العرفان والتعقّل

من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

123
مشاهدة المتن

المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي

القسم الاخلاق والحکمة والعرفان


التوضيح

ما الفرق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس في الموقف من موضوع التعقّل والتحقيق والحريّة الفكريّة؟ كيف تنظر هذه المدرسة إلى أتباع الأديان الأخرى؟ وما هو الأسلوب الذي توصي به في التعاطي معهم؟
يجيب سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني رضوان الله عليه على ذلك في جزء من المحاضرة 39 من سلسلة عنوان البصريّ، وقد عملت الهيئة العلميّة على اقتطاعه بنصّه.
/٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

العرفان والتعقّل - من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • العرفان والتعقّل

  •  

  • من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

  •  

  • بحث منتخب من محاضرات 

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سرّه

  •  

  •  

العرفان والتعقّل - من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمنِ الرَّحيم‌

  • وَصَلَّى اللَه عَلى سَيَّدنا وَحَبيبِنا، أبي ‌القاسِمِ المُصطَفى مُحمَّد

  • وَعَلى آلِه الأطْيَبينَ الأطهَرين الهُداةِ المَعصومين‌

  • لاسِيَّما بقيَّةِ اللَه في الأرَضين، أرواحُنا لِتُراب مقدَمِهِ الفداء

  • وَاللَعنة عَلى أعدائهم وَمُخالِفيهم ومُنكِري حُقوقِهِم وَفَضائِلِهِم وَمَناقِبِهم‌

  • إلَى يوم الدّين‌

  •  

  •  

  • حقّ التفكير والاختيار مُتاح للجميع (خاطرة في مناقشة المحاضر لوالده رضوان الله عليهما) 

  • في فترة من الزمان، كنت بمدينة مشهد أبحث في موضوع الخُمس؛ إذ لا ينبغي على الطالب والباحث أن يُقصّر أو يتهاون في أبحاثه الفقهيّة، بل عليه أن يطرح هذه المسائل على بساط البحث؛ وهذا نظير ما يحصل في الجامعة، فحينما يريد أستاذ الجامعة التفصيل في مسألة معيّنة، والخوض في المسائل الفرعيّة والمحيطة بمرض ما مثلاً، فلا معنى لأن يتحفّظ في الكلام خوفًا من أستاذ آخر؛ فأنت الآن [أيّها الأستاذ] تُفصّل في الكلام عن خصائص هذا المرض، وتتحدّث عن المميّزات الفيزيولوجيّة للعضو الكذائيّ، وعن الأمراض التي قد تُصيبه، والحوادث التي من شأنه التعرّض لها؛ فإذا امتنعت عن البوح برأيك للتلميذ بسبب بعض الأمور الأخرى؛ نظير معارضته لرأي الأستاذ الفلانيّ، فإنّ ذلك سيُعدّ خيانة للتلميذ؛ وإذا كان هذا الرأي حقًّا، يتعيّن عليك الكشف له عنه، وإلاّ ستكون خائنًا. ففي الأبحاث العلميّة، لا يجوز للإنسان أن يتقاعس؛ وأقول للأخوة الأعزّاء: أنا لم أكن أقايس أيّ أحد بالوالد؛ فلم أكن أسعى للمقايسة من الأساس، لا أنّني أقايس بينه وبين غيره، ثمّ أقول إنّه أعلى والأخر أدون؛ بمعنى أنّني لم أكن أراه في مرتبة تقبل المقايسة مع الآخرين؛ لكن، مع ذلك، كنت أناقشه في مبانيه الفكريّة والعرفانيّة والعقائديّة؛ كأيّ طالب مع أستاذه؛ فلم يكن الأمر، بحيث كلّ ما قاله ...؛ فوظيفة الطالب هي البحث، والتحقيق، والنقاش؛ ومن الخطأ تمامًا أن يسعى الإنسان للتعبّد المحض في دائرة المباني الفقهيّة والعرفانيّة والعقائديّة؛ فمن الذي قال [خلاف ذلك]؟ صحيح، قد لا يكون للبعض القدرة على هذا الأمر، فهؤلاء لا يُكلّفون أكثر من طاقتهم، ولا يوجد لنا أيّ كلام معهم؛ لكن، ماذا عن الأفراد الذين يتمتّعون بالاستعداد الكافي، ويكون طريق البحث مفتوحًا أمامهم، والأرضيّة ممهّدة بالنسبة إليهم؟ فأنا بنفسي لم أكن بهذا النحو في علاقتي بوالدي؛ أي أنّني كنت أحاوره، وأتعبه في النقاش، بل وكان أحيانًا يصرخ في وجهي؛ والأحبّة يعلمون أنّني لم أكن أتسامح أبدًا في علاقتي الثقافيّة والعلميّة بوالدي؛ فمع أنّني كنت أعتبره رجل حقّ وصدق، وطريقَه عين الحقّ، وأراه من دون أدنى شكّ مصداقًا تامًّا للوليّ، وواصلاً إلى مقام الفناء، والبقاء بعد الفناء؛ ولا زالت أراه كذلك؛ لكنّ إدراك المباني ...؛ وحتّى هو كان يُريد منّا ذلك، ولم يكن يُبد أيّ اعتراض؛ وكان يقول لي أساسًا: «أريدك أن تكون بهذا النحو»؛ فإذا لم أكن على هذه الشاكلة، فمن يا تُرى سيكون كذلك؟ أ فلست ملزمًا بالدفاع عن المباديء؟ أ ولا ينبغي عليّ إيصال هذه الرسالة إلى الآخرين؟ فباعتباري طالبًا، وليس ابنًا له، بل بصفتي ـ أنا النوعيّ وأمثالي ـ تلميذًا لمدرسة أهل البيت، ألا يتعيّن عليّ بيان هذه المباديء الحقّة والمتقنة الصادرة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام؟ وحينئذ، ألا يتوجّب عليّ أوّلاً أن أفهمها؟ ألا يتعيّن عليّ بدايةً التوصّل بنفسي إلى هذه المسائل؟ فهل يُمكن أن تكون هذه المسائل تعبّدية؟ فالأمور التعبّدية تتعلّق بالفرد المتعبّد، وتكون خارجة عن دائرة مسؤوليّته؛ فإذا قال الرسول [مثلاً]: «عدد ركعات صلاة المغرب ثلاثة، والعشاء أربعة»؛ فإنّني سأكون ملزمًا بإيصال ذلك إلى الناس؛ وإذا قالوا: «لماذا؟»، فإنّني سأقول لهم: «اذهبوا عند النبيّ، واسألوه، فلا شأن لي بذلك»؛ فحينما يصل التعبّد إلى ذلك الفرد الذي يتلقّى الوحي بنفسه، فإنّ المسؤوليّة تقع عليه هو؛ لكن، فيما يخصّ الأسس والمباديء، عليّ أن أكون صادقًا، وأمينًا، وقادرًا على إيصال هذه المسائل إلى الناس، ومتمكّنًا من تحمّل مسؤوليّتها والدفاع عنها. ففي كلّ فرع من الفروع العلميّة، ينبغي على الذين طووا مراحل متقدّمة تقديم أطروحة لنيل شهادة الدكتوراة مثلاً؛ فيُقال لهم: لا فائدة من هذه الأطروحة من دون أن تأتي، وتُدافع عنها، وتُبيّن المصادر والمراجع التي استندت إليها في كلامك، والأدلّة التي أقمتها عليه؛ حتّى نرى هل يُمكن الاعتماد عليها، أم لا، وهل تحترم المعايير الدوليّة، أم لا. فإذا اكتشفوا مثلاً أنّه قرأ تقريرًا في مجلّة ما، ووضعه في أطروحته كمستند، فإنّهم لن يقبلونه منه، ويقولون له: عليك أن تتوفّر على مستند [معتبر]، وهكذا مستند يحتاج إلى المطالعة، والتفحّص، والتأمّل، وبذل الجهد؛ هل التفتّم؟ فالمسألة بهذا النحو! ولهذا، فإنّ المجتمع الذي يتكّيء على التعبّد لا يترقّى ثقافيًّا؛ وأمّا إذا استعان المجتمع بالتعقّل والتفكير في بحثه للمسائل، فلن يُسمح فيه لأيّ واحد كيفما كان أن يُبرز نفسه، ويتعدّى حدوده؛ هل التفتّم؟ لماذا؟ لأنّ أفراده سيسعون إلى الفهم، والتفكير، ويقولون: إنّنا نملك نفس الحقّ الذي تملكونه أنتم من الحياة والفكر والاختيار؛ وإنّ التفكير واختيار الطريق هو حقّ ممنوح، فلماذا تسلبونه؟ ولماذا يكون متاحًا لكم، وممنوعًا علينا؟

العرفان والتعقّل - من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

3
  • لا أعلم، لعليّ حدّثت الرفقاء بالمسألة التالية بصفتها من المسائل التي يذكرها البعض عنّي، ويجعلونها من نقاط الضعف، لكن ...؛ فقد دار بيني وبين المرحوم العلاّمة بحثٌ بشأن مسألة توحيديّة قرابة ثلاث أو أربع سنوات، حيث تحاورنا حولها سبع أو ثمان مرّات في جلسات كانت تمتدّ لثلاث ساعات؛ ففي كلّ مرّة كنت أذهب إلى مشهد، أو في كلّ مرّتين أو ثلاث مرّات، كانت تُثار هذه المسألة؛ فأحيانًا، كان يطرحها هو بنفسه، وأحيانًا أخرى، كنت أطرحها أنا؛ واستمرّ الحال بهذا النحو، من دون أن نصل إلى نتيجة، أو ...؛ وخلاصة القول، إنّ المسألة كانت واضحة بالنسبة إليه، وغير مفهومة بالنسبة إليّ؛ فقلت: عليّ أن أفهمها. وحينما رأيت أنّ المسألة بهذا النحو، قرّرت التوقّف، وعدم الاستمرار [في مناقشته]، وقلت: عليّ أن أفهم؛ فهذا لا يجوز! لكن، في الوقت ذاته، كنت أعلم أنّ المسألة واضحة لديه كوضوح الشمس في رائعة النهار؛ فاستمرّ الأمر بهذا النحو، إلى أن سافرت آخر مرّة إلى مشهد، وتوفّقت لرؤيته، حيث ارتحل إلى جوار ربّه بعد هذا السفر؛ ومرادي منه ذلك السفر قبل سفري الأخير حينما تعرّض لنوبة قلبيّة عصر الجمعة على ما يبدو، وأخذوه إلى المستشفى، وكنّا في طهران، فاتّصلوا بنا من مشهد، فذهبت في تلك اللحظة برفقة أخي الأكبر، وتمكّنت من رؤيته في المستشفى؛ فقبل هذا السفر الأخير، تشرّفت بالذهاب إلى مشهد في أواخر فصل الشتاء؛ فكان [المرحوم الوالد] جالسًا تحت الكُرسيّ۱، حيث كان يستعمله دائمًا؛ فقد كانت غرفته باردة، ولم يكن يُشعل المدفئة إلاّ نادرًا، وذلك لكي يُخفّف قليلاً من شدّة البرودة. فكنّا جالسين تحت الكرسيّ، ونمزح مع بعض بشأن مسألة لا أتذكّرها؛ فقال لي فجأة: «يا فلان! إنّ الحقّ معك في تلك المسألة التي كنّا نتباحث بشأنها طيلة هذه المدّة المديدة»؛ أي أنّه كان يعلم بحقيقة الأمر، لكنّ المسألة هي بهذا النحو، ثمّ ذكر مسألة معيّنة، وقال: «حتّى أنا أذهب إلى هذا الرأي، وأعلم أنّ المسألة يجب أن تكون بذلك الشكل، لكنّنا كنّا نباحثها نظريًّا»؛ والحاصل أنّه كان يُريد القول: 

    1. الكُرسي‌: وسيلة للتدفئة؛ وهي أشبه بالمنضدة المنخفضة توضع تحتها وسيله للتدفئة، ويُبسط عليها لحاف في الشتاء، فيجلسون تحت اللحاف حولها للتدفئة؛ وهي مشهورة في إيران. المعرّب

العرفان والتعقّل - من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

4
  • «حلواى تن‌تنانى تا نخورى ندانى!»۱؛ فيتوجّب على الإنسان الوصول، وإدراك هذه المسألة بالشهود؛ وأمّا من ناحية عقليّة وفلسفيّة، فإنّ المسألة كما جرى طرحها.

  • الفارق بين مدرسة العرفان وبقيّة المدارس (كيف كانت دعوة العلاّمة إلى السيّد الحدّاد؟)

  • فهذا هو منهج الأولياء؛ إذ لا يوجد في منهجهم: «اصمت، لا تنبس ببنت شفة، لا تتكلّم!»؛ اذهبوا وطالعوا كتاب الروح المجرّد، وسترون ماذا كان المرحوم العلاّمة يقوله لأحبّائه وتلامذته بشأن السيّد الحدّاد: اذهب أيّها السيّد وتحدّث مع السيّد الحدّاد، وناقشه! أ لم يقل ذلك لأحدّ أحبّته في طهران؛ أي حضرة آية الله السيّد إبراهيم الكرمانشاهيّ حفظه الله تعالى؛ وهو رجل فاضل وعظيم جدًّا، ومن الناس الطيّبين حقًّا، وذوي النيّات الصافية والسجّية الطاهرة، ومن أهل الله تعالى.. ندعو الله تعالى أن يُكثّر من أمثاله بين المسلمين؛ فحينما سأل المرحوم العلاّمة عن السيّد الحدّاد، لم يقل له: «هذا هو رأيي عنه، وعليك ...»؛ حسنًا، هذا الرأي يخصّك أنت، فما شأني بذلك؟ لكن، ما هو الواجب عليّ أنا فعله؟

  • فلم يقل له: «لقد أوحي إليّ أنّ السيّد الحدّاد كذا». حسنًا، لقد أوحي إليك أنت، وليس إليّ أنا؛ ولم يقل له: «لقد رأيت في المنام أنّ السيّد الحدّاد مثلاً كذا وكذا»؛ لأنّه سيقول له: «حسنًا، أنت رأيت ذلك في المنام، وأمّا أنا، فلم أره»؛ وانتهى الأمر، أي أنّ الطريق حينئذ سيكون مسدودًا؛ ولم يقل له: «أنا الآن أشعر بذلك»؛ لأنّه سيقول له: «أنا لا أشعر به؛ وعليّ أن أشعر به بنفسي؛ فإذا كنت تشعر أنت بذلك، فاذهب عند السيّد الحدّاد، فأنت أعلم بحالك، والله أعلم بك».

  • لقد نطق بكلام يتطابق مع كلام الأنبياء، حينما يقولون: «تعالوا، تعالوا وانظروا، تعالوا واسألوا، فإذا ارتضيتم هذا الكلام، فآمنوا، وإذا لم ترتضوه، فلديكم حجّة عند الله تعالى»؛ فقام، وذهب عند السيّد الحدّاد، وتحاور معه، وصار مقتنعًا حينما رأى بأنّه يُخبر عن الباطن والظاهر، ويتحدّث عن المسائل العلميّة المبثوثة في كتابي الفتوحات والفصوص لمحيي الدين، وكتاب الأسفار لصدر المتألّهين؛ وهي مسألة غير هيّنة يا عزيزي! حيث يأتي رجل درس كتاب جامع المقدّمات فقط، ولم يصل حتّى إلى كتاب السيّوطي، ويُثير أعوص المسائل العرفانيّة المطروحة في كتاب الفتوحات وكتب الملاّ صدرا، ويُشكل عليها؛ فهذا ليس أمرًا هيّنًا. لقد كانوا يأتون عنده، ويتحدّثون معه، فينتهي الأمر.

    1. يقول: (ما لم تتذوّق الحلوى، فلن تُدرك [طعمها]) وهو مثل فارسيّ يُقال لمن يسأل عن أمر لا يمكن بيانه بالكلام، بل لابدّ لمن أراد أن يفهمه من التجربة بنفسه.

العرفان والتعقّل - من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

5
  • دعوة مدرسة العرفان جميع أهل الأديان والمدارس إلى البحث والتعقّل

  • وهذا هو منهج العرفان؛ وفي هذه الحالة، تعالوا، وانظروا الفارق بين مدرسة العرفان، وبين بقيّة المدارس والتيّارات؛ فطريق العرفان مفتوح، ويحتضن الجميع؛ فهو يُرحّب بالشيعيّ، والسنّي، واليهوديّ، و...، ويقول: تعالوا بأجمعكم، واسمعوا كلّكم، وافهموا جميعًا، وفكّروا بأسركم، ثمّ اتّخذوا قراركم بعد ذلك. فحينما يلتقي باليهوديّ، لا يعبس، ولا يُقطّب في وجهه؛ لأنّه عبد من عبيد الله تعالى أيضًا؛ وحينما يصل إلى المسيحيّ، لا يستقبله بوجه متجهّم، ولا يقول: «ما هذا؟ إنّه مسيحيّ! اذهب من هنا، ارحل من هنا، لا تلمس أيّ شيء، فأنت نجس!»؛ لا يا عزيزي، فأوّلاً، المسيحيّ واليهوديّ غير نجسين؛ وثانيًا، إنّهما من البشر؛ وكما جاء الدين لأجلنا نحن، فقد جاء لأجلهما أيضًا؛ وإلاّ، فلمن أتى الرسول بهذا الدين؟ فنحن لم نكن متواجدين في تلك الفترة، حتّى ندّعي بأنّنا وُلدنا من أبوين مسلمين؛ بل إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم أتى بهذا الدين لأولئك اليهود والنصارى الذين جعلونا مسلمين إلى هذا العصر؛ أي أنّهم أسلموا، وصارت الأجيال من بعدهم مسلمة، إلى أن وصل الدور إلينا؛ ثمّ نأتي نحن، ونفتخر مجّانًا بكوننا مسلمين؛ أي أنّنا وُلدنا مسلمين من تلقاء أنفسنا، وبشكل فطريّ؛ ومن هنا، فإنّ هذا الدين حيّ الآن، وهذا الطريق مفتوحٌ الآن للجميع: للمُلحِد، واليهوديّ، والبوديّ، والشيوعيّ، وأبوابُه مشرعةً أمام كلّ الجنسيّات: أمام الفرنسيّ، والأمريكيّ، والصينيّ، واليابانيّ؛ فكلّ من أتى، فهو مُرحّب به، وأيّ واحد اعتقد بهذه المباديء، وقَبِل بهذه المسائل، فهو في كنف الإسلام؛ وكلّ من لم يأت، فقد أغلق على نفسه طريق الحقّ والحقيقة، وحرمها من هذه النعمة؛ فهذا هو دين الرسول، ودين الأئمّة. فحينما كان يأتي ذلك الشابّ النصرانيّ عند النبيّ، ويُسلم، ويقول: «أبواي نصرانيّان»، ويُريد الرجوع، هل كان الرسول يقول له: «لا تنظر إليهما من الآن فصاعدًا! ولا تمدّ يديك إلى طعامهما! ولا تعتن بهما بتاتًا! والجأ إلى سبّهما، وشتمهما، ومواجهتهما بكلام بذيء!»؟ لا، بل كان يقول: «زد من محبّتك لهما، وابتسم في وجهيهما أكثر»؛ فهذه هي أوامر النبيّ، وليست أوامري أنا.

العرفان والتعقّل - من أهمّ الفوارق بين مدرسة العرفان وغيرها من المدارس

6
  • جاء أحد الرفقاء عند المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه، وقال له: «والدي شيوعيّ، فكيف أتعامل معه؟»؛ فقال له: «كما كنت ستتعامل معه لو أنّه كان مسلمًا»؛ فتراجع أبوه! فهل هذه هي تعاليم النبيّ، أم أن يأتي، ويقول: «اضربوه، أخرجوه، افعلوا له كذا وكذا، ولا تفسحوا له المجال أبدًا!»؟ فلو كان الأمر بهذا النحو، لما بقي لهذا الدين أيّ أحد، ولما ظلّ أحدٌ هنا، ولانسدّ الطريق، وحُرم المجتمع من الوصول إلى المراتب العالية. مرّةً أخرى لم نُكمل حديثنا عن هذا الموضوع، وسنكله إلى فرصة قادمة إن شاء الله تعالى.

  • نرجو من العليّ القدير أن يُنير قلوبنا على الدوام بأنوار هداية أوليائه، والأئمّة المعصومين عليهم السلام، ويُعجّل في فرج إمام الزمان عليه السلام، ويجعلنا من منتظريه وأنصاره وشيعته الحقيقيّين، ومن الذابّين عن حريم قُدسه وطهارته.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد۱

    1. [ملاحظة: اقتطعت هذه المقالة من عنوان البصري الكثرات والاعتبارياتالجلسة ٣٩ - الأضرار النفسية والاجتماعية لتضخيم الشخصية من الصفحة ۱٤ حتّى نهاية المحاضرة، وقد جرى تعديل وإضافة في بعض العناوين بما يناسب المقام والسياق].