المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم التاريخ و الاجتماع
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- تمهيد؛
- أمر رسول اللـه بخروج وجوه المهاجرين والأنصار في جيش أسامة؛
- خطبة رسول اللـه في التمسّك بالثقلين؛
- استغفار رسول اللـه لموتى البقيع وإخباره بإقبال الفتن؛
- إمامة الرسول للصلاة حال مرضه وعدم السماح لأبي بكر وعمر بذلك؛
- منع عمر جلب الكتف والدواة وقذفه النبيّ بالهجر.
هو العليم
آخر الأيام والساعات من حياة سيّد الكائنات صلى الله عليه وآله
البحث الثاني
بحث منتخب من «معرفة الإمام»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
أعوذ بالله من الشيطان
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصلّى االله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجْمَعِينَ من الآن إلى قيام يوم الدين
ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم
[لقد تعرض العلاّمة الطهراني في البحث الأوّل لبيان سبب محنة رسول الله في مرضه الذي مات فيه، فبيّن أنّه يعود معظمها إلى رحمته بالمسلمين، إذ كان يرى أمّته بلا راعٍ، وكان يدرك ويفهم جيّدًا الخطط المدروسة المدبّرة لعزل أمير المؤمنين عليه السلام، وترك الأمّة بلا إمامٍ ووليٍ.
وفي هذا البحث سيتعرّض لآخر تدابير النبيّ في حفظ أمته من تجهيزه جيش أسامة، ووصيّته في حفظ الثقلين وغيرها من الأحداث التي سبقت موته صلّى الله عليه وآله]
تمهيد
قال ابن أبي الحديد: وممّن دخل بيت فاطمة مع عُمَر وعصابته: أُسَيْد بن حُضَيْر، وسَلَمَة بن سَلَامَة بن قُرَيش، وقيس بن شمّاس، وعبد الرحمن بن عوف، ومحمّد بن مَسْلَمة وهو الذي كسر سيفَ الزبير.۱
وكان هؤلاء رجالًا معروفين مشهورين بارزين، خُدع عوامّ الناس بإجرائهم المذكور فساروا خلفهم كالدهماء. وتمّ التحرّك نحو الكفر والضلال والارتداد عن محور الولاية التي تمثّل روح النبوّة وحقيقتها من قبل شرذمةٍ قليلة، وسلك سائر الناس مسلكهم كالهمج الرعاع.
أمر رسول اللـه بخروج وجوه المهاجرين والأنصار في جيش أسامة
و[كان] النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ وهو على فراش الاحتضار ـ [قد عقد] لواء الحرب لشابٍّ يدعى أسامة، وأمره بالخروج من المدينة فورًا. وأصدر أمرًا جازمًا جادّاً يقتضـي خروج جميع الوجوه المعروفة ـ الذين ذكر أسماءهم واحدًا بعد آخر ـ تحت لواء أسامة.
وكان هدف رسول الله ـ وهو يرى دنوّ أجله ـ من ذلك التأكيد والإبرام والإصرار بعد الإصرار، ولَعْنِ المتخلّفين عن جيش أسامة بذلك التعجيل والتشديد، هو إخلاء المدينة من شرّ وجود أولئك المدّعين الأظآر٢، وتمهيد الأرضيّة لاستقرار حكومة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليتحقّق أمر الخلافة بلا منازع ينازعه، ولا تكن هناك عقبة في طريقه.
وهل يُرتجى هدفٌ غير هذا من وراء تعبئة ذلك الجيش العظيم بقيادة شابٍّ كأسامة، وأمر المشيَخَة أن ينضووا تحت لوائه ويعملوا بأوامره والتعجيل في تحرّكه وخروجه؟!٣
قال ابن سعد في «الطبقات الكبرى»: لمّا كان يوم الأربعاء في أواخر صفر من السنة العاشرة من الهجرة بُدئ برسول الله صلّى الله عليه وآله فحُمّ وصُدّع: فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لأُسامة لواءً بيده ثمّ قال: «اغز باسم الله في سبيل الله فقاتِل من كفر بالله!».
فخرج بلوائه معقودًا وعسكر بالجُرْف. فلم يبق أحدٌ من وجوه المهاجرين والأنصار إلّا انتُدِبَ في تلك الغزوة، فيهم: أبو بكر، وعمر بن الخطّاب، وأبو عبيدة الجرّاح، وسعد بن أبي وقّاص، وسعيد بن زيد، وقُتادة بن النعمان، وسَلِمة بن أسلم بن حريش. فتكلّم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين. فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله غضبًا شديدًا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال:
أمّا بعد؛ أيّها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة. ولئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه! زيد بن حارثة من قبله! وأيم الله إن كان للإمارة لخَليقًا وإنّ ابنه من بعده لخليقٌ للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ. وأنّهما لمُخيلان لكلّ خير. واستوصوا به خيرًا فإنّه من خياركم.۱
قال هذا ثمّ نزل من المنبر، وذلك يوم السبت...
وثقل رسول الله فجعل يقول: أنْفِذُوا بَعْثَ أسَامَة.٢
ذكر ابن هشام في سيرته أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله استبطأ الناس في بعث أسامة (بن زيد) وهو في وجعه. فخرج عاصِبًا رأسه حتّى جلس على المنبر. وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة: أمّر غلامًا حَدَثًا على جِلّة المهاجرين والأنصار. فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل، ثمّ قال: أيّها الناس! انفذوا بعث أسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله. وإنّه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقاً لها.٣
ثمّ نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وانكمش (أسرع) الناس في جهازهم.٤
خطبة رسول اللـه في التمسّك بالثقلين
روى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخُدريّ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال:
إنِّي أُوشِكُ أن أُدْعَى فَأُجيبَ، وإنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي، كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلَى الأرْضِ وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي. وإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ أخْبَرَنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخَلِّفُونِّي فِيهِمَا!۱
قال الشيخ المفيد في «الإرشاد»: ثمّ كان ممّا أكّد له رسول الله صلى الله عليه وآله من الفضل وتخصّصه منه بجليل رتبته ما تلا حجّة الوداع من الأمور المتجدّدة لرسول الله صلّى الله عليه وآله والأحداث التي اتّفقت بقضاء الله وقدره. وذلك أنّه تحقّق من دنوّ أجله ما كان قدّم الذكر به لأُمّته. فجعل يقوم مقامًا بعد مقام في المسلمين يحذّرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكّد وصايته بالتمسّك بسنّته والإجماع عليها والوفاق، ويحثّهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم في الدين، ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد. وكان فيما ذكره من ذلك صلّى الله عليه وآله ما جاءت به الرواية على اتّفاق واجتماع من قوله:
أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي فَرُطُكُمْ وأنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ. ألَا وإنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ الثَّقَلَيْنِ!
فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا، فَإنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ نَبَّأنِي أنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَلْقَيَانِي. وسَألْتُ رَبِّي ذَلِكَ فَأعْطَانِيهِ. ألَا وإنِّي قَدْ تَرَكْتُهُمَا فِيكُمْ: كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي، لَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَفَرَّقُوا، ولَا تَقْصُرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا، ولَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإنَّهُمْ أعْلَمُ مِنْكُمْ.
أيُّهَا النَّاسُ! لَا أُلْفِيَنَّكُمْ بَعْدِي تَرْجِعُونَ كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ! فَتَلْقَوْنِي في كَتِيبَةٍ كَبَحْرِ السَّيْلِ الجَرَّارِ! ألَا وإنَّ عَلِيّ بْنَ أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أخِي ووَصِيِّي، يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى تَأوِيلِ القُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ.
وَكَانَ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ يَقُومُ مَجْلِساً بَعْدَ مَجْلِسٍ بِمِثْلِ هَذَا الكَلَامِ ونَحْوِهِ.
ثُمّ إنّه عقد لأُسامة بن زيد بن حارثة الإمرة، وأمره وندبه أن يخرج بجمهور الأمّة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه عليه السلام على إخراج جماعة من مقدّمي المهاجرين والأنصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة ويطمع في التقدّم على الناس بالإمارة، ويستتبّ الأمر لمن استخلفه من بعده، ولا ينازعه في حقّه منازع. فعقد له الإمرة على ما ذكرناه، وجدّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في إخراجهم، وأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحثّ الناس على الخروج إليه والمسير معه، وحذّرهم من التلوّم والإبطاء عنه.
وَلَا كَانَ في بَعْثِ ابن زِيدٍ مُؤَمَّرا | *** | عَلَيْهِ لِيُضْحِى لإبْنِ زَيْـدٍ مُؤَمَّرا |
وَ لَا كَانَ يَوْمَ الغَارِ يَهْفُوا جَنَانُهُ | *** | حِذَاراً ولَا يَـوْمَ العَرِيشِ تَسَتَّرَا |
وَ لَا كَانَ مَعْزُولًا غَدَاةَ بَرَاءَةٍ | *** | وَ لَا في صَلَاةٍ أمَّ فِيهَا مُؤَخّـــــَرَا |
فتى لَمْ يُعَرِّقْ فِيهِ تَيْمُ ابْنُ مُرَّةٍ | *** | وَ لَا عَبـَدَ اللَّاتَ الخَبِيثَةَ أعْصُـرَا |
إمَامُ هُدى بِالقُرْصِ آثَرَ فَاقْتَـضَى | *** | لَهُ القُـــــــرْصُ رَدَّ القُرْصِ أبْيَضَ أزْهَرَا |
يُزَاحِمُهُ جِبرِيلُ تَحْتَ عَـبَاءَةٍ | *** | لَهَا قِيلَ: كُلّ الصَّيْدِ في جَانِبِ الفَرَا |
استغفار رسول اللـه لموتى البقيع وإخباره بإقبال الفتن
فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفّي فيها. فلمّا أحسّ بالمرض۱ الذي عراه، أخذ بِيَدِ عليّ عليه السلام واتّبعه جماعة من الناس وتوجّه إلى البقيع. فقال للذي اتّبعه: إنّي قد أُمرت بالاستغفار لأهل البقيع، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ القُبُورِ، لِيَهْنِئْكُمْ مَا أصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ! أقْبَلَتِ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يَتْبَعُ أوَّلَهَا آخِرُهَا.
ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلًا. وأقبل على أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: إنّ جبرائيل كان يعرض عَلَيّ القرآن في كلّ سنةٍ مرّةً، وقد عرضه عَلَيّ العام مرّتين ولا أراه إلّا لحضور أجلي. ثمّ قال: يا عليّ! إنّي خُيِّرتُ بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنّة، فاخترت لقاء ربّي والجنّة. فإذا أنا مِتُّ فاغسلني واستر عورتي، فإنّه لا يراها أحد إلّا أكمه. ثمّ عاد إلى منزله، فمكث ثلاثة أيّام موعوكًا، ثمّ خرج إلى المسجد معصوب الرأس معتمدًا على أمير المؤمنين عليه السلام بيُمنى يديه، وعلى الفضل بن العبّاس باليد الأخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه ثمّ قال: مَعَاشِرَ النَّاسِ! قَدْ حَانَ مِنِّي خُفُوقٌ مِنْ بَيْنِ أظْهُرِكُمْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي عِدَةٌ فَلْيَأتِنِي أُعْطِهِ إيَّاهَا! ومَنْ كَانَ لَهُ عَلَيّ دَيْنٌ فَلْيُخْبِرْنِي بِهِ! مَعَاشِرَ النَّاسِ! لَيْسَ بَيْنَ اللهِ وبَيْنَ أحَدٍ شَيءٌ يُعْطِيهِ بِهِ خَيْراً أو يَصْرِفُ عَنْهُ بِهِ شَرّاً إلَّا العَمَلُ! أيُّهَا النَّاسُ! لَا يَدَّعِي مُدَّعٍ ولَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، والذي بَعَثَنِي بِالحَقِّ نَبِيّاً لَا يُنْجِي إلَّا عَمَلٌ مَعَ رَحْمَةٍ، ولَوْ عَصَيْتُ لَهَويْتُ. اللَهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟!٢
إمامة الرسول للصلاة حال مرضه وعدم السماح لأبي بكر وعمر بذلك
ثمّ نزل صلّى الله عليه وآله فصلّى بالناس صلاة خفيفة. ثمّ دخل بيته، وكان إذ ذاك في بيت أُمّ سلمة رضي الله عنها فأقام به يومًا أو يومين. فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولّى تعليله، وسألت أزواج النبيّ في ذلك، فأذِنَّ لها، فانتقل إلى البيت الذي أسكنه عائشة، واستمرّ به المرض فيه أيّاماً وثقل. فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله صلّى الله عليه وآله مغمور بالمرض فنادى: الصَّلَاةُ يَرْحَمُكُمُ اللهُ. فأُوذن رسول الله بندائه فقال: يصلّي بالناس بعضُهم فإنّي مشغول بنفسي، فقالت عائشة: مُروا أبا بكر. وقالت حفصة: مروا عمر. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله حين سمع كلامهما ورأى حرص كلّ واحدةٍ منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك ورسول الله حيٌّ! اكْفُفْنَ فَإنَّكُنَّ صُوَيْحبَاتُ يُوسُفَ! ثمّ قام صلّى الله عليه وآله مبادرًا خوفًا من تقدّم أحد الرجلين وقد كان أمرهما بالخروج مع أسامة ولم يكن عنده أنّهما قد تخلّفا! فلمّا سمِعَ من عائشة وحفصة ما سمع علم أنّهما متأخّران عن أمره. فبدر لكفّ الفتنة وإزالة الشبهة. فقام - وإنّه لا يستقلّ على الأرض من الضعف - فأخذ بيده عليّ بن أبي طالب عليه السلام والفضل بن العبّاس فاعتمد عليهما ورِجلاه تخطّان الأرض من الضعف.
فلمّا خرج إلى المسجد، وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأومأ إليه بيده أن تأخّر عنه! فتأخّر أبو بكر، وقام رسول الله مقامه فكبّر وابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأها أبو بكر ولم يبن على ما مضى من فعاله. فلمّا سلّم، انصرف إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممّن حضـر بالمسجد من المسلمين ثمّ قال: ألَمْ آمُرْكُمْ أنْ تُنْفِذُوا جَيْشَ أسَامَةَ؟! فقالوا: بلى يَا رَسُولَ اللهِ. قال: فَلِمَ تَأخَّرْتُمْ عَنْ أمْرِي؟! قال أبو بكر: إنّي خرجت ثمّ رجعتُ لأُجدّد بك عهدًا! وقال عمر: يا رسول الله! إنّي لم أخرج لأنّني لم أُحبّ أن أسأل عنك الركب!فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: نَفِّذُوا جَيْشَ أسَامَةَ! نَفِّذُوا جَيْشَ أسَامَةَ! يكرّرها ثلاث مرّات. ثمّ أُغميَ عليه من التعب الذي لحقه والأسَف الذي ملكه۱ فمكث هُنيئة مُغميًّا عليه. وبكى المسلمون، وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء المسلمين وجميع من حضـر مِن المسلمين.
منع عمر جلب الكتف والدواة وقذفه النبيّ بالهجر
فأفاق رسول الله صلّى الله عليه وآله فنظر إليهم ثمّ قال: إئْتُونِي بِدَوَاةٍ وكَتِفٍ لأكْتُبَ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَداً!
ثمّ أُغمي عليه. فقام بعض من حضره يلتمس دواةً وكتفًا. فقال له عمر: ارْجِعْ فَإنَّهُ يَهْجُرُ. فرجع وندم مَن حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا: إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. لقد أشفقنا من خلاف رسول الله. فلمّا أفاق صلّى الله عليه وآله قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟! فقال: أبَعْدَ الذي قُلْتُمْ؟! لَا، وَلَكِنِّي أُوصِيكُمْ بِأهْلِ بَيْتِي خَيْراً. وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا وبقي عنده العبّاس، والفضل بن العبّاس، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأهل بيته خاصّةً.
فقال له العبّاس: يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقرًّا من بعدك فبشّرنا، وإن كنت تعلم أنّا نغلب عليه فاقض بنا. فقال: أنْتُمُ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ بَعْدِي. وصمت.٢
فنهض القوم وهم يبكون قد يئسوا من النبيّ صلّى الله عليه وآله.٣
إنّ ما أوردناه هنا نقلناه عن العالم البصير الفقيه والمتكلّم الإماميّ أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان، الشيخ المفيد المولود سنة ٣٣٦ أو ٣٣۸ هـ، والمتوفّى سنة ٤۱٣ هـ. وهو على درجة لا توصف من العظمة والجلالة.
[ملاحظة: انتخب هذا البحث من كتاب معرفة الإمام ج ۱٣، تأليف المرحوم العلّامة آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه، وقد تمّ توثيقه ومقارنته مع المصدر الفارسي من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق، وتجدر الإشارة إلى أنّ العبارات والهوامش التي وقعت بين معقوفتين هي من الهيئة العلمية]