّ مجازيّ، إلّا أنّها تحوي الكثير من الامور الراقية المفاهيم و العالية المعنى بوجه عامّ، تَصدُق مبانيها على كلّ عاشقٍ حقيقيّ و صادق في حبّه. و تتضمّن مفهوماً يتعلّق بحبّ الله عزّ و جلّ، و تكشف بطريقة مدهشة أسرار السلوك إلى الله و الوصول إليه و الفَناء في ذاته المقدّسة، و تُميط الستار عن أعظم حجاب معنويّ، و تصف أسلم الطرق و أ أمَنَها للوصول إلى المقام الأقدس لذات الله سبحانه.

  • يقول قيس بن الملوّح و المعروف عند العامّة بمجنون ليلى:

معرفة الله ج۱

106
  • تَمَنَّيْتُ مِنْ ليلى عَلَى البُعْدِ نَظْرَةً***لِيُطْفَي جَوى بَيْنَ الحَشا وَ الأضالِعِ‌
  • فَقالَتْ نِسَاءُ الحَيّ تَطْمَعُ أنْ تَرَي‌***بِعَيْنَيْكَ ليلى مُتْ بِداءِ المَطامِعِ‌
  • وَ كَيْفَ تَرَى ليلى بِعَيْنٍ تَرَى بِها***سِواها وَ ما طَهَّرْتَها بِالمَدامِعِ‌
  • وَ تَلْتَذُّ مِنْها بِالحَديثِ وَ قَدْ جَرَي‌***حَديثُ سِواها في خُروقِ المَسامِعِ‌۱
  • و ليس بإمكان من صحب غير الله و خاطب أعداءه و احتوى على مقاصد غير إلهيّة، و نوايا غير سبحانيّة، و آمالٍ دَنيّة دنيويّة، أن يلقى الله تعالى و يتشرّف برؤيته. و بحكم امتناع اجتماع الضِّدَّيْن أو النقيضَيْن، فلا سبيل لدخوله ذلك الميدان ما لم تَزُل النقائض و تنمح تلك الأعراض.

  • منظر دل نيست جاى صحبت اغيار *** ديو چو بيرون رود فرشته درآيد.٢
    1. «ديوان قيس بن الملوّح العامريّ» المشهور بمجنون ليلى العامريّة، ص ۱۰٩، طبعة بومبي؛ و قد روي آية الله الملّا أحمد النراقيّ أعلى الله درجته و هو (خالي لُامّي)، هذه الأبيات الأربعة في كتاب «الخزائن» ص ۱٣۰، إلّا أنّه ذكر البيتَينِ الأوّلين كالتالي:
      و إذ رُمتُ من ليلى عن البُعد نظرةً***لأُطفى بها نارَ الحَشا و الأضالِعِ‌
      تقول نساءُ الحيّ تَطمعُ أن تَرى‌***مَحاسن ليلى مُتْ بداءِ المَطامِعِ‌
      و ذكر الأبيات كذلك الشيخ بهاء الدين العامليّ في «الكشكول» ص ٦۱۰، العمود الأيمن، الطبعة الحجريّة، و في طبعة مصر بتحقيق طاهر أحمد الزاويّ، دار إحياء الكتب العربيّة: ج ٢، ص ٢٣۰، و قال: «يُنْسَب إلى المجنون».
    2. جاء في «ديوان حافظ» ص ۸٤، الغزليّة رقم ۱۸۷، طبعة پژمان، مطبعة بروخيم، سنة ۱٣۱۸، ما يلي:(تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

107
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      بر سر آنم كه گر ز دست برآيد***دست بكارى زنم كه غصّه سر آيد
      منظر دل نيست جاى صحبت اضداد***ديو چو بيرون رود فرشته درآيد
      صحبت حكّام، ظلمتِ شبِ يلداست‌***نور ز خورشيد خواه بو كه برآيد
      بر در ارباب بى مروّت دنيا***چند نشينى كه خواجه كى بدر آيد
      ترك گدائى مكن كه گنج بيابي‌***از نظر رهروى كه بر گذر آيد
      صالح و طالح متاع خويش نمودند***تا كه قبول افتد و چه در نظر آيد
      بلبل عاشق تو عمر خواه كه آخر***باغ شود سبز و سرخ گل به برآيد
      غفلت حافظ درين سراچه عجب نيست‌***هر كه به ميخانه رفت بى خبر آيد
      يقول: «إنّي عازم على بذل كلّ ما في وسعى لأضع حدّاً للأحزان.بيت القلب ليس مكاناً لاجتماع الغرباء و الأضداد، فإذا طردتَ الشيطان من قلبك (و هو رمز الأوهام الساذجة و الشهوات الباطلة) فستدخل ملائكة السكون و الخير إليه لتنيرهُ بنور الحقّ.إن صحبة حكّام الجور هي بحلكة ليلة يلدا (و هي أوّل و أطول ليلة من ليالي الشتاء) و برودتها، فالتمس شمس الحقيقة حتى تشرق هذه الشمس على كلّ العالم.إلى متى تظلّ مُلازماً عتبة باب بيت اللئام، في حين أنّك تهجر بيت الله و هو القادر على أن يُحسِن إليك و يَمُنّ عليك.لا تنسَ التوجّه إلى أصحاب الضمائر الحيّة، عسى أن تحظى بكنز السعادة بمعونة أحد العرفاء.الصالح و الطالح كلاهما يقدمان على البارئ عزّ و جلّ بما عندهما من عمل و سنرى لأي منهما يمنح الله تعالى رضاه و يشمله برعايته.اطلب العمر من بلبلك العاشق فسيخضرّ البستان آخر الأمر و يورق الزهر الأحمر.لا عجب من غفلة حافظ من عاقبة الأمر في هذه الدنيا، فكلّ من يدخل خمّارتها (الدنيا) و يشربُ من خمر الهوى و الشهوة سيسكرُ لا محالة و يغفل».  *** جاء في التعليقة: (خلوت دل نيست) بدلًا من (صحبت اغيار). *** البيتان التاليان المعروفان هما في نهاية الغزليّة:
      بگذرد اين روزگار تلخ‌تر از زهر***بار دگر روزگار چون شكر آيد
      صبر و ظفر هر دو دوستان قديمند***بر اثر صبر نوبت ظفر آيد
      يقول: «سينقضي هذا الدهر الأمرُّ من السمّ (القاتل)، و سيعود ثانية الزمن (الحلو) كالسكّر.إن الصبر و الظفر صديقان قديمان، إذ أن الظفر دوماً يعقب الصبر».لكن لا يوجد هذان البيتان في النسخ القديمة.(التعليقة)

معرفة الله ج۱

108
  • جَلَّ جَنَابُ الحَقِّ عَنْ أن يَكُونَ شَرِيعَةً لِكُلِّ وَارِدٍ

  • لقد خصّص ابن سينا، «النمط التاسع» من كتابه «الإشارات» لمقام العارفين، و يقول في نهاية ذلك النمط:

  • «إشارَةٌ: جَلَّ جَنَابُ الحَقِّ عَنْ أن يَكُونَ شَرِيعَةً لِكُلِّ وَارِدٍ، أوْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ إلَّا وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ. وَ لذَلِكَ فَإنَّ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الفَنُّ ضُحْكَةٌ لِلْمُغَفَّلِ عِبْرَةٌ لِلْمُحَصِّلِ؛ فَمَنْ سَمِعَهُ فَاشْمَأزَّ عَنْهُ فَلْيَتَّهِمْ نَفْسَهُ، لَعَلَّهَا لَا تُنَاسِبُهُ؛ وَ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.»۱

  • و حكي الشيخ بهاء الدين العامليّ أنّه ورد في رواية أن إبراهيم بن أدهم كان يطوف بالكعبة فرأى شابّاً أمرد جميل الوجه وسيم الطلعة. فنظر إليه برهة ثمّ تنحّى عنه و توارى بين المُطَّوِّفين‌

  • فلمّا اختلى بنفسه سأله بعضهم عن سبب تلك النظرة قائلين: لم نشهد لك مثل تلك النظرة إلى شابٍّ جميل فيما سبق!

  • فقال: هو ابني، و قد كنتُ تركته في خراسان. فلمّا شبّ ترك مدينته‌

    1. «شرح الإشارات» للخواجة نصير الدين الطوسيّ، الطبعة الحجريّة، لسبع صفحات بقين منه، و عبارة «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» هي من حديث نبويّ يستشهد به العرفاء في كتبهم، منهم عزيز الدين النسفيّ في كتاب «الإنسان الكامل» ص ٢۱٤.

معرفة الله ج۱

109
  • و طفق يبحث عنّي، فخفتُ أن يشغلني عن ذِكر الله، و خشيتُ إن هو عرفني أن آنس به. ثمّ أنشد هذه الأبيات:

  • هَجَرْتُ الخَلْقَ طُرَّاً في هَوَاكَا***وَ أيْتَمْتُ العِيَالَ لِكَيْ أرَاكَا
  • فَلَوْ قَطَّعْتَنِي في الحُبِّ إرْباً***لَمَا حَنَّ الفُوَادُ إلى سِوَاكَا۱
  • ***
  • احِبُّ التُّقَى وَ النَّفْسُ تَطْلُبُ غَيْرَهُ‌***وَ إنِّي وَ إيَّاهَا لَمُصْطَرِعانِ‌
  • فَيَوْمٌ لَهَا مِنِّي وَ يَوْمٌ اذِلُّهَا***كِلَانَا عَلَى الأيَّامِ مُعْتَرِكَانِ‌٢
  • بيان حال سيّد الشهداء عليه السلام في الخلوة بالحبيب‌

  • و بناءً على ما قيل، فإنّ الأبيات التي مطلعها:

  • ***هَجَرْتُ الخَلْقَ طُرَّاً في هَوَاكَا
  • مرويّة عن إبراهيم بن أدهم، و أمّا نسبتها إلى سيّد الشهداء الحسين‌

    1. ورد في كتاب «نفائس الفنون في عرائس العيون» ج ٢، ص ٢۸، طبعة الإسلاميّة، ذِكْر هذه القصّة بالشكل التالي: «و علامه أخرى من علامات المحبّة هي الحذر من أن يكون الابن أحد الموانع التي تقف في طريق الوصول؛ حيث ذكروا: أن إبراهيم أدهم رحمه الله عقد مع رفيقه، و هو في الطريق لأداء فريضة الحجّ، اتّفاق موافقة و مصاحبة، تعهّد فيها الجانبان عدم ستر المنكر عند ما يصدر من أحدهما. فلمّا وصلا إلى مكّة، شاهدا إحدى العمارات المزيّنة و قد جلس فيها فتى و سيم. فتطلع إبراهيم إليه، و كرّر النظر. فآخذه رفيقه على هذا العمل. فاغرورقت عينا إبراهيم بالدموع و قال: ذاك ولدي فارقتُهُ و هو صغير، فالآن لمّا رأيتُهُ عرفتُهُ. فقال رفيقه: اخبِرهُ عنك؟!فأجاب إبراهيم: لا! فإنّ ذلك شي‌ءٌ تركناهُ للّه فلا نَعودُ فيه! و أنشد هذين البيتين:
      هجرتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا***و أيتَمتُ العيالَ لكي أراكا
      و لو قَطّعتَ إرباً ثُمّ إرباً***لما حنّ الفؤادُ إلى سواكا
    2. «الكشكول» ج ٥، ص ٤٩٦، العمود الأيمن، الطبعة الحجريّة؛ و كذا في «طرائق الحقائق»، ج ٢، ص ۱۱٩، الطبعة الحروفيّة، نقلًا عن الشيخ البهائيّ.

معرفة الله ج۱

110
  • عليه السلام و ذلك على المنابر الحسينيّة فإنّ هذا لسان حاله لا لسان مقاله.

  • لقد كان ذلك الإمام المعصوم روحي و أرواح العالمين فداه اسوة حسنة و مثالًا يُحتَذى به في الفَناء في ذات الحقّ تعالى، إذ لا تنتهي المسألة بيوم عاشوراء و لا تُطوي بانطواء أحداثها في ذلك اليوم، بل أن نفسه الزكيّة و روحه الطاهرة كانت مجبولة على هذه الحال في سبيل الله عزّ و جلّ. أن يوم عاشوراء كان ساحة للتجلّي و الظهور، كان يوم مكاشفة الخلائق و العوالم بما خفي عنهم و إبداء ما لم يُبْدَ لهم.

  • و ما أروع ما أنشد ناصر الدين شاه القاجاريّ في هذا المقام، يقول:

  • عشقبازى كار هر شيّاد نيست‌***اين شكارِ دام هر صيّاد نيست‌
  • عشق از معشوقه أوّل سر زند***تا به عاشق جلوه‌ي ديگر كند
  • تا به حدّى بگذرد هستى ازو***سر زند صد شورش و مستى ازو
  • طالب اين مُدّعَى خواهى اگر***بر حسين و كربلايش كن نظر۱
    1. يقول: «ليس كلّ مخاتل يخبر فنّ الغراميّات، و لا كلّ صيّاد بقادر على إيقاع هذه الفريسة في شباكه.
      إن العشق يبدأ أوّلًا من المعشوقة فيثير في العاشق عواطفه.
      و يبلغ هذا العشق درجةً يغيب فيها عن الوجود (أي العاشق)، و تتفجّر في داخله انتفاضات و هيجانات.
      و إذا كنت تبحث عن مصداق هذا الكلام تجده في الحسين و مصيبته في كربلاء».

معرفة الله ج۱

111
  • روز عاشورا شه دنياى عشق‌***كرد رو به جانب سلطان عشق‌
  • بارالها اين سرم اين پيكرم‌***اين علمدار رشيد اين أكبرم‌
  • اين سُكينه اين رقيّه اين رباب‌***اين تنِ عريان ميان آفتاب‌
  • اين من و اين ذكر يا رب يا ربم‌***اين من و اين ناله‌هاى زينبم‌
  • پس خطاب آمد ز حقّ كاى شاه عشق‌***اى حسين اى يكّه تاز راه عشق‌
  • گر تو بر ما عاشقى اى محترم‌***پرده بر چين من ز تو عاشق‌ترم‌
  • هر چه از دست داده‌اى در راه ما***مرحبا صد مرحبا خود هم بيا
  • خود بيا كه مى‌كشم من ناز تو***عرش و فرشم جمله پا انداز تو۱
    1. يقول: «آهٍ من يوم عاشوراء حيث توجّه العشق كلّه إلى ملك العشق. قائلًا له:
      اللهمّ هذا رأسي و جسدي و حامل البيرق المغوار و على الأكبر.
      و سكينة و رقيّة و رباب و الجسد العريان تحت لهيب الشمس.
      و تراني و تسمع منّي نداء يا ربِّ يا ربِّ و تسمع نواح زينب.
      فجاء النداء من الحقّ تعالى: يا سلطان العشق يا حسين يا وحيد درب العشق.
      إذا كنت لي عاشقاً أيّها العزيز ارفع الستار و انظر فعشقي لك أكبر.
      مرحباً بكلّ تضحياتك التي قدّمتها في سبيلي فأقدِم على أنت أيضاً.
      هلمّ إلى و تدلّل على، فعرشي و بساطي تحت أمرك».

معرفة الله ج۱

112
  • خود بيا كه من خريدار توام‌***مشترى بر جنس بازار توام‌
  • ليك خود تنها ميا در بزم يار***خود بيا و اصغرت را هم بيار
  • خوش بود در بزم ياران بلبلي‌***خاصه در منقار او باشد گلى‌
  • خود تو بلبل، گل على أصغرت‌***زودتر بشتاب سوى داورت‌۱
  • يقول المؤرّخ و العالم المعاصر حجّة الإسلام الحاجّ الشيخ محمّد شريف الرازيّ أمدّ الله في عمره الشريف، و الذي تشرّف الحقير بمعرفة سماحته مدّة خمسين سنة، حول تشرّفه مرّة بزيارة المرقد الطاهر لسيّد الشهداء عليه السلام: أن القصائد الشعريّة التي يردّدها أهل المنابر الحسينيّة هي من تأليفه هو و قد أنشدها ارتجالًا أثناء دخوله إلى الحائر الشريف:

  • گر دعوت دوست مى‌شنيدم آن روز***من گوى مراد مى‌ربودم آن روز
  • آن روز بود كه روز هَل مِن ناصر***ايكاش كه ناصر تو بودم آن روز٢
    1. يقول: «تعال إلى فإنّي راغب إليك، و قد تقبّلتُ قرابينك.
      لكن لا تأتِ بمفردك إلى مهرجان الأحبّة، بل هاتِ معك على الأصغر.
      و هنيئاً لبلبلٍ يذهب إلى حفلة الأحبّة حاملًا بمنقاره زهرة.
      أنت البلبل و على الأصغر الزهرة، فأسرع بالمجي‌ء إلى ربّك».
    2. يقول: «لو أنّي كنتُ قد سمعتُ دعوة الحبيب في ذلك اليوم.
      لفزتُ بهدفي العظيم المنشود في ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي انطلَقَتْ فيه صرخة هل من ناصر، فيا ليتني كنتُ أنا الناصر الذي بحَثْتَ عنه في ذلك اليوم».

معرفة الله ج۱

113
  • ثمّ شهق شهقة و اغشيَ عليه. فلمّا عاد إلى وعيه بدأ ينشد الأبيات التالية و هو يبكي:

  • تو كيستى كه گرفتى به هر دلى وطني‌***كه نه در انجمنى نى برون ز انجمني‌
  • محمّدى نه، على نه، حسن نه پس تو كه‌اي‌***كه جلوه‌ها بنمودى چو گل به هر چمنى‌
  • به خلق مثل محمّد به خوى مثل عليّ‌***به روى از همه‌ي خلق، خلقت حسني‌
  • همان حسين غريبى كه روز عاشورا***جهان مصالحه كردى به كهنه پيرهنى‌۱
    1. يقول: «يا من تربّعتَ في كلّ قلب، فلا أنت في الجمع و لا خارجه.فلا أنت محمّد و لا أنت على و لا الحسن، فمن أنت إذاً، يا من تجلّيت كزهرة في كلّ بستان.أنت كمحمّد في الخلق و كعليّ في الخُلُق، و أن خِلقتك حسنيّة من دون جميع الخلق.إنّك أنت الحسين الغريب الذي بعتَ الدنيا كلّها بثوب بالٍ». «اختران فروزان رى و طهران» أو «تذكرة المقابر في أحوال المفاخر» ص ۱٢٩؛ و قال كذلك:لقد تشرّف مراراً بزيارة العتبات المقدّسة. و أنشد من أعماق فؤاده البيتين التاليين و ذلك عند تشرّفه بزيارة الحرم الشريف لأمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام:
      إسكندر و من، اي شه معبود صفات‌***بر گرد جهان صرف نموديم اوقات‌
      بر همّت من كجا رسد همّت او***من خاك در تو جستم او آب حيات‌
      يقول: «أنا و الإسكندر جُلنا العالم و قضّينا أوقاتاً طويلة، أيّها السلطان، يا معبود الصفات أين همّته و عزمه من همّتي و عزمي فهو كان يبحث عن ماء الحياة في حين كنتُ أنا أبحث عن ترابك».و ذكر في ص ۱٣۰: «و حين تشرّفه بزيارة حرم الملك الحارس المرضيّ علي بن موسى عليه آلاف التحيّة و الثناء أنشد هذين البيتين بإخلاص تامّ و أهداها إلى ذلك الحرم الجليل:
      در طوس، حريم كبريا مى‌بينم‌***بى پرده تجلّى خدا مى‌بينم‌
      در كفش كَن حريم پور موسى‌***موساى كليم با عصا مى‌بينم‌
      يقول: «إنّي أرى حرم الكبرياء في طوس، و أرى تجلّي الله دون حجاب.و أرى موسى الكليم مع عصاه في منزع الأحذية في حريم موسى».و قال في ص ۱٣۱: «كان ذلك المرحوم يمتلك معلومات علميّة و ثقافيّة و أدبيّة و كان يمتلك ذوقاً و قريحة شعريّة، فكانت أشعاره الغزليّة بحقّ أشعار الملوك و ملوك الأشعار، على غرار ما يُقال في المثل الدارج: كلام الملوك و ملوك الكلام. و له ديوان شعريّ مطبوع بخطّ فارسيّ جميل و جذّاب موشّحاً بالذهب و المِينا و محفوظ في مكتبة الملك النفيسة و هي فرع من مكتبة الحرم الرضويّ الشريف في طهران برقم ٦۰۰٤».

معرفة الله ج۱

114
  • إلى آخر القصيدة.

  • عظمة الأوج العرفانيّ لسيّد الشهداء عليه السلام‌

  • لقد ابتغى هؤلاء الشعراء تبيان تلك الحالة التي اعترت سيّد الشهداء عليه السلام مصوِّراً مقولة «لي مَعَ الله»، تلك الحالة التي تمثّلت فيها السعادة و الأوقات العصيبة، و التي لم يكن لأيّ مَلَك مُقَرَّب أو نبيّ مُرْسَل قدرة الوصول إلى ذلك المقام الرفيع، أو تحمّل تلك الرموز العرفانيّة السامية على الإطلاق.

  • فلننظر معاً إلى التعابير الجزلة و الإشارات البديعة و اللطائف المليحة لحجّة الإسلام الشيخ محمّد تقي نيّر التبريزيّ، و هو يصف جانباً من حالات ذلك الإمام الهمام و الصمصام البتّار، و القائد الذي تنصّل عن كينونته و طلب الالتحاق بالمحبوب، عزيزه.

  • يشرح الشيخ التبريزيّ حالة ذلك المقدام في ميدان الحبّ السرمديّ‌

معرفة الله ج۱

115
  • و ابتغائه الوصول إلى المحبوب الأزليّ و مقصوده و مراده الأبديّ قائلًا:

  • تا خبر دارم از او، بى خبر از خويشتنم‌***با وجودش ز من آواز نيايد كه منم‌
  • پيرهن گو همه پُر باش ز پيكان بلا***كه وجودم همه او گشت من اين پيرهنم‌
  • باش يكدم كه كنم پيرهن شوق قبا***اى كمان كِش كه زنى ناوُكِ پيكان به تنم‌
  • عشق را روزِ بهار است كجا شد رضوان‌***تا بَرَد لاله بدامن سوى خُلد از چمنم‌
  • روز عهد است بكِش اسپرم اى عقل ز پيش‌***تا تصوّر نكند خصم كه پيمان شكنم‌
  • مى‌نيايد به كفن راست تنِ كشتى عشق‌***خصمِ دون بيهده گو باز ندوزد كفنم‌۱
    1. يقول:
      «طالما كان ذكره موجوداً فلا ذِكر لي، و طالما كان وجوده موجوداً فلا صرخة تُسمَع لي.
      ثوبٌ ملأتْهُ سهام الورى، فأصبح ذلك الثوب وجودي كلّه.
      سأجعل من ذلك الثوب جُبّة الشوق، يا من تُصوّب سهامك نحو جسدي.
      لقد أصبح الربيع يوم عشقي فأين رضوان ليأتي و يأخذ من بستاني الزهرة المدّثّرة بالرداء إلى جنّات الخُلد.
      إنّه يوم العهد فخُذ درعي أيّها العقل حتى لا يتوهّم العدوّ أنّي نقضتُ العهد.
      و ليس يَليق بقتيل العشق أن يُلبَسَ الكفن، أيُّها العدوّ اللئيم لا تَقُلْ عَبثاً إنّي بحاجة إلى كفن».

معرفة الله ج۱

116
  • هاتفم مى‌دهد از غيب ندا شمر كجاست‌***گو شتابى كه به ياد آمده عهد كُهنم‌
  • سخت دلتنگ شدم، همّتى اى شهپر تير***بشكن اين دام بِكش باز به سوى وطنم‌
  • دايه‌ي عشق ز بس داده مرا خون جگر***ميدمد آبله زخم كنون از بدنم‌
  • گوى مَطلَع چه عجب گر برم از فارِس فارْس‌***تا به مدح تو شها نيّر شيرين سخنم‌۱
  • "بِأبِي أنْتَ وَ امِّي وَ نَفْسِي يَا أبَا عبد الله؛ أشْهَدُ لَقَدِ اقْشَعَرَّتْ لِدِمَائِكُمْ أظِلَّةُ العَرْشِ مَعَ أظِلَّةِ الخَلائِقِ، وَ بَكَتْكُمُ السَّمَاءُ وَ الأرْضُ وَ سُكَّانُ الجِنَانِ وَ البَرِّ وَ البَحْرِ، صلى اللهُ عَلَيْكَ عَدَدَ مَا في عِلْمِ اللهِ"‌٢.

    1. يقول:
      «يناديني هاتفٌ من الغيب: أين الشمر، فقل له أن ما تفعلونه هو مصداق لعهدي
      القديم.
      لقد ضاق صدري فعجّلوا يا خيرة الرماة، حطّموا لي هذا القيد و عجّلوا برحيلي إلى الموطن.
      لقد ملأ العشق قلبي قيحاً حتى فارت دمامل الجرح من بدني.
      ما أجمل أن أبدأ كلامي أنا نيّر ذرب اللسان و أمدحك أيّها الملك».
      ديوان «آتشكده» لحجّة الإسلام نيّر طاب ثراه، ص ۱٢٣، الطبعة الرابعة: و هو لسان حال الإمام أبي عبد الله عليه السلام حين استشهاده.
    2. «مفاتيح الجنان» ص ٤٣٩، الطبعة الإسلاميّة، ۱٣۷٩ هـ؛ و هي جزء من جملة زيارة سيّد الشهداء عليه السلام التي تُقرأ في الأوقات الستّة: في أيّام و ليالي الأوّل من رجب، و النصف من رجب و النصف من شعبان (حسب ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في كتب الشيخ المفيد و السيّد ابن طاووس و الشهيد).

معرفة الله ج۱

117
  • يستفاد من هذه الفقرة من الزيارة الشريفة أن أشباح العرش و أشباح الخلائق لم يتحمّلوا أو يطيقوا مشهد تلك الواقعة، فاقشعرّت أبدانهم و ارتعدت فرائصهم و مفاصلهم من شدّة وَقْع تلك الحادثة، و كذا السماوات و الأرضون و سكّانها، و أهل الجَنّة و الصحاري و البحار، بكوا لذلك المصاب الجلل. فعليك سيّدي و مولاي السلام بعدد الخلائق التي لا يعلم عددها إلّا الله وحده، يا مَن أظهر الجميع عجزهم الكامل أمام عظمتك و صبرك و جلدك، و تحيّروا إزاء شخصك و منزلتك.

  • آسمان بار امانت نتوانست كشيد***قرعه‌ي فال به نام من ديوانه زدند۱
    1. يقول: «أزفت السماء عن حمل الأمانة، فجاءت القرعة باسمي أنا المجنون».

معرفة الله ج۱

119
  •  

  •  

  • البَحْثُ الخامس إلى الثَّامِنِ: اللهُ عَاشِقُ مَا سِوَاهُ، وَ مَا سوى اللهِ عَاشِقُهُ و تفسير الآية المباركة: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}‌

  •  

  •  

معرفة الله ج۱

121
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم‌

  • وَ صلى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم‌

  • أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَليّ العَظِيمِ‌

  •  

  •  

  • تفسير آية: {يا أيُّهَا الإنسَانُ إنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}

  • قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

  • {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ‌}. (الآية ٦، من السورة ۸٤: الانشقاق)

  • قال استاذنا الأعظم آية الحقّ و العرفان العلّامة الطباطبائيّ أعلى الله مقامه في تفسير هذه الآية الكريمة:

  • «قال الراغب: الكَدْحُ السعي و العناء- انتهى. ففيه معنى السير، و قيل: الكدح جهد النفس في العمل حتى يؤثّر فيها انتهى- و على هذا فهو مُضَمّن معنى السير، بدليل تعدِّيه بإلى، ففي الكدح معنى السير على أيّ حال.

  • و قوله: فَمُلاقِيهِ عطف على كَادِحٌ، و قد بيّن به أن غاية هذا السير و السعي و العناء هو الله سبحانه بما أن له الربوبيّة، اي أن الإنسان بما أنّه عبد مربوب و مملوك مُدَبَّر، ساعٍ إلى الله سبحانه بما أنّه ربّه و مالكه المُدَبِّر لأمره، فإنّ العبد لا يملك لنفسه إرادة و لا عملًا، فعليه أن لا يريد و لا يعمل إلّا ما أراده ربّه و مولاه و أمره به، فهو مسؤول عن إرادته و عمله.

معرفة الله ج۱

122
  • و من هنا يظهر أوّلًا أن قوله: {إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‌ رَبِّكَ} يتضمّن حجّة على المعاد، لما عرفت أن الربوبيّة لا تتمّ إلّا مع عبوديّة، و لا تتمّ العبوديّة إلّا مع مسؤوليّة، و لا تتمّ مسؤوليّة إلّا برجوع و حساب على الأعمال، و لا يتمّ حساب إلّا بجزاء.

  • و ثانياً: أن المراد بملاقاته انتهاؤه إلى حيث لا حكم إلّا حكمه، من غير أن يحجبه عن ربّه حاجب.

  • و ثالثاً: أن المخاطب في الآية هو الإنسان بما أنّه إنسان، فالمراد به الجنس، و ذلك أن الربوبيّة عامّة لكلّ إنسان».۱

  • قد أثبت أعاظم حكماء الإسلام أن بين ربّ العزّة و بين مخلوقاته نوعاً من الجذب و الانجذاب يُعَبَّر عنه بالعشق.

  • و لا جَرَمَ أن حبّ الله لمخلوقاته هو الذي أوجدها، و ألبس كلّ واحد منها (كلٌّ حسب إمكانيّته و استعداده و ماهيّته المتفاوتة) لباس الوجود و البقاء، و وصف كلّا منها بصفاته حسب ما يتناسب معه. أن هذا الحبّ هو الذي أعطى العالَم كيانه و بقاءه و ديمومته، بِدءاً بالأفلاك و مروراً بالأرض و الذرّة إلى الدُّرّة، و جَعْلها كلّها موجودات تتحرّك نحوه و تشقُّ طريقها إليه.

  • و كذا حال حياتنا و معيشتنا في حركتنا نحو الله، فهي تمضي قدماً إلى لقائه بواسطة ذلك الحبّ و العشق الذي أوجده الله عزّ و جلّ في الخلقة و الفطرة. و على هذا فإنّ كلّ موجود من الموجودات الإمكانيّة يجد طريقه إلى الاستمرار في حياته و بقائه على أساس و أصل ذلك الحبّ للمحبوب، و هكذا يستمدّ قانون التجاذب (الجذب و الانجذاب) استمراريّته بين جميع المخلوقات السفليّة (الدنيا) و العوالم العُلويّة.

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ٢۰، ص ٣٦۰.

معرفة الله ج۱

123
  • إن هذا التجاذب المستقرّ في كلّ موجود و بشكل معيّن، هو السبب في تكوين و إنشاء تلك الحركة المُتَّجِهة نحو المبدأ الأعلى عبر مدارج و معارج متباينة، و هو السبب في ذلك الحبّ الذي يدفع بجميع العاشقين إلى التحرُّك باتّجاه ذلك المحبوب و السير نحوه بوساطة ذلك الحبّ، من دون حجاب أو من وراء حجاب على السواء. و كلّ ما في الأمر أن الموجودات الضعيفة و الماهيّات السفليّة تتعرّض خلال سيرها لتأثير شديد من قِبَل قوي أشدّ منها نظراً لصفة المحدوديّة الموجودة في وجودها، و هو ما يتسبّب في فَنائها هناك. و طبقاً للقاعدة القائلة: (الأقرب فالأقرب)، فإنّ أيّ موجود عالٍ هو غاية السير عند الموجود و المعلول الأدنى منه، حتى يصل إلى ذات الحقّ و المُصَدِّر المطلق، و الذي هو الموجود الأوّل العظيم اللامتناهي في عالم العوالم، حيث يفني فيه و تتحقّق عند ذاك عمليّة التحابب و التعاشق بين الحقّ سبحانه و تعالى و بين ذلك الموجود.

  • و قد عُبِّرَ في هذه الآية الشريفة الكريمة عن تحرُّك الإنسان نحو هذا المحبوب ذي الجمال و المعشوق صاحب الجلال، و هو الهدف النهائيّ و المقصد الرئيسيّ، بالكدح.

  • و معنى ذلك أنّه يتوجّب على الإنسان- و هو أشرف المخلوقات استعداداً- أن يُوصِلَ ذاته و نفسه إلى الفَناء التامّ بالفعل.

  • فنالك مَن حالفهم الحظّ و وصلوا، و هنالك من أضاعوا استعدادهم و ضيّعوا عدّتهم، و فشلوا في أن يجدوا مأمناً و أمناً في حرم أمنه، و عجزوا عن الاستقرار في ظلّه، و لم يفلحوا في اجتياز موانع الصراط و الدخول إلى حضرة جلاله، و سيلتقي كلّ منهم به و يتلاقي معه و سيصلون إلى محبوبهم الحقيقيّ من وراء ألف حجاب، و عندها سيوقنون بأنّه هو وحده غاية مرادهم و حبيب قلوبهم، و كلّ ما في الأمر، أنّهم في دنيا الشهوات الدنيّة

معرفة الله ج۱

124
  • التي أعشت عيونهم، لم يروا جلاله، و ها هم، يصلون بعد الحُجب لملاقاة ربّهم عزّ و جلّ.

  • «رسالة العشق» لابن سينا: الله تعالى و جميع الموجودات الإمكانيّة عشّاق‌

  • ذَكرَ الشيخ بهاء الدين العامليّ في كشكوله:

  • «للشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا رسالة في ذكر العشق‌۱ تحت عنوان «رسالة العشق»، و فيها يتوسّع في مقالته و يقول بأنّ العشق لا يختصّ بالإنسان وحده، بل بجميع الكائنات، من الفلكيّات و العناصر، و المواليد الثلاثة (المعادن و النباتات و الحيوانات) مجبولة عليه بالفطرة، و هي منقوشة في ذاتها و ماهيّتها»٢. انتهى كلام الشيخ البهائيّ رحمة الله عليه.

  • و تبدأ الرسالة بالعبارة التالية:

  • بِاسْمِكَ اللهُمَّ وَ بِحَمْدِكَ، سَألْتَ أسْعَدَكَ اللهُ يَا عبد الله الفَقِيهَ المُعْصِرِيّ! أن أجْمَعَ لَكَ رِسَالَةً تَتَضَمَّنُ إيضَاحَ القَوْلِ في العِشْقِ على سَبِيلِ الإيجَازِ فَأجَبْتُكَ- إلى آخرها.

    1. العشق، بمعنى الإفراط في الحبّ، و اللفظة مأخوذة من كلمة عَشَقَة، نباتٌ يلتوي على شجرة العنب و يلزمها فيمتصّ عصارتها و تذبل نتيجة ذلك. و هذا النبات الذي يدعى كذلك اللَّبْلَابِ أو السِّريشْلَة لا يمتلك حَبّاً حتى ينبت على الأرض، بل ينمو لوحده تلقائيّاً في مزارع العنب، و يلتصق جذره و ساقه بشجرة العنب. و لو فُصلَ من هذا النبات جزء و تمكّن من الوصول إلى شجرة عنب أخرى التصق بها على الفور و نما سريعاً و يعمل على إتلاف الشجرة فتذبل و تتيبّس. و قيل إنّه يكفي زرع حَبّة واحدة من هذا النبات في مزرعة عنب لإتلافها جميعاً، فهو ينمو بسرعة و يعمل على تيبيس الشجرة. فحقّ إذاً للمزارعين أن يخافوا نموّ هذا النبات و يسارعوا إلى استئصاله فور اكتشافهم له في مزارع العنب، ثمّ يعمدون إلى حرقه لمنع تواجد أيّ أثر له على الأرض تماماً.
    2. قال العرفاء عن الماهيّة بأنّها العين الثابتة، و كذلك سمّوها بالتعيّن؛ و ورد ذكرها في الروايات باسم الطينة.

معرفة الله ج۱

125
  • و قد نظّم هذه الرسالة في سبعة فصول و هي:

  • الأوّل: في ذكر أن العشق يسري في كلّ ذات.

  • الثاني: في ذكر العشق في الجواهر البسيطة غير الحيّة، على سبيل المثال، الهيولي، و الظواهر، و المعادن، و كلّ جماد.

  • الثالث: في ذكر العشق في الموجودات و الأشياء التي تمتلك القوّة المغذّية.

  • الرابع: في ذكر العشق في الموجودات الحيوانيّة، لسبب أنّها تمتلك قوّة حيوانيّة.

  • الخامس: في ذكر العشق في الظرفاء و الفتيان في قبال حسان الوجوه.

  • السادس: في ذكر العشق في النفوس المتألّهة.

  • السابع: و هو فصل يختتم به الكتاب بالمراجعة و الاستنتاج.

  • و هذه الرسالة استدلاليّة، و مطالعتها من قبل ذوي الرأي لا تخلو من فائدة.

  • و قد تحدّث مفصّلًا في الفصل الخامس، و هو بعنوان «عِشْقُ الظُّرَفَاءِ وَ الفِتْيَانِ‌۱ لِلأوْجُهِ الحِسان»، و استدلّ بالحديث الشريف للنبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: "اطْلُبُوا الحَوَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الوُجُوهِ‌"٢، و عدّد أوجه الحلال‌

    1. ظُرَفَاء جَمْعُ ظَرِيف. ظَرُفَ- ظَرْفاً و ظَرافَةً: كَانَ كَيِّساً حَسَنَ الهَيْئة، كَانَ ذَكِيَّاً بَارِعاً، فَهُوَ ظَرِيفٌ؛ ج: ظُرَفَاء وَ ظِرَاف وَ ظُرُف وَ ظُرُوف وَ ظَرِيفُونَ.
      و فِتْيَان جَمْعُ فَتَى، وَ هُوَ الشَّابُّ الحَدَث، السَّخِيّ الكَرِيم؛ ج: فِتْيَان وَ فِتْيَة وَ فِتْوَة و فُتُوّ و فُتِى و فِتِيّ.
    2. جاء في «مكاتيب الرسول» ج ٢، ص ٦۱٤، نقلًا عن «كنز العمال»: كِتابُهُ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ إلى عُمَّالِهِ: إذَا أبْرَدْتُمْ إلى بَرِيداً فَأبْرِدُوهُ فَابْعَثوهُ حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الاسْمِ.

معرفة الله ج۱

126
  • و الحرام، عقلًا و شرعاً، موضّحاً بأنّ الشريعة الإسلاميّة الغرّاء قد أوصدت باب العشق المذموم، و ذلك بالاستدلال العقليّ، و بالمقابل، قد فتحت باب العشق الممدوح على مصراعيه‌۱.

  • بيان العشق في النفوس المتألهة في «رسالة العشق» لابن سينا

  • و يستطرد في بحثه عشق النفوس المتألّهة، حتى يصل إلى المقطع الذي يقول فيه:

  • «الآن، أصبح واضحاً، بأنّ العلّة الاولى، هي مصدر كلّ الخيرات، و لا مسبّب لهذه العلّة؛ و عليه، فهذه العلّة (الله) هي الخير المطلق، استناداً لمحض ذاته المقدّسة، و كذلك، بالقياس إلى جميع الموجودات، و ذلك، لأنّه هو حبل بقاء المخلوقات و دوامها.

  • و هذه المخلوقات، هائمة و مشتاقة إلى كمال العلّة الاولى، و بهذا، يكون هو الخير المطلق، بكلّ الاعتبارات و على جميع الأوجه.

    1. يقول الملّا الروميّ («المثنوي» ج ۱، ص ۷، طبعة ميرخاني) عن الحبّ المذموم ما معناه:
      عشقهائى كز پى رنگى بود***عشق نبود عاقبت ننگى بود
      يقول: «إن يكن حبّاً كثير التلوّن؛ فذاك الحبّ شؤماً ليس حبّا».و حول الحبّ الممدوح قال:
      عشقِ آن زنده گزين كو باقى است‌***وز شراب جان‌فزايت ساقى است‌
      عشق آن بگزين كه جمله انبياء***يافتند از عشق وى كار و كيا
      تو مگو ما را بدان شه بار نيست‌***با كريمان كارها دشوار نيست‌
      يقول: «ابحثْ عن عشق ذلك الحيّ الذي هو باقٍ على الدوام، و هو الذي يسقيك شراب الروح.اطلبْ عشق ذلك الذي نال به جميع الأنبياء مرادهم و مطلبهم.و لا تقلْ: أين نحن من ذلك السلطان؟ فليس التعامل مع الكرماء صعباً أو مستحيلًا».

معرفة الله ج۱

127
  • و قد قلنا من قبل أن من أدرك خيراً هام فيه بلا إرادة منه، و لهذا، فالعلّة الاولى، هي المعشوق بالنسبة إلى النفوس المتألّهة، و لأنّ كمال هذه النفوس، الإنسيّ منها و الملائكي، هو تصوّر تلك النفوس للمعقولات كلٌّ حسب قدرته (من باب التشبّه بذات الخير المطلقة) حتى تصدر عنها أفعال عادلة من قبيل الفضائل البشريّة، و على مثال تحريك النفوس الملائكيّة للجواهر العُلويّة السائلة. أن بقاء الموجودات في عالم الكون و الفساد (هو من باب التشبُّه بذات الخير المطلقة) و التقرُّب له و الاستفادة من كماله و فضيلته و الانتفاع بها. و على هذا فقد بات واضحاً أن الخير المطلق هو معشوق هذه النفوس، و لذا سُمِّيت تلك النفوس بـ «المتألّهة» لسبب نسبتها و تشبّهها به و حبّها له؛ و هذا العشق و ذلك الحبّ ثابتٌ و متأصّل في تلك النفوس المتصفة بـ التَّألُّه، غير زائل عنها».

  • حتّى يصل إلى قوله:

  • «أصبح واضحاً بأنّ وجود الحقّ، و هو الخير المطلق، هو المعشوق الحقيقيّ للنفوس الإنسيّة و الملائكيّة».

  • و يقول في الفصل الختاميّ:

  • «نريد في هذا الفصل، الخروج بعدّة استنتاجات:

  • أوّلًا: كما ذكرنا سابقاً، أن جميع الموجودات في هذا الكون، هي في الحقيقة، عاشقة و توّاقة إلى الخير المطلق، بفعل العشق‌۱ الغريزيّ، و هذا

    1. ذكر معلّق و مترجم الرسالة في هذا الخصوص: «يصنّف الادباء و أهل الذوق المحبّة إلى مراتب هي:المرتبة الاولى مرتبة الهَوَى؛ الثانية مرتبة العلاقة؛ ثمّ مرتبة الكَلَف؛ ثمّ مرتبة العِشق؛ ثمّ مرتبة الشَّعَف (بالعين المهملة)؛ ثمّ مرتبة الشَّغَف (بالغين المعجمة)؛ ثمّ مرتبة الجَوَى؛ ثمّ مرتبة التَّيْم؛ ثمّ مرتبة التَّبْل (بفتح التاء و سكون الباء)؛ ثمّ مرتبة التَّدْلِيَة؛ ثمّ مرتبة الهُيوم، و هي آخر المراتب التي يمكن للعاشق الفاني في معشوقه أن يصل إليها، و في هذه المرتبة ينشد الشاعر قائلًا:
      در هر چه نظر كردم‌***سيماى تو مى‌بينم‌
      يقول: «فما نظرت إلى شي‌ءٍ من حولي؛ إلّا و في ذاك الشي‌ء رسمك».أو كما قال بايزيد: لَيسَ في جُبَّتِي إلَّا اللهُ.و قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: مَا رَأيْتُ شَيْئاً إلَّا وَ قَدْ رَأيْتُ اللهَ فِيهِ أوْ مَعَهُ.

معرفة الله ج۱

128
  • الخير المطلق متجلٍّ لعشّاقه، و لكنّ هذا التجلّي مختلف بحسب درجات هذه الموجودات، حيث إنّهم كلّما ازدادوا تقرّباً من الخير المطلق، عظم تجلّيه لهم، و العكس بالعكس.

  • ثانياً: أن الخير المطلق و العلّة الاولى، يميل انسجاماً مع كرمه و رحمته الذاتيّتين إلى أن يشمل بلطفه جميع الكائنات.

  • ثالثاً: وجود كلّ الموجودات هو انعكاس لهذا اللطف من لدن الخير المطلق.

  • أما و قد تمّ توضيح هذه المسألة بشكل إجماليّ، الآن نقول: بأنّ في تركيب آحاد هذه الموجودات عشق غريزيّ لأجل استحصال كمالها الذاتيّ، و كمالها هو نفسه الخير الذي أشرنا إليه.

  • إذاً، فسبب وقوع كلّ الخيرات، هو ذلك المعشوق الحقيقيّ لكلّ الموجودات، و الذي عبّرنا عنه بالعلّة الاولى، فهي معشوق كلّ الموجودات، و إذا كان هناك من حُرِم معرفته، و جهل وجوده، فهذا الجهل لا ينفي العشق الغريزيّ في الموجودات، لأنّ كلّا وراء كماله الذاتيّ، و حقيقة الكمال- الذي هو الخير المطلق- تلك العلّة الاولى، و التي تتجلّى لكلّ الموجودات، بحسب ذاتها، إلّا أن يكون محجوباً بذاته عن التجلّي،

معرفة الله ج۱

129
  • فيلزم أن يستتر، فلا ينعم أيّ من الموجودات من فيض وجوده.

  • إذا كان تجلّي الخير الأوّل هو بتأثير الغير، فيجب إذاً أن تكون الذات المتعالية، و المنزّهة عن كل النقائص، واقعة تحت تأثير الغير أيضاً، و هذا محال، بل الخير الأوّل يتجلى بحسب الذات، و حجب تجلّيه عن بعض الذوات، هو لقصور و ضعف في هذه الذوات ليس إلّا.

  • و بعبارة أخرى: كلّ نقص و عيب، يكون من جانب القابل، و ليس من جانب الفاعل، و إلّا فذاته المقدّسة متجلّية بحسب الذوات».

  • و يستطرد في قوله حتى يصل إلى:

  • «الثاني: أن الموجود المتهيّئ لأن ينعم باللطف الإلهيّ، هو موجود ذو نفس إلهيّة، على الرغم من أنّه في البدء، و مصداقاً للآية الكريمة {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى}‌ وجد بتأثير الفعل الفعّال، و من موقع القوّة، و أمدّته من موقع التصوّرات و رتبة التعقّلات، و لكن، ما أن يصل إلى حدود الفعليّة، و ينعم بنعمة القرب من الحقّ تعالى، حتى يعلو و يسمو إلى مراتب أعلى من ذلك. حيث يقول الملك المقرّب من الله في هذا المقام: "لَوْ دَنَوْتُ أنْمُلَةً لَاحْتَرَقْتُ".

  • و يتابع قائلًا:

  • «لذا، فقد أصبح واضحاً بأنّ اللطف الإلهيّ و الخير المطلق، هو سبب نشئ كلّ الموجودات، و علّة وجودها، فلو لا هذا اللطف الإلهيّ، ما لبس مخلوق لباس الوجود، و أن الحقّ تعالى بوجوده، عاشق لوجود جميع المعلولات، لأنّ جميع المعلولات كما أسلفنا، انعكاس لنور لطفه، و لأنّ عشق العلّة الاولى، هو أطهر العشق، فيكون مَن فاز بلطفه هو المعشوق الحقيقيّ، و هذا اللطف، هو مراد النفوس المتألّهة، و هي نفسها، معشوقات العلّة الاولى، و نستشف من كلمات الأئمّة المعصومين‌

معرفة الله ج۱

130
  • صلوات الله عليهم أجمعين ما يلي:

  • قال الله تعالى: أيّاً من عبادي كانت له الأوصاف الفلانيّة، و عشقني، عشقته أنا أيضاً، لأنّ الحكمة الإلهيّة تقتضي أن لا يهمل أو يعطّل شي‌ء يحوي جملة فضائل، و هذه الفضائل، متأصّلة في ذاته، و إن لم يصل بفضيلته إلى حدّها الأقصى، و عليه، فالخير المطلق، بمقتضى حكمته الذاتيّة، هو عاشق؛ عاشق لمن لبس الكمال، و إن لم يكن أقصى الكمال... وَ إذَا بَلَغْنا هَذَا المَبْلَغَ فَلْنَخْتِمِ الرِّسَالَةَ، وَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.۱

  • إثبات صدر المتألهين سريان العشق في جميع الموجودات‌

  • و قد بسط المرحوم صدر المتألّهين قدّس الله نفسه الزكيّة الكلام في بحث العشق على نحو أعمق و أجمل ممّا فعل الشيخ الرئيس، حيث برهن تحت عنوان: «الفَصْلُ ۱٥: في إثْبَاتِ أن جَمِيعَ المَوْجُودَاتِ عَاشِقَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ مُشْتَاقَةٌ إلى لِقائِهِ وَ الوُصُولِ إلى دَارِ كَرَامَتِهِ»، على أن الله سبحانه و تعالى، قدّر لكلّ موجود من الموجودات: العقليّة و النفسيّة و الحسّيّة و الطبيعيّة، بصيصاً من الكمال، و لأجل بلوغ هذا الكمال و التحرّك نحو إتمامه، ركّز فيهم العشق و الشوق. أمّا العشق بلا شوق، فهو من اختصاص المفارقات العقليّة، التي تمتلك الفعليّة في جميع جهاتها، و أمّا في غير المفارقات العقليّة من الموجودات التي تفتقر إلى الكمال و لكنّها

    1. قامت منشورات بيدار بطبع «رسالة عشق» (= رسالة العشق) مع اثنتين و عشرين رسالة أخرى في بلدة قم الطيّبة تحت عنوان «رسائل الشيخ الرئيس أبي على الحسين بن عبد الله بن سينا» (ج ۱)، و قد احتلّت «رسالة عشق» الصفحات ٣۷٣ إلى ٣٩۷. و قام الخطيب الشهير السيّد ضياء الدين الدرّيّ بترجمتها مع ثلاث رسائل أخرى للشيخ باسم «الفوائد الدرّيّة»، و تولّت المكتبة المركزيّة طبعها سنة ۱٣٥۸ هـ، و بلغ مجموع الصفحات التي استوعبتها «رسالة عشق» من هذه الطبعة الثلاثين.

معرفة الله ج۱

131
  • تمتلك القوّة و الاستعداد، فقد أودع فيها العشق و الشوق الإراديّينِ بمقدار، و هكذا العشق و الشوق الطبيعيّين بمقدار، بحسب تفاوت درجاتها في كلّ من هذين الصنفين».

  • و يتابع الحديث، إلى أن يصل في كلامه إلى:

  • «و أنت تعلم أن إثبات العشق في شي‌ء بدون الحياة و الشعور فيه كان مجرّد التسمية، و نحن قد بيّنا- في السفر الأوّل في مباحث العلّة و المعلول- عشق الهيولى إلى الصورة بوجه قياسيّ حِكَمِيّ لا مزيد عليه.

  • و قد مرّ أيضاً إثبات الحياة و الشعور في جميع الموجودات و هو العمدة في هذا الباب و لم يتيسّر للشيخ الرئيس تحقيقه، و لا لأحد ممّن تأخّر عنه إلى يومنا هذا إلّا لأهل الكشف من الصوفيّة، فإنّه لاح لهم- بضرب من الوجدان و تتبّع أنوار الكتاب و السنّة- أن كلّ شي‌ءٍ حَيّ وَ نَاطِقٌ وَ ذَاكِرٌ لِلَّهِ، مُسَبِّحٌ سَاجِدٌ لَهُ كما نطق به القرآن في قوله:

  • {وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}.۱

  • و قوله: {وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ}‌.٢

  • ردّ صدر المتألهين على الشيخ الرئيس في عشق البسائط غير الحيّة

  • و نحن بحمد الله عرفنا ذلك بالبرهان و الإيمان جميعاً، و هذا أمر قد اختصّ بنا بفضل الله و حسن توفيقه.

  • فإنّ الذي بلغ إليه نظر «الشيخ» و هو من أعظم الفلاسفة في هذه الدورة الإسلاميّة في إثبات العشق في البسائط غير الحيّة ما ذكره في تلك الرسالة بقوله: «أن البسائط غير الحيّة ثلاثة: أحدها الهيولى الحقيقيّة، و الثاني‌

    1. مقطع من الآية ٤٤، من السورة ۱۷: الإسراء.
    2. صدر الآية ۱٥، من السورة ۱٣: الرعد.

معرفة الله ج۱

132
  • الصورة التي لا يمكن لها القوام بانفراد ذاتها، الثالث الأعراض».۱

  • و هنا يذكر صدر المتألّهين نصّ عبارة الشيخ، و هي تقع في صفحة و نصف الصفحة تقريباً، مستنتجاً بأنّ الشيخ قد عبّر عن تلازم الهيولى و الصورة بالعشق، ثمّ يقول: «أن كلّ واحد من البسائط غير الحيّة قرين عشق غريزيّ، فإذاً الذي ذكره الشيخ ليس بشي‌ء.

  • و نحن نثبت وجود العشق في الموجودات غير الحيّة، عن طريق إثبات وجود الحياة و الشعور لديها، و ما ذكره الشيخ، هو في غاية الضعف، حيث إنّه لا يخفي على أيّ ذكيّ بأنّ قوله في إثبات معنى العشق في هذه الموجودات لم يتحقّق إلّا اللهمّ بطريق التشبيه».٢

  • و يتابع صاحب «الأسفار الأربعة» الكلام حتى يصل إلى هذا المقطع:

  • الفَصْلُ ۱٦: في بَيأنِ طَرِيقٍ آخَرَ في سَرَيَانِ معنى العِشْقِ في كُلِّ الأشْيَاءِ.٣

  • و بعد إتمام هذا البحث، يصل إلى:

  • الفَصْلُ ۱۷: في بَيَانِ أن المَعْشُوقَ الحَقِيقِيّ لِجَمِيعِ المَوْجُودَاتِ وَ أن كَانَ شَيْئاً وَاحِداً في المَآلِ وَ هُوَ نَيْلُ الخَيْرِ المُطْلَقِ وَ الجَمَالِ الأكْمَلِ، إلَّا أن لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أصْنَافِ المَوْجُودَاتِ مَعْشوقاً خَاصَّاً قَرِيباً يَتَوَسَّلُ بِعِشْقِهِ إلى ذَلِكَ المَعْشُوقِ العَامِّ.٤

  • في هذا البحث أيضاً، يقوم صدر المتألّهين ببسط القول و تقديم بيانٍ‌

    1. «الأسفار الأربعة» ج ۷، ص ۱٥٢ إلى ۱٥٤.
    2. «المصدر السابق»، ص ۱٤۸ إلى ۱٥٥.
    3. «المصدر السابق»، ص ۱٥۸ و ۱٦۰.
    4. «المصدر السابق»، ص ۱٦۰.

معرفة الله ج۱

133
  • شافٍ و مفصّل، و بعد بيان الفصل (۱۸)، يصل بالموضوع إلى:

  • الفَصْلُ ۱٩: في ذِكْرِ عِشْقِ الظُّرَفَاءِ وَ الفِتْيَانِ لِلأوْجُهِ الحِسَانِ، حيث مبتغانا في بيان العشق العامّ في الموجودات للذات القدسيّة للحقّ تعالى، هذه الفقرة من هذا العشق للذات القدسيّة للبارئ جلّ و علا سبحانه و تعالى شأنه.

  • و بعد سرد تعريفات مختلفة للعشق، يقوم صدر المتألّهين بالبرهنة على أن العشق ليس عشقاً للجسم أو الصورة أو للشكل أو الشمائل، بل هو عشق للنفس وحدها، و لا يمكن أن يكون مراد العشق مادّة أو أمراً مادّيّاً محسوساً. بل المراد، هو أمر معنويّ و حسب، و لهذا فإنّ العاشق حتى و إن أدرك جسم المعشوق، أو وجهه، أو كلّ أعضائه، فإنّ عشقه لن يسكن و لن يهدأ إلّا بعد أن تتّصل روحه بروح المعشوق، و تذوب و تتلاشى فيها.

  • قال: «و منهم من قال أن العشق هو إفراط الشوق إلى الاتّحاد، و هذا القول و إن كان حسناً إلّا أنّه كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل، لأنّ هذا الاتّحاد من أيّ ضروب الاتّحاد، فإنّ الاتّحاد قد يكون بين الجسمَينِ، و ذلك بالامتزاج و الاختلاط، و ليس ذلك يتصوّر في حقّ النفوس، ثمّ لو فرض وقوع الاتّصال بين بدنَي العاشق و المعشوق في حالة الغفلة و الذهول‌۱ أو النوم فعُلِم يقيناً أن بذلك لم يحصل المقصود، لأنّ العشق كما مرّ من صفات النفوس لا من صفات الأجرام السماويّة، بل الذي يتصوّر و يصحّ من معنى الاتّحاد هو الذي بيّناه- في مباحث العقل و المعقول- من اتّحاد النفس العاقلة بصورة العقل بالفعل و اتّحاد النفس الحسّاسة بصورة

    1. قال الحكيم السبزواريّ، إنّما قيّد به إذ في حالة انفكاك الاتّصال الجسمانيّ عن الاتّصال الروحانيّ ينكشف جليّة الحال من أنّه أيّهما المقصود.

معرفة الله ج۱

134
  • المحسوس بالفعل.

  • فعلى هذا المعنى يصحّ صيرورة النفس العاشقة لشخص متّحدة بصورة معشوقها و ذلك بعد تكرّر المشاهدات‌۱ و توارد الأنظار و شدّة الفكر و الذِّكر في أشكاله و شمائله حتى يصير متمثّلًا صورته حاضرة متدرّعة في ذات العاشق. و هذا ممّا أوضحنا سبيله و حقّقنا طريقه بحيث لم يبق لأحد من الأزكياء مجال الإنكار فيه.

  • و قد وقع في حكايات العشّاق ما يدلّ على ذلك، كما روي أن مجنون العامريّ كان في بعض الأحايين مستغرقاً في العشق بحيث جاءت حبيبته و نادته: يَا مَجْنونُ! أنَا ليلى. فما التفت إليها، و قال:

  • لِي عَنْكِ غِنًى بِعِشْقِكِ!٢

  • فإنّ العشق بالحقيقة هو الصورة الحاصلة، و هي المعشوقة بالذات لا الأمر الخارجيّ و هو ذو الصورة إلّا بالعرض، كما أن المعلوم بالذات هو نفس الصورة العلميّة لا ما خرج عن التصوّر.

  • و إذا تبيّن و صحّ اتّحاد العاقل بصورة المعقول و اتّحاد الجوهر الحاسّ بصورة المحسوس- كلّ ذلك عند الاستحضار الشديد و المشاهدة القويّة كما سبق- فقد صحّ اتّحاد نفس العاشق بصورة معشوقه بحيث لم يفتقر بعد ذلك إلى حضور جسمه و الاستفادة من شخصه، كما قال الشاعر:

  • أنَا مَنْ أهْوَى وَ مَنْ أهْوَى أنَا***نَحْنُ رُوحَانِ حَلَلْنَا بَدَنَا
    1. قال الحكيم السبزواريّ: يعني أن الاتّحاد، و إن حصل بمشاهدة مرّة، إلّا أنّه يستدعي مَلَكة الاتّحاد، لأنّه أثر هذه الصور على جميع مدركاته.
    2. قال سماحة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد روحي فداه: أن مجنون ليلى كان يقول لليلى: دَعِي نَفْسَكِ عَنِّي! فَإنَّ فِيكِ غِنًى عَنْكِ!

معرفة الله ج۱

135
  • فَإذَا أبْصَرْتَنِي أبْصَرْتَهُ‌***وَ إذَا أبْصَرْتَهُ أبْصَرْتَنَا۱
  • استحالة الاتّصال الحقيقيّ بين جسمين، و وجود العشق بين جسمين‌

  • ثمّ لا يخفى أن الاتّحاد بين الشيئين لا يتصوّر إلّا كما حقّقنا، و ذلك من خاصّيّة الامور الروحانيّة و الأحوال النفسانيّة. و أمّا الأجسام و الجسمانيّات فلا يمكن فيها الاتّحاد بوجه، بل المجاورة و الممازجة و المماسّة لا غير، بل التحقيق أن لا يوجد وصال في هذا العالم و لا تصل ذات إلى ذات في هذه النشأة أبداً و ذلك من جهتين:

  • الجهة الاولى: أن الجسم الواحد المتّصل إذا حقّق أمره عُلِمَ أنّه مشوب بالغيبة و الفقد، لأنّ كلّ جزء منه مفقود عن صاحبه مفارق عنه، فهذا الاتّصال بين أجزائه عين الانفصال، إلّا أنّه لمّا لم يدخل بين تلك الأجزاء جسم مبائن و لا فضاء خال و لا حدث سطح في خلالها، قيل إنّها متّصلة واحدة و ليس وحدتها وحدة خالصة عن الكثرة، فإذا كان حال‌

    1. قال الحكيم السبزواريّ قدّس الله نفسه في تعليقه على هذا البيت ما معناه: «قد يتوهّم البعض من أنّه كان من الأفضل أن يقال نحن روح واحد حلّ بدنَيْن، و الجواب هو أن الشاعر أراد: أنّنا في الحقيقة شخصان من حيث إنّنا متّحدان، فلو تحقّق وجود أحد البدنَينِ تحقّق وجود الثاني كذلك، فلا تتوهّموا و تقولوا أن روحي فقط هي التي حلّتْ في بدني، بل أن روحه أيضاً حلّتْ فيه، ذلك أن روحي هي روحه. و كذا الحال مع بدنه و روحه هو»- انتهى كلام الحكيم السبزواريّ).و جاء في كتاب «نفائس الفنون» ج ٢، ص ٢٦ و ٢۷، طبعة الدار الإسلاميّة: «قال الجُنيد: المحبّةُ دخولُ صفاتِ المُحَبِّ على البدنِ من المُحِبِّ. و يتبيّن سرّ «فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وَ بَصَراً» من حقيقة البيتَينِ المذكورَينِ:
      أنا من أهوَى و من أهوَى أنا***نحن روحان حللنا بدنا
      فإذا أبصرتَني أبصرتَه‌***و إذا أبصرتَه أبصرتَنا
      إلّا أنّه ليس للمحبّة ثمّة سبب واضح 
      ‌إنّ المحبَّةَ أمرُها عجبٌ‌***تُلقَى عليك و ما لها سببٌ 

معرفة الله ج۱

136
  • الجسم في حدّ ذاته كذلك من عدم الحضور و الوحدة، فكيف يتّحد له شي‌ء آخر أو يقع الوصال بينه و بين شي‌ء.

  • الجهة الثانية: أنّه مع قطع النظر- كما ذكرنا- لا يمكن الوصلة بين الجسمين إلّا بنحو تلاقي السطحين منهما، و السطح خارج عن حقيقة الجسم و ذاته، فإذاً لا يمكن وصول شي‌ء من المحبّ إلى ذات الجسم الذي للمعشوق، لأنّ ذلك الشي‌ء إمّا نفسه أو جسمه أو عرض من عوارض نفسه أو بدنه، و الثالث محال لاستحالة انتقال العرض، و كذا الثاني لاستحالة التداخل بين الجسمين. و التلاقي بالأطراف و النهايات لا يشفي عليل طالب الوصال، و لا يروي غليله.

  • و أمّا الأوّل فهو أيضاً محال، لأنّ نفساً من النفوس لو فرض اتّصالها في ذاتها ببدن لكانت نفساً لها، فيلزم حينئذٍ أن يصير بدن واحد ذا نفسين و هو ممتنع.

  • و لأجل ذلك أن العاشق إذا اتّفق له ما كانت غاية متمنّاه، و هو الدنوّ من معشوقه و الحضور في مجلس صحبته معه، فإذا حصل له هذا المتمنّي يدعي فوق ذلك، و هو تمنّي الخلوة و المجالسة معه من غير حضور أحد، فإذا سهل ذلك و خلى المجلس عن الأغيار تمنّى المعانقة و التقبيل، فإن تيسّر ذلك تمنّى الدخول في لحاف واحد و الالتزام بجميع الجوارح أكثر ما ينبغي. و مع ذلك كله الشوق بحاله، و حرقة النفس كما كانت، بل ازداد الشوق و الاضطراب كما قال قائلهم:

  • اعَانِقُهَا وَ النَّفْسُ بَعْدُ مَشوقَةٌ***إلَيْهَا وَ هَلْ بَعْدَ العِنَاقِ تَدَاني‌
  • وَ ألْثَمُ فَاهَا كَيْ تَزُولَ حَرَارَتِي‌***فَيَزْدَادُ مَا ألْقَى مِنَ الهَيَجانِ‌
  • كَأنَّ فُؤَادِي لَيْسَ يُشْفَي غَلِيلُهُ‌***سِوَى أن يُرَى الرُّوحَانِ يَتَّحِدَانِ‌
  • و السبب اللمّيّ في ذلك أن المحبوب في الحقيقة ليس هو العظم‌

معرفة الله ج۱

137
  • و لا اللحم و لا شي‌ء من البدن، بل و لا يوجد في عالم الأجسام ما تشتاقه النفس و تهواه، بل صورة روحانيّة موجودة في غير هذا العالم».۱

  • نعم، هذه المسائل ذكرت، لنتبيّن عظمة الروح و النفس الإنسانيّة، و أن كلّ ما هو موجود فهو منه، و إليه ينتهي كلّ مقام و رتبة. فالبدن جسد مسخّر لتنفيذ أوامر و نواهي النفس ليس إلّا.

  • ليس في عالم الأجسام شي‌ء تشتاق إليه النفس‌

  • إن العشق يولّد روحاً، و العاشق يتحوّل إلى روح للمعشوق الحقيقيّ، و المصدر الأوّل، المجرّد المنزّه، و الصرف الخالص. و للروح قوّة هيوليّة، و قابليّة بسيطة غير متناهية، ليحظى بشرف لقاء الله و نعمة التكلّم إليه، فيصبح عندها كليم الله.

  • إن على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، و أن لا يحكم على هذه الجوهرة النفيسة أن تكون أسيرة البدن و رغباته و شهواته المادّيّة، و لا يحبس القوّة الناطقة في حدود القوّة الحيوانيّة و البهيميّة، و لا يبدّل عشقه للأوجه الحسان في عالم التجرّد، بعشقه للأشقياء و العاصين في عالم الطبيعة، فتكون عاقبته الخسران العظيم.

  • يقول صدر المتألّهين، في بحث العظمة و التجرّد و النورانيّة:

  • «اعلم أن هذه المسألة دقيقة المسلك بعيدة الغور و لذلك وقع الاختلاف بين الفلاسفة السابقين في بابها، و وجه ذلك أن النفس الإنسانيّة ليس لها مقام معلوم في الهويّة، و لا لها درجة معيّنة في الوجود كسائر الموجودات الطبيعيّة و النفسيّة و العقليّة التي كلٌّ له مقام معلوم، بل النفس الإنسانيّة ذات مقامات و درجات متفاوتة، و لها نشآت سابقة و لاحقة، و لها في كلّ مقام و عالم صورة أخرى، كما قيل في البيت الشعريّ التالى:

    1. «الأسفار الأربعة» ج ۷، ص ۱۷۱ إلى ۱۷٩.

معرفة الله ج۱

138
  • لَقَدْ صَارَ قَلْبِي قَابِلًا كُلَّ صُورَةٍ***فَمَرْعى لِغَزْلَانٍ وَ دَيْراً لِرُهْبانِ‌۱
  • تجرّد النفس يستدعي بقاءها و فناءها في ذات الله تعالى‌

  • و ما هذا شأنه صعب إدراك حقيقته و عسر فهم هويّته، و الذي أدركه القوم من حقيقة النفس ليس إلّا ما لزم وجودها من جهة البدن و عوارضه الإدراكيّة و التحريكيّة، و لم يتفطّنوا من أحوالها إلّا من جهة ما يلحقها من الإدراك و التحريك، و هذان الأمران ممّا اشترك فيهما جميع الحيوانات.

  • و أمّا ما أدرك منها أزيد من ذلك و هو تجرّدها و بقاؤها بعد انقطاع تصرّفها عن هذا البدن فإنّما عُرِفَ ذلك من كونها محلّ العلوم، و أن العلم لا ينقسم و محلّ غير المنقسم غير منقسم، فالنفس بسيطة الذات، و كلّ بسيطة الذات غير قابل للفناء و إلّا لزم تركّبه من قوّة الوجود و العدم و فعليّة

    1. قال الحكيم السبزواريّ في تعليقه على هذا البيت ما يلي:
      «يعني بسبب اللطافة و البساطة في ألوانه صار قابلًا للتحوّل إلى كلّ صورة؛ سواء كانت من جنس تلك الصور المترتّبة و الطوليّة الحاصلة له بواسطة الحركة الجوهريّة و العرضيّة، أم من الصور الذهنيّة غير المترتّبة بالترتيب الطبيعيّ المعهود لها.
      و بناءً على هذا فإنّ مرعى لِغِزْلَانِ هو باعتبار النشأة الحيوانيّة السابقة، وَ دَيْراً لِرُهْبانِ باعتبار النشأة العقليّة اللاحقة. أو أن خياله كان في السابق مصروفاً إلى أمتعة الدنيا من أنعام و زرع و غيرهما، ثمّ كان قد تذكّر الله تعالى بعد ذلك و الملائكة المقرّبين و الأطهار المنتجبين لساحته تعالى.
      و أمّا التعبير بالغزال و ذلك من جهة توحّشه، فهو إشارة إلى أن شهواته تشبه الحيوانات الوحشيّة غير المعلَّمة طالما أنّها لم تكبح، إلّا أنّه يمكن لقلب الإنسان أن يكون مرعى للحيوانات الإنسيّة بكونها مسخّرة و مقهورة تحت إشارة العقل و إيماءته للتوجّه إلى الله تعالى، بل و يمكن أن يكمن خلاصه و نجاته بذبح حيوانيّته بتقديم الهدي و القربان في سبيل الله: {أن اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفُسَهُمْ وَ أمْوَالَهُم بِأنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}. و لعلّ كذلك المراد بهذا هو أن قلب الإنسان قد يتحوّل إلى مرعى للمحبوبة التي تمتلك عيوناً تشبه عيون الغزلان الجميلة الطلعة».

معرفة الله ج۱

139
  • الوجود و العدم هذا خلف.

  • هذا غاية عرفانهم بالنفس أو ما يقرب من هذا. و من ظنّ أنّه بهذا القدر عرف حقيقة النفس فقد استسمن ذا ورم».۱

  • و هنا يجهد صاحب «الأسفار» بطرق مختلفة في تعريف النفس و بيانها، و بما أنّنا لسنا بصدد إثبات تجرّد النفس، فسنعزف عن ذكره هنا.

  • و على العموم، يجب تطهير العين من النظر لغير ليلى، و غسل الاذن من الاستماع، إلّا لصوتها، حتى تأذن بالنظر إلى طلعتها، و الإنصات لحديثها.

  • إلهي، ما العمل؟ و ما الحيلة؟ و إجمالًا، هل من بارقة أمل، أم علينا أن نلقي بأنفسنا في أحضان اليأس؟

  • لقد قالت نساء الحيّ من قبيلة ليلى: اذهبْ و طهّر عينيك و أذنيك. تطهير العين هو بالبكاء على فراق المحبوب الأزليّ في الليالى الحالكة؛ و تطهير الاذن بغلقها عن سماع حديث السوء الذي يغضب المعشوق؛ تطهير العين عَنْ كُلِّ مَا لَا يُحِلُّ اللهُ النَّظَرَ إليه و تطهير الاذن عَنْ كُلِّ مَا لَا يُحِلُّ اللهُ الاسْتِمَاعَ إليه.

  • أ ليس قد ورد في الروايات أن الله العليّ القدير يحبّ العين الباكية من بين سائر العيون؟ و أن كلّ عين يوم القيامة ستبكي، إلّا التي سهرت الليالى باكية من خوف الله.

  • و لكن لِمَ هذا البكاء؟ هذا البكاء للنظرات التي كانت لغير الله، و هو غُسل لدَنَس و أوساخ البصر و البصيرة؛ لأنّ النظر إلى ليلى بدون هذا الغسل و التطهير غير ممكن. فالتطهير- إذاً- هو طريق و سبيل يوصل إلى‌

    1. «الأسفار الأربعة» ج ۸، ص ٣٤٣ و ٣٤٤، باب ۷، فصل ٣.

معرفة الله ج۱

140
  • الهدف، و بعد طي هذه الطريق، يسمو الإنسان أعلى و أعلى حتى يتعرّف إلى الله، و هناك حيث لا أحد غير الله. فكل المراحل قد طويت، و هذا المسكين قد بكى حتى طهر ناظِرَيه، و نساء الحيّ قد كففن عن ملامته، و يمضي و يمضي حتى يصل إلى ليلى إذ لَم يَعُد عشقه مجازيّاً و لا مادّيّاً، كما لم تعد ليلى بدناً، بل هي روح و نفس مجرّدة؛ و في هذه الحال إذا أمست في المشرق و قيس في المغرب، فهناك ارتباط بينهما. فهو يعيش صحوها و نومها، و مرضها و عافيتها.

  • كان كثير من أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و أصحاب الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم على هذه الحال. هكذا كان اوَيس اليمانيّ القرنيّ و كانوا يحسّون بالوجدان نوايا أسيادهم و قادتهم، و كانت ضمائرهم تُدرك الصالح و الفاسد في الامور على خطى ضمائر أسيادهم و مواليهم. فهذا اويس يُكسر له ضرس في اليمن، في نفس اليوم و في نفس الساعة التي كُسِرَ فيها ضرس النبيّ في يوم احد.

  • قيل لمّا فُصِدَ قيس، تعالى صياحه، و فسّر ذلك بأنّه يخاف على ليلى من الألم، و خشيَ أن- حين فَصدوا يَده- قد فصدوا يدها و هي في ديارها.

  • گفت مجنون من نمي‌ترسم ز نيش‌***صبر من از كوه سنگين است بيش‌
  • منبلم بى زخم ناسايد تنم‌***عاشقم بر زخمها بر مى‌تنم‌۱
    1. يقول: «قال- مجنون ليلى-: أنا لا أخاف المِبضَع، لأنّ صبري أقوى من الجبل الشامخ.
      و لأنّني عاشق فإنّ جسمي لا يهدأ بعيداً عن الجروح التي أستطيع مقاومتها و الصبر على آلامها».

معرفة الله ج۱

141
  • ليك از ليلى وجود من پُر است‌***اين صدف پر از صفات آن دُر است‌
  • ترسم اى فصّاد اگر فصدم كني‌***نيش را ناگاه بر ليلى زني‌
  • داند آن عقلى كه او دل روشنى است‌***در ميان ليلى و من فرق نيست‌
  • من كيم ليلى و ليلى كيست من‌***ما يكى روحيم اندر دو بدن‌۱
  • ينبغي معرفة الله بالله تعالى؛ «جاءت الشمس على الشمس دليلًا»

  • الله سبحانه و تعالى شأنه نور، و هو ظاهر، و هو الذي أظهر جميع المخلوقات؛ و الإنسان يريد أن يصل إلى الله، فكيف له إدراك الظاهر و هو المخلوق الذي يمثّل ظهوراً؟ فعند ما يكفّ عن الظهور، فإنّه سيلتحم بالشعاع و يرجع إلى أصل النور. يرجع إلى الشمس و يخترق ذاتها، و هناك لن يكون ثمّة شعاع، فالشمس هي الشمس و لا يمكن لأحد أن يعرف ذاتاً للشمس غير الشمس نفسها.

  • و مهما تكلّمنا عن الشمس و تحدّثنا عن عظمتها و خصائصها و صفاتها، فمن أين لنا أن نعرف كنه حقيقتها لنتحدث عنها؟ و أين سنراها؟ أنّي سندرك حرارتها؟ بل كيف نسلّم كمّها و كيفها؟ ملايين الفراسخ تفصلنا عنها، و ما يصلنا من حرارتها هو نزر يسير ليس إلّا، و متى‌

    1. يقول: «و أن وجودي ملي‌ءٌ بالحيويّة بسبب وجود ليلى، فهذه الصَّدَفَة (التي هي أنا) تعكس كلّ صفات تلك الجوهرة التي هي ليلى.
      و إنّي- أيّها الحجّام- لأخاف أن تشتبه يدك فتجرح ليلى بينما تريد فصد عرقي.
      ذلك أن كلّ من له عقل و هو لبيب لا يمكنه التفريق بيني و بين ليلى.
      فأنا في الحقيقة ليلى و ليلى هي أنا، إذ نحن روح واحدة تسكن بدنَيْن».

معرفة الله ج۱

142
  • ما أردنا رؤيتها وضعنا زجاجة سوداء على أعيننا و من وراء حجاب أسود و مظلم نستطيع فقط رؤية قرصها.

  • هذا مبلغ علمنا عن الشمس، فمن ذا الذي عرف الشمس كما هي؟

  • الذي عرف كُنه الشمس و حقيقتها، هو الذي انطلق من الأرض و دخل في أعماقها، و ذاب و انمحى في ذراتها، و لم يبق له أيّ أثر، و للأسف عندها لن يكون هو موجوداً فيها، بل أن كلمة (هو) لن تجد لها مكانا في بطن الشمس.

  • مدح تو حيف است با زندانيان‌***گويم اندر مجمع روحانيان‌
  • مدح، تعريف است و تخريق حجاب‌***فارغ است از مدح و تعريف آفتاب‌
  • مادح خورشيد مدّاح خود است***كه دو چشمم روشن و نامُرمَد۱ است‌
  • ذمّ خورشيد جهان ذمّ خود است***كه دو چشمم كور و تاريك و بد است‌٢
    1. اي غير المصابة بالرمد، و الرمد مرض يصيب العين فيجعلها ترى القمر محاطاً بهالة دائميّة.
    2. يقول: «أن مدحي لك مع السجناء مدعاة للأسف، إذ يجب مدحك ضمن جماعة الروحانيّين.
      إن المدح تعريف و خرق للحجاب، و الشمس غنيّة عن المدح و التعريف.
      إن مدّاح الشمس في الواقع يمدح نفسه، و كأنّه يقول: أن عينيّ مفتوحتان و سالمتان، غير مُرمدتين.
      و أن من يذمّ الشمس إنّما يذمّ نفسه، فهو كمن يقول: عيناي لا تبصران شيئاً، و لا أرى سوى الظلمة و الشرّ».
      ديوان «المثنوي» ص ٤٢٩، السطر ٤ و ٥، بداية (الكتاب الأوّل)، طبعة آقا ميرزا المحموديّ

معرفة الله ج۱

143
  • العشّاق هم ضحايا المعشوقين‌

  • و قال في مكان آخر:

  • عاشقى پيداست از زارى دل‌***نيست بيمارى چو بيمارى دل‌
  • علّت عاشق ز علّتها جداست***عشق، اصطرلاب اسرار خداست‌۱
  • آفتاب آمد دليل آفتاب‌٢‌ ***گر دليلت بايد از وى رو متاب‌
  • از وى ار سايه نشانى مى‌دهد***شمس هر دم نور جانى مى‌دهد
  • سايه خواب آرد ترا همچون سمر‌***چون بزايد شمس، انشقّ القَمر٣
    1. يقول: «أن العشق ظاهر من خلال شكاوي القلب و الفؤاد، و لا داء كالعشق أبداً.
      إن علّة العاشق لا تشبه العلل الأخرى، فمثل العشق كمثل إسطرلاب أسرار الله».
    2. إشارة إلى الحديث عَرَفْتُ رَبِّي بِرَبِّي، و كذلك يَا مَنْ دَلَّ على ذَاتِهِ بِذَاتِهِ.(التعليقة).
    3. يقول: «إذا كانت الشمس لكَ دليلًا للشمس فلا تُشِحْ بوجهك عنها.
      إنّها و إن كانت تُظهر الظلّ إلّا أنّها تشعّ على العالم بالنور و الضياء.
      إن الظلّ يغريك على النوم كالقصّة (التي تقال عند رأس من يريد النوم)، فلو ولدت الشمس، انشقّ القمر».

معرفة الله ج۱

144
  • خود غريبى در جهان چون شمس نيست***شمس جان باقئى كش أمس نيست‌۱
  • يقول الشيخ مصلح الدين سعدي الشيرازيّ:

  • «الطوّافون حول كعبة جلاله قد اعترفوا بتقصيرهم في عبادته و ينادون: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبادَتِكَ، و تحيّر العارفون في وصف جماله قائلين: مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ!٢

    1. يقول: «لا غريب كالشمس في هذا العالم، فمع انقضاء يوم أمس يبدو و كأنّ الشمس لم يكُن لها وجود إلّا اليوم».
      ديوان «المثنوي» ج ۱، ص ٤، سطر ۱٢ و ۱٦ و ۱۷، طبعة ميرزا المحموديّ.
    2. يقول السمعانيّ في كتاب «روح الأرواح في شرح أسماء الملك الفتّاح» ص ٥٤:
      «فتأتي ملائكة الملوك إلى صوامع العبادة و تشعل ناراً فيها، و تبعثر أكداس التقديس و التسبيح قائلةً: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. ثمّ يأتي العرفاء و الموحّدون ناشرين أيديهم قائلين: مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ».
      و قال في ص ٥٩٦: «أن قول الملائكة: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، إنّما هو إضاعة و تبديد للجهد؛ و قول الإنس: مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ، معناه إشعال النار في الأكداس و إحراقها».
      و كتب نجيب مائل الهرويّ في تعليقه في ص ٦٩۷:
      مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ».
      كتب علاء الدولة السمنانيّ يقول: أن إحدى مسائل الاصول موضع الخلاف بين الإمام أبي حنيفة و الإمام الشافعيّ هي أن أبا حنيفة يقول: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَ لَكِنْ عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ، في حين يقول الشافعيّ: مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ اي مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ.(المجلس الأربعون، ص ۱٥٦ إلى ۱٥۷)».
      و يقول علاء الدولة السمنانيّ في كتابه «العروة» ص ۸٣ و ۸٤: «و كذلك قال جميع العرفاء. أمّا ما قاله الإمام الأعظم أبو حنيفة الكوفيّ فهو: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَ مَا شَكَرْنَاكَ حَقَّ شُكْرِكَ، وَ لَكِنْ عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ؛ يحمل هذا المعني».

معرفة الله ج۱

145
  • گر كسى وصف او ز من پرسد***بى‌دل از بى‌نشان چه گويد باز
  • عاشقان، كشتگان معشوقند‌***برنيايد ز كشتگان آواز۱
  • نكّسَ أحد العارفين رأسه في مراقبته و استغرق في بحر المكاشفة، و عند ما أفاق سأله بعض الأصحاب: ما ذا هيّأت لنا من البستان؟

  • فأجاب العارف: شغفني زهر هذا البستان، فوقفت عنده أقطف لأصحابي بعضها، فأسكرني عطره و غيّبني سحره.

  • اى مرغ سحر عشق ز پروانه بياموز***كان سوخته را جان شد و آواز نيامد
  • اين مدّعيان در طلبش بى‌خبرانند‌***كآن را كه خبر شد خبرى باز نيامد٢
  • اى برتر از خيال و قياس و گمان و وهم‌***و ز هر چه گفته‌اند و شنيديم و خوانده‌ايم‌
  • مجلس تمام گشت و به آخر رسيد عمر‌***ما همچنان در اوّل وصف تو مانده‌ايم‌٣
    1. يقول:
      «أيّها السائل عن وصف الحبيب‌***ما يقول الواله ما عسى أن يجيب‌
      إنّما العشّاق قتلي للحبيب‌***كيف للموتى بقول أو نحيب»
    2. يقول: «يا طائر فجر العشق! تعلّم من الفراشة كيف تحترق بصمت.إن هؤلاء الباحثين عنه غافلون عن أن مَن صار خبراً لم يأت منه خبر».
    3. يقول: «يا من هو أسمى من الخيال و القياس و الظنّ و الوهم، و أعلى من كلّ ما قلنا و سمعنا و قرأنا.لقد انقضى المجلس و تصرّم العمر، و نحن حائرون في أوّل صفتك». نقلًا عن نسختين، الاولى نسخة قديمة مطبوعة كُتبت مع «بوستان» بخطّ على أكبر التفرشيّ في شهر شعبان المعظّم ۱٢٦۰ هـ في عهد محمّد شاه القاجاريّ. و صفحات هذه النسخة غير مرقّمة. الثانية: عن «كلّيّات سعدي- ديوان سعدي» و التي جمعت تحت إشراف محمّد على فروغي و من جملتها ديوان «گلستان». و قد ذكرنا هنا هذا الكلام نقلًا عن ص ٣ منها.

معرفة الله ج۱

146
  • وَ كُلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا بِلَيْلَي‌***وَ ليلى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَا
  • إذَا جَرَتِ الدُّمُوعُ على الخُدُودِ***تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَا
  • ذُكرت الرباعيّة التالية بالمناسبة في «مفاتيح الإعجاز»:

  • رخ دلدار را نقاب توئي‌***چهره يار را حجاب توئي‌
  • به تو پوشيده است مهر رخش***ابر بر روى آفتاب توئي‌۱
  • و على العموم، فهذا النوع من معرفة الله، الذي هو عبارة عن اقتفاء الأثر للوصول إلى المؤثّر، و بحث سرّ الخلق للوصول إلى الخالق هي معرفة إجماليّة و ليست مفصّلة. معرفة عن بعد و من وراء حجاب، و ليست عن قرب و بدون حجاب، و هي معرفة الضعفاء و العاجزين لا معرفة الرجال قويّي الإرادة و عالى الهمة.

  • هذه المعرفة، معرفة البعرة التي تدلّ على البعير، و الروثة تدلّ على الحمير. أين هذا من المعرفة بعد مجاهدة طويلة و عذاب مرير طوال عمر مديد؟

    1. يقول:
      «أنت حجاب وجه المحبوب‌***أنت ستار طلعة المحبوب‌
      بك مستور مُحيّاه و وجهه‌***أنتَ غَيمٌ بك ضوء الشمس محجوب»
      «مفاتيح الإعجاز» في شرح «گلشن راز» (= بستان الأسرار) للشيخ محمّد اللاهيجيّ، ص ۱۱۰.

معرفة الله ج۱

147
  • كلام الإمام عليّ: البَعْرَةُ تَدُلُّ على البَعِيرِ، وَ الرَّوْثَةُ تَدُلُّ على الحَمِيرِ

  • يروي المجلسيّ رضوان الله تعالى عليه عن «جامع الأخبار»:

  • سُئِلَ أمير المؤمنين عليه السلام عَنْ إثْبَاتِ الصَّانِعِ، فَقَالَ: البَعْرَةُ تَدُلُّ على البَعِيرِ، وَ الرَّوْثَةُ تَدُلُّ عَلَى الحَمِيرِ، وَ آثَارُ القَدَمِ تَدُلُّ على المَسِيرِ. (بهذا الاتّجاه أو ذاك) فَهَيْكَلٌ عِلْوِيّ بِهَذِهِ اللَّطَافَةِ وَ مَرْكَزٌ سِفْلِيّ بِهَذِهِ الكَثَافَةِ كَيْفَ لَا يَدُلَّانِ على اللَّطِيفِ الخَبِيرِ؟!۱

  • و كذلك روي عن «جامع الأخبار»:

  • سُئِلَ أمير المؤمنين صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ: مَا الدَّلِيلُ على إثْبَاتِ الصَّانِعِ؟!

  • قَالَ: ثَلَاثَةُ أشْيَاءَ: تَحْوِيلُ الحَالِ، وَ ضَعْفُ الأرْكَانِ، وَ نَقْضُ الهِمَّةِ٢.

  • و في «التوحيد» للصدوق عن ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: سُئِلَ أبو عبد الله عليه السلام فَقِيلَ لَهُ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟!

  • قَالَ: بِفَسْخِ العَزْمِ وَ نَقْضِ الهَمِّ؛ عَزَمْتُ فَفَسَخَ عَزْمِي وَ هَمَمْتُ فَنَقَضَ هَمِّي‌!٣

  • و مثل هذه المعرفة، و هي التي يطلق عليها في المنطق البرهان «الإنّيّ»؛ معرفة من المعلول إلى العلّة، من المخلوق إلى الخالق، و من المصنوع إلى الصانع.

    1. «بحار الأنوار» للعلّامة شيخ الإسلام: الملّا محمّد باقر المجلسيّ رضوان الله عليه، ج ٣، ص ٥٥، كتاب التوحيد، الرواية ٢۷، طبعة المطبعة الحيدريّة.
    2. «المصدر السابق»، الرواية ٢٩، طبعة مطبعة الحيدريّة.
    3. «المصدر السابق»، ص ٤٩، باب ٣: «إثبات الصانع و الاستدلال بعجائب صنعه على وجوده و علمه و قدرته و سائر صفاته»، الحديث ٢۱، طبعة مطبعة الحيدريّ.

معرفة الله ج۱

148
  • سُئِلَتْ عجوز: كيف عرفتِ الله؟ أجابت: من آلة النسيج هذه، فعند ما أمسك مقبضها و أدوّره بهذا الدوران ينسج الحبل، و حيث أرفعُ يدي و أتوقف عن التدوير تتوقّف و يبقي الصوف و القطن على حاله، عندها لا نسيج ينسج، و لا ليف يبرم.

  • من هنا أيقنت أن للأفلاك و النجوم و الكواكب السيّارة و الشمس و القمر و الأرض و نظام الخلق بأجمعه خالقاً مقتدراً، متى شاء عطّل الوجود و رماه في هوّة العدم. و إن شاء أمدّه بأسباب الحياة و أدار عجلة استمراره.

  • خبر دارى كه سيّاحان افلاك‌***چرا گردند گرد مركز خاك‌
  • در اين محرابگه معبودشان كيست‌***و زين آمد شدن مقصودشان چيست‌
  • چه مى‌خواهند از اين محمل كشيدن‌***چه مى‌جويند ازين منزل بريدن‌
  • چرا اين ثابت است آن منقلب نام‌***كه گفت اين را بجُنب آن را بيارام‌
  • مرا بر سرّ گردون رهبرى نيست***جز آن كاين نقش دانم سر سرى نيست۱
    1. يقول: «هل تعلم لما ذا تسبح الكواكب و الأجرام في الأفلاك حول مركز التراب.
      مَن هو معبودهم في هذا المحراب؟ و ما مرادهم من هذا الدوران؟
      ما ذا يبغون من حملهم هذا الهودج؟ و ما هو هدفهم من ترك هذا المنزل؟
      لِمَ نسمّي هذا ثابتاً منقلباً؟ و لِمَ يُقال لهذا متحرّكاً و لذاك ساكناً؟
      أنا لا أملك دليلًا على سرّ هذا الدوران لكنّي أعلم أن هذا النظام ليس عبثاً».

معرفة الله ج۱

149
  • از اين گردنده گنبدهاى پر نور***به جز گردش چه شايد ديدن از دور
  • بلى در طبع هر داننده‌اى هست‌***كه با گردنده گرداننده‌اى هست‌
  • از آن چرخه كه گرداند زن پير‌***قياس چرخ گردنده از آن گير۱
  • و لهذا قيل: وَ عَلَيْكُمْ بِدِينِ العَجِائِزِ! و لكن مهما يكن من أمر، عليك أن لا تنسي بأنّك رجل، بل رجل يافع تملك إرادة، فإذا اقتصرت على دين العجائز كان مصيرك الحزن و الندامة في الحياة الدنيا، و الحسرة و الخذلان في الآخرة.

  • أشعار الشبستريّ الرائعة في ضرورة الحركة صوب الله تعالى‌

  • يقول فخر الشيعة الإثني عشريّة العالم الجليل الشيخ محمود بن عبد الكريم نجم الدين الشبستريّ، و هو من علماء القرن السابع الهجريّ تغمده الله بأعلى درجات رضوانه، في هذا الشأن:

  • تو از عالم همين لفظى شنيدى***بيا بر گو كه از عالم چه ديدى؟٢
    1. يقول: «ما ذا يمكن أن يُرى من محرِّك هذه الأجسام المنيرة الدائرة سوى الدوران؟
      نعم فكلّ لبيب يفهم أن لكلّ دائر مُدوّر.
      فقس الفلك الدائر بمغزل العجوز و خذ عبرة منه».
      «كلّيّات حكيم نظامى گنجوى» (= الديوان الكامل للحكيم النظامى الكنجويّ) ص ۱٢٣ و ۱٢٤، طبعة منشورات أمير كبير، القسم الخاصّ بـ (خسرو و شيرين) تحت عنوان «استدلال نظر و توفيق شناخت» (= استدلال الرأي و التوفيق للمعرفة)، و هي قصيدة مفصّلة انتخبنا منها الأبيات المذكورة.
    2. يقول: «أنت لا تعرف من هذا العالم إلّا اسمه، و إذا كنت قد رأيت شيئاً منه، فقلْ أذن ما ذا رأيتَ؟».

معرفة الله ج۱

150
  • چه دانستى ز صورت يا ز معني؟***چه باشد آخرت چونست دُنيي؟
  • بگو سيمرغ و كوه قاف چبود؟***بهشت و دوزخ و أعراف چبود؟
  • كدام است آن جهان كو نيست پيدا***كه يك روزش بود يك سال اينجا؟
  • همين نبود جهان آخر كه ديدي‌***نه ما لا تُبْصِرونْ آخر شنيدى؟
  • بيا بنما كه جابُلقا كدام است‌***جهان شهر جابُلسا كدام است‌
  • مشارق با مغارب هم بينديش‌***چه اين عالم ندارد جز يكى بيش‌
  • بيان مِثْلَهُنَّ ز ابن عبّاس***شنو پس خويشتن را نيك بشناس‌۱
    1. يقول: «ما ذا عرفت عن الصورة أو المعني؟ أم ما هي الآخرة و ما هي الدنيا؟
      قل ما هي العنقاء أو جبل قاف؟ أم ما هي الجنّة و النار و الأعراف؟
      أين ذلك العالَم، لِمَ لا يَبين؟ أين ذلك العالَم الخفيّ الذي يعادل يومه سنة من هذا العالم؟
      لم يكن هذا العالَم الذي رأيتَه هو العالم الآخر، أ ما سمعت عن (ما لا تُبصرون)؟
      تعال و قل أيّ المدن هي جابُلقا و أيّها هي جابُلسا؟: و تَفَكَّرْ كذلك بالمشارق و المغارب، لأنّ هذا العالَم لا يملك إلّا مشرقاً واحداً و مغرباً واحداً.
      اسمع بيان (مِثْلَهُنَّ) من ابن عبّاس، ثمّ اعرِفْ نفسكَ جيّداً».

معرفة الله ج۱

151
  • تو در خوابى و اين ديدن خيال است‌***هر آنچه ديده‌اى از وى مثال است‌
  • به صبح حشر چون گردى تو بيدار***بدانى كآن همه وهم است و پندار
  • چه برخيزد خيال چشم أحوَل‌***زمين و آسمان گردد مبدّل‌
  • چه خورشيد جهان بنمايدت چهر***نماند نور ناهيد و مه و مهر
  • فتد يك تاب از آن بر سنگ خاره‌***شود چون پشم رنگين پاره پاره‌
  • بدان اكنون كه كردن مى‌توانى‌***چه نتوانى چه سود آنگه كه دانى‌
  • چه مى‌گويم حديث عالم دل***ترا سر در نشيب و پاى در گل‌۱
    1. يقول: «أنت غاطّ في النوم و نظرك خيال، و كلّ ما رأيته ليس إلّا مثالًا.
      لكن عند ما تصحو يوم الحشر و تنتبه ستعلم حينئذٍ أن ذلك لَم يكن إلّا وهماً و ظنّاً.
      إذا فتح الأحول عينيه بدت السماء و الأرض في عينيه على غير ما هما عليه و خلافاً لحقيقتهما.
      لو ظهرت لك شمس العالم و طلعت ما أبقتْ للزُّهرة نوراً و لا للقمر ضياءً.
      و لو سقط شعاع منها على حجر الصوان لأحاله إلى عِهنٍ منفوش.
      اعلم ما دمتَ قادراً على عمل شي‌ء ما الآن، فلا فائدة من علمكَ إن كنت عاجزاً عن فعل شي‌ء.
      ما ذا أقول عن حديث عالَم القلب، فرأسُكَ مُنَكَّسٌ في غور و قدماك في الوحل».

معرفة الله ج۱

152
  • جهان آنِ تو و تو مانده عاجز***ز تو محروم‌تر كس ديد هرگز؟
  • چو محبوسان به يك منزل نشسته‌***بدست عجز، پاى خويش بسته‌
  • نشستى چون زنان در كوى ادبار***نميدارى ز جهل خويشتن عار
  • دليران جهان آغشته در خون‌***تو سر پوشيده ننهى پاى بيرون‌
  • چه كردى فهم از اين «دين العجايز»***كه بر خود جهل مى‌دارى تو جايز؟
  • زنان چون ناقصات عقل و دينند***چرا مردان ره ايشان گزينند؟
  • اگر مردى برون آى و نظر كن***هر آنچ آيد به پيشت زان گذر كن‌۱
    1. يقول: «العالم بيدك و أنت حائر عاجز، فلا أظنّ أن أحداً حرم تلك النعمة كما هو الحال معك.
      فأنت جالس كالسجين في البيت، مقيّداً قدميك بالعجز.
      جلستَ كالنساء مُدبراً وحيداً، جاهلًا أن ذلك إنّما هو عارٌ.
      فالأشاوس في العالم مخضّبون بدمائهم، في حين أنّك متخفٍّ لا تجرؤ على الخطو خارج منزلك.
      ما ذا فهمتَ من «دين العجائز» هذا، حتى أجزت الجهل على نفسك؟
      النساء ناقصات عقل و دين، فكيف يتّبعهم الرجال؟
      فلو كنت رجلًا اخرج و ألقِ نظرة، و تجاوز عمّا يقف في طريقك».

معرفة الله ج۱

153
  • مياسا يك زمان اندر مراحل‌***مشو موقوف همراه رواحل‌
  • خليل‌آسا برو حقّ را طلب كن‌***شبى را روز و روزى را به شب كن‌
  • ستاره با مه و خورشيد اكبر***بود حسّ و خيال و عقل انور
  • بگردان زان همه اى راهرو روى‌***هميشه لا احِبُّ الآفِلينْ گوى‌
  • و يا چون موسى عمران در اين راه‌***برو تا بشنوى إنّى أنَا الله‌
  • ترا تا كوه هستى پيش باقى است‌***جواب لفظ ارنى، لَنْ تَرانى است‌
  • حقيقت كهربا، ذات تو كاه است***اگر كوه توئى نبود چه راه است؟۱
    1. يقول: «لا تتوقّف في أيّة مرحلة من المراحل في أيّ وقت كان، و لا تحطّ رحلك متى حطّت الرواحل رحلها.
      اتّكلْ على الخليل و ابحثْ عن الحقّ، وصل من أجل ذلك الليل بالنهار.
      إن النجم بالاشتراك مع القمر و الشمس، كلّها تُمثّل الحسَّ و الخيال و العقل الأنور.
      ملْ عن كلّ ذلك يا عابر السبيل، و ردّد دوماً عبارة {لا احبُّ الآفِلينَ}.
      أو كن في مسيرك هذا كموسى بن عمران حتى تسمع نداء {إنّي أنا الله}.
      ما بقيَ أمامك للوصول إلى جبل الوجود إلّا سماعك نداء {لَن تَراني} جواباً لـ {أرِني}.
      إن الكهرباء هي الحقيقة و ما ذاتك إلّا تبناً، و لو لَم يكن جبل الـ «أنت» موجوداً، لما بقي أمامك من طريق تطويه».

معرفة الله ج۱

154
  • تجلّى گر رسد بر كوه هستى‌***شود چون خاك ره، هستى ز پستى‌
  • گدائى گردد از يك جذبه شاهى‌***به يك لحظه دهد كوهى به كاهى‌
  • برو اندر پى خواجه به اسْرَى‌***تفرّج كن همه آيات كُبرى‌
  • برون آى از سراى امّ هانى‌***بگو مطلق حديث مَن رآنى‌
  • گذارى كن ز كاف كُنج كونين‌***نشين بر قاف قرب قابَ قوسَين‌
  • دهد حقّ مر ترا از آنچه خواهى***نمايندت همه أشيا كَما هيْ‌۱
  • «مفاتيح الإعجاز» في شرح أشعار «گلشن راز»

  • لقد أغلق الشيخ رحمه الله، في الأبيات المختصرة التي مرّت آنفاً،

    1. يقول: «لو طال التجلّي لجبل الوجود لأحال الوجود إلى كومة تراب لتفاهته و صغره.
      قد يتحوّل المسكين إلى سلطان بجذبة واحدة و لاستبدل جبلًا بكومة من تِبن.
      رافق الخواجة في رحلة الإسراء (المعراج) و تَطلّعْ إلى جميع الآيات الكبرى.
      اخرُجْ من قصر امّ هانئ، و اتل حديث «منْ رآني» كاملًا.
      اجتزْ الـ «كاف» في الـ «كَونَيْن» و اعبُر إلى الـ «قافِ» في «قاب قَوْسَيْن».
      سيُعطيك الحقّ حينها كلّ ما تَرغبْ و تتمنّى و سيُريكَ جميع الأشياء كما هي على حقيقتها».
      «گلشن راز» ص ۱٦ إلى ۱٩، بخطّ النستعليق، للعماد الأردبيليّ، منشورات مكتبة الأحمديّ، شيراز.

معرفة الله ج۱

155
  • كلّ أبواب عبادة النفس و دلّ على الطريق إلى الله، و بما أن كتابنا هو في (معرفة الله) فقد رأينا من المناسب ذكرها هنا.

  • بَيدَ أن بعض هذه الأبيات تحتاج إلى شرح و توضيح، و منذ عصر الشيخ و حتى الآن، لم يظهر شرح أحسن و لا أوضح و لا أقرب إلى القلب من شرح العالم الجليل: الشيخ محمّد بن يحيى بن على الجيلاني اللاهيجي، و على الرغم من مضي خمسمائة و ثمانية و ثلاثين عاماً منذ ذلك الوقت و حتى هذه السنة، و هي سنة (۱٤۱٥ هـ)۱ على هذا الشرح، فهو لا يزال مرجعاً لأعلام الفنّ، و ارتأى أن تورَد نفس عباراته لتوضيح مفاهيم الشيخ. كما أن متانة الكلام و قوّة البرهان و سلاسة الإنشاء و عذوبته و رقَّة الشِّعْر

    1. كما علمنا فإنّ المرحوم الشيخ قام بنظم «گلشن راز» سنة ۷۱۷ هـ و قد شرحه المرحوم اللاهيجيّ كما في «مفاتيح الإعجاز» المطبوع مع مقدّمة السيّد كيوان سميعي، منشورات المحموديّ، ص ٢، و كان قد بدأ بشرحه سنة (۸۷۷)، و على هذا تكون قد مضت (٦٩۸) سنة على نظم «گلشن راز» و (٥٣۸) سنة على شرحه.
      و جاء في «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» ج ٢۱، ص ٣۰۱:
      «أن «مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز» هو كتاب من تأليف شمس الدين محمّد المعروف بـ (أسيري) اللاهيجيّ النوربخشيّ و هو حائز على إجازة من السيّد محمّد نور بخش (المذكور في ج ٩، ص ۷٦). و قد أشرنا إلى بعض الشرح من «گلشن راز» في ج ۱٣، ص ٢٦۸ إلى ٢۷۱. بدأ اللاهيجيّ بتأليف هذا الكتاب في يوم الاثنين ۱٩ ذي الحجّة من سنة ۸۷۷ هـ و قد طُبعَ الكتاب المذكور مراراً و تكراراً، و من ضمن تلك الطبعات طبعة بومباي سنة ۱٣۰۱ هـ و تبدأ هذه الطبعة بالعبارات التالية: «باسمِك الأعظمِ الشَّاملِ فيضُه المُقدّسُ لكُلّ موجودٍ ... اي محمود به هر شأني و اي معبود به هر مكاني». و النسخ الخطّيّة لهذا الكتاب متوفّرة و منتشرة. و أقدم تلك النسخ، حسب علمي، هي النسخة الموجودة في القاهرة (دار الكتب ۷ م تصوّف فارسي) كُتبتْ في سنة ۸۸٥ هـ و الأخرى موجودة في طهران (المجلس ۱۱۱۷) كُتبت في سنة ٩۰۰ هـ و نسخة أخرى عند سلطان القرائيّ في طهران و هي مكتوبة سنة ٩۰۱ هـ».

معرفة الله ج۱

156
  • و سحره جعلته يتربّع على عرش البيان.

  • و ها نحن نشرع بالشرح، و حيثما كانت الحاجة إلى الملاحظات الضروريّة قمنا بتسجيلها، بِحَوْلِ اللهِ وَ قُوَّتِهِ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَليّ العَظِيمِ.

  • يقول الشيخ محمّد اللاهيجيّ:

  • «لأنّ الحقّ تعالى متجلٍّ بجميع الأشياء و الأعيان، و أن العلم و الحياة لازمتا الذات الإلهيّة، و بالطبع أينما كان الملزوم، كان اللازم، فلهذا، أينما وُجِد الوجود، وُجِد العِلم و الحياة.

  • و غاية ما في هذا الباب، أنّه إذا كان مكان ظهور التجلّي لا يحوي الاعتدال الموجب لظهور الحياة و العلم، عندئذٍ ستبقى تلك الصفات كامنة فيه، كالشخص المغمى عليه.

  • إذاً جميع الأشياء هي ذات علم و حياة، و كلّ شي‌ء له حياة، فبالقطع له نفس أيضاً، و كلّ نفس موجودة- بالقوّة أو بالفعل- تكون بالضرورة مدركة لوجودها. و حريّاً بها أن تدرك الوجود المطلق، حيث العامّ يكون أوضح من الخاصّ، اي أن كلّ ما في الكون يدرك ذاته- بالقوّة أو بالفعل- و هذا الإدراك يفتح الطريق إلى ساحة الله تعالى، لأنّ ذات الحقّ تعالى متجلّية و ظاهرة في جميع الأشياء.

  • نطق آب و نطق خاك و نطق گل‌***هست محسوس حواس اهل دل‌
  • فلسفي كآن منكر حَنّانه است***از حواس اوليا بيگانه است‌۱
  • فكلّ موجود مظهر لوجه الله تعالى و مرآة له، و هو متجلٍّ بجميع‌

    1. يقول: «أن أهل العشق هم الذين يفهمون منطق الماء و التراب و الطين.
      إن الفيلسوف الذي لا يؤمن بالحنّانة فهو بعيد كلّ البعد عن الأولياء و أحاسيسهم».

معرفة الله ج۱

157
  • الأشياء، و لكنّه توارى في حجاب التعيّنات. و يقول أيضاً:

  • به زير پرده هر ذرّه پنهان***جمال جانفزاى روى جانان‌۱
  • و أمّا من عجائب السرّ الإلهيّ، أنّه جلّت قدرته في أوج ظهوره محتجب، و في أوج احتجابه ظاهر، و على الرغم من أنّه لا موجود كائن بدونه، و أنّه عين كلّ شي‌ء، و أضحى التعيّن و التشخّص حلّة جماله، فإنّ جمال ذلك المحبوب الحقيقيّ الأخّاذ قد كمن و في ضمير كلّ ذرّة من ذرّات العالمين، بدا بكلّ صورة و لون.

  • بَدَتْ بِاحْتِجَابٍ وَ اخْتَفَتْ بِمَظَاهِرٍ‌***عَلَى صِبَغِ التَّلْوِينِ في كُلِّ بَرْزَةٍ٢
  • خورشيد به ذرّه چون نهان است‌***چون ذرّه به نور خود عيان است‌
  • حيف است كه مهر روى جانان‌***مستور به پرده جهان است‌
  • از بهر چه نور عالم‌آرا***در ظلمت اين و آن نهان است‌
  • خورشيد رُخش به جلوه آمد‌***ذرّات جهان نمودِ آن است‌٣
    1. يقول: «أن في كلّ ذرّة جمال مخفيّ يشعّ على الأرواح».
    2. هذا هو البيت السادس و الأربعون بعد المائتين من تائيّة ابن الفارض الكبرى و التي يبلغ مجموع أبياتها (۷٦۱) بيتاً و تعرف بـ «نظم السلوك»، و هذه الأبيات توجد في ص ۷۰ من مجموعة «ديوان ابن الفارض الكامل» طبعة دار صادر، دار بيروت، سنة ۱٣۸٢ هـ. و أمّا البيتان اللذان يسبقان هذا البيت فهما:
      فكلٌّ صَبا منهم إلى وصف لبسِها***بصورةِ حُسنٍ لاحَ في حُسْنِ صورةٍ
      و ما ذاك إلّا أن بَدتْ بمظاهرٍ***فظنّوا سواها و هي فيها تجلّت‌
    3. يقول: «ليست الشمس إلّا كذرّة، لكنّ هذه الذرّة تشعّ بنورها.أسفاً أن تكون هذه الشمس الساطعة على الخلائق محجوبة بحجاب الدنيا.لِمَ يُحْبَس هذا النور المشرق على هذا العالم في ظلمة هذا و ذاك؟ لقد تجلّي وجه الشمس و محيّاها و أضحت ذرّات العالم مظاهر لها».

معرفة الله ج۱

158
  • فَسُبْحانَهُ وَ تعالى؛ مَا ظَهَرَ في مَظْهَرٍ إلَّا وَ احْتَجَبَ بِهِ.

  • قاعِدَةٌ في أن مَرَاتِبَ ظُهُورِ الحَقِّ غَيْرُ مُتَناهِيَةٍ:

  • و بعد أن أشار ضمن تفكّره في الآلاء و النِّعَم إلى بيان صدور الكثرة من الوحدة، و ظهور الوحدة في الكثرة، تطرّق إلى ترتيب مقدّمة من جهة تنبيه الغافلين و ترغيب الطالبين، حيث تحدّثت تلك المقدّمة عمّا تتوقّف عليه المعرفة التامّة، و قال تحت عنوان قاعدة:

  • إن هذه القاعدة تشير إلى أن مراتب الظهور الإلهيّ لا متناهية، و إنّما نحصل على المعرفة الحقيقيّة، عند حصولنا على الاطّلاع الكشفيّ على هذه المراتب الكلّيّة.

  • درجات ظهور الله تعالى في العوالم اللامتناهية

  • و اعلم أن العالم لا يقتصر على عالم الشهادة هذا، و أن هذا العالم، إنّما هو انعكاس بالقياس إلى العوالم الغيبيّة المعنويّة، و أن للحقّ تعالى ظهوراً مختلفاً في كلٍّ من عوالم التجلّي و الظهور، و على هذا قال:

  • تو از عالم همين لفظي شنيدى***بيا بر گو كه از عالم چه ديدي؟!۱
  • حيث يقول: إنّك من هذا العالم الذي تعرفه إنّما سمعت لفظاً، و ما دريت أن العالم أكبر من ذلك. لأنّه قيل: أن العالَم، هو ذلك الذي يُتَوَصَّل به إلى معرفة شي‌ءٍ ما، و بهذا المعنى، يكون اشتقاق كلمة العالم أظهر من كلمة العلم. لذا، فإنّ تسمية الموجودات بالعالم، هي بواسطة أنّه وسيلة و آلة لإدراك الحقّ تعالى. مثله كمثل الخاتم، الذي يدلّ على الشي‌ء الذي يختم به.

    1. يقول: «أنتَ لا تعرف من هذا العالَم إلّا اسمه، و إذا كنتَ قد رأيت شيئاً منه، فقل أذن ما ذا رأيت؟»

معرفة الله ج۱

159
  • و على هذا المعنى أمكن إطلاق كلمة العالم على مجموع الأشياء الموجودة، و كذا أمكن إطلاقه على كلّ مرتبة بل و كلّ فرد، و لهذا فهو يقول، هلمّ و أخبرني عمّا رأيت من هذا العالم؟ و إلى أيّ من هذه العوالم وصلت؟ ذلك أن العوالم غير المحسوسة كثيرة، و قد ورد في الأخبار، أن العوالم كثيرة، و قد أشار بالتفصيل إلى ذلك:

  • چه دانستى ز صورت يا ز معني؟‌***چه باشد آخرت چونست دنيا؟!۱
  • يقول ما ذا علمت عمّا قيل من عالم الصورة و المعني؟ اعلم، أن ما يمكن إدراكه بالحواسّ الظاهرة، إنّما هو الصورة، و أن ما لا تدركه الحواسّ الظاهرة، هو المعنى أو ما يسمّى بالغيب و الشهادة.

  • و أمّا الدنيا، فهي عبارة عن هذا العالم، الذي تتعلّق فيه النفس الإنسانيّة بالبدن، و بواسطة الآلات البدنيّة، يمكنها اكتساب الأخلاق و الأعمال من سيّئات و حسنات. و يعبّر عن ذلك، بالنشأة الاولى؛ و أمّا الآخرة، فهي العالم الذي تُقاضى فيه النفس بعد مفارقتها البدن، و تجزي على أخلاقها و أعمالها، أن خَيْراً فَخَيْرٌ وَ أن شَرّاً فَشَرٌّ.٢

    1. يقول:
      «ما الذي علمتَهُ من صورة أو معني؟***و ما هي الآخرة، كيف حال الدنيا؟»
    2. قال ابن مالك في ألفيّته في باب كان:
      و يَحذِفونها و يبقون الخبر***و بعدَ أن و لَو كثيراً ذا اشتهر
      و يقول الملّا جلال السيوطيّ، شارح الألفيّة،: و مثله قول: «المَرْءُ مَجْزِيّ بِعَمَلِهِ، أن خَيْراً فَخَيْرٌ». أيْ: أن كَانَ عَمَلُهُ خَيْراً.و يقول أبو طالب في حاشيته: «و ورد في بعض الكتب «النَّاسُ مَجْزِيِّونَ بِأعْمَالِهِمْ»، و قيل أن هذا القول هو حديث». («البهجة المرضيّة» بخطّ عبد الرحيم، ص ٥٥).

معرفة الله ج۱

160
  • و سوف نشير إلى حقيقة معنى‌ كَلِّمُوا النَّاسَ على قَدْرِ عُقُولِهِمْ‌۱ باختصار أثناء شرحنا للأبيات إن شاء الله تعالى.

  • «العنقاء» هي الذات الواحدة المطلقة؛ و «جبل قاف» هو الحقيقة

  • و لمّا كان الهدف و هو معرفة الطالب لما لا يُدرك بالحسّ و العقل حقّ إدراكه، ليس بسهل، و إنّما يستند على تنقية الفؤاد: فقد قال:

  • بگو سيمرغ و كوه قاف چبود؟‌***بهشت و دوزخ و أعراف چبود؟٢
  • و اعلم أنّه قد رويت و قيلت الكثير من الحكايات حول طائر العنقاء كلٌّ حسب تأويله، و أمّا ما يخطر ببال الحقير الفقير فهو أن العنقاء رمز للذات الواحدة المطلقة، و أن القاف، و هو مقرّها، يرمز إلى الحقيقة الإنسانيّة التي هي مظهر تامّ لتلك الحقيقة، و أن الحقّ بكامل أسمائه‌

    1. لم يرد حديث بهذا الشكل في كتب الشيعة، و أمّا ما ورد فهو بالشكل التالي:نَحْنُ- إنَّا- مَعَاشِرَ الأنْبِيَاءِ امِرْنَا أن نُكَلِّمَ النَّاسَ على قَدْرِ عُقولِهِمْ. («المحجّة البيضاء» ج ۱، ص ۱٢٢؛ «تحف العقول» ص ٣۷؛ «بحار الأنوار» الروضة، ج ۱۷، ص ٤۱، طبعة الكمبانيّ؛ و قد وردت الرواية كاملة في «اصول الكافي» ج ۱، ص ٢٣).نعم، قد وردت أحاديث نبويّة مرسلة عن طريق العامّة في كتاب «مرصاد العباد» ص ۱٥، طبعة بُنگاه ترجمه و نشر كتاب. و وردت كذلك في كتاب «أحاديث مثنوي»(= أحاديث المثنويّ) في موضعَيْن: الأوّل في ص ٣۷، رقم ٩٣:
      پست مى‌گويم به اندازة عقول‌***عيب نبود اين بود كار رسول‌
      يقول: «أتكلّم كلاماً بسيطاً تطيقه العقول، و ليس هذا عيباً، لأنّه كان فعل الرسول».و الثاني في ص ۱٢٩، رقم ٣٩٣:
      رنگ و بو در پيش ما بس كاسد است‌***ليك تو پستى، سخن كرديم پست‌
      يقول: «أن اللون و الرائحة كاسدان لدينا، و لكنّك بسيط فتكلّمنا كلاماً بسيطاً».
    2. يقول:
      «أ تعرف ما العنقاء أو طود قاف؟***أو الجنّة و جهنّم و الأعراف؟»

معرفة الله ج۱

161
  • و صفاته، متجلٍّ و ظاهر بها.

  • و أمّا ما قيل من أن جبل قاف محيط بالعالم من كلّ جوانبه لعظمته، فإنّ هذا المعنى ظاهر في الحقيقة الإنسانيّة، لأنّ تلك الحقيقة كما مرّ بيانها، تشتمل على جميع حقائق العالم، و لأنّ الإنسان يمثّل أحديّة الجمع ظاهراً و باطناً، و هو منتخب كلّ العالم و خلاصته.

  • و كلّ من وصل إلى معرفة الحقيقة الإنسانيّة، اعتماداً على قاعدة أن‌ مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ‌،۱ تيسّرت له رؤية الحقّ تعالى و معرفته، حيث إنّ: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ،٢ و على هذا، فإنّ من وصل إلى جبل‌

    1. جاء في تفسير «الميزان» ج ٦، ص ۱۸٢، في (بحث روائيّ) في ذيل الآية الشريفة {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، نقلًا عن «الغرر و الدُّرر» للآمديّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ. و روي كلّ من الشيعة و السنّة ذلك أيضاً، و هو حديث مشهور. و قال بعض العلماء: هذا الحديث يُشير إلى التعليق بالمحال و مفاده استحالة معرفة النفس باستحالة الإحاطة العِلميّة بالله سبحانه؛ و هذا القول مرفوض أوّلًا لقول النبيّ صلى الله عليه و آله في رواية أخرى: أعْرَفُكُمْ بِنَفْسِهِ أعْرَفُكُمْ بِرَبِّهِ. و ثانياً أن هذا الحديث مُناقضٌ لقول الله تعالى: {وَ لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأنسَاهُمْ أنفُسَهُمْ}.و قد أفاض العلّامة في بحث مفصّل حول هذا الحديث و استشهد بكثير من الروايات حول ذلك في ص ۱۸٦.هذا و قد ورد الحديث المذكور كذلك في «مرصاد العباد» ص: ٣، ۱۷٤، ۱۸٥، ٤۱٣، و ٥٣٥، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب.
    2. جاء في كتاب «أحاديث المثنويّ» ص ٦٢، و ٦٣، الطبعة الثانية:
      چون مرا ديدي خدا را ديده‌‌اي‌***گرد كعبه صدق بر گرديده‌‌اى‌
      مقتبساً معناه من الحديث القائل: مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ. («البخاريّ» ج ٤، ص ۱٣٥؛ «صحيح مسلم» ج ۷، ص ٥٤؛ «كنوز الحقائق» ص ۱٢٥؛ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَّ، فَإنَّ الشَّيْطانَ لَا يُتَرَاءَى بِي. («الجامع الصغير» ج ٢، ص ۱۷۰).

معرفة الله ج۱

162
  • قاف، فقد وصل إلى العنقاء. شعر:

  • گرنه آن حسن در تجلّى بود‌***آن أنا الحقّ كه گفت: سُبحاني‌۱
  • كه تواند به غير او گفتن***لَيْسَ في جُبَّتي‌٢ كه مى‌خوانى‌٣
    1. قال السمعانيّ في كتاب «رَوح الأرواح في شرح أسماء الملك الفتّاح» ص ۱٢٩ و ۱٣٢: «كان بايزيد يصيح: سُبحاني ما أعظمَ شأني. و هو القائل: سُبحاني سُبحاني».
      و قال علاء الدولة السمنانيّ في «العروة لأهل الخلوة و الجلوة» ص ٩٤: «لكن اعلم أنّه إذا انتهى التجلّي الصوريّ و الذي لا يرى بعده تجلٍّ آخر، فإنّه سيرى ختامه على صورته و سيكون مصدراً للفناء لاهجاً بلسانه عبارة: أنا الحقّ، و سبحاني دون إرادته».
      و يقول الشيخ نجم الدين الرازيّ في كتاب «العشق و العقل» ص ۸٩: «و إذا خرج الجسم من بيضة الوجود، صرخ قائلًا: سبحاني ما أعظم شأني؛ بينما لا تزال قدمه داخل البيضة».
    2. قال سعيد الدين الفرغانيّ في كتاب «مشارق الدراريّ» ص ٦٣٤: «إلّا إذا كان كالشخص الذي يصل بكمال التخلّق و التحقّق بالأسماء الإلهيّة إلى مقام الجمع الوجوديّ و يغرق في بحره اللجّيّ.
      حينئذٍ سيصرخ بلسان الجمع الإلهيّ قائلين: أنا الحقّ و سبحاني و ليس في الجنّة سوى الله.
      و قال في «السيرة الحلبيّة» ج ۱، ص ٢٩۰: «و من ثمّ ذكر القاضي عياض في «الشفاء»: أن مَن ادّعى حلول الباري في أحد الأشخاص كان كافراً بإجماع المسلمين. و قول بعض العارفين و هو أبو يزيد البسطاميّ: سبحاني ما أعظم شأني، و قوله: {إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا فاعبدني}، و قوله: و {أنا ربّي الأعلى}، و قوله: {أنا الحقّ} و هو أنا و أنا هو؛ ليس من دعوى الحلول في شي‌ء».
    3. يقول: «لو لا وجود ذلك الجمال المتجلّي، لما قال من قال أنا الحقّ، أو سبحاني.
      من يجرؤ غيره على قول (العبارة التي تردّدها): ليس في جبّتي؟».

معرفة الله ج۱

163
  • هر چه هستى است در تو موجود است***خويشتن را مگر نمي‌داني‌۱
  • الجنّة و النار مظهران موجودان في جميع العوالم الإلهيّة

  • و اعلم، أن الجنّة و النار، إنّما هي مظاهر في جميع العوالم الإلهيّة، و لا ريب في كونها من الأعيان التي هي صور علميّة في العلم الإلهيّ، و يكثر وجودها في العالم الروحانيّ أكثر منه في الوجود الجسمانيّ كذلك. و أن إخراج آدم و حواء من الجنّة، إنّما هو إشارة إلى ذلك، و للنار كذلك وجود في هذا العالم الروحانيّ، ذلك أن العالم الروحانيّ مثال لما هو موجود في علمه، و الأحاديث التي تدلّ على وجودهما كثيرة، و قد أشار الرسول عليه الصلاة و السلام إلى مسألة إثبات وجودهما في عالم الدنيا بقوله، الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ وَ جَنَّةُ الكَافِرِ٢. و كذا في الآية الشريفة: {وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ}.٣

  • أدلّة إثبات وجود الجنّة و النار في عوالم ما بعد عالم الدنيا

  • و في مكان آخر، أشار كذلك إلى إثبات وجودهما في البرزخ المثاليّ قائلًا: القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ ‌. و هو

    1. يقول: «أن كلّ ما هو موجود من وجود يكمن فيك أنت؛ عجباً، أ لا تعرف نفسك؟».
    2. أورد صاحب «مرصاد العباد» الجزء الأوّل من هذه الرواية في ص ۱٢٦؛ و قال في ص ٥٩۸ في معرض توضيحه: «ورد هذا الحديث في «تَرْك الإطناب» ص ۷٦؛ و ورد في شرح «الشهاب» بالفارسيّة ص ۷٥؛ و «أحاديث مثنوي» ص ۱۱.
    3. الآية ٤٩، من السورة ٩: التوبة.
      ذكر الملّا صدرا هذه الرواية في تفسيره لسورة الطارق، ص ٣٢، طبعة انتشارات بيدار، قائلًا: وَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى البَرْزَخِ قَوْلُهُ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرانِ. و قد أورد المعلّق في تعليقته المصادر التالية: «الترمذيّ» ج ٤، ص ٦٤۰»، الباب ٢٦، كتاب صفة القيامة.
      (تتمة الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

164
  • ...۱ 

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)و كذا في «بحار الأنوار» ج ٦، ص ٢۰٥، الطبعة الحروفيّة؛ و «سفينة البحار» ج ٢، ص ٣٩٥، الطبعة الحجريّة؛ و كذلك في نفس مُجلّد «البحار» هذا في باب أحوال البرزخ و القبر، ص ٢۱۸، حديث ۱٣، نقلًا عن «الأمالى» فيما كتب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمّد بن أبي بكر: يَا عِبادَ اللهِ! ثمّ يقول بعد سطرين أو ثلاث-: وَ القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.و جاء في «أحاديث المثنويّ» ص ۱٤۰، برقم ٤٣٣ البيت التالى على لسان مولانا (محمّد الروميّ):
      گورها يكسان به پيش چشم ما***روضه و حفره به پيش انبيا
      يقول: «أن القبور كلّها تبدو لنا (نحن البشر العاديّون) واحدة و متشابهة و لا فرق بينها، لكنّها بنظر الأنبياء إمّا أن تكون روضة غنّاء أو حفرة دهماء».و قيل: «أن هذا إشارة إلى الحديث القائل:إنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ أوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ. («الجامع الصغير» ج ۱، ص ٦٢»).و أيضاً قال الملّا صدرا في «تفسير سورة السجدة» ص ۸٩، منشورات بيدار:و قد انتهى الكلام إلى ما عجز عن دركه جمهور الأنام؛ اللهمّ اجْعَل هذه الكلمات محروسة عن ملاحظة الناقصينَ، و اسْتُرها عن أعين المغرورين، و اجْعَل لأصحاب القلوب الصافية نصيباً وافراً من دركها، و رغبة تامّة في حفظها ثمّ في صونها عن الأغيار، ليكون مستقرُّ هذه المعاني صدور الأحرار التي هي قبور الأسرار لتكون في روضة من رياض الجِنان، و لا تجْعَلها في بطون الأشرار كَيْلا يكون في حفرة من حُفر النيران، و هم الظاهريّون الذين زيّنوا ظواهرهم بالنقوش المزخرفة و الأقوال المزيّنة المليحة الحلوة كالأطعمة و الحلاوات، و أهملوا بواطنهم بل أحشَوها بالنفاق و الجهل و الاستكبار عن الحقّ و الحقائق كبطون الفجّار و قبور الكفّار.
      همچو گور كافران، بيرون حُلَل‌***و اندرون قهر خدا عزّ و جلّ‌
      يقول: «كقبور الكفّار التي تزيّنها الحلل و البرد من الخارج، إلّا أن داخلها ملي‌ء بغضب الله و سخطه عزّ و جلّ».اللهمّ اجْعَل قبرَنا روضة من رياض الجنان و لا تجْعَلها حُفرة من حفر النيران».- انتهى كلام الملّا صدرا.و أورد هذا الحديث كذلك الغزّاليّ في كتاب «المضنون به على غير أهله» ص ۷٩، في هامش ج ٢ من «الإنسان الكامل» للجيليّ، الطبعة الاولى.

معرفة الله ج۱

165
  • موجود كذلك في العالم الإنسانيّ، الذي هو منتخب الجميع، ذلك أن مرتبة الروح و القلب و الكمالات الخاصّة بهما، هي النعيم عينه. و أمّا مقام النفس و الهدى و متعلّقاتهما، فهي الجحيم عينه. و آخر مراتب مظاهرهما هي الدار الآخرة، التي هي عالم الجزاء، و قد تطرّقت الأحاديث و القرآن الكريم إلى الكلام عن هذا العالم في مواضع كثيرة.

  • و يقول الإمام محمّد الغزّاليّ في «المضنّون به على غير أهله»۱: قال أبو عليّ و هو من عظماء الفلاسفة: يمكن القول أن الحقّ جلّ شأنه قد أعطي هذه القوّة للنفس الفلكيّة، بحيث أن ما موجود في عالم المواليد السفليّة من أشخاص و أقوال و أعمال و أخلاق و حركات و سكنات، و الصور المناسبة لكلٍّ من تلك الرموز و أسمائها الواردة في الشريعة السمحاء، موجودة بأجمعها في تلك النفس الفلكيّة، إذ أن النفس الإنسانيّة بعد قطع اتّصالها بالبدن العنصريّ تتّصل ببدن آخر يليق بذلك العالم، و تُشاهَد عياناً صور الأعمال و الأخلاق و الأوصاف و الأقوال التي صدرت منها في هذا العالم.٢

    1. لم نعثر في كلتا الطبعتَيْن اللتين طُبِعَتَا على ما جاء في هامش «الإنسان الكامل» للجيليّ.
    2. لقد اعتبرنا مثل هذا الاحتمال ضعيفاً كما ذكرنا في «معرفة المعاد» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة و أثبتنا المعاد الجسمانيّ العنصريّ على أحسن وجه.

معرفة الله ج۱

166
  • ذلك ما أخبر به المخبر الصادق، و هو الرسول الأمين صلى الله عليه و آله و سلّم، من حور و قصور و رضوان و أثمار و أنهار، و أخبر في مقابل ذلك عن الأفاعي و العقارب و النار و مالك، و لمّا كان ذلك لا يخالف العقل، و قد كان المخبر به هو المخبر الصادق، فلا ريب أن ذلك هو ما هو كائن حقّاً. و هذا لِمَن يُرِيد إدراك هذا المعنى بطريق العقل، و إلّا فإنّ أصحاب الصفاء و النقاء و أهل القلوب يشاهدون بعين البصيرة كلّ ما قاله و أخبر عنه النبيّ، و على هذا، فإنّ قاعدة: مُوتُوا قَبْلَ أن تَمُوتُوا۱، تدلّ على أن ما يكون بعد الموت الطبيعيّ، يمكن مشاهدته بالموت الاختياريّ بعين اليقين، و إزالة ما في داخلهم من شكّ.

  • زينهار اي جان من صد زينهار***نيك كن پيوسته دست از بد بدار
  • زانكه هر چه اينجا كنى از نيك و بد‌***مونست خواهد شدن اندر لحد٢
    1. «مرصاد العباد» ص ٣٥٩ و ٣٦٤ و ٣۸٦؛ و «العروة» للسمنانيّ ص ۸۷؛ و قال في «أحاديث المثنويّ» ص ۱۱٦:
      اى خنك آن را كه پيش از مرگ مُرد***يعنى او از اصل اين رَز بوى برد
      يقول: «طوبي لمن مات قبل الموت، فهو الذي عرف بحقّ أصل ذلك السرّ المكنون».إشارة إلى الحديث القائل: مُوتُوا قَبْلَ أن تَمُوتُوا، و الذي تناقلته الصوفيّة.و لم يعدّه مؤلّف «اللؤلؤ المرصوع» حديثاً، نقلًا عن ابن حجر. و جاء في «حدائق الحقائق» ص ٤۷٩، الطبعة الثالثة: بمقتضى مُوتُوا قَبْلَ أن تَمُوتُوا.
    2. يقول:
      «حذار يا نفسي كوني على حذر***اعملي المعروف و اجتنبي الشرر
      إنّ ما تصنعي من خير هنا***سيكون أنيساً لك داخل القبر»

معرفة الله ج۱

167
  • حيث أن‌ القَبْرُ صَنْدُوقُ العَمَلِ‌۱.

  • و أمّا الأعراف، فهي جمع عُرف، يطلق على المكان المرتفع الذي يُشرف على جوانبه. و تلك هي مرتبة السابقين، حيث يقول تعالى:

  • {السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}.٢

  • و هم الكاملون الذين وصلوا إلى مقام جمع الجمع، و هو مقام البقاء بالله، حيث يرون الحقّ تعالى متجلّياً في كلّ شي‌ء و الصفة التي يعدّ ذلك الشي‌ء مظهراً لها، و هذا المقام هو الإشراف على الجوانب. إذ يمكنه رؤية كلّ شي‌ء كما هو، و يعلمون أنّ:

  • {وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ}.٣

  • ما طبيبانيم و شاگردان حقّ *** بحر قُلزم ديد ما را فَانفَلَقْ‌ ٤
    1. «الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام» الطبعة الحجريّة:
      يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ‌***قَدْ غَرَّهُ طُولُ الأمَلْ‌
      المَوْتُ يَأتِي بَغْتَةً***وَ القَبْرُ صَنْدُوقُ العَمَلْ‌
      و قد ورد ذلك أيضاً في الطبعة المنقّحة و المصحّحة لعبد العزيز الكرم في ص ۱۰٥. و أورد عبد العزيز سيّد الأهل الأبيات التالية في «ديوان الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام»، ص ۱۱٣:
      غَرَّ جَهُولًا أمَلُه‌***يَموتُ مَنْ جَا أجَلُهْ‌
      وَ مَنْ دَنَا مِنْ حَتْفِهِ‌***لَمْ تُغْنِ عَنْهُ حِيَلُهْ‌
      وَ مَا بَقَاءُ آخِرٍ***قَدْ غَابَ عَنْهُ أوَّلُهْ؟
      وَ المَرْءُ لَا يَصْحَبُهُ‌***في القَبْرِ إلَّا عَمَلُهْ‌
    2. الآيتان ۱۰ و ۱۱، من السورة ٥٦: الواقعة.
    3. بعض من الآية ٤٦، من السورة ۷: الأعراف.
    4. يقول: «ألا نحن الأطبّاء و للحقّ تلاميذ؛ لمّا رآنا البحر ماج و انفلقْ».

معرفة الله ج۱

168
  • آن طبيبانِ طبيعت ديگرند***كه به دل از راه نبضى بنگرند
  • ما به دل بى واسطه خوش بنگريم***كز فراست ما به عالى‌منظريم‌۱
  • و بعد أن أشار إلى بعض من العوالم الغيبيّة، ذكر في مكان آخر:

  • كدام است آن جهان كو نيست پيدا‌***كه يك روزش بود يك سال اينجا؟٢
  • العوالم الخمسة: اللاهوت، الجبروت، الملكوت، الملك و الناسوت‌

  • و اعلم أن العوالم الكلّيّة هي خمسة:

  • الأوّلعالم الذات، و هو ما يطلقون عليه باللاهوت و الهويّة الغيبيّة، و الغيب المجهول، و غيب الغيوب، و عين الجمع، و حقيقة الحقائق، و مقام أو أدنى، و غاية الغايات، و نهاية النهايات، و الأحديّة.

  • الثانيعالم الصفات، و هو ما يطلقون عليه بالجبروت، و برزخ البرازخ، و البرزخيّة الاولى، و مجمع البحرين، و قاب قوسين، و محيط الأعيان، و الوحدانيّة، و العماء.

  • الثالثعالم الملكوت، و يسمّونه كذلك عالم الأرواح، و عالم الأفعال، و عالم الأمر، و عالم الربوبيّة، و عالم الغيب و الباطن.

  • الرابععالم المُلك، و يطلقون عليه كذلك عالم الشهادة، و العالم الظاهر، و عالم الآثار، و الخلق، و المحسوس.

  • الخامسعالم الناسوت، و يطلقون عليه كذلك الكون الجامع، و العلّة الغائيّة، و آخر التنزّلات، و مَجْلَى الكلّ.

    1. يقول: «فطبيب يفحص القلب بجسّ للنبض؛ ذاك طبٌّ يتعامل بالأهَقإنّما نحن أطبّاء بغير واسطة؛ طبّنا ليس كطبّ من سَبَق».
    2. يقول:
      «أين ذاك العالم يا صاح قل لي‌***أ تزعم أن يوماً فيه قدِّر بسنة؟»

معرفة الله ج۱

169
  • فالعوالم الثلاثة من هذه العوالم الخمسة هي ضمن عالم الغيب، لأنّها خارجة عن عالم الإدراك و الحواسّ. و أمّا العالمان الآخران فهما ضمن عالم الشهادة، لأنّهما محسوسان بالحواسّ.

  • يقول الشيخ: أين هو ذلك العالم غير المحسوس؟ اي أنّه غير محسوس و غائب عن الحواسّ، حيث أن يوماً في ذلك العالم، يعادل سنة من هذا العالم.

  • و هذا العالم إشارة إلى البرزخ المثاليّ، و هو الحدّ الفاصل بين الغيب و الشهادة، و هو جامع لأحكام العالمَين، الظاهر و الباطن، بحسب البرزخيّة. و أمّا مسألة الزمان و المكان و الطول، و القصر في الشهر و السنة في هذا العالم الجسمانيّ، فهي مقيّدة بالكثافة، و كلّما قلّت الكثافة، قلّ في مقابل ذلك التقيّد و اعتبار البعد بين المبدأ و المعاد، و الأزل و الأبد، و أضحت مسألة ظهور العلم و انكشاف المعلومات و الحقائق هامشيّة قليلة الأهمّيّة.

  • و لهذا صار يوم واحد في عالم البرزخ يعادل عاماً واحداً في عالمنا هذا، و يوم واحد في عالم الربوبيّة، هو بألف عامّ في هذا العالم‌ {إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}. و أمّا اليوم الواحد في عالم الالوهيّة، فهو مساوٍ لخمسين ألف سنة في هذا العالم‌ {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.۱ شعر:

  • پيش ما صد سال و يك ساعت يكى است***كه دراز و كوته از ما منفكى است‌٢
    1. الآية ٤، من السورة ۷۰: المعارج.
    2. يقول: «أن مائة سنة و ساعة واحدة سواء لدينا، لأنّ الطول و القصر منفكّان عنّا».

معرفة الله ج۱

170
  • آن دراز و كوتهى در جسمها است‌***آن دراز و كوته اندر جان كجاست‌
  • از ره و منزل ز كوتاه و دراز***دل چه داند كوست مست و دلنواز
  • آن دراز و كوته اوصاف تن است***رفتن ارواح، ديگر رفتن است‌۱
  • بما أن في ذات الأحديّة لا وجود للتعيّن و التقيّد- لأنّ الكثرات الاعتباريّة عنده معدومة- فإنّ تقدّم الذات الأحديّة على الذات الوحدانيّة التي هي منشأ التعيّنات و النسب، يُعبّر عنه بالسنة السرمديّة، و جاء في بعض النسخ «كان يوماً منه بخمسين يوماً من هذا العالم».

  • و ذلك العالم هو إشارة إلى عالم الالوهيّة، و المراد بالخمسين، هي خمسون ألف عام، في‌ {يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}.٢

  • و قد أشار إلى عوالم غير مدركة بالحواسّ، و ليس كلّ شخص هو سابح في هذه الأجواء، و لأجل التأكيد على تصديق المستمع يقول:

  • همين نبود جهان آخر كه ديدى‌ *** نه ما لَا تُبْصِرونْ آخر شنيدى؟٣
  • أي أن عالم الشهادة و المحسوس الذي أمامك ليس هو كلّ شي‌ء، بل هنالك عوالم أخرى كثيرة لا تدركها الحواسّ، على الرغم من أنّه، اي عالم الشهادة و المحسوس، ينحصر عموماً في العوالم الثلاثة التي مرّ ذكرها،

    1. يقول: «إن كان الطول و العرض في الأجسام؛ فأين هما في الأرواح؟
      أسير عن الدنيا و ما أنا ذاكرٌ لها بسلام أن أحداثها حُمسُ.
      إنّما الأطوال و الأعراض من جنس البدن، فإذا ما وَلّت الأرواح كانت في دَمس».
    2. قسم من الآية ٤، من السورة ۷۰: المعارج.
    3. يقول: «لم يك ما رأيت بعالم الآخرة، أ ما سمعتَ نداء ما لا تُبصرون؟».

معرفة الله ج۱

171
  • فهو يقول: أ لم تسمع كلام الخالق: {وَ ما لا تُبْصِرُونَ}‌؟ اي تلك العوالم التي لا ترى بالباصرة. و في كلام البارئ جاء القَسَم بهذين العالَمَيْن بقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ ، وَ ما لا تُبْصِرُونَ‌}،۱ و هما عالم الظاهر، و عالم الباطن، أو الغيب و الشهادة، و اللذان يشتملان على العوالم الخمسة المذكورة، التي تمّ شرحها آنفاً. و عالم اللاهوت هو أصل كلّ تلك العوالم، و نسبة هذا العالم إلى تلك العوالم، كحَبّة الرمل إلى الصحراء، أو قطرة الماء إلى البحر.

  • «جابلقا» مجمع البحرين للُالوهيّة و الإمكان؛ و «جابلسا» تعيّن النشأة

  • و لأنّ النشأة الإنسانيّة، و شأن جامعيّة كمالها، يقتضيان العلم بكلّ مراتب الموجودات، و الاطّلاع على كلّ المسمّيات بحكم‌ {وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}٢ يقول:

  • بيا بنما كه جابُلقا كدام است***جهان شهر جابُلسا كدام است‌٣
  • جاء في القصص و الروايات التأريخيّة، أن جابلقا، هي مدينة كبيرة جدّاً في الشرق، و جابلسا أيضاً، كبيرة جدّاً و تقع في الغرب، و بالمقابل من جابلقا، و قد علّق أهل التأويل في هذه المسألة بما يكفي، و لكن خطر ببالي معنيين على سبيل الإشارة و هما:

  • الأوّل: جابلقا هي العالم المثاليّ، و التي تقع في الجانب الشرقيّ للأرواح، و هي البرزخ بين الغيب و الشهادة، و تشتمل على صور العالم، فهي بلا شكّ، مدينة كبيرة، و واسعة جدّاً. و أمّا جابلسا، فهي عالم المثال‌

    1. الآيتان ٣۸ و ٣٩، من السورة ٦٩: الحاقّة.
    2. صدر الآية ٣۱، من السورة ٢: البقرة.
    3. يقول:
      «خبّر بجابلقا لعلّك ناطق‌***و أرني حاضرة جابلسا لعلّك صادق»

معرفة الله ج۱

172
  • و عالم البرزخ، و هي مستقرّ الأرواح بعد مفارقتها دار الدنيا، و مكان صور كلّ ما ارتُكِبَ من الأعمال، و الأفعال، و الأخلاق، الحسن منها و السيّئ المكتسبة في الحياة الدنيا- كما هو وارد في الأحاديث و الآيات-، و يقع هذا البرزخ في الجانب الغربيّ من الأجسام، و هي مدينة عظيمة السعة، و تقع قبالة جابلقا.

  • و هنا يكون أهل مدينة جابلقا، أكثر لطافةً و نقاءً، ذلك لأنّ أهل مدينة جابلسا، و بسبب أعمالهم و أخلاقهم الرديئة التي اكتسبوها في الدنيا، قد صُوّروا بصور مظلمة.

  • و معظم الخلق على هذا التصوّر، بأنّ هذين البرزخين هما شي‌ء واحد، و لكن يجب العلم، بأنّ البرزخ الذي يستقبل الأرواح بعد مفارقتها للحياة الدنيا، هو غير البرزخ الكائن بين الأرواح المجرّدة و الأجسام؛ هذا لأنّ مراتب تنزّلات الوجود و معارجه دوريّة، على اعتبار أن اتّصال النقطة الاولى بالنقطة الأخيرة غير ممكن، إلّا في حالة الحركة الدورانيّة؛ و البرزخ الذي هو كائن قبل النشأة الدنيويّة، هو في مراتب تنزّلاتها، و يشكّل النقطة الاولى بالنسبة إلى هذه النشأة، و أمّا البرزخ الذي يأتي بعد النشأة الدنيويّة، فهو من مراتب الأوج، و عليه، فهو يعتبر النقطة الأخيرة بالنسبة إلى النشأة الدنيويّة.

  • و المسألة الأخرى هي أن الصور التي تلحق بالأرواح، هي صور الأعمال و نتائج الأفعال و الأخلاق و الملكات التي حصلت في النشأة الدنيويّة، على عكس صور البرزخ الأوّل.

  • فكلّ واحد منهما، هو غير الآخر، و لكنّهما يشتركان في كونهما عالمين روحانيّين، و لكلّ منهما جوهر نورانيّ غير مادّيّ، و يحويان على مثال صور العالم.

معرفة الله ج۱

173
  • و يروي الشيخ داود القيصريّ بقوله: قال الشيخ محيي الدين الأعرابيّ قدّس سرّه في «الفتوحات»، أن البرزخ الأخير، هو غير البرزخ الأوّل. و قد أطلق على الأوّل اسم (الغيب الإمكانيّ)، و على الأخير بـ (الغيب المحاليّ)، و ذلك لأنّ كلّ صورة في البرزخ الأوّل، يمكن لها أن تظهر في الشهادة أيضاً، و أمّا الصور في البرزخ الأخير، فهي ممتنعة عن الرجوع للشهادة، اللهمّ إلّا في الآخرة.

  • و كثير هم أهل المكاشفة الذين ظهرت لهم صور البرزخ الأوّل، و الذين كانوا على دراية بآت الزمان، و لكن بالمقابل، يندر أن يطّلع أحد منهم على أحوال الموتى.

  • و أمّا المعنى الثاني، فهو: أن مدينة جابلقا، هي مرتبة إلهيّة، و هي مجمع البحرين بالنسبة للوجوب و الإمكان، حيث تكمن فيها صور أعيان جميع الأشياء، ابتداءً من المراتب الكلّيّة و الجزئيّة؛ و اللطائف و القبائح و الأعمال و الأفعال و الحركات و السكنات، و محيطة بما كانَ و ما يكونُ، و هي بالمشرق، حيث تَلِي مرتبة الذات و لا توجد فاصلة بينهما، و كلّ شموس الأسماء و الصفات و الأعيان و أقمارها و نجومها قد بزغت و تلألأ نورها من المشرق.

  • و أمّا مدينة (جابلسا)، فهي لسان حال النشأة الإنسانيّة، و هي مجلى جميع حقائق الأسماء الإلهيّة، و الحقائق الكونيّة. فما يطلع من مشرق الذات، يغرب في مغرب التعيُّن الإنسانيّ و يختفي في صورته. شعر:

  • با مغربى مغارب اسرار گشته‌ايم***بى مغربى مشارق انوار گشته‌ايم‌۱
  • و هذان السوادان الأعظمان في موازاة بعضهما، و خلقهما مع بعض‌

    1. يقول: «طويت مغارب الأسرار مع المغربيّ، و بدونه طوينا مشارق الأنوار».

معرفة الله ج۱

174
  • لا يعنى النهاية، لأنّ كلّ عالم يحوي المشرق و المغرب معاً، بل أن كلّ مرتبة و كلّ فرد من الموجودات، يمتلك هذه الميزة، و هو يقول:

  • مشارق با مغارب هم بينديش***چو اين عالم ندارد از يكى بيش‌۱
  • و اعلم أن عالم الالوهيّة بالقياس إلى عالم الربوبيّة، هو المشرق الذي يفيض من نوره على عالم الربوبيّة، و هكذا، عالم الربوبيّة بالقياس إلى البرزخ المثاليّ، و البرزخ المثاليّ بالقياس إلى عالم الشهادة، كلٌّ يفيض من نوره على من هو دونه، و كذلك فإنّ كلّ عالم من العوالم، و كلّ مرتبة من المراتب، و كلّ فرد من الأفراد هو مشرق، قد سطعت منه شمس من الأسماء الإلهيّة، و من جهة أخرى، فهو مغرب كَمَنَ في تعيّنه نور ذلك الاسم. و أن القلب الإنسانيّ، و بحسب كمال المظهريّة، له مائة مشرق، بل مئات الآلاف من المشارق التي تسطع منها نجوم الأسماء الإلهيّة، و هكذا، و في إزاء ذلك، فإنّ كلّا منها هو مغرب. و أن عجائب و غرائب القلب الإنسانيّ لا تظهر إلّا لعيان أهل الصفاء و السالكين إلى الله.

  • شعر:

  • عالم دل را نشانى ديگر است‌***برّ و بحر و كار و شأنى ديگر است‌
  • صد هزاران آسمان و آفتاب***مشتريّ و تير و زهره ماهتاب‌٢
    1. يقول: «طالع المشارق و المغارب، إذ ليس لهذا العالم أكثر من مشرق واحد و مغرب واحد».
    2. يقول: «أن للقلب لدنياً و فكر؛ غير ما نعهد من برّ و بحر.
      ألف علياء و مثلها من سماء؛ من عطارد و زحل و من قمر».

معرفة الله ج۱

175
  • هر يكى تابنده‌تر از ديگرى‌***نور هر يك در گذشته از ثَرى‌
  • هر يكى را برج ديگر منزل است***اين كسى داند كه از اهل دل است‌۱
  • جمع المشارق و المغارب في القرآن إشارة لعدم انحصار العوالم‌

  • و يحثّ الشيخ على التأمّل و التفكّر في المشارق و المغارب، كما ورد في القرآن الكريم: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِب}‌،٢ فالمشارق و المغارب جمع، و في هذا العالم المحسوس، ليس إلّا مشرق واحد، و مغرب واحد، و كلّ منهما في جهة معاكسة.

  • و أصبح واضحاً الآن، بأنّ العالم لا ينحصر في عالم الظاهر هذا، فهناك عوالم أخرى لطيفة و غير محسوسة، بل تلك العوالم و السماء و الكواكب هي أصل العوالم، لأنّها المؤثّرة و هذه المتأثّرة.

  • آسمانها است در ولايت جان***كار فرماى آسمان جهان‌٣
  • فأكثر الخلائق عن هذه الحقيقة غافلون و محرومون من معرفة الأسرار و التجلّيات الإلهيّة، و بحكم انعدام الاستعداد الفطريّ لديهم، فلا حظّ لهم في الإصغاء و الفهم، و هو يقول:

  • بيان مِثْلَهُنَّ ز ابن عبّاس***شنو پس خويشتن را نيك بشناس‌٤
    1. يقول: «كلّ جرم أنور من صاحبه؛ ذاك نورٌ صادر عن ثري البرّ.قد يكون الأمر صعباً بعض شي‌ء؛ إنّما يعقل ذاك الأمر حرّ».
    2. صدر الآية ٤۰، من السورة ۷۰: المعارج.
    3. يقول: «السماوات خاضعة لولاية الروح؛ فهو الآمر الناهي في سماء العالم».
    4. يقول:
      «اسمع من ابن عبّاس بيان (مثْلهنّ)***و اعرف الأنفس جيّداً دون بطر أو وَهن»

معرفة الله ج۱

176
  • يقول سلطان المفسّرين عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما:

  • لَوْ ذَكَرْتُ تَفْسيرَ قَوْلِ اللهِ تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ}،۱ لرجموني أو قالوا: إنه كافر.

  • لأنّ الشيخ قد قال: بأنّك لم تسمع بغير كلمة عالم، و لا علم لك عن هذه العوالم التي مرّ ذكرها، و بأنّ العالم غير منحصر بالمحسوسات، و أن هناك عوالم لطيفة كثيرة غير هذه، استشهاداً على ذلك يقول شعره «بيان مثلهنّ» اي استمع جيّداً إلى ما قاله ابن عبّاس في شرح الآية {مِثْلَهُنَ}‌ بأنّه لو فسّر هذه الآية لقُتل، و اعرف نفسك جيّداً، فإنّك لم تعرف حقيقة الأمر بعد، و إذا كشف عارف و محقّق ملهم الحجاب عن بعض أسرار الوجود، لهبّ الخلائق إلى الطعن و المجابهة، بل قد يغالى بعضهم إلى حد تكفيره، و استباحة دمه، بحجّة الدفاع عن حرمة الدين بزعمهم.

  • إخراج بايزيد من مدينة بسطام اثنتي عشرة مرّة بتهمة الإلحاد

  • يروى أن السلطان بايزيد البسطاميّ قدّس سرّه قد اخرج من بسطام بتهمة الإلحاد و الزندقة إثنتي عشرة مرّة، و كان في كلّ مرّة يبعّد عن بسطام يقول: هنيئاً لمدينة ملحدها بايزيد. و أمّا الآن، فالجميع متيّم و عاشق لقبر ذلك الجليل، و عند ما كان على قيد الحياة الظاهريّة، لم يكن الناس على و فاقٍ و علاقة معه، و لكن عند ما التحقت روحه بالعالم العُلويّ، و أصبح قبره كومة تراب و حجر فإنّ الناس من جهة أوساخ غفلتهم و جهلهم لهم ما يربطهم مع الحجر و الحَمإ المسنون فقد ولِهوا بقبره.

  • إذا كنت منصفاً، تمعّن في هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ذو الجلال و العزّة جلّ شأنه و عظم سلطانه:

    1. صدر الآية ۱٢، من السورة ٦٥: الطلاق.

معرفة الله ج۱

177
  • {يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ}.۱

  • شعر:

  • ديده اين شاهان ز عامه خوف جان‌***كين گُرُه كورند و شاهان بى نشان‌
  • انبيا را گفته قومِ راه گم***از سَفَه: إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ‌٢
  • زرّ خالص را و زرگر را خطر‌***باشد از قلّاب خاين بيشتر٣
  • لأنّ وجود العالم هو ظلٌّ للوجود الحقيقيّ، و أن توهّم الغيريّة الحقيقيّة لوجود عالم الخيال، توهّم باطل، و كلّ من خامرته فكرة الغيريّة، كان ضحيّة الغفلة، يقول:

  • تو در خوابيّ و اين ديدن خيال است***هر آنچه ديده‌اى از وى مثال است‌٤
  • أي كما أن الفرد تتراءى له في النوم صور ليس لها وجود في أرض الواقع، و لكنّه يعتقد بوجودها، و لا يدرك بأنّها صور خياليّة ليس إلّا،

    1. الآية ٣۰، من السورة ٣٦: يس.
    2. مقطع من الآية ۱۸، من السورة ٣٦: يس.
    3. يقول: «لقد عهد هؤلاء الملوك في عامّة الناس الخوف و الحرص على أنفسهم؛ أن هؤلإ الناس عمي و الملوك ضائعون لا عنوان لهم.
      و قال الضالّون للأنبياء سفهاً: إنّا تطيّرنا بكم.
      فالخوف كلّ الخوف على الذهب و الصائغ من الخونة و مصائدهم لا من شى‌ء آخر».
    4. يقول: «أنت غاطّ في النوم و هذه الرؤية خيال، و كلّ ما رأيته ليس إلّا مثالًا من الحقيقة».

معرفة الله ج۱

178
  • و أنّها غير موجودة بالحقيقة، و أنت الذي تتوهّم بأنّ العالم هو وجود حقيقيّ، و لا تدري بأنّ العالم غير الذي ترى، فإنّك في غفلة، و وهم باطل. و بالحقيقة، فكلّ ما ترى هو صورة و مثال لوجود الحقّ تعالى، تيسّرت من خلال مرآة العيان، و أن لا وجود لغير الحقّ تعالى. شعر:

  • اين نقشها كه هست، سراسر نمايش است‌***اندر نظر چو صورت بسيار آمده‌
  • عالم، مثال ذات و ظلال صفات اوست***نقش دوئى چو صورت پندار آمده‌۱
  • سيتّضح في الحشر أن كلّ ما سوى الحقّ تعالى سراب‌

  • يوم القيامة، يظهر كلّ شي‌ء مخفيّ على حقيقته بحكم الآية الشريفة {يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ}،٢ و يقول:

  • به صبح حشر چون گردى تو بيدار‌***بدانى كآن همه وهم است و پندار٣
  • و بحكم أن‌ النَّاسُ نِيَامٌ‌٤ يقول: إنّما يقظتك هي نوم، و الصحو في نوم‌

    1. يقول: «أن هذه النقوش و الرسوم ما هي إلّا تمثيل و هو يبدو في النظر صوراً كثيرة.و أن العالَم مثال ذاته و ظلال صفاته، و ما الثنائيّة إلّا كالصورة المتخيَّلة».
    2. الآية ٩، من السورة ۸٦: الطارق.
    3. يقول:
      «إذا ما استيقظ المرء من القبر و جال‌***سيعلم أنّما ما قد مضى كان خيال»
    4. «شرح منازل السائرين» ص ٣٤، باب اليقظة، انتشارات بيدار: كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: النَّاسُ نِيَامٌ؛ و «مرصاد العباد» ص ٤٦۸، التعليقة ۷: النَّاسُ نِيَامٌ فإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا. و في ص ٦٦۰، يقول في توضيحه «و هي الرواية المذكورة في «زهر الآداب» و المنسوبة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلّم، و المذكورة كذلك في «شرح التعريف» للإمام عليّ عليه السلام. راجع: «أحاديث مثنوى» ص ۸۱.(تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

179
  • ...۱

  • الغفلة هذا يكون بالموت‌ فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا، و الحشر هو بمعنى الجمع، (حشَرْتُهُمْ اي: جَمَعْتُهُمْ)، و المراد بهذا الحشر هو الموت الإراديّ، حيث أن‌ مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ،٢ اي أنّك ستستيقظ من غفلتك عند صباح‌

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)و قد ذُكر في موضعين، في كتاب «الإنسان الكامل» لعزيز الدين النسفيّ: في ص ٤٢٦ و ٢۷۱؛ و كذلك في «أحاديث مثنوي» في موضعين: الأوّل في ص ۸۱، رقم ٢٢٢:
      اين جهان وهم است، اندر ظنّ مايست‌***گر رود در خواب دستى باك نيست‌
      يقول: «إنّما عالمنا وهم و خيال‌***كلّ ما فيه مباد و زوال»
      و هو ما يناسب مضمون هذه الرواية: النَّاسُ نِيَامٌ فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا. و التي وردت في «زهر الآداب» ج ۱، ص ٦۰، طبعة مصر، منسوبةً إلى الرسول الكريم صلى الله عليه و آله؛ و في «شرح التعريف» ج ٣، ص ٩۸ منسوبةً إلى مولى المتّقين عليّ عليه السلام.و الثاني في ص ۱٤۱، رقم ٤٣۸:
      تا برآيد ناگهان صبح اجل‌***وا رهد از ظلمت ظنّ و دغل‌
      يقول: «فإذا ما جاءكم صبح الأجل زالت الظُّلمة عنكم و الضلل»و هي أيضاً، تناسب فحوى الرواية النَّاسُ نِيَامٌ فَإذَا مَاتُوا انْتَبَهُوا، حيث ورد شرحها في ذيل الرقم ٢٢٢».
    2. يقول صدر المتألّهين في «تفسير سورة السجدة» ص ۸۷ و ۸۸، انتشارات بيدار، في تفسير عبارة: {لآ اقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (الآية ۱، من السورة ۷٥: القيامة):«كما أن الافتراق بين روح الإنسان و جسده هو عبارة عن موت هذا العالم الصغير و قيامته الصغرى؛ طبقاً للحديث الشريف للرسول صلى الله عليه و آله: من مات فقد قامت قيامته».و في «إحياء العلوم» ج ٤، ص ٤٢٣، طبعة دار الكتب العربيّة، عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه و آله حيث قال: مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ».و كذلك رواه حجّة الإسلام الغزّاليّ في كتابه «المضنون على غير أهله» في ص ۷٩، و على هامش الجزء الثاني من كتاب «الإنسان الكامل» للشيخ عبد الكريم الجيليّ (الطبعة الاولى للمطبعة الأزهريّة المصريّة، عام ۱٣۱٦ هـ).

معرفة الله ج۱

180
  • المحشر، و هو الموت الإراديّ، و تزول التعيّنات و الكثرة و تجتمع أسباب الفرقة و التشتّت التي تورث الغفلة و التخيّلات الفاسدة كلّها، و يظهر التوحيد. و لكن اعلم أن الوجود كلٌّ واحد، و لكن بسبب كثرة المظاهر تعدّد، و تصوّرك الغيريّة، و اعتبارك إيّاها حقيقة أكيدة، ما هو إلّا وهم و سراب، و أن لا وجود إلّا للحقّ تعالى.

  • و باعتبار أن التعيّنات و الكثرة، يعبّر عنها بالليل، من جهة ظلمة عدميّتها، فقد جرى إطلاق تعبير الصبح على الموت، باعتباره فناء التعيّن، و ذلك لأنّ البرزخ قد توسّط ليل الكثرة و نهار الوحدة.

  • و حسب تعبير المتصوّفة، أن الولوج في الحياة الطيّبة القلبيّة بعد الموت الإراديّ، هو ما يعبّر عنه بالقيامة الوسطى، كما جاء في الآية الكريمة:

  • {أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}‌۱، اي مَيْتًا بِالجَهْلِ، فَأحْيَيْناهُ بِالعِلْمِ وَ المعارف.

  • و لأنّ الحشر، هو اجتماع المتفرقات الذي يظهر بعد محو الكثرات، و يقول:

  • چو برخيزد خيال چشم أحول***زمين و آسمان گردد مبدّل٢
  • و في صبح الحشر، الذي يمثّل وصول السالك إلى مقام التوحيد، و حيث يذوب الكونان في نظره بنور الوحدانيّة، وَ لَا يَبْقَى إلَّا الْحَيّ الْقَيُّومِ، فإنّ أوهام الأحول التي تصوّر له وجوداً مع وجود الحقّ تعالى ستزول مع زوال وهم الغيريّة، فيعلم يقيناً أن كلّ الوجود هو الحقّ تعالى،

    1. الآية ۱٢٢، من السورة ٦: الأنعام.
    2. يقول: «فلمّا أن توارى عن العين الحَوَل علمتْ أنّه حقّ ما هو بالهَزَل»

معرفة الله ج۱

181
  • و أن وجود الموجودات ما هو إلّا وجود أجوف، و خيال و وهم و ظنّ، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ}.۱

  • يومئذ ستكون هناك أرض و سماوات، و لكن غير هاتين اللتين نرى الآن، لأنّ الحلم الذي رآه في نوم الغفلة، و في ليل العمر، و ظنّ أنّه الغير، طلع عليه صبح الحشر، و تبيّن أنّه وهم و خيال أحول ليس إلّا. شعر:

  • بوديم يكى، دو مى‌نموديم‌***نابود شد آن نمود در بود
  • چون سايه به آفتاب پيوست‌***از ظلمت بودِ خود بياسود
  • چون سوخته شد تمام هيزم***پيدا نشود از آن سپس دود٢
  • إن في ظهور نور تجلّي الوحدة، توارى ظلمة الكثرة، و يقول بهذا الصدد:

  • چو خورشيد جهان بنمايدت چهر‌***نماند نور ناهيد و مه و مهر٣
  • إن تجلّي نور شمس الذات الإلهيّة في مرآة قلب السالك إلى الله، اللاهث وراء الحقّ، هذا النور قد طرد أنوار الزُّهرة و القمر و الشمس، و رمى بهنّ في هوّة العدم الحالكة. حيث يمّحي كلّ وجود و نور؛ كما في قوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}‌.٤ و لأنّ هذه‌

    1. الآية ٤۸، من السورة ۱٤: إبراهيم.
    2. يقول: «كنّا واحداً، لكنّا كُنّا نبدو اثنين، فتلاشى و انمحى ذلك البَداء الكينونة و التكوّن.
      و لمّا التحق الظلُّ بالشمس تخلَّصَ و ارتاح من ظُلمة كينونته.
      و إذا احترق الحطبُ جميعه لن تَرى له بعد ذلك دخان متصاعد».
    3. يقول: «لو ظَهرت لكَ الشمس و طلعت ما أبقتْ للزُّهرة نوراً و لا للقمر ضياءً».
    4. الآيتان ۱ و ٢، من السورة ۸۱: التكوير.

معرفة الله ج۱

182
  • القيامة عند السالك إلى الله، هي واقعة، لا محالة، و هي صورة للقيامة الكبرى، فإنّه إذا ظهرت علاماتها ساطعة، تلاشت أنوار الوجود الخياليّ المجازيّ للكائنات، و ذابت في وهج إشعاع نور ذات الله المطلقة، و بالظهور المطلق للحقّ تعالى، تقوم القيامة، و يفنى كلّ وجود غير وجوده المقدّس، و ما كان آجلًا عند غيره، أصبح عاجلًا عنده. شعر:

  • هر كه گويد كو قيامت اى صنم‌***خويشتن بنما قيامت نك منم‌
  • اين قيامت زان قيامت كى كم است***آن قيامت زخم و اين چون مرهم است‌۱
  • كما أن قيام الساعة، التي هي مصداق لاسم القهّار و المعيد، هي ظهور الفناء في الوجود، إذ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ}‌؛٢ يقول:

  • فتد يك تاب از آن بر سنگ خاره***شود چون پشم رنگين پاره پاره‌٣
  • أي أن الحجر قد تفتّت من و ميض نور الذات الإلهيّة المتجلّية، و قد ركع أمام هيبة النور الإلهيّ و إشعاع التجلّي القدسيّ حجر الصوّان حتى أضحى كالعهن المنفوش و المتلاشي: {وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}.٤

    1. يقول: «و إذا سأل أحدهم: أيّان يوم القيامة يا صنم؟ انظُرْ إلى نفسك و تأمّلها فها أنا ذا القيامة.فهذه القيامة لا تقلّ عن تلك شيئاً، و إذا كانت تلك القيامة جرح فهذه القيامة هي البلسم و الدواء الناجع».
    2. الآية ٢٦، من السورة ٥٥: الرحمن.
    3. يقول:
      «إن يسقط النور على العروش‌***تكن جميعها عهنا منفوش»
    4. الآية ٥، من السورة ۱۰۱: القارعة.

معرفة الله ج۱

183
  • صارَ دَكَّاً مِنْهُ وَ انْشَقَّ الجَبَلْ‌***هَلْ رَأيْتُمْ مِنْ جَبَلْ رَقْصَ الجَمَلْ؟!
  • الترغيب في المكاشفات و التجلّيات و السير في العوالم اللطيفة

  • و ذلك أن تحصيل الكمالات الحقيقيّة، و المعارف اليقينيّة، و هي هدف الوجود، غير متيسّر إلّا في هذه النشأة، يقول:

  • بدان اكنون كه كردن مى‌توانى***چو نتوانى چه سود آنگه كه دانى‌۱
  • إن الشيخ في هذه الأبيات، يحثّ على السموّ إلى المراتب القلبيّة، و المكاشفات، و المشاهدات، و التجلّيات، و الفناء، و التحليق، و العروج إلى الأفلاك، و العوالم اللطيفة. فقد ذكر هنا مقدّمة يمكنها أن تكون وسيلة للطالب الصادق الذي يودّ الحصول على تلك المعاني، و تزيد في فهمه و إدراكه لما هو واقع، و هي:

  • اعلم أن الإنسان، و بسبب الشموليّة التي تشكّل أصل الفطرة فيه، يمكن لحقائق الامور بعد التنقية و التجلية أن تنكشف له، و أن يتوصّل إلى العروج و السير و الطيران في الأفلاك و العوالم الملكوتيّة و الجبروتيّة اللطيفة، و أن يسبح في بحر تجلّيات الآثار و الأفعال و الأسماء و الصفات و الذات، ليرى بعين البصيرة، و يمتّع ناظريه بجمال ذي الجلال الوهّاج، فيفنى الوجود المجازيّ و التعيّن للسالك في فيض نور تجلّيات الذات الأحديّة، و بعد أن يفنى في الله تعالى و يذوب فيه، يعود و يخلد به جلّ جلاله، يرى الحقّ و يعرفه حقّ معرفته، و يتمّ المراد من خلق الكون، و هو المعرفة. شعر:

    1. يقول: «فاسْعَ ما استطعتَ و لا تكُ لاهياً، إذ ما الفائدة من العلم حين تفقد الاستطاعة؟».

معرفة الله ج۱

184
  • اگر دمى بگُذارى هواى نااهلى***ببينى آنچه نبيّ ديد و آنچه ديد وليّ‌۱
  • ضرورة إرشاد الاستاذ الكامل للسير في العوالم الربوبيّة

  • و الحصول على هذه المعاني متوقّف على عدة أسباب، هي:

  • الأوّل: طلب الإرشاد في سلوك طريق الحقّ، كما هو واجب أرباب الطريقة، و الوصول إلى الكمالات المعنويّة، و التي ذُكرت بصورة إجماليّة، يمكن لهذا الكامل، و بإذنٍ إلهيّ، إرشاد طلّاب الحقّ، و هذا الكامل بدوره، يكون مأذوناً من قبل كاملٍ آخر، و هكذا،٢ حتّى تنتهي بخاتم الأنبياء

    1. يقول: «إذا تركتَ الانحراف و هَجرتَ سبيل الجَنف زمناً، لتمكّنتَ من رؤية ما قد رآه أيّ نبيّ و وليّ».
    2. هناك من الأدلّة و الشواهد على وجوب اتّباع المرشد الكامل في السير إلى العوالم الربّانيّة، بحيث لا يسع المجال هنا لذكرها. و لكن مسألة مراعاة التسلسل في اتّباع هذا المرشد مُعنعناً (الواحد تلو الآخر حتى نصل إلى رسول الله)، لا دليل عليها، لا ثبوتاً و لا إثباتاً، على الرغم من أهمّيّة هذه المسألة عند المتصوّفة، إذ يعتبرونها من أساسيّات السلوك، و مع هذا، فلا يستند قولهم إلى أساس رصين، أو قاعدة متينة. و خير نموذج و شاهد، هو العرفان و السلوك لآية الحقّ و الحقيقة، و سند القرآن و السنّة: آية الله الآخوند الملّا حسين قلي الدَّرْجَزينيّ الشَّونديّ الهَمَدانيّ، أعلى الله درجاته السامية، و الذي أخذ العرفان عن استاذه آية الله السيّد على الشوشتريّ، و هذا عن النسّاج، و الله أعلم عمّن أخذ هذا الأخير العرفان.
      ينقل الفاضل جناب الحاجّ السيّد محمّد حسن الطباطبائيّ القاضي أدام الله ظلّه، عن والده المرحوم آية الله القاضي الكبير ما يلي: سألت أبي ذات يوم: عمّن أخذت العرفان؟ فأجاب: عن المرحوم السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ. فقلت: و هو، عمّن أخذه؟ فقال: عن المرحوم الآخوند الملّا حسين قلي الهمدانيّ. فقلت: و هذا، عمّن أخذه؟ فقال: عن السيّد على الشوشتريّ. فقلت: و هذا، عمّن أخذه؟ فقال: عن النسّاج. فتابعت: و هذا، عمّن؟ فأجابني بغضب: و ما أدراني؟! أ تريد أن تسطّر لي سلسلة؟!

معرفة الله ج۱

185
  • صلوات الله و سلامه عليه و آله.

  • شعر:

  • راه دور است و پر آفت اى پسر***راهرو را مى‌ببايد راهبر
  • گر تو بى رهبر فرود آيى به راه‌***گر همه شيرى، فرو افتى به چاه‌
  • كور هرگز كى تواند رفت راست؟***بى عصاكش كور را رفتن خطاست‌
  • گر تو گوئى نيست پيرى آشكار***تو طلب كن تا بيابى صد هزار
  • زانكه گر پيرى نباشد در جهان‌***نه زمين در جاى ماند نه مكان‌
  • گر نباشد در جهان قطب زمان***كى تواند گشت بى قطب آسمان‌۱
    1. يقول: «أن الطريق طويل و ملي‌ء بالمهالك أيّها الصبي، فاتّخِذ لكَ دليلًا.
      و لو سِرتَ في ظُلمة ذلك الطريق دون دليل، فإنّكَ لا محالة ستقع في الحفرة و إن كنت أسداً هصوراً.
      أنّي للأعمى أن يسير بدقّة و استقامة؟ أن سير الأعمى دون أحد يمسك عصاه و يهديه لهو الهلاك المبين و الاشتباه المهلك.
      فإن زعمت أن ليس هناك من شيخ و مرشد، فابحثْ و ستجد مائة ألف شيخ و مرشد.
      و لو لا الدليل في هذا العالَم لما كانت هناك أرضٌ مَدحيّة و لا مكان مُقام.
      و لو لا وجود قطب للزمان في الكون و عالمنا هذا لما تمكّنت السماء أو الأفلاك من التحرّك و الدوران».

معرفة الله ج۱

186
  • گر ترا درد است پير آيد پديد‌***قفل در دست را پديد آيد كليد۱
  • و كما أنّنا فوّضنا أمرنا إلى شيخ كهذا، فعلينا أن ندفن إرادتنا في إرادته، و نكون له كَالمَيِّتِ في يَدَيِ الغَسَّالِ، و أن نتوجّه إلى الحقّ تعالى كما يأمرنا هذا الشيخ، و أن نعوّد أنفسنا صدق الأقوال و الأفعال، و الإعراض عن الأهواء و اللذّات النفسانيّة، و أن نُزَكِّي النفس من رذائل الأخلاق، و نقائص الأعمال، و ترويض البدن على الطاعات و العبادات على حسب ما تأمرنا به السنّة المطهّرة لخاتم الرسل صلوات الله و سلامه عليه و على آله، و أن نتجنّب الإفراط و التفريط، و أن نولّي الوجه عمّا يشغلنا عن الحقّ تعالى، و أن نجعل شعارنا قلّة الكلام و المنام، و الانشغال بالذكر على الدوام، و الاقتصاد بالطعام، و أن لا نحيد قيد أنملة عن أمر الشيخ.

  • و بتهيئة هذه الأسباب، تضي‌ء مرآة قلب السالك، التي هي البلّورة المسحورة بنور القدس و الطهارة، و تُصَفَّى من أدران الطبيعة.

  • و أنّه بقطع رابطته بهذا العالم السفليّ الحالك المظلم، تحلّق روحه في العالم العُلويّ، و تعرج فوق السماوات، و فوق العرش، و ترتبط مع الملائكة و الروحانيّات، و تتوهّج الأنوار الإلهيّة في قلبه الطاهر، فيحظى برؤية السرّ، سرّ لقاء الله، الذي هو غاية المقاصد، و نهاية المرام.

  • شعر:

  • چون تو ديدى پرتو آن آفتاب***تو نماندى باز شد آبى به آب‌٢
    1. يقول: «إن طرأ عليك الألم بسبب المرشد، فاعلم أن مفتاح قفل ألَمِكَ قد وُجِد».
    2. يقول: «و ما إن رأيتَ ضوء الشمس حتى تزلزلتْ أركانكَ و اختلطت أعضاؤك».

معرفة الله ج۱

187
  • قطره بودى گم شدى در بحر راز***مى‌نيابى اين زمان آن قطره باز
  • گر چه گم گشتن نه كار هر كسى است***در فنا گم گشتگان چون من بسى است‌۱
  • ينبغي اللجوء إلى السلوك و سبيل العرفان ما دامت الفرصة موجودة

  • يقول الشيخ: اعلم حيث إنّك الآن تقدر على الفعل، اي اليوم و قد تهيّأت لك أسباب السير و السلوك و العمر الثمين، اعلم بأنّ الإنسان يمكنه أن يستحصل هذه الكمالات، بل إنّه مخلوق لهذه الغاية.

  • إذاً، هيّئ هذه الأسباب التي يتوقّف عليها حصول الكمالات، و تحرّك نحو الهدف الذي من أجله خلق الكون، فعند ما يدبّ الوهن في البدن بعد القوّة، هذه القوّة التي هي وسيلة نيل هذا المطلوب، فستتقاعس عن السلوك و التريّض، و تضيع منك هذه الفرصة، و عندها، فانّ علمك بيُسر تحصيل هذه الكمالات التي لم تكتسب منها شيئاً لن يعود عليك إلّا بالحسرة و الندامة. شعر:

  • بود در اوّل همه بى حاصلى‌***كودكى و بى دلى و غافلى‌
  • باز در اوسط همه بيگانگى***وز جوانى شعبه‌ي ديوانگى‌٢
    1. يقول: «كنت قطرة فتُهتَ في بحر الأسرار، و لن تعثر على تلك القطرة في هذا الزمان أبداً.
      أن الضياع و الفَناء و إن لم يكن دَيدن كلّ أحد، لكنّ هناك في عالم الفناء الكثير من أمثالى».
    2. يقول: «في البدء كان العَبَثُ هو كلّ شي‌ء: الطفولة و الطيش و الغفلة.
      و في وسط الأمر كانت الغُربة و الضياع، و كان الجنون الذي هو من صفات الشباب.

معرفة الله ج۱

188
  • باز در آخر كه پيرى بود كار***تن خرف درمانده و جان گشته زار
  • چون ز اوّل تا به آخر غافليست***حاصل ما لاجرم بى حاصلى است‌۱
  • و يمكن لهذه المقولة «إذا كنت لا تقدر فما فائدة أن تعلم» أن تحمل هذا المعنى، و هو أن الروح الإنسانيّة لمّا تفارق البدن، فلا تعد هناك وسيلة لتحصيل الكمال، و تتيقّن أن ما كان مطلوباً منها، لم يحصل، و راح يستغرق في التمنّي: {فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}،٢ عندها لا تنفع هذه المعرفة، بل تزيد من ندمه، و هو عذاب مضاعف.

  • و بما أن منشأ هذه المشاهدات و المكاشفات التي مرّ ذكرها، هي القلب الإنسانيّ، يقول في هذا الشأن:

  • چه مى‌گويم حديث عالم دل***ترا اى سر نشيب و پاى در گل‌٣
  • ما الذي أقوله لك عن حديث عالَم القلب، و هو العروج إلى العوالم اللطيفة، و مشاهدة الأنوار و التجلّيات الإلهيّة، و أنت تنزل إلى قعر الهاوية، من أعالى مراتب الكمالات القلبيّة و الروحيّة، إلى أسفل السافلين، و قد غاصت قدما السير و السلوك في وحْل اللذّات الجسمانيّة، و الشهوات‌

    1. يقول: «و في النهاية، لما لاح الشيبُ و بَدت الشيخوخة، صار البدن خَرِفاً و مخبولًا، فتألّمت الروح.
      و لأنّ الغفلة و الإهمال كانتا الصفتَيْن البارزتَيْن من أوّل العُمر إلى آخره، فإنّنا لم نحصد إلّا العبث و الضياع».
    2. الآية ۱٢، من السورة ٣٢: السجدة.
    3. يقول «فأين أنت و حديث القلب يا مسكين، يا مَن شمخت برأسك لكنّ رجليك في الطين».

معرفة الله ج۱

189
  • النفسانيّة، و أضحى الهارب مطلوباً، و المطلوب هارباً، و تحمّل النفس عناء الركض وراء المال و الجاه، و تبقى محروماً عن إدراك الكمالات المعنويّة، التي هي اللذّة الحقيقيّة الباقية. شعر:

  • اهل دل شو يا كه بنده اهل دل‌***ورنه همچون خر فرومانى به گل‌
  • هر كه را دل نيست او بى بهره است‌***در جهان از بينوائى شهره است‌
  • رو به اسفل دارد او چون گاو و خر***نيستش كارى به جز از خواب و خور
  • حقّ همى گويد كه ايشان في المثل***همچو گاوند و چو خر بل هُم أضَلّ‌۱
  • مَن لا يبحث عن نفسه هو أكثر الخلائق خسراناً

  • و لأنّ الهدف من إيجاد العالم، هو المعرفة، و لا يقدر على تحصيل المعرفة الحقيقيّة إلّا الإنسان الكامل، فإنّ العالم مخلوق للإنسان. و لهذا قال الشاعر:

  • جهان آنِ تو و تو مانده عاجز‌***ز تو محروم‌تر كس ديد هرگز؟٢
    1. يقول: «كُنْ من أصحاب القلوب العاشقة أو كن عبداً لهم، و إلّا فإنّكَ ستبقى كالحمار المُتوغّل في الوحل.
      إن من لا يتعامل بالحبّ و العشق فلا خَلاق له (مِن الحياة) و سيكون أشهر من نار على عَلَم في البؤس و الشقاء.
      إن شخصاً كهذا ينكّس رأسه دوماً إلى الأسفل كالبقر و الحمير، و لا عمل يُلهيه أو شغل يشغله إلّا النوم و الأكل.
      فالحقّ تعالى قد شَبَّهَ أمثال هؤلاء قائلًا: اولئكَ كالأنعامِ بَلْ هُم أضَلّ».
    2. يقول: «لك الدنيا و أنت فيها عاجز
      فهل رأى الدهر مثلك خسرانا؟»

معرفة الله ج۱

190
  • فالعالم هو لك، و من أجلك وجد، و الوجود كلّه أداة طيّعة في يدك، و أنت بدورك خلقت من أجل المعرفة، ففي الحديث القدسيّ‌ يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ كُلَّهَا لأجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلِي‌۱. أمّا أنت فغارق في ملذّات‌

    1. «الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية» للشيخ الحرّ العامليّ، ص ٣٦۱، طبعة النجف الأشرف: قال‌[ أي الحافظ رجب البرسيّ‌]:و جاء في الأحاديث القدسيّات: أن اللهَ يَقُولُ: عَبْدِي! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ لأجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلِي؛ وَهَبْتُكَ الدُّنْيَا بِالإحْسَانِ وَ الآخِرَةَ بِالإيمَانِ.و جاء في تفسير «حدائق الحقائق» تأليف معين الدين الفَراهيّ الهَرويّ المشهور بالمَولى مسكين، ص ٣۷۸ و ٣۷٩، الطبعة الثالثة، ما يلي: «لطيفة جليلة: لمّا غَلَّقت زُليخا الأبواب، لاحظ يوسف أنّها قد زيّنت نفسها و تبرّجت على أفضل ما يكون. فسلم عليها ثمّ دار بوجهه نحو الحائط فرأى صورته و صورة زُليخا مُنعكسة على ذلك الحائط. فرفع رأسه و دار ببصره نحو السقف. فرأى صورتيهما منقوشة على السقف كذلك. فنكّس رأسه إلى الأرض فلاحت له الصورة نفسها على الأرض! فتحيّر في الأمر. فكذلك، أيّها الدرويش! فإنّ مجموع أطباق السماوات و الأرضين من سقف فلك الأطلس إلى سطح الأرض المسدّسة الشكل مبنيّة على محبّة جلاله الأقدس جلّ و علا. و كان غرض زليخا من تصميم البناء على تلك الشاكلة و تصوير القصر على تلك الهيئة، أن لا يرى يوسف عند دخوله عليها إلّا صورتها مُنعكسة في أطراف القصر و جوانبه، و لا يشاهد إلّا جمالها هي وحدها فتدخل سلسلة العشق و المحبّة في دائرة و حلقة مسدودة. و كذا الهدف من خَلق كلّ تلك الأجرام العُلويّة و الأجسام السفليّة، و هو توجّه هذه الحفنة من التراب إلى جناب الأقدس تعالى؛ يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ كُلَّهَا لَكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلي. و مهما أخفوا وجوده بالحُلل و الخِلَع فإنّهم جميعاً شربوا من كأس شهوده و أصبحوا مرآة جمال مظهر ذاته و صفاته، حتى لا يجد العارف غير حُسن محبوبه و جماله، أنّي نظر و إلى أيّ جانب أبصر؛ كما يقول الفقير إليك:
      گر گشائى ديدة دل، حسن او بينى همه‌***ور ببندى ديدة بدبين، نكو بينى همه‌
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

معرفة الله ج۱

191
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      آفتابى را كه اندر روزن دل تافته است‌***با همه ذرّات عالم روبرو بينى همه‌
      ناظر حقّ باش در مرآت ذرّات وجود***تا در اين آئينه‌ها ديدار او بينى همه‌
      عكس روى است آنكه مى‌تابد ز آئينه نه روى‌***آينه بردار تا خود جمله رو بينى همه‌
      يك سر مو گر شود از عالم وحدت پديد***هر دو عالم كمتر از يك تار مو بينى همه‌
      از گلستان معانى يك گلت نآمد بدست‌***بس كه در گلزار صورت رنگ و بو بينى همه‌
      بادة وحدت به هر ظرفى نمى‌گنجد معين‌***نيست اين زان مى كه در خمّ و سبو بينى همه»
      يقول: «لو فتحتَ بصيرتك لرأيتَ في كلّ شي‌ء حُسنه و جماله، و لو أغلقتَ عين التشاؤم لرأيت الأشياء كلّها جميلة و حسنة.و سترى أن ضوء الشمس المُتألّق في أعماق القلب لا يختلف عن باقي الذرّات في العالَم.كُن ناظراً للحقّ في مرآة ذرّات الوجود، حتى يتسنّى لك رؤية صورته و مُحيّاه في هذه المرايا.إن ما تراه في المرأة إنّما هي صورة مُنعكسة و ليس الوجه نفسه، فأزِل المرأة لترى وجهه في كلّ شي‌ء.إن ظهرَ لكَ عالَم الوحدة و لو بقدر شعرة واحدة، لرأيت كِلا العالمَيْن و كأنّهما لا يتجاوزان شعرة واحدة.ما حصلتَ إلى الآن حتى على زَهرة واحدة من بستان المعاني، و ذلك لأنّك ترى الجميع في بستان الصورة ذاك على هيئة لون و رائحة. أن صهباء الوحدة لا يحويها كلّ ظرف و لا يسعها كلّ إناء، إذ أن هذه الصهباء ليست كالتي عهدتَ محفوظة في الأزوار و الدِّنان».و افتتح الشيخ محيي الدين بن عربي في «الفتوحات المكّيّة» ص ۱٢٣، الباب ٣٣٣، القسم الثالث، الطبعة القديمة، بما يلي:فِي مَعْرِفَةِ مَنْزِلِ «خَلَقْتُ الأشْيَاءَ مِنْ أجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ مِنْ أجْلِي؛ فَلَا تَهْتِكْ مَا خَلَقْتُ مِنْ أجْلِي فِيمَا خَلَقْتُ مِنْ أجْلِكَ».و قال في طبعة ۱٣٩٥ هـ، الجزء السابع و العشرون، باب الستّون، ص ٣٥۸: وَ أنْزَلَ في التَّوْرَاة: «يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ مِنْ أجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ مِنْ أجْلي».

معرفة الله ج۱

192
  • الطبيعة، مشغول عن تحصيل المعرفة التي من أجلها خُلقت، مُتّبع هوى النفس الأمّارة بالسوء، أ فلا تستطيع أن تترك اللذّات الفانية أيّاماً قلائل و تغنم الكمالات الأزليّة من فيض المعرفة الإلهيّة، و تنجو بنفسك من الحرمان الأبديّ؟

  • فبسبب دناءة الهمّة، و عدم الانقياد، جعلت من نفسك الأكثر شقاءً، و الأتعس حظّاً من بين كلّ الموجودات. أن بقيّة المخلوقات، لا يسمون لأعلى ممّا خلقوا لأجله، فهم لا يرون كمالًا غير الذي هم فيه، و بسبب عدم الأهليّة، فليس عليهم بلوغ الكمال كما هو مطلوب من الإنسان، أمّا أنت، فتعرف كلّ هذا، و لأجل هذا كانت خلقتك، فلا تكن عبداً للذات البهيميّة، و الشهوات النفسانيّة، و تتخلّف عن مقصود العالمين.

  • شعر:

  • اين چه نادانى است يك دم با خود اي***سود مى‌خواهى از اين سودا برآى‌۱
    1. يقول:
      «ما هذا الجهل اصحَ و تدبّر***أ تُريد منفعة؟ خذ من ذا و أدبِرْ»

معرفة الله ج۱

193
  • گنج عالم دارى و كَدّ مى‌كنى‌***خود كه كرد آنچه تو با خود مى‌كنى؟
  • پادشاهى، از چه مى‌گردى گدا؟‌***گنجها دارى، چرائى بينوا؟۱
  • و لأنّه لا راحة من اللذّات الشهوانيّة، و الأطماع النفسانيّة، يقول:

  • چو محبوسان به يك منزل نشسته***بدست عجز، پاى خويش بسته‌٢
  • فهو كالسجين المكبّل الرِّجلَينِ، جالس، لا يقوى على الخروج، و قد حُصِر في منزل التقليد و الطبيعة و الأهواء النفسانيّة لا يتجاوزه، و قد قيّد بِيَدِ العجز قَدَمي السير و السلوك عنده، و لا مهرب له للخلاص من هذه القيود، من شدّة الكآبة، و بسبب برودة التقليد و هوى النفس التي تركت أثرها فيه، و أصبح كالميّت، لا يمتلك حرارة الشوق و لا ذوق العشق. شعر:

  • زنده شو اين مردگى از خود ببر***گرم شو افسردگى از خود ببر
  • آتشى از عشق او در دل فروز‌***خرمن تقليد را يكسر بسوز٣
  • طريق معرفة الله يتمثل فى تخطّي عبادة النفس‌

  • و لأنّ برودة الطبع و الهوى غالبة على أمزجة النساء، فهو يقول:

    1. يقول:
      «تملك الدنيا و تُجهد نفسك‌***من ذا قد فعل الذي عليه تصرْ
      أنت سلطان، لما ذا تكتدى؟***تملك الكنز، علامَ تسهرْ؟»
    2. يقول: «كما المسجون الذي جلس في منزل من المنازل و قد قيّد بالعجز قدميه».
    3. يقول: «إحيَ و أزِلْ عنكَ هذا الياس و التهالُك، و انشَط و تفاعل، و اهجُر الكآبة و الهَمّ.اشعلْ في قلبك شعلة من نيران حبّه، و احرِق أكداس و رُكام التقليد برمتها».

معرفة الله ج۱

194
  • نشستى چون زنان در كوى إدبار‌***نمى‌دارى ز جهل خويشتن عار۱
  • فكنت كالنساء، أدرت ظهرك للمعرفة، و اتجهت لمقتضيات الطبيعة و هوي النفس، و سلكتَ سبيل الشقاء و الإدبار، و اغتررت بمباهج الدنيا و ظاهرها البرّاق، و لم ترفع قَدَماً في طريق نيل الكمال المعنويّ، و لم تخجل من جهلك. شعر:

  • تا به كى همچون زنان اين راه و رسم و رنگ و بو؟***راه مردان گير و با صاحبدلان دمساز شو
  • چون زغن تا چند باشى بسته‌ي مردار تن***در هواى سير جان يك لحظه در پرواز شو٢
  • و حيث أن حصول الكمالات، مقرون بمخالفة النفس و هواها، يقول:

  • دليران جهان آغشته در خون***تو سر پوشيده ننهى پاى بيرون‌٣
  • أي أن طالبي قرب المولي عزّ و جلّ، و هم سالكو الدرب بما يملكون من شجاعة خارقة، في صراع دائم مع النفس الأمّارة بالسوء، حيث يقول الحديث الشريف: أعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ التي بَيْنَ جَنْبَيْكَ‌،٤

    1. يقول: «جلستَ- كفعل النساء- في درب الإدبار، و ما أدراك أن في ذلك عارُ».
    2. يقول:
      «حَتَّامَ كالنسوة تبغي السُّبلا***خُذ سبيلًا للرجال الكُمّلا
      كالحَدَأة لا تبرح المُستَنقَعا***طِرْ لحظة و اطلب لنفسكَ النفعا»
    3. يقول: «فالأشاوس في العالم مخضّبون بدمائهم، في حين أنّك متخفٍّ لا تجرؤ على الخطو خارج منزلك».
    4. نُقِلَ هذا الحديث في «بحار الأنوار» ج ۱٥، ص ٤۰، في الجزء الثاني المتعلّق بالأخلاق، طبعة الكمبانيّ، نقلًا عن «عُدّة الداعي». و أوردها كذلك المرحوم آية الله بحر العلوم في الرسالة المنسوبة إليه، ص ٩٤. و ذكرتها أنا الحقير في رسالة «لبّ اللباب» و هي مجموعة دروس و تقريرات الاستاذ العلّامة، ص ۷٣. و جاء ذكره أيضاً في «حدائق الحقائق» ص ۷۱۱.

معرفة الله ج۱

195
  • التي هي عدوّة الدين، فهم لا يكفّون عن محاربتها باستمرار، يقول الحديث القدسيّ: أوْحَى‌ اللهُ تعالى إلى موسى عليه السلام: أن أرَدْتَ رِضَائِي فَخَالِفْ نَفْسَكَ؛ إنِّي لَمْ أخْلُقْ خَلْقاً يُنَازِعُنِي غَيْرَهَا، هؤلاء هم راسخو الأقدام، انبروا إلى مخالفتها و مجادلتها، و لم يركنوا إلى مكرها لحظة واحدة، فقلوبهم كلمى من غضبها و قهرها، أمّا أنت، فقد وضعت حجاب التقليد على وجهك، و أقمت في دار الطبع و الهوى كالحريم، و لم تتقدّم في طريق الطلب، و لم تنج بنفسك من مستنقع الطبيعة هذا. شعر:

  • نفس دون را زير دستى تا به كى؟***شو مسلمان، بت‌پرستى تا به كى؟
  • همچو يوسف خوش برآ از قعر چاه***تا شوى در مصر عزّت پادشاه‌۱
  • مقولة «عليكم بدين العجائز» تعني الأمر بالانقياد المحض لا النهي‌

  • و لأنّ التقليد في طريق معرفة الله، الذي هو أساس جميع العقائد الدينيّة، غير مستحسن، فهو يقول:

  • چه كردى فهم از اين دين العجايز‌***كه بر خود جهل مى‌دارى تو جايز؟٢
    1. يقول: «إلى متى ترزح نفسك في الحضيض؟ كُن مسلماً، فحتّامَ عبادتك الأصنام؟كُن كيوسف؛ أخرج بنفسكَ من غيابة الجبّ، حتى تصبح العزيز في مصر».
    2. يقول:
      «ما الذي استوعبتَ من دين العجائز***فقبلتَ الجهل حكماً ما بجائز؟»

معرفة الله ج۱

196
  • و يشير إلى الحديث الشريف: وَ عَلَيْكُمْ بِدِينِ العَجَائِزِ،۱ اي ما ذا

    1. قال صاحب ديوان «أحاديث مثنوي» ص ٢٢٥ و ٢٢٦ برقم ۷٤٢، الطبعة الثانية:
      هم در اوّل عجز خود را او بديد *** مرده شد دين عجائز برگزيد
      يقول: «لقد رأي عَجزه في البداية فمات و سار على دين العجائز». و هو إشارة إلى الحديث المذكور: عليكم بدين العجائز. («إحياء العلوم» ج ٣، ص ٥۷؛ و اعتبره مؤلّف «اللؤلؤ المرصوع» ص ٥۱ موضوعاً مستقلّا. راجع «اتحاف السادة المتّقين» ج ۷، ص ٣۷٦، ففيه بحث مفيد حول هذا الحديث و شواهد على صحّته).
      و ذكر آية الله الحاجّ الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء رحمه الله في كتاب «الفردوس الأعلى» ص ٢٢٤، الطبعة الثالثة، ما يلي: و لعلّ هذا المراد من الكلمة المأثورة: «عليكم بدين العجائز». و قال آية الله السيّد محمّد على القاضي الشهيد رحمه الله معلّقاً على ذلك بقوله:
      «مُراد شيخنا الإمام دام ظلّه من كون تلك الكلمة مأثورة، هو كونها مأثورة عن بعض السلف، لا أنّها مأثورة بهذه العبارة عن أحد المعصومين عليهم السلام؛ لأنّها ليست من المأثورات عن النبيّ أو أهل بيته عليهم الصلاة و السلام، و لم يروها أحد من المحدّثين بطرق أصحابنا الإماميّة أو بطرق أهل السنّة في الجوامع الحديثيّة عنهم صلوات الله عليهم كما حقّقنا ذلك تفصيلًا في بعض مجاميعنا.
      و قال الحافظ أبو الفضل محمّد بن طاهر بن أحمد المقدسيّ في كتابه: «تذكرة الموضوعات» ص ٤۰، ط ٢، مصر، سنة ۱٣٥٤ هـ: عليكم بدين العجائز. ليس له أصل من رواية صحيحة و لا سقيمة إلّا لمحمّد بن عبد الرحمن البيلمانيّ بغير هذه العبارة له نسخة، كان يُتَّهم».
      و ذهب جماعة من العلماء كالشيخ البهائيّ و تلميذه الفاضل الجواد و الفاضل المازندرانيّ إلى أن تلك الكلمة من كلام سفيان الثوريّ من متصوّفة العامّة.
      و قال القوشجيّ في «شرح التجريد»: أن عمرو بن عبيدة لمّا أثبت منزلة بين الكفر و الإيمان، فقالت عجوزة: قال الله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَ مِنكُم مُؤْمِنٌ}، فلم يجعل الله من عباده إلّا الكافر و المؤمن؛ فقال سفيان: عليكم بدين العجائز!. و قال المحقّق القمّيّ قدّس سرّه صاحب «القوانين»: المذكور في الألسنة و المستفاد من كلام المحقّق البهائيّ قدّس سرّه في حاشية «الزبدة» أن هذا هو حكاية دولابها و كفّ اليد عن تحريكها لإظهار اعتقادها بوجود الصانع المحرِّك للأفلاك، المدبِّر للعالم.
      و حكى سيّد الحكماء السيد الداماد قدّس سرّه في «الرواشح السماويّة» ص ٢۰٢، ط طهران، عن بعض العلماء أن عليكم بدين العجائز من الموضوعات. و عن كتاب «البدر المنير»: أنّه لا أصل له بهذا اللفظ.
      و لكن روى الديلميّ مرفوعاً: إذا كان في آخر الزمان و اختلفت الأهواء، فَعَلَيْكُمْ بِدِينِ أهْلِ البَادِيَةِ وَ النِّسَاءِ! قِفُوا على ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ وَ إيَّاكُمْ وَ التَّعَمُّقَ إلى المَعانِي الدَّقِيقَةِ! اي فَإنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَفْهَمَهَا- انتهى.

معرفة الله ج۱

197
  • استنبطت من هذا الحديث حتى تبيح لنفسك الجهل، و لا تسعى و تجتهد و تكدح في طريق المعرفة الإلهيّة؟ إلّا اللهمّ، إذا اعتقدت بأنّ التفكّر في معرفة الله ممنوعة، و أن هدف النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله من هذا الحديث هو كما أن لا قدرة للعجائز على التفكّر و الاستدلال، فكونوا أنتم أيضاً كذلك. اي أن لا تسعوا في طلب المعرفة اليقينيّة، و اكتفوا بمجرّد التقليد، و بهذا الاستنباط العقيم، قد سرى الخذلان و الجهل إلى نفسك، و لم تسع في طريق الطلب؟

  • و اعلم، أن حقيقة مضمون هذا الحديث الشريف، هو أنّه يجب علينا و في جميع الأحكام الشرعيّة، بدءاً من الأوامر، حتى النواهي التي تشكّل هيكل الدين، أن نتقيّد بتنفيذها، كما تفعل العجائز، و أن لا نشرك العقل أو هوى النفس فيها. و أن لا نفسّر الامور على خلاف ظاهرها، إلّا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، لأنّ تأويل الأحكام الشرعيّة ليس مرجعها العقل وحده، و ليس معنى ذلك ترك التفكّر في معرفة الله، و الكفّ عن الطلب، و القبوع في بيت التقليد المحض مثلما تفعل العجائز. شعر:

معرفة الله ج۱

198
  • آن دلى كو هست خالى از طلب‌***دائماً بادا پر از رنج و تعب‌
  • آن سرى كو را هواى دوست نيست‌***زو مجو مغزى كه او جز پوست نيست‌
  • جان كه جويايت نباشد كو به كو***مرده بى جان بود جانش مگو
  • جان ندارد هر كه جوياى تو نيست***دل ندارد هر كه شيداى تو نيست‌۱
  • فالمراد من الحديث، هو ليس الاقتصار على التقليد، و يقول هنا:

  • زنان چون ناقصات عقل و دينند‌***چرا مردان ره ايشان گزينند؟٢
  • ففي الحديث الشريف للرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: هُنَّ نَاقِصَاتُ العَقْلِ وَ الدِّينِ٣.

    1. يقول: «أن القلب الفارغ من الطلب و البحث ملي‌ء دائماً بالمتاعب و اللغوب.
      و لا تبحث عن المخّ في الرأس الذي لا يشغله هوى الصديق و الرفيق، فليس ذلك الرأس سوى قشراً و حسب.
      إن النفس التي لا تقطع الجبال و الوديان بحثاً عنك، ليست نفساً بل مجرّد جسد بلا روح.
      إن مَن لا يبحث عنك و لا يطلبك لا يملك روحاً على الإطلاق، و لا قلب لِمَن لا يُتَيَّمُ بك».
    2. يقول: «أن النساء ناقصات العقل و الدين، فَلِمَ يختار الرجال طريقهنّ و نهجهنّ؟».
    3. و جاء في «نهج البلاغة» في الرسالة ۱٤، من باب الرسائل، و طبعة مصر، مطبعة عيس البابيّ الحلبيّ، شرح الشيخ محمّد عبده، ج ٢، ص ۱٥:
      وَ لَا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأذًى وَ أن شَتَمْنَ أعْرَاضَكُمْ وَ سَبَبْنَ امَرَاءَكُمْ! فَإنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ القُوَى وَ الأنْفُسِ وَ العُقُولِ. أن كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ.
      و ذُكر في «فروع الكافي» ج ۱، ص ٣٣۸، في كتاب الجهاد، الطبعة الحجريّة، بلفظ فَإنَّهُنَّ ضِعَافُ القُوَى وَ الأنْفُسِ وَ العُقُولِ، في رواية مفصّلة و التي ذكر السيّد الرضي موجزاً لها في «نهج البلاغة»، عن حديث مالك بن أعين أنّه قال: حَرَّضَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ النَّاسَ بِصِفِّينَ فَقَالَ: أن اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ دَلَّكُمْ على تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ ألِيمٍ- إلى آخر وصيّته و تحريضه على الجهاد.
      و جاء في «شرح نهج البلاغة» للخوئيّ، ج ۱۸، ص ۱٦٦، أنّه جاء لفظ: فَإنَّهُنَّ ضِعَافُ القوى وَ الأنْفُسِ وَ العُقُولِ في كلتا الروايتين لـ «الكافي» و نصر بن مزاحم، إلّا أن تلك اللفظة وردت في رواية الطبريّ بشكل: فَإنَّهُنَّ ضِعَافُ القُوَى وَ الأنْفُسِ دون ذكر كلمة وَ العُقُولِ.
      و جاء في الخطبة (۷۸) من «نهج البلاغة»: و من خطبة له عليه السلام بعد حرب الجمل في ذمّ النساء:
      مَعَاشِرَ النَّاسِ! أن النِّسَاءَ نَوَاقِصُ الإيمَانِ، نَوَاقِصُ الحُظُوظِ، نَوَاقِصُ العُقُولِ؛ فَأمَّا نُقْصَانُ إيمَانِهِنَّ فَقُعُودُهُنَّ عَنِ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ في أيَّامِ حَيْضِهِنَّ، وَ أمَّا نُقْصَانُ حُظُوظِهِنَّ فَمَوارِيثُهِنَّ عَلَى الأنْصَافِ مِنْ مَوَارِيثِ الرِّجَالِ، وَ أمَّا نُقْصَانُ عُقُولِهِنَّ فَشَهَادَةُ امْرَأتَيْنِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الوَاحِدِ؛ فَاتَّقُوا شِرَارَ النِّسَاءِ وَ كُونُوا مِنْ خِيَارِهِنَّ على حَذَرٍ، وَ لَا تُطِيعُوهُنَّ في المَعْرُوفِ حتى لَا يَطْمَعْنَ في المُنْكَرِ.
      و أورد هذه الخطبة في «نهج البلاغة» ج ۱، ص ۱٢٩، طبعة مصر بتعليق الشيخ محمّد عبده؛ و كذا في «سفينة البحار» ج ٢، ص ٥۸۷، مادة نَسَأ، في (كج نط ٥٣) ج ٢٣، طبعة الكمبانيّ، الباب ٥٩، ص ٥٣. و ذكر ذلك أيضاً الآقا جمال الدين الخونساريّ في شرح «غرر الحكم و درر الكلم» للآمديّ، ج ٦، ص ٢۸۱۱ و ٢۸۱٢ برقم ٩۸۷۷.
      و قال الملّا مسكين في «حدائق الحقائق» ص ٤٣۸، الطبعة الثالثة: «و قد اعتبر كيد النساء عظيماً لأنّ المرأة من مصائد الشيطان و حَبائِله: النِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطانِ. و ناقصات العقول نَاقِصَاتُ العُقُولِ وَ الدِّينِ، و مع هذا نجد كثيراً من الرجال مع كمال عقولهم و تمام نباهتهم يقعون أسرى في شِراك النساء و كيدهنّ و مكرهنّ».

معرفة الله ج۱

199
  • كما أن المقصود بـ عَلَيْكُمْ بِدِينِ العَجَائِزِ، ليس أن تكونوا في الدين‌

معرفة الله ج۱

200
  • تابعي العجائز، بسبب أنّهن ناقصات دين، كما أخبر الرسول صلى الله عليه و آله عنهنّ، فلهذا يكون المراد منه، الانقياد للأوامر، و ترك النواهي، و عدم التأويل على حسب الأهواء النفسانيّة، تماماً كما تفعل العجائز.

  • و كلّ ما لا يدركه عقلك، دع حقيقة تأويله، و اعترف بقصورك، فإنّ كمال النبوّة أعلى من أن يبلغ أيّ فرد حقائق أحكامها الشامخة. شعر:

  • چشم تو ادراك غيب آموخته‌***چشمهاى ديگران بر دوخته‌
  • آن يكى ماهى همى بيند عيان‌***و آن يكى تاريك مى‌بيند جهان‌
  • سالها گر ظنّ دوَد با پاى خويش***نگذرد ز اشكاف بينى‌هاى خويش‌۱
  • ما دام السالك لم يتخطّ كلّ شي‌ء، فإنّه لن يصل إلى مراده‌

  • كما ذُكر آنفاً، فإنّ النساء ناقصات دين، و من غير المناسب، تقليد الرجال لطريقتهن، و لا أن يضربوا حولهم حجاب التقليد، و هو الآن يقول:

  • اگر مردى برون آى و نظر كن***هر آنچ آيد به پيشت زان گذر كن‌٢
  • أي إذا كنت رجلًا، فاعلم أن التواري وراء جدار التقليد و الطبع هو من صفات النساء و طباعهنّ، و ليس من طباعك، فتهيّأ للسفر إلى عالم‌

    1. يقول: «اغشيت عين الرجال و أنت وحدك من بينهم باصرٌ و حَصيف.
      فعينٌ ترى البدر كلّ حين، و أخرى لا ترى العالَم إلّا ظلاماً و عُتمة.
      و لو سعى الظنُّ سنين راكضاً على قدمَيه، لم يُبصر أبعد من أنفه».
    2. يقول: «إن كنت رجلًا فاخرج و انظر، و تجاوز كلّ ما يعترضك».

معرفة الله ج۱

201
  • المعنى و القرب من المولى جلّ و علا، و أخرج نفسك من حالة التقليد و الطبع و هوى النفس التي تولّد السكون و الياس، و تقدّم في طريق طلب منازل الدنيا و العقبى، و اطلب من الحقّ تعالى أن يشغلك، و تخلّ عن كلّ شي‌ء، و لا تتوقّف عند مرتبة أو منزلة من المنازل، حيث يقول متجرّد و النهج، و عشّاق الحقيقة: أن همّة السالك، في طريق الطلب، من العلوّ بحيث إذا عُرضت عليه كلّ المقامات و المراتب، نظر إليها بازدراء، و وجّه جلّ اهتمامه إلى المطلوب الحقيقيّ. شعر:

  • زانكه گر جائى نظر خواهى فكند***در كنار خويش سر خواهى فكند
  • چيست زو بهتر، بگو اى هيچ كس‌***تا بر او دلشاد باشى يك نفس؟
  • من نه شاهى خواهم و نه خسروى‌***آنچه مى‌خواهم من از تو هم توئى‌
  • مرگ جان بادا دل درويش را‌***گر گزيند بر تو هرگز خويش را۱
    1. يقول: «إذا التَفَتَّ أو نَظرتَ هنا و هناك (و أنت في طريقك نحو الحقّ)، فإنّك ستظلّ مكانك و تركد في محلّك دون حراك.
      مَن ذا أفضل و أغلى منه حتى تسرَّ قلبك به و تبحث عنه باستمرار؟ قل! بالتأكيد لا يوجد أحد (أفضل و أغلى منه).
      أنا لا أطلب أن أكون مَلكاً أو سلطاناً، أبداً، أن ما اريده منك هو أنت نفسك.
      إن الدرويش (و السالك إلى الله) يتمنّى موت نفسه على أن يفضّلها عليك أو يرجّحها في مقابلك».

معرفة الله ج۱

202
  • {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}.۱

  • لأنّ الانشغال بالأسباب، و الالتفات لغير المطلوب، يورث البعد و الحرمان، يقول هنا:

  • مياسا يك زمان اندر مراحل‌

  • مشو موقوف همراه رواحل‌٢ فالشوق و العشق للسالك الطالب و الصادق، يجب أن يكون من السمو بحيث لا يتوقّف العبد عند أيّة منزلة من المنازل في مسيره الذي يقطعه إلى الحقّ تعالى، و أن لا يريح النفس عند أيّة منزلة من هذه المنازل، و لا يتوقّف مع من توقّف من القوافل، إلّا مع مربّيه، و هو الشيخ الكامل، الذي لا يتيسّر بدونه سلوك الطريق، و أن يهيم و يحنّ للقاء المحبوب، فلا قرار له و لا راحة، و لا في قافلة يرغب و لا رفيق، و لا عن وداع يبحث و لا دليل. شعر:

  • پا برهنه مى‌روم در خار و سنگ‌***زانكه من حيرانم و بى خويش و دنگ‌
  • تو مبين اين گامها را بر زمين‌***زانكه بر دل مى‌رود عاشق يقين‌
  • يك دمِ هجران برِ عاشق چو سال***وصلِ سالى متّصل، پيشش خيال‌٣
    1. صدر الآية ٤۸، من السورة ٤: النساء.
    2. يقول: «لا تقفنّ في منزل دونه منازلُ، و لا تكن موقوفاً في صفّ الرواحل».
    3. يقول: «أسير فوق الحصى و الأشواك، أنا حَيران بدونك تائه دون مُعين.
      أنتَ المُبين لخَطونا فوق التراب، كلّ مَن يعشق وجهك واثقٌ غير ظَنين.
      كلّ لحظة هَجر تعدل لدى العاشق سنيناً، و وصال لعامٍ عنده كالخيال».

معرفة الله ج۱

203
  • و كطالب الحقّ الذي يمضي على خُطى النبيّ، يقول:

  • خليل‌آسا برو حقّ را طلب كن***شبى را روز و روزى را به شب كن‌۱
  • فكن كإبراهيم الخليل عليه السلام، الذي حرّر نفسه من‌ {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا}،٢ و في سبيل طلب الحقّ و ذكره صل الليل بالنهار، و النهار بالليل. اي لا تغفل، و لا ترقد جفونك عن طلب الحقّ لحظة واحدة. شعر:

  • مرد بايد كز طلب وز انتظار***هر زمان صد جان كند بر وى نثار
  • نى زمانى از طلب ساكن شود***نى دمى آسودنش ممكن شود
  • گر فرواستد زمانى از طلب***مرتدى باشد در اين ره بى ادب٣
  • فإنّ حجاب النور كحجاب الظلمة، مانع من الوصول، فيقول:

  • ستاره با مه و خورشيد اكبر‌***بود حسّ و خيال و عقل انور٤
  • لأنّ الترغيب و التشويق، جعل الطالب السالك صادقاً، يقول، يجب أن نخطو خطوات أكبر من التقليد، و نمضي إلى مصاحبة الأنبياء عليهم السلام، في سلوك الطريق إلى الله، لينال كلٌّ حظّه- و حسب استعداده الفطريّ- من مكاشفات الأنبياء، و ذلك بحسن المصاحبة.

  • و بفضل العناية الإلهيّة التي تحيط بالأنبياء عليهم السلام، و الأنفاس‌

    1. يقول: «كن كالخليل و ابتغ الحقّ، و صِلْ في بحثك الليل بالنهار».
    2. مقطع من الآية ٢٣، من السورة ٤٣: الزخرف.
    3. يقول: «على المرء أن يُضحّيَ نفسه مائة مرّة من أجل الوصول إلى طَلبه و نيل مراده.
      و عليه أن لا يستكنّ لحظة واحدة عن الطلب و لا يستقرّ عن الهدف.
      و إن توقّفَ لحظة عن ذلك صار أشبه ما يكون بالمُرتَدّ و قليل الأدب».
    4. يقول: «كانت الشمس و القمر و النجم لا محال، عقلًا منيراً و حسّاً و خيال».

معرفة الله ج۱

204
  • القدسيّة التي يحوون، فقد جُعِل ظاهرهم عين باطنهم، ففي حين يبذل الأولياء أقصى سعيهم و اجتهادهم، ليروا فيض الولاية بعين البصيرة، يرى الأنبياء هذا الفيض جليّاً و بامّ أعينهم، و بيان حالاتهم و مكاشفتهم هو فوق فهمنا و إدراكنا. و في بيان مقامات و مكاشفات و تجلّيات السالكين و المكاشفين، و هم أولياء الله، في متابعتهم الأنبياء عليهم السلام، التي تحصل عن طريق الرياضة و السلوك، فإنّه يورد مقدمة، لتيسير فهم المعاني التي يشير إليها الشيخ في هذه الأبيات حول طريقة كلّ نبيّ، و يقول:

  • شرائط و آداب سلوك الطريق إلى الله تعالى‌

  • اعلم، أن الولاية الخاصّة هي كمال القرب إلى الحقّ تعالى، لدرجة أن تمّحي الثنائيّة بينهما، و يذوب الوليّ في الحقّ تعالى بعد فناء ال- «أنا» فيه، و هذا لا يتمّ بغير التصفية، و ذلك عن طريق ترويض النفس على المجاهدات، و التجرّد من العلائق و الكدورات البشريّة و العوائق الجسمانيّة، و التوجّه نحو الحقّ تعالى، و التزام الخلوة، و المواظبة على الذِّكر و الطاعة و العزيمة و الانقطاع و التبتّل عن الخلق.

  • و الأنبياء عليهم السلام بحكم قدسيّتهم و نزاهتهم، و فائق العناية الإلهيّة التي تحيط بهم، فإنّهم في مسألة الإرشاد، لا يحتاجون أحداً غير الحقّ تعالى، إن استثنينا توسّط الملائكة في بعض الأحيان. و أمّا اتّفاق أصحاب الطريقة، فهو أن باقي أصناف الأولياء، عدا المجذوبين منهم لا يمكنهم الوصول للهدف الحقيقيّ، و هو مقام الولاية، بدون إرشاد صاحب الكمال الذي يتولّى إرشادهم. شعر:

  • پير، ما لا بدّ به راه آمد ترا‌***در همه كارى پناه آمد ترا۱
    1. يقول: «أيّها الشيخ! لقد جاءك ما لا بدّ منه و لا مفرّ، و هو ملاقيك في كلّ أعمالك».

معرفة الله ج۱

205
  • اى خنك آن مرده كز خود رسته شد***در وجود زنده‌اى پيوسته شد
  • هر كه شد در ظلّ صاحب دولتي***نَبوَدش در راه، هرگز حاجتي‌۱
  • الإنسان هو عصارة جميع المراتب، فإذا عمل بطريقة التصفية كما ينبغي و نوّر قلبه- الذي هو بالحقيقة البرزخ الجامع للوجوب و الإمكان- بالذِّكر و التوجّه الكلّيّ للمبدأ، و رفع الموانع عن الطريق إلى نور القدس، فإنّه سيحصل على الصفاء التامّ، و ينعكس كلّ موجود فيه، و تنكشف صور كلّ الأشياء، من مادّيّات و مجرّدات، في قلبه، و بهذا الصفاء و الانسجام الذي ابتدع مع عالم المعاني، تتجسّم المجرّدات له، و هي التي ليس لها صور حسّيّة في العالم الجسمانيّ، و تتشكّل بأشكال محسوسة، على حسب النسبة الموجودة بينها و بين تلك الصورة، فعلي سبيل المثال، كان جبرئيل عليه السلام يظهر بصورة دحيّة، و غير ذلك من الصور، للرسول الأمين صلى الله عليه و آله و سلّم و حتى البارئ جلّ و علا، أحياناً، يظهر له في عالم المثال، متلبّساً بلباس المظاهر الحسّيّة، و هو ما يطلق عليه اصطلاحاً، التأنيس، و هو عبارة عن تجلّي الحقّ تعالى على صورة المظاهر الحسّيّة، لغرض تأنيس المريد المؤيّد، بالتزكية و التصفية، و هو بداية تجلّيات القلوب.

    1. يقول: «فيا أيّها السعيد! أن ذلك الميّت الذي تحرّر من (قيود) نفسه، قد التحقَ بالوجود الحيّ.
      فمَن استظلَّ بظلّ صاحب الحكومة و السلطان لم يَحْتَجْ إلى شي‌ء خلال سيره في ذلك الطريق».

معرفة الله ج۱

206
  • أنواع التجلّيات: آثاريّة، أفعاليّة، صفاتيّة، و ذاتيّة

  • و الآن اعلم، أن التجلّي، و هو ظهور الحقّ تعالى في بصيرة قلب السالك الطاهر، بشكل عامّ على أربعة أنواع و هي: الآثاريّ، الأفعاليّ، الصفاتيّ، و الذاتيّ.

  • التجلّي الآثاريّ: و هو أن يرى الحقّ تعالى على صورة الجسمانيّات، الذي هو عالم الشهادة، من البسائط العلويّة و السفليّة، و المركّبات، على أيّة صورة كانت، و حين الرؤية، يتيقّن بأنّه الحقّ، و التجلّي الآثاريّ، و التجلّي الآثاريّ الصوريّ (أي المشاهدة على صورة إنسان)، هما أتمّ و أعلى من باقي التجلّيات.

  • التجلّي الأفعاليّ: هو أن يتجلى الحقّ تعالى على صفة من الصفات الفعليّة، و هي الصفات الربوبيّة. و تجلّيات الأفعال، غالباً ما تتمثّل بالأنوار المتلوّنة، اي أن الحقّ تعالى يُرى على هيئة نورٍ أخضر، أو أزرق، أو أحمر، أو أصفر، أو أبيض.

  • التجلّي الصفاتيّ: و هو تجلّي الحقّ تعالى على هيئة الصفات السبع الذاتيّة و هي الحياة و العلم و القدرة و الإرادة و السمع و البصر و الكلام، و أحياناً، في هذا النوع، يكون التجلّي على هيئة نور أسود، اي يتمثّل الحقّ تعالى بصورة نور أسود.

  • التجلّي الذاتيّ: و ذلك بأن يفنى السالك فناءً مطلقاً، و لا يعد للعلم أو الشعور أو الإدراك وجود قطعاً. و التجلّيات المذكورة تتفاوت بحسب صفاء و أوقات المتجلّى عليه.

  • فإذا رأى الحقّ تعالى مظهراً له، فهو التجلّي الكامل، و أمّا إذا أصبح هو انعكاساً للحقّ تعالى، اي يرى الحقّ في نفسه، فهذا أتمّ و أكمل، لأنّ التحقيق يثبت هذا. و في جميع مراتب التجلّيات المذكورة للحقّ تعالى، فإنّ رؤية الحقّ جلّ و علا أو تجسّد الحقّ فيه، هو طريق التصفية الحقيقيّ.

معرفة الله ج۱

207
  • و سماع موسى عليه السلام لنداء {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}‌،۱ و كذلك الحديثان الشريفان‌ رَأيْتُ رَبِّي في أحْسَنِ صُورَةٍ،٢ و مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأى الحَقَ‌٣ شواهد قاطعة على جواز حدوث التجلّيات.

  • بقاء السالك ببقاء الحقّ، بعد فنائه في التجلّي الذاتيّ‌

  • و حالة البقاء بالله تكون على حسب الكاملين الواصلين، و ذلك بعد فناء السالك في التجلّي الذاتيّ، يخلد ببقاء الحقّ و خلوده، حيث يرى نفسه مطلقاً، بلا تعيّن جسمانيّ أو روحانيّ، و قد أحاط علمه بكلّ ذرّة من الكائنات، و اتّصف بكلّ الصفات الإلهيّة، و إنّه القائم المدبّر لهذا العالم، و لا يرى شيئاً غير نفسه، و هذا هو المقصود من كمال التوحيد العيانيّ.

  • آن كه سُبحانى همى گفت آن زمان‌***اين معانى گشته بود او را عيان‌
  • هم ازين رو گفت آن بحر صفا***نيست اندر جُبّه‌ام الّا خدا
  • آن أنا الحقّ گفت اين معنى نمود‌***گر به صورت پيش تو دعوى نمود٤
    1. ذيل الآية ٣۰، من السورة ٢۸: القصص.
    2. و ورد في هامش «الإنسان الكامل» لعبد الكريم الجيليّ، ج ٢، ص ٦۱، ط ۱٣۱٦، المطبعة الأزهريّة المصريّة، على «المضنون به على غير أهله» تصنيف الغزّاليّ أنّه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: رَأيْتُ رَبِّي في أحْسَنِ صورَةٍ.
    3. قد مرّ ذكر مصدر هذا الحديث في هذا الكتاب.
    4. يقول: «أن الذي قال كلمة «سُبحاني» في ما قبل، إنّما كانت هذه المعاني قد تجلّت له في الحقيقة بالكامل.
      و كذا قوله «ليس في جُبّتي إلّا الله سبحانه».
      و هو الذي أشار إلى هذا المعنى بقوله: أنا الحقّ، و إن بدا لك في الظاهر غير ذلك».

معرفة الله ج۱

208
  • ليسَ في الدّارَين آن كو گفته است‌***دُرّ اين معنى چه نيكو سفته است‌
  • چون نماند از توئى با تو اثر‌***بى گمان يابى از اين معنى خبر۱
  • و ما كتبه سلطانا العالم، و الواصلان الموقنان، الشيخ أبو محمّد روزبهان، و الشيخ شمس الدين محمّد الديلميّ قدّس سرّهما عن الوقائع التي عاشاها حكايات عن هذه المراتب التي مرّ ذكرها.

  • و كذلك في مراحل التصفية، يعرج السالكون معراجاً روحانيّاً بالبدن المثاليّ أو بدونه، حيث يري السالك في كلّ سماء و على حسب الحالة، أرواح الأنبياء و الأولياء و الملائكة، و يحلّق في السماء، إلى العرش و إلى ما

    1. يقول: «و ما أروعَ ما نظّمَ دُرَر هذا المعنى، ذاك الذي قال «ليس في الدارَيْن...».
      فإذا لم يَبقَ للـ (أنا) فيكَ أيّ أثر أو بقيّة، فإنّكَ لا جَرَمَ ستحصل على هذا المعنى و ستصل إليه».
      سبق أن ذكرنا في هذا الكتاب أن بايزيد البسطاميّ هو قائل عبارة سُبحاني ما أعظمَ شأني. و هنا نكرّر أنّ: الشيخ نجم الدين الرازيّ قال في كتاب «العشق و العقل» ص ۸٩: «و إذا خرج الجسم من بيضة الوجود، صرخ قائلًا: سُبحاني ما أعظمَ شأني؛ بينما لا تزال قدَمه داخل البيضة».
      و قال مصحّح الكتاب في تعليقه ص ۱۱٣: «هذه العبارة قالها بايزيد البسطاميّ («كشف المحجوب» ص ٣٢۷، طبعة جوكوفسكي، لينينغراد، سنة ۱٩٢٦ م).
      و قد مازج العراقيّ في «اللمعات» بين عبارة بايزيد البسطاميّ و كلامه هو قائلًا: «فتارةً يُلبَس العاشقُ حُلّة البهاء و الكمال و يُزَيَّنُ بأنواع زينة الحُسن و الجمال، حتى إذا نظر إلى نفسه رأي المعشوق بالألوان المختلفة؛ بل يرى في نفسه المعشوق بكماله و تمامه؛ حينها سيقول: سُبحاني ما أعظمَ شأني؛ مَن مِثلي و هل في الدَّارَيْن غيري؟» («أشعّة اللمعات» للجامي، ص ٥٤ و ٥٥، الطبعة الحجريّة)».

معرفة الله ج۱

209
  • فوق العرش، و كيفيّة و كمّيّة مكشوفات الأولياء كما ينبغي، هي فوق البيان، و بعيدة عن إدراك العقول و إحاطتها.

  • فَثَمَّ وَرَاءُ العَقْلِ عِلْمٌ يَدِقُ‌ عَنْ***مَدَارِكِ غَايَاتِ العُقُولِ السَّلِيمَةِ۱ 
  • عقل اينجا ساكت آمد يا مضلّ***زانكه دل با اوست با خود نيست دل‌٢
  • بعد تمهيد المقدّمة نشرع في شرح البيت، و نقول: «ستاره با مه و خورشيد اكبر» اي لأنّ السالك المسافر، انطلق نحو الله، فيجب أن يرجِّح ذلك على جميع مراتب التنزّلات لكي يصل إلى المرحلة المطلقة، و ليصل النقطة الأخيرة من الدائرة بالاولى. و بما أن رحلته إلى عالم المثال المتجسّد بالملكوت و الربوبيّة، فهناك يشاهد القوى الروحانيّة المتمثّلة بصور المثل و على حسب صفاء السالك. و حيث قال عن إبراهيم الخليل عليه السلام: «خليل‌آسا برو حقّ را طلب كن»٣ تعبيراً عما جاء في الآية الكريمة:

  • {وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ‌

    1. البيت ٦۷٥ من تائيّة ابن الفارض الكبرى. و أمّا في النسختَيْن المطبوعتَين لدى الحقير، الاولى في ۱٣۷٢ هـ، دار العلم، و الثانية في ۱٣۸٢ هـ، دار صادر بيروت، فقد وردَتْ لفظة «النقل» بدل «العقل»: فثَمّ وراء النَّقل. و هذا أنسب مضموناً، خلافاً للبيت الذي وردَتْ فيه لفظة «العقل»، ذلك أن الشيخ ابن الفارض يقول في البيت الذي يسبق هذا البيت:
      وَ لَا تَكُ مِمَّن طَيَّشَتْهُ دُرُوسُهُ‌***بِحَيثُ اسْتَقَلَّتْ عَقْلَهُ وَ اسْتَقَرَّتِ‌
      أي، بحيث صارت العلوم المنقولة هدفهم الأساس ففقدوا بذلك عقولهم و قضوا باقي عمرهم بالترّهات و القيل و القال و لم يرجعوا إلى ألبابهم فيجدوا لأنفسهم مخرجاً.
    2. يقول: «لقد سكت العقل هنا، يا مُضلّ، و توقّفَ، لأنّ القلب معه هو (أي مع المعشوق) و ليس مع صاحب القلب».
    3. يقول: «اذهبْ و اطلب الحقّ كما فعل الخليل».

معرفة الله ج۱

210
  • الْمُوقِنِينَ ، فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى‌ كَوْكَباً}- إلى آخر الآية.۱

  • يقول الشيخ: إذا شوهِدَتْ شمس أكبر من النجم و القمر و الشمس الكبيرة، فاعلم أن هذه الكواكب هي الصورة المتمثّلة للحسّ المشترك، و هو القوّة الاولى من القوى الباطنة، و القمر الذي هو قوّة الخيال، و هي القوّة الثانية من القوى الباطنة، و استفاضة النور من العقل هي بمثابة القمر نسبة إلى الشمس، فالشمس هي الصورة المتمثّلة بالعقل، و النسبة بينهما واضحة. فالقوّة العاقلة هي سبب تنوّر ظلمة الجهل في الوجود الإنسانيّ بنور العلم.

  • على السالك أن يعبر التجلّيات الحسّيّة و الخياليّة و العقليّة

  • و للسالك عند مشاهدته هذه الصور المثاليّة حالتان: الاولى، هي أنّه أثناء المشاهدة، يدرك أنّها الشمس و القمر و النجم، و هي تحتاج إلى تفسير، اي أن رسمها السابق يتمثّل في خياله، فيدرك المعنى الذي يتمثّل في هذه الصورة.

  • و الحالة الثانية، هي أنّه حين المشاهدة يدرك بأنّ هذا النجم أو الشمس أو القمر هو الحقّ تعالى، و هو في هذه الحالة يكون واقعاً تحت تأثير التجلّيات الآثاريّة.

  • و لمّا كانت الآيات الكريمة تشير إلى المعنى الأوّل فقد عبّر عنه بالبيت التالى:

  • بگردان زان همه اي راهرو‌***روي هميشه لا احبُّ الآفلين گوى‌٢
  • و معنى ذلك أنّه يجب غضّ النظر عن كلّ ما نراه من مراتب الحجاب‌

    1. الآيتان ۷٥ و ۷٦، من السورة ٦: الأنعام.
    2. يقول: «اجتنب أيّها السالك عن كلّ شي‌ء، فليكن «لا احبّ الآفلين» لك قولًا تردّده».

معرفة الله ج۱

211
  • النورانيّ و ذلك في السير إلى الله، كما غضضنا النظر عن الحجب المظلمة. و لمتابعة سيّدنا إبراهيم عليه السلام، يجب أن لا نلتفت إلى صور الحواسّ و العقل، و أن نتوجّه إلى الواحد المطلق، و لا يجب علينا التقيّد بأيّة مرتبة من مراتب التعيّنات، لأنّ كلّ ما هو قيد التعيّن هو وجه من وجوه الكفر الذي يواجهه السالك في طريقه، و يجب الإعراض عن كلّ شي‌ء، و ذلك طبقا للآية {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، لأنّ صورة الظواهر للأسماء الإلهيّة تؤول للُافول و الانقراض، و إذا لم تخرج عن نطاق المحسوس و المعقول كما في حالة إبراهيم عليه السلام، فلا يمكن الحصول على مشاهدة نور الأنوار، و التي انمحت فيها كلّ الأنوار المحسوسة و المعقولة و ذابت، و لن تخرج عن شرك الأغيار و تتخلّص منه ما لم تصل إلى مرتبة الإطلاق و الوحدة الحقيقيّة. و لن تحصل المعرفة التامّة و المطلوبة و ستبقى محجوبة عن الحقّ. شعر:

  • بت‌پرستى چون بمانى در صور***بگذر از صورت برو معنى نگر
  • هر كه او در ره به چيزى ماند باز‌***شد بتش آن چيز، گو با بت بساز۱
  • و لأنّ مشاهدة الذات المطلقة في مراتب تجلّيات الأسماء و الصفات، هي أسهل، فقد قال:

    1. يقول: «إن تُؤمِن بالصور دون المعاني فأنتَ وثنيّ؛ اترك الصور و التماثيل و التَزِم المعنى.
      و مَن باتَ يتأمّل شيئاً في طريقه و لم يبرحه فإنّ ذلك الشي‌ء بالتأكيد سيئول إلى صنم له و معبود يُقدّسه؛ فقُل لشخص كهذا: ابقَ أذن مع صنمك و اعتنق مذهبه».

معرفة الله ج۱

212
  • و يا چون موسى عمران در اين راه***برو تا بشنوى إنّي أنا الله‌۱
  • و معنى ذلك أن عليك السير و السلوك في طريق الله كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام، و عليك اجتياز المظاهر و التوجّه إلى عالم الإطلاق، أو كما قالت الحكمة: الطُّرُقُ إلى اللهِ بِعَدَدِ أنْفَاسِ الخَلائِقِ،٢ و سِرْ كما سار موسى بن عمران عليه السلام في طريق الحقّ حتى ترى و تُشاهد تجلّي الحقّ في الصور الحيّة إذ {نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى‌ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}‌.٣

  • و بناءً على المقدّمة التي ذكرت لبيان التجلّي، تبيّن أن هذا التجلّي الذي تأثّر به موسى عليه السلام هو من نوع التجلّيات الآثاريّة. شعر:

  • بشنود إنّي أنا الله چون كليم از هر درخت‌***هر كه او بر طور دل از بهر ميقات آمدست
  • آيت حسن تو خواند جان ما از هر ورق *** حال عارف برتر از كشف و كرامات آمدست٤
  • التجلّي الذاتيّ للحقّ محال ما دام وجود السالك باقياً

  • و لأنّ مشاهدة الذات المطلقة محال، على الرغم من وجود الوجود المجازيّ، و تعيّن السالك، فقد قال:

    1. يقول: «فكن كموسى و اسلك طريقه، و امضِ قُدُماً حتى تسمع إنّي أنا الله».
    2. و على أيّة حال فإنّ هذا ليس بحديث، بل حكمة لبعض الحكماء.
    3. مقطع من الآية ٣۰، من السورة ٢۸: القصص.
    4. يقول: «سيسمع كلّ مَن اعتلى طور الفؤاد من أجل الميقات نداء: إنّي أنا الله، كما سمعها موسى كليم الله.
      إن أرواحنا تقرأ آية حُسنك و جمالك في كلّ ورق، و أن حالَ العارف و حالته هي أكرم من جميع الكرامات».

معرفة الله ج۱

213
  • ترا تا كوه هستى پيش باقى است***جواب لفظ ارنى، لَنْ تَراني است‌۱
  • فلأنّ الوجود الوهميّ للسالك هو الحجاب الوحيد الموجود بين الحقّ و السالك، فهو تعالى يقول: ما دام جبل وجودك باقياً و كنت ناظراً إلى نفسك، فإنّ الحقّ تعالى محتجب بستار الأسماء و الصفات، و مع وجود هذه الحجب النورانيّة، فلا يمكن رؤيته حقيقةً. و طبيعيّ أن الرائيّ و المرئيّ ملحوظان في الرؤية، و لا وجود للغير أصلًا في الانكشاف الذاتيّ، إذ وَ لَا يَرَى اللهَ إلَّا اللهُ.

  • و لأنّ موسى عليه السلام رأى جلالة الحقّ في ملابس الأسماء و الصفات، فلا جرم أنّه دُعِي بالكليم، و لا ريب في وجود الغيريّة في المكالمة و كان شوق موسى عليه السلام أكبر من أن يقنع بالتجلّيات الأسمائيّة، فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}‌،٢ اي أنا محتجب عنك بحجاب (الأنا) ما دامت (الأنا) عندك باقية.

  • گفتم به هواى مهر رويت‌***شد جان و دلم چو ذرّه شيدا
  • بردار ز رخ نقاب عزّت***بى پرده به ما جمال بنما٣
    1. يقول: «ما دام جبل وجودك باقياً، فسيكون جواب أرني: لن تراني».
    2. مقطع من الآية ۱٤٣، من السورة ۷: الأعراف: {وَ لَمَّا جاءَ مُوسى‌ لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى‌ صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}.
    3. يقول: «قلتُ: لقد أصبحت روحي و قلبي يعشقانك من أجل الجمال المُستَقرّ على محيّاك.
      فارفَعْ عن محيّاك خِمار العزّة، و اظهَر لنا دون حجاب أو خِمار».

معرفة الله ج۱

214
  • گفتند اگر تو مرد عشقي‌***بشنو سخن درست از ما
  • هستى تو پرده رخ ماست‌***از پرده خود به كلّ برون آى‌
  • از هستى خود چو نيست گشتى***از جمله حجابها گذشتى‌۱
  • و قد ورد في بعض النسخ، «صَداى لفظ أرني، لن تراني است» و قد ذُكرت كلمة «صدا» (= الصوت) لتناسب كلمة «كوه» (= الجبل)، فيكون المعنى، هو لأنّ الصوت هو صدى نداء صاحب الصوت، و اقترن صوت كلمة «أرِنِي» في الرؤية بوجود موسى عليه السلام، فوقع الصدى دون الرؤية، و هو {لَنْ تَرانِي}.

  • وَ جانِبْ جَنابَ الوَصْلِ هَيْهاتَ لَمْ يَكُنْ‌***وَ هَا أنْتَ حَيّ، أن تَكُنْ صَادِقاً مُتِ‌
  • هُوَ الحُبُّ أن لَمْ تَقْضِ لَمْ تَقْضِ مَأرَباً‌***مِنَ الحُبِّ فَاخْتَرْ ذَاكَ أوْ خَلِّ خُلَّتي‌٢
  • إذا زال جبل وجودك، فليس بينك و بين الحقّ من فاصلة

  • و ذلك لأنّ حجابك من الحقّ هو وجودك هذا، و إلّا فبحكم‌ {وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ}،٣ فإنّ الحقّ أقرب إليك منك، فقد قال الشاعر:

  • حقيقت كهربا، ذات تو كاه است***اگر كوه توئى نبود چه راه است؟٤
    1. يقول: «قالوا: إن كنتَ عاشقاً حقّاً فاستمع إلى حديث الحقّ من أفواهنا.
      إن وجودك هو خِمار محيّانا، فانسلخْ تماماً من ذلك الحجاب.
      فإذا انسلختَ من وجودك فاعلم أنّك قد اجتزتَ كلّ الحُجُب».
    2. هذان هما البيتان ۱۰۱ و ۱۰٢ من «نظم السلوك» لابن الفارض، ص ٩٣، طبعة دار العلم، سنة ۱٣۷٢ هـ و طبعة صادر، سنة ۱٣۸٢ هـ ص ٥٦.
    3. صدر الآية ۸٥، من السورة ٥٦: الواقعة.
    4. يقول: «أن الكهرباء هي الحقيقة و ما ذاتُكَ إلّا تِبناً، و لو لم يكن جبل الـ (أنتَ) موجوداً، لما كان أمامك من طريق».

معرفة الله ج۱

215
  • أي أن الحقيقة، و هي عين المراد، مثل المغناطيس، و ذاتك و وجودك هو المجذوب، و الجذب يكون من قبل الحقّ تعالى، أمّا انجذابك إليه فهو أمر في غاية البساطة، و لكن تعيّنك هو المانع و السدّ في طريق وصولك إلى المطلق، و إذا لم يكن للـ (الأنا) وجود، فلا حواجز في الطريق إلى الله.

  • شعر:

  • قرب، نى بالا و پستى رفتن است‌***قرب حقّ از هستى خود رستن است‌
  • خويش را بگذار و بى خود شو درآ***اندرون بزم وصل جانفزا
  • نيستى از خويش عين وصل اوست***بگذر از هستى، دلت گر وصل جوست‌۱
  • و لأنّ اندراس و اندثار وجود السالك عياناً و شهوداً، لا يتيسّر إلّا بالتجلّي الإلهيّ، فهو يقول:

  • تجلّى گر رسد بر كوه هستي***شود چون خاك ره، هستى ز پستى‌٢
    1. يقول: «أن قرب الحقّ هو في تحرّرك من وجودك و القرب ليس في نزولك و صعودك.
      و لن ترى الله بجسمك ما حييت، فاهجرْ أذن الجسم و هاجر فذاكم هو وجودك.
      إن انسلاخك من الذات هو عين وصالك به، فاجتز الوجود إن كان قلبك يخفق للوصال».
    2. يقول: «لو تجلّى الله لجبل الوجود لصار من ضحالته هباءً منثوراً».

معرفة الله ج۱

216
  • أي إذا أشرقتْ شمس التجلّي بنورها على جبل وجود السالك، أضحت ظلمة وجوده بحقارة التراب و صارت المحو المطلق، لأنّه بتجلّي ذات الحقّ فَناء المظاهر و الكثرات.

  • (شعر):

  • هر كه شد جوياى ديدار خدا***چون خدا آمد شود جوينده لا
  • گر چه آن وصلت بقا اندر بقاست‌***ليك اوّل آن بقا اندر فناست‌
  • سايهاى كُه بود جوياى نور***نيست گردد چون كند نورش ظهور
  • هالك آمد پيش وجهش هست و نيست***هستى اندر نيستى خود طرفه ايست‌۱
  • و يشير معنى هذا البيت إلى تتمّة تلك الآية الكريمة التي تقول: {قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى‌ صَعِقاً}.

  • و هذا هو التجلّي الذاتيّ الذي ذكرناه آنفاً في المقدّمة.

    1. يقول: «مَن أراد البحث عن الله سبحانه، سيكون لا شي‌ء بمجرّد مجي‌ء الله تعالى و ظهوره.
      فمع أن وصالك ذاك هو البقاء بعينه، إلّا أن ذلك البقاء كان فَناءً أوّل الأمر.
      إن الظِّلال تبحث عن النور، و عند ظهور النور، فإنّها ستتلاشى.
      لقد هلك أمام وجهه الوجود و العدم، و إنّه لمن الطريف أن يوجد الوجود داخل العدم».

معرفة الله ج۱

217
  • و حقيقة الكلام: أن امنية موسى عليه السلام كانت تكمن في مشاهدة الذات الأحديّة، و ذلك في عالم المعنى، و أمّا الجبل الذي بدا لموسى عليه السلام و تجلّي الحقّ تعالى له، فقد كان في الحقيقة وجود موسى عليه السلام الذي تمثّل في هيئة ذلك الجبل، و أمّا رؤية موسى عليه السلام للجبل فكان من نتيجة ذلك، أن خرّ صعقاً بعد أن دكّ الجبل، لأنّ التجلّي الذاتيّ، يقتضي فَناء و انعدام المظاهر.

  • و على هذا، يجب القول إنّه لم يتيسّر لموسى عليه السلام و الذين معه رؤية ذات الحقّ، فيكون حكم لَن تَرَانِي مطلقاً، و تتيسّر مشاهدة الحقّ عند تنزّل الذات إلى مراتب الأسماء و الصفات، حيث تجلّى لموسى على هيئة شجرة في الوادي الأيمن، و تكلّم معه من وراء ستار الأسماء و الصفات:

  • {وَ لَمَّا جاءَ مُوسى‌ لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ}.۱

  • تبيّن لنا من هذا الكلام، بأنّ الذين قالوا لا يمكن رؤية الله كانوا مصيبين من جهة، و ذلك باعتبار الذات.

  • و أمّا الذين قالوا بإمكان رؤيته تعالى فهم مصيبون كذلك، و ذلك باعتبار الأسماء و الصفات.

  • من چو او را ديده و ناديده‌ام‌

  • در ميان اين و آن شوريده‌ام‌٢ {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ}.٣

  • {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ

    1. صدر الآية ۱٤٣، من السورة ۷: الأعراف.
    2. يقول: «لقد تُهتُ بين هذا الأمر و ذاك لأنّني أراهُ و لا أراه في الوقت نفسه».
    3. صدر الآية ۱۰٣، من السورة ٦: الأنعام.

معرفة الله ج۱

218
  • رَبِّهِ أَحَداً}.۱

  • {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى‌ رَبِّها ناظِرَةٌ}.٢

  • السلوك و الرياضات هي من أجل الاستعداد للجذبات الإلهيّة

  • و اعلم أن السلوك و الرياضة و التصفية، إنّما تكون باستعداد الأفراد للانجذاب الإلهيّ، و ليس لأحد أن يصل إلى الله بعملٍ ما.

  • و لهذا فقد قال:

  • گدايى گردد از يك جذبه شاهي***به يك لحظه دهد كوهى به كاهى‌٣
  • أي أن‌ جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ‌٤ فيُمسي الدليل‌

    1. ذيل الآية ۱۱۰، من السورة ۱۸: الكهف.
    2. الآيتان ٢٢ و ٢٣، من السورة ۷٥: القيامة.
    3. يقول:
      «بجذبة مليك صار المسكين سلطانا***فاستبدل الجبل العظيم تِبْنا»
    4. و ذكر الشيخ نجم الدين الرازيّ هذه العبارة في «مرصاد العباد» مستشهداً بها في أربعة مواضع. ثلاثة منها في ص ٢۱٢ و ٢٢٥ و ٥۱۱ دون أن ينسبها إلى أحد، و في الموضع الرابع ص ٣٦٩، نسبها إلى النبيّ، حيث قال: وَ قَالَ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ‌[ وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ: جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ.و أورد الشيخ نفسه هذا الكلام في رسالة «العشق و العقل» ص ٦٤ دون أن ينسبه لأحد، و قال المُعلّق على هذا الكتاب في ص ۱۰٩: «أن هذا الكلام هو من حديث أبي القاسم إبراهيم بن محمّد النصرآباديّ و هو من كبار الصوفيّة في القرن الرابع (و المتوفّى سنة ٣۷٢ هـ).و قد أورد الجاميّ هذه العبارة مع اختلاف طفيف، في ترجمة حال إبراهيم أدهم، حيث قال: جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُرْبِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ. و ذكر أبو سعيد أبو الخير هذه العبارة مع ذكره لـ «كما قال الشيخ». («أسرار التوحيد» ص ٢٤۷، طبعة طهران). و قال مولانا جلال الدين الأبيات التالية في «المثنوي»:
      اين چنين سيرى است مستثنى ز جنس‌***كآن فزود از اجتهاد جنّ و انس‌
      اين چنين جذبي است نى هر جذب عامّ‌***كه نهادش فضل أحمد و السّلام‌
      يقول: «أن هذا سير مُستثناً من الجنس، و هو سير يفوق اجتهاد الجنّ و الإنس.و هذا الجذب ليس جذباً عامّاً، إذ أساسه فضل أحمد و السلام». (نقلًا عن كتاب «فيه ما فيه» تصحيح فروزانفر)».

معرفة الله ج۱

219
  • سالكاً، و فقيراً إلى الله، و يصبح بتقيّده و محجوبيّته ببركة هذه الجذبة، سلطان العزّ، و هو الوصول الحقيقيّ الذي يندرج ضمن الفَناء في التجلّي الذاتيّ، فيستبدل القشّة بالجبل في لحظة واحدة، غير آبه لوزن الجبل. و يرتقي مرتبة المحبوب، بعد أن كان محبّاً، دون منازعة الغير، و يسعد برؤية المطلوب الحقيقيّ، بعين فَبِي يُبْصِرُ.

  • وَ في سَكْرَةٍ مِنْهَا وَ لَوْ عُمْرَ سَاعَةٍ‌***تَرَي الدَّهْرَ عَبْداً طَائِعاً وَ لَكَ الحُكْمُ‌۱
  • شعر:

  • در اين دريا فكن خود را مگر درّى به دست آرى‌***كزين درياى بى پايان گهر بسيار برخيزد
  • و گر موجيت بربايد چه دولت مر ترا زان به***كه عالم پيش حكم تو چه خدمتكار برخيزد٢
    1. «ديوان ابن الفارض» ص ۱٤۰ إلى ۱٤٣، طبعة بيروت، ۱٣۸٢ هـ، القصيدة الميميّة و التي مطلعها:
      شَرِبْنَا على ذِكْرِ الحَبِيبِ مُدَامَةً***سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أن يُخْلَقَ الكَرْمُ‌
      و البيت المذكور في المتن هو البيت التاسع و الثلاثون من تلك القصيدة.
    2. يقول: «اقذفْ بنفسك في هذا البحر لعلّك تحصل على دُرّة، فهذا البحر الواسع و اللامحدود يحوي الكثير من الجواهر و الدرر.و إذا صادفتكَ موجة فأيّ سلطان و دولة لك أعظم من ذلك، لأنّ العالَم كلّه سيكون خادماً لك و مطيعاً لأمرك».

معرفة الله ج۱

220
  • معراج الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ليلة المعراج‌

  • و لأنّ الحصول على مراتب الكمالات في العالَمَينِ، و الوصول إلى أعلى مقامات اليقين، لا يتمّ إلّا بالسير على خطى خاتم الأنبياء عليه الصلاة و السلام، فقد قال:

  • برو اندر پى خواجه به أسري***تفرّج كن همه آيات كبري‌۱
  • يقول: إذهب و اتبع «الخواجة» و هو سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله- فهو السيّد الحقيقيّ، و الآخرون عبيده و المتبرّكون بذاته الشريفة- يقول: اذهب إلى الإسراء، و الإسراء هو السير في الليل.

  • و هي إشارة للآية الكريمة التي تتحدّث عن المعراج:

  • {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‌ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.٢

  • و قصّة معراج المصطفى صلى الله عليه و آله مشهورة، و عروجه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثابتة في هذه الآية، و من هناك عروجه إلى السماوات كما في الحديث لَمَّا عُرِجَ بِي إلى السَّمَاءِ، و منها إلى باقي الأفلاك و إلى الجنّة و العرش و ما فوق العرش.

  • فالمعنى هو، أن تتخلّص أنت أيضاً من كلّ القيود الصوريّة و المعنويّة حتى تنال شرف و بركة متابعة سيّد الأنام صلى الله عليه و آله في عروجه إلى الأفلاك و العرش و ما فوق العرش، و ترى بامّ عينيك الظهور الإلهيّ و التجلّيات الجماليّة و الجلاليّة و الفَناء في الله و البقاء فيه، و تحقّق علم اليقين و عين اليقين، لا بل حقّ اليقين.

    1. يقول: «قم و اتبع الخواجة (السيّد) في إسرائه و انظر هناك إلى جميع الآيات الكبرى».
    2. الآية ۱، من السورة ۱۷: الإسراء.

معرفة الله ج۱

221
  • و من الأبيات السابقة و اللاحقة التي ذكرها الشيخ، يتوضّح بأنّ مراتب ولاية الأنبياء عليهم السلام لا ينالها إلّا الأولياء، و ذلك بحسن متابعة الأولياء للأنبياء.

  • اعلم، أن للمعراج أسباباً: بعضها من جانب الحقّ تعالى، و هي عنايته و جذبته؛ و أخرى من جانب الخلق، و هي التوجّه التامّ نحو الحقّ تعالى. و بما أن الإنسان مدنيّ الطبع، و مركّب القوى، له اختلاط بالبشر نهاراً، و ليس له أن ينقطع الانقطاع الذي يهيّئ له العروج المطلوب، إلّا أن يعتزل الناس اعتزالًا كلّيّاً.

  • و في الحديث الشريف: «إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً- و في روايةٍ أخرى: مِائَةَ مَرَّةٍ»۱ مصداق لقولنا بأنّ‌

    1. «منازل السائرين» ص ۱۰٥، منشورات بيدار: وَ لِهَذَا قَالَ‌[ رَسُولُ اللهِ‌] صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً. و جاء في التعليق على ذلك ما يلي: «روي حسين بن سعيد في كتاب «الزهد» باب التوبة، ص ۷٣ عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق أنّه قال: ... وَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَتُوبُ إلى اللهِ في كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ. و أخرج الترمذيّ حديثاً عن الرسول الكريم صلى الله عليه و آله في كتاب «التفسير» ج ٥، ص ٢۸٣ الباب ٤۸، أنّه قال: إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً. كما أخرج ابن ماجة في كتاب «الأدب» باب الإستغفار، ج ٢، ص ۱٢٥٤، أنّه قال: إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَ أتُوبُ إليه في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.و أخرج البخاريّ كذلك في كتاب «الدعوات» ج ۸، ص ۸٣، أنّه قال: وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَ أتُوبُ‌[ إلَيْهِ خ‌] في اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً. و روي ذلك أحمد أيضاً في «المسند» ج ٢، ص ٢۸٢، و أخرجه مسلم في كتاب «الذِّكر» باب الاستغفار، ج ٤، ص ٢۰۷٥ بلفظ: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ.و يقول صاحب «مرصاد العباد» ص ٢٥۷: كما أن الخواجة (و يقصد النبيّ عليه الصلاة) كان لا يزال يستغفر و يتوب و هو في مقام الكمال و العزّ لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَ مَا تَأخَّرَ، قائلًا: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وَ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً. و ذكر ذلك أيضاً في ص ٣٢٦ و ٦٢٤ يقول في تعليق له: هذا الحديث موجود في كتاب «كشف المحجوب» للهجويريّ، و «صحيح مسلم» و «صحيح البخاريّ».و ذكر السمعانيّ الحديث أعلاه في «روح الأرواح» ص ٤۱٢ بلفظ عبارة: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي، و قال نجيب مائل الهرويّ، ص ٦۷٩، معلّقاً على ذلك بقوله: «حديث نبويّ. و استشهد ابن الأثير بهذا الحديث في «النهاية» ٣/ ٤۰٣ ذيل مادّة (غين)، حيث قال: الغين: الغيم. أراد ما يَغشاهُ مِن السهو الذي لا يخْلو منه البشر. لأنّ قلبَه أبداً كان مشغولًا بالله تعالى، فإنْ عَرض له وقتاً ما عارضٌ بشريّ يَشغلُه من امور الامّة و الملّة و مَصالِحها، عَدَّ ذلك ذنباً و تقصيراً فيَفزَع إلى الاستغفار. و ورد ذلك أيضاً في «مختار الصحاح» ذيل مادّة (غين)؛ و في «الاصول العشرة» ص ۸۸؛ و «اللوائح» المنسوب إلى عين القضاة، ص ۱٢٦. و نظّم الشاعر مولانا المولويّ في «أحاديث مثنوي» برقم ٤٢٥ البيت التالى:
      همچو پيغمبر ز گفتن وز نثار***توبه آرم روز من هفتاد بار
      يقول: «سأتوب و أستغفر (ربّي) سبعين مرّة في اليوم و أسلك مسلك النبيّ صلى الله عليه و آله قولًا و نثراً». و قال: يشير هذا البيت إلى الحديث: وَ اللهِ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وَ أتُوبُ إليه في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً، و هو مذكور في «البخاريّ» و «مسند أحمد» و «الجامع الصغير» مع اختلاف طفيف».

معرفة الله ج۱

222
  • الخلاص التامّ لابن آدم من الحجب البشريّة متعذّر. و لأنّ هذه الحجب و الموانع الصوريّة، مرفوعة في الليل، فتظهر هذه الحالات و المشاهدات أكثر ما تظهر للكاملين في الليل، كما جاء في الآية الكريمة:

  • {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‌ بِعَبْدِهِ لَيْلًا}. و في قصّة إبراهيم عليه السلام ‌{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} إشارة لهذا المعنى.

  • شعر:

معرفة الله ج۱

223
  • مى‌رهند ارواح هر شب زين قفس‌***فارغان، نى حاكم و محكوم كس‌
  • رفته در صحراى بى چون جانشان‌***روحشان آسوده و ابدانشان‌
  • فارغان از حرص و از آز و هوس***مرغ‌وار از دام جسته در قفس‌۱
  • إن المتعلّقات الجسمانيّة، و الكدورات الطبيعيّة، تمنع عروج السالك و وصوله. شعر:

  • برون اي از سراى امّ هاني***بگو مطلق حديث مَنْ رَآنِي‌٢
  • امّ هانئ هي بنت أبي طالب، و ابنة عمّ الحبيب المصطفي عليه الصلاة و السلام، و اسمها فاختة و امّ هانئ كنيتها، و هانئ بالهمزة بعد النون، و قد عُرج به صلوات الله عليه و آله ليلة المعراج من بيتها الملاصق للمسجد الحرام، و المشهور أن المعراج كان من بيت عائشة، و لكن المفسّرين يروون معراجين لسيّد المرسلين عليه السلام، الأوّل جسمانيّ، و الآخر روحانيّ، فلعلّ المعراج الجسمانيّ كان من بيت عائشة، و الروحانيّ، من فِناء بيت امّ هانئ.

    1. يقول: «تسرح الأرواح حُرّة كلّ ليلة و تنطلق من هذا القفص، فلا حاكِم فيها و لا محكوم.
      تذهب الأنفس و تسيح في الصحراء دون اعتراض، فأرواحها هادئة و مرتاحة و كذا أبدانها.
      فهى خالية من (غريزة) الجشع و الطمع و الأهواء، و مثلها في ذلك كمثل الطيور الهاربة من القفص و الشرَك».
    2. يقول: «تعال اخرجْ من قصر امّ هانئ، و اسرد حديث منْ رآني».

معرفة الله ج۱

224
  • إن عروج أولياء الله، مرتبط بالروحانيّة و البدن المثاليّ، فهو متناسب مع المعراج الروحانيّ من فِناء بيت امّ هانئ، و هذا المسرى بالنسبة للسالكين و الأولياء هو بيت الطبيعة. فاخرجْ من مسرى الطبع و الهوى، و تحرّر من قيود الشهوة و الميول، و حلّق فوق المتعلّقات الجسمانيّة و الروحانيّة، و ذب في مشاهدة الجمال المطلق، و استورث الكمال المعنويّ للنبيّ و تحقّق ببقاء الحقّ المطلق، و أمّا قوله: من راني فقد رأى الحق‌ فمعناه أن من رآنا فقد رأى الله، و هذه إشارة إلى معنى «البقاء في الله» و التي كانت قد ذكرت في المقدّمة التي تمّ فيها بيان التجلّيات و السير و التحليق. شعر:

  • آنان كه گوى عشق ز ميدان ربوده‌اند***بنگر كه وقت كار چه جولان نموده‌اند
  • هر لحظه ديده‌اند عيان حسن روى دوست‌***آئينه دل از قِبَل آن زدوده‌اند
  • آن دم كه گفته‌اند أنا الحقّ ز بيخودي***زيشان مدان كه آن نَفَس ايشان نبوده‌اند۱
  • و لأنّ السالك لطريق الحقّ، لا يمكنه الوصول و العبور إلى عالم الإطلاق، و لا يتيسّر له ذلك، ما دام مقيّداً بالتعيّن الجسمانيّ و الروحانيّ،

    1. يقول: «انظرْ إلى اولئك الذين حازوا على العشق و فازوا به، كيف كان فعلهم و عملهم ساعة الجدّ.
      فهم في كلّ لحظة يرون جمال وجه الحبيب عياناً، و سلبوا مرآة القلب و الفؤاد منه من قَبْلُ.
      إن قولهم حينها: أنا الحقّ، لم يكن عبثاً أو اعتباطاً، فهم في تلك الحالة لم يعوا ما يقولون».

معرفة الله ج۱

225
  • فهو يقول:

  • گذارى كن ز كاف كُنج كونين***نشين بر قاف قرب قابَ قَوسَين‌۱
  • أي اجتز عالم الصورة و المعنى، و الغيب و الشهادة، و المراد بهما الكونين، طبقاً لـ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ}،٢ و لا تتوقّف عند أيّة مرتبة من مراتب العالمين، و استقرّ في مقام قاب قوسين، و هو مقام الوحدانيّة و الالوهيّة، و محيط قاب قوسين، هو محيط الوجوب و الإمكان، و هو المقام المحمّديّ، و انظر إلى الموجودات في العالَمَينِ مظهرَي الذات و الصفات الإلهيّة، كأنّها محكومة بحكمك و تحت أمرك، و ارقب توجّه الجميع نحوك. شعر:

  • آدمى چون نور گيرد از خدا***هست مسجود ملايك ز اجتبا
  • نيست مسجود كسى كو چون مَلَك***رسته باشد جانش از طغيان و شكّ‌٣
  • شطحات العرفاء و طامّاتهم حال خروجهم عن طورهم‌

  • فإذا تحقّق للسالك الحصول على مقام الوحدانيّة، صارت ذاته و صفاته الجزئيّة ضمن الذات و الصفات الكلّيّة للحقّ، و أضحت إرادة

    1. يقول: «فارق العالَمَينِ (عالمي الصورة و المعنى)، و استوِ فوق الافق أو قاب قوسينِ».
    2. الآيتان ۱۱ و ۱٢، من السورة ٢۰: طه: {فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى‌ ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً}.
    3. يقول:
      «إن تكن تقتبس النور من ربّ العُلي‌***فأنت مسجود الملائك و أنت المجتبي‌
      لا مَلِكَ و لا سلطانَ يُناظره أو يُدانيه‌***تعالَتْ ذاته و تنزّهت عن الشكّ و ما طغى»

معرفة الله ج۱

226
  • السالك و علمه هي عينها علم الحقّ تعالى و إرادته، و لهذا، فقد قال:

  • دهد حقّ مر ترا هر چه كه خواهى***نمايندت همه اشيا كَما هى‌۱
  • أي أنّه إذا توصّل السالك إلى مقام التحقّق و الاتّصاف بالصفات الإلهيّة، فسيحصل على مطلوبه و مقصوده مهما كان، و سيشاهد آثار جميع الأسماء و الصفات الإلهيّة في نفسه، و سيكون بالإمكان و الوجوب تحقّق مجلى الكلّ، و مجمع البحرين، و سيطّلع عليه الجميع، و سيكون وارثاً للقائل‌ اللهُمَّ أرِنَا الأشْيَاءَ كَمَا هي،٢ و سيراها على حقيقتها كما هي،

  • و سيصبح عارفاً حقيقيّاً حاصلًا على علّة الخلق. شعر:

    1. يقول: «سيُعطيك الحقّ سؤالك و مهما شئت، و ترى الأشياء في الدنيا كما هي».
    2. من جملة الأدعية التي تذكر في القنوت في الصلوات الواجبة و النوافل، و أوّلها: اللهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَ حُبَّ مَا تُحِبُّهُ وَ حُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَ العَمَلَ الذي يُبَلِّغُنِي إلى حُبِّكَ وَ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ الأشْيَاءِ إلى. جاء كامل هذا الدعاء في «بحر المعارف» ص ٣۰٩، حيث نُسِبَ جزء منه إلى الرسول و نُسِبَ الجزء الآخر إلى أمير المؤمنين عليهما السلام. و ورد قسم من الدعاء كذلك في المجموعة المطبوعة الصغيرة للحاجّ ملّا محمّد جعفر كبودرآهنكى. و كان آية عظماء الحقّ المرحوم الحاجّ ميرزا السيّد على آقا القاضي تغمّده الله برضوانه يوصي تلاميذه بقراءة هذا الدعاء في قنوت صلواتهم.و حكى الشيخ نجم الدين الرازيّ في «مرصاد العباد» عين هذه الفقرة عن رسول الله، في ص ٣۰٩. و جاء في تعليقاته في ص ٦٣۱ قوله: «إنّه حديث ورد ذكره في تعليقات «فيه ما فيه» ص ٢۱٤».و استند كذلك الرازيّ في رسالة «العشق و العقل» ص ۷٤ على هذا الحديث، و قال المعلِّق على ذلك في ص ۱۰٣ و ۱۰٤: «مأخوذ عن حديث: اللهُمَّ أرِنَا الأشْيَاءَ كَمَا هي المنسوب إلى الرسول الكريم. لم نعثر عليه في كتب الحديث و «المعجم المُفَهْرَس». و قد نَظَمَ مولانا جلال الدين في «المثنوي» شعراً بهذا المعني.
      اى ميسّر كرده بر ما در جهان‌***سخره و بيكار ما را وارهان‌
      طعمه بنموده به ما و آن بوده شست‌***آن چنان بنما به ما آن را كه هست‌
      يقول: «يا مَن سَهّلَ لنا (كلّ شي‌ء) في هذا العالَم، شاغلنا و عاطلنا.يا مَن وهبَ لنا الطعام و المأكل من باطن مواجدهما و مواطنهما، أظهِرْ لنا الأشياء كما هي».
      اى خداى راز دان خوش سخن‌***عيب كار بد ز ما پنهان مكن
      يقول: «يا عالِمَ الأسرار و يا جميل الحديث! لا تُخفِ عنّا عيوب الأعمال السيّئة أبداً».
      راست بينى گر بُدى آسان و زبّ‌***مصطفى كى خواستى آن را ز ربّ
      يقول: «أن كنتَ مِطواعاً و سهل الانقياد فإنّك سترى (الأشياء) بصورة صحيحة (و على حقيقتها)، فقد كان هذا طلب المصطفى من ربّه».
      گفت بنما جزوجزو از فوق و پست***آن‌چنان‌كه پيش تو آن چيز هست 
      يقول: «قال: أظهِر (لنا الأشياء) واحدة واحدة (و بالترتيب) من ما موجود فوق و تحت، أظهرها (لنا) كما تبدو لك أنت».و أشار الشيخ العطّار إلى هذا الحديث أيضاً.
      اگر اشيا همين بودى كه پيداست‌***كلام مصطفى كى آمدى راست‌
      كه با حقّ سرور دين گفت: الهى‌***به من بنماى اشيا را كَما هِى‌
      يقول: «و لو أن الأشياء كانت كما تبدو لنا، ما كان لكلام المصطفى صحّة أو حقيقة.حيث قال (مخاطباً) الحقّ و سيّد الدِّين: إلهي! أرني الأشياء كما هي». (نقلًا عن كتاب «فيه ما فيه»).و صرّح الشيخ عزيز الدين النسفيّ في كتاب «الإنسان الكامل» في ثلاثة مواضع (ص ۱٦۱ و ٣٥٥ و ٤٤۷) أن هذه العبارة هي للنبي.

معرفة الله ج۱

227
  • يار چون با يار خوش بنشسته شد***صد هزاران لوح سرّ دانسته شد
  • لوح محفوظ است پيشانيّ يار***راز كونينش نمايد آشكار
  • گر به عقل ادراك اين ممكن بُدى‌***قهر نفس از بهر چه واجب شدى؟
  • با چنان رحمى كه دارد شاه، هش***بى ضرورت چون بگويد نفس كُش؟۱
  • معرفة الله تعالى بذاته و صفاته الكلّيّة محال؛ و الفناء في كلّ منهما ممكن‌

  • مشاهدة السالك آثار و أحكام الأسماء و الصفات الإلهيّة

  • و أمّا محصّل كلام هذا العارف الربّانيّ و نتيجته فهو: يمكن معرفة الله بصفاته، إلّا أنّه لا يمكن معرفة ذاته. و هنا يتبادر لنا سؤال، و هو: لِمَ لا يمكن التعرّف على ذات الله؟ لا بدّ أن جواب هذا السؤال هو: لمّا كان الله تعالى لا متناهٍ، لذا، فقد كانت الإحاطة اللازمة للمعرفة و التعرّف من‌

    1. يقول: «لمّا أنِسَ الحبيب إلى حبيبه، صار عالِماً و واعياً لمئات الآلاف من ألواح الأسرار.
      إن جبين الحبيب هو اللوح المحفوظ، و عليه بدا سرّ الكونينِ واضحاً.
      و لو كان بإمكانك إدراك هذا الممكن بالعقل، فلما ذا أذن أصبح من الواجب قهر النفس و كَبح جموحها؟
      و هل يأمر السلطان بقتل النفس دون ضرورة أو داعٍ مع كلّ ما يملك من الرأفة و الرحمة؟».
      «مفاتيح الإعجاز في شرح گلشن راز» طبعة باسمه اى الحجريّة، سنة ۱٣۰۱ هـ: ص ٩٢ إلى ص ۱۱٤؛ و الطبعة الحروفيّة مع مقدّمة كيوان السميعيّ، منشورات المحموديّ: ص ۱٢۷ إلى ۱٦۱.

معرفة الله ج۱

228
  • المقيّد المحدود المتناهي إلى الذات اللامتناهية محالة. ثمّة سؤال آخر: لمّا كانت الإحاطة بالذات اللامتناهية محالة، و الإحاطة بالصفات غير المتناهية محالة كذلك، وجب أن تكون معرفة الله بالصفات محالة أيضاً.

  • فإذا كانت الإجابة على السؤال كما يلي: أن معرفة الله تحصل بالصفات و الآثار المتناهية التي له، لا الصفات الكلّيّة العامّة اللازمة للذات غير المتناهية، فسوف يكون هناك سؤال آخر هو: أن الأمر سيّان من جهة الذات كذلك، فهم يسيرون وراء الوجود الجزئيّ و الذات الجزئيّة المترشّحة عن ذاته هو، لا وراء الذات الكلّيّة و الوجود المجرّد البسيط اللامتناهي له. إذن فما وجه الاستحالة في ذلك؟

  • فإذا كان الجواب: نعم، فمحال كذلك معرفة الله بصفاته غير المتناهية، كما هي الحال في استحالة معرفة ذاته، إلّا أنّه يمكن معرفة الله بالصفات، و ذلك بواسطة الفَناء في الصفات، و لا معنى للحدّ و القيود و التناهي في حالة الفَناء. أن السالك و السائر في طريق الله لا أثر و لا وجود له في صفاته غير المتناهية، فهو يفنى فيها. يكون الجواب إذن: أن الأمر هو كذلك في الذات، فإنّ معرفة ذات الله تتحقّق بالفَناء في تلك الذات. لذا فليس هناك خيار غير السلوك في الذات، حتى تتمّ له معرفة الله، فذلكم هو الله الذي يعرف الله. كذلك الحال في الصفات، ذلك أنّه لن يبقى للسالك عنوان و لا اسم في مقام الفَناء المحض في الصفات الكلّيّة للحقّ تعالى، حتى يتمّ له التعرّف الكامل على صفاته، و هنا لا أحد يمكنه معرفة صفات الله إلّا الله وحده. و لكن لا إشكال في العلم و المعرفة في ما يتعلّق بالصفات الجزئيّة و الذات الجزئيّة أيضاً. فإذا قيل: إنّ الله لا يمتلك ذاتاً جزئيّة، و أنّ الموجودات تعبّر عن طلوع و ظهور وجوده. قلنا: إن الله لا يملك صفات جزئيّة، بل أن صفات الموجودات تعبّر عن طلوع صفاته و ظهورها.

معرفة الله ج۱

229
  • و عموماً فإن كان المقصود بقولنا بإمكان معرفة الله تعالى بواسطة الصفات و ليس الذات و الصفات الكلّيّة، فهو أيضاً غير ممكن، و أمّا إذا كان المراد هو الصفات الجزئيّة، فلا فرق بين الذات و الصفات، فكما أن الفَناء و الاستحالة في صفاته جلّ و علا ممكنان، فإنّهما في ذاته ممكنان أيضاً.

  • يقول الشيخ بهاء الدين العامليّ قدّس سرّه: «وَ قالَ لِلْمَلِكِ لَمَّا أرَادَ قَتْلَهُ: أن سُقْرَاطَ في حُبٍّ، وَ المَلِكُ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى كَسْرِ الحُبِّ. فَالحُبُّ يُكْسَرُ وَ يَرْجِعُ المَاءُ إلى البَحْرِ!»۱

  • و روي أيضاً عن كتاب «التلويحات»، أن أفلاطون الربّانيّ قال:

  • «في أحيان كثيرة، و حين التريّض كنت أختلي بنفسى، و أتأمّل في أحوال الموجودات المجرّدة المادّيّة، و كنت أستلقي و كأنّي قد تعرّيت من لباس الطبيعة، أتفكّر في كلّ ذرّة من ذرّاتي، و قد خرجت من كلّ شي‌ء، و لا أرى غير ذاتي.

  • و كان يغمرني في تلك الحال إحساس نورانيّ عجيب و أخّاذ، و احلّق في عالم من المحاسن الغريبة التي تأسر القلب، و امسي مبهوتاً و حائراً، و اوقن بأنّي جزء عظيم و شريف في العالم العلويّ الروحانيّ، و أتمتّع بحياة نشطة و فعّالة، و أشرع بعد ذلك بالسموّ الفكريّ، و احلّق نحو العوالم الإلهيّة سابحاً في الجلال الربّانيّ، و بهذه الطريقة، كنت أرتقي، و أستقرّ في ذلك العالم النورانيّ و أتعلّق به و أرتبط. و أجد نفسي شاهداً هذا الموقف الشريف، و هذا الموقف من الجلال و البهاء و النورانيّة، بحيث يعجز اي لسان عن وصفه، و أيّ ذهن عن تصوّر رسمه

    1. «كشكول البهائيّ» الطبعة الحجريّة: ص ٣٦۱؛ و طبعة مصر، دار إحياء الكتب العربيّة: ج ٢، ص ٢٦٥.

معرفة الله ج۱

230
  • و لأنّ هذا العالم يسحرني ببهائه و نوره، و أغرق في بحر روحانيّته، و لا أقوى على الصبر و المقاومة، فعندها أفتح باب الفكر و التأمّل، و أغوص في أعماقه، فيحجب هذا الفكر ذلك النور عنّي و هو ما يدخل الحيرة في نفسي، فكيف خرجت من ذلك العالم، مفعماً بالنور الذي رأيت، و كلّ هذا يحصل و بدني و نفسي على هيئتهما لم يتغيّرا.

  • في تلك اللحظات النورانيّة، كنت أستذكر قول مطريوس الذي كان يحثّني على الطلب و البحث عن جوهر النفس الشريفة، و الارتقاء و السمو إلى ذلك العالم العقليّ».۱ و قد شرح الشيخ مصلح الدين سعدي أيضاً كلّ هذه الحالات و المقامات في باب التوحيد، و أشار إلى أن في الفَناء و العدم في الذات الأحديّة، تتيسّر معرفة الله سبحانه و تعالى، و لا طريق غير ذلك،٢ حيث يقول:

    1. «الكشكول» للشيخ البهائيّ، ص ٢۷۱، الطبعة الحجريّة: و طبعة مصر: ج ٢، ص ٥٥ و ٥٦؛ و نقل أفلوطين ما يشبه هذه الحادثة في كتاب «أثولوجيا» ص ٣٢ منسوباً إليه.
      و قال جورج جرداق في مقدّمة كتابه «على و حقوق البشر» و هو الجزء الأوّل من كتاب «صوت العدالة الإنسانيّة» في ص ۱۸ و ۱٩ ما مفهومه: «أن تأريخنا من وجهة النظر تلك و التي تُشكّل فصلًا من التأريخ بأكمله يُدرك إلى حدّ ما مثل هذه المَظالِم. فعلى سبيل المثال، كان ديونوس‌[ ديونيسوس‌] حاكم سيراكوس و الدكتاتور الخسيس و الدني‌ء قد أمر ببيع أفلاطون في سوق النخاسة كأيّ عبد آخر. حتى أتاح له القدَر أحد أصدقائه فاشتراه و حرّره ثانية. فلمّا تسلّم ديونوس الصغير الحكم بعد أبيه عمد هو الآخر إلى إيذاء أفلاطون و الإساءة إليه، لكن في كلّ مرّة كان الحكيم يتخلّص من مكائده و ينجو منها. ففكّر أخيراً في قتله، و عاد القَدَر لينقذه من هذه التهلكة أيضاً و ذلك بمساعدة أحد تلاميذه».
    2. «كلّيّات سعدي» الطبعة الحجريّة، بقلم على أكبر التفرشيّ، شعبان المعظّم سنة ۱٢٦۰ هـ، صفحاته غير مرقّمة، مقتطفات من أوّل قصيدة للشيخ في كتاب «بوستان»(= البستان)؛ و في طبعة فروغي: ص ٣ و ٤ من «بوستان».

معرفة الله ج۱

231
  • جهان متّفق بر الهيّتش‌***فرو مانده از كُنه ماهيّتش‌
  • بشر ماوراى جلالش نيافت‌***بَصَر منتهاى جمالش نيافت‌
  • نه بر اوج ذاتش پَرد مرغ وهم‌***نه در ذيل وصفش رسد دست فهم‌
  • در اين ورطه كشتى فرو شد هزار***كه پيدا نشد تخته‌اى بر كنار
  • چه شبها نشستم در اين سيرِ گُم‌***كه دهشت گرفت آستينم كه قُم‌
  • محيط است علم مَلِك بر بسيط***قياس تو بر وى نگردد محيط
  • نه ادراك در كنه ذاتش رسيد***نه فكرت به غور صفاتش رسيد
  • كه خاصان درين ره فرس رانده‌اند‌***بلا احصِي‌۱ از تك فرو مانده‌اند٢
    1. إشارة إلى الحديث الشريف: لَا احْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ؛ أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ. و قد أسهبنا في البحث حول هذا الحديث في هذه السلسلة «معرفة الله» ج ٢، بداية البحث ۱٦ و ۱۸، بسند عن «مرصاد العباد» لنجم الدين الرازيّ، و «رَوح الأرواح في شرح أسماء الملك الفتّاح» للسمعانيّ، و قد أوردنا في التعليقة مصادر كثيرة لهذه الرواية.
    2. يقول: «لقد اتّفق العالم كلّه على الوهيّته، لكنّه عجز عن فهم كنهه.
      لم يتمكّن للبشر سبر أغوار ما وراء جلاله، و لم تستطع الأبصار الإحاطة بمنتهى جماله.
      فلا طائر الوهم قادر على التحليق في فضاء أوج ذاته، و لا بإمكان الفهم الوصول (حتّي) إلى هامش وصفه.
      لقد رست السُّفُن في خضمّ هذه المسألة و غرقت ألف مرّة، و لم تَظهر من حطامها حتى خشبة واحدة.
      و ما أطول الليالى التي جلستُ فيها احاور نفسي في هذا الأمر، فدُهشتُ لما علمتُ و كانت نفسي تأمرني بالكفّ و القيام.
      إن عِلم المَلِك مُحيط بكلّ بسيط، و لا يمكن لقياسك أنت الإحاطة به.
      فلم يصل الإدراك إلى كنه ذاته، و لا الفكرة توصّلت إلى الخوض في صفاته.
      و كم من فارسٍ ركب جواده و خاض غمار ذلك، لكنّ جيادهم جميعاً كَبَت و عجزت».

معرفة الله ج۱

232
  • نه هر جاى مركب توان تاختن‌***كه جاها سپر بايد انداختن‌
  • و گر سالكى محرم راز گشت‌***ببندند بر وى درِ بازگشت‌
  • كسى را درين بزم ساغر دهند***كه داروى بيهوشيش در دهند
  • كسى ره سوى گنج قارون نبرد***و گر برد، ره باز بيرون نبرد
  • بمردم در اين موج درياى خون‌***كزو كس نبردست كشتى برون‌
  • اگر طالبى كاين زمين طى كني***نخست اسب باز آمدن پى كني‌۱
  • أبيات الشيخ البهائيّ الراقية في لقائه بالله تعالى‌

  • و يسرد الشيخ بهاء الدين العامليّ قدّس سرّه في قصائده الجميلة، حالاته و مكاشفاته الخاصّة به، و من جملتها قصيدة يشرح فيها تشرّفه بزيارة الحقّ سبحانه و تعالى، حيث بدأها بالأبيات التالية:

  • أيُّهَا اللَّاهِي عَنِ العَهْدِ القَدِيم‌***أيُّهَا السَّاهِي عَنِ النَّهْجِ القَوِيمْ‌
    1. يقول: «فليس كلّ أحد بإمكانه الخوض في ذلك الميدان، إذ أن هناك ميادين تقهر الفارس و تُرغمه على رمى جوشنه قبل الدخول إليها.
      فإذا أضحى سالكٌ ما عيبة الأسرار، اغلق عليه باب العودة و الرجوع (إلى ما كان عليه في السابق).
      أ ليس في هذا المحفل من أحد يسقي هذا العطشان كأساً، فيُزيل عنه العِقار الذي تسبّب في إغمائه؟
      إن أحداً لم يهتدِ إلى كنوز قارون، و لو أن أحداً ما فعل ذلك إذن ما اهتدى طريق العودة و الرجوع.
      لقد مِتُّ في عُباب أمواج بحر الدم هذا، و ما استطاع أحد إخراج سفينته من ذلك اليَمّ (سالمة).
      إذا كنتَ تروم أن تطوي هذه الأرض، فهيّئ قبل ذلك، جواداً للعودة».
      ديوان «كلّيّات سعدي» الطبعة الحجريّة، بخطّ على أكبر التفرشيّ، شعبان المعظّم سنة ۱٢٦۰ هـ، و لا توجد أرقام صفحات في هذه الطبعة، منتخبات من القصيدة الاولى للشيخ من كتاب «بوستان»؛ و طبعة فروغي: ص ٣ و ٤، من «بوستان» كذلك.

معرفة الله ج۱

233
  • اسْتَمِعْ مَا ذَا يَقُولُ العَنْدَلِيبْ‌***حَيْثُ يَرْوِي مِنْ أحَادِيثِ‌
  • الحَبِيب مرحبا اي بلبل دستان حيّ***كآمده از جانب بستان حيّ‌۱
  • مَا يُرِيدُ الحَيّ أخْبِرْنِي بِمَا***قَالَهُ في حَقِّنَا أهْلُ الحِمَى‌
  • هَلْ رَضُوا عَنَّا وَ قَالُوا لِلْوَفَا***أمْ على الهِجْرِ اسْتَمَرُّوا وَ الجَفَا
  • مرحبا اي پيك فرّخ فال ما‌***مرحبا اي مايه اقبال ما٢
    1. يقول: «مرحباً أيّها البلبل المغرِّد بقصّة الحيّ، الذي جاءنا من بستان الحيّ».
    2. يقول: «مرحباً يا طائر سَعْدنا، مرحباً يا سَبَب بهجتنا و سعادتنا».و أمّا بقيّة الأبيات فهي:
      مرحبا اي طوطى شكّرشكن‌***قُل فقَدْ أذهَبتَ عن قلبي الحَزَن‌
      مرحبا اي عندليب خوش نوا***فارقم كردى ز قيد ما سوا
      اي نواهاى تو نارٌ مؤصده‌***زد به هر بندم هزار آتشكده‌
      مرحبا اي هدهد شهر سبا***مرحبا اي پيك جانان مرحبا
      بازگو از نجد و از ياران نجد***تا در و ديوار را أرى به وجد
      بازگو از زمزم و خَيف و منى‌***وارهان دل از غم و جان از عنا
      بازگو از مسكن و مأواى ما***بازگو از يار بى پرواى ما
      آنكه از ما بى سبب افشاند دست‌***عهد را ببريد و پيمان را شكست‌
      از زبانِ آن نگار تند خو***از پى تسكين دل حرفى بگو
      يقول: «مرحباً أيّها الببغاء المعسول الكلام، قُل فقد أذهَبتَ عن قلبي الحَزَن.مرحباً أيّها العندليب العَذب الغناء، لقد حرّرتني من القيود جميعاً.يا مَن صوته و غناؤه نارٌ مُؤصَدة، يا مَن أشعلَ في كلّ قيد من قيودي ناراً حاميّة.مرحباً يا هُدهُدَ مدينة سَبَأ، مرحباً يا سفير النفوس، مرحباً.حدّثني عن نَجْد و أصحابي في نجد، حتى يَهيمَ الباب و الجدران من حديثك.حدّثني عن زَمزَمَ و الخَيفَ و مِني، حتى تُزيل الغمّ عن القلوب و العناء عن الأنفس.حدّثنا عن مساكننا و مُقامنا، و حدّثنا عن حبيبنا الذي لم يُبالِ بنا.ذلك الحبيب الذي هجرنا و ابتعدَ عنّا دونما سبب أو عِلّة، ذلك الذي نَقَضَ العهد و الميثاق.تكلَّم، قُلْ شيئاً عن لسان ذلك المحبوب الغضوب، حتى تُسكن هذا الفُؤاد».

معرفة الله ج۱

234
  • و يستمرّ على هذا المنوال حتى يصل إلى قوله:

  • ياد ايّامى كه با ما داشتي‌***گاه خشم از ناز و گاهى آشتى‌
  • اى خوش آن دوران كه گاهى از كرم‌***در ره مهر و وفا ميزد قدم‌
  • شب كه بودم با هزاران گونه درد***سر به زانوى غمش بنهاده فرد
  • جان به لب از حسرت گفتار او***دل پر از نوميدى ديدار او
  • فتنه‌ي ايّام و آشوب زمان‌***خانه سوز صد چو من بى خانمان‌
  • از درم ناگه در آمد بى‌حجاب***لب گزان از رخ برافكنده نقاب‌۱
    1. يقول: «اذكُر الأيّام التي كنّا فيها معاً، فتارةً كنتَ تضغب بدلال و أخرى تُصالحنا.
      ما أحلي ذلك العهد الذي كان الحبيب يفيض فيه علينا و يُغرقنا من كَرَمه و حبّه و وفائه.
      و كم سَهِرتُ الليالى مع آلامي و أوجاعي، واضعاً رأسي على ركبتي حزيناً كئيباً.
      و كانت روحي تروم الخروج من جسدي مُتمنّيةً سماع حديثه و كلامه، و تملأ القلب حسرات و يأس لرؤيته و ملاقاته.
      لقد أشعلت فتنة ذلك الزمان النار في مئات المنازل و أحرقتها و منها منزلي فظللتُ مُشرّداً دون دار للسكني.
      و طلعَ على يوماً من وراء الباب دون حجاب، عاضّاً شفته لعدم وضع النقاب».

معرفة الله ج۱

235
  • كاكُل مُشكين به دوش انداخته‌***وز نگاهى كار عالم ساخته‌
  • گفت: اي شيدا دل محزون من‌***وى بلاكش، عاشق مفتون من‌
  • كَيْفَ حالُ الْقَلْبِ في نَارِ الْفِراقْ؟***كفتمش: وَ الله حالي لا يُطاقْ‌
  • يك زمان بنشست بر بالين من‌***رفت و با خود برد عقل و دين من‌
  • گفتمش: كى بينمت اي خوش خرام؟‌***گفت: نِصْفَ اللَيْلِ لَكِنْ في الْمَنامْ‌۱
  • في الأبيات السابقة، يشرح الشيخ أعلى الله مقامه، لقاءه بالحقّ تعالى في اليقظة، و حالة المكاشفة الروحانيّة التي تنتابه، و عن هذا اللقاء

    1. يقول: «و قد أرسل ضفائره السوداء على منكبيه، و قد أبلتْ نظراته العالَمَ بالبلاء الحَسن.
      فقال: يا عاشقي! أيّها المحزون الفؤاد! و يا مَن تجرع البلاء (لأجلي)، أيّها العاشق المفتون!
      كيف حالُ القلب في نار الفراق؟ قلتُ: و الله حالى لا يطاقْ!
      فجلسَ معي هُنيهة ثمّ رحل، و أخذ معه عقلي و ديني!
      فقلتُ (له): متى أراك يا مغناج؟ قال: نِصفَ الليل لكن في المنام!».
      كتاب «نان و حلوا » (= الخبز و الحلوي)، ص ٢ و ٣، و الذي طُبِع مع كتاب «نان و خرما » (= الخبز و التمر) و «نان و پنير » (= الخبز و الجبن) و «شير و شكر » (= اللبن و السكّر) للشيخ البهائيّ في مجموعة واحدة من قبل بنگاه كتابفروشى نوبهار (و كالة نوبهار لبيع الكتب)، أصفهان.

معرفة الله ج۱

236
  • يقول: و دخل على بمحيّاه بلا حجاب أو غطاء، مُسدلًا شعره على كتفيه، و حيث أن ذكر اصطلاح كلمة المحيّا عند أهل اللاهوت، هو تعبير عن تجلّي نور الوحدة و جمال الحقّ، و اصطلاح إسدال الشعر، كناية عن تجلّي الكثرات و المخلوقات ذات الهويّة. فإنّ ظهور الحقّ تعالى بمحيّاه المجرّد عن الحجاب، و شعره المسدل، هو تشبيه عن حالة الوحدة في الكثرة. و هذا هو الحقّ تعالى بوحدانيّته حين يُشاهد بالكثرة الناشئة عن وجوده معاً و سوية.

  • و بتعبير آخر، فإنّ رؤية وحدة الحقّ، بكلّ ما في الكلمة من معنى، ممكنة، في تجلّي الحقّ تعالى في اسم وحدانيّته، و تعبير وحدة الوجود على ألسنة أهل العرفان، هو مشتقّ من هذا المعنى.

  • بيان سماحة الحدّاد في كيفيّة قضاء الحاجات في حال الفَناء

  • تشرّف العبد الحقير يوماً بزيارة استاذنا الأكرم الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد روحي فداه، و قلت له: هؤلاء الذين يرون الله عزّ و جلّ متلبّساً لباس الأسماء و الصفات، أنّي لهم التكلّم معه أو طلب الحاجات منه، في حين أن الذي يرون، بالحقيقة، ليس ذاته أو وجوده؟ و كذلك الذين يذوبون و يفنون في ذاته المقدّسة، حيث لا يبقى لهم أيّ وجود، حتى يكون هناك سائل أو مسؤول أو سؤال.

  • فأجاب: «نعم، هو كذلك، و لكن يروي: أنّه كان هناك غلام يعشق ملكه، و سلبت عقله حركات و سكنات هذا الملك، فبلغ عشقه الحدّ الذي كان بمجرّد أن يقع بصره على الملك، يسقط على الأرض و يغمى عليه، حتى ينصرف الملك، و يبتعد عنه.

  • و كان الناس على علم بحظوته لدى الملك، فكان كلٌّ يكتب حوائجه في رسالة، و يضعها في ظرف خاصّ، و يسلّمها إلى العبد، ليعرضها على الملك، فيأخذ العبد الرسائل، و يضعها في إناء خاصّ، لكي يسلّمها إلى‌

معرفة الله ج۱

237
  • الملك متى حان موعد اللقاء.

  • و عند ما يأخذ الإناء الحاوي على الرسائل، و في لحظة مشاهدة الملك، يُغشى عليه، فكان الملك يجلس بقربه، و يأمر الغلمان بفتح الرسائل التي في الإناء و قراءتها، و بعدها يأمر بقضائها و يختم عليها بختمه.

  • و من ثمّ توضع الرسائل في الظروف، و تُرجع إلى الإناء، و يوضع الغطاء كما كان.

  • و عندها يغادر الملك، ثمّ يستعيد الغلام وعيه، فيرى الإناء كما هو، فيعتقد بأنّه لم يمسّ من قبل الملك، و أن حوائج الناس لم يبتّ فيها، فيحمل الإناء راجعاً إلى أصحاب الحوائج قائلًا لهم: أعتذر إليكم من عدم تمكّني من إيصال حوائجكم إلى الملك. فيستعيد الناس، بخيبة أمل، رسائلهم، ثمّ فجأة، يدبّ فيهم الفرح و السرور، عند ما يرون رسائلهم مختومة بختم الملك، و أن حوائجهم قد قُضِيَتْ».

  • نعم، و في هذا المعنى، يقول العالم العارف الجليل ابن الفارض المصريّ:

  • وَ في سَكْرَةٍ مِنْهَا وَ لَوْ عُمْرَ سَاعَةٍ‌***تَرَى الدَّهْرَ عَبْداً طَائِعاً وَ لَكَ الحُكْمُ‌۱
    1. مرَّ ذكره.

معرفة الله ج۱

238
  •  

  •  

  • البَحْثَانِ التَّاسِعُ وَ العَاشِرُ: إمْكَانِيَّةُ رُؤْيَةِ اللهِ تعالى وَ لِقَائِهِ مِنْ قِبَلِ المُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ‌و تفسير الآية المباركة: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ‌ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}

  •  

  •  

معرفة الله ج۱

240
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم‌

  • وَ صلى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَليّ العَظِيمِ‌

  •  

  •  

  • التفسير الوارد في «الميزان» لآية: فَمن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ رَبِّهِ‌

  • قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

  • {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‌ إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.

  • (الآية ۱۱۰، من السورة ۱۸: الكهف).

  • قال حضرة استاذنا الأكرم آية الحقّ و العرفان و سند العلم و الإيقان: آية الله العلّامة الطباطبائيّ تغمده الله بأعلى رضوانه، و رفع درجته بما لا يدرك به عقل بشر و لا مَلَك و لا جنّ و لا أحد سوى ذاته الأقدس، في تفسيره لهذه الآية الكريمة:

  • «الآية خاتمة السورة و تلخّص غرض البيان فيها و قد جمعت اصول الدين الثلاثة و هي التوحيد و النبوّة و المعاد فالتوحيد ما في قوله: {أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ}. و النبوّة ما في قوله: {إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‌ إِلَيَّ}، و قوله: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً}- إلى آخره. و المعاد ما في قوله: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ}.

  • قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‌ إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ‌

معرفة الله ج۱

241
  • واحِدٍ}القصر الأوّل قصره صلى الله عليه و آله في البشريّة المماثلة لبشريّة الناس لا يزيد عليهم بشي‌ء و لا يدّعيه لنفسه قبال ما كانوا يزعمون أنّه إذا ادّعى النبوّة فقد ادّعى كينونة إلهيّة و قدرة غيبيّة، و لذا كانوا يقترحون عليه بما لا يعلمه إلّا الله و لا يقدر عليه إلّا الله، لكنّه صلى الله عليه و آله نفى ذلك كلّه بأمر الله عن نفسه و لم يثبت لنفسه إلّا أنّه يوحى إليه.

  • و القصر الثاني قصر الإله الذي هو إلههم في إله واحد و هو التوحيد الناطق بأنّ إله الكلّ إله واحد.

  • و قوله: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ}‌- إلى آخره، مشتمل على إجمال الدعوة الدينيّة و هو العمل الصالح لوجه الله وحده لا شريك له و قد فرّعه على رجاء لقاء الربّ تعالى و هو الرجوع إليه إذ لو لا الحساب و الجزاء لم يكن للأخذ بالدين و التلبّس بالاعتقاد و العمل موجب يدعو إليه، كما قال تعالى: أن‌ }الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ}.۱

  • و قد رُتّب على الاعتقاد بالمعاد العمل الصالح و عدم الإشراك بعبادة الربّ، لأنّ الاعتقاد بالوحدانيّة مع الاشتراك في العمل متناقضان لا يجتمعان فالإله تعالى لو كان واحداً فهو واحد في جميع صفاته و منها المعبوديّة لا شريك له فيها.

  • و قد رُتّب الأخذ بالدين على رجاء المعاد دون القطع به، لأنّ احتماله كاف في وجوب التحذّر منه لوجوب دفع الضرر المحتمل، و ربّما قيل: أن المراد باللقاء لقاء الكرامة و هو مرجو لا مقطوع به.

  • و قد فرّع رجاء لقاء الله على قوله: {أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ}، لأنّ 

    1. ذيل الآية ٢٦، من السورة ٣۸: ص.

معرفة الله ج۱

242
  • رجوع‌ العباد إلى الله سبحانه من تمام معنى الالوهيّة، فله تعالى كلّ كمال مطلوب و كلّ وصف جميل و منها فعل الحقّ و الحكم بالعدل و هما يقتضيان رجوع عباده إليه و القضاء بينهم، قال تعالى:

  • {وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار}.۱

  • في «الدرّ المنثور» أخرج ابن مندة و أبو نعيم في الصحابة و ابن عساكر من طريق السديّ الصغير عن الكلبيّ، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس قال: كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدّق فذكر بخير ارتاح له فزاد في ذلك لمقالة الناس، فلامه الله فنزل في ذلك: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.

  • و ورد نحو منه في عدّة روايات اخر من غير ذكر الاسم و ينبغي أن يُحمل على انطباق الآية على المورد، فمن المستبعد أن يُنزل خاتمة سورة من السور لسبب خاصّ بنفسها.

  • و فيه عن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في الآية قال النبيّ صلى الله عليه [و آله‌] و سلّم: أن‌ رَبَّكُمْ يَقُولُ: أنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ فَمَنْ أشْرَكَ مَعِي في عَمَلِهِ أحَداً مِنْ خَلْقِي تَرَكْتُ العَمَلَ كُلَّهُ لَهُ، وَ لَمْ أقْبَلْ إلَّا مَا كَانَ لي خَالِصاً. ثُمَّ قَرَأ النَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ‌ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ‌: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.

  • و في «تفسير العيّاشيّ» عن علي بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله تبارك و تعالى: أنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ مَنْ أشْرَكَ بِي في عَمَلِهِ‌

    1. الآيتان ٢۷ و ٢۸، من السورة ٣۸: ص.

معرفة الله ج۱

243
  • لَمْ أقْبَلْهُ، إلَّا مَا كَانَ لي خَالِصاً!

  • قال العيّاشيّ: و في رواية أخرى عنه عليه السلام قال: أن‌ اللهَ يَقُولُ: أنَا خَيْرُ شَرِيكٍ؛ مَنْ عَمِلَ لي وَ لِغَيْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ دُونِي.

  • و في «الدرّ المنثور» أخرج أحمد و ابن أبي الدنيا و ابن مردويه و الحاكم و صحّحه، و البيهقيّ عن شدّاد بن أوس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [و آله‌] و سلّم يقول:

  • مَنْ صلى يُرَائِي فَقَدْ أشْرَكَ، وَ مَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أشْرَكَ، وَ مَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أشْرَكَ؛ ثُمَّ قَرَأ: {فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ}- (الآية).

  • و في «تفسير العيّاشيّ» عن زرارة و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام قالا:

  • لَوْ أن عَبْداً عَمِلَ عَمَلًا يَطْلُبُ بِهِ رَحْمَةَ اللهِ وَ الدَّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ أدْخَلَ فِيهِ رِضَا أحَدٍ مِنَ النَّاسِ كَانَ مُشْرِكاً.

  • و الروايات في هذا الباب من طرق الشيعة و أهل السنّة فوق حدّ الإحصاء، و المراد بالشرك فيها الشرك الخفيّ غير المنافي لأصل الإيمان، بل لكماله، قال تعالى: {وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ}.۱ فالآية تشمله بباطنها لا بتنزيلها.

  • و في «الدرّ المنثور» أخرج الطبرانيّ و ابن مردويه عن أبي حكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • لَوْ لَمْ يَنْزِلْ عَلَى امَّتِي إلَّا خَاتِمَةُ سُورَةِ الكَهْفِ لَكَفَتْهُمْ.

  • أقول: تقدّم وجهه في البيان السابق. تَمَّ وَ الحَمْدُ لِلَّهِ».٢

    1. الآية ۱۰٦، من السورة ۱٢: يوسف.
    2. «الميزان في تفسير القرآن» ج ۱٣، ص ٤۰٥ إلى ٤۰۷.

معرفة الله ج۱

244
  • إمكان لقاء الله منحصر في التوحيد الخالي من شوائب الشرك‌

  • و محصّل الكلام، أن هذه الآية الكريمة و الروايات الواردة في تفسيرها تُفهمنا أن لقاء الله و زيارته تكون ممكنة فقط، للذين آمنوا بالله و لم يُشركوا به أحداً بأيّ وجه من الوجوه، سواء أ كان ذلك ظاهراً أم باطناً، و لا في مقام الوجود و الذات، و لا في مقام الاسم و الصفة، و لا في مقام الفعل و العمل، بل أن يُؤْثِروا الله وحده، و يعتبرونه المؤثّر الوحيد، إذ: لا مُؤَثِّرَ في الوُجودِ إلّا اللهُ۱، لا في منهاج الشرك الظاهر، و لا الباطن.

  • و معنى الشرك، إعطاء صفة التدخّل لعمل الغير في عمل الله. فمثلًا، اعتبار الذهاب إلى الطبيب و استعمال الدواء و التعافي، يعتبر شركاً، إذا لوحظ ذلك من منظار التأثير الاستقلاليّ، و إن كان ذلك بمعيّة الله. و إذا لوحظ ذلك من منظار أن الطبيب محكوم بأمر و إرادة الله، و أن الدواء أيضاً محكوم بتأثير و أمر الله، و أن الحصول على الشفاء، هو بأمر الله و مشيئته، فإنّ ذلك هو ما يسمّى بالتوحيد، إذ لا توجد فيه شائبة شرك أبداً.

  • و على المؤمن أن ينفي جميع المؤثّرات الاستقلاليّة التي كان يعتبرها من قبل فاعلة، و يطرد ذلك عن نفسه و داخله في سبيل الوصول إلى الله، حتى يتسنّي له زيارة الله كما ينبغي له، و إلّا فإنّ ذلك ليس الله حتى و إن رآه من وراء حجاب الخيال و الوهم.

  • و الآن، فهل كانت تلك العجوز تعلم حقّاً، أن الله موجود أم لا؟ نعم، كانت تعلم و من خلال مغزلها، بل كانت على يقين من ذلك، و لكن من وراء ألف حجاب. أن دين العجائز ذلك، ينفع العجائز أنفسهنّ، لا السالكين، فرُبّ شخص جالس وراء بوّابة المدينة العالي و سورها، و هو 

    1. لا تُشير هذه العبارة إلى رواية ما، و لكنّها كلام لبعض الحكماء مشتقّ من الآيات و الروايات و الأدلّة البرهانيّة العقليّة المتقنة.

معرفة الله ج۱

245
  • يعلم أن ما يصدر من المدينة من أصوات و ضوضاء، دليل على وجود السكّان فيها، إلّا أن ذلك يختلف كثيراً عمّن تسوّر ذلك الجدار و نظر إلى المدينة بمنظار قويّ، و أفضل من هذا و ذاك، من فتح بوّابة المدينة، و سار في شوارعها و أزقّتها و أسواقها و مساجدها، ثمّ دخل المساجد و المدارس، و تعرّف على أفرادها، و استعلم من العلماء و المدرّسين و الطلّاب عن مناهجهم الدراسيّة، و تعرّف على معابدها و مدارسها و المستوى العلميّ لعلماء العرفان فيها، و مساحة مصلّاهم، و هل يتبع سكنتها النصائح الإسلاميّة في الطبّ، أم أنّهم بحاجة إلى مستشفى و مستوصف و طبيب و دواء؟

  • فما الفرق إذاً بين الشخص الواقف وراء الجدار، و ذلك الذي دخل المدينة و تعرّف على أهلها و استأنس إلى أصحابها؟ الحقّ، أن الفرق بينهما، كالبعد بين المشرق و المغرب، و إن كان هذان الشخصان أخوين جلسا في مكان واحد، و كانا يعيشان في زمان واحد، و ينحدران من أصل واحد، و نسب و سبب مشتركين.

  • فلنخرج الآن من دين العجائز و من التعرّف على البعير بالبعرة و بها كذلك على الحيوان الحيّ، و علينا الاستزادة من المعلومات، و ذلك أن هذا النوع من المعارف، خاصّ بالضعفاء، و بالمعرفة الإجماليّة دون التفصيليّة. فعلينا الحصول على المعرفة التفصيليّة، و أن نتأسّى بأمير المؤمنين عليه السلام، و علينا البحث في «نهج البلاغة» و «التوحيد» للصدوق.

  • يَا مَنْ دَلَّ على ذَاتِهِ بِذَاتِهِ، وَ تَنَزَّهَ عَنْ مُجَانَسَةِ مَخْلُوقَاتِهِ‌

  • علينا أن ننهج منهج امّهات التفاسير للقرآن الكريم، و البحث عن حلّ جدّي، و أن نرجع إلى «الصحيفة العلويّة» و «الصحيفة السجادية»، و لِنَستعين بهما في طريق معرفة الله. علينا أن نفهم جيّداً معنى:

  • «يَا مَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ، وَ تَنَزَّهَ عَنْ مُجَانَسَةِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَ جَلَّ عَنْ 

معرفة الله ج۱

246
  • مُلَائمَةِ كَيْفِيَّاتِهِ. يَا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَرَاتِ الظُّنُونِ، وَ بَعُدَ عَنْ لَحَظَاتِ‌ العُيُونِ، وَ عَلِمَ بِمَا كَانَ قَبْلَ أن يَكُونَ»

  • لَا إلَهَ إلَّا أنتَ، سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَ بِحَمْدِكَ! مَنْ ذَا يَعْرِفُ قَدْرَكَ فَلَا يَخَافُكَ؟! وَ مَنْ ذَا يَعْلَمُ مَا أنْتَ فَلَا يَهَابُكَ؟!

  • فَيَا مَنْ تَوَحَّدَ بِالعِزِّ وَ البَقَاءِ، وَ قَهَرَ العِبَادَ بِالمَوْتِ وَ الفَنَاءِ!۱

    1. فقرات مأخوذة من الدعاء العظيم الشأن المعروف بدعاء الصباح. ذكره المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الأنوار» طبعة الكمبانيّ: ج ۱٩، ص ۱٣٥ و ۱٣٦، و الطبعة الإسلاميّة: ج ٩٤، ص ٢٤٢ إلى ٢٤٦. و قال: هذا الدعاء هو ممّا انتخبه السيّد ابن باقي و الذي رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام. و قال في آخره:
      «بيان:
      هذا الدعاء من الأدعية المشهورة، و لم أجده في الكتب المعتبرة إلّا في «مصباح السيّد ابن الباقي» رحمه الله، و وجدتُ منه نسخة قرأه المولى الفاضل مولانا درويش محمّد الإصبهانيّ جَدّ والدي من قِبل امّه على العلّامة مروِّج المَذهب نور الدين علي بن عبد العالي الكركيّ قدّس الله روحه فأجازه».
      ثمّ أورد المجلسيّ صورة إجازة المحقّق الكركيّ المؤرّخة سنة تسع و ثلاثين و تسعمائة، و قال: «و وجدتُ في بعض الكتب سنداً له هكذا: قال الشريف يحيي بن قاسم العلويّ: ظفرتُ بسفينة طويلة مكتوب فيها بخطّ سيّدي و جَدّي أمير المؤمنين و قائد الغرّ المحجّلين ليث بني غالب علي بن أبي طالب عليه أفضل التحيّات ما هذه صورته:
      «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا دعاء علّمني رسول الله صلى الله عليه و آله و كان يدعو به في كلّ صباح و هواللهُمَّ يا مَنْ دَلَعَ لِسانَ الصَّباحِ- إلى آخره، و كتبَ في آخره: كتبه علي بن أبي طالب في آخر نهار الخميس حادي عشر شهر ذي الحجّة سنة خمس و عشرين من الهجرة.
      و قال الشريف: نقلته من خطّه المبارك، و كان مكتوباً بالقلم الكوفيّ على الرقّ في السابع و العشرين من ذي القعدة سنة أربع و ثلاثين و سبعمائة».
      و ذكر المجلسيّ هنا بياناً مفصّلًا في شرح هذا الدعاء و تفسيره، من طبعة الكمبانيّ، ص ۱٣٦ إلى ۱٤۱، و من طبعة الإسلاميّة، ص ٢٤۷ إلى ٢٦٣. و قال في آخره: «و اعلَمْ أنّا قد أوردنا هذا الدعاء الشريف مع شرحه في كتاب الصلاة في أبواب أدعية الصباح و المساء، و إنّما كرّرناه للفاصلة الكثيرة، و لشدّة مناسبته بهذا المقام أيضاً».
      نعم، و قد ذكر الشيخ عبد الله السماهيجيّ في «الصحيفة العَلويّة» و قد طبعها كاتب النسخة المطبوعة في (باسمه اي) باسم فخر الأشراف سنة ۱٣٢۰ هـ، و كتب الصفحات من ۱۸۱ إلى ٢۱۸ و الخاصّة بدعاء الصباح بالخطّ الكوفيّ و خطّ النسخ.
      و قال المحدّث العظيم العلّامة الحاجّ الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ قدّس سرّه في «الذريعة» ج ۱٥، ص ٢٢: «الصحيفة العَلويّة و التحفة المرتضويّة»: من جَمْع المولى الأجلّ الشيخ عبد الله بن صالح بن جمعة بن علي بن أحمد بن ناصر بن محمّد بن عبد الله البحرانيّ السماهيجيّ مولداً الماحوزيّ تحصيلًا، المُتوفّي ليلة الأربعاء ٩ جمادي الآخرة ۱۱٣٥ هـ، جمعها من كُتب الأصحاب مرسلًا من دون ذِكر سند، و مجموع أدعيتها ۱٥٦ دعاء».
      و قال أيضاً في ص ٢٣ من ذلك الكتاب ما مفاده: «الصحيفة العَلويّة الثانية جمعها شيخنا النوريّ الحاجّ ميرزا حسين (المتوفّى سنة ۱٣٢۰ هـ)، و تشتمل على ۱۰٣ دعاء من أدعية أمير المؤمنين عليه السلام نظّمها كتتمّة و استدراك للصحيفة الاولي».

معرفة الله ج۱

247
  • و معنى: بِكَ عَرَفْتُكَ، وَ أنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ وَ دَعَوْتَنِي إلَيْكَ، وَ لَوْ لَا أنْتَ لَمْ أدْرِ مَا أنْتَ‌!

  • و هذه فقرات من دعاء سيّد الساجدين الإمام علي بن الحسين عليهما السلام و أفضل الصلوات، التي تبدأ بـ:

  • إلَهِي! لَا تُوَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ، وَ لَا تَمْكُرْ بِي في حِيلَتِكَ! مِنْ أيْنَ لي الخَيْرُ يَا رَبِّ وَ لَا يُوجَدُ إلَّا مِنْ عِنْدِكَ، وَ مِنْ أيْنَ لي النَّجَاةُ وَ لَا تُسْتَطَاعُ إلَّا بِكَ! لَا الذي أحْسَنَ اسْتَغْنَى عَنْ عَوْنِكَ وَ رَحْمَتِكَ؛ وَ لَا الذي أسَاءَ وَ اجْتَرَأ عَلَيْكَ وَ لَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ‌!

  • و قد كرّر الإمام عليه السلام كلمة «يَا رَبِّ» حتى انقطع نفسه، ثمّ قال: بِكَ عَرَفْتُكَ ... إلى آخر الدعاء الشريف و العالي المضامين، الذي يدلّ على 

معرفة الله ج۱

248
  • أن الإمام ينادي من أقصى نقاط التوحيد في حرم معبوده المحبوب‌ و محرابه، و يناجي في حرم الذات أن‌ لَا يَسَعُنِي فِيهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَ لَا نَبِيّ مُرْسَلٌ.۱

  • فإذا أمعنّا النظر في العبارات «يَا مَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ»، و «بِكَ عَرَفْتُكَ وَ أنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ وَ دَعَوْتَنِي إلَيْكَ، وَ لَوْ لَا أنْتَ لَمْ أدْرِ مَا أنْتَ» فسنخلص أوّلًا إلى أن طريق لقاء ذات الله و زيارتها مفتوح؛ و ثانياً، لا يمكن أن يكون معرّف تلك الذات المقدّسة، إلّا الذات المقدّسة نفسها؛ و ثالثاً، أن جميع الموجودات الآفاقيّة و الأنفسيّة و الملكيّة و الملكوتيّة، لا يمكنها أن تدلّ على ذات الله، فعليه هو أن يعرّف نفسه و يدلّ عليها.

  • فقرات من مناجاة تاج الدين ابن عطاء الله الإسكندريّ‌

  • إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ؟! أ يَكونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيْسَ لَكَ حتى يَكونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟!

  • مَتَى غِبْتَ حتى تَحْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ؟! وَ متى بَعُدْتَ حتى تَكُونَ الآثَارُ هي التي تُوصِلُ إلَيْكَ؟!

  • إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ عَلَيْها رَقِيباً، وَ خَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً!

    1. روي العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه هذا الدعاء في «بحار الأنوار» طبعة الكمبانيّ: ج ٢۰، ص ٢٤٥ إلى ٢٥۰، و الإسلاميّة: ج ٩۸، ص ۸٢ إلى ٩٣، عن كتاب «الإقبال» (ص ٦۷ إلى ۷٥- التعليقة) برواية السيّد ابن طاووس و سنده إلى محمّد بن هارون بن موسى التلعُكبرى بسنده عن حسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثماليّ أنّه قال:
      كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما يصلّي عامّة ليلته في شهر رمضان، فإذا كان السَّحَر دعا بهذا الدعاء.
      و روي كذلك الشيخ الطوسيّ في «مصباح المتهجّد» ص ٤۰۱ إلى ٤۱٣، الطبعة الحجريّة، بنصّه كما نُقِل عن كتاب «الإقبال»، عن أبي حمزة الثماليّ.

معرفة الله ج۱

249
  • غزل «فروغي البسطاميّ» في ظهور الله تعالى في جميع العوالم‌

  • و ما أروعَ القصيدة الغزليّة التالية للفروغي البسطاميّ و التي ضمّت في‌ جَنَباتها هذه الحقيقة، حيث قال فيها:

  • كى رفته‌اى ز دل كه تمنّا كنم ترا***كى بوده‌اى نهفته كه پيدا كنم ترا
  • غائب نگشته‌اى كه شوم طالب حضور***پنهان نگشته‌اى كه هويدا كنم ترا
  • با صد هزار جلوه برون آمدى كه من‌***با صد هزار ديده تماشا كنم ترا
  • چشمم به صد مجاهده آئينه ساز شد***تا با يكى مشاهده شيدا كنم ترا
  • بالاى خود در آينه چشم من ببين‌***تا با خبر ز عالم بالا كنم ترا
  • مستانه كاش بر حرم و دير بگذري‌***تا قبله‌گاه مؤمن و ترسا كنم ترا
  • خواهم شبى نقاب ز رويت برافكنم***خورشيد كعبه، ماه كليسا كنم ترا۱
    1. يقول: «متى غِبتَ عن القلب حتى أتمنّاكَ، أو كنتَ خفيّاً فأبحثَ عنك.
      لم تَغِبْ عنّي حتى أطلبَ حُضورَكَ، و لم تختفِ حتى أكشفُ عنكَ النقاب.
      لقد خرجتَ (عَلَيَّ) بمائة ألف مَظهر، فتطلعتُ إليكَ بمائة ألف باصرة.
      أصبحت عيناي- بجهد مائة مرّة- تصنع المرايا، حتى أجعلك تعشق بنظرة واحدة.
      أنظر إلى قامتك في مرآة عيني حتى اخبرَكَ عن العالَم العُلويّ و اطلِعُكَ على أنبائه.
      ليتكَ تمرّ نشواناً بدلال على الحَرَم و الدير، حتى أجعلَ منكَ قِبلةً للمؤمن و الراهب.
      أتمنّى أن أزيحَ عنكَ اللثام ليلةً، فاصيغَ منكَ شمساً للكعبة و قمراً للكنيسة».

معرفة الله ج۱

250
  • گر افتد آن دو زلف چليپا به چنگ من‌***چندين هزار سلسله در پا كنم ترا
  • طوبى و سدره گر به قيامت به من دهند***يكجا فداى قامت رعنا كنم ترا
  • زيبا شود به كارگهِ عشق كار من‌***هرگه نظر به صورت زيبا كنم ترا
  • رسواى عالمى شدم از شور عاشقي‌***ترسم خدا نخواسته رسوا كنم ترا
  • با خيل غمزه گر به وثاقم گذر كني***مير سپاه، شاهِ صف‌آرا كنم ترا۱
  • نعم، أن هذين الدعاءين الأخيرين‌ «إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ»، و «إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ»، هما الفقرتان ۱٩ و ٢۰ من المجموعة الخامسة و الثلاثين من مناجاة الشيخ تاج الدين أحمد بن محمّد بن عبد الكريم بن عطاء الله الإسكندريّ المتوفّى سنة ۷۰٩ هـ.٢

    1. يقول: «لو وقعتْ بقبضتي ذؤابتا شعرك اللتان على شكل صليب، لجعلتُ منهما آلاف السلاسل لقدمي.
      و لو اعطيتُ يوم القيامة السدرة و طوبى، لقدّمتُهما كلتيهما قرباناً لقامتكَ الساحرة في آن واحد.
      يزداد عملي في مصنع العشق جمالًا و رقّةً، كلّما ألقيتُ نظرةً على وجهكَ الوضّاح.
      لقد ذاعَ سِرّي و فُضِحتُ في العالمين من فرط حبّي (لكَ)، و أخافُ، لا سمح الله، أن (اجبَرَ فـ) أفضحَ سرّكَ.
      لو مررتَ على وثاقي و رميتني بنظرة واحدة، لجعلتُ منكَ أميراً للجيش».
    2. جاء في «كشف الظنون» ج ۱، ص ٦۷٥: «الحِكَم العطائيّة» للشيخ تاج الدين أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم، المعروف بابن عطاء الله الإسكندرانيّ الشاذليّ المالكيّ، المتوفّى بالقاهرة سنة تسع و سبعمائة (۷۰٩)، أوّلها: مِن علامةِ الاعتمادِ على العملِ، نقصانُ الرجاءِ عند وجود الزلَلِ- إلى آخره. و هي حِكَم منثورة على لسان أهل الطريقة.
      و لمّا صنّفها عرضها على شيخه أبي العبّاس المُرسيّ فتأمّلها و قال له: لقد أتيتَ يا بنيّ في هذه الكرّاسة بمقاصد الأحياء و زيادة، و لذلك تَعشّقها أرباب الذوق لما رقّ لهم من معانيها و راقَ، و بسطوا القول فيها و شرحوها كثيراً. فمن المؤلّفات عليها شرح شهاب الدين أحمد بن محمّد البرلسيّ‌[ البُرنسيّ‌] المعروف بـ (زرّوق) و هو شرح ممزوج أوّله: الحمدُ للّهِ الذي شَرَّفَ عبادَه- إلى آخره. و ذكر في بعض شروحه أن الحِكَم مرتّب بعضها على بعض فكلّ كلمة منها توطئة لما بعدها و شرح لما قبلها.
      و أنّه درسَ الحِكَم خمسة عشر درساً و كتبَ كلّ مرّة شرحاً من ظهر القلب كلّه بعبارة أخرى، و قيل أن للشيخ زرّوق ثلاثة شروح على الحِكَم، لكنّ الأصحّ ما كتبه نفسه». و هنا يشير صاحب «كشف الظنون» ضمن بحث تفصيليّ إلى عدد الشروح التي كُتِبَتْ على كتاب «الحِكَم العطائيّة».
      نعم، و أمّا أشهر ما هو معروف من الشروح على ذلك الكتاب هو شرح الشيخ أحمد زرّوق المطبوع من قِبَل مكتبة النجاح في طرابلس الغرب بتحقيق اثنين من العلماء. و قد جاء في مقدّمة هذين العالِمَيْن ما مَفاده: كان (الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الكريم، المعروف بابن عطاء الله الإسكندرانيّ الشاذليّ المالكيّ) تلميذ المُرسيّ أبي العبّاس المعروف، و قد كتب الشيخ زرّوق ثلاثين شرحاً على هذا الكتاب، و هذا هو الشرح السابع عشر منها. و قال في «شذرات الذهب»: و كتب أكثر من ثلاثين شرحاً على «الحكم العطائيّة». وُلِدَ الشيخ أحمد زرّوق في يوم الخميس الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام سنة ثمانمائة و ستّة و أربعين (للهجرة) و كانت وفاته في سنة ثمانمائة و تسعة و تسعين.

معرفة الله ج۱

251
  • فقرات المناجاة التي تُخبر عن التوحيد المحض‌

  • شرح مناجاة ابن عطاء الله الإسكندريّ‌

  • و أمّا البقيّة، فهي كما يلي:

  • ۱- إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ، فَكَيْفَ لَا أكُونُ فَقِيراً في فَقْرِي؟!

معرفة الله ج۱

252
  • (و هذا الغِنى هو عين الحاجة و العوز لأنّه منك أنتَ! فكيف إذن لا أكونُ فقيراً إليك و مُحتاجاً لك في عين فقري و حاجتي اللتين كانتا حالة عدمي؛ و كان أصل وجودي و أساسه و منشأه هما الفقدان و العدم؛ و الفَناء و كَتْم العدم كانتا المادّة الأوّليّة لحدوثي و تحقُّقي في المرحلة الماهويّة؟!).

  • ٢- إلَهِي! أنَا الجَاهِلُ في عِلْمِي، فَكَيْفَ لَا أكُونُ جَهُولًا في جَهْلِي؟!

  • (و هذا العِلم هو عين الجهل لأنّه منك. فكيف إذن لا أكون ثابتاً على الجهل في نفس الوقت الذي تغمرني فيه جهالتي و جهلي و اللتان كانتا لي حالة العدم الأصليّ و الفقدان الماهويّ و العدم الذاتيّ؟!).

  • ٣- إلَهِي! أن اخْتِلَافَ تَدْبِيرِكَ وَ سُرْعَةَ حُلُولِ مَقَادِيرِكَ، مَنَعَا عِبَادَكَ العَارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إلَى عَطَاءٍ وَ اليَأسِ مِنْكَ في بَلَاءٍ!

  • (و ذلك لأنّ سرعة حلول البلايا في عقب النِّعَم و الآلاء، و سرعة حلول النِّعَم و الآلاء في عقب البلايا شديدة جدّاً و مستمرّة بالتناوب و التعاقب كالدولاب و العجلة اللتان تدوران باستمرار، و هي لا تهب أحداً سكوناً أو هدوءاً في مقابل النِّعَم و الآلاء أو اضطراباً أو قلقاً في مقابل النِّقَم و البلايا، إلّا الجاهلين بمقام عزّة الربوبيّة و الخاوية جعبهم من أسرار حَرَمه و حَريمه؛ و هي لا تطرأ على العارفين بك و بجلالك الأقدس و جمالك المُقدّس، و المؤمنين بإرادتك القاهرة و مشيّتك الظاهرة!).

  • ٤- إلَهِي! مِنِّي مَا يَلِيقُ بِلُؤْمِي؛ وَ مِنْكَ مَا يَلِيقُ بِكَرَمِكَ‌!

  • (لأنّي لا شي‌ء، و فقير و حادث و عاجز و جاهل؛ كلّ تلك العلامات السوداء و البقع الداكنة الناشئة ماهيّتي البائسة و هي ممّا يناسبني تماماً و يليق بي؛ و أمّا أنت، فأنت الوجود المطلق و الغنيّ بالذات و القديم بالأصالة و القادر و العالِم؛ و لا تَدلّ هذه الصفات إلّا ازدياد مرتبة الشرف و الفضيلة و الكرامة و المجد و العظمة).

معرفة الله ج۱

253
  • ٥- إلَهِي! وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَ الرَّأفَةِ بِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي؛ أ فَتَمْنَعُنِي مِنْهُمَا بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفِي؟!

  • (و ذلك لأنّ الصفتين اللتين ذكرتهما أنت في القرآن الكريم: اللُّطف و الرأفة، ليستا مختصّتين بالضعف أو غيره في عبادك).

  • ٦- إلَهِي! أن ظَهَرَتِ المَحَاسِنُ مِنِّي، فَبِفَضْلِكَ وَ لَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ؛ وَ أن ظَهَرَتِ المَسَاوِئُ مِنِّي، فَبِعَدْلِكَ وَ لَكَ الحُجَّةُ على‌!

  • (و ذلك لأنّ حسناتي و فضائلي إنّما هي جميعاً موهوبة لي لا عن استحقاق ذاتيّ، بل بفضل منك و رحمة، بعيداً عن المادّة الأوّليّة. و أمّا سيّئاتي و مساوئي فلم تكن من عندك، لأنّ النقص و العيب لا يعتريانك (أبداً)، و لا يصدر عنك ظُلم أو جور؛ وَ الشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ! لأنّك المَلِكُ و المالك؛ تأتي بما تشاء في حوزة ملكك و سلطانك؛ وَ لَكَ الحُجَّةُ على في جَميِعِ ذَلِكَ! فلو بَدرتْ منّي المساوئ أو ظهر شي‌ء منها فهي منّي، و استناداً إلى قانون العقوبات الخاصّ بالعبوديّة فإنّ تعزيرك و تأديبك لي و معاقبتي لا يكون إلّا من جهة عدلك؛ و لو ظهرت منّي محاسن أو فضائل فهي لم تكن لتظهر لو لا فضلك على و مشيئتك في زيادة خيري و المَنّ على برحمتك و فضلك. و على هذا، ففضلك قائم و تفضّلك سابق!).

  • ۷- إلَهِي! كَيْفَ تَكِلُنِي وَ قَدْ تَوَكَّلْتَ بِي؟! (بإيصال المنافع إلى و دفع المضارّ عنّي و التحرّك في مراحل الاستعداد في كلّ حال) وَ كَيْفَ اضَامُ وَ أنْتَ النَّصِيرُ لي؟! أمْ كَيْفَ أخِيبُ وَ أنْتَ الحَفِيّ بِي؟!

  • هَا أنَا أتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِفَقْرِي إلَيْكَ! وَ كَيْفَ أتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِمَا هُوَ مُحَالٌ أن يَصِلَ إلَيْكَ؟! (لأنّ كلّ ما هو موجود من مُلك و ملكوت يرزح تحت أمرك؛ لا فوق أمرك و لا مساوياً له) أمْ كَيْفَ أشْكُو إلَيْكَ حَالِي وَ هي لَا تَخْفَي عَلَيْكَ؟! أمْ كَيْفَ اتَرْجِمُ لَكَ بِمَقَالِي وَ هُوَ مِنْكَ بَرَزَ إلَيْكَ؟! أمْ‌

معرفة الله ج۱

254
  • كَيْفَ تَخِيبُ آمَالِي وَ هي قَدْ وَفَدَتْ إلَيْكَ؟! أمْ كَيْفَ لَا تَحْسُنُ أحْوَالِي وَ بِكَ قَامَتْ وَ إلَيْكَ؟!

  • ۸- إلَهِي! مَا ألْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي! وَ مَا أرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلي‌!

  • (إن لطفك بدأ من لحظة جهلي بمقامك و قَدْركَ، فأرشدتني، و من ظُلمات الجهل و الفِتَن حرّرتني! و أن رحمتك بدأتْ ساعة اجتراحي للسيّئات و المعاصي، فكنتَ حليماً و كريماً «معي» في حين لا يبدر منّي إلّا التقصير في أداء واجباتي!).

  • ٩- إلَهِي! مَا أقْرَبَكَ مِنِّي، وَ مَا أبْعَدَنِي عَنْكَ‌!

  • (إن تَقرّبك إلى ناجم عن أصل وجودك و ذاتك المقدّسة و قدرتك و عِلمكَ و مشيّتك و إرادتك و سيطرتك و هيمنتك، التي لا تُوصَف؛ و ما ابتعادي منك و بُعدي عنك إلّا نتيجة ظُلمة ماهيّة الإمكان و البون الشاسع بين عبوديّتي و ربوبيّتك!).

  • ۱۰- إلَهِي! مَا أرْأفَكَ بِي! فَمَا الذي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟!

  • (إن مظاهر عالَم الكون جميعاً هي دلائل و شواهد على رأفتك؛ و يتوجّب على أن أراك و اشاهدك في جميع تلك المظاهر! فما السبب إذن وراء احتجاب قلبي (و بصيرتي) عن شرف التقرّب إليك، و الكرامة و الفضيلة في رؤيتك و مشاهدتك؟!).

  • ۱۱- إلَهِي! قَدْ عَلِمْتُ بِاخْتِلَافِ الآثَارِ وَ تَنَقُّلَاتِ الأطْوَارِ أن مُرَادَكَ مِنِّي أن تَتَعَرَّفَ إلى في كُلِّ شَي‌ءٍ حتى لَا أجْهَلَكَ في شَي‌ءٍ!

  • نعم، لأنّ جميع موجودات العالم سوى الله، مرتبطة بظهوره، فهو ظاهر فيها بالذات أوّلًا، و بالعرض و ظهور الإنّيّة و الماهيّة عندها ثانياً.

معرفة الله ج۱

255
  • در هر چه بنگرم تو پديدار بوده‌اى***اى نانموده رخ تو چه بسيار بوده‌اى‌۱
  • أبيات هاتف الإصبهانيّ في تجلّي الله تعالى في كلّ مكان‌

  • يار بى‌پرده از در و ديوار***در تجلّى است يا اولى الأبصار
  • شمع جوئى و آفتابْ بلند***روز بس روشن و تو در شب تار
  • گر ز ظلمات خود رهى، بيني‌***همه عالم مشارق الأنوار
  • كوروَش قائد و عصا طلبي‌***بهر اين راه روشن و هموار
  • چشم بگشا به گلستان و ببين***جلوه‌ي آب صاف در گل و خار٢
    1. يقول: «ما نظرتُ إلى شي‌ء إلّا و صورتك فيه، يا ساتراً وجهك، كم كنتَ تبدو كثيراً».
    2. يقول: «أن الحبيب مُتجلٍّ من وراء الباب و الجدار، (فافهموا) يا اولي الأبصار.
      أ تَبحثُ عن الشمعة و هذي الشمس مشرقة (في كبد السماء)؟، و هو ذا النهار مُضي‌ء و أنتَ تَرزح في ليل مُدلَهمّ.
      إذا أنتَ تخلّصت من ظُلمات نفسك، سترى العالَم كلّه مشارق للأنوار.
      أ تطلبُ من أعمى أن يقودك و تطلب عصا تعتمد عليها في هذا الطريق الواضح و المُمَهَّد؟
      افتح عينيكَ و انظُر إلى البستان، و إلى الماء الرقراق و هو يتخلّل الطين و الأشواك».

معرفة الله ج۱

256
  • ز آب بى‌رنگ صد هزاران رنگ‌***لاله و گل نگر در آن گلزار
  • پا به راه طلب نِه از ره عشق‌***بهر اين راه توشه‌اى بردار
  • شود آسان ز عشق كارى چند***كه بود نزد عقل بس دشوار
  • يار گو بالغُدُوّ و الآصال‌***يار جو بالعَشى و الإبكار
  • صد رهت لَنْ تَرانى ار گويد***باز مى‌دار ديده بر ديدار
  • تا به جائى رسى كه مى‌نرسد‌***پاى اوهام و پايه افكار۱
    1. يقول:
      «انظر إلى الآلاف المؤلّفة من الألوان الزاهية للزهور و الورود في (هذه) الروضة (الغَنّاء) فكلّها من صنع ذلك الماء العديم اللون.
      ابدأ في طَلَبِ المدينة عن طريق العشق، و احمِلْ معك زاداً و مؤونة للسير في هذا الطريق.
      و رُبّةَ أعمالٍ كثيرة تَسهُل بالعشق، و يصعب على العقل فهمها أو إدراكها.
      الهَج باسم الحبيب بالغدوّ و الآصال، و ابحَثْ عنه بالعيّش و الإبكار.
      و لو قال لك (الحبيب) لن تراني، مائة مرّة، (فلا تيأس) و استمرّ بمسيرك نحوه (و لا تُضيّع هدفك) و ارتَقِبْ اللقاء (و الوصال).
      حتّى تصِلَ إلى مكانٍ حيث لا وجود للأوهام أو الأفكار.

معرفة الله ج۱

257
  • بار يابى به محفلى كآنجا***جبرئيل امين ندارد بار
  • اين ره، آن زادِ راه، آن منزل‌***مرد راهى اگر بيا و بيار
  • ورنه اى مرد راه چون دگران‌***يار مى‌گوى و پشت سر مى‌خار
  • هاتف ارباب معرفت كه گهى‌***مست خوانندشان و گه هشيار
  • از مى و بزم و ساقى و مطرب‌***وز مُغ و دير و شاهد و زُنّار
  • قصد ايشان نهفته اسرارى است***كه به ايما كنند گاه اظهار۱
    1. يقول: «فستحصل في محفل هناك على زادٍ لم يُقدَّر لجبرئيل الحصول عليه.
      فهو ذا الطريق، و هو ذا زاد الطريق، و ذلك هو المنزل (و المقام)، فلو كنت رجلًا تُريد خوض الغمار تعال إذن و هات ما عندك.
      و إذا لم تكن رجلًا كما هو مع الرجال (الذين عجزوا عن ذلك)، فردِّد إذن عبارة «يا حبيب يا حبيب!» و حُكَّ خلف اذنك (بَطراً).
      يا «هاتف!» أن أرباب المعرفة و أساطينها الذين تحسبهم أحياناً سُكارى و أحياناً أخرى تظنّهم صحاة.
      إنّما ذلك بفعل الخمر و سُقاتها و المجون و المطربين و الرهبان و الدير و الشاهد و الزنّار.
      إن في ثنايا عملهم هذا تكتم أسرارٌ، يُظهرونها أحياناً من خلال الإيماءات (و الإشارات)».

معرفة الله ج۱

258
  • پى برى گر به رازشان داني‌***كه همين است سرّ آن اسرار
  • كه يكى هست و هيچ نيست جز او‌***وَحْدَهُ لا إلَهَ إلّا هُو۱
  • ۱٢- إلَهِي! كُلَّمَا أخْرَسَنِي لُؤْمِي، أنْطَقَنِي كَرَمُكَ! وَ كُلَّمَا أيْأسَتْنِي أوْصَافِي، أطْمَعَتْنِي مِنَنُكَ‌!

  • ۱٣- إلَهِي! مَنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ مَسَاوِئَ، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ مَسَاوِؤُهُ مَسَاوِئَ؟! وَ مَنْ كَانَتْ حَقَائِقُهُ دَعَاوى، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ دَعَاوِيهِ دَعَاوى؟!

  • (لأنّ العيوب و النقصان و الزلل و غير ذلك تتخلّل محاسنه، و لهذا فإنّ مَعاد تلك المساوئ إنّما يكون إلى القبح؛ فكيف إذا ما تطرّقنا إلى قبائحه و مساوئه التي يكون فيها القبح أصلًا لها و مادّة تتكوّن منها؟! و إذا ما تأمّلتَ حقائق كلامه و سلوكه لرأيت أن محاسنه قد امتزجتْ مع ادّعاءاته الكاذبة و الباطلة؛ فكيف إذا تطرّقنا إلى ادّعاءاته التي هي باطلة و كاذبة من الأساس؟!).

  • ۱٤- إلَهِي! حُكْمُكَ النَّافِذُ، وَ مَشيَّتُكَ القَاهِرَةُ، لَمْ يَتْرُكَا لِذِي مَقَالٍ مَقَالًا، وَ لَا لِذِي حَالٍ حَالًا!

  • (لأنّ كلّ صاحب حديث و كلام مهما كان حديثه جميلًا و كلامه ممتعاً، و كلّ صاحب حال مهما كان في يُسر و رخاء، قد يتحوّل كلّ ما لديه فجأةً إلى عدم و خراب و ذلك على أساس الحكم النافذ للحقّ تعالى و مشيّته‌

    1. يقول: «ستعلمُ إن أنت كشفت سرّهم، أن هذا هو سرّ الأسرار.
      وجود واحد و لا شي‌ء غيره، وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا هُو».
      ديوان «السيّد أحمد هاتف الأصفهانيّ» البند الأخير من ترجيع بنده.

معرفة الله ج۱

259
  • الغالبة).

  • ۱٥- إلَهِي! كَمْ مِنْ طَاعَةٍ بَنَيْتُهَا، وَ حَالَةٍ شَيَّدْتُهَا، هَدَمَ اعْتِمَادِي عَلَيْهَا عَدْلُكَ! بَلْ أقَالَنِي مِنْهَا فَضْلُكَ‌!

  • (و ذلك لأنّ صفة العدل (التي تمتلكها) لم تترك لي طاعةً أو حالةً يمكنني الاتّكاء و الاعتماد عليها، لكنّ اتّصافك بالفضل هو أملي و كلّ ما بقي لي؛ و ها هي ذي يدي فارغة إلّا من النظر إلى فضلك الزائد و رحمتك الواسعة، إذ لم يبقَ لي شي‌ء غيرهما).

  • ۱٦- إلَهِي! إنَّكَ تَعْلَمُ: وَ أن لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلًا جَزْماً، فَقَدْ دَامَتْ مَحَبَّةً وَ عَزْماً!

  • ۱۷- إلَهِي! كَيْفَ أعْزِمُ وَ أنْتَ القَاهِرُ؟! وَ كَيْفَ لَا أعْزِمُ وَ أنْتَ الآمِرُ؟!

  • (لأنّي‌ عَرَفْتُ اللهَ بِنَقْضِ العَزَائِمِ. و أن ما يعتري الحالات من تبديل و تبدّل إنّما هما من الامور العجيبة و المدهشة و من الأسرار الغامضة الرائعة التي لا يمكن لأحد غير الذات المقدّسة للحقّ تعالى الوصول إليها و العِلم بها).

  • ۱۸- إلَهِي! تَرَدُّدِي إلَيْكَ في الآثَارِ، يُوجِبُ بُعْدَ المَزَارِ؛ فَاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إلَيْكَ‌!

  • ۱٩- إلَهِي! كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِمَا هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إلَيْكَ- إلى آخره.

  • ٢۰- إلَهِي! عَمِيَتْ عَيْنٌ لَا تَرَاكَ عَلَيْهَا قَرِيباً رَقِيباً- إلى آخره.

  • (و قد مرّ تفسير هاتين الفقرتَيْن).

  • ٢۱- إلَهِي! أمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إلَى الآثَارِ، فَارْجِعْنِي إلَيْهَا بِكِسْوَةِ الأنْوَارِ وَ هِدَايَةِ الاسْتِبْصارِ، حتى أرْجِعَ إلَيْكَ مِنْهَا كَمَا دَخَلْتُ إلَيْكَ مِنْهَا مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إلَيْهَا، وَ مَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاعْتِمَادِ عَلَيْها؛ إنَّكَ عَلَى كُلِ‌

معرفة الله ج۱

260
  • شَي‌ءٍ قَدِيرٌ!

  • ٢٢- إلَهِي! هَذَا ذُلِّي ظَاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ! وَ هَذَا حَالِي لَا يَخْفَي عَلَيْكَ! مِنْكَ أطْلُبُ الوُصُولَ إلَيْكَ! وَ بِكَ أسْتَدِلُّ عَلَيْكَ! فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إلَيْكَ! وَ أقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ‌!

  • (لأنّه ثبت لدى و أصبح مشهوداً أن لا مُؤثِّرَ غير على الإطلاق، و أن جميع الأسباب محكومة بحكمك و تابعة لاختيارك و انتخابك و مشيّتك. و لذا، فأنت وحدك يمكنك أن تفتح لي طريق الوصول إلى حرم عزّتك (و حريم قدسك)! و هذه الآثار هي ظهوراتك، و أنت الظاهر من خلالها، فأطلبُ منكَ يا مَن تُمثّل تلك الظهورات أن توصلني إلى الظهورات التي هي وجودك المقدّس! و خَلّصني من دعاواى بقَدم الصدق النافية للدعاوى الباطلة، و أقِمني في عالَم التحقّق و الواقعيّة بكلّ معنى الكلمة).

  • ٢٣- إلَهِي! عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ، وَ صُنِّي بِسِرِّ اسْمِكَ المَصُونِ‌!

  • (فقد خصصتَ بذلك العِلم المخزون أولياءك الموثوق بهم من قِبَلِك المُتوكّلين عليك. و حفِظتَ بذلك الاسم الخاصّ كلّ محبّ صادق و حبيب مخلص و صُنتَه من كيد الأعداء كالشيطان و النفس الأمّارة بالسوء، و اكتَنَفتَه بقدرتك و عزّتك! أسألك (إلهي) أن تُلحِقَني بهم).

  • ٢٤- إلَهِي! حَقِّقْنِي بِحَقَائِقِ أهْلِ القُرْبِ، وَ اسْلُكْ بِي مَسَالِكَ أهْلِ الجَذْبِ‌!

  • (إن الذين وقفوا على بساط الاضطرار لمواجهة الافتقار، يتوسّلون بك على الدوام و هم بك متمسّكون و بحبلك معتصمون، لأنّهم وجدوا طريقهم إلى معرفتك!).

  • ٢٥- إلَهِي! أغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ عَنْ تَدْبِيرِي! وَ بِاخْتِيَارِكَ عَنِ اخْتِيَارِي‌!

معرفة الله ج۱

261
  • وَ أوْقِفْنِي عَلَى مَرَاكِزِ اضْطِرَارِي‌!

  • (حتّى لا أشكو حالي! و لا أكشف سِرّي بكلامي! و أجعلُ منك شاهداً على (في كلّ الأحوال) و رقيباً (على أعمالي و أورادي)، و صاحب الإرادة و الاختيار. و أن أكون يقظاً في مواقع الضعف و الحاجة حتى لا أجرأ، لا سمح الله، على نسبة الصفات الربوبيّة، التي هي من حقّك أنت، إلى نفسي و أنا عبدك المحتاج من رأسي إلى أخمص قدمَيّ!).

  • ٢٦- إلَهِي! أخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي! وَ طَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَ شِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي! بِكَ أسْتَنْصِرُ فَانْصُرْنِي، وَ عَلَيْكَ أتَوَكَّلُ فَلَا تَكِلْنِي، وَ لِجَنابِكَ أنْتَسِبُ فَلَا تُبْعِدْنِي عَنْكَ، وَ بِبَابِكَ أقِفُ فَلَا تَطْرُدْنِي، وَ إيَّاكَ أسْألُ فَلَا تُخَيِّبْنِي‌!

  • ٢۷- إلَهِي! تَقَدَّسَ رِضَاكَ أن تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي! أنْتَ الغَنِيّ بِذَاتِكَ عَنْ أن يَصِلَ إلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ، فَكَيْفَ لَا تَكُونُ غَنيّاً عَنِّي؟!

  • ٢۸- إلَهِي! أن القَضَاءَ وَ القَدَرَ غَلَبَنِي! وَ أن الهوى بِوَثَاقِ الشَّهْوَةِ أسَرَنِي! فَكُنْ أنْتَ النَّصِيرَ لي حتى تَنْصُرَنِي في نَفْسِي وَ تَنْصُرَ بِي! وَ أغْنِنِي بِجُودِكَ حتى أسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبِي‌!

  • أنْتَ الذي أشْرَقْتَ الأنْوَارَ في قُلُوبِ أوْلِيَائِكَ! وَ أنْتَ الذي أزَلْتَ الأغْيَارَ مِنْ قُلُوبِ أحْبَابِكَ‌!

  • أنْتَ المُونِسُ لَهُمْ حَيْثُ أوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ؛ وَ أنْتَ الذي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمُ المَعَالِمُ‌!

  • مَا ذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ؟! وَ مَا الذي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟!

  • لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلًا! وَ لَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغَي عَنْكَ مُتَحَوَّلًا!

  • ٢٩- إلَهِي! كَيْفَ يُرْجَى سِوَاكَ وَ أنْتَ الذي مَا قَطَعْتَ الإحْسَانَ؟!

معرفة الله ج۱

262
  • وَ كَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَ أنْتَ مَا بَدَّلْتَ عَادَةَ الامْتِنَانِ؟!

  • يَا مَنْ أذَاقَ أحْبَابَهُ حَلَاوَةَ مُؤَانَسَتِهِ، فَقَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ! وَ يَا مَنْ ألْبَسَ أوْلِيَاءَهُ مَلَابِسَ هَيْبَتِهِ، فَقَامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزِّينَ‌!

  • أنْتَ الذَّاكِرُ مِنْ قَبْلِ ذِكْرِ الذَّاكِرينَ! وَ أنْتَ البَادِئُ بِالإحْسَانِ مِنْ قَبْلِ تَوَجُّهِ العَابِدِينَ! وَ أنْتَ الجَوَادُ بِالعَطَايَا مِنْ قَبْلِ طَلَبِ الطَّالِبِينَ! وَ أنْتَ الوَهَّابُ ثُمَّ أنْتَ لِمَا وَهَبْتَنَا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ‌!

  • ٣۰- إلَهِي! اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حتى أصِلَ إلَيْكَ! وَ اجْذُبْنِي بِمِنَّتِكَ حتى اقْبِلَ عَلَيْكَ‌!

  • ٣۱- إلَهِي! أن رَجَائِي لَا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَ أن عَصَيْتُكَ؛ كَمَا أن خَوْفِي لَا يُزَايِلُنِي وَ أن أطَعْتُكَ‌!

  • ٣٢- إلَهِي! قَدْ دَفَعَتْنِيَ العَوَالِمُ إلَيْكَ؛ وَ أوْقَفَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ‌!

  • ٣٣- إلَهِي! كَيْفَ أخِيبُ وَ أنْتَ أمَلِي؟! أمْ كَيْفَ اهَانُ وَ عَلَيْكَ مُتَّكَلِي؟!

  • ٣٤- إلَهِي! كَيْفَ أسْتَعِزُّ وَ في الذِّلَّةِ أرْكَزْتَنِي؟! أمْ كَيْفَ لَا أسْتَعِزُّ وَ إلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟!

  • ٣٥- إلَهِي! كَيْفَ لَا أفْتَقِرُ وَ أنْت الذي في الفَقْرِ أقَمْتَنِي؟! أمْ كَيْفَ أفْتَقِرُ وَ أنْتَ الذي بِجُودِكَ أغْنَيْتَنِي؟!

  • أنْتَ الذي لَا إلَهَ غَيْرُكَ! تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَي‌ءٍ فَمَا جَهِلَكَ شَي‌ءٌ! وَ تَعَرَّفْتَ إلى في كُلِّ شَي‌ءٍ فَرَأيْتُكَ ظَاهِراً في كُلِّ شَي‌ءٍ! فَأنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَي‌ءٍ!

  • يَا مَنِ اسْتَوَى بِرَحْمَانيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَصَارَ العَرْشُ غَيْباً في رَحْمَانيَّتِكَ‌ [رَحْمَانيَّتِهِ‌]؛ كَمَا صَارَتِ العَوَالِمُ غَيْباً في عَرْشِهِ‌!

معرفة الله ج۱

263
  • مَحَقْتَ الآثَارَ بِالآثَارِ! وَ مَحَوْتَ الأغْيَارَ بِمُحِيطَاتِ أفْلَاكِ الأنْوَارِ!

  • يَا مَنِ احْتَجَبَ في سُرَادِقَاتِ عِزِّهِ عَنْ أن تُدْرِكَهُ الأبْصَارُ!

  • يَا مَنْ تَجَلَّى بِكَمَالِ بَهَائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتَهُ الأسْرَارُ!

  • كَيْفَ تَخْفَى وَ أنْتَ الظَّاهِرُ؟! أمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَ أنْتَ الرَّقِيبُ الحاضر؟!۱

  • نعم، أن هذا الدعاء لا يمكن أن نجده في كتب أدعية الشيعة إلّا في النسخ المطبوعة لكتاب «الإقبال» للسيّد ابن طاووس رضوان الله عليه، و في كتاب آخر، هو «مفاتيح الجنان» للمحدّث المعاصر المرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس القمّيّ رحمة الله عليه، حيث نسباه إلى سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلوات في تتمّة دعاء يوم عرفة و ذيله.

  • نظر المجلسيّ رحمه الله في شأن دعاء عرفة و ذيله‌

  • «و محصّل الكلام أنّه و طبقاً لرواية الكفعميّ في حاشية كتاب «البلد الأمين» فإنّ السيّد حسيب (نسيب رضيّ الدين علي بن طاووس قدّس الله روحه) قال في كتاب «مصباح الزائر» ما قوله:

  • روي بِشر و بشير (ابنا غالب الأسديّ) أن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام خرج من خيمته عصر يوم عرفة في عرفات في خضوع و خشوع و سار بهدوء حتى وقف هو و جماعة من أهل بيته و أولاده‌

    1. «الحِكَم العطائيّة، و المناجات الإلهيّة» و الذي يجي‌ء بعده كذلك «الحِكَم العطائيّة الصغرى» طبعة المكتبة العربيّة بدمشق، أحمد عُبَيد، الطبعة الثانية (۱ رجب سنة ۱٣٩٤ هـ) ص ۸۰ إلى ٩۰؛ و لكنّنا انتقينا نصّ العبارات تلك من «شرح حِكم ابن عطاء الله» تأليف الشيخ أحمد زرّوق (و الذي طُبِع بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود و الدكتور محمود بن شريف في مكتبة النجاح- طرابلس الغرب، الاستاذ محمّد نور الدين بريون) من ص ٤٤۸ إلى ٤۷٣. و كما يظهر من مقدّمة هذين المحقّقَيْن على الكتاب، أن الشيخ زرّوق (أحمد بن أحمد بن محمّد) كان من فاس (المغرب).

معرفة الله ج۱

264
  • و غلمانه عند الجانب الأيسر لجبل عرفات [جبل الرحمة] مولّين وجوههم شطر البيت الحرام. ثمّ رفع يديه أمام وجهه كالمسكين الذي يطلب الطعام و بدأ بقراءة هذا الدعاء: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ‌- إلى آخر الدعاء و الذي آخره‌ يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ‌، و ليس في آخره العبارات‌ إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ‌- إلى آخره. (كان هذا ما ورد في حاشية «البلد الأمين» [و التوضيح الأخير هو لنا].

  • ثمّ روي السيّد ابن طاووس رواية بِشر و بَشير اللذين كانا من قبيلة «بني أسد» في كتاب «مصباح الزائر» في الكلام عن يوم عرفة بنفس الشكل الذي أوردناه نحن في حاشية «البلد الأمين»، ثمّ روي هذه الرواية حسب مضمون «البلد الأمين».۱

  • كان ذلك هو كلام المجلسيّ رحمه الله في «بحار الأنوار». ثمّ ذكر عدّة أدعية أخرى عن السيّد ابن طاووس في يوم عرفة ثمّ قال: و قال السيّد: و من الدعوات المشرّفة في يوم عرفة، دعاء مولانا الحسين بن على صلوات الله عليه و هو:

  • الحَمْدُ لِلَّهِ الذي لَيْسَ لِقَضَائِهِ دَافِعٌ وَ لَا لِعَطَائِهِ مَانِعٌ.

  • و هنا ينقل ابن طاووس هذا الدعاء المفصّل عنه (الإمام الحسين عليه السلام) مع هذه الإضافة:

  • إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ فَكَيْفَ لَا أكُونُ فَقِيراً في فَقْرِي‌- حتى يختم الدعاء بالعبارة:

    1. «بحار الأنوار» ج ٢۰، ص ٢۸٢، باب أعمال خصوص يوم عرفة و ليلتها و أدعيتها زائداً على ما مرّ في طيّ الباب السابق، طبعة الكمبانيّ؛ و في الطبعة الإسلاميّة: ج ٩۸، ص ٢۱٤.

معرفة الله ج۱

265
  • أمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَ أنْتَ الرَّقِيبُ الحَاضِرُ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَي‌ءٍ قَدِيرٌ وَ الحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ‌- انتهى كلامه.

  • ثمّ يقول المجلسيّ رحمة الله عليه: قد أورد الكفعميّ رحمه الله عليه أيضاً هذا الدعاء في «البلد الأمين» و ابن طاووس في «مصباح الزائر» كما سبق ذكرهما، و لكن ليس في آخره فيهما بقدر ورقة تقريباً و هو من قوله: إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ‌ إلى آخر هذا الدعاء.

  • و كذا لم توجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من «الإقبال» أيضاً، و عبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين أيضاً، و إنّما هي على وفق مذاق الصوفيّة. و لذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفيّة و من إلحاقاته و إدخالاته.

  • و بالجملة، هذه الزيادة إمّا وقعت من بعضهم أوّلًا في بعض الكتب، و أخذ ابن طاووس عنه في «الإقبال» غفلةً عن حقيقة الحال؛ أو وقعت ثانياً من بعضهم في نفس كتاب «الإقبال»؛ و لعلّ الثاني أظهر على ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة و في «مصباح الزائر»، و الله أعلم بحقيقة الأحوال‌۱.

  • و أمّا المرحوم المحدّث القمّيّ، فقد ذكر بعد نقل هذا الدعاء إلى «يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِّ»، أن الإمام كان يكثر من قول‌ «يَا رَبِ»‌، و أمّا الذين كانوا يستمعون إلى الدعاء، من الذين اجتمعوا من حوله، كانوا يكتفون بقول آمين.

  • ثمّ علت أصوات بكائهم مع الإمام عليه السلام حتى غروب الشمس،

    1. «بحار الأنوار» ج ٢۰، ص ٢۸۷، الطبعة القديمة (الكمبانيّ)؛ و في طبعة المكتبة الإسلاميّة: ج ٩۸، ص ٢٢۷ و ٢٢۸.

معرفة الله ج۱

266
  • ثمّ حزموا أمتعتهم باتّجاه المشعر الحرام.

  • يقول المؤلّف (المحدّث القمّيّ) أن الكفعميّ نقل دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام في كتاب «البلد الأمين» إلى هذه الفقرة۱، و أورد العلّامة المجلسيّ في «زاد المعاد»٢ هذا الدعاء الشريف كما في رواية الكفعميّ، إلّا أن السيّد ابن طاووس في كتابه «الإقبال» قد زاد على الدعاء المذكور بعد يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ‌ قائلًا: إلَهِي! أنَا الفَقِيرُ في غِنَايَ.

  • و قد نقل جميع تلك الفقرات بالتفصيل و زاد عليها في آخرها عبارة إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَي‌ءٍ قَدِيرٌ وَ الحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ‌٣.

  • المناجاة المشهورة لابن عطاء الإسكندريّ هي من تأليفه‌

  • نعم، فإنّ هذه المناجاة و الحِكَم المنقولة عن ابن عطاء الله هي في الحقيقة من تأليفه هو، و إسنادها إلى سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام غير صحيح.

  • فكيف يتسنّى للمرحوم السيّد ابن طاووس، و هو المتوفّى في ٥ ذي القعدة سنة ٦٦٤ هـ-٤ أن يتصوّر أن هذه الفقرات من ابن عطاء الله، و هو

    1. «البلد الأمين» للشيخ إبراهيم الكفعميّ، ص ٢٥۱ إلى ٢٥۸، منشورات مكتبة الصدوق- طهران.
    2. «زاد المعاد» للعلّامة الملّا محمّد باقر المجلسيّ الثاني رحمه الله، ص ٩۱ إلى ٩٦، طبعة قديمة جدّاً بقلم أحمد التبريزيّ؛ و طبعة المرحوم الحاجّ الشيخ فضل الله النوريّ رحمه الله، بقلم مصطفى النجم‌آباديّ: ص ٢۰٩ إلى ٢٢٢.
    3. «الإقبال» ص ٣٣٩ إلى ٣٥۰، الطبعة الحجريّة؛ «مفاتيح الجنان» ص ٢۷۱، طبعة الإسلاميّة، سنة ۱٣۷٩ هـ.
    4. «طبقات أعلام الشيعة» الأنوار الساطعة في المائة السابعة (القرن السابع) تأليف سماحة العلّامة الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ، ج ۷، ص ۱۱۷، دار الكتب العربيّة- بيروت، عند ذكر أخبار علي بن موسى بن طاووس.

معرفة الله ج۱

267
  • المتوفّى في جمادي الآخرة سنة۱ [۷۰٩]، و ينسبها إلى الإمام عليه السلام؟ فالفاصل الزمنيّ بين وفاة هذين الشخصين هو ٤٤ سنة و سبعة أشهر، و بذلك يكون السيّد خلال هذه المدّة، و التي تقرب من نصف قرن، قد توفّي قبل تأليف هذه الأدعية، و على هذا، يمكن الجزم، بأنّ إلحاق هذه الفقرات بدعاء الإمام في يوم عرفة في كتاب (الإقبال)، قد تحقّق بعد رحيل السيّد. و عليه، فإنّ الاحتمال الثاني للعلّامة المجلسيّ رحمه الله سيكون يقيناً، و أمّا الاحتمال الأوّل الذي يقول فيه: ربّما يكون قد ورد في كتب البعض، ثمّ قام ابن طاووس بنقل ذلك بدون دراية، فهو غير صحيح.

  • كلّا، و حاشا أن يكون السيّد و هو الذي يمتلك تلك العظمة و المنزلة، قد اقتبس هذا الكلام من كتاب عارفٍ، و ألحقه في آخر دعاء الإمام، ثمّ نسبه إلى الإمام.

  • و الدليل على ذلك، عدم ذكر السيّد له في كتاب «مصباح الزاهر»، و عدم ورود ذلك في المخطوطات القديمة من كتاب «الإقبال»، اي أن هذه النسخ كانت موجودة في حياة السيّد، و نُسبت إليه بعد وفاته، إلّا أن المجلسيّ، و لعدم علمه بكتاب «الحِكَم العطائيّة»، و لا بمؤلّفه، أو زمان تأليفه، قد أخطأ في إسناده هذا. و أمّا خطأ المحدّث القمّيّ، و هو الخبير في فنّ البحث و التأليف، فهو أنّه، و بعد أن رأى كلام العلّامة المجلسيّ رحمه الله القائل: لم نعثر على هذه الفقرات من الدعاء في النسخ القديمة من كتاب «الإقبال»، قال في «مفاتيح الجنان»: و لكن ذكر السيّد ابن طاووس في «الإقبال» بعد كلمة «يَا رَبِّ يَا رَبِّ يَا رَبِ»‌ هذه الزيادة؟

    1. «كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون» لحاجي خليفة كاتب الچلبيّ: ج ۱، ص ٦۷٥، العمود الأيمن؛ و مقدّمة «شرح الحِكَم العطائيّة» ص ۱٣.

معرفة الله ج۱

268
  • ذلك أن هذه العبارة، تؤكّد إسناد هذا الدعاء إلى السيّد ابن طاووس، و كان عليه أن يقول: و قد شوهدت هذه الإضافة في بعض نسخ كتاب «الإقبال».

  • و حصيلة الكلام، أن هذا الدعاء جيّد المضامين، و لطيف المعاني، و قراءته في كلّ وقت و حين مفيدة و نافعة. إلّا أنّه لا يجوز إسناده إلى سيّد الشهداء عليه السلام. وَ الحَمْدُ لِلَّهِ أوَّلًا وَ آخِراً، وَ ظَاهِراً وَ بَاطِناً.

  • نعم، فإنّ العرفاء الأفاضل يعبّرون عن التجلّي الذاتيّ المقرون بالجمال، بالطلعة البهيّة للمعشوق و المحبوب، أو إماطة الستار عن المحيّا، أو بإظهار الوجه.

  • و في ذلك يقول الخواجة شمس الدين محمّد حافظ الشيرازيّ أعلى الله رتبته:

  • ساقى بيا كه يار ز رخ پرده بر گرفت‌***كار چراغ خلوتيان باز در گرفت‌
  • آن شمع سر گرفته دگر چهره بر فروخت‌***وين پير سالخورده جوانى ز سر گرفت‌
  • آن عشوه داد عشق كه مفتى ز ره برفت***و آن لطف كرد دوست كه دشمن حذر گرفت‌۱
    1. يقول: «هلمّ يا ساق و اسقنا فقد أزال الحبيب الحجاب و بان، و أضاء فَرط جماله و حُسنه سراج خلوة العشّاق.
      و ازدادَ شمع محيّا الحبيب المشتعل ضياءً و نوراً و أضحى هذا الشيخ العجوز شابّاً يافعاً من جديد.
      و قد غمز العشق غمزة و أغرى إغراءً بحيث وقع قاضي الشرع كذلك في شباكه و احتار في المحبوب، و أغدق الحبيبُ علينا من حبّه حتى هَجَرَنا الأعداء و فارقونا».

معرفة الله ج۱

269
  • بار غمى كه خاطر ما خسته كرده بود***عيسى دمى خدا بفرستاد و بر گرفت‌
  • زنهار از آن عبارت شيرين دلفريب‌***گوئى كه پسته تو سخن در شكر گرفت‌
  • هر سرو قد كه بر مه و خور، حسن مى‌فروخت‌***چون تو درآمدى پى كار دگر گرفت‌
  • زين قصّه هفت گنبد افلاك پر صداست‌***كوته نظر ببين كه سخن مختصر گرفت‌
  • حافظ تو اين سخن ز كه آموختى كه يار***تعويذ كرد شعر تُرا و به بر گرفت‌۱
  • و يجب القول، إنّه كلّما تقرّب العبد إلى الله عزّ و جلّ، زالت الحجب‌

  • إزالة الله تعالى الحُجب عن عين الإنسان إثر سلوكه الحسن‌

  • و يجب القول، إنّه كلّما تقرّب العبد إلى الله عزّ و جلّ، زالت الحجب

    1. يقول: «أن الله سبحانه أرسل أنفاراً مُستعدّين للتضحية بأنفسهم كعيسى ابن مريم عليهما السلام، لكي يُزيل عنّا إصر الهجر و الفراق الذي أثقل كاهلنا و لوّع قلوبنا، و يُخلّصنا من الغَمّ.
      فاحذر العبارات الرنّانة و الكلام المعسول الخادع، كأنّ ثغره فُستقةً ضاحكة معجونة بالسكّر.
      إن كلّ مَن اعتاد على الدلال و الاغترار بقامته و قوامه في مقابل القمر و الشمس، جلس جانباً و كسدت بضاعته و امتهن مهنة أخرى بعد أن خرجتَ أنت علينا و بدا جمالك و حُسنك.
      لقد دوّي صوت العشق و ملأ صداه أركان السماوات السبع، فانظرْ إلى السفيه القليل العقل الذي اعتبر هذه القصّة حكاية عابرة لا أهمّيّة لها.
      يا حافظ! مَن ذا الذي علّمك هذا النمط من الحديث السماويّ و الشِّعر الراقي، اللذان حرزا محبوبك و حفظا معشوقك فطفق يحملهما معه كالتميمة؟».
      «ديوان حافظ» ص ۱۱٩، الغزليّة رقم ۸٦، طبعة منشورات صفي على شاه.

معرفة الله ج۱

270
  • النفسانيّة. أن التقرّب إلى الله، يعني حالة كشف الحجاب، اي القيام بعملٍ ينتهي برفع الحجاب.

  • علينا أداء كلّ العبادات بنيّة التقرّب إلى الله، و إلّا، فإنّ تلك العبادات تكون باطلة، و لا قيمة لها، و إن كانت عظيمة.

  • إن التقرّب إلى الله، ليس المقصود به تقرّباً مكانيّاً أو زمانيّاً أو غير ذلك، لأنّ الله سبحانه و تعالى لا مكان محدّد له حتى يتقرّب الإنسان منه. و لا هو واقع في زمان معيّن حتى يقترب الإنسان إلى ذلك الزمان، أن المكان و الزمان و سائر العوارض و الجواهر، مخلوقات الله، و في قبضة يمينه‌ {وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.۱

  • إلّا أن هناك حجباً كثيرة بين النفس الإنسانيّة و ربّها، تزيد على سبعين ألف حجاب، و على هذا، فإنّ أيّ عمل يقوم به الإنسان، سواء أ كان طاعةً، أم ترك معصية، يؤدّي إلى إزالة حجاب من تلك الحجب، شريطة أن يكون هذا العمل بقصد التقرّب إلى الله، اي أن النفس الإنسانيّة تقترب مرحلة نحو الله، فيتوضّح لها صفاؤها و نقاؤها و تطرح عن داخلها القسوة و الظلمة، حتى تزول الحجب عن العبد رويداً رويداً، و لا يبقى أيّ بعدٍ نفسانيّ أو فاصلٍ مكانيّ بينه و بين ربّه.

  • و حينها، سيرى العبد بعين الله، و يسمع باذنه، و ينطق بلسانه، فتكون عيناه عيني الله، و اذناه اذني الله، و لسانه لسان الله.

  • و بعبارة أوضح، حتى هذه اللحظة، كانت كلّ الصفات و الأفعال‌

    1. مقطع من الآية ٦۷، من السورة ٣٩: الزمر، و تمام الآية: {وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى‌ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

معرفة الله ج۱

271
  • تنسب إلينا على سبيل الاستقلال، و أمّا الآن، فصفة الاستقلال هذه قد انتفت، و طُرحت في اتون النار، و تطاير رمادها في مهبّ رياح الفَناء، حيث لا يحمل العبد في وجوده و صفاته و أفعاله، غير الآيتيّة و المرآتيّة، و لهذا فالله تعالى يتلألأ في مرآة هذا العبد، و يُظهر وجوده من نافذته، و ينظر بعينه، و يسمع باذنه، و ينطق بلسانه، و يمشي على رِجليه، و عن أفكاره يعبّر، و بعقله يدرك، فإذاً، فالله موجود، و لا غيره، و هو يرى و يسمع و يتكلّم و يمشي و يفكّر و يدرك، و كفى.

  • و من هنا يقول العارف القدير الشيخ محمود الشبسترى أعلى الله مقامه:

  • چو نيكو بنگرى در اصل اين كار***هم او بيننده هم ديده است و ديدار
  • حديث قدسى اين معنى بيان كرد‌***فَبى يَسمَعْ وَ بى يُبصِرْ عيان كرد۱
  • شرح اللاهيجيّ لحديث: «فَبِي يَسْمَعُ وَ بِي يُبْصِرُ»

  • يقول الشارح المحترم لكتاب «گلشن»: و هو الشيخ محمّد اللاهيجيّ في شرحه لهذين البيتين:

  • لأنّ كلّ ما موجود إنّما هو موجود بحقيقة كلّ وجود الحقّ، و لا شي‌ء غير، فهذا معنى قوله:

  • چو نيكو بنگرى در اصل اين كار***هم او بيننده هم ديده است و ديدار
    1. يقول: «فلو نظرتَ جيّداً في الأمر هذا لرأيت أنّه الباصر و البصير و الإبصار.
      بان في الحديث القدسيّ و ظهر أن المؤمن بي يسمع و بي يبصر».
      «گلشن راز» ص ۱٤، بخطّ النستعليق لعماد الأردبيليّ، سنة ۱٣٣٣ شمسيّ، المصادف سنة ۱٣۷٤ هـ. ق.

معرفة الله ج۱

272
  • فلأنّ أصل الوجود هو الحقّ تعالى، و لا موجود غيره، فتفكّر و تأمّل مليّاً، فستعرف بأن لا وجود لغير الحقّ، فالناظر هو، و المنظور هو الإنسان، و النظرة هي للوجه الذي ينعكس في المرأة، فكلّهم الحقّ تعالى، و جميع الصور، إنّما هي مظاهر للحقّ، و قد تجلّى بكلّ صورة و مظهر، و تجلّيه الأقدس على هيئة صور الأعيان الثابتة، و التي هي الصور المعقولة للأسماء الإلهيّة المخزونة في العلم. حيث ظهر بصفة القابليّة، و التجلّي المقدّس هو المراد به التجلّي الشهوديّ، و الذي يظهر جليّاً على صورة تلك الأعيان، و بحسب استعداداتها.

  • عشق هر دم ظهور ديگر داشت‌***زان كند نقش مختلف پيدا
  • هر دم از كون سر برون آرد‌***روى ديگر نمايد از هر جا۱
  • و هذا «مقام أحديّة الجمع» و «المقام المحمّديّ» صلى الله عليه و آله و سلّم الذي تجلّت حقيقة الوحدانيّة في مظهر الفرديّة {وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى}‌.٢ {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ‌}،٣ لأنّ استحكام المكشوفات و متانتها بشهادة البراهين العقليّة، يقول:

    1. يقول: «لقد كان للعشق في كلّ آن ظهور آخر، و يُبدي من ذلك صورة مختلفة عن الأخرى.
      و كلّما ظهر في ناحية من نواحي الكون، ظهر بوجه آخر من مكان آخر».
    2. مقطع من الآية ۱۷، من السورة ۸: الأنفال، و تمام الآية: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‌ وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
    3. صدر الآية ۱۰، من السورة ٤۸: الفتح، و تمام الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‌ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى‌ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.

معرفة الله ج۱

273
  • حديث قدسى اين معنى بيان كرد***فَبى يَسمَعْ وَ بى يُبصِرْ عيان كرد
  • و الحديث القدسيّ هو أن ذلك المعنى نزل على النبيّ بدون واسطة۱، و معنى عبارة الحديث القدسيّ التي جاءت في البيت السابق هي:

  • لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ، فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ وَ بَصَرَهُ وَ لِسَانَهُ وَ يَدَهُ وَ رِجْلَهَ. فَبِي يَسْمَعُ وَ بِي يُبْصِرُ وَ بِي يَنْطِقُ وَ بِي يَبْطِشُ وَ بِي يسعى.

  • و في رواية: وَ بِي يَمْشِي.

  • اعلم‌ أن محبّة الله الصمد من قبل العبد، عند العارفين، هي تجلٍّ لنفحات الألطاف الربّانيّة من مهبّ البوادي في غمرة تلاطم أمواج بحر الإرادة، و التي هي برزخ الغيب و الشهادة، الهابّة من اسس وجود الأكوان و مفاتيح غيب الأعيان، و التي تخصّ المظاهر الظاهرة، و المجالي الزاكية، و التي هي مكمن الآثار القدسيّة، و حملة الأسرار الانسيّة، حيث تطهّر مرايا بواطن المستقبلين للفيض الجماليّ من كدورات الآثار المجالية الجسمانيّة، و ظلمة الشهوات النفسانيّة، و عن طريق رفع حجاب العوائق و العلائق، و دفع عذاب القواطع و الموانع، تقترب من بساط القُرب. و تُذيق متعطّشي زلال الوصال، لذّة شراب روح الانس.

  • و محبّة طالب الحقّ، هي انجذاب سرّ السالك المشتاق، نحو تحصيل هذه المعاني التي هي منشأ سعادة الطالبين، و منع كمال الراغبين، و ميل باطن الطالب لدرك نتائج هذه الحقائق، حيث جمال الطالبين منها محروم و بسبب فقدان هذه الثروة و السلطان، فهم تحت نير الذلّ و العار. شعر:

    1. و للحديث القدسيّ ميزة أخرى هي أنّه لا يجب اعتباره معجزة للنبيّ، و لذا فإنّ القرآن الكريم لا يُعتَبر من الأحاديث القدسيّة.

معرفة الله ج۱

274
  • اين سعادت هر كه را در بر گرفت‌***خاك پايش را فلك بر سر گرفت‌
  • هر كه او از خود به كلّى وا نرست‌***نايدش درّى از اين دريا به دست‌
  • خود محبّت فارغ از ما و من است***هر كه او را دوست، خود را دشمن است‌۱
  • و ما ذُكر في شرح المحبّة، هو بعينه عبارة قطب المحقّقين، الأمير سيّد على الهمدانيّ قدّس سرّه و على سبيل التبرّك و التيمّن نُقل بحذافيره بدون زيادة أو نقصان.

  • فهذا الحديث القدسيّ، أن الله تعالى، بالحقيقة، هو الناظر و المنظور، حيث «بِي يَسْمَعُ وَ بِي يُبْصِرُ» يوضّح هذا المعني، فالإنسان، في الواقع، هو تلك القوى و الأعضاء و الجوارح التي نسبها الله إليه، فإذاً كلّها هو. شطر بيت:، نامى است زمن بر من و باقى همه اوست،٢

  • و هو ما يُعرف بـ مَقَامُ الفَنَاءِ بَعْدَ البَقَاءِ و إشارة لمرتبة: أطِعْنِي أجْعَلَكَ مِثْلِي وَ لَيْسَ كَمِثْلِي‌٣.

  • حديث: «كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ» متّفق عليه عند الفريقَينِ‌

  • نعم، فلهذا الحديث أهمّيّة قصوى من حيث المعنى و الدلالة،

    1. يقول:
      «فمن حصل على هذه السعادة***كان تراب قدمه للفَلَك و سادة
      فمن لم يجتز النفس جميعاً كلّها***لم ينل شيئاً منها و لا من درّها
      هي تخلو من (أنا) و (نحن)***فمن أحبّها عادي نفسه على‌عَلَن»
    2. يقول: «هو اسمٌ منّي على، و الباقي كلّه هو».
    3. أورد السيّد حيدر الآمليّ هذا الحديث في «جامع الأسرار» ص ٢۰٤؛ «شرح گلشن راز» بتصحيح و تنقيح كيوان سميعي، ص ۱۱٣ إلى ۱۱٥.

معرفة الله ج۱

275
  • و أيضاً، من حيث سنده و طريقة روايته. يقول المرحوم آية الله و حجّته، العالم العظيم الشأن الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ قدّس سرّه في كتابه القدير «لقاء الله»: «هذا الحديث القدسيّ، متّفق عليه من قبل جميع ملل الإسلام».۱

  • أمّا عن طريق الشيعة، فقد روي الشيخ الثقة الجليل الأقدم أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، و الذي يتقدّم الشيخ الكلينيّ بالمنزلة، و من جملة مشايخه في الإجازات، في كتابه «المحاسن» عن أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ، عن عبد الرحمن بن حمّاد، عن حنّان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنّه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: قَالَ اللهُ:

  • مَا تَحَبَّبَ إلى عَبْدِي بِشَي‌ءٍ أحَبَّ إلى مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. وَ إنَّهُ لَيَتَحَبَّبُ إلى بِالنَّافِلَةِ حتى احِبَّهُ. فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وَ بَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، وَ لِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، وَ يَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، وَ رِجْلَهُ التي يَمْشِي بِهَا.

  • إذَا دَعَانِي أجَبْتُهُ، وَ إذَا سَألَنِي أعْطَيْتُهُ.

  • وَ مَا تَرَدَّدْتُ في شَي‌ءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي في مَوْتِ مُوْمِنٍ يَكْرَهُ المَوْتَ وَ أنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ٢.

    1. «لقاء الله» ص ٢٤.
    2. المحاسن»، ج ۱، ص ٢٩۱، برقم ٤٤٣، كتاب مصابيح الظُّلَم؛ و قد ردّ القاضي نور الله الشوشتريّ في كتاب «مصائب النواصب» على المعاند الذي ادّعى أن كُتب الشيعة مُقتصرة على الكُتب الأربعة المشهورة «الكافي»؛ «الفقيه»؛ «التهذيب» و «الاستبصار»، قائلًا ما مفهومه: «و أمّا ثالثاً فلأنّ حصر كتب الإماميّة في أربعة غير صحيح، لأنّ كتبهم تبلغ الستّة و خامسها «المحاسن» من تأليف أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ، و سادسها«قرب 
      (تابع الهامش في الصفحة التالية)

معرفة الله ج۱

276
  • ...۱

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      لإسناد» من تأليف محمّد بن عبد الله جعفر الحميريّ».
      و ذكر الملّا محمّد تقي المجلسيّ طيّب الله مضجعه في شرحه بالفارسيّة على كتاب «من لا يحضره الفقيه» (الطبعة الحجريّة، ج ۱، ص ٦۱) في شرح قول الصدوق رحمه الله فيما يتعلّق بكتاب «المحاسن» لأحمد بن أبي عبد الله البرقيّ ما قوله: «و هذا الكتاب موجود و في متناول أيدينا، و هو كما نقل عنه المشايخ كبير و ثقة و مُعتَمَد عليه. و ما موجود لدينا اليوم ربّما كان ثُلث الكتاب المذكور. و قد صنّف المؤلّف ثلاث و تسعين مُصنّفاً آخر غير هذا الكتاب في فنون العلوم. و قد ورد ذِكر أسماء هذه الكتب و سائر كتب العلماء الأخرى في فهارس أصحاب الرجال».
      و قال العلّامة المجلسيّ قدّس الله تربته في مقدّمة كتاب «بحار الأنوار» في الفصل الثاني في كلامه في أن الكتب التي استند إليها في تأليف كتابه «بحار الأنوار» و روي عنها، هل هي كتب معتبرة أم لا، ما معناه: «و يعتبر كتاب «المحاسن» للبرقيّ من الاصول المعتبرة و قد نقل عنه الكلينيّ و جميع مَن تأخّرَ عنه».
      و قال العلّامة السيّد مهدي بحر العلوم رحمه الله في رجاله (الطبعة الحروفيّة، ج ۱، ص ٣٣۱): «بنو خالد البرقيّ: أبوهم: خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن على، كوفيّ من موالي أبي الحسن الأشعريّ. و قيل: مولي جرير بن عبد الله. قتل يوسف بن عمر- والى العراق- جَدّه محمّد بن على بعد قتل يزيد- رضي الله عنه- فهرب خالد- و هو صغير- مع أبيه عبد الرحمن إلى برق رود قرية في سواد (قم) على وادٍ هناك يُعرَف بذلك- فنُسبوا إليها». حتى يصل العلّامة إلى قوله: «و ذكرَ البرقيّ في (رجاله) أباه محمّداً في أصحاب الكاظم، و الرضا و الجواد عليهم السلام. و ذكرَ نفسه في أصحاب الجواد و الهادي عليهما السلام و كان في زمان العسكري عليه السلام، و ذكرَ أصحابه، و لم يعدّ نفسه فيهم و كأنّه لم يلقه أو لم يتّفق له الرواية».
      و أورد الشيخ الجليل النجاشيّ رحمه الله في رجاله (الطبعة الحجريّة، ص ٥٦) عن أحمد بن الحسين في تأريخه: «أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن بن محمّد بن على البرقيّ ... توفّي أحمد بن أبي عبد الله البرقيّ في سنة أربع و سبعين و مائتين. و قال علي بن محمّد ماجيلويه: توفّي سنة ثمانين و مائتين».

معرفة الله ج۱

277
  • و نقل المجلسيّ رضوان الله عليه نفس هذا الحديث عن «المحاسن» في «بحار الأنوار» سنداً و رواية.۱

  • و رواه الكلينيّ بمضمون مشابه، و لكن بسندين مختلفين:

  • الأوّل: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، و أبو على الأشعريّ عن محمّد بن عبد الجبّار: و جميعاً عن ابن فضّال، عن علي بن عقبة عن حمّاد بن بشير، قال: سمعت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام يقول:

  • قال رسول الله صلى الله عليه و آله: قال الله عزّ و جلّ:

  • مَنْ أهَانَ لي وَلِيَّاً فَقَدْ أرْصَدَ لِمُحَارَبَتِي. وَ مَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدٌ بِشَي‌ءٍ أحَبَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَ إنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّافِلَةِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وَ بَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، وَ لِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، وَ يَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا.

  • أن دَعَانِي أجَبْتُهُ، وَ أن سَألَنِي أعْطَيْتُهُ. وَ مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَي‌ءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ مَوْتِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ المَوْتَ وَ أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ‌٢.

  • الثاني: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القمّاط، عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام أنّه قال:

    1. «بحار الأنوار» ج ۱٥، ص ٢٩، باب حُبّ الله تعالى، طبعة الكمبانيّ القديمة؛ الطبعة الإسلاميّة: ج ۷۰، ص ٢٢، حديث رقم ٢۱.
    2. «اصول الكافي» ج ٢، ص ٣٥٢، حديث رقم ۷، من كتاب الإيمان و الكفر، باب من آذى المسلمين و احتقرهم.

معرفة الله ج۱

278
  • لمّا اسْرِيَ بِالنَّبِيّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ: يَا رَبِّ مَا حَالُ المُؤْمِنِ عِنْدَكَ؟!

  • قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَنْ أهَانَ لي وَلِيَّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ! وَ أنَا أسْرَعُ شَي‌ءٍ إلَى نُصْرَةِ أوْلِيَائِي. وَ مَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَي‌ءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي عَنْ وَفَاةِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ وَ أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.

  • إن مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الغِنَي وَ لَوْ صَرَفْتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ. وَ أن مِنْ عِبَادِيَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الفَقْرُ، وَ لَوْ صَرَفْتُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَهَلَكَ.

  • وَ مَا يَتَقَرَّبُ إلى عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِشَي‌ءٍ أحَبَّ إلى مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَ إنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّافِلَةِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ إذاً سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وَ بَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، وَ لِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، وَ يَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا.

  • إن دَعَانِي أجَبْتُهُ؛ وَ أن سَألَنِي أعْطَيْتُهُ‌۱.

  • و قد ذكر العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه، شرحاً مبسوطاً و جميلًا عند توضيحه و شرحه لهذه الرواية في كتاب «مرآة العقول» نورد هنا مقتطفات من ذلك الشرح ما يناسب هذا البحث:

  • (هذا الحديث صحيح السند.

    1. «اصول الكافي» ج ٢، ص ٣٥٢، حديث رقم ۸.
      و روي هذا الحديث كذلك بدون سند ثقة الإسلام الشيخ أبو الفضل على الطبرسيّ المتوفّى أوائل القرن السابع الهجريّ، في كتاب «مشكاة الأنوار في غُرر الأخبار» الطبعة الثانية، المطبعة (الحيدريّة)- النجف الأشرف، في ص ۱٤٦ و ۱٤۷، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام. و قد ذكر الحقير المسكين هذا الحديث أيضاً في كتاب «التوحيد العلميّ و العينيّ» ص ٢٩٩، مع ذِكر أسناد عدّة له في التعليقة.

معرفة الله ج۱

279
  • تحقيق الشيخ البهائيّ حول خبر «لَا يَزَالُ العَبْدُ» حسب نقل المجلسيّ‌

  • قال الشيخ البهائيّ برّد الله مضجعه: هذا الحديث صحيح السند، و هو من الأحاديث المشهورة بين الخاصّة و العامّة. و قد رووه في صحاحهم بأدنى تغيير هكذا.۱

  • و قد أطنب المرحوم الشيخ البهائيّ أعلى الله درجته، في مقام شرح و تفسير هذا الحديث، بعد ذِكر هذه الرواية هنا، مُورِداً مقتطفات من كلام الحكماء و الصوفيّة. ثمّ قام بنقل كلام للمحقّق الشريف في حاشية تفسير «الكشّاف» و ذلك في آخر البحث، إلى أن قال: وَ إنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ:

  • النوافل جميع الأفعال غير الواجبة، و أمّا تخصيصها بالصلوات المندوبة فعُرفٌ طارٍ. و معنى محبّة الله سبحانه للعبد هو كشف الحجاب عن قلبه و تمكينه من أن يطأ على بساط قربه، فإنّ ما يُوصف به سبحانه إنّما يؤخذ باعتبار الغايات لا باعتبار المبادي. و علامة حبّه سبحانه للعبد، توفيقه للتجافي عن دار الغرور، و الترقّي إلى عالم النور، و الانس بالله، و الوحشة عمّا سواه، و صيرورة جميع الهموم همّاً واحداً.

  • و قال بعض العارفين: إذَا أرَدْتَ أن تَعْرِفَ مَقَامَكَ، فَانْظُرْ فِيمَا أقَامَكَ.

  • و قد قال معلّقاً على هذه الفقرة: «فإذا أحببته كنت إذاً سمعه الذي‌

    1. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: أن اللهَ تعالى قَالَ: مَنْ عَادَى لي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَ مَا يَتَقَرَّبُ إلى عَبْدِي بِشَي‌ءٍ أحَبَّ إلى مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَ مَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوافِلِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وَ بَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، وَ يَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، وَ رِجْلَهُ التي يَمْشِي بِهَا. أن سَألَني لُاعْطِيَنَّهُ، وَ أن اسْتَعَاذَنِي لُاعِيذَنَّهُ. وَ مَا تَرَدَّدْتُ في شَي‌ءٍ أنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدي في قَبْضِ نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ وَ أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ، وَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ.

معرفة الله ج۱

280
  • يسمع به».

  • تمسّك بعض الصوفيّة و الاتّحاديّة و الحلوليّة و الملاحدة بظواهر تلك العبارات و أعرضوا عن بواطن هذه الاستعارات، فضلّوا و أضلّوا، مع أن عقل جميع اولي الألباب يحكم باستحالة اتّحاد شي‌ء مع أشياء كثيرة متباينة الحقائق و مختلفة الآثار، و أيضاً ما ذكروه من الكفر الصريح لا يختص بالمحبّين و العارفين، فهم يحكمون باتّحاده تعالى بجميع أصناف الموجودات، حتى الكلاب و الخنازير و القاذورات، {سُبْحانَهُ وَ تَعالى‌ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً}.

  • نقل المجلسيّ رحمه الله أدقّ المعاني لمضمون خبر «لَا يَزَالُ العَبْدُ»

  • و هنا، يختم العلّامة المجلسيّ كلام الشيخ قدّس سرّه، ثمّ يشرع هو بشرح و تفصيل هذا الحديث قائلًا:

  • فهذه الأخبار نافية لمذاهبهم الفاسدة الخبيثة لا مثبتة لها، و لها عند أهل الإيمان و أصحاب البيان و أرباب اللسان معان واضحة ظاهرة تقبلها الأذهان و مبنيّة على مجازات و استعارات شايعة في الحديث و القرآن، و مشتملة على نكات بليغة استحسنها أرباب المعاني، و لا تنافي عقائد أهل الإيمان، و هي كثيرة نومئ هنا إلى بعضها.

  • الأوّل: ما ذكره الشيخ البهائيّ قدّس سرّه و إن داهن في أوّل كلامه حيث قال: لأصحاب القلوب في هذا المقام كلمات سنيّة و إشارات سريّة و تلويحات ذوقيّة تعطر مشامّ الأرواح و تحيي رميم الأشباح، لا يهتدي إلى معناها و لا يطّلع على مغزاها إلّا من أتعب بدنه في الرياضات و عنّي نفسه بالمجاهدات حتى ذاق مشربهم و عرف مطلبهم، و أمّا من لم يفهم تلك الرموز و لم يهتد إلى هاتيك الكنوز لعكوفه على الحظوظ الدنيّة و انهماكه في اللذّات البدنيّة فهو عند سماع تلك الكلمات على خطر عظيم من التردّي في غياهب الإلحاد و الوقوع في مهاوي الحلول و الاتّحاد، تعالى اللهُ عَنْ ذَلِكَ‌

معرفة الله ج۱

281
  • عُلُوَّاً كَبيراً.

  • و قال الشيخ البهائيّ رحمه الله عندها:

  • فنقول: هذا مبالغة في القرب و بيان لاستيلاء سلطان المحبّة على ظاهر العبد و باطنه و سرّه و علانيّته، فالمراد و الله اعلم: أنّي إذا أحببت عبدي جذبته إلى محلّ الانس و صرفته إلى عالَم القدس و صيّرت فكره مستغرقاً في أسرار الملكوت و حواسّه مقصورة على اجتلاء أنوار الجبروت، فيثبت حينئذٍ في مقام القرب قدمه و يمتزج بالمحبّة لحمه و دمه، إلى أن يغيب عن نفسه و يذهل عن حسّه فيتلاشي الأغيار في نظره حتى أكون له بمنزلة سمعه و بصره كما قال من قال:

  • جُنُونِي فِيكَ لَا يَخْفَي‌***وَ نَارِي مِنْكَ لَا تَخْبُو
  • فَأنْتَ السَّمْعُ وَ الأبْصَارُ***وَ الأرْكَانُ وَ القَلْبُ‌
  • و قال رحمه الله: يَبْطِشُ بِهَا، بالكسر و الضمّ اي يأخذ بها، و أصل البطش الأخذ بالعنف و السطوة- انتهى كلام الشيخ رحمه الله.

  • هنا يورد العلّامة المجلسيّ رحمه الله مضافاً إلى هذا الوجه، خمسة أوجه أخرى غيرها، و يستحسن الوجه الخامس بالخصوص، و يقول في الوجه السادس: ما هو أرفع و أوقع و أحلى و أدقّ و ألطف و أخفى ممّا مضى، و هو أن العارف لمّا تخلّى من شهواته و إرادته و تجلّى محبّة الحقّ على عقله و روحه و مسامعه و مشاعره و فوّض جميع اموره إليه و سلّم و رضي بكلّ ما قضى ربّه عليه يصير الربّ سبحانه متصرّفاً في عقله و قلبه و قواه، و يدير اموره على ما يحبّه و يرضاه، فيريد الأشياء بمشيّة مولاه كما قال سبحانه مخاطباً لهم: {وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}.۱

    1. صدر الآية ٣۰، من السورة ۷٦: الإنسان. و تمام الآية: {وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً}.

معرفة الله ج۱

282
  • كما ورد في تأويل هذه الآية في غوامض الأخبار عن معادن الحِكَم و الأسرار و الأئمّة الأخيار.

  • و روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلّم: قَلْبُ المُؤْمِنِ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرَّحْمَنِ؛ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ.

  • و كذلك، يتصرّف ربّه الأعلى منه في ساير الجوارح و القوى، كما قال سبحانه مخاطباً لنبيّه المصطفى:{وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى}‌.۱

  • و قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}.٢

  • فلذلك صارت طاعتهم طاعة الله و معصيتهم معصية الله، فاتّضح بذلك معنى قوله تعالى: «كُنْتُ سَمْعَهُ وَ بَصَرَهُ وَ أنَّهُ بِهِ يَسْمَعُ وَ يُبْصِرُ». فكذا، ساير المشاعر تدرك بنوره و تنويره، و ساير الجوارح تتحرّك بتيسّره و تدبيره، كما قال تعالى: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى}‌.٣

  • و قريب منه ما ذكره الحكماء في اتّصال النفس بالعقول المفارقة، و الأنوار المجرّدة على زعمهم، حيث قالوا: قد تصير النفس لشدّة اتّصالها

    1. مقطع من الآية ۱۷، من السورة ۸: الأنفال. و تمام الآية: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‌ وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
    2. صدر الآية ۱۰، من السورة ٤۸: الفتح. و تمام الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‌ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفى‌ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}.
    3. الآيات ٥ إلى ۷، من السورة ٩٢: الليل. و تمام الآية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى‌ وَ اتَّقى‌ ، وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى‌ ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‌}.

معرفة الله ج۱

283
  • بالعقل الفعّال بحيث يصير العقل بمنزلة الروح للنفس، و النفس بمنزلة البدن للعقل، فيلاحظ المعقولات في لوح العقل، و يدبّر العقل نفسه كتدبير النفس للبدن، و لذا يظهر منه الغرائب التي يعجز عنها ساير الناس كإحياء الموتى و شقّ القمر و أمثالهما.

  • تحقيق الميرزا رفيعا حول خبر «لَا يَزَالُ العَبْدُ»

  • قال صاحب «الشجرة الإلهيّة»۱: كما أن في النفس في حال التعلّق بالبدن تتوهّم أنّها هي البدن، أو أنّها فيه و إن لم تكن هو و لا فيه، فكذلك النفس الكاملة إذا فارقت البدن و قطعت تعلّقها من شدّة قوّتها و نوريّتها و علاقتها العشقيّة مع نور الأنوار و الأنوار العقليّة، تتوهّم أنّها هي فتصير الأنوار مظاهراً للنفوس المفارقة كما كانت الأبدان أيضاً، فهذا هو معنى الاتّحاد لا بمعنى صيرورة الشيئين شيئاً واحداً فإنّه باطل- انتهى.

  • نقل المجلسيّ لتحقيق المحقّق الطوسيّ و غيره حول حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ»

  • حتّى يصل المجلسى إلى قوله:

  • قال المحقّق الطوسيّ قدّس الله سرّه القُدُّوسيّ: العارف إذا انقطع عن نفسه و اتّصل بالحقّ رأى كلّ قدرة مستغرقة في قدرته المتعلّقة بجميع المقدورات، و كلّ علم مستغرقاً في علمه الذي لا يعزب عنه شي‌ء من الموجودات، و كلّ إرادة مستغرقة في إرادته التي لا يتأبّى عنها شي‌ء من الممكنات، بل كلّ وجود و كلّ كمال وجود فهو صادر عنه فائض من لدنه.

  • فصار الحقّ حينئذٍ بصره الذي يبصر به، و سمعه الذي يسمع به، و قدرته التي بها يفعل، و علمه الذي به يعلم، وجوده الذي به يجود، فصار

    1. و جاء في «الذريعة» ج ۱٣، ص ٢۸، برقم ۸٩ أن: «شجرة الهيّه» هو كتاب بالفارسيّة في اصول الدين للحكيم المتكلِّم السيّد رفيع الدين محمّد بن حيدر الحسنى الطباطبائيّ المعروف بـ (ميرزا رفيعا)، و هو من شيوخ المجلسيّ. توفّي في سنة ۱۰۸٢ أو ۱۰٩٩ هـ. و كان المشار إليه قد ألّف ذلك الكتاب للشاه صفيّ الصفويّ سنة ۱۰٤۷ هـ».

معرفة الله ج۱

284
  • العارف حينئذٍ متخلّقاً بأخلاق الله في الحقيقة.

  • و قال بعض المحقّقين في شرح هذا الخبر أيضاً: معنى محبّة الله كشفه الحجاب عن قلبه و تمكينه إيّاه من قربه، و معنى المحبّة من العبد ميل نفسه إلى الشي‌ء لكمال إدراكه فيه بحيث يحمّلها على ما يقرّبها إليه، فإذا علم العبد أن الكمال الحقيقيّ ليس إلّا للّه، و أن كلّ ما يراه كمالًا من نفسه أو من غيره فهو من الله و بالله و إلى الله لم يكن حبّه إلّا للّه و في الله. و ذلك يقتضي إرادة طاعته و الرغبة فيما يقرّبه إليه و اتّباعه لكلّ وسيلة موصلة إلى معرفته و محبّته، قال الله تعالى لرسوله:

  • {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.۱

  • فإنّ متابعة الرسول في عبادته و سيرته و أخلاقه و أحواله و نوافله، يحصل القرب إلى الله، و بالقرب يحصل محبّة الله إيّاه.

  • و قال بعض العارفين بزعمه: إذا تجلّى الله سبحانه بذاته لأحد يرى كلّ الذوات و الصفات و الأفعال متلاشية في أشعّة ذاته و صفاته و أفعاله، و يجد نفسه مع جميع المخلوقات كأنّها مدبّرة لها و هي أعضاؤها، و لا يلمّ بواحد منها إلّا و يراه ملمّاً به، و يرى ذاته الذات الواحدة، و صفته صفتها، و فعله فعلها لاستهلاكه بالكلّيّة في عين التوحيد، و ليس للإنسان وراء هذه الرتبة مقام في التوحيد.

  • و لمّا انجذب بصيرة الروح إلى مشاهدة جمال الذات استتر نور العقل الفارق بين الأشياء في غلبة نور الذات القديمة، و ارتفع التميّز بين القِدَم و الحدوث لزهوق الباطل عند مجي‌ء الحقّ.

    1. صدر الآية ٣۱، من السورة ٣: آل عمران. و تمام الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

معرفة الله ج۱

285
  • و قيل: إلى هذا المعنى يشير ما ورد في الحديث النبويّ: على‌ مَمْسُوسٌ في ذَاتِ اللهِ.

  • و لعلّ هذا هو السرّ في صدور بعض الكلمات الغريبة من مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة البيان و أمثالها- انتهى.

  • و يقول المجلسيّ في ختام هذا البحث الذي ينتهي هنا: الاكتفاء بما أسلفنا و أومأنا، و ترك الخوض في تلك المسالك الخطيرة أولى و أحوط و أحرى، وَ اللهُ المُوَفِّقُ لِلْهُدَي).۱

  • الروايات المرويّة في كتب الخاصّة في حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ»

  • و قد اعتبر الشيخ بهاء الدين العامليّ رحمه الله هذه الرواية، واحدة من الروايات الأربعين الصحيحة في كتابه «الأربعين». و قد نقلها بسند متّصل عن الكلينيّ، كما فعل المجلسيّ، ثمّ اختتمه بشرح جميل مرّت مقتطفات منه.٢

  • و قد ذكر أيضاً، السيّد على خان الحسينيّ الحسنى المدنيّ الشيرازيّ المعروف بالكبير، هذه الرواية في «شرح الصحيفة المباركة الكاملة السجّاديّة».٣ و كذا فعل السيّد حسن الشيرازيّ في كتابه «كلمة الله».٤

  • و أورد ذلك أيضاً، الغزّاليّ في كتابه «إحياء العلوم» في باب المحبّة

    1. «مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول» ج ۱۰، ص ٣۸٣ إلى ٣٩٦، حديث ۸، كتاب الإيمان و الكفر، باب من آذى المسلمين و احتقرهم، الطبعة الثانية، سنة ۱٤۰٤ هـ.
    2. كتاب «الأربعين» ص ٢٩٥ إلى ٣۰٣، الحديث ٣٥، الطبعة الحجريّة (ناصري)، سنة ۱٢۷٢ هـ.
    3. «رياض السالكين» ج ٦، ص ۱٥۷، في شرح الدعاء الخامس و الأربعين، طبعة رابطة المدرّسين.
    4. «كلمة الله» ص ٦۸، حديث رقم ٦۷، تحت عنوان (زُلفى المؤمن)، و ذكر مصادره في ص ٥۱٩ عن «المحاسن» للبرقيّ، و «الكافي» للكلينيّ في ثلاثة مواضع.

معرفة الله ج۱

286
  • و الشوق إلى الله.۱

  • و استشهد السيّد حيدر الآمليّ بهذا الحديث في كتاب «جامع الأسرار و منبع الأنوار» الذي طُبع بتصحيح هنري كوربن، في أربعة مواضع:

  • الأوّل: في صفحة ٢۰٤، برقم (٣٩٣): أمَّا قَوْلُهُ تعالى فِيهِ (أيْ مَقَامِ الوَحْدَةِ الذَّاتِيَّةِ) فَكَقَوْلِهِ في الحَدِيثِ القُدْسِيّ: لَا يَزَالُ العَبْدُ- إلى آخره.

  • الثاني: في صفحة ٢٤٩، برقم (٤٩٥): قُلْنَا: جَوَابُكَ في هَذَا السُّؤَالِ مِنْ طُرُقِهِمْ (هُوَ) في غَايَةِ الوُضُوحِ؛ وَ هُوَ أنَّهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ إذَا أثْبَتْنَا أن الإمَامَ يَجِبُ أن يَكُونَ مَعْصُوماً وَ مَنْصُوصاً (عَلَيْهِ)- إلى آخره.

  • الثالث: في صفحة ٦۰٥، برقم (۱٢٦٩): وَ حَقُّ اليَقِينِ هُوَ أوَّلُ دُخولِهِمْ في البَقَاءِ الحَقِيقِيّ الحَاصِلِ بَعْدَ الفَنَاءِ الكُلِّيّ المُسَمَّى بِالفَرْقِ بَعْدَ الجَمْعِ، الذي هُوَ مَقَامُ التَّكْمِيلِ وَ الرُّجُوعِ إلَى الكَثْرَةِ بِاللهِ لَا بِهِ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‌}وَ لِقَوْلِهِ في الحَديثِ القُدْسِيّ- إلى آخره.

  • الرابع: في صفحة ٦۷٥، برقم (۱۱٩): وَ هَذَا هُوَ مَقَامُ مُشَاهَدَةِ العَبْدِ نَفْسَهُ مَعَ كَثْرَتِهَا في مِرْآةِ الحَقِّ وَاحِدَةً- إلى آخره.

  • و هؤلاء هم من الخاصّة الذين نقلوا هذه الرواية في الكتب المذكورة، و يتّضح من كتاب «سرّ العالمين»، أن الغزّاليّ كان قد تشيّع في آخر عمره، و قد استوفينا البحث في هذا الأمر في الجزء الثامن من «معرفة الإمام» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة.٢

    1. «إحياء العلوم» ج ٤، ص ٢٦٣، طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى، مطبعة ميمنة- مصر، سنة ۱٣٣٤ هجرية قمرية.
    2. «معرفة الإمام» ج ۸، من الدرس ۱۱۸ إلى ۱٢۰.

معرفة الله ج۱

287
  • و قد تمّ بحث هذا الحديث المبارك من قبل العبد الحقير، مؤلّف هذا الكتاب «معرفة الله» في أماكن عدّة في سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة هذه: الجزء التاسع من «معرفة الإمام»۱ وا لجزء الثاني من «معرفة المعاد»٢ و كذلك في «مهر تابان» (= الشمس الساطعة)٣، و «التوحيد العلميّ و العينيّ».٤

  • الروايات المرويّة في كتب العامّة في حديث: «لَا يَزَالُ العَبْدُ»

  • و من العامّة، رواه البخاريّ في كتاب «الرقاق»، باب التواضع.٥

  • و ذكره أيضاً الراغب الإصفهانيّ في «المفردات» في كتاب القاف، في مادّة قرب بقوله: و على هذا القرب، نبّه عليه الصلاة و السلام فيما ذكر عن الله تعالى:

  • مَنْ تَقَرَّبَ إلى شِبْراً، تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعاً.

  • و عنه قوله أيضاً: مَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدٌ بِمِثْلِ أدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ‌- إلى آخر الخبر.٦

  • و قد رواه أحمد بن حنبل عن عبد الواحد، مولى عروة، عن عروة، عن عائشة،۷ و قد بحث الشيخ عزيز الدين النسفيّ هذا الحديث في ثلاثة مواضع من كتاب «الإنسان الكامل»:

    1. «معرفة الإمام» ج ٩، من الدرس ۱٣۱ إلى ۱٣٤.
    2. «المصدر السابق» ج ٢، المجلس ٩.
    3. انظر: «الشمس الساطعة» البحث الفلسفيّ.
    4. خلال التذييل على المكتوب السادس للمرحوم السيّد، ص ٢٩٩.
    5. «صحيح البخاريّ» ج ۸، ص ۱۰٥، طبعة بولاق.
    6. «المفردات في غريب القرآن» ص ٣٩٩، العمود الأيسر، تحقيق السيّد محمّد سيّد الجيلانيّ، مطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ.
    7. «مسند أحمد بن حنبل» ج ٦، ص ٢٥٦، دار صادر، المكتب الإسلاميّ- بيروت.

معرفة الله ج۱

288
  • الأوّل: خلال بحثه في العقل و درجاته، فهو يعتبر أن العقل الأعلى و الأرقى موجود لدى مَن تحقّق في شأنه الحديث القدسيّ: كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وَ بَصَراً وَ يَداً وَ لِسَاناً، بِي يَسْمَعُ وَ بِي يُبْصِرُ وَ بِي يَبْطِشُ وَ بِي يَنْطِقُ.

  • الثاني: و خلال بحثه في المشكاة، فهو يطنب في الشرح حتى يصل إلى هذا الحديث.

  • الثالث: و خلال بحثه في لقاء الله، يستشهد بهذا الحديث.۱

  • و يقول الملّا حسين الواعظ الكاشفيّ في «الرسالة العليّة» عند ذكره لمقام القرب: قال الله تعالى:{وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}. و عندها يذكر هذا الحديث القدسيّ.٢

    1. «الإنسان الكامل» للنسفيّ، بتصحيح و مقدّمة فرانسوا ماريجان موله، طبعة تابان، سنة ۱٣٤۱، الصفحات: ۱٣٦ و ٢۸٥ و ٣۰٥ على التوالي. قال بخصوص الموضع الثالث هذا ما ترجمته:
      « (٢۱) يا أيّها الدرويش! لن يكون بإمكان السالك معرفة أيّ شي‌ء و رؤيته كما هو ما لم يتشرّف بلقاء الله. و ليس للسالك شغلًا شاغلًا غير معرفة الله و رؤيته، و معرفة صفاته و رؤيتها. فمَن لم يرى الله و لم يعرف صفاته فهو كمَن جاء (إلى الدنيا) أعمى و خرج (منها) أعمى. فإذا وصل السالك إلى نور الله فقد خلّف وراءه كلّ الرياضات و المجاهدات الصعبة، و وصل إلى المقام الذي يقول عنه الله: كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وَ بَصَراً وَ يَداً وَ لِسَاناً، وَ بِي يَسْمَعُ وَ بِي يُبْصِرُ وَ بِي يَبْطِشُ وَ بِي يَنْطِقُ. و كذا فقد وصل إلى المقام الذي قال عنه رسول الله عليه السلام: اتَّقُوا فَرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ. و عند وصول السالك إلى نور الله فهو حينئذٍ سائر في طريق نور الله. فقد كان حتى تلك اللحظة سائراً في طريق نور العقل؛ و هو ذا عمل العقل قد انتهى؛ و هو الآن سائر في طريق نور الله. و يسير طوراً في طريق نور الله حيث تزال كلّ الحُجُب النورانيّة و الظلمانيّة من أمام السالك، فيرى الأخير الله و يعرفه. إذن فلا يمكن رؤية نور الله أو معرفته إلّا بنور منه أيضاً».
    2. «الرسالة العليّة في الأحاديث النبويّة» (شرح أربعين حديثاً نبويّاً بتصحيح السيّد جلال الدين الارمَويّ المحدِّث). هذا و قد توفّي الكاشفيّ سنة ٩۱۰.
      نعم، فهذه الرواية موجودة في ص ۱۷۰ و ۱۷۱ من هذه الرسالة. و جاء في كتاب «تشيّع و تصوّف (= التشيّع و التصوّف) تأليف الدكتور كامل مصطفى الشيبيّ، و ترجمة ذكاوتي القراكوزلو، ص ٣٢٥، ضمن بيان ترجمة أحوال الكاشفيّ ما يلي:
      «و يبدو أن الواعظ الكاشفيّ كان من الأفذاذ النوادر الذين لم يجد المذهب أو الطريقة أو التعصّب سبيلًا إلى أنفسهم فكان طرازاً غريباً من الرجال، شبيهاً برجل من الشيعة اشتهر بتلك السماحة أيضاً هو بهاء الدِّين العامليّ. و مع أن الواعظ الكاشفيّ كان صوفيّاً نَقشبَنديّاً و فقيهاً حنفيّاً ألّف في الفقه الحنفيّ رسالة برأسها («هديّة العارفين» ج ۱، ص ٣۱٦- التعليقة)، كتب سنة ٩۰۸ أوّل و أهمّ رسالة في مجالس العزاء الحسينيّ سمّاها «روضة الشهداء في مقاتل أهل البيت».

معرفة الله ج۱

289
  • شرح و تفسير حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ» في كتب أعلام العرفان‌

  • و يذكر الملّا عبد الرزّاق الكاشانيّ في «شرح منازل السائرين» في قسم الحقائق، في باب الحياة:

  • «و أصل المحبّة هو العلم بالآيات و الأخبار الواردة في المحبّة و الشوق و الإرادة كما في قوله تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ}. [٥/ ٥٤] {وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}. [٢/ ۱٦٥] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}‌. [٣/ ٣۱] و عن الرسول الأكرم صلى الله عليه [و آله‌] و سلّم حاكياً عن ربّه عزّ و جلّ: لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ‌- إلى آخر الحديث، وَ أن أحَبَّ العِبَادِ إلَى اللهِ الأخْفِيَاءُ الأتْقِيَاءُ.۱ مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ‌٢.

    1. «سنن ابن ماجة» (كتاب الفتن، الباب ۱٦، من ترجّى له السلامة من الفتن: ٢/ ۱٣٢۱) عن الرسول الكريم... أن اللهَ يُحِبُّ الأبْرَارَ الأتْقِيَاءَ الأخْفِيَاءَ، الَّذِينَ إذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَ إذَا حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَ لَمْ يُعْرَفُوا- التعليقة).
    2. «الجامع الصغير» للسيوطيّ (باب الميم: ٢/ ۱٦۰) و «معاني الأخبار» باب معنى ما روى أن من أحبّ لقاء الله.(التعليقة)؛ و شرح الكاشانيّ لـ «منازل السائرين» للخواجة عبد الله الأنصاريّ، ص ٥٢۸، منشورات بيدار.

معرفة الله ج۱

290
  • و قد تطرّق أبو مظفّر منصور السمعانيّ في كتاب «روح الأرواح» إلى ذكر و شرح هذا الحديث القدسيّ في ثلاثة مواضع: في باب «الحقّ المبين» و «الواجد» و «المنتقم».۱

  • و استشهد الشيخ نجم الدين الرازيّ به في موضعين من كتاب «مرصاد العباد»، و قال في الموضع الثاني في مقام تجلّي الالوهيّة:

  • «أن محمّداً عليه الصلاة هو مصداق لتجلّي الالوهيّة، حتى أضحى الوجود المحمّديّ إثباتاً لوجود الذات الإلهيّة حيث يقول تعالى: أن‌ {الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}.

  • لم ينل أحد من الأنبياء عليهم السلام هذا الشرف و المنزلة الرفيعة، و لكن كلّ من عزم على أن يأكل من هذه المائدة، فله أن يسعى للدنو من مضيّفه، و التقرّب إليه أكثر فأكثر كما في قوله سبحانه‌ لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ. [حتّى آخر الحديث‌].

  • و هذه السعادة إنّما هي من خاصّيّة تجلّي الذات الإلهيّة».٢

  • و استشهد كذلك الشيخ نجم الدين الرازيّ بهذا الخبر في أحد المواضع في رسالة «العشق و العقل»، حيث يستدلّ على عدم قدرة العقل في متابعة هذا الطريق، إلى أن يقول:

  • «و من هنا، فلا سبيل إلّا بطيّ طريق العشق، حيث يتجرّد العشق من الحروف، و يرتدي حلّة الجذبة، فيجتاز السالك بجذبة واحدة مقام قاب قوسين ليصل به إلى مرتبة الوجود، و تضعه في مقام أوْ أدْنَى و على بساط

    1. «رَوح الأرواح في شرح أسماء الملك الفتّاح» بتصحيح نجيب مائل الهرويّ، ص ٤٤٢، ٤٩٩، ٥٥٢، «انتشارات علمي و فرهنگي » (= المنشورات العلميّة و الثقافيّة).
    2. «مرصاد العباد» ص ٢۰۸، ٣٢۰، و ٣٢۱، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب.

معرفة الله ج۱

291
  • القرب، حيث:

  • جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الحَقِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ.

  • أي أنّه لا يمكن الوصول إلى ما يوازي عمل الثقلين إلّا بالجذبة. و أن ينسلخ من مرحلة فَاذْكُرُونِي، و يتجلى جمال مرحلة أذْكُرْكُمْ، فيكون الذاكر مذكوراً، و العاشق معشوقاً، و حينما يوصل العشق العاشق بمعشوقه، فإنّ العشق يبقى بصفة (الدلالة) على الباب و العاشق يَقْدِم إلى حضرة وصال المعشوق بصفة الفَرَاشة، و وجوده يسكبه على قدم شعلة شمع جلال المعشوق حتى يُضيّف المعشوق العاشقَ المحترقَ بنور جماله. فيتجلّى الوجود المجازيّ للعاشق، و الوجود الحقيقيّ للمعشوق من مكمن كُنْتُ كَنْزاً مَخْفِيَّاً فلا يبقى من العاشق إلّا اسمه. شعر:

  • عشق آمد و شد چو خونم اندر رگ و پوست‌***تا كرد مرا تهى و پر كرد ز دوست‌
  • اجزاى وجود من همه دوست گرفت***نامى است ز من بر من و باقى همه اوست‌۱
  • فيكون هذا هو معنى‌ لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ‌ [حتّى آخر الرواية]».٢

    1. يقول:
      «جاء الحبّ و صار دمي في عروقي‌***فأفرغني ثمّ ملأني من حبّ صَدوقِ‌
      و صار الحبيب كلّ همّي و وجودي‌‌***فما أبقي لي غير اسمي دون وجودي»
    2. رسالة «عشق و عقل» ص ٦٤ إلى ٦٦، و ۱۱۷ و ۱۱۸، (معيار الصدق في مصداق العشق)، طبعة بنگاه ترجمه و نشر كتاب. و يقول معلّق الكتاب: «حديث قدسيّ مشهور مرويّ على وجوه مختلفة. ذكره الهُجويريّ في «كشف المحجوب» ص ٣٩٣، طبعة لينينغراد، و جاء ذِكره في «إحياء العلوم» و «الجامع الصغير» و «إتحاف السادة المتّقين». و قد أشار مولانا جلال الدين إلى مضمون هذا الحديث في «المثنويّ» حيث قال:
      رو كه بى يَسمَع و بى يُبصِر توئي‌‌***سرّ توئى چه جاى صاحب سرّ توئي‌
      آنكه بى يَسمَع و بى يُبصِر شده است‌‌***در حقِ اين بنده آن هم بيهُده است‌
      يقول: «اذهَبْ، فأنتَ مَن قيل عنه (بي يَسمَع و بي يُبصر)، و أنتَ السرّ لأنّك أنت صاحب السرّ. إن مَقام (بي يَسمَع و بي يُبصر) لا يمكن إطلاقه على هذا العبد جزافاً».

معرفة الله ج۱

292
  • و قد استند الهجويريّ الغزنويّ في كتابه «كشف المحجوب» إلى هذا الخبر في موضعَيْن اثنين.۱ و استدلّ الملّا مسكين في تفسير «حدائق الحقائق» بهذه الرواية في موضع واحد.٢

  • و ذكر كلّ من عبد الحليم محمود و محمود بن شريف هذا الحديث القدسيّ في مقدّمتهما في شرح «الحِكَم العطائيّة» للشيخ أحمد زرّوق خلال بيان و تعداد مدارج الإنسان.٣

  • أبيات ابن الفارض حول حديث: «لَا يَزَالُ العَبْدُ»

  • و قد نظّم ابن الفارض المصريّ أبياتاً تفيد معنى هذا الحديث في كتابه «نظم السلوك»:

  • وَ جَاءَ حَدِيثِي في اتِّحَادِيَ ثَابِتٌ‌***رِوَايَتُهُ في النَّقْلِ غَيْرُ ضَعِيفَةِ
    1. «كشف المحجوب» تصنيف أبو الحسن علي بن عثمان الجُلابيّ الهُجويريّ الغزنويّ، بتصحيح و. جوكوفسكي، ص ٣٢٦ و ٣٩٣، طبعة مكتبة طهوري.
    2. تفسير «حدائق الحقائق» لمعين الدين الفَراهي الهَرَويّ، ص ٢۷۸، منشورات أمير كبير.
    3. «حِكَم ابن عطاء الله» شرح الشيخ أحمد زرّوق، ص ٤، طبعة طرابلس الغرب، مكتبة النجاح، حيث يقول: و في حديث قدسيّ يقول سبحانه: عَبْدِي! اعْبُدْنِي أجْعَلْكَ رَبَّانِيّاً، تَقُولُ لِلشَّي‌ءِ كُنْ فَيَكونُ. و في حديث قدسيّ آخر يقول (الحديث إلى آخره).

معرفة الله ج۱

293
  • يُشِيرُ بِحُبِّ الحَقِّ بَعْدَ تَقَرُّبٍ‌***إلَيْهِ بِنَفْلٍ أوْ أدَاءِ فَريضَةِ
  • وَ مَوْضِعُ تَنْبِيهِ الإشَارةِ ظَاهِرٌ***بِكُنْتُ لَهُ سَمْعاً كَنُورِ الظَّهِيرَةِ
  • تَسَبَّبْتُ في التَّوْحِيدِ حتى وَجَدْتُهُ‌***وَ وَاسِطَةُ الأسْبَابِ إحدى أدِلَّتِي‌
  • وَ وَحَّدْتُ في الأسْبَابِ حتى فَقَدْتُهَا***وَ رَابِطَةُ التَّوْحِيدِ أجْدَي وَسِيلَتِي‌
  • وَ جَرَّدْتُ نَفْسِي عَنْهُمَا فَتَجَرَّدَتْ‌***وَ لَمْ تَكُ يَوْماً قَطُّ غَيْرَ وَحِيدَةِ
  • وَ غُصْتُ بِحَارَ الجَمْعِ بَلْ خُضْتُها عَلَى انْ‌***فرَادِيَ فَاسْتَخْرَجْتُ كُلَّ يَتِيمَةِ
  • لأسْمَعَ أفْعَالِي بِسَمْعٍ بَصِيرَةٍ‌***وَ أشْهَدَ أقْوَالِي بِعَيْنٍ سَمِيعَةِ۱
  • و استدلّ كذلك سعيد الدين سعيد الفرغانيّ بهذا الحديث في موضعين من شرحَيْه العربيّ و الفارسيّ للتائيّة: الأوّل في شرحه لقول ابن الفارض:

  • جَوَاهِرُ أنْبَاءٍ، زَوَاهِرُ وُصْلَةٍ***طَوَاهِرُ أبْنَاءٍ، قَوَاهِرُصَوْلَةِ٢
    1. - «ديوان ابن الفارض» ص ۱٤٢، الطبعة الاولى، ۱٣۷٢ هـ؛ و طبعة بيروت ۱٣۸٢ هـ؛ «نظم السلوك» البيت ۷۱٩ إلى ۷٢٦؛ و قد ورد البيت الخامس في كِلا النسختين هكذا: أجدى وسيلةٍ. و في الشرح العربيّ للفرغانيّ في ج ٢، ص ٢۰۱: أجدى وسيلتي و هو الصحيح.
    2. عن «مشارق الدراري» المشروح بالفارسيّة ص ٤٥۷، و الذي ذكر هذا الحديث في ص ٤٦.

معرفة الله ج۱

294
  • و الثاني في شرحه لقول هذا العارف:

  • وَ جَاءَ حَدِيثِي في اتِّحَادِيَ ثَابِتٌ‌***رِوَايَتُهُ في النَّقْلِ غَيْرُ ضَعِيفَةِ
  • و قد ذكر هذا البيت، و بيتين آخرين بعده، سبقت الإشارة إليهما هنا، و استدلّ بهذا الخبر في موضعين أثناء شرحٍ وافٍ لهما، و لأنّ شرحه، في الحقيقة، هو شرحٌ للحديث الذي نحن بصدده، فما أجمل أن ننقل هنا عباراته، حتى نتعرّف أكثر على مفاد و محتوى هذا الحديث، و أن نستوعب واقع معنى أبيات ابن الفارض بشكل أفضل:

  • شرح الفرغانيّ لأشعار ابن الفارض حول حديث «لَا يَزَالُ العَبْدُ»

  • يقول الفرغانيّ‌۱: «يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: «وَ جَاءَ حَدِيثِي...» أن يَكُونَ عَلَى‌

    1. و لبيان عظمة المقام العِلميّ للفرغانيّ و القيمة الأدبيّة لكلامه، نكتفي هنا بذِكر ما قاله آية الله مير سيّد حامد حسين الموسويّ النيشابوريّ الهنديّ في كتاب «عبقات الأنوار» ج ۱، من المجلّد (۱٢): سند حديث الثقلينِ و الموجود في القسم الثاني حسب طبعة مؤسّسة نشر نفائس المخطوطات (إصفهان)، من ص ٤۷٣ إلى ٤۷٥، برقم ۱۱٣. فقد قال آية الله النيشابوريّ الهنديّ ما ترجمته: «و أمّا إثبات سعيد الدين محمّد بن أحمد الفرغانيّ لحديث الثقليْنِ فقد قال في شرحه بالفارسيّة على القصيدة التائيّة لابن الفارض عن تفسيره للبيت التالي:
      وَ أوْضَحَ بِالتَّأوِيلِ مَا كَانَ مُشْكُلًا***عَلِيّ بِعِلْمٍ نَالَهُ بِالوَصِيَّةِ
      ما يلي: لقد أوضح على بالتأويل ما قد أشكلَ من المعنى و أشبه فيه من مراد القرآن و الحديث على غيره من الصحابة و خاصّة عمر؛ و هو الذي كان يُردّد دوماً (مقولته المشهورة) بهذا الخصوص: لَوْ لَا على لَهَلَكَ عُمَرُ. مع أن (عليّاً) كان قد تطرّق إلى هذه المشكلات و حلّها بالعِلم الذي كان قد ورثه عن المصطفى بواسطة الوصيّة التي قال فيها: إنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَ عِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي! اذَكِّرُكُمُ اللهَ في أهْلِ بَيْتِي، ثلاث مرّات، ثمّ عاد و كرّر قوله: أنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ موسى غَيْرَ أنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي. و بواسطة قوله: أنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وَ على بَابُهَا- انتهي كلام الفرغانيّ.و محامد العلّامة الفرغانيّ المبهرة و معاليه المُزهرة واضحة لكلّ مَن يبحث في كتاب «عبرٌ في خَبر مَن غبر» للذهبيّ، و «نفحات الانس» لعبد الرحمن الجاميّ، و «كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار» لمحمود بن سليمان الكَفويّ، و «كشف الظنون» لمصطفي بن عبد الله القُسطنطينيّ، و غير ذلك من الكتب الأخرى. و قد سَبقَ بِعون الله المُنيلِ في مجلّد حديثِ مدينةِ العلمِ، بيانُها بالتفصيلِ. و هنا نكتفي بالإشارة إلى ما قاله عبد الرحمن الجاميّ في كتاب «نفحات الانس»، و هو (ما ترجمته):و كان الشيخ سعيد الدين الفرغانيّ رحمه الله تعالى من أكمل أرباب العرفان و أكابر أصحاب الذوق و الوجدان. فلم يُبيّن أحد مسائل عِلم الحقيقة بهذه الدقّة و الصحّة كما فعله هو في ديباجة «شرح القصيدة التائيّة الفارضيّة». فقد قام أوّلًا بشرحها بالفارسيّة، ثمّ عرض ذلك على شيخه (الشيخ صدر الدين القَونويّ قدّس سره، فاستحسن شيخه ذلك و كتب بعض العبارات في هذا الباب، فوضع الشيخ سعيد تلك العبارات المكتوبة بعينها في ديباجته على الشرح الفارسيّ تَيمّناً و تبرّكاً. و ثانياً، و لتعميم الفائدة و تتميمها، قام بنقلها إلى العربيّة و أضاف عليها فوائد كثيرة و زيادات أخرى. جزاه اللهُ عن الطالبين خيرَ الجزاء.و له مُصَنَّفٌ آخر يُسمى بـ «مناهج العباد إلى المعاد» في أصحاب المذاهب الأربعة رضوان الله عليهم أجمعين و هو في مسائل العبادات و بعض المعاملات التي لا غنى لسالكي هذا الطريق عنها؛ و التي لا يمكن سلوك طريق الحقيقة بدونها في بيان آداب الطريقة بعد إصلاح و تصحيح أحكام الشريعة. و الحقّ أنّه كتاب مفيد و هو ما لا بدّ لأيّ طالبٍ و مريد- إلى آخره.

معرفة الله ج۱

295
  • ترجمة سعد الدين الفرغانيّ و بيان مقامه العلميّ‌۱

  • لِسَانِ الجَمْعِ الإلَهِيّ؛ فَإنَّ هَذَا حَدِيثٌ إلَهِيّ. وَ يَحْتَمِلُ أن يَكُونَ على لِسَانِ الجَمْعِ المُحَمَّديّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ.

  • و يُشير ذلك الحديث على تحقّق محبّة الحقّ لي و محبّتي له، و ذلك 

    1. فهذا الفرغانيّ، شيخُهم السعيد المسعود، و حَبرُهم الحميد المحمود؛ قد أثبتَ هذا الخبرَ النافحَ كالأزهار و الورود العاطِر، كالقُتار الساطِع من العود. فالعجبُ كلُّ العجب من الجاحد العَنود، و المنكر الكَنود؛ كيف لا يَزعُه وازعٌ عن الإنكار و الجُحود، و لا يَصرفهُ صارفٌ عن البغي و المُرود! و اللهُ العاصمُ عن شرِّ كلِّ معاندٍ حسودٍ لدودٍ، و هو الواقي عن زيغِ كلِّ حيودٍ ميودٍ».

معرفة الله ج۱

296
  • بعد طلبي للتقرّب و الزلفى إلى الحقّ بأداء النوافل و الفرائض و العبادات. و يبدو موضع الإشارة في هذا الحديث إلى الاتّحاد واضحاً و جَدّ جليّ و صريح كنور الشمس الوضّاح في صدر النهار و كبد السماء؛ و ذلك ممّا قَصَدَه بقوله: كُنْتُ لَهُ سَمْعاً.

  • و أمّا لفظ الحديث، كما ورد في «صحيح البخاريّ» و مسلم فهو:

  • مَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدِي بِشَي‌ءٍ أحَبَّ إلى مِنْ أدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. وَ لَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وَ بَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، وَ لِسَانَهُ الذي يَنْطِقُ بِهِ، وَ رِجْلَهُ التي يَمْشِي بِهَا- الحديث.

  • و اعلم، أن المحبّة شدّة الرغبة الباطنيّة من أجل الوصول إلى كمالٍ من الكمالات، و حقيقتها: الآصرة القويّة الوحدانيّة بين الطالب و المطلوب، و معناها: تسلّط عوامل الاتّحاد أو الاشتراك، ممّا يستلزم زوال عوامل التفاضل أو الاختلاف بين الطالب و المطلوب.

  • و المحبّ هو من تظهر فيه هذه الآصرة أوّلًا، و تتغلّب و تتسلّط عليه حتى يقوم الطالب بإزالة عوامل التفاضل عن نفسه، أو عمّا يطلب. و أصل هذه المحبّة، هو حقيقة فَأحْبَبْتُ أن اعْرَفَ‌، حيث كانت ذات الحقّ الواحدة مُحبّة، و كان المحبوب كمال وجوده و ظهور الكمالات الأسمائيّة له، و تعكس مرآة المحبوب، الحقيقة الإنسانيّة، صورةً و معنى، و لا شي‌ء غيرها. لِكَمَالِ جَمْعِيَّتِهَا وَ تَمَامِ مُضَاهَاتِهَا وَ قَابِليَّتِهَا، وَ قُصُورِ غَيْرِهَا عَنْ ذَلِكَ.

  • وَ إليه الإشَارَةُ فِيمَا رُوِيَ مِنَ الحَدِيثِ الإلَهِيّ خِطَاباً لِمُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ: لَوْلَاكَ لَمَا خَلَقْتُ الكَوْنَ.

  • و بحكم هذه المحبّة، تعيّن تجلٍّ من الله، بصورة إجماليّة في باطن‌

معرفة الله ج۱

297
  • تلك الحقيقة الإنسانيّة في جوهرها، و التي تشير إلى البرزخيّة و الجمعيّة بين الواحديّة و الأحديّة أوّلًا، و بين العلم بالعالم و بين الوجود ثانياً، ثمّ سار و تنزّل من باطن تلك الحقيقة الإنسانيّة في صورٍ تفصيليّة، و التي هي عبارة حقائق العالم، لكمال الظهور الذي كان هو المحبوب الأوّل، حتى يصل إلى هذه الصورة العنصريّة الإنسانيّة، و هي الصورة الإجماليّة الواقعيّة لتلك الحقيقة الإنسانيّة.

  • و أمّا مرآة الجمعيّة و كمال ظهور ذلك التجلّي، فواقع الوحدانيّة لذلك النزوع و المحبّة، تزامن مع هذا التجلّي، و هي مستترة في باطنه.

  • و لمّا كان ذلك التجلّي وحدانيّاً، كان لزاماً أن يكون محلّه و مرآته و ظهوره في هذا النزول، أمراً وحدانيّاً كذلك، و ما كان لغير العدالة و الاعتدال الموحّدين للكثرة في هذه المراتب، بل في عالم التركيب و الكثرة من أثر و ظلّ و صورة من حقيقة الوحدة، و لا جرم أن مرآة ظهور ذلك التجلّي في كلّ مرتبة، هي أمر معتدل، حتى تكون مرآته، حقيقة وسطيّة، و عدالة إمكان كلّ ممكن في عالم المعاني و الأرواح، و ذلك بين جهة الوجوب وجهة المحال. و أمّا في عالم المثال و الحسّ، فلم يكن مظهر ذلك التجلّي إلّا مزاجاً معتدلًا من الطبيعة و العناصر و المولّدات، و حصيلة هذه الجملة من مراتب الاعتدالات، هو إظهار الاعتدال الإنسانيّ الموجود في الوسط، و صورة الوحدة و العدالة لذلك هي البرزخيّة الاولى و الثانية.

  • و لمّا كان ظهور ذلك التجلّي في نزوله، في جملة هذه المراتب، و لأنّه تلبّس بصور إنسانيّة تفصيليّة و إجماليّة، فقد اجتمعت حوله أحكام الكثرة و التعيّنات، و النسب و الإضافات، و التي هي من مستلزمات الأجزاء و الأطراف، و آثار الانحراف، فخرج كلّ حكم من تلك الأحكام على صورة أمل و امنية و طلب لذّة و شهوة، و أرادت التغلّب على حُكم الوحدة 

معرفة الله ج۱

298
  • و البساطة و صورة الجمعيّة و عدالتها و توجيهها نحو أوصاف الكثرة و التركيب و أحكام الانحرافات و التغلّب عليها. و كان أمر الشجرة، و الهبوط من الجنّة، صورة و أثراً لتلك الغلبة.

  • فتطلّبت تلك المحبّة الوحدانية- و هي الآصرة المستترة في باطن التجلّي- وضع ميزان اعتداليّ يمثّل الشريعة و الطريقة، لتربط هذا الإنسان المتعرّض للمحبوب بالواسطة، بجملة من الإرادات و المقاصد و الحركات و السكنات الخاصّة بها، و بالوحدة و العدالة، ظاهراً و باطناً.

  • معنى «سَمِعَ الله لمنْ حَمِدَهُ» هو كلام الله على لسان عبده‌

  • و تستتر حقيقة هذه المحبّة في الباطن، و هي لسان هذا الميزان الذي هو عين الفرائض، بحكم انتشار وحدة الأمر {وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ} فإنَّ مُطْلَقَ الأمْرِ يَقْتَضِي الفَرَضِيَّةَ، فيسري أثر هذه المحبّة في باطن أجزاء عمود الميزان و كفّتيه، اللتين هما بمثابة سنن و نوافل هذا الميزان، فتغدو حُجُب الحقيقة الإنسانيّة ضعيفة و شفّافة و لطيفة، تلك الحقيقة التي تكون بمرتبة المحبوبيّة بحكم العناية اللاعليّة في الأزل، و التي غلبت عليه بحكم الوجوب و الوحدة، و بحكم استعداده الكامل زمان السير و المرور عبر المراتب تنازلياً، طرأت الحجب الضعيفة و الشفّافة و اللطيفة عليه، فإذا تيسّر أداء الفرائض بإخلاص و بالكامل بسبب محبوبيّته، فبمجرّد أداء تلك الفرائض ظاهراً و باطناً ترتفع الحُجُب، و حينها، يظهر حكم حقيقة تلك المحبّة و الوحدة الحقيقيّة فيه، و التي باطنها لسان في قلبه، فتجذبه نحوها رغم إرادته، و تجعل منه مرآة كمال ظهورها، حتى يظهر الحكم السابق فَأحْبَبْتُ فيه بواسطتها، و تكون نتيجة ذلك الظهور أن اللهَ قَالَ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.

  • و ذلك تحقيق قوله‌: مَا تَقَرَّبَ إلى عَبْدِي بِشَي‌ءٍ أحَبَّ إلى مِنْ أدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ. ذلك أن لا شي‌ء من الميزان أقرب إلى الوحدة من لسان‌

معرفة الله ج۱

299
  • الميزان؛ و كذا لا شي‌ء أقرب إلى الوحدة الحقيقيّة للمحبّة من أداء الفرائض عند سريان وحدة الأمر فيه.

  • و أمّا إذا كان ذلك موجوداً من قبل في مبدأ الحكم و الاستعداد الإنسانيّ، في زمان مروره و نزوله عبر المراتب، فستجتمع حوله قيود و صفات الكثرة الإنسانيّة و بكثافة، و تتغلّب على حكم وحدته، فسيحتاج ذلك الشخص إلى رياضة و مجاهدة كثيرتين، و لا تتيسّر استقامة و اعتدال ذلك الميزان الذي يمثّل أداء الفرائض قلباً و قالباً، إلّا بملازمة السنن و النوافل من الأذكار و الأعمال و شتّى أنواع القُرُبات، التي تخالفها النفس، شرط توفّر الإخلاص و مجانبة الشبهات و صغائر الرياء، و ترك جميع اللذّات و الشهوات النفسيّة التي تتوقّف عليها استقامة ميزان الشريعة و الطريقة بصورة كاملة. كما جاء في الحديث:

  • إن أوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّلَاةُ؛ فَإنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أفْلَحَ وَ أنْجَحَ، وَ أن فَسَدَتْ خَابَ وَ خَسِرَ. وَ أن انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئاً قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَ تعالى: انْظُرُوا! هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكْمَلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ؟! ثُمَّ يَكُونَ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ.

  • يدلّ ظاهر الحديث على أن النوافل هي مكمّلات للفرائض.

  • و على هذا، فيلزم على السالك الذي وقع في رتبة المحبّ منذ الأزل المداومة على هذه السنن و النوافل، حتى يتسنّى له بعد ملازمته للإخلاص و التوحيد في العمل الاقتراب من لسان الميزان، و يتمكّن أثر المحبّة الكامن في كفّتي و أجزاء عمود ميزان الشريعة و الطريقة من إزالة كلّ صوَر و أحكام انحرافات نفس هذا السالك، حتى تعتدل كفّتا الميزان و عموده. و حينئذٍ، يظهر القلب الذي هو محلّ ذلك اللسان المذكور، و يظهر فيه ذلك التجلّي الوجوديّ بوحدته الحقيقيّة، و يزيل ذلك الأثر من المحبّة الذي 

معرفة الله ج۱

300
  • تزامن مع‌ هذا التجلّي و اللسان و رافقهما كلّ حُكم امتيازيّ فيما بين الوجود المضاف إلى النفس و القوى و المدارك الباقية فيه، و يُظهر بدلًا من ذلك حكم عوامل الاتّحاد.

  • فينكشف حينئذٍ هذا المعنى لهذا السائر المحبّ، في الحقيقة، بظهور حكم المحبّة الذي هو إزالة للأحكام الامتيازيّة للنسب و الإضافات أن هذا الوجود الواحد الذي كان سمعه و بصره و لسانه و يده و رِجله حتى هذه اللحظة، و أنّه لم يكن يسمع إلّا بنور الوجود الواحد الحقّ، و لم يكن ليري و لا لينطق و لا يبطش و لا يسير إلّا به.

  • و قد كان محجوباً عن هذا العلم حتى الآن بسبب تقيّده بأحكام تلك النسب و الإضافات التي هي أحكام امتيازيّة، فارتفعت الحجب و الموانع بسبب حقيقة المحبّة التي أزالت تلك القيود، و انكشفت حقيقة هذا العمل ساطعة و ضّاءة.

  • و هذا هو معنى قوله: وَ لَا يَزَالُ العَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ؛ فَإذَا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ وَ بَصَرَهُ وَ لِسَانَهُ وَ يَدَهُ‌- (الحديث).

  • معنى «كُنْتُ سَمْعَهُ وَ...» هو انكشاف تجلّي وجود الله في أفعال السالك‌

  • و إذن، ففي هذا الحديث الصحيح دلالة صريحة على صحّة و ثبوت ما ادّعيته في التوحيد؛ وَ اللهُ المُلْهِمُ لِلصَّوَابِ.۱

    1. شرح «مشارق الدراري» ص ٦۰٥ إلى ٦۱۰، طبعة انجمن فلسفه و عرفان اسلامي (بالفارسيّة)؛ و الشرح بالعربيّة المطبوع في مصر سنة ۱٢٩٣ هـ: ج ٢، ص ۱٩۷ إلى ٢۰۰.قال العلّامة شمس الدين محمّد بن محمود الآمليّ في كتاب «نفائس الفنون» ج ٢، ص ٢٦ و ٢۷ (ما ترجمته): «و لأنّ حقيقة المحبّة هي نوع من علاقات الاتّحاد التي تربط المحبّ بالمحبوب، و جذبة من جذبات المحبوب التي تجذب المحبَّ نحوه، فينسلخ المحبوب تدريجيّاً من جميع صفاته نتيجة هذه الجذبة و تلك العلاقة، ثمّ تسلبه ذاته بقبضة قويّة و مقتدرة و تضفي عليه ذاتاً أخرى غيرها تناسب اتّصافه بصفاته هو. و بعد ذلك، تتبدّل صفاته الموجودة داخل تلك الذات؛ كما قال الجُنيد: المحبّةُ دخولُ صفات المُحَبِّ على البدن من المُحِبِّ. و هنا يتّضح لدينا سرّ فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ لَهُ سَمْعاً وَ بَصَراً، و هي حقيقة
      أنَا مَنْ أهْوَى وَ مَنْ أهْوَى أنَا***نَحْنُ رُوحَانِ حَلُلْنَا بَدَنَا
      فَإذَا أبْصَرْتَنِي أبْصَرْتَهُ‌***وَ إذَا أبْصَرْتَهُ أبْصرْتَنَا
      و مع ذلك فلا يوجد سبب معيّن للمحبّة (كما قيل) حيث:
      إن المحبّةَ أمرُها عجبُ‌***تُلقَي عليكَ و ما لَها سببُ‌
      ثمّ قال في ص ٣٢: «و قال بعضهم: أن الفَناء هو الغياب عن الأشياء، و البقاء حضور مع الحقّ؛ و هذا المعنى هو نتيجة السُّكْر. فقد قال صاحب «العوارف»: الفناءُ المطلقُ المطابقُ، هو ما يَستَولي من أمر الحقّ سبحانَه على العبدِ، فيَغلبُ كونُ الحقِّ على كونه العبدَ. و هذه هي حقيقة مطلق الفَناء».

معرفة الله ج۱

301
  • أشعار المغربيّ و الحكيم السبزواريّ في حقيقة الفَناء في وجود الحقّ‌

  • و على أساس فناء الصفات و اندكاك عالم الوجود في عالم الحقّ، يصرّح العارف الجليل المغربيّ بقوله:

  • ديده‌اى وام كنم از تو، به رويت نگرم‌***زانكه شايسته ديدار تو نبود نظرم‌
  • چون ترا هر نفسى جلوه به حُسنى دگر است‌***هر نفس زان نگران در تو به چشمى دگرم‌
  • توئى از منظر چشمم نگران بر رخ خويش***كه توئى مردمك ديده و نور بصرم‌۱
    1. يقول: «أعرني بصراً لأنظر إليك به و إن كانت عيني لا تليق النظر إليه.
      إن في كلّ نَفَسٍ منك يتجلى مظهر آخر لجمالك، و في كلّ مرّة أخافُ فيها عليك فألحظك بعيني الأخرى.
      أنت ناظر إلى حُسنكَ و جمالك من نظرات عيوني، لأنّك أنت إنسان عيني و بُؤبُؤها و نور بصري».

معرفة الله ج۱

302
  • هر كه بى‌رسم و اثر گشت به كويش پى برد***من بى‌رسم و اثر ناشده، پى مى‌نبرم‌
  • تا زمن هست اثر، از تو نيابم اثري‌***كاشكى در دو جهان هيچ نبودى اثرم‌
  • نتوانم به سر كوى تو كردن پرواز***تا ز اقبال تو حاصل نبود بال و پرم‌
  • بوى جانبخش تو همراه نسيم سحر است‌***زان سبب مرده‌ي انفاس نسيم سحرم‌
  • يار هنگام سحر بر دل ما كرد گذر***گفت چون جلوه‌كنان بر دل تو مى‌گذرم‌
  • مغربى آينه دل ز غبار دو جهان

  • پاك بزْداى كه پيوسته در او مى‌نگرم۱

  • و نظم الحكيم الجليل الحاجّ ملّا هادي السبزواريّ شعراً قال فيه:

    1. يقول: «أن مَن ذاب في الحقّ و انمحى فيه قد وصل إلى طُوره، لكنّني لم أصل إليه لأنّني ما ذُبتُ و لا انمحيتُ فيه.
      فما زال أثر منّي موجوداً، لم أعثر لك على أثر، فيا ليت ما كان لأثري من وجود في العالمين.
      ليست لي القدرة على الطيران في سمائك، حتى تمنَّ على بجناحَيْن.
      إن ريحك العطرة تعانق نسيم السَّحَر، و لهذا تراني قتيل نسيم ذلك السحر.
      مرّ الحبيب بجانب قلبي ساعة السَّحَر، قال: سأمُرُّ على قلبك كما يفعل مَن يُريد الظهور (للآخرين).
      يا مغربيّ! أزِل غُبار العالمين عن مرآة القلب و طهِّرها، لأنّني ما فتئتُ أنظر فيها».
      «ديوان شمس مغربي» ص ۸٦ و ۸۷، طبعة الإسلاميّة.

معرفة الله ج۱

303
  • اى به ره جستجوى، نعره زنان دوست دوست‌***گر به حرم ور به دير، كيست جز او، اوست اوست‌
  • پرده ندارد جمال غير صفات جلال‌***نيست بر اين رخ نقاب، نيست بر اين مغز پوست‌
  • جامه دران گل از آن نعره زنان بلبلان‌***غنچه بپيچد به خود، خون به دلش تو به توست‌
  • دم چو فرورفت‌هاست، هوست چو بيرون رود***يعنى از او در همه هر نفسى‌هاى و هوست‌
  • يار به كوى دل است، كوى چو سرگشته گوى‌***بحر به جوى است و جوى اين همه در جستجوست‌
  • با همه پنهانيش هست در اعيان عِيان***با همه بى‌رنگيش در همه ز او رنگ و بوست‌۱
    1. يقول: «يا مَن تصرخ في بحثك: الحبيب الحبيب، مَن ذا غيره موجود في الحَرم أو الدير؟ إنّه هوَ.
      لا ستار يُغطّي الجمال سوى صفات الجلال، و لا خمار يُخفي هذا الوجه و لا قشر يحيط بهذا اللبّ.
      إن الزهور تشقّ أكمامها لغناء البلابل، و البراعم تملأ قلوبها بالدم.
      إن النَّفَس حين يدخل في الشهيق، و يخرج في الزفير يعني أن منه (من الله) شهيقاً و زفيراً في كلّ نفس.
      إن الحبيب (موجود) في طريق القلب و الطريق كأنّه حيران، و اتّحد البحر بالغدير و أضحى الغدير يبحث كلّ هذا البحث.
      إنّه مع اختفائه و استتاره ظاهر و عيان في الأعيان، و بالرغم من عدم تَلوُّنه فقد اقتبس كلّ شي‌ء لونه و عبيره منه».

معرفة الله ج۱

304
  • يار در اين انجمن يوسف سيمين بدن‌***آينه خانه جهان، او به همه رو به روست‌
  • پرده حجازى بساز يا به عراقى نواز***غير يكى نيست راز؛ مختلف از گفتگوست‌
  • مخزن اسرارِ اوست سرّ سويداى دل***در پيَش اسرار باز در به در و كو به كوست‌۱
  • روي آية الله المرحوم الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ هذا الحديث على صورتَيْن. فقد قال: فَلَوْ كَانَ العَمَلُ عَمَلًا فَلَا بُدَّ أن يُثْمِرَ نُوراً وَ مَعْرِفَةً في القَلْبِ. فَلَا يَزَالُ يَزْدَادُ نُورُهُ حتى يَكُونَ مَحْسُوساً لِكُلِّ أحَدٍ. أ مَا سَمِعْتَ مَا في الحَدِيثِ القُدْسِيّ:

  • لَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ العَبْدُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى أجْعَلَهُ مِثْلِي- إلى آخره.

  • وَ لَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ العَبْدُ إلى بِالنَّوَافِلِ حتى احِبَّهُ وَ كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ- إلى آخره.٢

  • معنى كلام الإمام الصادق عليه السلام «حتى سَمِعْتُهَا مِنَ المتَكَلم بِهَا»

  • و يصف المحقّق الفيض الكاشانيّ سماع الإمام جعفر الصادق عليه‌

    1. يقول: «أن مَثَل الحبيب في حفلنا هذا كمثل يوسف ذي الجسم الفضّيّ اللون، يُشبه الحجرة المُغطّاة جدرانها بالمرايا، فأينما وَلّيتَ وجهك رأيته، فهو أمام الجميع.
      اصنَع ستاراً حجازيّاً أو اعزِف لحناً عراقيّاً، فلا وجود إلّا لسرّ واحد؛ مختلف عن كلّ (ما عهدناه من) حديث.
      إنّه هو مخزن الأسرار و عيبتها و هو سرّ سُوَيداء القلب، و هو الذي يعرف الأسرار جميعاً».
      «ديوان حكيم حاج ملّا هادي سبزواري» المعروف بـ «الأسرار» ص ٣۸ و ٣٩، مكتبة ثقفي، أصفهان.
    2. «أسرار الصلاة» ص ۱۷٥، طبعة مطبعة الحيدريّ، سنة ۱٣۸۰ هجريّة قمريّة.

معرفة الله ج۱

305
  • السلام كلامه هو كلام الله و بإذن الله بما يلي:

  • وَ عَنْهُ عليه السلام: أنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَالَةٍ لَحِقَتْهُ في الصَّلَاةِ حتى خَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا أفَاقَ قِيلَ لَهُ في ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا زِلْتُ ارَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى قَلْبِي حتى سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا، فَلَمْ يَثْبُتْ جِسْمِي لِمُعَايَنَةِ قُدْرَتِهِ.۱

  • و يقول المحقّق الفيض أيضاً في هذا الكتاب‌٢: «و قد أخبر جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام عن أعلى درجات هذه الحالة بقوله: وَ اللهِ لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ لِخَلْقِهِ في كَلَامِهِ وَ لَكِنْ لَا يُبْصِرُونَ.٣ و بعدها بصفحة واحدة يورد الفيض هنا نفس الرواية السابقة التي نقلها في «أسرار الصلاة».

  • يقول السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب «فلاح السائل»٤: فَقَدْ رُوِيَ أن مَوْلَانَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ [عَلَيْهِ السَّلَامُ‌] كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ في صَلَاتِهِ، فَغُشِيَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أفَاقَ سُئِلَ: مَا الذي أوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُكَ إليه؟ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حتى بَلَغْتُ إلَى حَالٍ كَأنَّنِي سَمِعْتُ مُشَافَهَةً مِمَّنْ أنْزَلَهَا، عَلَى المُكَاشَفَةِ وَ العِيَانِ، فَلَمْ تَقُمِ القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ بِمُكَاشَفَةِ الجَلَالَةِ الإلَهِيَّةِ.

  • و بعدها يقول السيّد في توضيحه: «أنت الذي لا تعرف حقيقة هذا الأمر، إيّاك و أن تستبعد ذلك، أو يوسوس الشيطان لك فيجعلك تشكّ أو

    1. «المحجّة البيضاء» ج ۱، ص ٣٥٢، طبعة مكتبة الصدوق، سنة ۱٣٣٩ شمسيّ (۱٣۸۰ ق)، كتاب «أسرار الصلاة»؛ و يقول في التعليق عليه: عن «بحار الأنوار» عن «فلاح السائل».
    2. ج ٢، ص ٢٤۷، كتاب آداب تلاوة القرآن.
    3. يقول في تعليقه: قد نقله الشهيد في «أسرار الصلاة» ص ٢۰٤.
    4. ص ۱۰۷ و ۱۰۸، طبعة فرهومند، سنة ۱٣۸٢ هجريّة قمريّة.

معرفة الله ج۱

306
  • تتردّد في قبول هذا الذي نرويه لك. فعليك أن تؤمن بذلك، أ فلم تسمع بقول البارئ جلَّ جلاله: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى‌ صَعِقاً}.

  • و يحكي آية الله الحاجّ ميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ في رسالة «لقاء الله»۱ و كذلك في كتاب «أسرار الصلاة»٢ نفس عبارة السيّد في «فلاح السائل»، و يقول في ص ٢۱٢ من هذه الطبعة (و في ص ٩٣ من الطبعة القديمة): «و الارتقاء هو أن تسمو به القراءة صعوداً حتى يصل إلى الحالة التي يسمع بها كلام الله كما رأيت في قراءة الإمام الصادق عليه السلام في الجملة التي يقول فيها: حتى‌ سَمِعْتُهَا مِنَ المُتَكَلِّمِ بِهَا».

  • و في ص ٢٤٢ من هذه الطبعة (ص ۱۰۷ من الطبعة القديمة) يقول: وَ مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ غَشْوَةِ الصَّادِقِ عليه السلام عِنْدَ تَكْرَارِ {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}؛ و ما روي عن الإمام السجّاد عليه السلام: إ ذَا قَرَأهُ، يُكَرِّرُهُ حتى يَكَادُ أن يَمُوتَ».

  • الطرق العديدة عن الخاصّة و العامّة للخبر الصادقيّ: «مَا زِلْتُ...»

  • يروي المجلسي رضوان الله عليه في «بحار الأنوار»٣ عن «فلاح السائل»: «قال صاحب كتاب «زهرة المهج و تواريخ الحجج» بسنده عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور أنّه قال: قَالَ مَوْلَانَا الصَّادِقُ عليه السلام‌: كَانَ علي بن الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ وَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَ ارْتَعَدَ كَالسَّعَفَةِ»٤.

    1. من النسخة الخطّيّة بقلم الحقير: ص ۱٦ و ۱۷؛ و من النسخة المطبوعة: ص ٤٣.
    2. الطبعة الحجريّة، أحمد شاهي: ص ۸٤ و ۸٥؛ و طبعة فروهمند: ص ۱٩٥ و ۱٩٦.
    3. طبعة الإسلاميّة، ج ۸٤، ص ٢٤۷، كتاب الصلاة، باب آداب الصلاة.
    4. «فلاح السائل» ص ۱۰۱- التعليقة.

معرفة الله ج۱

307
  • و بنفس المعنى يروي الكلينيّ أن مولانا زين العابدين عليه السلام‌ كَانَ‌ إذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يُكَرِّرُهَا في قِرَاءَتِهِ حتى كَانَ يَظُّنُّ مَنْ يَرَاهُ أنَّهُ قَدْ أشْرَفَ عَلَى مَمَاتِهِ‌۱.

  • وَ رُوِيَ أن مَوْلَانَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَانَ يَتْلُو القُرْآنَ في صَلَاتِهِ فَغُشِيَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا أفَاقَ سُئِلَ مَا الذي أوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُهُ إليه، فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُ آيَاتِ القُرْآنِ حتى بَلَغْتُ إلَى حَالٍ كَأنَّنِي سَمِعْتُهَا مُشَافَهَةً مِمَّنْ أنْزَلَهَا»٢. انتهت رواية المجلسيّ رحمه الله.

  • و يروي الكلينيّ في «اصول الكافي»٣ عن علي بن إبراهيم، بإسناده عن الزُّهريّ قال: «قَالَ علي بن الحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ المَشْرِقِ وَ المَغْرِبِ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أن يَكُونَ القُرْآنُ مَعِي. وَ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إذَا قَرَأ «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» يُكَرِّرُهَا حتى كَادَ أن يَمُوتَ.

  • يقول‌ الملّا عبد الرزّاق الكاشانيّ في كتاب «الاصطلاحات» على هامش «شرح منازل السائرين» في «مائة باب» للخواجة عبد الله الأنصاريّ: المُطَّلَعُ هُوَ مَقامُ شُهُودِ المُتَكَلِّمِ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَاتِ كَلَامِهِ مُتَجَلِّياً بِالصِّفَةِ التي هي مَصْدَرُ تِلْكَ الآيَةِ. قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ‌]: لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ لِعِبَادِهِ في كَلَامِهِ وَ لَكنْ لَا يُبْصِرُونَ. وَ كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ في الصَّلَاةِ فَخَّرَ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُهَا حتى سَمِعْتُ مِنْ قَائِلِهَا.

  • قالَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ شِهَابُ الدِّينِ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ: كَانَ لِسَانُ جَعْفَرٍ 

    1. «فلاح السائل» ص ۱۰٤- التعليقة.
    2. «فلاح السائل» ص ۱۰۷ و ۱۰۸- التعليقة.
    3. ج ٢، ص ٦۰٢، كتاب فضل القرآن، الطبعة الثانية، سنة ۱٣۸۱ هـ مكتبة الصدوق.

معرفة الله ج۱

308
  • الصَّادِقِ عليه السلام في ذَلِكَ الوَقْتِ كَشَجَرةِ موسى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ نِدَائِهِ مِنْهَا بِأنِّي أنَا اللهُ. وَ لَعَمْرِي أن المُطَّلَعَ أعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَ هُوَ مَقَامُ شُهُودِ الحَقِّ في كُلِّ شَي‌ءٍ مُتَجَلِّياً بِصِفَاتِهِ التي ذَلِكَ الشَّي‌ءُ مَظْهَرُهَا؛ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ في الحَدِيثِ النَّبَوِيّ [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ‌]: «مَا مِنْ آيَةٍ إلَّا وَ لَهَا ظَهْرٌ وَ بَطْنٌ، وَ لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ وَ لِكُلِّ حَدٍّ مُطَّلَعٌ» خَصُّوهُ بِذَلِكَ.۱

  • يقول الغزّاليّ في «إحياء العلوم»٢: و أخبر جعفر بن محمّد الصادق رضي الله عنه عن عظمة قراءة القرآن‌ قَالَ: وَ اللهِ لَقَدْ تَجَلَّى اللهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِخَلْقِهِ في كَلَامِهِ وَ لَكِنَّهُمْ لَا يُبصِرُونَ. وَ قَالَ أيْضاً وَ قَدْ سَألُوهُ عَنْ حَالَةٍ لَحِقَتْهُ في الصَّلَاةِ- حتى آخر الرواية المروية في «فلاح السائل» و عندها يقول: «و عليه ففي مثل هذه الدرجة، تزداد حلاوة القراءة و لذّة المناجاة حتى يقول أحد الحكماء: لقد اعتدتُ على قراءة القرآن و لكن بدون أن أشعر بحلاوة ذلك، حتى صرتُ أقرأه بشكلٍ و كأنّي أسمعهُ بصورة مباشرة من لسان النبيّ و هو يتلوه على أصحابه. و بعد ذلك، ارتقيتُ مرتبة أعلى، و ذلك بقراءته بشكل يجعلني و كأنّي أسمعُ جبرائيل عليه السلام و هو يلقيه على النبيّ، و بعدها أكون في حالة و كأنّي أسمعهُ من الناطق بالقرآن نفسه. و هنا، أشعرُ بلذّة و نعيم لا أقوى عليهما و لا أتملّك نفسي»- انتهى كلام الغزّاليّ.

  • يقول مؤلّف «كشف الغايات في شرح ما اكتنفت عليه التجلّيات»٣ 

    1. الطبعة الحجريّة، ص ۱٢۰.
    2. طبعة دار الكتب العربيّة الكبرى، ج ۱، ص ٢٥٩.
    3. طبعة مركز نشر دانشگاهي- طهران ۱٤۰۸ هـ، بتحقيق عثمان إسماعيل يحيي، ص ۱۷٢.

معرفة الله ج۱

309
  • و هو شرح على كتاب «التجلّيات الإلهيّة» لمحيي الدين بن عربي: كَانَ الإمَامُ‌ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ذَاتَ يَوْمٍ في الصَّلَاةِ، فَخَرَّ مَغْشِيَّاً عَلَيْهِ. فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا زِلْتُ اكَرِّرُ آيَةً حتى سَمِعْتُ مِنْ قَائِلِهَا، فَكَانَ بِي مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ. (عن «عوارف المعارف» للسهرورديّ و «إحياء العلوم»).

  • يقول الحكيم السبزواريّ في «ديوان أسرار»۱:

  • شورش عشق تو در هيچ سرى نيست كه نيست‌***منظر روى تو زيب بصرى نيست كه نيست‌
  • نيست يك مرغ دلى، كش نفكندى به قفس‌***تير بيداد تو تا پر به پرى نيست كه نيست‌
  • ز فغانم ز فراق رخ و زلفت به فغان‌***سگ كويت همه شب تا سحرى نيست كه نيست‌
  • نه همين از غم او سينه‌ي ما صد چاك است***داغ او لاله صفت بر جگرى نيست كه نيست‌٢
    1. ص ٣٩ و ٤۰، طبعة كتابفروشي ثقفي- أصفهان، سنة ۱٣٣۸ شمسي (= ۱٣۷٩ ق).
    2. يقول: «ليس من رأس إلّا و فيه هياج حبّك، و ليس من بصر إلّا و هو ناظر إلى طلعتك الجميلة.
      لقد أسرتَ في قفصك كلّ طائر من طيور القلوب و حبسته فيه، و أن سهامك القاتلة لا تعرف الخيبة أبداً.
      ما بقي صوت لعواء كلبٍ عند حيّك لارتفاع صوت صراخي و أنيني كلّ ليلة إلى وقت السَّحَر.
      ليست صدورنا هي وحدها التي تمزّقت بسبب الحزن عليه و حسب، بل أن الأسى الذي خَلّفَه فينا وَضعَ علائمه واضحة على جميع الأكباد».

معرفة الله ج۱

310
  • موسئى نيست كه دعوى أنا الحقّ شنود***ور نه اين زمزمه اندر شجرى نيست كه نيست‌
  • چشم ما ديده‌ي خفّاش بود ور نه ترا***پرتو حسن به ديوار و درى نيست كه نيست‌
  • گوش اسرار شنو نيست و گر نه‌ اسرار‌***برش از عالم معنى خبرى نيست كه نيست۱
    1. يقول: «ليس هناك موسى ليسمع نداء (أنا الحقّ)، و إلّا فليس من شجرة إلّا و تضجّ بهذا النداء.
      لا شكّ أن عيوننا تشبه عيون الخفافيش، و إلّا، فنور جمالك الذي لا نظير له يملُا الأبواب و الجدران.
      و ليست هناك اذُنٌ واعية تعي تلك الأسرار، و إلّا فمن أين حصل «أسرار» على (كلّ تلك) الأخبار من عالَم المعني؟».

معرفة الله ج۱

312
  •  

  •  

  • البَحْثَانْ الحَادِي عَشَرَ وَ الثَّانِي عَشَر: اللهُ في كُلِّ مَكَانٍ، افْتَحْ عَيْنَيْكَ وَ حَدِّقْ‌و تفسير الآية المباركة: {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‌}

  •  

  •  

معرفة الله ج۱

314
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم‌

  • وَ صلى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهُ عَلَى أعْدَائِهِمْ أجْمَعينَ مِنَ الآنَ إلَى قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ‌

  • وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَليّ العَظِيمِ‌

  •  

  •  

  • قَالَ اللهُ الحَكِيمُ في كِتَابِهِ الكَرِيمِ:

  • {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.۱

  • و الآيات السابقة لها هي:

  • بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

  • {الم ، أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ ، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ}.

  • أمّا الآيات اللاحقة لها فهي:

  • {وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ}.

    1. الآية ٥، من السورة ٢٩: العنكبوت.

معرفة الله ج۱

315
  • في الآية، موضوع البحث، يعد الله سبحانه و تعالى شأنه، المشتاقين إلى رؤيته صراحةً بلقائه و زيارته، و ينبّه إلى أن الأمر لا ينتهي بمجرّد قول الشهادتين و الإيمان باللسان، بل أن المؤمنين أمامهم امتحانات عديدة عليهم اجتيازها، و بدون الاختبار، و وضع المتفوّهين بالشهادتين و الإيمان باللسان على محكّ التجربة، يستحيل على أحد الصعود إلى درجات النعيم و الفوز بالجنان و لقاء جمال الواهب المنّان، و هي سنّة سنيّة، و دأب قديم للّه في إخضاع كلّ الامم و الأقوام للامتحان، حتى يتبيّن المؤمن الصادق من المدّعي الكاذب.

  • و لقد ساء ما يعتقد به البعض و ضلّ ضلالًا كبيراً، أنّه بارتكاب القبائح و المعاصي يسبقون إرادة الله و اختياره و قدره و قضاءه، بل سيندحرون، و سيتبيّن لهم أنّهم توهّموا كونهم أحراراً غير مقيّدين في ارتكابهم تلك الأعمال في عالم الكون و الأمر و الخلق و الإيجاد، ساء ما يعتقدون به و يظنّون، حيث لم يعقلوا أن استباقهم لأمر الله و تأخّرهم عنه، هو أمر إلهيّ محيط بهم، و أنّهم بطريقة تفكيرهم هذه إنّما يضعون أنفسهم في قبضة إرادة الله القاهرة و مشيئته الغالبة.

  • و أمّا الذين يتُوقون إلى رؤية الله و لقائه، فستتحقّق لهم امنيتهم تلك، و لن يخيب أملهم أو تحبط مساعيهم؛ و سيحين موعد اللقاء، و تطوي صفحة البُعد و الهجران، فالله الواحد العالم بالخلق و السميع بهم؛ على علمٍ تامّ بتلك الامنية، و سيكشف النقاب عن وجهه المشرق، و سيُلقّى السالك جائزته لقاء سعيه و اجتهاده الحثيث في سبيل لقاء الله و رؤيته.

  • إن اجتهاد الناس و رغبتهم في لقاء الله، لا ينفع الله في شي‌ء، لأنّه غنيّ عن العالمينَ، و أن مردود و ثواب اجتهاد و سعي الإنسان المجاهد و الساعي و السالك، إنّما هو عائد له.

معرفة الله ج۱

316
  • إن الذين آمنوا بالله لا بلسانهم بل بأعماق قلوبهم، و أعقبوا ذلك أعمالًا صالحة تُرضِي الله المحبوب الأزليّ، الذين تجيش في نفوسهم فكرة لقاء الله، فلا جرم أن الله سبحانه سيغفر ما تقدّم من ذنوب هؤلاء المحبّين الصادقين و يثيبهم على صالح أعمالهم.

  • تفسير «الميزان» لآية: مَن كَانَ يَرْجُوا لِقَآءَ الله فَإِنَّ أجَلَ الله لآتٍ‌

  • تفسير أيات أوائل سورة العنكبوت في امتحان المؤمنين و رجاء لقاء الله‌

  • قال جناب استاذنا الأعظم المفسّر الأكبر: العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله تربته المنيفة في تفسير هذه الآيات:

  • «يلوح من سياق آيات السورة و خاصّة ما في صدرها من الآيات أن بعضاً ممّن آمن بالنبيّ صلى الله عليه و آله بمكّة قبل الهجرة رجع عنه خوفاً من فتنة كانت تهدّده من قِبَل المشركين، فإنّ المشركين كانوا يدعونهم إلى العود إلى ملّتهم و يضمنون لهم أن يحملوا خطاياهم إن اتّبعوا سبيلهم فإن أبوا فتنوهم و عذّبوهم ليعيدوهم إلى ملّتهم.

  • يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ}-(الآية).۱

  • و قوله: {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ}- (الآية).٢

  • و كأنّ في هؤلاء الراجعين عن إيمانهم من كان رجوعه بمجاهدة من والديه على أن يرجع و إلحاح منهما عليه في الارتداد كبعض أبناء المشركين على ما يستشمّ من قوله تعالى: {وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما}- (الآية)٣، و قد نزلت‌

    1. الآية ۱٢، من السورة ٢٩: العنكبوت.
    2. الآية ۱۰، من السورة ٢٩: العنكبوت.
    3. الآية ۸، من السورة ٢٩: العنكبوت.

معرفة الله ج۱

317
  • السورة في شأن هؤلاء.

  • فغرض السورة على ما يستفاد من بدئها و ختامها و السياق الجاري فيها أن الذي يريده الله سبحانه من الإيمان ليس هو مجرّد قولهم: {آمَنَّا بِاللَّهِ}‌، بل هو حقيقة الإيمان التي لا تحرّكها عواصف الفتن و لا تغيّرها غِير الزمن، و هي إنما تتثبّت و تستقرّ بتوارد الفتن و تراكم المحن.

  • فالناس غير متروكين بمجرّد أن يقولوا: ءَامَنَّا بِاللهِ دون أن يُفتنوا و يُمتحنوا فيظهر ما في نفوسهم من حقيقة الإيمان أو وصمة الكفر فليعلمنّ الله الذين صدقوا و يعلم الكاذبين.

  • فالفتنة و المحنة سُنّة إلهيّة لا معدّل عنها تجري في الناس الحاضرين كما جرت في الامم الماضين كقوم نوح و عاد و ثمود و قوم إبراهيم و لوط و شعيب و موسى فاستقام منهم من استقام و هلك من هلك. {وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.۱

  • فعلى من يقول: ءَامَنْتُ بِاللهِ أن يصبر على ايمانه و يعبد الله وحده فإن تعذّر عليه القيام بوظائف الدين فليهاجر إلى أرض يستطيع فيها ذلك فأرض الله واسعة و لا يَخَفْ عسر المعاش فإنّ الرزق على الله.

  • {وَ كَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَ إِيَّاكُمْ}.٢

  • و أمّا المشركون الذين يفتنون المؤمنين من غير جرم أجرموه إلّا أن يقولوا: رَبُّنَا اللهُ فلا يحسبوا أنّهم يُعجزون الله و يسبقونه، فأمّا فتنتهم للمؤمنين و إيذاؤهم و تعذيبهم فإنّما هي فتنة لهم و للمؤمنين غير خارجة عن علم الله و تقديره، فهي فتنة و هي محفوظة عليهم إن شاء أخذهم بوبالها في‌

    1. ذيل الآية ٣٣، من السورة ۱٦: النحل.
    2. صدر الآية ٦۰، من السورة ٢٩: العنكبوت.

معرفة الله ج۱

318
  • الدنيا و إن شاء أخّرهم إلى يوم يُرجعون فيه إليه، و ما لهم من محيص.

  • و أمّا ما لفّقوه من الحجّة و ركنوا إليه من باطل القول فهو داحض مردود إليهم و الحجّة قائمة تامّة عليهم.

  • ثمّ يصل سماحة الاستاذ إلى تفسير الآية الثانية فيقول:

  • قوله تعالى: {وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ}.

  • اللامان للقسم، و قوله: {وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‌} حال من الناس في قوله: أ حَسِبَ النَّاسُ، أو من ضمير الجمع في قوله: لَا يُفْتَنُونُ. و على الأوّل فالإنكار و التوبيخ متوجّه إلى ظنّهم أنّهم لا يُفتنون مع جريان السنّة الإلهيّة على الفتنة و الامتحان، و على الثاني إلى ظنّهم الاختلاف في فعله تعالى حيث يفتن قوماً و لا يفتن آخرين، و لعلّ الوجه الأوّل أوفق للسياق.

  • فالظاهر أن المراد بقوله: {وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‌} أن الفتنة و الامتحان سنّة جارية لنا و قد جرت في الذين من قبلهم و هي جارية {وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.۱

  • و قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} إلى آخر الآية، تعليل لما قبله، و المراد بعلمه تعالى بالذين صدقوا [و] بالكاذبين ظهور آثار صدقهم و كذبهم في مقام العمل بسبب الفتنة و الامتحان الملازم لثبوت الإيمان في قلوبهم حقيقة و عدم ثبوته فيها حقيقة فإنّ السعادة التي تترتّب الإيمان المدعو إليه و كذا الثواب إنما تترتّب على حقيقة الإيمان الذي له آثار ظاهرة من الصبر عند المكاره و الصبر على طاعة الله و الصبر عن معصية الله لا على دعوى الإيمان المجرّدة.

    1. ذيل الآية ٢٣، من السورة ٤۸: الفتح.

معرفة الله ج۱

319
  • و يمكن أن يكون المراد بالعلم علمه تعالى الفعليّ الذي هو نفس الأمر الخارجيّ، فإنّ الامور الخارجيّة بنفسها من مراتب علمه تعالى، و أمّا علمه تعالى الذاتيّ فلا يتوقّف على الامتحان البتّة.

  • و المعنى: أ حَسِبُوا أن يتركوا و لا يُفتنوا بمجرّد دعوى الإيمان و إظهاره، و الحال أن الفتنة سنّتنا و قد جرت في الذين من قبلهم، فمن الواجب أن يتميّز الصادقون من الكاذبين بظهور آثار صدق هؤلاء و آثار كذب اولئك، الملازم لاستقرار الإيمان في قلوب هؤلاء و زوال صورته الكاذبة عن قلوب اولئك.

  • و الالتفات في قوله {فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ} إلى اسم الجلالة قيل: للتهويل و تربية المهابة، و الظاهر أنّه في أمثال المقام لإفادة نوعٍ من التعليل.

  • و ذلك أن الدعوة إلى الإيمان و الهداية إليه و الثواب عليه لمّا كانت راجعة إلى المسمّى بالله الذي (مِنْهُ يَبْدَا كُلُّ شَي‌ءٍ، وَ بِهِ يَقومُ كُلُّ شَي‌ءٍ، وَ إليه يَنْتَهي كُلُّ شَي‌ءٍ بِحَقيقَتِهِ.) فمن الواجب أن يتميّز عنده حقيقة الإيمان من دعواه الخالية، و يخرج عن حال الإبهام إلى حال الصراحة، و لذلك عدل عن مثل قولنا: فَلَنَعْلَمَنَّ، إلى قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ}.

  • المراد بـ «الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ» هم المشركون الذين...

  • قوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ}.

  • «أمْ» منقطعة، و المراد بقوله: {الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ}‌ المشركون الذين كانوا يفتنون المؤمنين و يصدّونهم عن سبيل الله، كما أن المراد بالناس في قوله: أ حَسِبَ النَّاسُ هم الذين قالوا: ءَامَنَّا، و هم في معرض الرجوع عن الإيمان خوفاً من الفتنة و التعذيب.

  • و المراد بقوله: {أَنْ يَسْبِقُونا}، الغلبة و التعجيز بسبب فتنة المؤمنين و صدّهم عن سبيل الله، على ما يعطيه السياق.

معرفة الله ج۱

320
  • و قوله: {ساءَ ما يَحْكُمُونَ}، تخطئة لظنّهم أنّهم يسبقون الله بما يمكرون من فتنة و صدّ، فإنّ ذلك بعينه فتنة من الله لهم أنفسهم و صدّ لهم عن سبيل السعادة؛ {وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.۱

  • ثمّ يصل العلّامة بعد بيان موجز إلى هذه الآية، فيقول في تفسيرها و تفسير الآيتينِ اللتين تعقبانها:

  • «قوله تعالى: {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. إلى تمام ثلاث آيات. لما وبّخ سبحانه الناس على استهانتهم بأمر الإيمان و رجوعهم عنه بأيّ فتنة و إيذاء من المشركين، و وبّخ المشركين على فتنتهم و إيذائهم المؤمنين و صدّهم عن سبيل الله إرادة لإطفاء نور الله و تعجيزاً له فيما شاء و خطأ الفريقين فيما ظنّوا. رجع إلى بيان الحقّ الذي لا معدّل عنه و الواجب الذي لا مخلص منه، فبيّن في هذه الآيات الثلاث أن من يؤمن بالله لتوقّع الرجوع إليه و لقائه، فليعلم أنّه آتٍ لا محالة و أن الله سميع لأقواله عليم بأحواله و أعماله، فليأخذ حذره و ليؤمن حقّ الإيمان الذي لا يصرفه عنه فتنة و لا إيذاء و ليجاهد في الله حقّ جهاده، و ليعلم أن الذي ينتفع بجهاده هو نفسه و لا حاجة للّه سبحانه إلى إيمانه و لا إلى غيره من العالمينَ، و ليعلم أنّه إن آمن و عمل صالحاً فإنّ الله سيُكفّر عنه سيئاته و يجزيه بأحسن أعماله.

  • و العلمان الأخيران يؤكّدان العلم الأوّل و يستوجبان لزومه الإيمان‌

    1. الآيتان ٤٢ و ٤٣، من السورة ٣٥: فاطر: {وَ أقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أهْدَى مِنْ إحدى الامَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زَادَهُمْ إلَّا نُفُوراً ، اسْتِكْبَاراً في الأرْضِ وَ مَكْرَ السَّيِّئِ وَ لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلَّا بِأهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلَّا سُنَّتَ الأوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَ لَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا}.

معرفة الله ج۱

321
  • و صبره على الفتن و المحن في جنب الله.

  • فقوله: {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ}، رجوع إلى بيان حال مَن يقول: آمنت فإنّه إنّما يؤمن لو صدق بعض الصدق لتوقّعه الرجوع إلى الله سبحانه يوم القيامة، إذ لو لا المعاد لَلُغِي الدين من أصله، فالمراد بقوله‌: {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ‌: مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}‌؛ أو من كان يقول: آمنت بالله. فالجملة من قبيل وضع السبب موضع المسبّب.

  • بيان العلّامة: لقاء الله لا ينحصر في القيامة

  • و المراد بـ لِقَآءَ اللهِ وقوف العبد موقفاً لا حجاب بينه و بين ربّه، كما هو الشأن يوم القيامة الذي هو ظرف ظهور الحقائق، قال تعالى:

  • {وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}.۱

  • و قيل: المراد بلقاء الله هو البعث. و قيل: الوصول إلى العاقبة من لقاء مَلَك الموت و الحساب و الجزاء. و قيل: المراد ملاقاة جزاء الله من ثواب أو عقاب. و قيل: ملاقاة حكمة يوم القيامة، و الرجاء على بعض هذه الوجوه بمعنى الخوف.

  • و هذه وجوه مجازيّة بعيدة لا موجب لها إلّا أن يكون من التفسير بلازم المعنى.

  • و قوله: {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ‌}، الأجل هو الغاية التي ينتهي إليها زمان الدين و نحوه، و قد يطلق على مجموع ذلك الزمان و الغالب في استعماله هو المعنى الأوّل.

  • و {أجَلَ اللهِ}: هو الغاية التي عيّنها الله تعالى للقائه، و هو آت لا ريب فيه و قد أكّد القول تأكيداً بالغاً، و لازم تحتّم إتيان هذا الأجل و هو يوم القيامة أن لا يسامح في أمره و لا يستهان بأمر الإيمان بالله حقّ الإيمان‌

    1. ذيل الآية ٢٥، من السورة ٢٤: النور.

معرفة الله ج۱

322
  • و الصبر عليه عند الفتن و المحن من غير رجوع و ارتداد، و قد زاد في تأكيد القول بتذييله بقوله: {وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، إذ هو تعالى لمّا كان سميعاً لأقوالهم عليماً بأحوالهم فلا ينبغي أن يقول القائل: آمنت بالله إلّا عن ظهر القلب و مع الصبر على كلّ فتنة و محنة.

  • و من هنا يظهر أن ذيل الآية: {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ}‌ من قبيل وضع السبب موضع المسبّب كما كان صدرها: {مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ}‌ أيضاً، و الأصل من قال: آمَنْتُ بِاللهِ. فليقله مستقيماً صابراً عليه مجاهداً في ربّه.

  • و قوله: {وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ}، المجاهدة و الجهاد مبالغة من الجهد بمعنى بذل الطاقة، و فيه تنبيه لهم أن مجاهدتهم في الله بلزوم الإيمان و الصبر على المكاره دونه ليست ممّا يعود نفعه إلى الله سبحانه حتى لا يهمّهم و يُلغوه لغِناهم عنه، بل إنّما يعود نَفعُهُ إليهم أنفسهم، لغناهُ تعالى عن العالمين، فعليهم أن يلزموا الإيمان و يصبروا على المكاره دونه.

  • فقوله: {وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ‌} تأكيد لحجّة الآية السابقة. و قوله: {أن‌ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ}‌ تعليل لما قبله.

  • و الالتفات من سياق التكلّم بالغير إلى اسم الجلالة في الآيتين نظير ما مرّ من الالتفات في قوله: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا}.

  • و قوله: {وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ}. بيان لعاقبة إيمانهم حقّ الإيمان المقارن للجهاد و يتبيّن به أن نفع إيمانهم يعود إليهم لا إلى الله سبحانه و أنّه عطيّة من الله و فضل.

  • و على هذا فالآية لا تخلو من دلالة ما على أن الجهاد في الله هو الإيمان و العمل الصالح، فإنّها في معنى تبديل قوله في الآية السابقة: {وَ مَنَ‌

معرفة الله ج۱

323
  • جاهَدَ} من قوله في هذه الآية: {وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ}.

  • و تكفير السيّئات هو العفو عنها، و الأصل في معنى الكفر هو الستر، و قيل: تكفير السيّئات هو تبديل كفرهم السابق إيماناً و معاصيهم السابقة طاعات، و ليس بذاك.

  • و جزاؤهم بـ {أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ}‌ هو رفع درجتهم إلى ما يناسب أحسن أعمالهم أو عدم المناقشة في أعمالهم عند الحساب إذا كانت فيها جهات رداءة و خسّة فيعاملون في كلّ واحد من أعمالهم معاملة من أتى بأحسن عمل من نوعه فتحتسب صلاتهم أحسن الصلاة و إن اشتملت على بعض جهات الرداءة و هكذا».۱

  • و عموماً، فإنّ هذه الآية الشريفة التي نحن بصددها، و بالنظر إلى ما أوردناه من تفسير العلّامة قدّس الله سرّه تبيّن بوضوح أن لقاء الله هو أمر حتميّ، و للوصول إلى ذلك، لزم أن يعمل الراغبون للقائه على حزم أمرهم و أن يتهيّأوا لذلك و يخطوا بخطوات ثابتة و بعزم راسخ للمضيّ في هذا الطريق، و ألّا يخشوا أيّة آفة أو عاهة في هذا السبيل، و ألّا يردعهم رادع أو مانع يصادفهم، و عليهم إزالة كلّ تلك الموانع بالاستعانة بالله، و لا يستوحشوا ممّا يلاقيهم من محن و اختبارات مفروضة في هذا الطريق، حتى ينعموا بوصاله سبحانه و بمدد منه. أن هذا ليس حِكراً على امّة خاتم الأنبياء، فهذه السنّة مع جميع الامم السالفة، و كلّ الأقوام المؤمنة بأنبيائها.

  • إن الأعذار لن تجدي نفعاً، و تأجيل العمل إلى الغد، لن يُثمر، و إسدال ستار الجهل و الحُمق على البصيرة يحول دون ورود النور إلى القلوب.

    1. «الميزان في تفسير القرآن» ج ۱٦، ص ۱۰۱ إلى ۱۰۷، طبعة الآخونديّ.

معرفة الله ج۱

324
  • فكيف للّه أن يُفهم عباده، و بأيّة وسيلة أو طريقة، فيعقل السفهاء، و يفيق النائمون، و ينتبه الغافلون؟

  • فوالله و تالله و بالله، لو لم تكن في القرآن كلّه إلّا هذه الآيات الأخيرة المذكورة في أوّل سورة العنكبوت، و التي تمّ تفسيرها إجمالًا من قِبَل الاستاذ العلّامة فقيد الفقه و العلم و العرفان و البصيرة و الشهود، فنقرأها و نفهمها، لكفى بها من عِبرة، فما بالك مع باقي الآيات في القرآن التي تبحث جلّها وحدة الحقّ، و وجود واجب الوجود، و التي تبيّن لنا بوضوح و صريح البيان لقاءه سبحانه.

  • أشعار المغربيّ في ضرورة المجاهدة للوصول إلى لقاء الله تعالى‌

  • نخست ديده طلب كن، پس آنگهى ديدار***از آنكه يار كند جلوه بر اولو الأبصار
  • ترا كه ديده نباشد كجا توانى ديد***به گاه عرض تجلّى جمال چهره يار
  • اگر چه جمله‌ي پرتو، فروغ حُسن وى است‌***ولى چو ديده نباشد كجا شود نَظّار
  • ترا كه ديده نباشد چه حاصل از شاهد‌***ترا كه گوش نباشد چه سود از گفتار۱
    1. يقول: «في البِدء اطلُبْ عينين، ثمّ اسأل عن اللقاء و الموعد، حتى يتجلى الحبيب لُاولي الأبصار.
      فإذا لم تكن لك عينان فأنّي لك أن تُبصر مكان تجلّي جمال مُحَيّا الحبيب؟
      إنّه و إن كان النور كلّه هو شعاع حسنه (أي الحبيب)، لكن لا يمكنك أن تكون ناظراً ما لم تكن لديك عينان تبصر بِهما.
      إذا لم تكن لديك عينان فما الفائدة من حضور الحبيب عندك، و إذا لم تكن لديك اذُنان فما فائدة التحدّث (معه)».

معرفة الله ج۱

325
  • ترا كه ديده بود پر غبار، نتوانى‌***صفاى چهره‌ي او ديد با وجود غبار
  • اگر چه آينه‌دارى براى حسن رخش‌***ولى چه سود كه دارى هميشه آينه تار
  • بيا به صيقل توحيد، آينه بزداي‌***غبار شرك، كه تا پاك گردد از زنگار
  • اگر نگار تو آئينه‌اى طلب دارد***روان تو ديده‌ي دل را به پيش او مى‌دار
  • جمال حسن ترا صد هزار زيب افزود‌***از آنكه حسن ترا مغربى است آينه‌دار۱
  • أبيات من لاميّة ابن الفارض في ضرورة المجاهدة للقاء الله تعالى‌

  • هُوَ الحُبُ‌

  • هُوَ الحُبُّ فَاسْلَمْ بِالحَشَا مَا الهوى سَهْلُ‌***فَمَا اخْتارَهُ مُضْنيً بِهِ، وَ لَهُ عَقْلُ‌
    1. يقول: «و إذا كانت عيناك مليئتين بالغبار، لن تستطيع معاينة صفاء وجهه (أي الحبيب) مع وجود ذلك الغبار.
      إنّك و إن كنت تملك مرآة لحسن مُحيّاه، لكن لا فائدة منها إذا كانت لا تُظهر الأشياء فيها بوضوح.
      تعال و أزِلْ غبار الشرك عن المرأة بمصقلة التوحيد حتى تتطهّر و تتخلّص من كلّ صدأ (بها).
      إذا كان معشوقك و حبيبك يتطلّب مرآة، لزم أن تضع عينَي فؤادك أمامه.
      لقد أضفى الجمال و الحسن عليك ألف نوع من الزينة، لأنّ «المغربيّ» هو الحامل للمرآة التي ترى فيها نفسك».
      «ديوان شمس المغربيّ» ص ٦۷ و ٦۸، طبعة الإسلاميّة، سنة ۱٣٤۸ شمسيّة هجريّة، (۱٣۸٩ هـ. ق).

معرفة الله ج۱

326
  • وَ عِشْ خالِياً، فَالحُبُّ راحَتُهُ عَنَا***وَ أوَّلُهُ سُقْمٌ، وَ آخِرُهُ قَتْلُ‌
  • وَ لَكِنْ لدى المَوْتُ فِيهِ صَبَابَةً***حَيَاةٌ لِمَنْ أهْوَى، على بِهَا الفَضْلُ‌
  • نَصَحْتُكَ عِلْماً بِالهَوَى وَ الذي أرَى‌***مُخَالَفَتِي، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَا يَحْلُو
  • فَإنْ شِئْتَ أن تَحْيَى سَعِيداً، فَمُتْ بِهِ‌***شَهِيداً وَ إلَّا فَالغَرَامُ لَهُ أهْلُ‌
  • فَمَنْ لَمْ يَمُتْ في حُبِّهِ لَمْ يَعِشْ بِهِ‌***وَ دُونَ اجْتِنَاءِ النَّحْلِ مَا جَنَتِ النَّحْلُ‌
  • تَمَسَّكْ بأذْيَالِ الهوى، وَ اخْلَعِ الحَيَا***وَ خَلِّ سَبِيلَ النَّاسِكِينَ، وَ أن جَلُّوا
  • وَ قُلْ لِقَتِيلِ الحُبِّ: وَفَّيْتَ حَقَّهُ***وَ لِلْمُدَّعِي: هَيْهَاتَ مَا الكَحِلُ الكَحَلُ‌۱
  • تَعَرَّضَ قَوْمٌ لِلْغَرَامِ وَ أعْرَضُوا***بِجانِبِهِمْ عَنْ صِحَّتِي فِيهِ وَ اعْتَلُّوا
  • رَضُوا بِالأمَانِي، وَ ابْتُلُوا بِحُظُوظِهِمْ‌***وَ خَاضُوا بِحَارَ الحَبِّ دَعْوى فَمَا ابْتَلُّوا
  • فَهُمْ في السُّرَى لَمْ يَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِهِمْ‌***وَ مَا ظَعَنُوا في السَّيْرِ، عَنْهُ وَ قَدْ كَلُّوا
    1. الكَحِل: عينٌ مكحولةٌ؛ الكَحَل: سوادُ العين خِلقة.

معرفة الله ج۱

327
  • وَ عَنْ مَذْهَبي، لَمَّا اسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى ال-***هُدَى حَسَداً مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ ضَلُّوا
  • أحِبَّةَ قَلْبِي، وَ المَحَبَّةُ شَافِعِي‌***لَدَيْكُمْ، إذَا شِئْتُمْ بِهَا اتَّصَلَ الحَبْلُ‌
  • عَسَى عَطْفَةٌ مِنْكُمْ على بِنَظْرَةٍ***فَقَدْ تَعِبَتْ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمُ الرُّسلُ‌
  • أحِبَّايَ أنْتُمْ، أحْسَنَ الدَّهْرُ أمْ أسَا***فَكُونُوا كَمَا شِئْتُمْ، أنَا ذَلِكَ الخِلُ‌
  • إ ذَا كَانَ حَظِّي الهَجْرُ مِنْكُمْ وَ لَمْ يَكُنْ‌***بِعَادٌ فَذَاكَ الهَجْرُ عِنْدِي هُوَ الوَصْلُ‌
  • وَ مَا الصَّدُّ إلَّا الوُدُّ مَا لَمْ يَكُنْ قِلى‌***وَ أصْعَبُ شَي‌ءٍ غَيْرَ إعْرَاضِكُمْ سَهْلُ‌
  • وَ تَعْذيبُكُمْ عَذْبٌ لدى وَ جَوْرُكُمْ‌***عَلَيّ بِمَا يَقْضِي الهوى لَكُمُ عَدْلُ‌
  • وَ صَبْرِيَ صَبْرٌ عَنْكُمُ، وَ عَلَيْكُمُ‌***أرَى أبَداً عِنْدِي مَرَارَتُهُ تَحْلُو
  • أخَذْتُمْ فُؤَادِي وَ هوَ بَعْضِي فَمَا الَّذي‌***يَضُرُّكُمُ لَوْ كانَ عِنْدَكُمُ الكُلُ‌
  • نَأيْتُمْ فَغَيْرَ الدَّمْعِ لَمْ أرَ وَافِياً***سِوَى زَفْرَةٍ مِنْ حَرِّ نَارِ الجَوَى تَغْلُو
  • فَسُهْدِيَ حَيّ في جُفُونِي مُخَلَّدٌ***وَ نَوْمِي بِهَا مَيْتٌ وَ دَمْعِي لَهُ غُسْلُ‌

معرفة الله ج۱

328
  • هَوى طَلَّ مَا بَيْنَ الطُّلُولِ دَمِي فَمِنْ‌***جُفُونِي جَرَى بِالسَّفْحِ مِنْ سَفْحِهِ وَبْلُ‌
  • تَبَالَهَ قَوْمِي، إذْ رَأوْنِي مُتَيَّماً***وَ قَالُوا: بِمَنْ هَذَا الفَتَى مَسَّهُ الخَبْلُ؟
  • وَ مَا ذَا عسى عَنِّي يُقَالُ سوى: غَدَا***بِنُعْمٍ لَهُ شُغْلٌ، نَعَمْ لي بِهَا شُغْلُ‌
  • وَ قَالَ نِسَاءُ الحَيّ: عَنَّا بِذِكْرِ مَنْ‌***جَفَانَا، وَ بَعْدَ العِزِّ لَذَّ لَهُ الذُّلُ‌
  • إ ذَا أنْعَمَتْ نُعْمٌ على بِنَظْرَةٍ***فَلَا أسْعَدَتْ سُعْدَى وَ لَا أجْمَلَتْ جُمْلُ‌
  • وَ قَدْ صُدِئَتْ عَيْنِي بِرُؤْيَةِ غَيْرِهَا***وَ لَثْمُ جُفُونِي تُرْبَهَا لِلصَّدَا يَجْلُو
  • وَ قَدْ عَلِمُوا أنِّي قَتِيلُ لِحَاظِهَا***فَإنَّ لَهَا في كُلِّ جارِحَةٍ نَصْلُ‌
  • حَدِيثِي قَدِيمٌ في هَوَاهَا وَ مَا لَهُ‌***كَمَا عَلِمَتْ بَعْدٌ، وَ لَيْسَ لَهُ قَبْلُ‌
  • وَ مَا لي مِثْلٌ في غَرَامِي بِهَا، كَمَا***غَدَتْ فِتْنَةً في حُسْنِهَا مَا لَهَا مِثْلُ‌
  • حَرَامٌ شِفَا سُقْمِي لَدَيْهَا رَضِيتُ مَا***بِهِ قَسَمَتْ لي في الهوى وَ دَمِي حِلُ‌
  • فَحَالِي وَ أن سَاءَتْ فَقَدْ حَسُنَتْ بِهَا***وَ مَا حَطَّ قَدْرِي في هَوَاهَا بِهِ أعْلُو

معرفة الله ج۱

329
  • وَ عِنْوَانُ مَا فِيهَا لَقِيتُ وَ مَا بِهِ‌***شَقِيتُ وَ في قَوْلِي اخْتَصَرْتُ وَ لَمْ أغْلُ‌
  • خَفِيتُ ضَنى حتى لَقَدْ ضَلَّ عَائِدِي‌***وَ كَيْفَ تَرَي العُوَّادُ مَنْ لَا لَهُ ظِلُ‌
  • وَ مَا عَثَرَتْ عَيْنٌ عَلَى أثَرِي وَ لَمْ‌***تَدَعْ لي رَسْماً في الهوى الأعْيُنُ النُّجْلُ‌
  • وَ لِي هِمَّةٌ تَعْلُو إذَا مَا ذَكَرْتُهَا***وَ رُوحٌ بِذِكْرَاهَا إذَا رَخُصَتْ تَغْلُو
  • جَرَى حُبُّهَا مَجْرَى دَمِي في مَفَاصِلِي‌***فَأصْبَحَ لي عَنْ كُلِّ شُغْلٍ بِهَا شُغْلُ‌
  • فَنَافِسْ بِبَذْلِ النَّفْسِ فِيهَا أخَا الهَوَي‌***فَإنْ قَبِلَتْهَا مِنْكَ يَا حَبَّذَا البَذْلُ‌
  • فَمَنْ لَمْ يَجُدْ في حُبِّ نُعْمٍ بِنَفْسِهِ‌***وَ لَوْ جَادَ بِالدُّنْيَا إليه انْتَهَى البُخْلُ‌
  • وَ لَوْ لَا مُرَاعَاةُ الصِّيَانَةِ غَيْرَةً***وَ لَوْ كَثُرُوا أهْلُ الصَّبَابَةِ أوْ قَلُّوا
  • لَقُلْتُ لِعُشَّاقِ المَلَاحَةِ أقْبِلُوا***إلَيْهَا عَلَى رَأيِي وَ عَنْ غَيْرِهَا وَلُّوا
  • وَ أن ذُكِرَتْ يَوْماً فَخِرُّوا لِذِكْرِهَا***سُجُوداً وَ أن لَاحَتْ، إلى وَجْهِهَا صَلُّوا
  • وَ في حُبِّهَا بِعْتُ السَّعَادَةَ بِالشَّقَا***ضَلَالًا وَ عَقْلِي عَنْ هُدَايَ بِهِ عَقْلُ‌

معرفة الله ج۱

330
  • وَ قُلْتُ لِرُشْدِي وَ التَّنَسُّكِ و التُّقَى‌***تَخَلُّوا، وَ مَا بَيْنِي وَ بَيْنَ الهوى خَلُّوا
  • وَ فَرَّغْتُ قَلْبِي عَنْ وُجُودِيَ مُخْلِصاً***لَعَلِّيَ في شُغْلِي بِهَا مَعَهَا أخْلُو
  • وَ مِنْ أجْلِهَا أسْعَى لِمَنْ بَيْنَنا سَعَي‌***وَ أعْدُو، وَ لَا أغْدُو لِمَنْ دَأبُهُ العَذْلُ‌
  • فارْتَاحُ لِلْوَاشِينَ بَيْنِي وَ بَيْنَهَا***لِتَعْلَمَ مَا ألْقَى وَ مَا عِنْدَهَا جَهْلُ‌
  • وَ أصْبُو إلى العُذَّالِ حُبَّاً لِذِكْرِهَا***كَأنَّهُمُ مَا بَيْنَنَا في الهوى رُسْلُ‌
  • فَإنْ حَدَّثُوا عَنْهَا فَكُلِّي مَسَامِعٌ‌***وَ كُلِّيَ أن حَدَّثْتُهُمْ، ألْسُنٌ تَتْلُو
  • تَخَالَفَتِ الأقْوَالُ فِينَا تَبَايُناً***بِرَجْمِ ظُنُونٍ بَيْنَنَا مَا لَهَا أصْلُ‌
  • فَشَنَّعَ قَوْمٌ بِالوِصَالِ وَ لَمْ تَصِلْ‌***وَ أرْجَفَ بِالسّلْوَانِ قَوْمٌ وَ لَمْ أسْلُ‌
  • فَمَا صَدَقَ التَّشْنِيعُ عَنْهَا لِشِقْوَتِي‌***وَ قَدْ كَذَبَتْ عَنِّي الأرَاجِيفُ وَ النَّقْلُ‌
  • وَ كَيْفَ ارَجِّي وَصْلَ مَنْ لَوْ تَصَوَّرَتْ‌***حِمَاهَا المُنَى وَهْماً، لَضاقَتْ بِهِ السُّبْلُ‌
  • وَ أن وَعَدَتْ لَمْ يَلْحَقِ الفِعْلُ قَوْلَهَا***وَ أن أوْعَدَتْ فَالقَوْلُ يَسْبِقُهُ الفِعْلُ‌

معرفة الله ج۱

331
  • عِدِينِي بِوَصْلٍ وَ امْطُلِي بِنَجَازِهِ‌***فَعِنْدِي إذَا صَحَّ الهوى حَسُنَ المَطْلُ‌
  • وَ حُرْمَةِ عَهْدٍ بَيْنَنَا عَنْهُ لَمْ أحُلْ‌***وَ عَقْدٍ بِأيْدٍ بَيْنَنَا مَا لَهُ حَلُ‌
  • لأنْتِ عَلَى غَيْظِ النَّوَى وَ رِضَى الهَوَى‌***لَدَيّ وَ قَلْبِي سَاعَةً مِنْكِ مَا يَخْلُو
  • تُرَى مُقْلَتِي يَوْماً تَرَى مَنْ احِبُّهُمْ‌***وَ يُعْتِبُنِي دَهْرِي وَ يَجْتَمِعُ الشَّمْلُ‌
  • وَ مَا بَرِحُوا معنى أرَاهُمْ مَعِي فَإنْ‌***نَأوْا صُورَةً في الذِّهْنِ قَامَ لَهُمْ شَكْلُ‌
  • فَهُمْ نُصْبُ عَيْنِي ظَاهِراً حَيْثُمَا سَرَوْا***وَ هُمْ في فُؤَادِي بَاطِناً أيْنَمَا حَلُّوا
  • لَهُمْ أبَداً مِنِّي حُنُوٌّ وَ أن جَفَوْا‌***وَ لِي أبَداً مَيْلٌ إلَيْهِمْ وَ أن مَلُّوا۱
  • اتّحاد المحبوب و المحبّ و تقارنهما في كلّ حال من الأحوال‌

  • فتوى پير مغان دارم و قولى است قديم***كه حرام است مى آنجا كه نه يارست نديم‌٢
    1. «ديوان ابن الفارض المصري» ص ٣۸ إلى ٤٢، اللاميّة، الطبعة الاولى، ۱٣۷٢ هـ. ق، دار العلم للجميع؛ و من طبعة سنة ۱٣۸٢ هـ، دار صادر- دار بيروت: ص ۱٣٤ إلى ۱٣٩؛ و في «شرح الديوان الكامل لابن الفارض» تصنيف الشيخين: حسن البورينيّ و عبد الغني النابلسيّ، (من طبعة دار التراث بيروت) ج ٢، ص ۱۰۸ إلى ۱٣٦، و لأجل التركيب الأدبيّ لهذه اللاميّة، أو للمعاني العرفانيّة الراقية التي تحملها، فقد جاء شرحها بشكل كامل و وافٍ.
    2. يقول: «أن لدى فتوى من شيخ الحانة و قول قديم له كذلك (مفادهما)، أن احتساء الخمرة حرام إذا لم يكن الحبيب موجوداً يشاركك الشراب.

معرفة الله ج۱

332
  • چاك خواهم زدن اين دلق ريائى چكنم‌***روح را صحبت ناجنس عذابى است اليم‌
  • تا مگر جرعه فشاند لب جانان بر من‌***سالها شد كه منم بر در ميخانه مقيم‌
  • مگرش خدمت ديرين من از ياد برفت‌***اى نسيم سحرى ياد دهش عهد قديم‌
  • بعد صد سال اگر بر سر خاكم گذرى‌***سر بر آرد ز گِلم رقص‌كنان عظم رميم‌
  • دلبر از ما به صد امّيد ستد أوّل دل‌***ظاهراً عهد فرامُش نكند خلق كريم‌
  • غنچه گو تنگدل از كار فرو بسته مباش***كز دم صبح مدد يابى و انفاس نسيم‌۱
    1. يقول: «سامزّق ثوب الرياء إرباً إرباً، إذ لا حيلة لي غير ذلك، لأنّ التحدّث إلى روح العاشق الطاهرة لا تتناسب و الرياء أو الخداع، لأنّ ذلك تعذيب مُؤلِمٌ للروح.
      ليتَ شفتَي الحبيب تُريق على و لو جرعة، فإنّي مُقيم عند باب الحانة سنين طوالًا.
      هل نَسيَ خِدمتي له في السابق؟ يا نسيم السَّحَر! ذَكِّره بالعهد القديم.
      (و قل له:) لو مررتَ على رفاتي بعد مضيّ مائة عام على موتي، فإنّ عظامي النخرة ستخرج من التراب و ترقص لك.
      إن الذي شغف حُبُّه قلبي كان يُمَنّينا بألف أمل و امنية للوصال، فليس حَريّ بمن كان ذا خُلُق كريم (و سجايا حميدة) أن يَنسَ (أو يَتَناسي) العهود (التي قطعها لنا).
      قل للبراعم أن لا تحزن و لا تكتئب لانغلاقها، لأنّه ستصلك من نسيم الصباح ما يُمدّك بأسباب الحياة (و ستتَفتّحين بواسطة نسيم الربيع)».

معرفة الله ج۱

333
  • فكر بهبود خود اي دل ز درى ديگر كن‌***درد عاشق نشود به، به مداواى حكيم‌
  • گوهر معرفت اندوز كه با خود ببري‌***كه نصيب دگران است نِصاب زر و سيم‌
  • دام سخت است مگر يار شود لطف خدا***ور نه آدم نبرد صرفه ز شيطان رجيم‌
  • حافظ ار سيم و زرت نيست چه شد شاكر باش***چه به از دولت لطف سخن و طبع سليم‌۱
  • عشّاق لقاء الله تعالى لا يخافون ممّا يصيبهم‌

  • و هنا يحكم العقل السليم بأن يكون القلب كلّه ملكاً للّه، بغضّ النظر عن الطقوس و العادات و التقاليد التي تشغل الإنسان عن ربّه بغيره؛ و أن يواصل الإنسان السير منفرداً في طريق الصدق، و لقاء ربّه الودود و مرضاته، منفرداً، و لو وقف بوجهه جميع العالمين، و أن ينهجَ منهج الرسول الكريم: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا

    1. يقول: «أيّها الفؤاد! إن كنتَ تبغي مداواة نفسك ففكِّر و ابحث عن وسيلة أخرى، فإنّ آلام الصَّبّ لا يشفيها دواء الحكيم.
      اكتَنِزْ لآلئ العرفان و كشف الحقيقة حتى تتمكّن من حملها معك (إلى العالَم الآخر)، في حين أنّه يتوجّب على المرء إعطاء زكاة الذهب و الفضّة إذا ما وَصَلا حدّ النصاب.
      إن الشرَكَ و المصيدة (التي نصبها الشيطان لنا) مُحكَمة و لا يمكننا الفرار منها إلّا بلُطفٍ إلهيّ، و لو لا ذلك اللطف لما استطاع آدم (أبو البشر) من التغلّب على الشيطان الرجيم.
      يا حافظ! إن لم تكن غنيّاً و لم تكن تملك الذهب و الفضّة فلا تأبَه لذلك و كن شاكراً، فلا أفضل من كونك صاحب لسانٍ ذَرب و طبع سليم و قريحة جيّدة».
      «ديوان الخواجة شمس الدين حافظ الشيرازيّ» ص ٤٩٩ و ٥۰۰، الغزلية رقم ٣٦۷، طبعة منشورات صفيّ على شاه.

معرفة الله ج۱

334
  • اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}.۱ و ينصت لنداء الحقّ القائل: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}.٢

  • و لا يكتفي بقدميه، بل زحفاً على صدره، وصولًا إلى بارئه، و أن ينطق بكلّ جوارحه ملبّياً ذلك النداء. و أن يخرج من زمرة المرتدّين، و ينضوي تحت لواء {يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ ‌، وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ‌}:

  • {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ}.٣

  • و هكذا تظلّ قصيدة الغزل التي نظمها حكيم شيراز عن عالَم الغيب تَعزف نشيد البارئ سبحانه ليظلّ صوته و صداه على الدوام في أسماع اولي البصائر.

  • دست از طلب ندارم تا كام من برآيد***يا جان رسد به جانان يا جان ز تن برآيد
  • بگشاى تربتم را بعد از وفات و بنگر‌***كز آتش درونم دود از كفن برآيد٤
    1. الآية ٢۱، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    2. آخر الآية ٩۱، من السورة ٦: الأنعام.
    3. الآية ٥٤، من السورة ٥: المائدة.
    4. يقول: «لن أكُفَّ عن البحث (عمّا أبحث) حتى أصل إلى مرادي و هدفي، و هو: إمّا أن أصل إلى حبيبي أو أهلك دون ذلك.
      انبِشْ قبري بعد وفاتي و انظُرْ، إلى الدخان الصاعد من كَفَني بسبب النار التي تستعر في داخلي».

معرفة الله ج۱

335
  • بنماى رخ كه خلقى واله شوند و حيران‌***بگشاى لب كه فرياد از مرد و زن برآيد
  • جان بر لب است و حسرت در دل كه از لبانش‌***نگرفته هيچ كامى جان از بدن برآيد
  • از حسرت دهانش آمد به تنگ جانم‌***خود كام تنگدستان كى زان دهن برآيد
  • بر بوى آنكه در باغ يابد گلى چو رويت‌***آيد نسيم و هر دم گِرد چمن برآيد
  • گويند ذكر خيرش در خيل عشقبازان***هر جا كه نام حافظ در انجمن برآيد۱
  • خبر يونس بن ظبيان في صفات اولي الألباب‌

  • نقل السيّد هاشم البحرانيّ رواية لطيفة و ظريفة عن يونس بن ظَبيان، عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام حول منهج و سلوك اولي‌

    1. يقول: «أظهِرْ مُحيّاكَ فالخَلقُ كلّه مُتيّمٌ و حيران، و افتَحْ ثغركَ حتى تصعد صرخات الرجال و النساء و تتعالى أصواتهم.
      لقد ملّ بدني و ضاق قلبي بسبب الغَمّ و الحسرة لعدم حصولي على قُبلة (من الحبيب).
      متى سيُلبّي الحبيب مطلبنا و يمنّ علينا برشفة من لُمي شفتيه؟
      لقد هبّ النسيم و طاف بالمرج كلّ لحظة على أمل أن يصافح وردة جميلة كطلعتك؟
      متى ذُكِرَ اسم حافظ في أيّ جمع للعشّاق، فإنّه يُذكَرُ بالخير و الحسني».
      ديوان «الخواجة شمس الدين حافظ الشيرازيّ» ص ٣۱٥ و ٣۱٦، الغزلية رقم ٢٣٣، طبعة منشورات صفيّ على شاه، سنة ۱٣۷٦ شمسيّة، (۱٤۱۸ ق). يبدأ عجز البيت الأوّل في هذه المجموعة، بعبارة «يا تن رسد به جانان»، و لكن ركاكة المعنى التي تُسبّبها هذه العبارة في هذه الحالة، جعلتنا نستعيض عنها بـ «يا جان رسد به جانان» التي وردت في بعض النسخ من «ديوان حافظ» و هي الأصحّ.

معرفة الله ج۱

336
  • الألباب، و كيفيّة محبّتهم للّه، و الأعمال التي يتقرّبون بها إلى الله فتوصلهم إلى لقائه و معرفته، حتى يصل في نهاية الأمر إلى أن على كلّ من يروم الوصول إلى مقام الكمال، أن يسير على نهج الأئمّة عليهم السلام حتى يتسنّى له اجتياز كلّ العقبات و الطرق الصعبة و التخلّص من حبائل الشيطان و النفس الأمّارة بالسوء، و بذلك يتمّ له الوصول إلى علم اليقين و عين اليقين و حقّ اليقين. و قد ذكر روايات عدّة في تفسير الآية الكريمة:

  • {يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ}.۱

  • منها هذه الرواية:

  • عن ابن بابويه، عن علي بن الحسين، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن محمّد بن همام، عن عبد الله بن جعفر الحميريّ، عن عمر بن على العبديّ، عن داود بن كُثَير الرقّيّ، عن يونس بن ظبيان أنّه قال: دخلتُ على الصادق عليه السلام، فقلتُ: يا بن رسول الله! إنّي دخلتُ على مالك و أصحابه فسمعتُ بعضهم يقول أن الله له وجه كالوجوه، و بعضهم يقول: له يدان، و احتجّوا لذلك قول الله تعالى: {بِيَدَيّ أسْتَكْبَرْتَ}. و بعضهم يقول: هو كالشابّ من أبناء الثلاثين! فما عندك في هذا يا بن رسول الله؟

    1. الآيات ۷۱ إلى ۷٦، من السورة ٣۸: ص، و هي: {إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ ، قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ ، قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.

معرفة الله ج۱

337
  • قال يونس: و كان متّكِئاً فاستوى جالساً و قال: اللهمَّ عَفْوَكَ! عَفْوَكَ!

  • ثمّ قال: يَا يُونُسُ! مَنْ زَعَمَ أن لِلَّهِ وَجْهاً كَالوُجُوهِ فَقَدْ أشْرَكَ. وَ مَنْ زَعَمَ أن لِلَّهِ جَوَارِحَ كَجَوَارِحِ المَخْلُوقِينَ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللهِ، فَلَا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ! وَ لَا تَأكُلُوا ذَبِيحَتَهُ! تعالى اللهُ عَمَّا يَصِفُهُ المُشَبِّهُونَ بِصِفَةِ المَخْلُوقِينَ. فَوَجْهُ اللهِ أنْبِيَاؤُهُ وَ أوْلِيَاؤُهُ.

  • وَ قَوْلُهُ: {خَلَقْتُ بِيَدَيّ أسْتَكْبَرْتَ}، فَالْيَدُ: القُدْرَةُ [كَقَوْلِهِ:] {وَ أيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} (لأنّ «أيَّدَ» من مادّة «يد». اي أن الله تعالى قوّاكم بنصره). فَمَنْ زَعَمَ أن اللهَ في شَي‌ءٍ، أوْ عَلَى شَي‌ءٍ، أوْ تَحَوَّلَ مِنْ شَي‌ءٍ إلَى شَي‌ءٍ، أوْ يَخْلُو مِنْهُ شَي‌ءٌ، وَ لَا يَخْتَلِي‌۱ مِنْهُ مَكَانٌ، أوْ يَشْغَلُ بِهِ شَي‌ءٌ؛ فَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ المَخْلُوقِينَ.

  • وَ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَي‌ءٍ. لَا يُقَاسُ بِالمِقْيَاسِ، وَ لَا يُشْبِهُ بِالنَّاسِ. وَ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ، وَ لَا يَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ. قَرِيبٌ في بُعْدِهِ، بَعِيدٌ في قُرْبِهِ. ذَلِكَ اللهُ رَبُّنَا لَا إلَهَ غَيْرُهُ.

  • فَمَنْ أرَادَ اللهَ وَ أحَبَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَهِ فَهُوَ مِنَ المُوَحِّدِينَ. وَ مَنْ أحَبَّهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَاللهُ مِنْهُ بَرِي‌ءٌ وَ نحن مِنْهُ بُرَاءُ.

  • ثمّ قال عليه السلام: أن‌ اولِى الألْبَابِ الَّذِينَ عَمِلُوا بِالفِكْرَةِ حتى وَرِثُوا مِنْهُ حُبَّ اللهِ. فَإنَّ حُبَّ اللهِ إذَا وَرِثَتْهُ القُلُوبُ اسْتَضَاءَ بِهِ وَ أسْرَعَ إليه اللُطْفُ،٢ فَإذَا نَزَلَ مَنْزِلَةَ اللُّطْفِ‌ (و نزل عليه الاسم الإلهيّ اللطيف) صَارَ مِنْ أهْلِ الفَوَائِدِ.

    1. هكذا وردت في النسخة المسجّلة، و الصحيح هو أو يختلي، و جاء في «أقرب الموارد»: الخلوة: المكان الذي يختلي فيه الرجل.
    2. جاء في «أقرب الموارد»: لَطَفَ به و- له (ن) لُطفاً: رفَق به، و- الله للعبد و بالعبد: رفَق به و أوصلَ إليه ما يُحبّ برفقٍ، و-: و عصمه فهو لطيف به، و الاسم: اللطف، و- الشي‌ء: دنا.

معرفة الله ج۱

338
  • فَإذَا صَارَ مِنْ أهْلِ الفَوَائِدِ تَكَلَّمَ بِالحِكْمَةِ. وَ إذَا تَكَلَّمَ بِالحِكْمَةِ صَارَ صَاحِبَ فِطْنَةٍ.۱ فَإذَا نَزَلَ مَنْزِلَةَ الفِطْنَةِ عَمِلَ بِهَا في القُدْرَةِ، فَإذَا عَمِلَ بِهَا في القُدْرَةِ عَمِلَ في الأطْبَاقِ السَّبْعَةِ.

  • فَإذَا بَلَغَ هَذِهِ المَنْزِلَةَ صَارَ يَتَقَلَّبُ في لُطْفٍ وَ حِكْمَةٍ وَ بَيَانٍ.

  • فَإذَا بَلَغَ هَذِهِ المَنْزِلَةَ جَعَلَ شَهْوَتَهُ وَ مَحَبَّتَهُ في خَالِقِهِ.

  • فَإذَا فَعَلَ ذَلِكَ نَزَلَ المَنْزِلَةَ الكُبْرَى؛ فَعَايَنَ رَبَّهُ في قَلْبِهِ، وَ وَرِثَ الحِكْمَةَ بِغَيْرِ مَا وَرِثَتْهُ الحُكَمَاءُ، وَ وَرِثَ العِلْمَ بِغَيْرِ مَا وَرِثَتْهُ العُلَمَاءُ، وَ وَرِثَ الصِّدْقَ بِغَيْرِ مَا وَرِثَهُ الصِّدِّيقُونَ.

  • إن الحُكَمَاءَ وَرِثُوا الحِكْمَةَ بِالصَّمْتِ. وَ أن العُلَمَاءَ وَرِثُوا العِلْمَ بِالطَّلَبِ. وَ أن الصِّدِّيقِينَ وَرِثُوا الصِّدْقَ بِالخُشُوعِ وَ طُولِ العِبَادَةِ.

  • فَمَنْ أخَذَهُ بِهَذِهِ السِّيرَةِ إمَّا أن يَسْفَلَ وَ إمَّا أن يُرْفَعَ. وَ أكْثَرُهُمُ الذي يَسْفُلُ وَ لَا يَرْفُعُ إذَا لَمْ يَرْعَ حَقَّ اللهِ وَ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا أمَرَهُ بِهِ.

  • فَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَ لَمْ يُحِبُّهُ حَقَّ مَحَبَّتِهِ.

  • (يا يونس!) فَلَا يَغُرَّنَّكَ صَلَاتُهُمْ وَ صِيَامُهُمْ وَ رِوَايَاتُهُمْ وَ عُلُومُهُمْ؛ فَإنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ.٢

  • الحجج الإلهيّة منحصرة في الأئمّة الاثني عشر

  • ثمّ قال الإمام: يَا يُونُسُ! إذَا أرَدْتَ العِلْمَ الصَّحِيحَ فَعِنْدَنَا أهْلَ البَيْتِ! فَإنَّا وَرِثْنَاهُ، وَ اوتِينَا شَرْحَ الحِكْمَةِ وَ فَصْلَ الخِطَابِ.

    1. جاء في «أقرب الموارد»: الفِطْنةُ بالكسر: الحِذق و الفهم، قد تُفسَّر بجودة تهيّؤِ النفسِ لتصوّر ما يرِدُ عليها مِن الغير؛ و يُقابلُها الغَباوة. ج: فِطَن.
    2. مقتبس من الآيتَيْن ٥۰ و ٥۱، من السورة ۷٤: المدثّر: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ}.

معرفة الله ج۱

339
  • يقول يونس: قلتُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ!

  • وَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ أهْلِ البَيْتِ وَرِثَ كَمَا وَرِثْتُمْ مِنْ على وَ فَاطِمَةَ؟!

  • قال عليه السلام: مَا وَرِثَهُ إلَّا الأئِمَّةُ الاثْنَا عَشَرَ!

  • يقول يونس: قلت يا بن رسول الله سمّهم لي!

  • قال عليه السلام: أوَّلُهُمْ‌ علي بن أبِي طَالِبٍ، وَ بَعْدَهُ الحَسَنُ وَ الحُسَيْنُ، وَ بَعْدَهُ علي بن الحُسَيْنِ، وَ بَعْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ على، وَ بَعْدَهُ أنَا، وَ بَعْدِي موسى وَلَدِي، وَ بَعْدَ موسى على ابْنُهُ، وَ بَعْدَ على مُحَمَّدٌ، وَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ على، وَ بَعْدَ على الحَسَنُ، وَ بَعْدَ الحَسَنِ الحُجَّةُ؛ اصْطَفَانَا اللهُ وَ طَهَّرَنَا، وَ آتَانَا مَا لَمْ يُوْتِ أحَداً مِنَ العَالَمِينَ.

  • قال يونس ثمّ قلتُ له: يا بن رسول الله! دخل عليك ابن عبد الله بن مسعود و سألك ما سألت فأجبته بغير ما أجبتني به.

  • قال: يَا يُونُسُ! كُلُّ امْرِئٍ مَا يَحْتَمِلُهُ! وَ لِكُلِّ وَقْتٍ حَدِيثُهُ! وَ إنَّكَ لأهْلٌ لِمَا سَألْتَهُ! فَاكْتُمْهُ إلَّا عَنْ أهْلِهِ‌!۱

  • رواية «مصباح الشريعة»: وَ أن الموقِنِينَ لَعَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ‌

  • يروي العلّامة المجلسيّ رحمه الله في «بحار الأنوار» عن «مصباح الشريعة»:

  • قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: الإخْلَاصُ يَجْمَعُ حَوَاصِلَ‌٢ الأعْمَالِ.

    1. «البرهان في تفسير القرآن» ج ٢، ص ٩٣۰، الطبعة الحجريّة، سنة ۱٣۰٢ هـ؛ و قد روي هذه الرواية شيخنا الأقدم علي بن محمّد الخزّاز القمّيّ الرازيّ مع اختلاف طفيف في الألفاظ و بنفس السند دون واسطة ابن بابويه بل عن علي بن الحسين (أبيه) مباشرة، في كتاب «كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر» ص ٢٥٥ إلى ٢٥٩، طبعة انتشارات بيدار، سنة ۱٤۰۱ هـ.
    2. جاء في «أقرب الموارد»: الحاصلُ مِن كلّ شي‌ء: ما بقي و ثبت و ذهب ما سِواه، يكونُ من الحساب و الأعمال و نحوها. و حاصل الشي‌ء: بقيّته؛ ج: حواصل. الحاصل أيضاً: ما خلَص من الفضّة من حجارة المعدن، و يقال للذي يُخلِّصُه: مُحصِّل.
      و جاء في النسخة المصحّحة و المطبوعة للشيخ المصطفويّ (مركز نشر كتاب- طهران) سنة ۱٣۷٩ هـ، ص ٥٢ و ٥٣، باب ۷٦: يَجْمَعُ فَوَاضِلَ الأعْمَالِ.
      و في نسخة الملّا عبد الرزّاق الجيلانيّ الشارح لـ «لمصباح الشريعة» الذي صحّحه السيّد جلال الدين المحدّث الارمَويّ و طبعته (انتشارات دانشگاه طهران) سنة ۱٣٤٤ هـ ج ٢، ص ۱٣٦: فَوَاضِل.

معرفة الله ج۱

340
  • وَ هُوَ معنى مِفْتَاحُهُ القَبُولُ، وَ تَوْقِيعُهَا الرِّضَا.

  • فَمَنْ تَقَبَّلَ اللهُ مِنْهُ وَ رَضِيَ عَنْهُ فَهُوَ المُخْلِصُ وَ أن قَلَّ عَمَلُهُ. وَ مَنْ لَا يَتَقَبَّلِ اللهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِمُخْلِصٍ وَ أن كَثُرَ عَمَلُهُ؛ اعْتِبَاراً بِآدَمَ عليه السلام وَ إبْلِيسَ. (إذ تُقبّل عمل آدم مع قلّته، و لم يُتقبّل عمل إبليس مع كثرته).

  • وَ عَلَامَةُ القَبُولِ وُجُودُ الاسْتِقَامَةِ بِبَذْلِ كُلِّ المُحَابِّ، مَعَ إصَابَةِ عِلْمِ‌۱ كُلِّ حَرَكَةٍ وَ سُكُونٍ.

  • فَالمُخْلِصُ ذَائِبٌ رُوحُهُ، بَاذِلٌ مُهْجَتَهُ في تَقْوِيمِ مَا بِهِ العِلْمُ وَ الأعْمَالُ وَ العَامِلُ وَ المَعْمُولُ بِالعَمَلِ. لأنَّهُ إذَا أدْرَكَ ذَلِكَ فَقَدْ أدْرَكَ الْكُلَّ. وَ إذَا فَاتَهُ ذَلِكَ فَاتَهُ الكُلُّ. وَ هُوَ تَصْفِيَةُ مَعَانِي التَّنْزِيهِ في التَّوْحِيدِ٢.

  • كَمَا قَالَ الأوَّلُ: هَلَكَ العَامِلُونَ إلَّا العَابِدُونَ؛ وَ هَلَكَ العَابِدُونَ إلَّا العَالِمُونَ؛ وَ هَلَكَ العَالِمُونَ إلَّا الصَّادِقُونَ؛ وَ هَلَكَ الصَّادِقُونَ إلَّا

    1. لا وجود لكلمة عِلم في «المستدرك».
    2. في نسخة «البحار» و «مصباح الشريعة» لحجّة الإسلام المصطفويّ كذا: في تَقْوِيمِ مَا بِهِ العِلْمُ وَ الأعْمَالُ، وَ العَامِلُ وَ المَعْمُولِ بِالعَمَلِ. و أمّا في نسخة «شرح المصباح» للملّا عبد الرزّاق الجيلانيّ، و تصحيح الارمويّ، ج ٢، ص ۱٣۷، فقد وردت العبارة الآنفة كذا: في تَقْوِيمِ مَا بِهِ العِلْمُ وَ الأعْمَالُ وَ العَامِلُ وَ المَعْمُولُ وَ العَمَلُ.
      و لهذا نقلنا العبارات التي تَلَت العبارة المذكورة هنا عن نسخة الملّا عبد الرزّاق الجيلانيّ.

معرفة الله ج۱

341
  • المُخْلِصُونَ؛ وَ هَلَكَ المُخْلِصُونَ إلَّا المُتَّقُونَ؛ وَ هَلَكَ المُتَّقُونَ إلَّا المُوقِنُونَ؛ وَ أن المُوقِنِينَ لَعَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ.

  • قَالَ اللهُ تعالى لِنَبِيِّهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حتى يَأتِيَكَ الْيَقِينُ».

  • وَ أدْنَى حَدِّ الإخْلَاصِ بَذْلُ العَبْدِ طَاقَتَهُ، ثُمَّ لَا يَجْعَلَ لِعَمَلِهِ عِنْدَ اللهِ قَدْراً فَيُوجِبَ بِهِ عَلَى رَبِّهِ مُكَافَاةً بِعَمَلِهِ. لِعِلْمِهِ أنَّهُ لَوْ طَالَبَهُ بِوَفَاءِ حَقِّ العُبُودِيَّةِ لَعَجَزَ.

  • وَ أدْنَى مَقَامِ المُخْلِصِ في الدُّنْيَا السَّلامَةُ مِنْ جَمِيعِ الآثَامِ، وَ في الآخِرَةِ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ وَ الفَوْزُ بِالجَنَّةِ۱.

    1. «بحار الأنوار» ج ۷۰، ص ٢٤٥، طبعة الدار الإسلاميّة؛ و في طبعة الكمبانيّ القديمة: ج ۱٥، من القسم الثاني، ص ۸٦، باب الإخلاص و معنى قُربه تعالى؛ و في «مستدرك الوسائل» ج ۱، ص ۱۰، الطبعة الحجريّة، مقدّمة العبادات، باب وجوب الإخلاص في العبادة و النيّة، من «مصباح الشريعة»؛ و كتاب «أسرار الصلاة» للشهيد الثاني، ص ۱٢٥، الطبعة الحجريّة، طهران سنة ۱٣۱٢، ضمن بيان أسرار النيّة من «مصباح الشريعة»؛ و «مصباح الشريعة» ص ٥٢ و ٥٣، الباب ۷٦، من طبعة مركز نشر كتاب، بتصحيح و تعليق حجّة الإسلام و المسلمين الحاجّ الشيخ حسن المصطفويّ.
      و قد أضاف الملّا عبد الرزّاق الجيلانيّ هنا شرحاً و هذه ترجمته: «و نسبَ الإتيان إلى الموت لا إلى المخاطب بسبب مرارة الموت و أن الموت ليس ممّا يمكن للإنسان أن يصله فيرضى به، إذن ففي قصّة الموت نرى وصول الموت إليه لا وصوله هو إلى الموت. أو هو إشارة إلى عِظَمِ منزلة الموت باعتبار الأهوال التي تسبقه و تخلفه. اي أنّه بسبب كون الموت مخيفاً و مهولًا فإنّ وصول العبد الضعيف إليه مُتعسّر أو قل مُتعذِّر، فإذا وقع (الموت) فإنّ ذلك مُتصوّر من قِبَل الموت لا من قِبَل العبد؛[ كما نُقِلَ‌] عن الخواجة جمال الدين محمود الشيرازيّ و الذي كان من جملة تلاميذ الملّا جلال الدوانيّ أنّه قال لُاستاذه يوماً: يا شيخنا! هل سيأتي علينا يوم يمكن لنا أن نصل فيه إلى الفضيلة و بالجملة نرتقي فيه درجات العِلم فنكون في عداد الفضلاء؟! فقال استاذه: لن تصلوا إلى الفضل أبداً، لكنّ الفضل نفسه سيصلكم! اي أن الفضيلة و العِلم سينزلان تدريجيّاً و يصلان إليكم.
      و يفسّر الصوفيّة اليقين بمرتبة الوصول إلى الحقّ. اي أن مَن وصل الحقّ عن طريق الرياضات و المجاهدات و هجر المتعلّقات البدنيّة و رفض الغواشي الهيوليّة سقطت عنه العبادات و رُفعَ عنه التكليف؛ و هذا ممّا لا معنى له على الإطلاق؛ إذ أنّه لو كان الوصول إلى أعلى مراتب الرياضة و أقصى درجاتها ينتج عنه سقوط التكاليف لكان سقوطها أوجب للأنبياء و الأوصياء».

معرفة الله ج۱

342
  • نعم رأينا في رواية اولي الألباب أن الإمام عليه السلام صرّح بمعاينة الله و مشاهدته في القلب (فَعَايَنَ رَبَّهُ في قَلْبِهِ)، و هذه إنّما تكون بجهاد النفس و الروح التي شرحها الإمام قبل هذا و أكّد أن نتيجة ذلك و ثمرته هو الورود في المنزلة الكبرى و لقاء ربّ العزّة.

  • و قد لاحظنا في هذه الرواية الأخيرة عن «مصباح الشريعة» أن النجاة إنّما تكون بالإخلاص في العمل، مؤكّدة أن البذل في سبيل المحبوب بشكل صحيح و أصيل مع العلم بصواب كلّ حركة و سكنة تؤدّي، و صهر الروح و بذل المهجة و النفس في سبيل الله، و اعتبار ذلك ميزاناً و معياراً لقبول الأعمال و الأفعال.

  • قوّة العشق الحقيقيّ هي وحدها التي تفتح سبيل الوصول إلى الله‌

  • إن الطريق الأقوم و السبيل الأرشد، هما ما سار فيه الأنبياء و النخبة من الأولياء. و هو جدّ خطير و دقيق، إنّه عشق للّه، الحيّ ذي الجلال و الواحد القهّار. و ما أخطره و ما أعظمه، و ما أكثر ما يحمل من معاني الشوق و الحبّ، حتى غدا خلاصة أعمال الكائنات و رجح على عبادة الثقلينِ.

  • إنّها قوّة الحبّ التي تزيل الموانع و تدكّ الحصون و تعين على اجتياز العقبات و السير في غمرة الظُّلمة، و تعبر بالمرء بحار الحسرة و صحاري‌

معرفة الله ج۱

343
  • الحيرة، و عوالم التيه و الضلال، و لو لا ذلك ما استطاعت جميع قوى الدنيا أن تخطو بالإنسان شبراً إلى الأمام بدون إرادة الله. أن الحبّ حلّال المشاكل و مفتاح سرّ النجاح.

  • اى رُخت چون خلد و لعلت سلسبيل‌***سلسبيلت كرده جان و دل سبيل‌
  • سبز پوشان خطت بر گرد لب‌***همچو مورانند گرد سلسبيل‌
  • ناوك چشم تو در هر گوشه‌اى‌***همچو من افتاده دارد صد قتيل‌
  • يا رب اين آتش كه بر جان من است‌***سرد كن ز انسان كه كردى بر خليل‌
  • من نمي‌يابم مجال اي دوستان***گرچه دارد او جمالى بس جميل‌۱
    1. يقول: «يا مَن وجهه كجَنّة الخُلد و شفتاه (تنبعان) ماءً سلسبيلًا، لقد أباحَ لك سلسبيلك العَذب أرواح العاشقين و قلوبهم.
      إن الشَّعْرَ الأخضر اللون الذي يعلو شفتك العُليا كأنّه نَملٌ مُصطَفٌّ أمام عين السلسبيل (الذي هو فَمُك).
      إن سهام عينيك قد أطاحت بالمئات من القتلى من أمثالي في كلّ زاوية و ركن.
      إلهي! أطفِئ النار المستعرة في داخلي و اجعلها برداً و سلاماً كما جعلتها كذلك على (إبراهيم) خليلك.
      إنّه لا سبيل و لا إذن لي (للوصول إلى جمال حبيبي و حسنه)، بالرغم من أن جماله و حُسنه لا يضاهيهما شي‌ء».

معرفة الله ج۱

344
  • پاى ما لنگ است و منزل بس دراز***دست ما كوتاه و خرما بر نخيل‌
  • شاه عالم را بقا و عزّ و ناز‌***باد و هر چيزى كه باشد زين قبيل‌۱
  • حافظ از سرپنجه عشق نگار‌***همچو مور افتاده شد در پاى پيل‌٢
  • عشق قدوة العاشقين: سيّد الشهداء عليه السلام‌

  • روي العلّامة المجلسيّ رحمه الله عن كتاب «الخرائج و الجرائح» للقطب الراونديّ رحمه الله عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنّه قال:

  • مَرَّ عليّ عليه السلام بِكَرْبَلَاءَ فَقَالَ: لَمَّا مَرَّ بِهِ أصْحَابُهُ وَ قَدِ اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ يَبْكِي وَ يَقُولُ:

  • هَذَا مُنَاخُ رِكَابِهِمْ، وَ هَذَا مُلْقَى رِحَالِهِمْ، هَا هُنَا مُرَاقُ دِمَائِهِمْ؛ طُوبَى‌

    1. و جاء في التعليقة أن البيت التالي هو من ضمن الغزليّة أعلاه كذلك:
      عقل در حسنت نمي‌يابد بَدل
      طبع در لطفت نمي‌بيند بديل يقول: «لم يَرَ (أو لم يَشهد) العقل لحُسنكَ نظيراً، و لم يجد (أو ما وَجدَ) الطبعُ بديلًا أو مِثالًا للُطفِكَ».
    2. يقول: «أن رِجلايَ عَرجاوان و المقام جَدّ بعيد، و يَدايَ قصيرتان في حين أن البَلَحَ عالٍ (لا يمكن الوصول إليه).
      فليَعِشْ سلطان العالَم و ليَدُمْ بقاؤه و عزّه و دلاله، و كلّ ما يَمتُّ له بصلة أو يختصّ به.
      لقد صار حافظ كنملة موطوءة بأقدام الفيل، و ذلك لجبروت العشق و قدرته عليه و هيمنته لقواه».
      ديوان «الخواجة شمس الدين حافظ الشيرازيّ» ص ٤۱٦، الغزليّة رقم ٣۰۸.

معرفة الله ج۱

345
  • لَكِ مِنْ تُرْبَةٍ عَلَيْهَا تُرَاقُ دِمَاءُ الأحِبَّةِ!

  • وَ قَالَ البَاقِرُ عليه السلام: خَرَجَ على يَسِيرُ بِالنَّاسِ، حتى إذَا كَانَ بِكَرْبَلَاءَ عَلَى مِيلَيْنِ أوْ مِيلٍ، تَقَدَّمَ بَيْنَ أيْدِيهِمْ حتى طَافَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ: المِقْدَفَانِ. فَقَالَ: قُتِلَ فِيهَا مِائَتَا نَبِيّ وَ مِائَتَا سِبْطٍ كُلُّهُمْ شُهَدَاءُ.

  • وَ مَنَاخُ رِكَابٍ وَ مَصَارِعُ عُشَّاقٍ شُهَدَاءَ. لَا يَسْبِقُهُمْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ؛ وَ لَا يَلْحَقُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ.۱

  • رواية ابن عبّاس في كربلاء عند الحركة باتّجاه صفّين‌

  • روى العالم الكبير و المحقّق العظيم المرحوم الحاجّ الشيخ جعفر الشوشتريّ عن مجاهد، عن ابن عبّاس أنّه قال:

  • كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام عند ما خرج إلى صفّين، فلمّا وصل إلى نينوى على شطّ الفرات، ناداني بأعلى صوته و قال: يَا بْنَ عَبَّاسٍ! أ تَعْرِفُ هَذَا المَوْضِعَ؟!

  • أجبته: كلا يا أمير المؤمنين، لا أعرفه.

  • قال عليه السلام: لَوْ عَرَفْتَهُ كَمَعْرِفَتِي، لَمْ تَكُنْ تَجُوزُهُ حتى تَبْكِيَ كَبُكَائِي‌!

  • يقول ابن عبّاس: فبكى عليه السلام حتى اخضلَّتْ لحيته الشريفة و جرت دموعه على صدره. و بكينا نحن أيضاً معه، و كان يقول:

  • أوَّهْ! أوَّهْ! مَا لي وَ لآلِ أبِي سُفْيَانَ؟! مَا لي وَ لآلِ حَرْبٍ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَ أوْلِيَاءِ الكُفْرِ؟! يَا أبَا عبد الله! فَقَدْ لَقِيَ أبُوكَ مِثْلَ الذي تَلْقَى مِنْهُمْ‌!

    1. «بحار الأنوار» طبعة الكمبانيّ: ج ٩، ص ٥۸۰؛ و طبعة آخوندي: ج ٤۱، ص ٢٩٥، الرواية رقم ۱۸، و ذكر المرحوم الشيخ جعفر الشوشتريّ القسم الأوّل من الرواية في كتاب «خصائص الحسين» عليه السلام، ص ۱۱٥ و ۱۱٦، الطبعة الحجريّة.

معرفة الله ج۱

346
  • ثمّ طلب ماءً ليتوضّأ، و صلى قدراً، و لمّا فرغ من صلاته، أخذته غفوة لساعة فلمّا أفاق نادى: يا بن عبّاس! فأجبته: لبيك.

  • قال عليه السلام: أ لَا احَدِّثُكَ بِمَا رَأيْتُ في مَنَامِي آنِفاً عِنْدَ رَقْدَتِي؟! فقلت: قد رقدت عيناك، أبشر يا أمير المؤمنين، إنّها رؤيا خير!

  • فقال عليه السلام: كَأنِّي بِرِجَالٍ قَدْ نَزَلُوا مِنَ السَّمَاءِ؛ وَ مَعَهُمْ أعْلَامٌ بِيضٌ، وَ قَدْ تَقَلَّدُوا سُيُوفَهُمْ وَ هي بِيضٌ تَلْمَعُ، وَ قَدْ خَطُّوا حَوْلَ هَذِهِ الأرْضِ خَطَّةً.

  • ثُمَّ رَأيْتُ كَأنَّ هَذَا النَّخِيلَ قَدْ ضَرَبَتْ بِأغْصَانِهَا الأرْضَ، تَضْطَرِبُ بِدَمٍ عَبِيطٍ. وَ كَأنِّي بِالحُسَيْنِ سَخْلَتِي وَ فَرْخِي وَ مُضْغَتِي وَ مُخِّي، قَدْ غَرَقَ فِيهِ يَسْتَغِيثُ فِيهِ فَلَا يُغَاثُ.

  • وَ كَأنَّ الرِّجَالَ البِيضَ قَدْ نَزَلُوا مِنَ السَّمَاءِ يُنَادُونَهُ وَ يَقُولُونَ: صَبْراً آلَ الرَّسُولِ! فَإنَّكُمْ تُقْتَلُونَ على أيْدِي شِرَارِ النَّاسِ وَ هَذِهِ الجَنَّةُ يَا أبَا عبد الله إليه مُشْتَاقَةٌ. ثُمَّ يَعُزُّونَنِي وَ يَقُولُونَ: يَا أبَا الحَسَنِ! أبْشِرْ فَقَدْ أقَرَّ اللهُ بِهِ عَيْنَكَ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ‌!

  • ثُمَّ انْتَبَهْتُ هَكَذَا! وَ الذي نَفْسُ على بِيَدِهِ، لَقَدْ حَدَّثَنِي الصَّادِقُ المُصَدَّقُ: أبُو القَاسِمِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ في خُرُوجِي إلَى أهْلِ البَغْيِ عَلَيْنَا!

  • وَ هَذِهِ أرْضُ كَرْبٍ وَ بَلَا، يُدْفَنُ فِيهَا الحُسَيْنُ عليه السلام وَ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ وُلْدِي وَ وُلْدِ فَاطِمَةَ. وَ إنَّهَا لَفِي السَّمَاوَاتِ مَعْرُوفَةٌ تُذْكَرُ أرْضُ كَرْبٍ وَ بَلَا كَمَا تُذْكَرُ بُقْعَةُ الحَرَمَيْنِ وَ بُقْعَةُ بَيْتِ المَقْدِسِ- إلى آخره.۱

    1. «خصائص الحسين» ص ۱۱٢ و ۱۱٣، الطبعة الحجريّة، سنة ۱٣۰٣ هـ.

معرفة الله ج۱

347
  • و أيضاً يروي آية الله الشوشتريّ أعلى الله مقامه: أنّه لمّا سار الحسين عليه السلام نحو المدينة حضر جماعة من الجنّ عنده، و كان عليه السلام ينوح و يقرأ المراثي في حين كانوا يستمعون له. و تفصيل الرواية أنّه لمّا حضرت مواكب الجنّ المسلمين عند الإمام عليه السلام قالوا: يَا سَيِّدَنَا! نَحْنُ شِيعَتُكَ وَ أنْصَارُكَ، فَمُرْنَا بِأمْرِكَ وَ مَا تَشَاءُ! وَ لَوْ أمَرْتَنَا بِقَتْلِ كُلِّ عَدُوٍّ لَكَ وَ أنْتَ بِمَكَانِكَ، لَكَفَيْنَاكَ ذَلِكَ!

  • فَجَزَاهُمُ الحُسَيْنُ عليه السلام خَيْراً وَ قَالَ لَهُمْ: أ وَ مَا قَرَأتُمْ كِتَابَ اللهِ المُنْزَلَ عَلَى جَدِّي رَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ:

  • {أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}؟۱

  • و يقول الله سبحانه: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‌ مَضاجِعِهِمْ}.٢

  • وَ إذَا أقَمْتُ بِمَكَانِي فَبِمَاذَا يُبْتَلَى هَذَا الخَلْقُ المَتْعُوسُ‌٣ وَ بِمَا ذَا يُخْتَبَرُونَ؟! وَ مَنْ ذَا يَكُونُ سَاكِنَ حُفْرَتِي بِكَرْبَلَا؟ وَ قَدِ اخْتَارَهَا اللهُ يَوْمَ دَحَى الأرْضَ وَ جَعَلَهُ مَعْقِلًا لِشِيعَتِنَا، وَ يَكُونُ لَهُمْ أمَاناً في الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ!

  • وَ لَكِنْ تَحْضُرُونَ يَوْمَ السَّبْتِ وَ هُوَ يَوْمُ عَاشُورَا الذي في آخِرِهِ اقْتَلُ، وَ لَا يَبْقَى بَعْدِي مَطْلُوبٌ مِنْ أهْلِي! وَ تُسْبَى أخَوَاتِي وَ أهْلُ بَيْتِي، وَ يُسَارُ بِرَأسِي إلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللهُ‌!

  • فقالت جماعة الجنّ: يا حبيب الله و ابن حبيب الله، لو لم تكن طاعتك مفروضة و لم تجز مخالفتك، لجعلنا أعداءك هباءً منثوراً قبل أن‌

    1. صدر الآية ۷۸، من السورة ٤: النساء.
    2. مقطع من الآية ۱٥٤، من السورة ٣: آل عمران.
    3. جاء في «أقرب الموارد»: تَعِسَ (ل) تَعْساً: لغةٌ فهو تَعِسٌ مثل تَعِب. و تَتعدَّى هذه بالحركة و بالهمزة فيُقال: تَعَسَه اللهُ و أتعَسَه. و منه: هو منحوسٌ متعوسٌ، تَعْساً له، اي ألزَمه اللهُ هلاكاً، و هو مفعول مطلقٌ عاملُه محذوفٌ.

معرفة الله ج۱

348
  • تصل أيديهم إليك.

  • فقال الإمام الحسين صلوات الله عليه لهم:

  • نحن وَ اللهِ أقْدَرُ عليهم مِنْكُمْ، وَ لَكِنْ‌ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‌ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.۱

  • لقاء عبد الله بن عبّاس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير مع الحسين‌

  • و ذكر أيضاً آية الله الشوشتريّ كلاماً حول مراثي سيّد الشهداء عليه السلام، و استماع عبد الله بن عمر أحياناً، و عبد الله بن الزبير أحياناً أخرى لها خارج مكّة، و هذا الكلام هو:

  • إنَّهُ لَمَّا خَرَجَ الحُسَيْنُ عليه السلام مِنْ مَكَّةَ، جَاءَ عبد الله بْنُ العَبَّاسِ وَ عبد الله بْنُ الزُّبَيْرِ، فَأشَارَا عَلَيْهِ بِالإمْسَاكِ.

  • فَقَالَ لَهُمَا: أن رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَدْ أمَرَنِي بِأمْرٍ وَ أنَا مَاضٍ فِيهِ.

  • قَالَ: فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَ هُوَ يَقُولُ: وَا حُسَيْنَاهْ!

  • عبد الله بن عمر ينصح الإمام الحسين عليه السلام بالصلح!

  • ثُمَّ جَاءَ عبد الله بْنُ عُمَرَ وَ أشَارَ إليه بِصُلْحِ أهْلِ الضَّلَالِ، وَ حَذَّرَهُ مِنَ القَتْلِ وَ القِتَالِ.

  • فَقَالَ: يَا أبَا عَبْد الرَّحْمَنِ! أ مَا عَلِمْتَ أن مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا على اللهِ تعالى أن رَأسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا اهْدِى إلَى بَغِيّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ؟!

  • أ مَا تَعْلَمُ أن بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا يَقْتُلُونَ بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ سَبْعِينَ نَبِيَّاً ثُمَّ يَجْلِسُونَ في أسْوَاقِهِمْ يَبِيعُونَ وَ يَشْتَرُونَ كَأنْ لَمْ يَصْنَعُوا شَيْئاً! فَلَمْ يُعَجِّلِ اللهُ عليهم بَلْ أخَذَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أخْذَ عَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ؟!

    1. «خصائص الحسين» ص ۱۱٩ و ۱٢۰؛ و هذه الآية هي مقطع من الآية ٤٢، من السورة ۸: الأنفال.

معرفة الله ج۱

349
  • يَا أبَا عَبْد الرَّحْمَنِ! وَ لَا تَدَعْ نُصْرَتِي‌!۱

    1. «خصائص الحسين» ص ۱٢۱ و ۱٢٢.لاحظوا! فهذا عبد الله بن عمر بن الخطّاب الذي ذكر العامّة له ما استطاعوا من مناقب و آثار حميدة؛ فعبد الله هذا يُبايع يزيد بن معاوية لعنة الله عليهما و يدع نُصرة سيّد الشهداء عليه السلام؛ و بهذا، فإنّ عبد الله بن عمر لم يُبايع لا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و لا ولده الحسين عليه السلام، بينما بايعَ الحجّاج بن يوسف الثقفيّ للخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان، بطريقة مزرية و مهينة؛ إذ قال له الحجّاج عند ما أراد عبد الله بن عمر مبايعته طالباً منه مدّ يده: لا تبايع يَدي! هاك إصبع قدمي اليُسري و بايعني عليها...! هذا، و قد كانت عاقبة عبد الله بن عمر في نهاية الأمر أن مات مسموماً على يَد الحجّاج نفسه في حال يُرثى لها.فقارنوا بينه و بين أصحاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام، الذين أحلّهم الإمام عليه السلام ليلة عاشوراء من بيعته و خيّرهم بين البقاء معه و القتال إلى جانبه، و بين الرحيل إلى ديارهم و أوطانهم مستعينين بظلمة الليل، قائلًا لهم: أن القوم إنّما يطلبونني، و لو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري!و نذكر جواب بني هاشم و الأنصار في إظهار وفائهم و فدائهم كما عبّر عنها الميرزا محمّد تقي حجّة الإسلام النيّر التبريزيّ في ديوان «آتشكده»:
      گفت ياران: كاى حيات جان ما‌***دردهاى عشق تو درمان ما
      رشته جانهاى ما در دست توست‌ ‌***هستى ما را وجود از هست توست‌
      سايه از خور چون تواند شد جدا‌***يا خود از صوتى جدا افتد صَدا
      زنده بى جان كى تواند كرد زيست‌***زندگى را بى تو خون بايد گريست‌
      ما به ساحل خفته و تو غرق خون‌***لا و حقِّ البَيتِ هَذا لا يَكون‌
      كاش ما را صد هزاران جان بدى‌***تا نثار جلوة جانان بدى‌
      يقول: قال الأنصار: يا حياة قلوبنا، أن آلام حبّك ترياقنا.و أن نسيج أرواحنا في يدك، فوجودنا نابع من وجودك.فأنّي يمكن للظلّ الانفصال عن الشمس، أو للصدا أن ينفصل عن الصوت. و كيف للحيّ أن يعيش بلا روح؟ فحياةً بدونك ينبغي أن يُذرف عليها بدل الدمع دما.أنغفوا على الساحل بينما تغرق أنت في بحر الدماء. لا و حقّ البيت هذا لا يكون.فليت لنا مائة ألف روح لننثرها أمامك فداءً لروحك يا حبيبنا».
      در به روى ما مبند اي شهريار‌***خلوت از اغيار بايد، نى ز يار
      جان كلافه، ما عجوز عشق كيش‌***يوسفا از ما مگردان روى خويش‌
      يقول: «فلا تغلق الباب في وجوهنا أيّها الملك، فالخلوة ينبغي أن تكون من الأجانب لا الأحبّاء.أرواحنا حيرى، و نحن كالعجوز العاشقة، فلا تعرض عنّا يا يوسف».
      ما به آه خشك و چشم تر خوشيم‌***يونس آب و خليل آتشيم‌
      اندرين دشت بلا تا پا زديم‌***پاى بر دنيا و ما فيها زديم‌
      يقول: «نحن سعداء بآهاتنا الحَرَّى و أعيننا المخضلّة بالدموع، كيونس في الماء، و كالخليل في النار.لقد سرنا قُدُماً في صحراء البلوى، و سحقنا بأقدامنا على الدنيا و ما فيها».لقد سرنا قُدُماً في صحراء البلوى، و سحقنا بأقدامنا على الدنيا و ما فيها».

معرفة الله ج۱

350
  • إلَّا أن سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ عَلَيهِ سَلَامُ الأوَّلِينَ وَ الآخِرِينَ، وَ الإمام إلَى قِيَامِ يَوْمِ الدِّينِ، رُوحِي وَ أرْوَاحُ العَالَمِينَ لَهُ الفِدَاء، لم ينثنِ عن رأيه و تصميمه، و سار قُدُماً بأمر الله الجليل و سنّة رسوله الكريم، و طبقاً لنظريّته و إرادته في تحقيق هذا الأمر بالتمام و الكمال، بل إنّه كان مسروراً و مغتبطاً في قيامه و ثورته ضدّ ظلم بني اميّة و يزيد، و أمسي مثلًا يُقتدى به إلى أبد الآبدين، ملخّصاً حقّه و حقّ أخيه و امّه و جدّه في ارجوزته المدوّية يوم عاشوراء:

  • كَفَرَ الْقَوْمُ وَ قِدْماً رَغِبُوا***عَنْ ثَوَابِ اللهِ رَبِّ الثَّقَلَيْنْ‌
  • و أثبت أن الوصاية تختصّ بأمير المؤمنين عليه السلام و أن إمامته هي الإمامة الحقّة، و أن حكومة يزيد المبنيّة على أساس حكومة معاوية، و على أساس حكومة عثمان و على أساس حكومة عمر، و على أساس حكومة أبي بكر، إنّما هي باطلة و جوفاء.

معرفة الله ج۱

351
  • و اعلموا يا خلق الله! و اسمعوا أيّها الناس! أن أبي وصيّ المصطفى، و هو المرتضى خليفة الحقّ. و أنا الإمام الناطق بالحقّ، و مَن له حقّ مسك زمام الامور الظاهريّة و الباطنيّة و المادّيّة و المعنويّة و سوق البشر نحو الهداية و سُبل السلام. و قيادة الناس إلى شاطئ الأمن و الأمان، و يخلفني ابني على من بعدي و هكذا حتى آخر الأئمّة المعصومين عليهم السلام، الطاهر الطهر المتمسّك بحبل الله، المعرض عن هوي النفس الأمّارة بالسوء، و حبّ الجاه، و المستند إلى عزّة صاحب العزّة، الإمام المهديّ محمّد بن الحسن العسكريّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

  • افٍّ، افٍّ لهذه الدنيا و حكومتها! افٍّ افٍّ لعالم الشهوات و التوابع!

  • أرمي الوصول إلى مأمنه، أن ربّي و محبوبي الأزليّ، الذي بذلت له مهجتي مذ كنت في حجر النبيّ قال لي: يا حسين! عليك بهذا الأمر هذا طريقك و هذا مسلكك.

  • فالنفس عزيزة على الذليل الذي يقبل بظلم دول الطغيان سابقاً و حاضراً.

  • لكنّي أنا الحسين، و نفسي عزيزة إذا بذلتها لتحرير بني البشر من براثن هؤلاء الوحوش، عندئذٍ، سأستطعم لذّة الفداء حينما أرى نفسي و أهل بيتي على هذا الطريق. هذا هو منهجي فمن أراد أن يكون حسيناً فليسلك هذا المنهج.

  • لقاء الفرزدق مع سيّد الشهداء عليه السلام في طريق الكوفة

  • و ذكر آية الله الشيخ الشوشتريّ قدّس الله تربته أن السيّد رحمه الله قال:

  • وصل خبر استشهاد مسلم بن عقيل إلى الإمام في منزل «زُبالة» إلّا أن الإمام واصل سيره حتى التقي بالفرزدق فسلّم عليه و قال:

  • يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ! كَيْفَ تَرْكَنُ إلى أهْلِ الكُوفَةِ وَ هُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ‌

معرفة الله ج۱

352
  • عَمِّكَ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ وَ شِيعَتَهُ؟!

  • يقول الراوي: فَاسْتَعْبَرَ الحُسَيْنُ عليه السلام بَاكِياً. ثُمَّ قَالَ: رَحِمَ اللهُ مُسْلِماً! فَلَقَدْ صَارَ إلَى رَوْحِ اللهِ وَ رَيْحَانِهِ وَ تَحِيَّتِهِ وَ رِضْوَانِهِ‌!

  • أمَا إنَّهُ قَدْ قَضى مَا عَلَيْهِ، وَ بَقِيَ مَا عَلَيْنَا. ثُمَّ أنْشَأ يَقُولُ:

  • فَإنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً***فَدَارُ ثَوَابِ اللهِ أعلى وَ أنْبَلُ‌
  • وَ أن تَكُنِ الأبْدَانُ لِلْمَوْتِ انْشِئَتْ‌***فَقَتْلُ امْرِئٍ بِالسَّيْفِ في اللهِ أفْضَلُ‌
  • وَ أن تَكُنِ الأرْزَاقُ قِسْماً مُقَدَّراً***فَقِلَّةُ حِرْصِ المَرْءِ للِرِّزْقِ أجْمَلُ‌
  • وَ أن تَكُنِ الأمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا‌***فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الحُرُّ يَبْخَلُ‌۱
  • و قد أنشد الميرزا سروش أبياتاً كذلك في كيفيّة استشهاد و تضحية الإمام، نقتطف منها ما يلي:

  • گفت شاها من فرشته نصرتم‌***كآمده سوى تو از آن حضرتم‌
  • آمدم از ذِروه‌ي گردون به سطح***كه منم نَصْرٌ مِنَ الله وَ فَتْح‌٢
    1. «خصائص الحسين» ص ۱٢٣.
    2. يقول: «قال: يا سلطان (الدنيا و الآخرة)! أنا المَلاك الذي جاء من لَدن الحقّ تعالى لنُصرتكَ.
      قد جئتُكَ من أعلى عِلّيّين إلى هنا، فأنا نَصرٌ من الله و الفتح».

معرفة الله ج۱

353
  • حكم كن اي أحمد معراج عشق‌***تا نه كوفه باز ماند نه دمشق‌
  • حكم كن اي أحمد روز احُد***تا بلا باريم بر اين قوم لُدّ
  • گفت: رو رو عاجزان را يار باش‌***با كه‌اى هان؟ خفته‌اى، بيدار باش‌
  • اى فرشته رو بخوان لَوْلَاكْ را***تا بدانى صانع افلاك را
  • اى فرشته هر چه آيد بر سرم‌***هيچ آوخ از درون برناورم‌
  • اى فرشته حال عشق اندر تو نيست‌***تا بدانى عاشقان را حال چيست‌
  • تو همى بينى سپاه اندر سپاه***من نمي‌بينم كسى غير از إله‌۱
    1. يقول: «فاحكُم (بِما تشاء) يا أحمد معراج الحبّ و العشق، حتى لا ابقي (علي هذه الأرض) لا الكوفة و لا دمشق.
      احكُمْ يا أحمدَ يوم احد، حتى نُمطر البلاء على هؤلاء القوم المعتدين.
      قال: ما ذا تقول؟ هل أنتَ نائم أم صاح؟ اذهَبْ، و أعِنِ الضعفاء.
      يا أيّها المَلاك! اذهَبْ و رَدِّد عبارة (لولاك)، حتى تَعلمَ مَن هو صانع الأفلاك.
      أيّها المَلاك! أن ما ينزل بي من بلاء، لن يجعلني أصرخُ أو أقول: آهٍ.
      أيّها المَلاك! (يبدو) أن العشق لمّا يدخلك بعد، لتَعلمَ حال العاشقين و حالتهم.
      أنتَ ترى جيشاً و عساكر لا غير، في حين لا أرى إلّا الإله»

معرفة الله ج۱

354
  • تو همى بينى سنان اندر سنان‌***من همى بينم جنان اندر جنان‌
  • من دوئيّت از ميان برداشتم‌***من علَم بر بام عشق افراشتم‌
  • كيستم من آفتاب شرق عشق‌***غرق عشقم غرق عشقم غرق عشق‌
  • كِى درنگد كى شكيبد اي كيا***عاشقى كه گفت معشوقش بيا
  • عون آن خواهد كه جان خواهد به تن‌***نه كسى كه عاشق جان باختن‌
  • عاشقانه رفته اندر مهلكه‌***حكم لَا تُلْقُوا به ايشان نامده‌
  • حكم لَا تُلْقُوا بود مر خام را‌ *** نه كه خاصانِ بلاآشام را۱
    1. يقول: «أنت لا ترى إلّا تصادم الأسنّة و تزاحم الرماح، و أنا لا أرى إلّا جناناً و جنّات.
      لقد أزلتُ عن نفسي الثنويّة، و رفعتُ الراية فوق صرح العشق.
      أنا لستُ إلّا شروق العشق (لا غروبه)، فأنا غارقٌ في بحر العشق و يَمّه و لُججه.
      يا عَظيم! أيّ عاشقٍ تَوقّفَ و انتظر، و قال لمعشوقه: تَعالْ؟
      إن الذي يُريد بقاء روحه داخل جسده هو الذي يحتاج إلى العَون، و ليس العاشق الذي يشتهي إزهاق روحه (في سبيل معشوقه).
      ذلك العاشق الذي رمى بنفسه وسط المهالك، فأطلِقْ عليه لَقَبَ (لا تُلقوا).
      فإنّ حُكم (لا تُلقوا) يخصّ الأغرار (الذين لا خبرة لهم في الحبّ)، و لا يسري حُكمه على الخواصّ المشتاقين إلى احتساء البلايا».

معرفة الله ج۱

355
  • مرغ آبى را بود آتش ممات‌***مرغ آتش را حيات اندر حيات‌
  • از سمندر دور ران احراق را***هين مترسان از بلا عشّاق را
  • شوق سر دادن ربوده خوابشان***انتظار صبح صبر و تابشان‌۱
  • ... حتى آخر القصيدة.٢

    1. يقول: «أن النار لتُحرقُ و تُميتُ الطائر المائيّ و حسب، لكنّ حياة طائر النار مرهونة بالنار (و بقاؤه منوط ببقائها).أبعِدِ النار عن السمندر، و لا تُرهِب العشّاق أو تُخوّفهم بالبلايا.إن هَوى الفداء و التضحية قد أقلقَ منام هؤلاء العشّاق، و ضاقت صدورهم لفرط انتظارهم إلى الصباح».
    2. لقد دوّن الحقير هذه القصيدة في كرّاسي الخطّيّ السادس ص ٥٩ و ٦۰ نقلًا عن بعض المخطوطات. و قد أورد المرحوم الحاجّ ملّا على آقا واعظ التبريزيّ الخيابانيّ ثلاثة أبيات من شعر الميرزا سروش في كتاب «وقائع الأيّام» المجلّد الخاصّ بمحرّم الحرام، من طبعة الدار الإسلاميّة، سنة ۱٣٥٤، ص ٤٥٣، و هي:
      تير بگذشت از گلوى نازكش‌***شاه را بشكافت بازو، ناوكش‌
      بازوى دست خدا را كرد چاك‌***گفت هم جنّ و ملك: تبّت يداكْ‌
      رفت از وى هوش درآغوش باب باب‌***شه ز ديده ريخت بر رويش گلاب‌
      يقول: «اخترقَ السهم نحره الرقيق، فقَطعَ شريانه (أي شريان الطفل الرضيع) و أصاب سَهمٌ آخر ذراعه (أي ذراع الأب).لقد مَزّقَ ذراع الله (بعمله هذا)، فصاحت الملائكة و الجنّ معاً: تبّتْ يداك!ففقدَ الطفلُ وعيه في حجر أبيه، فأراقَ سلطان الدنيا و الآخرة من دموعه التي تُشبه ماء الورد على مُحيّاه».و قال المرحوم المؤلّف نفسه في تعليقه: و هذا مذكور في بعض تواريخ العامّة و في «مصائب المعصومين».

معرفة الله ج۱

356
  • توجّه سيّد الشهداء عليه السلام إلى كعبة العشّاق‌

  • و في هذا الصدد، قام الشاعر الجوديّ الخراسانيّ بنظم قصيدة صوّرت هذه الواقعة أروع تصوير حين قال:

  • باشد به سوى كعبه‌ي مقصود روى ما***كآنجا برآيد آنچه بود آرزوى ما
  • ما را خيال يك سر مو نيست غير دوست‌***بر حال ما گواه بود مو به موى ما
  • تخمى فشانده‌ايم و خوريم آنگهش ثمر***كآبش دهد زمانه ز خون گلوى ما
  • گشتيم ما مسافر كوئى كه اندر او***جز تير و تيغ و نى نكند جستجوى ما
  • كرديم رو به سوى ديارى كه هر قدم‌***باشد بلا مقابل، اجل رو به روى ما
  • در كعبه‌اى مقام نمائيم كز صفا‌ *** مسجود كائنات بود خاك كوى ما۱

    1. يقول: «فلتبقَ أنظارنا مُتوجّهة نحو كعبة المقصود، حتى تتحقّق امنياتنا هناك.
      فلا شي‌ء يشغل بالنا قَيد شعرة إلّا الحبيب، و على هذا تَشهد كلّ شعرة فينا.
      لقد بذرنا حَبّاً سنأكُل ثمره بعد حين، إذ سيرويه الزمان من دماء حناجرنا.
      و قد سِرنا في طريق تُلاحقنا فيه الرماح و السهام و النبال.
      و توجّهنا إلى ديار لا نرى أمامنا إليه إلّا أجلنا في كلّ حين.
      إنّنا نُقيم في مُقام أضحى ثَراه مسجداً لكلّ الكائنات».

معرفة الله ج۱

357
  • بر قبله‌اى براى نماز آوريم روي‌***كآنجا بود ز خون سر ما وضوى ما۱
  • السَّلامُ عَليْكَ يَا أبَا عبد الله وَ على المُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ. يَا لَيْتَنَا كُنَّا مَعَكَ فَنَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً. اللهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ شِيعَتِهِ وَ حَرَمِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَ اجْعَلْنَا مِنَ الفَائِزِينَ بِإدْرَاكِ ثَارِهِ مَعَ الإمَامِ المُنْتَظَرِ حُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ العَسْكَريّ عَجَّلَ اللهُ تعالى فَرَجَهُ.

  • للّه الحمد و له المنّة على إتمام الجزء الأوّل من «معرفة الله» من القسم الأوّل من سلسلة (العلوم و المعارف الإسلاميّة) بتوفيق من الربّ الودود و رعاية الإمام الحيّ الرءوف صاحب العصر أرواحنا فداه، و ذلك في صبيحة يوم الخميس الثامن و العشرين من شهر جمادي الاولى سنة ۱٤۱٥ هـ- في مدينة مشهد المقدّسة، عَلَى ثَاوِيهَا وَ سَاكِنِهَا وَ شَاهِدِهَا آلَافُ التَّحِيَّةِ وَ الإكْرَامِ وَ الصَّلَاةِ وَ السَّلَامِ، بتحرير الحقير الفقير السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ غفر الله له و لوالديه.

  • بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ

  • مِنَ الآنَ إلَى قِيَامِ يَوْمِ الدِّينِ

  • وَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

    1. يقول: «و إنّنا نتوجّه في صلاتنا إلى قبلة ليس فيها من ماء لوضوئنا إلّا دم رؤوسنا».
      «وقائع الأيّام» المجلّد الخاصّ بمحرّم الحرام، ص ۷۸.