المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمناسبات الإسلامية
المجموعةمحاضرات عيد الغدير
التوضيح
فكرة طرحها سماحة آية الله السيد محمّد محسن الطهراني قدس سره في محاضرته التي ألقاها في الثامن عشر من ذي الحجّة باللغة الفارسيّة بمناسبة عيد الغدير من عام 1431 هـ في مدينة قم المقدّسة، وقد تناول في مطلع المحاضرة آية البلاغ بالتحليل والتفسير مؤكّداً على ضرورة التأمّل في معانيها العميقة، مشيراً إلى ما تبيّنه من محوريّة الولاية في تحقيق أهداف الرسالة، ثمّ سلّط الضوء على ما يغصّ به الواقع من مظاهر البعد عن هذه الولاية في إحياء الشعائر الدينيّة سواء في مجالس الفرح أو العزاء، مقدّماً معالم النهج القويم للتمسّك الحقّ بها، حيث إنّ كلّ فرد بعينه هو مقصود بنداء: أيكم يؤازرني؟ الذي أطلقه رسول الله صلوات الله عليه وآله في حديث العشيرة، وتكفّل استمراره أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير، وما تلبية هذا النداء سوى بالانضواء تحت تربيتهم وولايتهم عليهم السلام. ونوّه حفظه في الختام بعزم ثلّة من الشبّان الماضين في طلب العلوم الدينيّة والمتلبسين بزي رسول الله في الزمن الصعب الذي تردّت فيه النظرة إلى هذه الجماعة مبيّناً لهم أهمّ الوظائف المنوطة بهم.
هو العليم
تحمّل أعباء الولاية مائدة أمام مختلف القدرات
محاضرة عيد الغدير لعام ۱٤٣۱ هـ ق
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
و صلّى الله على سيّدنا و نبيّنا
أشرف الأنبياء و المرسلين أبي القاسم محمّد
و على آله الطيبين الطاهرين
و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
فقدان حقيقة الرسول وجهوده لولا تبليغ الولاية
قال تعالى: {يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته و الله يعصمك من الناس}۱
لم يكن في نيّتنا اليوم أن نوقع الإخوان في الضيق كما كنّا نفعل في المرّات الماضية حيث كنّا نعدهم بأن تكون الكلمة مختصرة لا تتجاوز ربع ساعة إلى نصف ساعة، ثمّ كان ينجرّ الأمر إلى أن تطول المحاضرات أكثر من ساعتين! [ضحك من سماحة السيّد].
و لكن إن شاء الله، فإنّ حظّ الإخوة اليوم سيكون أوفر، حيث أنّ تعبنا و قلّة النوم بسبب السفر ـ حيث أنني لم أنَم منذ الأمس ـ بالإضافة إلى الإرهاق الشديد ستكون سبباً للوفاء بوعدنا هذه المرّة، ودافعاً لكي لا نطيل عليهم كما كنّا نفعل سابقا [ضحك من سماحة السيّد].
ماذا يمكننا أن نفعل؟ فاليوم يوم الولاية، و يوم تجديد البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام، و هذه المسألة مهمّة جدّاً و ليست مزاحاً، إذ إنّ جميع الأنبياء عليهم السلام إنّما جاؤوا من أجل يوم كهذا .. لقد جاؤوا جميعاً من أجل هذا اليوم.
و من ناحية أخرى، فالإخوة الأعزّاء و أصدقاؤنا المكرمون سيتشرّفون اليوم بارتداء لباس العلم و التقوى، و سيتزيّنون بزينة الهدى، و طبعاً، فإنّ أقلّ ما يتوقعونه منّا هو أن نشاركهم و ندعمهم .. و لذا من باب الامتثال لدعوتهم سنعرض بعض الكلمات القليلة في خدمة الإخوة و الأصدقاء.
الآية الشريفة تقول: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك}. لقد قرأنا جميعاً هذه الآية سابقاً، بل ربّما قرأناها عشرات المرّات، و لكن من الآن فصاعداً ينبغي أن نكون أشدّ التفاتاً إلى معناها، و أن نرى ما هو مقصود الله تعالى منها؟ و من هو المخاطب فيها؟
{يا أيّها الرسول} .. لم يقل: يا محمّد، بل قال: {يا أيّها الرسول} إذ إنّ عنوان الرسالة هنا له حيثيّة تعليليّة، فهو يقول له: أيّها الشخص الذي حيثيّتك و شأنك و هويّتك الخارجيّة هي حقيقة الرسالة، و يا من هو المرآة الأتمّ لتقديرنا و إرادتنا و كلامنا النفسي؛ يجب أن تقوم بإبلاغ الناس ما أمرناك به و ما أنزلناه إليك، فإن أدّيت ذلك فبها .. فقد أدّيت رسالتك، و نفّذت ما أُمرت به، و حصلت على علامة النجاح و تخطّيت الامتحان ...
(أرجو أن تلتفتوا لما أقول، فأنا أقصد كلّ كلمة كلمة ممّا ذكرت ..)
... إذا فعلت هذا الأمر، فقد نجحت في الامتحان، و حصلت على إمضائنا لصحيفة أعمالك، ثلاثة و عشرون سنة ... قاسيتَ فيها أصناف العذاب و واجهتَ أنواع المصاعب؛ قاتلتَ المشركين و تحمّلتَ أذاهم؛ رموا الحجارة على أسنانك و كسروا رباعيتك، و أصابت الحجارة جبهتك و أقدامك، أخرجوك من وطنك، و طاردوك من مكان إلى آخر .. كلّ ذلك .. كلّه كان من أجل هذا اليوم! لقد كانت كلّ الأعمال التي قمتَ بها من أجل هذا اليوم! اليوم أريد أن أرى كيف ستؤدّي أمانة الرسالة!
(هذه هي المسألة! إنّنا نظنّ أننا نعرف الولاية، و لكنّنا في الواقع لا نعرف ما هي حقيقة مفهوم هذه الولاية)
... إذا أدّيت هذه الرسالة، فبها و نعمت، و إلاّ فإن لم تؤدّها، فإنّنا لن نجاملك و لن نتساهل معك ..
صحيح أنّك أنت النبي و الرسول؛ و صحيح أنّك أنت خاتم الأنبياء؛ و صحيح أنّك أنت سيّد الكائنات؛ و صحيح أنّك أنت أوّل ما خلق الله؛ و صحيح أنّك أنت الواسطة بين مقام الأحدية و الهوهوية و بين مقام الواحديّة؛ جميع ذلك صحيح ..
و لكن جميع ذلك فداء لهذا اليوم .. فداء لتلك المسألة التي أمرناك بإبلاغها للناس .. يوجد هنا أمر ناقص و مهمّ لم يتمّ إبلاغه للناس؛ فإن لم تؤدّ هذا الأمر {فما بلّغت رسالته}، بل كأنّك من الأساس و منذ اليوم الأوّل لم تكن رسولاً لنا، و جميع الأعمال التي أدّيتَها ستكون هباءً منثوراً .. {فما بلّغت رسالته}.
هدف الرسالة تنمية العقل
حسناً، هذه القضيّة عجيبة جدّاً، إذ ما هو الأمر الذي جعل النبيّ صلّى الله عليه و آله يتحمّل كلّ هذه المصاعب خلال ثلاث و عشرين سنة؟ من أجل ماذا؟ لقد تحمّل كلّ ذلك من أجل إقامة العدل .. من أجل إزالة الظلم .. من أجل استقرار نظام الصدق .. من أجل تطهير الأرض من النفاق .. من أجل القضاء على الجهل (أعاذنا الله من هذا الجهل) .. من أجل تنمية العقل و زيادة الفهم ..
«وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ»
أرسل الله الأنبياء ليثيروا و يحرّكوا دفائن العقول الكامنة في الإنسان، و يفتحوا هذا الأمر المغلق، فالمفتاح بأيديهم، فهم يأتون و يقومون بإراءة الطريق القويم و الممشى الصحيح، ثمّ يأمروننا بالحركة في ذلك الطريق .. يقولون لنا: امضِ في هذا الطريق، فإذا تحركتَ فإنّ عقلك سيتفتّح شيئاً فشيئاً، و ستلاحظ أنّ عقلك الآن قد اختلف عنه قبل شهر واحد، و بعد شهرين فإنّ الفرق سيكون كبيراً، و بعد سنة ستلاحظ أنّك أصبحت تفهم أموراً لم تكن لتفهمها قبل سنة من ذلك، و أنّك صرت تحكم على الأمور بشكل مختلف، ما هو سبب ذلك؟ سببه أنّ العقل صار ينمو و يكبر، «ليُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ» .. يأتي الأنبياء ليثيروا عقولنا و يوجدوا فيها اتقاداً و قوة، بحيث لا يستطيع أحدٌ بعد ذلك أن يخدعنا .. بعد الآن لن تتمكّن الجموع الحاشدة و كثرة الأشخاص أن تعمي عين القلب .. بعد الآن حتّى لو جاء كلّ الناس و قالوا لك مطلباً، فإذا كانت دفائن عقلك قد فُتحت، فإنّك تخالفهم جميعاً و تقول أنّ هذا المطلب خاطئ دون أن تهتزّ أو تتزحزح، بل تبقى ثابتاً على موقفك كالجبل الراسخ .. تبقى ثابتاً حتّى النهاية، و بعد ذلك يظهر أنّك أنت الذي كنت محقّاً، و أنّ كلّ أولئك كانوا مخطئين ..
هذا هو طريق الأنبياء، و هذا أسلوبهم، فهم من خلال التربية الخاصّة، لا التربية القائمة على أساس السليقة الخاصّة و الابتداع الشخصي حيث يأتي كل إنسان و يعطي أوامر و دستورات و ...، كلاّ! بل من خلال التربية الصحيحة .. التربية الخاصّة القائمة على أساس قانون صحيح، تلك التربية التي في كثير من الأحيان تتعارض مع الميول و الأهواء النفسية ..
يأتي النبيّ ليستخرج لنا دفائن العقول تلك واحدةً بعد الأخرى لنرى حينئذٍ عجباً .. و نشرع بقول: عجيب .. عجيب .. و نستمر بالقول: يا للعجب!! ما أعجب هذه المطالب التي بدأنا نفهمها؟! و ما أغرب هذه الأمور التي بدأنا نحسّ بها؟! إنّها أمور لا يفهمها الآخرون .. و نلاحظ أنّ الأمور التي يعدّها الآخرون قيّمة و مقدّسة تمسي عديمة القيمة عندنا .. و الأمور التي نلاحظ أنّ الآخرين مستعدون أن يقدّموا حياتهم ثمناً لها تمسي باعثة على الضحك بالنسبة لنا ... ههههه .. نجلس لنضحك و نقول: انظر إليهم .. انظر إلى الناس في أيّ شيءٍ يصرفون أوقاتهم؟ بل انظروا إلى الأشخاص الذين هم أكبر من الناس في أيّ شيء يصرفون أوقاتهم؟! لتضحكُنّ من ذلك ..
هذه الأمور لم تكن موجودة عندنا قبل سنوات قليلة؛ هذه الضحكات من أين جاءت؟ إنّ العقل قد تفتّح و صار يفهم أموراً جديدة، و بات قادراً على تشخيص أمور كان عاجزاً عنها في السابق ..
هذا هو دور الأنبياء و هذا هو عملهم ..
حسناً، من الأفضل ألاّ ندخل في هذا الموضع بشكل أكبر إذ إنّه موضوع يطول شرحه.
تحقّق هدف الرسالة موقوف على الولاية
الآية الشريفة تقول {يا أيّها الرسول بلّغ}، يجب أن تقول لهم و تبلّغهم، و توضّح الأمر للناس أنّ خلاصة الأمر هي: إذا كنتم تريدون لحقيقة الإنسانية المودعة فيكم أن تصل إلى الفعلية، فيجب أن تشاهدوا الحدث الذي سيقع في هذا اليوم؟
إنّ السنّة أيضاً يؤدّون الصلاة، بل إنهم يصلّون بشكل أفضل منّا حيث أنّهم يتلفّظون بالحروف من مخارجها بشكل ممتاز: و يتلفظون بالحروف الحلقية من مكانها الصحيح في أسفل الحلق ... نعم .. و بشكل عام يؤدّون وظائفهم المختلفة .. و لكن ما هو مقدار القرب الذي عندهم؟ و هل قرّبتهم هذه الأعمال من الله و ما هو مقدار هذا القرب؟!
و نحن كذلك، إذا لم نلتفت إلى هذه الولاية .. و إذا لم نتبّع هذه الولاية .. و نحن كذلك إذا صلّينا كما يصلّون هم، و حججنا كما يحجّون هم ... ألا يحجّون؟ بلى يحجّون، و يطوفون و يسعون بين الصفا و المروة و يذبحون الأضحية، و يتحمّلون تكاليف الحجّ، و يقطعون المسافات بالسيارة أو الطائرة .. نعم، هم أيضاً يحجّون، و يؤتون الزكاة، و يدفعون الصدقات ... و لكن ذلك كلّه ليس له نتيجة!! لماذا ليس له نتيجة؟ لأنّ تلك الأعمال لا روح فيها!
إن الروبوت يؤدّي عمله بشكل دقيق جدّاً، فهم يكتبون له برنامجاً و يضعونه في كمبيوتر الروبوت، يقولون له افعل كذا و كذا .. فينطلق لأداء مهامه كما برمجوه بشكل كامل، و هو قادر على أن يؤدّي جميع الأعمال التي نؤدّيها نحن .. بل هو يؤدّي أعمالاً أكثر .. فبدلاً من أن يصلّي ركعتين لصلاة الصبح، فإنّه يصلّي مائتي ركعة!! [ضحك من سماحة السيّد] و لكن ما هو مقدار الفائدة التي يحصل عليها هذا الروبوت من كلّ هذه الأعمال؟ صفر! صفر!
إذ إنّه بمجرّد أن ينتهي البرنامج الذي وضع فيه، فإنه يتوقف تماماً ليصبح قطعة جافة من الحديد لا تتحرّك ميليمترا واحداً!! لماذا؟ لأنه لا نفس له .. لا روح له .. لا روح له .. و نحن أيضاً إذا ما أغفلنا هذه الأمر .. إذا لم نضع نصب أعيننا الاقتداء بأمير المؤمنين .. إذا لم نضع نصب أعيننا اتباع هذا الرجل الإلهي المعصوم، فإنّنا سنكون مثل هؤلاء تماماً .. و لا فرق بيننا أبداً .
هل اتباع أمير المؤمنين هو باللطم والصراخ والشعر الموهن أم بالعقل والتحرّر من الهوى؟
إنّ اتباع أمير المؤمنين عليه السلام لا يكون باللطم على الصدر، و إضاءة أنوار الزينة، و وضع اللافتات و ما شابه ذلك .. هذه الأمور يمكن حتّى لليهود و النصارى أن يقوموا بها .. ألا يستطيعون؟ بلى يستطيعون .. فما الفرق إذاً؟! و هو كذلك لا يكون من خلال إقامة المجالس و تشكيل هيئات العزاء .. فهناك الكثير من المجالس التي تفوق هذا المجلس حجماً و عدداً والحضور فيه أكثر حماساً.. كلاّ، ليس الاتبّاع في ذلك كله ..و ليس الاتّباع بالصياح و النداء و الشعارات ..
إنّما اتّباع أمير المؤمنين يكون من خلال تفتح العقل و زيادة الفهم ...هذا هو معنى الاتّباع .. لا من خلال إقامة المجالس الكثيرة، و ترديد نداء: علي .. علي .. و رفع الصوت إلى آخر مداه ... إذ مهما رفعت صوتك يا عزيزي فلن يبلغ إلى حدّ مكبرات الصوت، حيث أنّ هذه المكبرات لو رفعنا صوتها إلى حدّه الأقصى لتسبّبت بالصمم لجميع الحاضرين!! فكم تستطيع أنت أن ترفع صوتك؟ إنّ هذه النداءات المتتالية: يا علي .. يا علي .. أو ضرب الرأس و اللطم على الصدر في مجالس العزاء ... ما هو المقدار الذي يمكنها أن تدفع بالإنسان إلى الأمام و ترفعه و ترقّيه؟ هل هذا هو كلّ شيء؟ هل يكفي أن نقيم مجلساً ونلطم الصدور أو كما يفعل البعض ضمن المجالس من التمثيل والتظاهر والأعمال الموهنة لساحة الأئمة؟ هل هذا العمل يجعلنا نتقدّم ونرتفع؟ هل هذا يجعلنا نتكامل؟ أن نؤلّف أشعاراً من عند أنفسنا وندّعي بها أنّا من المستميتين في عشق عليّ فنجعل مقامه أرفع من مقام النبيّ؟ أليس كذلك؟ كم هي شنيعة وقبيحة هذه الأعمال؟ هذه الأعمال لا ترتفع بالإنسان؟ بل هي تؤدّي إلى التقليل من شأن المذهب، والتشنيع عليه وإهانته، لقد قال أمير المؤمنين: أنا عبد من عبيد محمّد، لم يكن عليّ ممازحاً في قوله هذا، كان يقول حقاً وصواباً، لقد كان عبداً فوصل إلى مقام الإمارة ومقام الولاية، أمّا نحن فأحرار، نحن نفعل ما يحلو لنا، نحن أمورنا باختيارنا، ماذا كان يقول مولانا؟ رحمة الله على مولانا.. رحمة الله عليه.. حشره الله اليوم مع أمير المؤمنين والأئمّة، من أين لنا رجل كهذا الرجل الكبير الذي يمثّل افتخاراً لعالم التشيّع؟! ماذا يقول في حادثة الغدير؟
گفت هر كو را منم مولا ودوست | *** | ابن عمّ من على مولاى اوست |
كيست مولا؟ آنكه آزادت كند | *** | بند رقيت زپايت بگسلد |
اى گروه مؤمنان شادي كنيد | *** | همچو سرو و سوسن آزادى كنيد۱ |
إنّه يبيّن حقيقة الولاية وما هو السبب في تنصيب النبيّ أمير المؤمنين ولياً أمام الناس وإنهائه أمرها بهذا النحو؟ ولو لم يكن أمير المؤمنين لكنّا عباداً للشهوة إلى يوم القيامة، لكنّا عباداً للمناصب، حتّى وإن تكن العمائم تغطّي رؤوسنا، وإن اعتبرنا أنفسنا من المبلّغين، فهذا لا يفيد شيئاً، ولو جعلنا أنفسنا في عداد أتباع هذا المذهب، هذا ليس بشيء، لا بدّ من أن يقدِم الإنسان ويخطو في ميدان العمل، لكنّنا عباد الشهوة، شهوة النفس وشهوة السلطة والقدرة، تعالوا وانظروا بأعينكم ماذا يحدث، نعم.. شاهدوا الوقائع بأنفسكم.. نحن عباد للهوى وعباد للأنانيّة، لماذا تقع كلّ هذه الحروب التي تشاهدونها في الدنيا؟! لأنّ الجميع عباد.. عباد للذهب وللسلطة.. عباد للأطماع.. الجميع عباد للشهوات.. الجميع عباد للأنانيّات.. لمحوريّة الذات.. ومحوريّة الأنا.. فقط ما يختلف هو الأسماء والأشكال هذا يلبس عباءة وهذا يلبس معطفاً، هذا يلبس قباءً وذاك يلبس قميصاً، وهذه كلّها مظاهر، وأما الباطن فشيء واحد، لماذا خالف أبو بكر رسول الله مع أنّه كان قد بايعه؟ لأنّه كان عبداً.. كان عبداً للشهوة.. للمنصب.. لشيطان نفسه، ما الذي تغيّر؟ أيّها السيّء الحظّ! هل يستحقّ الأمر كلّ ذلك؟ سنتان ونصف تقلب خلالهما الحق عن مسيره! ماذا أجداك ذلك؟ كلّ المصائب حتّى قيام صاحب الزمان عليه السلام تكتب الآن في كتابك أنت. أما أنت يا عمر فماذا صنعت؟ إثنا عشر عاماً أو عشرة أعوام غصبت الخلافة خلالها، ماذا دهاك؟ هل عشرة أعوام من الحكم تستحقّ ما صنعت في سبيلها؟ عشرة سنوات.. أيها الإخوان كيف تنظرون إلى السنوات العشر الأخيرة التي مرّت من عمركم؟ ألا تذكرونها؟ ها نحن ننظر إليها وكأنّها كانت يوم أمس، فلو أنّكم قمتم خلالها بما قام به عمر ماذا كنتم ستجرّون على أنفسكم من البلاء؟! هل التفتم إلى ما أريد؟ أريد أن نتقدّم شيئاً فشيئاً إلى الغرض الأساس من الكلام؟ تذكّروا هذه السنوات العشر.. نفس يوم عيد الغدير منذ عشر سنوات عام ۱٤٢۱ هـ، نعم ذاك هو.. لقد كان بالأمس.. بالأمس القريب... مرّت كمرّ السحاب!
فإذن ماذا يجب أن نصنع؟ علينا أن نخرج أنفسنا من هذه العبوديّة، لنكن من أرقّاء وعبيد أمير المؤمنين، فإذا صار الإنسان من أرقائه صار حرّا، حينها لا يمكن لأحد أن يربط أعناقنا بحبل ويجرّنا نحو هذا الاتجاه أو ذاك، عندها لا يمكن لأحد أن يأخذ بنا إلى هنا وهناك بواسطة الدرهم والدينار! الدرهم الدينار من الحبال ها! حينها لا يمكن لأحد أن يغرينا ويخدعنا بكرسيّ من الخشب، فيجرّنا في مسير ميوله الخاصّة؛ لأنّا صرنا أحراراً.. نعم لقد أمسينا أحراراً ولا يمكن لأحد أن يسيطر على الحرّ، ماذا يمكنه أن يفعل؟ يقول: أعطيك مالاً! تقول له ضاحكاً: هههه لقد وصلت متأخّراً يا عزيزي، ليتك وصلت قبل بضع سنوات، أعطيك مليوناً! نقول له: ضعه في جيبك! أو ضعه أمام المرآة فيصير مليونين!!! صحيح؟ وأما إذا وضعت مرآة ثانية في مقابلها فسوف يصير ملايين الملايين إلى ما لا نهاية. يقول: أعطيك عشرة ملايين، فكذلك تضحك... يقول: أعطيك مائة مليون.. مليار، يقول له: يا عزيزي أنت اكتب واحداً وإلى جانبه ما شئت من الأصفار من هنا إلى طهران وإذا شئت أبعد من ذلك، فهل يعجبك ذلك أم لا؟! لماذا تقول ذلك؟ لأنّك صرت حراً.. نعم لقد صرت حراً، لقد كنت عبداً إلى ما قبل هذه اللحظة، أما الآن فقد صرت حراً، بالأمس كنت تكذب ألف مرّة لتحصل على مليون، كنت تقول للناس: يا فلان اشتر من هذا الصنف فلست تجد مثله عند أحد في السوق، كلّ ذلك حتّى تحصل على مائة ألف تومان، يا شقيّ! لقد كنت تكذب، أما الآن فقد صرت حراً وبتّ تقول للمشترين: اذهبوا إلى الشارع الفلاني فإنّ عنده سلعاً خير من سلعتي، اذهبوا واشتروا منه، قبل الآن كنت إذا قيل لك لقب ما.. السيّد فلان، كنت تفتخر وتفرح، أما الآن فلو أعطوك كافّة مراكز الدنيا، ماذا؟ رئيس جمهوريّة إيران؟ إيران لا تعادل عقلة إصبع من العالم. نجعلك رئيساً على الشرق الأوسط كلّه!! تقول: ماذا؟ إن هي إلا تعب وشقاء. نجعلك رئيساً على القارات الخمس، تقول: اذهب يا عزيزي! لا أريد، لقد قلت لك إنّها شقاء، وأنا مسرور دعني أمضي هذين اليومين المتبقيين لي من الدنيا كما يحلو لي. نجعلك رئيساً على القمر.. على المنظومة الشمسيّة.. كلّ ما تحبّ، لكنّك صرت ترى ذلك كالهواء أمام ما تدركه من معارف، لأنّك صرت حراً، تحرّرت من الزوجة والأولاد، تحررت من العائلة والعشيرة، من الشركة وغيرها، ومن كلّ شيء.
غلام همّت آنم كه زير چرخ كبود | *** | زهر چه رنك تعلّق پذيرد آزاد است۱ |
اذهب وكن غلاماً لمثل هذا الإنسان، إذا صرت غلاماً له، فالمولى سخيّ وهو يأخذ بيدك إلى حيث وصل، إنّه لا يتركك واقفاً أمام الباب بينما يغنم وحده في الداخل.
لذا قال النبيّ اليوم: إذا كنت تريد أن تتحرّر فما عليك إلا أن تأتي إلى هذا المكان، عليك أن تحطّ رحالك عند هذه العتبة، لا في أماكن أخرى، لا عند المغريات والجواذب، ولا عند المدّعين، عليك أن تأتي إلى هذا المكان، عليك أن تحطّ رحالك في مدرسة الأولياء.. أن تسجد في مدرسة الأولياء، هذا هو المكان الذي يجب أن يسجَد فيه، عند أولئك الذين يحررونك، لا الذين يضاعفون من عبوديّتك، لا بأس اذهب وانظر واسمع وجرّب بنفسك، فأنا لست أقول ذلك افتراء من نفسي، اذهب وانظر وشاهد ماذا يوجد هنا وهناك، انظر إلى أيّ الاتجاهات يقودون الناس، هذا يقول: كن معنا، وذاك يقول: كن معي، هذا يقول: اصعد المنبر وإذا زدت في مديحي زدت في أجرتك، وذاك يقول كذا وكذا... ما هذا؟ ما هذا يا عزيزي؟! اذهب إلى ذلك الذي يقول لك: إذا ذكرتني على المنبر بمدح فأنا أعتذر عن دعوتك في المرّة القادمة، هذا هو المكان الذي يقصد وينبغي أن تحنى عنده الرؤوس إعظاماً، لا المكان الذي إذا اختصرت في المديح... وهذه أصغر المواقف.
نداء أيكم يوازرني نداء لجميع أفراد البشر
هناك كلام عجيب تذكّرته عن المرحوم العلاّمة وأرى من الخسارة أن لا أذكره الآن، كان المرحوم العلاّمة يوماً يطرح حديث العشيرة ـ {وأنذر عشيرتك الأقربين} ـ وقد عبّر عنه بتعبير غاية في العجب، تقول الآية: {وأنذر عشيرتك الأقربين} آمرة النبيّ أن يبلّغ دينه لأول مرّة لعشيرته وأقاربه، والقصّة معروفة، ثمّ قال رسول الله: أيكم يوازرني ـ وهذا كلام عجيب جداً ـ على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي؟ أيّكم يأتي ويحمل معي هذا الحمل الذي أحمله؟ لقد جئت لأقلب الملك والملكوت رأساً على عقب.. لقد جئت لأسير بكلّ ما سوى الله نحو الله.. ـ نعم فهذا هو النبيّ في النهاية ـ جئت لأقطع كلّ النفوس عن كافّة تعلّقات ما سوى الله وأقودها نحو ذلك الاتجاه، ولا أدع سوى تعلّقاً واحداً هو التعلّق بالوصول إلى مقام المعرفة والتوحيد، سأترك هذا التعلّق وأقطع سائر التعلّقات، لقد جئت من أجل القيام بكلّ ذلك، وهذا العمل محفوف بالمشقّات والمتاعب، محفوف بالمخاطر.. بالهجرة.. بالتشرّد.. هذا العمل يصنع الأعداء للإنسان، فمن الذي يأتي ويحمل هذا الثقل، ويخفّف عنّي وطأته، من الذي يساعدني على حمله، من يشاركني في رسالتي، لقد كانت عبارة المرحوم العلاّمة بحرفيّتها: إنّ رسول الله صلّى الله عليه يحتاج إنساناً ونفساً يمكنها أن تحمل هذا الثقل وتستمرّ بتلك الحركة ولا تدعها تتوقّف. لا أدري إن كنت أوصلت الفكرة التي أريد أم لا؟ ذلك التكليف الذي عهد به الله إلى النبيّ والذي هو التحرّك بجميع النفوس والخلائق نحو الله، وليس هو مجرّد أحكام الطهارة وأحكام الصلاة والصيام والأحكام الجزئيّة، لا بل تحريك كافّة النفوس وتحريرها والسير بها إلى الله، وفتح باب المعرفة أمامها جميعاً، هذه هي المسألة، لقد كان النبيّ يبحث عن شخص آخر يعينه، (على أن يكون وصيي وخليفتي من بعدي) فقام أمير المؤمنين عليه السلام وقال أنا أقوم بذلك يا رسول الله.
ثمّ يقول المرحوم العلامة: لا تتصوّروا أنّ ذلك الخطاب كان مختصّا بأمير المؤمنين، إنّه خطاب لكلّ فرد منّا، فاليوم يوم الخميس يوم عيد الغدير من عام ۱٤٣۱ هـ رسول الله يقول لكلّ فرد بعينه: أيّكم يوازرني؟ من منكم حاضر ليعينني في مسير الرسالة، فمعنى يوازر هو قبول الوِزر والثقل وتحمّل الأعباء. فمسألة الولاية ـ إذا دقّقنا ـ ليست مسألة تختصّ بأمير المؤمنين، فنجلس ونقرأ الشعر ونلطم الصدور ونترنّم بالمدائح وينتهي الأمر، أو أنّها قضيّة ترجع إلى ألف وأربعمائة عام، الولاية التي كانت مرتبطة بأمير المؤمنين مضت وانقضت وتمّ إبلاغها منذ ألف وأربعمائة عام، فما صلتها بنا؟ لقد حصلت في غدير خمّ وجمع النبيّ الناس وأبلغهم وأعلنها لهم، فما أثرها علينا وما علاقتنا بها؟ جيّد نحن نقبل أنّ إمامنا هو أمير المؤمنين، وأنّه هو الوصيّ بعد النبيّ وأنّ هؤلاء الثلاثة غاصبون للحقّ، فهل هذا كاف؟! لا هذا ليس بشيء مهمّ في حدّ نفسه، المسألة هي أنّ يوم الغدير يوم حيّ ومستمرّ في تمام لحظات تاريخ حياتي أنا وحياتك أنت، تلك المسؤوليّة التي قبلها أمير المؤمنين قسّمها على جميع الأفراد إلى يوم القيامة، وكلّ من جاء وأعلن القبول بها فقد تقدّم ومضى وصار فانياً في ولاية أمير المؤمنين، وكلّ من قال: لا مقتصراً على لطم الصدور، واكتفى برفع علم فقط.. اكتفى بإقامة مجالس العزاء البرّاقة، اكتفى بتأسيس الهيئات وتقديم طعام الغداء والعشاء، ولكن لم يقدم على تحمّل المسؤوليّة، لم يقدم على إقامة العدل وإماتة الظلم والنفاق، لقد اكتفى بالجلوس بعيداً وبالهتاف علي علي علي علي... انزوى وصار يقول: كم هو إنسان جيّد هذا الإمام علي، وكم كان شجاعاً حتّى شارك في كلّ تلك المعارك! لقد كان هو كذلك فما أثر ذلك عليّ وما النتيجة العائدة عليّ أنا القاعد؟ ما صلة هذه الأعمال كلّها بي؟ إن كانت لله فقد أعطاه الله أجرها ورفع مقاماته وكذا وكذا، أما بالنسبة لي أنا فماذا؟ فقد جئت أنا بعد ۱٤۰۰ عام، ما فائدة ذلك بالنسبة لي؟ ما هو النفع العائد عليّ أنا من يوم الغدير؟ وما هو الأثر الذي تتركه عليّ حادثة يوم الغدير؟ ما هي النتيجة التي ينبغي أن أتّخذها أنا من هذه الحادثة؟ هذا هو المهمّ, لقد كان هذا كلام المرحوم العلاّمة، إنّ رسول الله أوكل الولاية إلى أمير المؤمنين في يوم الغدير، وأمير المؤمنين نادى في كلّ النفوس إلى يوم القيامة أن ها أنا عارضها على الجميع فهل من مجيب؟ ها أنا قد بسطت المائدة أمام الجميع فتفضّلوا بسم الله، الآن من الذي يجلس عند هذه المائدة؟ وكيف يكون الجلوس عندها؟ هل بالقول: إنّ علياً كان إنساناً جيّداً؟ لا فهذا ليس جلوساً على هذه المائدة. هل بالقول: كان عليّ فارساً مقداماً وقلع باب خيبر؟ لا فائدة من ذلك وهذا ليس استفادة من المائدة. ولكن عندما تقول الحقّ والصدق ولا توارب فأنت على المائدة، عندما تعمل على إقامة العدل فأنت على المائدة، وعندما تسعى إلى نفس ذلك الهدف الذي قدّم عليّ في سبيله زوجته لتقطّع وتقتل، فتقول أنا حاضر ومستعد إلى نهاية الطريق، فحينئذ أنت داخل تحت ظلّ هذه الولاية، حينئذ يأتون إليك ويحتضنونك ويحرسونك ويحفظونك من عداوة الأعداء ويسيرون بك ويوصلونك، نعم يأخذون بك ويوصلونك، ولا تتصوّروا أنّ الأمر خلاف ذلك.
رفض العلامة الطهراني للعلاج في الخارج تلبية لنداء المؤازرة
وقد كنت ألمس ذلك في كلمات ومواقف المرحوم العلاّمة، لقد مرض في إحدى السنوات، لا بدّ أنّكم قرأتم عن ذلك فيما كتَب، وقد جاء الجميع يؤكّدون عليه بضرورة السفر إلى الخارج، الخارج ماذا يعني؟ عند من؟ يعني اليهود، يعني الصهيونيّة، بريطانيا ماذا تعني؟ هل هي غير الصهيونيّة؟ ماذا حدث الآن لم يعد هناك إشكال في التعامل معها؟ ألأنّ الأمر وصل إلى العلاج ارتفع المحذور؟ من هي أمريكا؟ أليست هي الصهيونيّة؟ أليس هؤلاء بيهود؟ أليسوا جميعاً ضدّ الإسلام؟ بلى هم ضدّ الإسلام، كلّ هذه الدول هي ضدّ الإسلام، كلّهم دول كفر واستعمار وهم الشيطان الأكبر والعدوّ الأول للإسلام والتشيّع والولاية، كل هذا صحيح، ولكن لماذا إذا أصاب أحدنا صداع بسيط عليه أن يقبّل أعتاب تلك البلدان؟ الآن من هو المتّبع لعليّ؟ من هو الملبّي لنداء تلك الولاية؟ هل والدنا الذي أوصاه حتّى أطبّاء العيون بالسفر وقالوا له بما أنّك متمكّن من السفر فلماذا تريد أن تجري العمليّة هنا؟ فقال: أنا أذهب إلى الخارج، أنا الذي قضيت عمراً في الإعلان عن أنّ كلّ مصائب المسلمين هي من دول الكفر هذه، الآن إذا أذهب إليهم ليقولوا: هذا العالم هذا السيّد آية الله الذي يشتمنا ما الذي جاء به إلينا؟ عينه تؤلمه قليلاً فجاء ليقبّل أيدينا، نعم؟ هل التفتمّ إلى هذا الكلام؟ لذا أقول لكم أنّ علينا أن نفكّر أكثر اليوم إذا قرأنا آية {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك} علينا أن نفكّر في هذه الآية والمعنى الذي تريد أن تؤديه؟ لقد قال: ولو آل الأمر إلى أن تعمى عيناي كلتاهما فلن أخرج من إيران، هذا يسمّى بحامل لواء مدرسة التشيّع، هذا يسمّى المتحرّر في مدرسة الإمام عليّ، هذا يسمّى ابن عليّ وابن الولاية، هذا يقال عنه أنّ حقيقة التشيّع قد تبلورت في شخصيّته، هذا الذي يقال عنه أنّ دفائن عقله قد استثيرت وصار له نوع آخر من الإدراك، هذا الذي يقال أنّه العطوف على الدين، عطوف، هو أمّ للدين لا خالة له (زوجة الأب)، نحن جميعاً بمثابة الخالة، هو أمّ، ومن هي الأمّ؟ الأمّ هي التي عندما أراد أمير المؤمنين أن يقطع الطفل نصفين قالت: لا أريده أعطه لتلك المرأة، أما تلك فقد كانت تنظر، تلك هي الأمّ، لماذا؟ لأنّه متّصل بقلبها، أم هذه فهو ليس متّصلاً بقلبها، فلو مات لا مشكلة ولو مات ألفٌ من أمثاله فلا مشكلة، وكأنّ شيئاً لم يكن.
إنّ حقيقة الولاية هذه ليست منحصرة في فرد واحد، أمير المؤمنين حامل لوائها، وتحت هذا اللواء لا بدّ أن يجتمع المجتمعون، ومن هم هؤلاء؟ هل هم المعمّمون وحدهم؟ لا، المعمّم وغير المعمّم، العامل.. التاجر.. الطبيب.. المهندس.. البقّال.. العطّار.. كافة الناس، العالم.. المجتهد.. غير المجتهد.. طالب العلم... على كلّ هؤلاء أن ينضووا تحت هذا اللواء، وهذا العلَم، وعلى كلّ واحد منهم أن يقول أنا حاضر ومستعدّ بما يتناسب وقدرتي وإدراكي، وإن لم نقل ذلك، فإنّ أمير المؤمنين سیقف في طريقنا يوم القيامة.. سيأتي ويمنع ويحاسب، فيقول: انظر ماذا صنعتُ أنا للولاية فماذا صنعت أنت لها؟ نعم ألم يتحدّث الخطيب اليوم على المنبر أنّ أمير المؤمنين هو ميزان، يقول: أنا جاهدت في كلّ هذه الحروب، فهل أصابك أنت من قرح في سبيل الولاية؟ هل أصبت بلطمة واحدة على وجهك؟ وهذا المستوى هو الأول، وهناك مستويات أخرى سيعرضها علينا مما لا يمكن ذكره في هذا المجلس، فقد أصيب أمير المؤمنين بأنواع من الظلم لم يستطع بعضهم تصوّرها فأنكروها.
على الجميع أن يأتوا وينضووا تحت هذا اللواء ويقبلوا بهذه الولاية، اليوم حين يقول بعضنا لبعض: الحمد لله الذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين عليهم السلام ونبايع ونجدّد البيعة، فمعنى تجديد البيعة وتجديد الحياة هو ذلك، وبالطبع أنا لا أقول أنّ كلّ من انضوى تحت اللواء لا يشتبه، فالاشتباه من الخصال الإنسانيّة، والله يعفو عنه، الله يعفو عن الاشتباه، ولكن المهمّ أن لا نتعمّد وأن لا ندسّ رؤوسنا في التراب، كلّنا نشتبه، والله لا ينظر إلى اشتباهنا، المعصومون هم أربعة عشر وفقط، المهمّ أن لا نتعمّد ولا نكذب على أنفسنا ولا نقول: إن شاء الله هرّة۱، هم يحاسبوننا بحسب إدراكنا وفهمنا، يحاسبوننا بمقدار ما سمعنا ويسألوننا كم طبّقنا ممّا نعلم؟
وظيفة طلاب العلوم الدينيّة
وهذه هي وظيفة أهل العلم وسادتنا الطلاب، فوظيفتهم عظيمة جداً، على الطالب أن تكون حركته فقط لله.. فقط لله وفقط لصاحب الزمان، عليه أن يدرس عليه أن يتحرّك ويسير، عليه أن يفكّر، هدف الطالب هو فقط صاحب الزمان، وما سواه صفرٌ صفرٌ صفرٌ صفرٌ، إذا أشركنا غيره بمقدار رأس الإبرة فنظرْنا إلى مصالحنا وحياتنا الشخصيّة فقد خسرنا وخسئنا، لا يمكن أن نقول الآن ننظر قليلاً إلى حياتنا والإمام يعفو عن هذا اليسير، لا فهذا يعني أنّا انتهينا وخسرنا. ينقل لي أحد الإخوان أنّه كان ذاهباً إلى مكان ما فرأى أحدهم يتكلّم بكلام مثير للعجب، فقال له: يا فلان أنا أعرفك على غير ذلك، وليس هذا الكلام كلامك، فقال: نعم، في النهاية لا بدّ أن نلبّي احتياجات حياتنا الأسريّة... ما شاء الله!! هذا نوع من أنواع الناس. ولو كنّا كذلك فما هو الفرق بيننا وبين أولئك الذين عمدوا إلى السقيفة، فقد كان غرضهم كذلك تحسين وضعهم المعيشي في حياتهم اليومية، وفي كربلاء كان الأمر كذلك، ماذا قال عمر بن سعد ليلة عاشوراء؟ قال: إن لم أحارب أخذ ابن زياد بستاني وأرضي، ألأجل البستان تحارب؟! قال له الإمام الحسين أنا أعطيك بستاناً، قال: سأعطى ملك الري، قال الإمام حينئذ، ما دام الأمر كذلك فاذهب وخذ ملك الريّ إن استطعت، لقد كانت هذه هي مشكلتهم، عندما أقول لكم أنّا نحن مثل هؤلاء فهذا هو المراد، نحن شيعة من حيث التسمية وأما من حيث الواقع فماذا نحن؟ وإلى حدّ انضوينا تحت ولاية أمير المؤمنين؟ إلى أيّ حدّ لبّينا نداء "أيكم يؤازرني"؟ كم هي النسبة المئوية لاستجابتنا؟ أمير المؤمنين قال: أيكم يؤازرني، قالها لنا، فكم أنتم مستعدّون؟ وكم أنتم حاضرون للصمود؟
عندما يدرس الطالب فلا بدّ أن يكون هدفه الوحيد هو الله، وينبغي أن يفكّر في ذلك كلّ يوم ويستحضره على الدوام، وكلّ ما سوى الله علينا أن نلقيَه خارجاً، مهما كان، أيّة شخصيّة كانت وأيّة موقعيّة، عليه أن يلقيَها جانباً لتأتيَ الملائكة وتساعده، عندما يكون كذلك فإنّه سيفهم ما يفهم بشكل صحيح، سيأتون ليحيطوا به ويلقنوه الفكرة الصحيحة ويوسّعوا من أفق فكره وإدراكه. {ولا يخافون في الله لومة لائم} وفقط يسعون إلى اكتشاف الحقّ، هؤلاء يمكن أن تقول أنّهم متّبعون للولاية.
تردّي نظرة الكثيرين إلى طالب العلم لم تمنع الصامدين عن المضي
هؤلاء الإخوة الذين يعزمون اليوم على التلبّس بلباس العلم والتقوى لم يكونوا عاطلين عن العمل، ولم يفرّوا من بيوتهم، واستعدادهم وقدراتهم لا تقلّ عن قدرات سائر الناس إن لم تكن تفوقها، لم تكن مكانتهم أدنى من مكانة غيرهم إن لم تكن أرفع، فلماذا ساروا في هذا الخطّ؟ جاؤوا ليلبّوا نداء الولاية هذا، ليقولوا في هذا الزمان الصعب المدبر المنقلب على عقبيه، في هذا الزمان الذي أمسى شعار أهله:" لا بأس.. نؤجّل البحث في هذا الموضوع.. ونؤجّل ونؤجّل ونؤجّل.." جاؤوا ليقولوا مع كلّ هذه المآسي والمصاعب، ومع كلّ هذه المزعجات والحملات والهجمات، ومع وجود هذه النظرات السيّئة إلى طلاب العلوم الدينيّة الذين يبلّغون مدرسة التشيّع، جاؤوا ليقولوا: نريد أن ندوس على أهواء نفوسنا. هناك الكثيرون الآن يقولون: نحن ننزع العمائم ليمكننا أن نبلّغ الدين بنحو أفضل! من تريدون أن تخدعوا؟! أنتم تريدون أن تنزعوا العمائم لكي تعيشوا في راحة أكثر، أنتم تريدون أن تبلّغوا؟! لا بل تريدون أن تسيروا ليلاً في الشوارع في تحرّر أكثر من القيود والضوابط، أنتم تريدون أن تبلّغوا؟ لقد رأينا تبليغكم! نعم في هذا الزمن... لقد مضى زمان على أهل العلم في العهد الصفوي كان أهل القصور يأتون إلى أهل العلم فيأخذون ثيابهم ليغسلوها، هل لبس العمامة في ذلك الزمان كان شيئاً ذا قيمة؟! أم الآن هو ذو قيمة؟! الآن هو ذو قيمة، الآن بدؤوا يحملون الوقائع غير المرغوب بها ويفرضونها على طلاب العلوم فرضاً، فيا عجباً! أذنب حدّاد في بلخ فأعدموا نحاساً في شوشتر!!! في مثل هذه الظروف يأتي الطالب منهم مع إمكان أن يذهب ويجمع الكثير من الأموال ويهيّئ وسائل الراحة لحياته، يمكنه أن يعمل في التجارة.. أن ينتسب إلى الجامعات ويدرس.. يدرس هذه العلوم والمسائل المتداولة الآن، ولكنّه ينهض و يأتي على خلاف ما تهوى الأنفس وهذا ليس بأمر قليل الشأن، لا بل لهذه الأمور ثوابها عند الله، وكلّ ذلك محفوظ في كتاب أعماله، فالرسول الأكرم لم يقل ما قال عبثاً حين قال: إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم. الملائكة تفرش أجنحتها تحت أقدام طالب العلم وتعمل على تأييده، لماذا؟ لأنّهم مرتبطون بعالم القدس وعالم النورانيّة لذا فهم يفهمون بأنّ ما يدرسه سيوصله إلى ذلك المكان، وأنّ هذا الذي يدرس و يطالع هو يسير بذلك الاتجاه، أمّا الفيزياء و الكيمياء فلا تسوقه نحو ذلك الاتجاه!! بل هي مجرّد قواعد و معادلات، وكذلك الرياضيات!! لا أقول أنّ هذه العلوم سيّئة، لا بل هي جيّدة للدنيا ولتنظيم الحياة في الدنيا، ومن قصد التقرّب في دراستها فله الأجر أيضاً.
ولكن ذلك العلم الذي يكون من أوّل الأمر مبنيّاً من أساسه على حركة النفس نحو عالم القرب، أيّ علم هو؟ إنّه علم العقائد، هو علم الأحكام، هو علم المباني، هو علم الفلسفة، هو علم التفسير، هو علم العرفان، هذه هي العلوم التي تشدّه نحو تلك العوالم، و هي التي توقظ قلبه على ذلك العالم، وهي التي تخرجه من هذا المستنقع النتن، ولذا تأتي الملائكة فتعمل على مساعدته، وتعمل على تأييده، فإذا عرضت له مشكلة يرى أنّها حلّت فجأة، فمن أين حلّت؟ من هناك. نعم هذا الأمر كثيراً ما يحصل، ففي بعض الأحيان تغلق بعض المسائل على الإنسان فيبحث عن حلّ لها فلا يجد، ثمّ يأتي في المباحثة فيرى فجأة أنّها قد حلّت، فيتّضح معنى كلام معيّن للإنسان، وكلّها تأييدات ربّانيّة تأتي على هذه المجموعة وهذه الطائفة من الناس، من هنا كانت مسؤوليّة هؤلاء مسؤوليّةً شاقّة جداً، فهؤلاء ينبغي أن يعلموا عندما يضعوا أرجلهم في أيّ مكان أنّ وليّ نعمتهم يتوقّع منهم أن يقوموا برعاية أيتام آل محمّد] السيّد و الحضور: اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، [و أن يعلمّوهم وأن يقولوا للناس ما هو مطابق لرأي وليّ النعمة، لا ما يطابق المصلحة الشخصيّة، بل ما يريده ولي النعمة.
ماذا يريد وليّ النعمة الآن؟ وليّ النعمة يقول: تكلّم فإذاً تكلّم، يقول: اسكت فإذاً اسكت، وعندما يقول: اسكت ينبغي أن لا تتكلّم، والتكلّم هنا خطأ وعصيان.
يرسل الإمام الصادق إلى هشام أن لماذا تكثر من الكلام في المجالس إلى هذا الحدّ، أولا تعلم أنّ الزمان قد اختلف، فإن كنت تبلّغ من أجلي، فأنا أقول لك: اسكت. وكذا يرسل الإمام موسى بن جعفر إلى المعلّى بن خنيس أن لماذا تعرّض نفسك والشيعة للخطر؟ لم تذكر كلّ هذه المسائل صراحةً من دون إخفاء واحتياط؟ فإن كنت تفعل ذلك من أجل الإمام فهذا أمر الإمام [أن اسكت].
ونحن إن كنّا نعمل لأجل الإمام، وإن كنّا ندرس لأجله، وإن كنّا نتحرّك من أجل الإمام، ينبغي أن ننظر إلى إمامنا ماذا يقول؟ ينبغي أن نرى بماذا يأمرنا الإمام الصادق، وبماذا يأمر الإمام الباقر، وماذا يقول الإمام الرضا، وما يقول إمام الزمان. أمّا إن كان لأجل أنفسنا فسيختلف الأمر!! إن كان عملنا من أجل أنفسنا و الدنيا فالمسألة تختلف عندئذ!!
وبناءً على هذا، ينبغي على الطالب أن يدرس دروسه بشكل دقيق.. أن يطالع بشكل جيّد، أن يباحث بشكل مميّز، وأن لا يقضي وقته هنا وهناك، وينبغي أن يحسب كلّ دقيقة من عمره، وعليه أن يجهّز نفسه بالعلوم، وعليه أن يستفيد من كلّ أوقاته، وينبغي أن يتسلّح بالبرهان و المنطق لمواجهة حملات المخالفين، وعلينا أن نعلم هذه المسألة أيضاً: نحن لسنا أولياء الدين، ولسنا وكلاء عنه، وولي الدين وصاحب الدين هو شخصٌ واحد لا غير، وهو صاحب العصر و الزمان أرواحنا فداه، وكلّنا لسنا إلاّ أدوات و وسائط، ولا نتحرّك إلا بحسب السعة الفكريّة و السعة الوجوديّة التي نملكها، ولكن إن كان لدينا مسألة ما أو موضوع نعتقد بصحّته، عندها ينبغي أن نقوله للناس، سواء راق لهم أم لم يرق فهذا شأنهم هم، مثلاً: يقولون: لا يوجد في الإسلام حكم الرجم، نقول: لا ليس صحيح، بل هناك رجم في الإسلام، وينبغي أن يكون هناك رجم، وينبغي تطبيق حكم الرجم، وأمّا قول الآخرين: يا سيّد هذا حكم خاطئ ومخالف للصواب. فنجيبهم: إنّ الإسلام يريد أن يقف بهذه العقوبة في وجه الخطأ والمخالفات، وإن لم يواجهه بهذه العقوبة، عندها سيصبح الوضع في العلاقات إلى الحدّ الذي تسمعون به الآن، كما تسمعون الآن، ولكن لو أنّهم قاموا برجم شخصين اثنين، عندها سترون الأثر من هذا الحكم، وإذا قطعت يد السارق يكون هذا الأمر مواجهة للسرقة، لا أن يرمى السارق في السجن ويذبحون له ذبيحة ثمّ يتوّجونه كالأبطال، عندها سيتزايد السارقون، ومن يقتل نفساً، ينبغي أن يقام عليه القصاص! ينبغي تطبيق أحكام الإسلام نقطة بنقطة، فإن كان أهل الدنيا يعترضون فليعترضوا، وهل كنتم تعيشون من أجل أهل الدنيا حتّى الآن حتّى تقول ما تقول...؟!
من أهل الدنيا؟ أهل الدنيا هم أولائك الذين يقفون في الشارع عراة كما خرجوا من بطون أمّهاتهم، ويعبرون أمام النساء والأطفال، هؤلاء أهل الدنيا: العراة، فهل ينبغي لنا أن نقلق ونضّطرب من أجل هؤلاء، أم ينبغي لنا أن نقلق و نضّطرب لله عزّ وجلّ.
لا، بل الرجم موجود في الإسلام، و القصاص موجود، وسائر الأحكام والتعزيرات موجودة، وينبغي أن نقول هذه الأمور، وينبغي إعلانها لجميع الناس ولكن لا بدّ أن يكون ذلك بنحو مقبول وعقلاني و صحيح، مع بيان واف للموضوع.
نحن لسنا بالقيّمين على الدين، فإن كنّا نعلم نخبر الناس، وإن كنّا لا نعلم نقول: لا نعلم، وإذا كنّا لا نعلم وقلنا: نحن نعلم، أو كنّا لا نعلم ثمّ أتينا وبدأنا نوجّه و نعلّل المسائل فهذا خيانة لهذه المدرسة، نحن لا نعلم...
ليس المطلوب أن يكون علمنا كعلم إمام الزمان والإمام الصادق عليهما السلام، بل لو بقينا ندرس مئة سنة ـ ما هي المائة سنة؟! ـ بل مئة مليار سنة لن نصل إلى ظفر الإمام الصادق عليه السلام، فهل المطلوب أن نكون في هذه المرتبة؟! لا أبداً. والله يكتفي منّا بهذا المقدار فقط، ولا يريد أكثر من ذلك، ولكن ينبغي أن لا نقصّر، وينبغي علينا أن نذهب إلى المنبع و المصدر على النحو الصحيح، وأن نذهب إلى المدارك والأسس، فندرس الأدبيات بشكل جيّد جداً، ندرس الصرف والنحو بشكل جيّد جداً، ندرس الفلسفة و العرفان بشكل جيّد جداً، ندرس الفقه بشكل جيّد جداً، ندرس التفسير و التاريخ والأصول وسائر المباني بشكل جيّد و على النحو الأتم، ثمّ الباقي ليس علينا، فوليّ الدين هو شخص آخر، ونحن لسنا إلاّ متكلّمين وخطباء لا أكثر، فإن كنّا نعلم نقول، وإن كنّا لا نعلم لا نقول، وينتهي الأمر بذلك.
جيّد، لقد انتهى وقودنا (بنزيننا) مع أنّنا تجاوزنا الوقت في الحديث، ونطلب من الأصدقاء والرفقاء أن يسامحونا وأن يتجاوزوا عن كثرة حديثنا، ونسأل الله أن يكثّر هذا النوع من المسائل والمجالس التي هي مجالس لإحياء ذكر أهل البيت، وأن يرغّب الناس أكثر في الدين، وينبغي في الظروف ـ للأسف أو لحسن الحظ من جهة أخرى ـ عيون الناس ذوي الفهم، وأعين الناس ذوي الفهم، وأعين الناس ذوي العقل، و أعين أولئك الذين يبحثون عمّا أضاعوا، ولا يستطيعون أن يدوسوا على فطرتهم، ولا يستطيعون أن يحيلوا ما وجودوا إلى يد المصالح لتتلاعب بها، هؤلاء الناس هم الذين يمكن التعويل عليهم، إنّ أعين هؤلاء تتجّه نحو هذا النوع من العلماء الذين أتوا ليتحرّروا، لا الذين جاؤوا لتحصيل الاسم و المنصب و المقام والرئاسة و أمثال ذلك...، بل الذين جاؤوا للتخلّص من التعلّقات، جاؤوا للتخلّص من العبوديّة، عيون الناس في هذا الزمان ولله الحمد هم في تزايد وتزايد، فهم يتزايدون لحسن الحظ، إنّ وجود هذه الطبقة ترفع من مستوى المجتمع هو باعث على الحياة، إنّ أنظار هؤلاء تبحث عن هذا النوع من العلماء، وإلاّ فيمكن للإنسان أن يكون على أي نحو، والهمج الرعاع متواجدون في كلّ مكان، وهي مسائل أخرى ولها موقعها.
لذا ينبغي على السادة الأفاضل، الطلاب والعلماء أن يكونوا ملتفتين من اليوم رغم أنّهم كانوا يسعون نحو العلم ومتابعين لهذه المدرسة والمنهج وبناء الذات قبل هذا اليوم الذي سيرتدون فيه زيّ أهل العلم، ولكن من اليوم فصاعداً ستختلف النظرة اتجاههم، وسيكون زيّهم هذا زياً يتوقّع الناس منه توقّعات أخرى، وإن شاء الله نسأل الله أن يأخذ بأيدينا جميعاً وبأيدي كلّ من تعهّد بقبول ولاية أمير المؤمنين عليه السلام مهما كان موقعه.