3

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟

المقام المحمود ومراتب الأنبياء

538
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1429

التاريخ 1429/09/09

جلسات المجموعة(4 جلسة)

التوضيح

ما هي آداب الطلب من الله تعالى ومن أوليائه؟ وماذا يُطلب من الله؟ وما هي الرغبة التي لدى الإمام السجّاد عليه السلام من الله في دعائه؟ هل يطلب منه فواكه الجنّة وقصورها أم له مطلوب أعلى؟
ما هي مرتبة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله بين الأنبياء؟ وبماذا يتفاوت الأنبياء عليهم السلام فيما بينهم؟ وهل معرفتهم بالتوحيد في مستوى واحد؟
تجيب هذه المحاضرة على هذه الأسئلة وغيرها ضمن شرح فقرة أدعوك يا ربّ راغبًا راهبًا من دعاء أبي حمزة الثمالي.

/۲۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ 

  • المقام المحمود ومراتب الأنبياء

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي- سنة- ۱٤٢٩ هـ. ق - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره.

  •  

  •  

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سيدنا و نبينا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «أدعوك يا رب راهبًا راغبًا راجيًا خائفًا إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت وإذا رأيت كرمك طمعت»‌

  • أدعوك يا ربّ في حالة رهبة وفي حالة رغبة وفي حالة قلق وفي حالة شوق واشتياق، ففي هاتين الحالتين أدعوك، في حال رجاء وفي حال خوف.

  • اختلاف الطلبات باختلاف المطلوب منه 

  • في السنة الماضية أو ما قبلها أشرنا إلى أنّ الطلبات التي يطلبها الإنسان من المخاطب والذي يطلب منه ويدعوه تختلف بحسب من يطلب منه الإنسان، هل هو يطلب من عوامّ الناس؟ فهذا نوع، فالناس مختلفون والأفراد يختلفون فيما بينهم، فهناك أفراد هم أهل الدنيا إذا طلب الإنسان منهم طلبًا فإنّهم يلاحظون الدنيا في إجابتهم وأنّه كم يكون مربحًا لهم أن يجيبوا هذا الطلب أو لا يجيبوه؟ هل هم غير ذلك؟ هل رأيتم حتّى الآن إنسانًا يجيب آخر لتحصيل رضا الله؟ 

  • كيفيّة تعامل الموظّفين مع الناس

  • فالموظّف الذي يتقاضى أجرًا من الدولة ويرفع رأسه بمشقّة حتّى يجيب على سلامك، كيف يمكن أن يستجيب إذا قيل له: تعال وافعل شيئًا لأجل الله، عالج مشكلة اقض حاجة، فهيهات هيهات أن يقوم بذلك! علينا أن نبحث عنه في حكومة إمام الزمان.يأخذون مالاً من الإنسان، لا يجيبونه، ولكن ما إن يشعروا أنّ هذا الرجل الذي يطلب منهم حاجة يفعهم منفعة دنيويّة فإنّهم فورًا يقومون ويقفون مستقيمين أو ينحنون تسعين درجة، فإمّا يقفون وإمّا ينحنون تسعين درجة.

  • إنّها الدنيا، فما دام الموظّف لا يعرف الإنسانَ فإنّه يحاول صرفه، وما إن يخبره عن شيء ويقول له من هو ومع من هو على ارتباط وإلى أين يريد أن يذهب، فإنّ لونه يتغيّر ويصفرّ كالعقدة الصفراء، فماذا حصل؟ وماذا جرى؟ وبماذا اختلف الأمر؟ إنّه هو عينه بمجرّد أن ذكر عنوانًا معيّنًا تغيّر لونك؟ لماذا؟ فطلبه لم يتغيّر، وحاجته لم تتغيّر، فلماذا حصل ذلك؟ إنّها الدنيا، الدنيا.فمن كان يريد أن يعمل لأجل الله فإنّ لونه لا يتغيّر ولا يحمرّ ويبيضّ ويصفرّ ويسودّ.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

3
  • ـ أنا ابن فلان.

  • ـ حسنًا تفضّل واجلس، اصبر حتّى ينهي المراجعون الآخرون أعمالهم فيصل الدور إليك، فلماذا نسودّ ونبيضّ.

  • أو يقول في أمر معيّن: إنّ هذا خطأ وسأعاقبك وسأدفّعك الثمن.

  • فما إن يذكر له اسمًا معيّنًا فإنّه يقول: أرجو المعذرة لقد أخطأت في حقّك، نعم، نعم.تتغيّر الأمور فجأة وينقلب الأمر إلى شيء آخر.لماذا؟ لأنّها الدنيا.شكله إلهيّ وحقيقته دنيا، باطنه دنيا باطنه دنيا.

  • كيفيّة تعامل الخلفاء مع أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته

  • بعد شهادة رسول الله، فالنبيّ لم يمت ميتة ربّه، بل استشهد وسمّم وقتل وفق رواية صحيحة ومعتبرة حتّى أخذوا الخلافة من أمير المؤمنين وغصبوها! لماذا؟ لأجل وحدة المسلمين، فأنا أريد أن أحقّق وحدة بين المسلمين، فنحّوا أمير المؤمنين جانبًا وقتلوا زوجته وأسقطوا جنينها! فهذا كلّه في سبيل الإسلام! رائع! في سبيل الإسلام تموت ابنة النبيّ فما المشكلة فهذا كلّه لأجل حفظ الإسلام! حفيد رسول الله أيضًا يموت، فقد قتلوه في النهاية، وقد نقل ذلك أهل السنّة أيضًا.هناك من قال: لم يحدث ذلك.كلاّ لا معنى لهذا الكلام، فقد جئتم وضربتم وأخذتم وارتكبتم ما تشاؤون من الجرائم وكان الآخرون ينظرون إليكم كالأبقار، فما معنى هذا الكلام، نحن لا نصدّق! وقد كان من هؤلاء مالك بن نويرة، وقد ذكر المرحوم العلاّمة أيضًا قصّته في كتاب معرفة الإمام، فقد كان ذلك الرجل من الشيعة الثابتين المستقيمين فقال: أنا لا أخضع وهذا كذب، فعليّ بقي ساكتًا وجلس في داره لأجل المصلحة، وهذا لا يعني أن لا أقول شيئًا، وقد كان هو شيخ قبيلة.فقال هؤلاء: ماذا نصنع؟ قالوا: نأتيه من الطريق المناسب، فما هو ذلك الطريق؟ الارتداد! كلّ من يخالف الحكومة الإسلاميّة فهو مرتدّ، وجزاء المرتدّ الإعدام.قال هؤلاء: نحن لا ندفع الزكاة للدولة، لا ندفعها لحكومة أبي بكر، فقالوا لهم: عدم دفع الزكاة يساوي الارتداد، وسمّي هؤلاء أصحاب الردّة أي المرتدون، رجعوا وارتدّوا ولا بدّ من قتال المرتدّ الذي لا يؤتي الزكاة لا بدّ من قتاله ولا بدّ من إعادته إلى الطريق.فجاء خالد بن الوليد في خمسمائة مقاتل لحلّ مشكلة مالك بن نويرة هذه، وكلّكم تعرفون قصّته، جاؤوا إليهم وقالوا لا شأن لنا بكم، فألقوا أسلحتهم أثناء الصلاة، وكان مالك قد أخفى السيف تحت ثيابه، وفجأة وأثناء الصلاة ضربوا عنق مالك بن نويرة ثمّ أعناق الذين واجهوا في حين سلّم آخرون.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

4
  • فلماذا؟! لأنّ عين ذلك القائد الإسلاميّ قد وقعت على زوجة مالك بن نويرة فأغرم بها! قائد إسلاميّ نعم قائد إسلاميّ في النهاية، فقتل مالك بن نويرة لأجلها، قالوا: إنّهم يصلّون ويؤذّنون فماذا؟ 

  • ـ ما هذا الكلام الفارغ؟! 

  • ـ ما هذا الكلام الذين تقولونه؟ كيف خرج هؤلاء من الدين؟ إنّهم يصلّون، يقرأون القرآن!

  • ـ ولكن لأنّه لم يسلّم الزكاة لخليفة المسلمين أبي بكر فهو مرتدّ، وجزاء المرتدّ الإعدام، فلا بدّ أن يعدم.

  • ـ لقد قال هؤلاء حسنًا نحن مستعدّون أن ندفع الجزية والزكاة وما شئتم فلماذا تفعلون هذا؟

  • ـ هذا لأنّ عينه قد وقعت على حريم الآخرين وعلى أعراضهم فأعمت الشهوة عينه، وكانت عمياء فصارت أكثر عمى، فزنى بامرأة ذلك الرجل ليلاً.

  • حقًّا إنّ تاريخ الإسلام تاريخ… ولا يمكن أن نسمّيه تاريخ الإسلام بل لا بدّ من تسميته بتاريخ أهل السنّة، فتاريخ الإسلام هو تاريخ الشيعة.وحقًّا ماذا يمتلك أهل السنّة من جواب أمام المستشرقين والمسيحيّين والذين يبحثون في هذا المجال؟ حقًّا أيّ جواب يمتلكون؟! ماذا يمكنهم أن يقولوا؟! فقد جاء عمر إلى أبي بكر وقال: لقد زنى هذا، قتل الرجل ثمّ زنى، فلا بدّ من إجراء الحدّ عليه، لقد رأى أنّ هذا هو الوقت المناسب للانتقام، فقال أبو بكر: عجيب! هل فعل ذلك؟! فنكّس رأسه وبكى وأسف وانزعج، ثمّ لمّا خرج خالد رأوا أنّه يضحك، فغضب عمر وقال: أتترك هذا؟ لقد عصى وزنى وفع ما فعل.أفتدري ماذا قال أبو بكر؟ قال: إنّي لا أغمد سيفًا سلّه الله على الناس! فماذا عن جريمته والتي عقابها الإعدام، فالزنا في هذه الحالة عقابه الإعدام، ولكنكم ترونه أنّه يرجع مرتاحًا، فالمصلحة في ذلك! وبكلمة "المصلحة في ذلك" هذه يصلح كلّ شيء، فالأحكام إذن هي لهؤلاء المساكين الذين لا مأوى لهم، فكلّ من لا قوّة له ولا لسان ولا يرتفع له صوت لا بدّ أن تطبّق عليه الأحكام، وإلا فيمكن أن يقال: "المصلحة في ذلك" "المصلحة في ذلك"!

  • فهؤلاء هم الناس، هكذا هم ينظرون فيفعلون ما يفيد في دنياهم، وإلا فكأنّ شيئًا لم يكن، يدورون بك، راجع تلك الغرفة، وراجع تلك الغرفة، الآن ليس لديّ وقت، في يدي ملفّ آخر الآن! لديّ كذا! أو أنّ على الإنسان أن يحوّل الأجواء إلى أجواء سارّة فيحلّ المشكلة، يأتي حلاّل المشاكل ويحلّ كلّ شيء! 

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

5
  • حالة الإنسان عندما يطلب من الله وأوليائه

  • أمّا لو كان الإنسان يريد من الله، وكان مخاطبه هو الله، فهل الله أيضًا يلاحظ هذه المصالح أيضًا أم لا بل هو بريء من هذه الأمور؟! لحاظ التوحيد في ذات الله بالنسبة إلى جميع العباد يقتضي الإفاضة من ناحيته دون ملاحظات ماديّة وأهواء نفسيّة، فالأمر لا يختلف، فإذن لا بدّ أن يطلب الإنسان من الله، فمن تلك الجهة الأمر تامّ، وفي تلك الناحية لا إشكال، فلماذا يقول الإمام إذن: «أدعوك يا ربّ راهبًا»؟ حسنًا فراغبًا جيّدة، راغبًا وراجيًا صحيحة، والواقع هو هذا، فعندما يخاطب الإنسان الله لا بدّ أن تكون لديه رغبة لا بدّ أن يكون لديه رجاء وأمل، لماذا؟ لأنّ مخاطبه معلوم.فعندما يزور الإنسان عظيمًا فإنّه يذهب إليه برغبة، فعندما يرى أنّه لا يفتح الباب أمامه فإنّه لا يذهب، لا يكون لديه رجاء، لا يكون لديه رغبة، لأنّه يرى أنّه يفتح الباب له ويقبله ويرحّب به يكون لديه رغبة وشوق ورجاء.

  • إذا ما رأى أنّه ليس كذلك، لا يعتني به، يقول ليس لديّ وقت الباب مغلق يقول: لا أستطيع! فإنّه يذهب وشأنه.ولكن إذا ما رأى أنّ الباب مفتوح، ويأتي ذلك الرجل ويجلس ويصغي إلى الكلام بتأنّ ويرتّب عليه أثرًا، يهتمّ ويتصرّف معه على أساس كلامه، فستحدث الرغبة والرجاء بشكل طبيعيّ.فإذن العظمة والكرم والخلوّ من الهوى والهوس تجعل الإنسان يميل، وإلا فلو أنّه كان غارقًا أيضًا في الهوى والهوس فلن تكون هناك رغبة، لن يكون هناك رجاء وميل وأمثال ذلك، أو أنّه إن كان مضطرًّا فلا بدّ أن يأتي اليوم ويعود غدًا، ثمّ يرجع بعد غد، ثمّ يذهب بعده، وبعد أربعة أيّام يأتي ثمّ بعد أسبوع، هكذا حتّى يقال له: اذهب وشأنك فقد ضاع ملفّك.

  • أمّا عندما يذهب الإنسان إلى عظيم فهل يفكّر أن يقول له خصوصيّاته وأنّه من أيّة عشيرة هو، وكم لديه من المال والثروة لعلّي أنال رضاه فييسّر لي أمري، لا يفتح للجميع ولكن يفتح لي لأنّي أملك مالاً وثروة، ويعطيني موعدًا للّقاء به استثناء، فهل يفكّر في ذلك؟! أو أن يذكر نسبه ويقول: أنا ابن فلان ولأجل المقام كذا ولأنّي ابن فلان تتغيّر نظرته إليّ؟! كلاّ عندما يذهب الإنسان إلى عظيم من الأعاظم إلى أولياء الله فعليه أن لا يتكلّم عن المال، عليه أن لا يتكلّم عن النسب، عليه أن لا يتكلّم عن المقام، عليه أن لا يتكلّم عن المكان، بل لو تكلّم عن ذلك لقالوا له: قم واذهب، لو تكلّم يقولون له: امض وشأنك.ولو كان له مقام فعليه أن لا يتحدّث عنه، لماذا؟ لأنّ القانون هنا يختلف، والقانون الساري هناك ليس ساريًا هنا، فهناك ما لم يقل: لدي مال، لا يفتحون له الباب، يقولون: امض وشأنك، فكلّ هؤلاء الناس يمشون في الشارع فامش أنت معهم، وما إن يقولون: إنّ السيّد فلانًا قد جاء ويبدو أنّه يريد أن يلتقي بك ويعبّر لك عن محبّته وأمثال ذلك فإنّه يقول: حسنًا قولوا له: فليأت الساعة الخامسة أو السادسة، فإنّا نعطيه موعدًا استثناء ونرحّب به.أو يقولون: إنّ فلانًا جاء من هناك ومعه رسالة من هناك وأمثال ذلك يقول: حسنًا قولوا له إنّا نستقبله استثناءً ويمنّ عليه أيضًا.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

6
  • أمّا إذا ذهبتم إلى بيوت أولياء الله وتكلّمتم بهذا الكلام، فإنّهم يقولون: عودوا من حيث أتيتم، اذهب وشأنك، اذهب يا عزيزي! لا معنى لهذا الكلام هنا! لماذا؟ لأنّ البضاعة التي تتداول في ذاك السوق لا مشتري لها في هذا السوق، والمعاملات الموجودة في ذاك السوق، سوق أهل الدنيا لا موضع لها هنا.والأساليب الموجودة هناك والآراء الموجودة هناك والأفكار الموجودة هناك لا موضع لها هنا.هنا يشترون متاعًا آخر.

  • ما هو المتاع الذي يُشترى عند أولياء الله؟ 

  • أيّ متاع؟ متاع المسكنة، هل أنت مسكين أم لا؟ هل أنت فقير أم لا؟ يشترون هذا المتاع.أتيت عن فكرة مسبقة أم لا؟ بأيّ شيء أتيت؟ هذا ما لدينا هنا.هنا يشترون الصفاء، هنا يشترون الدروشة، هنا يشترون الفقر، «الفقر فخري»۱ كلام رسول الله، ولم أرها عند الشيعة وقد رواها أهل السنّة، وربّما كانت لدى الشيعة أيضًا فأنا لم أحقّق حولها، وقد رأيتها هناك فقط.فهنا يشترون الفقر، يشترون المسكنة، أمّا لقب السيّد وملك التجّار والثروة وأمثال ذلك فهي لا تنفع هنا، هي لتلك الأماكن.

  • ينقل أحدهم أنّ رجلاً دعا إلى إفطار في شهر رمضان، وكان منزله مؤلّفًا من عدّة طوابق، ففي الطابق الأعلى هناك جماعة خاصّة، وفي الطابق الثالث جماعة أخرى، وفي الطابق الثاني جماعة، وفي الطابق الأوّل جماعة أيضًا، وكلّ واحد من الناس قد اختير على أساس ترتيب معيّن ونظام خاصّ ـ اختير كما يعبّر أبناء هذا العصر٢ فأنا أستعمل من هذه الاصطلاحات المعاصرة أيضًا فلا يقال إنّي لا أعرف شيئًا! اختير، وأحيانًا أقرأ في الجريدة أو غيرها فلا أفهم ما معنى هذه العبارات التي يستعملونها! ـ فكلّ واحد قد جعل في مكان، ولم يجعل أيّ منهم في مكانِ غيره، ولكنّ الإمام الرضا عليه السلام كان يدعو إلى الإفطار فكان أوّل من يدعو الغلمان ويقول: هل أتى جميع الغلمان؟ حتّى كان يقول: عامل الإسطبل هل جاء أم لا؟ فكانوا يذهبون ويتفقّدون ويقولون له: تعال الإمام ينتظرك، فكان ينادي هؤلاء أوّلاً ويجلسهم ثمّ يقول: ليأت الآخرون الآن.فقد كان هذا نوعًا من الدعوات إلى الإفطار أيضًا.فمن الأنواع دعوات أولئك ومنها دعوة الإمام هذه، وعندما كان المرحوم العلاّمة يضع المائدة ظهرًا أذكر أنّه كان في منزله ورشة فيها عمّال وبنّاؤون وأمثال ذلك يعملون من جميع الأصناف، فكان يقول لي شخصيًّا: ادعهم ليأتوا فإذا جاؤوا جميعًا وجلسوا أخبرني حتّى آتي، فكنّا نناديهم جميعًا وكانوا يأتون ويجلسون، فكنّا نقول له بعد ذلك: لقد جاء الجميع، فكان يقول: حسنًا، فيلقي العباءة على كتفيه ويأتي بثيابه التي يلبسها عادة في المنزل ويجلس.

    1. حاجي خليفه، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، ج۱، ص ۸۸۰: رسالة في قوله عليه الصلاة والسلام: الفقر فخري؛ جمال الدين، أحمد بن محمد بن فهد الحلي، عدة الداعي ونجاح الساعي، ج۱، ص۱۲٣: وَ قَالَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ «اَلْفَقْرُ فَخْرِي وَ بِهِ أَفْتَخِرُ».
    2. استعمل سماحته في الفارسية لفظة گزینش شده، وهي من الألفاظ التي لا يستعملها عادّة إلا المتنمّقون في الكلام والذين يبتعدون عن استعمال الألفاظ العربية في اللغة الفارسيّة ويختارون بديلاً عنها كلمة فارسيّة اشتقت اشتقاقًا ولم تكن متداولة ومعروفة.(م)

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

7
  • فمن الواضح أنّ الحساب يختلف في هذا المنهج، الحساب هنا يختلف، والقانون هنا يختلف.الفكر والنظر هنا يختلف، والحساب هنا من نوع آخر.يقول الإمام السجّاد عليه السلام: إذا أردت في هذه الدنيا أن تقصد بابًا فاقصد بابًا قانونه هذا لا ذاك، فأيّ باب تقصد وأيّ دار؟!

  • شد بناگوش تو از پنبه کفن‌پوش و هنوز***پنبهٔ غفلت و پندار به گوش تو در است۱
  • يقول: لقد غطّى خدّيك قطن الكفن ولمّا تستخرج قطن الغفلة والوهم من أذنك

  • لقد انتهى الأمر وانقضى عمرنا، فإلى متى نقصد هذا الباب وذاك؟! وإلى متى تنظر أعيننا إلى هنا وهناك؟ الذين هم من أمثالنا يعانون من آلاف المشاكل، مثل مشاكلنا، آلاف الأزمات وإن كانوا يخالون أنّهم خالون منها، إنّ مشاكلهم تفوق مشاكلنا، اطمئنّوا.انظروا أنتم تنامون نومًا أكثر راحة أم الآخرون؟ أنتم أقلّ تشويشًا في الفكر والخيال أم الآخرون؟ أنتم أهدأ حياةً أم الآخرون؟ دائمًا افعلوا هذا دائمًا افعلوا هذا، اقصدوا هذا المكان واقصدوا ذاك واغتابوا فلانًا ثمّ اغتابوا فلانًا، وهكذا على الدوام، هذا وهذا وهذا! أم لا بل تضعون رؤوسكم على الفراش وبعد دقيقتين يرتفع الصوت في الهواء! صوت الاستراحة.لقد سمّيته أنا صوت الاستراحة، صوت الاستراحة الذي يمنع الآخرين من الاستراحة! صوت الاستراحة الذي يمنع الآخرين من النوم! ولكن هو نفسه في غاية الاستراحة.

  • فما هو سبب ذلك؟ إنّه راحة البال، مرتاح! لا يريد أن يعدّ خطّة، ولا يريد أن يخاصم أحدًا، ولا يريد أن يشعل فتنة بين هذا وذاك ليؤذي أحدهما الآخر، لا يريد أن تكون دنياه هكذا، يريد أن يكون مرتاحًا، يتعلّم كلمتين من الإمام عليه السلام ويعمل بهما.أفهذا أكثر راحة في هذه الدنيا أم أولئك الذين يخالون أنّهم كذا وكذا؟ مكانة وموقع وأمر ونهي، إذا حدث حادث في ذاك الجانب من الدنيا يفرح ثمّ إذا جاء خبر سيّئ صار حاجباه كالثمانية، ثمّ بعد يومين يكتبون في الجريدة شيئًا فيقول: عيجب عجيب! وهكذا يصبحان كالثمانية ثمّ يصبحان كالسبعة ترتفع ثمّ تهبط، فما هذا؟ ولماذا؟ لأنّه دائمًا في هذه الأفكار، صارت حياته هكذا، صار عمره هكذا.

    1.  ديوان عطار، قصايد، قصيده ٩.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

8
  • العرفان يأتي ويخرج الإنسان من حالة التحوّل هذه من الثمانية إلى السبعة، يريح الإنسان، يجعله دائمًا في حالة انبساط، يجعل ألمنا ألمًا آخر، وعلاجه في شيء آخر، عندها لن يكون الألم أن أجلس على هذا الكرسيّ وذاك وهذا المجلس وذاك، لن يكون الألم عندها نيل هذه الرئاسة وتلك، فهذه آلام ولكنّها لجماعة معيّنة.لن يكون الألم لأجل الوصول إلى هذا المال والمنال، ولن يكون خسارة الجاه والحيثيّة، لن يكون الألم ذلك.فماذا سيكون؟ سيكون هو الله، سيكون هو المسكنة، سيكون هو الفقر، سيكون الخلأ، سيكون النقصان والفقدان وعدم الوصول، حينها يصبح الألم ألم الأولياء، حينها يصبح الألم ألم مولانا، ألم حافظ، ألم الهجران، ألم ذلك، فكم يختلف هذا الألم عن تلك الآلام؟! فرق ما بين السماء والأرض! بل ما هو الفرق ما بين السماء والأرض؟! إنّه محدود المسافة، يصبح الفرق بينه وبين ذاك كالفرق ما بين اللانهاية من هذا الجانب واللانهاية من الجانب الآخر، هذا هو الألم.هذا الألم يصبح ألم الله، ألم العبوديّة، ألم المسكنة، ألم الفقر، ألم البعد عن الموطن الأساس، لا عن الدنيا.

  • قصيدة الشيخ البهائي في شرح حديث حبّ الوطن من الإيمان 

  • للشيخ البهائي رحمه الله شعر في كشكوله على ما أذكر حول حديث «حبّ الوطن من الإيمان»، فعندما يقول رسول الله: «حبّ الوطن من الإيمان»، يقول شعرًا في ذلك كما أذكر: 

  • اين وطن مصر وعراق وشام نيست***اين وطن شهرى است كان را نام نيست۱ 
  • يقول: ليس هذا الوطن مصر والعراق والشام هذا الوطن هو مدينة لا اسم لها

  • فأيّ وطن هو هذا الوطن؟! إنّه وطن لا إله إلا الله، فنحن من عالم الذرّ الذي هو وطن لا إله إلا الله والذي قيل فيه: ﴿ألست بربّكم قالوا بلى﴾٢ في الشهادة بالتوحيد، حيث أخذ الله من جميع الأفراد الصالح منهم والطالح، المؤمن منهم والمشرك، من جميع الأفراد ومن جميع الموجودات وجميع الممكنات الإقرار بالتوحيد والإقرار بربوبيّته، وأقرّ هؤلاء في موطنهم.فهذا الوطن هو وطن لا إله إلا الله، ووطن لا إله إلا الله هو وطن جاء منه الإنسان، جاء منه ثمّ علق هنا، علق هنا.يقول العرفاء تعال وتخلّص من هذا الفخّ، ونحن نستمرّ في هذا الفخّ، فنذهب كذبًا نحو هذا ونحو ذاك قائلين: بالله عليك يا عزيزي أنقذنا فنحن أسرى كذا وكذا، علينا ديون، نحن في مشكلة.

    1.  الشيخ البهائي، نان وحلوا، بخش ۹فی تأویل قول النبی صلی الله علیه و آله و سلمحب الوطن من الایمان.وقبل هذا البيت: 
      أيّها المأسور في قيد الذنوب***أیّها المحروم من سر الغيوب
      لا تقم فی أسر لذات الجسد***إنّها فی جید حبل من مسد
      قم توجّه شطر إقلیم النعیم***و اذکر الأوطان والعهد القدیم
      گنج علم «ما ظهر مع ما بطن»***گفت: از ایمان بود حب الوطن
      این وطن، مصر و عراق و شام نیست***این وطن، شهری‌ست کان را نام نیست
      والمعنى: قال كنزُ علمِ ما ظهرَ مع ما بطَن [وهو النبيّ صلى الله عليه وآله] *** من الإيمان حبّ الوطن
    2. سورة الأعراف، الآية ۱۷٢.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

9
  • عالِمٌ يغتمّ لطرد ابنه من وظيفة

  • لقد ذهبنا بعد الثورة إلى منزل أحد أرحامنا، وكان رجلاً له شأنه ومعروفًا ومعمّمًا، وقد انتقل إلى رحمة الله، وكان لابنه مسؤوليّة في إحدى الدوائر ولا يزال ابنه على قيد الحياة.وكان الرجل الذي يعمل تحت إشرافه رجلاً صالحًا، فلحسن الحظّ كان هذا الرجل صالحًا من أولئك الذين كانوا آنذاك من الجيّدين وكنت أعرفهم، وكان ذاك الرجل وزيرًا ورجلاً جيّدًا وقد استشهد بعد الثورة على ما يبدو في مستديرة سرچمه (النبع) وما حولها حيث کان المنافقون قد أحدثوا فتنة، وكان هو من الذين استشهدوا هناك، وكان رجلاً جيّدًا جدًّا، واسمه قندي رحمه الله، فكان ابن قريبنا يعمل في الدائرة التي كان يديرها هذا الرجل، ولمّا استشهد جاء رجل آخر، وعادة عندما يأتي مدير جديد يُحدث تغييراتٍ وتحوّلاتٍ.والحالة التي رأيتها من والد هذا الموظّف كانت غريبة، وكان هناك كثير من الحاضرين في المجلس من المعمّمين وكان عددهم يقارب العشرين من المعروفين وأئمّة الجماعة في طهران، إنّ حالة الاضطراب التي رأيتها في ذلك الرجل الذي كان قلقًا حول عمل ابنه كانت عجيبة وكان يقول: ماذا سيعمل ابني؟! بما أنّ فلانًا قد استشهد، فماذا سيعمل ابني؟! لا أدري كيف ستكون أوضاع ابني؟ إنّي قلق عليه! وكان يقلّب كفيّه هكذا وكنت أنا أضحك، فقد كنت أبحث عن أمثال هذه الأمور، كنت أضحك: انظر رجل كبير في السنّ في الثمانين من عمره! تفضّل هذا هو التوكّل! هذا ما يدعى بالتوكّل! هذا ما يدعى بالتوحيد! هذا ما يدعى بالتوجّه! التوجّه! 

  • يا عزيزي لن ينام ابنك في الشارع! ثمّ لنفترض أنّه سينام في الشارع فماذا بعد ذلك؟! ماذا؟! أتعلمون؟! إنّ حقيقة الأمر هي أنّا عشنا في هذه الدنيا ثمانين عامًا ولم نتكامل.ثمانون سنة ومدعوّنا ومخاطبنا من كان؟ كان من أهل الدنيا وحقًّا كان وواقعًا كان هكذا.لقد كنّا هكذا مدّة ثمانين عامًا ونحن هكذا، فما إن تتغيّر حالة ما يتغيّر العبد! يحلّ الاضطراب، وقد كان الاضطراب بصورة جعل الجميع يلتفتون، فقد التفت الحاضرون، كان يكرّر ويقول: ماذا سيفعل بعمله؟! لا أدري ماذا سيفعل بعمله؟! عمله؟ كلاّ يا عزيزي لم يحدث شيء، فهو لا يزال حيًّا، إنّه يعيش ووضعه ليس سيّئًا، ليس لديّ اطّلاع، وفي النهاية من المعلوم أنّ حديثنا عن الله كان فارغًا، والتوكّل الذي كنّا نتحدّث عنه كان فارغًا، والرجاء الذي كنّا نتحدّث عنه للنّاس كان فارغًا، وكان كلّ ذلك كذبًا وكان كلّه خيالاً وكان كلّه نفاقًا، كان نفاقًا كلّه.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

10
  • أحوال أولياء الله

  • ولكن في الجهة المقابلة [عند أهل التوحيد] لم يكن الأمر هكذا، لم تكن أمثال هذه الأمور، كان هناك إخلاص وكان هناك صفاء، في الجهة المقابلة لم يكن أمثال هذا الكلام، الجهة المقابلة تعيش تلك المسكنة، تعيش ذلك الفقر، تستشعر تلك الحاجة.لذلك فإنّ أولياء الله والعرفاء هم الذين اهتدوا إلى الطريق، ولم يقتصروا على ما في الكتب، ولم يكتفوا بـ «قال الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام»، بل طبّقوا كلامهما في وجودهم ووصلوا.وصلوا إلى حقيقة الرجاء، وصلوا إلى حقيقة الفعليّة، وصلوا إلى حقيقة الكمال، وصلوا إلى جميع ذلك، الآن يقولون: نحن وصلنا وهذه نتيجة ذلك، وتعالوا أنتم إلى هنا، ولا تذهبوا إلى مكان آخر، الآخرون هم مثلكم لا يختلفون عنكم.الآخر لا يختلف عنك ولا يختلف عن حالتك، الآخر يبقيك في مرتبتك، انظر بعد خمسين سنة، وقد رأيت بعد ثمانين سنة، وهذا العالم الذي أتحدّث عنه عمره ثمانون سنة.فما معنى ذلك؟! يعني أنّ إدراكه بمستوى إدراك طفل في الخامسة عشرة من عمره، وربّما كان الطفل في الخامسة عشرة خيرًا منه، بل هو خير منه يقينًا.ألف رحمة على الطفل في الخامسة عشرة، لديه صفاء لديه براءة.الأطفال في العاشرة والخامسة عشرة لم يرتكبوا ذنبًا، التفاتهم إلى الله أفضل بكثير من التفات الذين هم أكبر منهم سنًّا، ثمانون سنة وهو في المسجد وفي المحراب وعلى المنبر يتحدّث مع الناس، يأمر وينهى ويكتب الرسائل وتكتب إليه الرسائل، لديه علاقات وربّما نصَح وتحقّقت نصيحته، وربّما وربّما… فماذا حلّ بكلّ ذلك؟ كلّ ذلك ضاع في الهواء ﴿وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورًا﴾۱ نأتي بأعمالهم بكلّ ما عملوه ونجعله كتلك الذرّات فهل رأيتم الذرّات عندما تهبّ الريح كيف تتناثر في السماء؟ فهذا ما يسمّى هباء منثورًا، ونحن نجعل أعمالهم هباء منثورًا.مثل ذلك القطن الذي يضربه المنجّد وينثره في الهواء.لماذا ذلك؟ لأنّه توقّف في مرتبته ولم يتحرّك، يأتي العارف ويقول: كلاّ! هيّا انهض وتعال، اقطع ذهنك عن هذا الجانب وذاك، اقطع فكرك والتفاتك واحصره في تلك النقطة، فهي التي يمكنها أن تداوي ألمك، تلك النقطة هي التي يمكنها أن تأخذ بيدك، وتلك النقطة هي التي يمكنها أن تخرجك من الأفكار الجاهلة والرغبات الشهوانيّة، تلك النقطة.

    1. سورة الفرقان، الآية ٢٣.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

11
  • معنى أدعوك يا ربّ راهبًا راغبًا راجيًا خائفًا والفرق بين الرغبة والأمل 

  • لذلك يقول الإمام عليه السلام: «أدعوك يا ربّ راهبًا راغبًا» آتي إليك برغبة.«راجيًا خائفًا» آتي إليك بأمل، لديّ رغبة ولديّ ميل، لديّ رغبة بماذا؟ بأنّه ماذا هناك؟ والأمل يختلف عن الرغبة.فالإنسان لديه جانبان: أحدهما الرغبة والشوق والآخر الأمل.الرغبة بشيء فيه لذّة للإنسان، وهناك أشياء كثيرة فيها لذّة للإنسان، ولكن أحيانًا ينالها الإنسان وأحيانًا لا ينالها، فإن لم ينلها يبقى لديه شيء واحد وهو الرغبة دون أمل، بلا فائدة.ولكن إن كان الإنسان قادرًا على الوصول إليها فسيكون لديه أمل أيضًا، لديه رغبة بما فيه لذّة كما لديه أمل بالوصول، لديه أمل بالوسائط وأمثال ذلك.

  • يقول الإمام السجّاد: لديّ رغبة بك، فماذا أنت؟ ومن أنت؟ وماذا لديك؟ ماذا لديك؟ هل لديّ أمل بجنّتك؟ بالتفّاح والإجّاص الذي في الجنّة؟ بحور العين الذي في الجنّة؟ كلاّ! هذه لعوامّ الناس، لديّ أمل بما هو عندك و«ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»۱

  • معنى ولا خطر على قلب بشر

  • لماذا لم يخطر؟ لأنّ مرتبته أعلى من مرتبة الإنسان، والمرتبة الأعلى تعني أنّ عند الله أمور ونعم لا يمكن تصوّرها من حيث الابتهاج واللذّة.نحن في هذه الدنيا لدينا لذّات من الأكل والشرب وأمثال ذلك من أنواع الترفيه عن النفس فما هي كلّ هذه؟ هي أمور يتعاطاها الناس، ومن أجلها يقتلون أنفسهم ويقطّعون بعضهم، فقط، الوصول إلى اللذات الدنيويّة، هل فكّرنا يومًا أنّ هناك خارج نطاق فكرنا وخارج دائرة إحساسنا أمور هي وراء هذه؟ هل فكّرنا بمثل ذلك أم لا؟ كلاّ لم نفكّر.نعم نحتمل، قالوا لنا ونحن نحتمل ولكن واقعًا وحقًّا هل نحن نسعى إلى ذلك؟ كلاّ قالوا لنا… إلا أن نلقي بأنفسنا في هذا الطريق وهذا المسير.

  • هل تنال المراتب المعنويّة بنفسها بغير سعي إليها؟ 

  • يقولون: ما هي صلاة الليل؟! وما هذا الكلام؟ علينا أن نهتمّ بهذه الأمور بأمور الدنيا، ولا حاجة إلى تلك الأعمال من الذكر وأمثاله! الكلام الذي كانوا يقولونه للمرحوم العلاّمة في النجف، كان أعاظم النجف يقولون هذا الكلام للمرحوم العلاّمة! يا سيّد محمّد حسين لا ضرورة للاشتغال بهذه الأمور، فهي تحصل بنفسها! 

    1.  تفسير الصافي، ج٤، ص ۱٥۸.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

12
  • حقًّا؟! هل تحصل بنفسها؟! الآن أريد أن أسألكم سؤالاً أيّها الموقّر الذي يقول هذا الكلام ويوصي بذلك ناصحًا وأنّ على طالب العلم أن يهتمّ بدرسه ـ وطبعًا لم يكن والدنا طالبًا كسولاً بل كان الطالب الأوّل في حوزة النجف ـ الآن إذ تنصح بهذه النصيحة كم مضى من عمرك المبارك؟ تسعون سنة.وكم كان عمر والدنا؟ سبعون سنة.الآن نحن نُجلس أحدكما إلى جانب الآخر ونطرح عليكما سؤالاً ونجعل جوابكم إلى جانب جوابه وبعد ذلك على العقلاء أن يحكموا هل يمكن الوصول بدون سلوك أم لا؟ نطرح عليك سؤالاً يجيب عنه كلّ منكما وتكتبانه على ورق، ولا شأن لنا بالحالات المعنويّة وأمثالها وأنّ هذا أين؟ وذاك أين؟ وماذا يمكنه أن يصنع؟ وماذا يصدر عنه؟ لا شأن لنا بذلك أصلاً، فعقولنا لا تبلغ ذلك أساسًا، نطرح سؤالاً واحدًا، وقد قرأ هو روايات الإمام الصادق كما قرأتها أنت، أنت لديك علم بالعقائد وكذلك هو، لديك علم بالفقه وكذلك هو، وهكذا في سائر العلوم مما هو موضع اهتمام، نكتب جوابيكما جنبًا إلى جنب ثمّ بعد ذلك عند من ستكون المحاكمة؟ عند أهل الاطّلاع، وينتهي الأمر، فلا مجال هنا للإخفاء والاختباء ولا مجال للمداهنة! لا مجال لذلك، بل هنا تنطبق معادلة ٢+٢=٤، فالذين هم في ذاك المسير طريقهم واضح ونتيجته معلومة، والذين هم في هذا المسير أيضًا والذين يهتمّون بهذه الأمور وبالأخذ والردّ والجماعات ويوكلون اليوم إلى الغد والغد إلى بعد الغد طريقهم واضح.

  • زيارة العلاّمة الطهراني لآية الله الخوئي في الكوفة

  • كان المرحوم الوالد يقول: عندما ذهبت إلى الكوفة لزيارة آية الله السيّد الخوئي رحمه الله ـ وقد كان الوالد يمتدحه وطبعًا إلى حدّ معيّن، إلى حدّ معيّن ـ فعندما ذهبت إليه لأبحث معه مسألة رؤية الهلال، كان طقس النجف حارًّا جدًّا في الصيف، فكان قد ذهب إلى الكوفة، وكان سفر الوالد هذا في أواخر سلطة الشاه في العهد السابق، في زمان هويدا حيث كان يسمح للنّاس أن يسافروا إلى المشاهد المشرّفة في كربلاء وغيرها، فسافر المرحوم الوالد أيضًا في جملة المسافرين، ولكن لأنّه كان يمتلك إقامة فقد دام سفره مدّة شهر، فكان يقول: ذهبت إلى هناك وزرته فوجدت أنّه في الكوفة، فطقس الكوفة أفضل، فرأيت هذا الرجل الطاعن في السنّ والذي كان سمينًا، جالسًا دون عباءة، وليس عليه سوى ثوب واحد، يجلس في وسط الغرفة ومن حوله رسائل جيء بها إليه، وكانت قد ارتفعت من حوله وهو جالس في وسطها وقد ضاع بينها، فبدأت أبحث عنه، فعندما دخلت إلى الغرفة لم أرى سوى الرسائل، فإلى هذا الحدّ كان هناك رسائل وقد جلس بينها وهو يفتحها، فرأيت أنّه لا مجال أصلاً لأن أتحدّث معه وأبحث معه تلك المسألة، فما هذا الكلام؟ فحاله أصلاً لا تسمح له بذلك… ثمّ رجعت إلى السيّد السيستاني وقلت له: اذهب وابحث معه حول هذا الأمر ولا أدري ما إن كان قد طرح البحث عليه أم لا.ولكنّه كان قد طلب ذلك من السيّد السيستاني. فقد كان المرحوم العلاّمة يحدّث عن تلك اللحظة وأنّا جلسنا فنظر إليّ السيّد الخوئي وما إن سمع صوتي قال: هنيئًا لك يا سيّد محمّد حسين، هنيئًا لك، هنيئًا لك، لقد ذهبت واسترحت من هذه المشاكل، استرحت من هذه المشاكل! 

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

13
  • يقول: جلست نصف ساعة مضت بالمجاملات والكلام المتعارف وأمثال ذلك.وكان يقول: عندما خرجت من هناك ـ تأمّلوا في العبارة فأولياء الله هم هكذا ـ كان يقول: خرجت من هناك وتوجّهت إلى مسجد الكوفة إلى المحراب الذي استشهد فيه أمير المؤمنين.وقد ذهب الرفقاء إليه فهو يبتعد عن المحراب الأصليّ بضعة أمتار، ما يقارب عشرين مترًا على شمال محراب صلاة الفريضة التي كان يصلّيها الإمام عليّ عليه السلام، وطبعًا الآن لا أحد يلتفت إليه والناس يهتمّون بالمحراب الأصليّ، وقد كان السيّد القاضي رضوان الله عليه يقول لتلامذته: اغتنموا موضعين في العتبات المقدّسة، الأوّل محراب شهادة أمير المؤمنين في مسجد الكوفة، والثاني مقام الإمام الصادق عليه السلام في كربلاء وهو وراء الشريعة ويبعد قليلاً عن الضريح.وقد بني الآن ولكن عندما كنّا نزوره سابقًا لم يكن هناك شيء، كان هناك جدار فقط، ولكنّهم الآن بنوه وأخرجوه بشكل آخر.فاغتنموا هذين الموضعين.

  • قال المرحوم العلاّمة: ذهبت إلى ذلك المحراب وصلّيت فيه ركعتين وطلبت من أمير المؤمنين أن لا يقدّر الله يومًا أقع فيه في هذه الحالة وتكون أموري وأحوالي هكذا! فإن كان سيحدث أمر كهذا فأسأل الله أن يخرجني من الدنيا قبل ذلك، وهذا عين تعبيره، وقد رأيت هناك أنّ الإمام قد استجاب لي وقبل رجائي.

  • وما حصل له لاحقًا كان كلّه تابعًا لاستجابة الدعاء بعد تلك الركعتين اللتين صلاّهما هناك، فهذه أمور ترتبط بذلك، ونحن لا ندري، وإنّما أنقل ما سمعته ولا ندري ما هي الأسرار وراء أنّ عليهم أن يذهبوا ويصلّوا ويطلبوا من الله والأعمال التي كان يعملها الأعاظم كلّهم دائمًا، فجميعهم يصنعون ذلك، فلماذا هم هكذا أولياء الله؟ لأنّ أولياء الله قد وصلوا إلى سرّ الأمر وأدركوا ما هو، أدركوا حقيقة الأمر ما هي، فلم يعودوا يخدعون أنفسهم، ولا يكرّرون القول لأنفسهم: إنّه تكليف إنّه تكليف! فهم لا يخدعون بكلمة: إنّه تكليف إنّه تكليف هذه.ولم تعد تخدعهم مقولة: لو لم نحمل نحن هذا الحمل فسيبقى على الأرض، فالحمل بيد حمّال الأثقال، وحمّال الأثقال هو إمام الزمان عليه السلام، فهو الذي يحمل هذا الحمل، فلو جاء الإمام عليه السلام وأمرنا فهنا الأمر واضح وضوح ۱+۱=٢، حاضر.وإن لم يفعل ذلك فلا نخدع أنفسنا.هذه هي الحقيقة، فما هو في عهدة وليّ الله الإمام عليه السلام لا نعلّقه في أنفسنا.فلننظر إلى مكانته ولنراع الحدود ولا نمزج وظيفة الإمام المعصوم عليه السلام مع وظيفتنا، ولنعلم أنّا إذا ما عملنا بتكليفنا فهناك من سيأتي ويقوم بهذه الأعمال ولن تسقط السماء على الأرض، ولن يحدث شيء أبدًا.فمن الأفضل إذن قبل أن تحترق قلوبنا على الناس والدين أن تحترق أوّلاً على أنفسنا، فلنكن محترقي القلوب على أنفسنا.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

14
  • إصرار العلاّمة الطهراني على مغادرة النجف طاعة لأستاذه وعدم انخداعه بالإصرار على البقاء

  • لقد قيل من أمثال ذلك الكلام كثيرًا للمرحوم العلاّمة في النجف، ابق هنا يا سيّد، فلو بقيت هنا فإنّ مرجعيّة الشيعة ستنحصر بك، ابق هنا فلو بقيت هنا فإنّ مكانة المرجعيّة ستتغيّر.لقد قالوا أمثال هذا الكلام.وكان القائلون لهذا الكلام من المصلحين ولم يكونوا من المغرضين، كلاّ بل كانوا حقًّا من الأصدقاء.كان يقول: عندما أردت الرجوع من النجف كانوا يراجعونني كرارًا ومرارًا مؤكّدين، فكان أصدقائي يأتون إلى منزلي من الصبح حتّى الظهر ويقولون: لا تغادر يا سيّد محمّد حسين لا ترجع إلى إيران، ابق في النجف وكن أنت المرجع، فلو كنت أنت المرجع فإنّ الأوضاع ستتغيّر، فقد كانوا يعرفون أنّه لا يخضع لأحد، كانوا يعرفون أنّه حرّ وسيكون حرًّا، كانوا يعرفون أنّه يتّبع الحقّ، كانوا يدركون ذلك، فالناس لم يأكلوا التبن وهم يميّزون، لم يأكلوا العلف، يدركون في النهاية، يدركون الفوارق بين الناس.

  • وكان يقول لهم: أنا ذهبت في أمان الله، لقد أمرني أستاذي.طبعًا لم يكن يخبرهم بذلك، بل كان يقول ذلك في نفسه لقد أمرني أستاذي أن يا سيّد محمّد حسين لقد حوّلك أمير المؤمنين إلى إيران.هذا عين ما ذكرته لكم، إن جاء إمام الزمان وقال افعل أفعل.ويجب أن لا يخدعني غيره والسلام.هذه هي الحقيقة وأنتم عليكم أن تكونوا هكذا أمّا أقاويل الناس أن انظر أنت في أيّة حالة، فينبغي أن لا تتجاوز ثيابنا، فهذا الكلام كثيرًا ما يقال.

  • انخداع آدم وحوّاء وخروجهما من الجنّة

  • رحم الله أبوينا آدم وحوّاء فقد أهبطا من الجنّة بأمثال هذا الكلام، قال الله: لا تأكلا من هذه الشجرة، لديكم كلّ شيء لديكم الإجّاص فكلوا منه، لديكم التفّاح ولديكم ولديكم ممّا لا نعلمه ممّا كان هناك ﴿إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فيها وَ لا تَعْرى‌ وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فيها وَ لا تَضْحى﴾‌۱ فهي الجنّة في النهاية، وقد كان هناك من النعم الكثيرة ولم يكن هناك جسم بل كانت الروح فقط والمواهب الروحيّة، المطلوب فقط أن ﴿لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمين‌﴾٢ إذا أردتما أن تقربا هذه الشجرة وهذه الشجرة تعني الدنيا، القمح يعني الدنيا، السنبلة تعني الدنيا، إذا قرُبتما منها حينها ماذا تصبحان؟ ظالمين ظالمين لأنفسكما.

    1. سورة طه، الآية ۱۱٩.
    2. سورة البقرة، الآية ٣٥، وسورة الأعراف الآية ۱٩.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

15
  • اختلاف مراتب الأنبياء في معرفة التوحيد 

  • مرتبة النبيّ يونس عليه السلام 

  • أليس لدينا في ذكر السجدة اليونسيّة عن النبيّ يونس: ﴿فَنادى‌ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمينَ﴾۱ لقد كنت من الظالمين يا إلهي.النبيّ يونس، النبيّ يونس نعم نعم كان من الظالمين، كان نبيًّا ولكنّه في هذه الحادثة كان من الظالمين، وقد تكامل توحيد النبيّ يونس بعد هذه الحادثة، وقبلها لم يكن توحيده قد تكامل بعد، وما يقال بل حتّى لوحظ في بعض التفاسير [من تأويل لذلك فهو غير مقبول…] ﴿وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى‌ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ﴾٢ النون يعني الحوت، ﴿وَذَا النُّونِ﴾ يعني صاحب الحوت، أي ذلك الرجل الذي دخل إلى الحوت، ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً﴾ خرج من بين قومه وهو في حالة غضب.عجيب لقد أتعبني هؤلاء ومهما دعوت عليهم لا يأتي العذاب، فلأخرج حتّى إذا نزل العذاب لا يصيبني.﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ خالَ أنّا لا قدرة لنا عليه، يقول بعضهم إنّ معنى ﴿لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ لن نضيّق عليه، أي لا نجعله في ضيق ولا تكون لنا عليه سلطة؛ وذلك لأنّه نبيّ فلا يتصوّر في حقّه أن يكون معنى ﴿لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ لن تكون لنا قدرة عليه، فهو لا يقول هذا الكلام، هو نبيّ، فكيف يقول ذلك؟ فليكن نبيًّا، فالنبيّ له مراتب، والمراتب التوحيديّة التي يدركها النبيّ مختلفة.فالنبيّ يونس لا يمتلك توحيد النبيّ إبراهيم، وليس الأنبياء في مرتبة واحدة ﴿تِلْك الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ﴾٣ وهذا التفضيل هو في المراتب، والتفضيل في المراتب بين الأنبياء هو التفضيل في معرفة التوحيد، فكلّ واحد منهم كان في حدّ معيّن من حيث المعرفة.

  • مرتبة النبيّ موسى عليه السلام

  • حتّى النبيّ موسى أليس لدينا حوله: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى﴾٤ شعر في نفسه بالخوف، فهؤلاء السحرة يأتون الآن وهذه العصا… ﴿قُلْنا لا تَخَف﴾٥ فلماذا خاف النبيّ موسى؟ لماذا؟ أليس الله هو الذي أمره أن يمضي ﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى﴾٦ أنت الرئيس وهم المرؤوسون.ألم يكن النبيّ موسى نبيًّا؟! فلماذا يخاف؟! وليس لدينا نحن تبرير وتأويل وأمثال ذلك، فالنبيّ موسى لم يكن قد كمل توحيده بالنسبة إلى هذا الأمر، ولو كان توحيده كاملاً لما خاف، ﴿فألقى عصاه﴾۷ لقد جعلناك نحن نبيًّا، فأنت نبيّنا! فما هؤلاء السحرة الذين يلقون حبالاً ويحرّكونها أتظنّ أنّهم على شيء؟! ﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى﴾۸ 

    1. سورة الأنبياء، الآية ۸۷.
    2. سورة الأنبياء، الآية ۸۷.
    3. سورة البقرة، الآية ٢٥٣.
    4. سورة طه، الآية ٦۷.
    5. سورة طه، مقطع من الآية ٦۸.
    6. سورة طه، مقطع من الآية ٦۸.
    7. سورة الأعراف، مقطع من الآية ۱۰۷.سورة الشعراء، مقطع من الآية ٣٢.
    8. سورة طه، مقطع من الآية ٦۸.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

16
  • لو أنّ موسى كان قد وصل إلى تلك المعرفة الكاملة للتوحيد لما كان هناك خوف أصلاً، ولكان الأمر بنحو آخر، فلو أنّ الله أراد أن يغلب السحرةُ موسى فما شأن النبيِّ موسى حينها؟! لا شأن له! أنت وظيفتك أن تقوم وتمضي وتنظر إلى أين نريد أن نسير ونبيّن، وإلى أين استمرّت هذه القصّة.

  • فانظروا أيّ فضاء رحب يوجد العرفان أمام الإنسان بحيث يشمل جميع الأفراد، فالله يريد هنا أن يظهر نفسه، هل تريد يا موسى أن تظهر نفسك أم الله؟! إن كنت تريد أن تظهر الله وتحقّق أهدافه فالله يريد أن يجعلك مغلوبًا من قبل السحرة فما شأنك أنت؟! يريد أن يجعلك مغلوبًا أليس هو الذي أرسلك؟ أأنت رسول نفسك أم رسوله هو؟! فلماذا الخوف إذن؟! هذا عين الكلام الذي تقدّم قبل ليلتين أو ليلة أمس، ليلة أمس، هذا عينه.

  • ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى﴾‌ خاف موسى وقال: لا قدّر الله أن يغلب هؤلاء، لا قدّر الله أن يغلب هؤلاء السحرة الإعجاز، أن يغلبوا إعجاز موسى ويراق ماء وجهي أمام الجميع! ما شاء الله ما شاء الله لقد ذهب ذلك في السنوات الثمان… .

  • شبان وادی ایمن گهی رسد به مراد***که هشت سال به جان خدمت شعیب کند
  • يقول: إنّما يصل راعي الوادي الأيمن إلى المراد بعد أن يخدم بنفسه شعيبًا سنوات ثمان

  • لقد ذهب الآن بيد بيضاء وعصا وأمثال ذلك… ﴿وَ ما تِلْك بِيمِينِك يا مُوسى‌ قالَ هِي عَصاي أَتَوَكؤُا عَلَيها﴾۱ ثمّ بعد ذلك يغلبه السحرة هنا؟! يا إلهي هل خدعتني أنت أيضًا؟! لقد قلت لي إذا ذهبت فستغلب.ولكن ماذا جرى؟ 

  • الفرق بين أحوال النبيّ موسى عليه السلام وأحوال النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله 

  • أمّا النبيّ فلم يكن هكذا، لم يكن النبيّ هكذا، قال النبيّ موسى: ﴿إِنْ هِي إِلَّا فِتْنَتُك﴾٢ ولكنّ النبيّ عجيب جدًّا جدًّا، لقد كان يقول في معركة أحد: «اللَهم اهد قومي فإنّهم لا یعلمون»٣ أتعلمون ما معنى «اللَهم اهد قومي فإنهم لا یعلمون»‌؟! هل أخبركم؟ هي عين معنى: «أنا وعلىٌّ أبوا هذه الأمّة».٤ إنّها عينها، وهذا المعنى لم يدركه النبيّ موسى، نعم أدركه لاحقًا، لاحقًا بعد أن كمل توحيده وصارت لديه سعة ووصل إلى مرتبة البقاء الكاملة صارت لديه هذه الحالة، أمّا أثناء سيره في النبوّة فلا، ففي النهاية للأنبياء مراتب، بل حتّى بعد وصوله فإنّ لرسول الله شأنًا آخر [يختلف عن شأن موسى]، كلاّ لم يكن مساويًا له، فأنا أصحّح كلامي، لم يكن الأمر هكذا، ولم يصل إلى هذا المستوى بعينه.

    1. سورة طه، الآيتان ١٧و۱۸.
    2. سورة الأعراف، الآية ۱٥٥.
    3.  إعلام الورى، ص ٨٢؛ الخرائج، ج ١، ص ١٦٤.
    4.  التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ص ٣٣٠.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

17

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

18
  • وفي معركة أحد عندما فرّ الجميع وهربوا ثمّ أرسلوا بعد ثلاثة أيّام رسولاً يخبرهم ماذا في المدينة هل أبو سفيان فيها؟ من فيها؟ هل فيها خبر أم لا؟ إن كان أبو سفيان فنرسل واسطة ونقول له: اذهب واشفع لنا بالله عليك، لم نفعل شيئًا لقد أخطأنا، وأمثال هذا الكلام.فجاء وقال: كلاّ يا عزيزي! لقد ذهب هؤلاء والنبيّ هنا.يا رسول الله ماذا جرى عليك؟ يا رسول الله أين كنت؟! يا رسول الله و… ـ لقد سقط أمير المؤمنين في الفراش بتسعين جراحة، فلم يذهبوا إلى أمير المؤمنين! ـ يا رسول الله ماذا حلّ بك؟

  • فالأمر ليس هكذا.قال المرحوم العلاّمة: لو أنّ رسول الله دعا عليهم حينها، لاستجيب له ولبقي الإسلام كما هو ولتابع النبيّ دعوته وجرى كلّ شيء على ما يرام، لا أنّ الله يوقف الأمور، يخلع نبيّه ويجعل نبيًّا بدلاً منه، كلاّ كلاّ! بل تستمرّ الأمور كما كانت، ولكنّ النبيّ لا يكون هو النبيّ، من سيكون النبيّ؟ سيكون شخصًا آخر، سيكون هو ولكن في تلك المرتبة، ﴿تِلْك الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ﴾۱ فيا رسولنا إن كنت تريد أن تبلغ إلى أعلى مرتبة من التفضيل فعليك أن لا تدعو عليهم، عليك أن تتلقّى الحجارة ولا تدعو عليهم، بل ادع لهم ادع لهم: «اللهمّ اهد قومي».فهؤلاء الذين یرمونك بالحجارة ربّما يؤمنون غدًا، وربّما يؤمن أبناؤهم.فيقول رسول الله: حسنًا أنا عبد، فما هو شأن العبوديّة؟! التسليم.العبوديّة ليس لها من أمرها شيء، والعبد لا يملك من نفسه شيئًا.

  • فإن كان لا بدّ أن يتكلّم الإنسان فلماذا يتكلّم باللعن؟! لماذا لا يتكلّم بالدعاء؟ فلنجعل هذا الأمر برنامجًا لنا، لنجعله برنامجًا سلوكيًّا لنا، فإذا أردنا أن نقوم بعمل فلماذا ندعو عليهم ونلعنهم؟! فلندع لهم! حقًّا فلندع لهم! عدّونا ندعو له أن يصلح.بيننا وبينه حساب فلندع له لماذا ندعو عليه؟! فإذا دعوت له والله أصلحه بواسطة دعائك ألا تشعر حينها باللذّة أكثر ممّا لو دعوت عليه أن ينزل الله عليه مصيبة؟! أيّهما يشعرك باللذّة أكثر؟! هل التشفّي يشعرك باللذّة أكثر أم أن تفاجأ بأنّه الآن صار في أيّة حالة وتغيّر؟! كم صارت لديه نورانيّة؟! كم صار طريقه الآن صحيحًا! كم صار الآن أفضل حالاً… فأيّ الحالين أكثر ابتهاجًا ولذّة بالنسبة إلينا؟!

    1. سورة البقرة، الآية ٢٥٣.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

19
  • رغبة الإمام السجّاد إلى الله هي بالمقام المحمود 

  • حسنًا فقد تجاوز الوقت الساعة العاشرة ولا تزال المحاضرة مستمرّة! كفى في النهاية، حتّى نرى ماذا يريد الله.فإذا أردنا أن نبلغ إلى تلك المرتبة التي كان يرغب بها الإمام السجّاد، فالأمل واضح، فما لم يكن الأمل بالله فبمن يكون؟! أمله واضح، وفي الفقرات السابقة تحدّثنا عن الأمل، وكانت للإمام السجّاد عبارات.ولكنّ تلك الرغبة في أيّ شيء هي؟! إلهي أنا لديّ رغبة في أن آتي إليك، فلأجل ماذا هذه الرغبة؟! لأجل هذا، لأجل هذه الأمور التي قالها الله لرسوله من أنّك إذا أردت أن تصل إلى هناك فعليك أن تتحمّل هذه الأمور، إذا أردت أن تصل إلى مقام الشفاعة العظمى والمقام المحمود.فهذه الرغبة تعني المقام المحمود.

  • فإذن الإمام السجّاد عليه السلام عندما يقول: «أدعوك يا ربّ راهبًا راغبًا» فهو يعني أنّ لديّ رغبة بمقامك المحمود.

  • ﴿وَ مِنَ اللَّيلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَك عَسى‌ أَنْ يبْعَثَك رَبُّك مَقاماً مَحْمُوداً﴾۱ المقام الذي يُحمد، وليس مقامًا حامدًا، فأنت في ذلك المقام لا تَحمِد، بل الخلائق تَحمِدك فيه، ما شاء الله، فالآن نحن نَحمِد ونَعبد ونُسبّح، فمن نحمد؟ نحمد الله، فمن هو المحمود؟ إنّه الله، ومن هو المعبود؟ إنّه الله، ومن هو المسبَّح؟ إنّه الله.فنحن المسبِّحون والله مسبَّح، ونحن الساجدون والمسجود له هو الله، ونحن العابدون وهو المعبود، ونحن الحامدون وهو المحمود، ولكن في هذه الآية يقول الله: ﴿عَسى‌ أَنْ يبْعَثَك رَبُّك مَقاماً مَحْمُوداً﴾ تصل إلى مقام لا تكون فيه حامدًا بل محمودًا! ما شاء الله! ويا له من مقام، إنّه مقام جيّد، ونترك بيانه إلى وقت آخر.

  • وطبعًا هذا الأمر لا يرتبط بهذا الدعاء، فقط أردت أن أبيّن بماذا يرغب الإمام السجّاد عليه السلام؟ هذا ما أردت أن أبيّنه.بماذا لديه رغبة؟ ما هي نظرة الإمام السجّاد؟ ما هو إحساسه؟ عن أيّ شيء كان يبحث حين قال هذه العبارة؟ عن أيّ شيء؟ هذه هي المسألة.الوصول إلى المقام المحمود الذي هو أعلى الرغبات وأعلى الميول، الرغبة التي ليس فوقها رغبة.

    1. سورة الإسراء، الآية ۷٩.

ما هي الرغبة التي يرغبها الإمام السجّاد من الله؟ - المقام المحمود ومراتب الأنبياء

20
  • نسأل الله ببركة أوليائه وبهمّة أوليائه وبأنفاس أوليائه أن يجعلنا ممّن يقتات على فُتات موائده وتحت ولاية وليّه، وأن يأخذ بأيدينا في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا متحقّقين بجميع هذه المعاني والرغبات التي ترشّحت من هذه النفوس المطهّرة والمقدّسة والممسوسة في ذات الله.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.