1

معنى سرعة الإجابة من الله

ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

18
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1420

التاريخ 1420/09/02

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

لماذا يُحمد الله على إجابته لدعائنا مع أنّ الإجابة فعلٌ طبيعيّ؟ ما هو السرّ الذي أدركه الإمام السجاد عليه السلام ولم ندركه نحن في علاقتنا بالله؟ كيف تكون إجابة الله لنا بلا عوض، وما هي أفضل بضاعة نقدّمها في سوق العشق الإلهيّ؟ تجيب هذه المحاضرة من سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثماليّ، التي ألقاها آية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهرانيّ، عن هذه الأسئلة العميقة، كاشفة عن حقيقة الاتصال الدائم بالله وشرط الوصول إليه.

/٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • معنى سرعة الإجابة من الله 

  • ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۰ هـ - الجلسة الأولى

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِن الشّیطانِ الرّجیم

  • بِسمِ اللهِ الرّحمٰنِ الرّحیم

  • و صلّى اللهُ علَی سیّدنا و نبیّنا أبی‌القاسم محمّدٍ

  • و علَی آلهِ الطّیبینَ الطّاهرینَ

  • و اللّعنةُ علَی أعدائِهم أجمعینَ

  •  

  •  

  • «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي وَ إِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ يَدْعُونِي، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي وَ إِنْ كُنْتُ بَخِيلًا حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أُنَادِيهِ كُلَّمَا شِئْتُ لِحَاجَتِي وَ أَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسِرِّي بِغَيْرِ شَفِيعٍ فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي لَا أَدْعُو غَيْرَهُ وَ لَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لِي دُعَائِي، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا أَرْجُو غَيْرَهُ وَ لَوْ رَجَوْتُ غَيْرَهُ لَأَخْلَفَ رَجَائِي»

  • في هذه المضامين، وهي مضامين واحدة، يُسند الإمام السجاد سلام الله عليه الخير والمنقبة والكمال والفعليّة حصرًا إلى ساحة الله تعالى؛ ويُسند الضعف والنقصان والفقر والإمساك والفراغ والمنقصة إلى طبيعة الإنسان والبشر.

  • فالحمد يختصّ بإلهٍ «أدعوه فيُجيبُني»؛ إنّ صيغة الفعل المضارع في «أدعوه» تدلّ على الاستمراريّة، أي إنّ هذه الوضعيّة والحالة موجودة باستمرار، وهذه هي شيمة الله وصفته، فصفة الله هي صفة الإجابة.

  • لماذا يستحقّ الله الحمد على إجابته للدعاء؟

  • حسنًا، لماذا يختصّ الحمد بمثل هذا الربّ الذي «أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي»؟ وهل مَن يجيب الإنسان يستحقّ الحمد والثناء؟! فعلى سبيل المثال، عندما ننادي إنسانًا فيجيبنا ويأتي، فهل هو يستحقّ بذلك الحمد؟! أو عندما نطلب من إنسان ما شيئًا فيعطينا إيّاه، فهل هو يستحقّ بذلك الحمد؟! أو إذا كان لدينا عمل ما مع إنسان ما فنذهب إليه، فيستجيب لطلبنا، أو ندعوه لضيافة في منزلنا فيستجيب، فهل هو يستحقّ بذلك الحمد؟! لماذا يقول الإمام هنا عن الله تعالى: الحمد يختصّ بذلك الإله الذي أدعوه فيُجيبُني؟

  • هنا مسألتان ينبغي أخذهما بعین الاعتبار: 

  • المسألة الأولى هي: وكما ذُكر سابقًا، إنّ كلمة «أدعوه» تدلّ على الاستمراريّة، وهذه الاستمراريّة صفة تنحصر بذات الله تعالى، ولا يوجد أيّ موجود غير ذات الله يتّصف بهذه الصفة، بحيث كلّما أردته أجابك؛ فمَن تعرفون بهذه الصفة في العالَم؟ 

  • ففي النهاية، يستيقظ الناس صباحًا ويذهبون إلى أماكن عملهم ودراستهم وإداراتهم وغير ذلك. يتّصل المرء لإنجاز معاملة إداريّة، فيقولون له: « لا يزال سيادته في المنزل، عندما يأتي للعمل اتّصل به!» حسنًا ! ننتظر ساعتين حتّى الثامنة أو التاسعة، ثمّ نتصل بمكان العمل، فيقولون: «الحاج في الطريق ولم يصل بعد!» وعندما يأتي في الساعة العاشرة نتّصل، فيقولون: «الحاج لديه اجتماع مع اللجنة!» حسنًا، في أيّ ساعة أتّصل؟ يقولون: «اتصل في الساعة الحادية عشرة!» وعندما أتّصل يقولون: «الحاج يتناول الشاي أو المثلّجات!» أخبرونا بوقتٍ يكون فيه موجودًا عندما نتّصل! نتّصل في الثانية عشرة، فيقولون: «الحاج ذهب للصلاة!» ثمّ نتصل في الواحدة، فيقولون: «الحاج ذهب إلى المنزل!»، وتُؤجّل القضيّة إلى الغد. جيّدا! في نهاية المطاف، إن أبدوا لطفًا وعنايةً كبيرة، فإنّهم يجيبون على الهاتف، ثمّ يرسلونه إلى هنا وهناك، قائلين: «اذهب إلى فلان، اذهب إلى علّان،...!» وهذا الموضوع الذي أذكره لكم قد حدث معي شخصيًّا، أي إنّني لا أبالغ أو أغالي!

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

3
  • يستيقظ الإنسان من نومه صباحًا وينشغل بعمله وبرنامجه حتّى يعود ليلًا إلى منزله فينشغل بأهله وعياله والمطالعة. ولكن لو أنّ متّصلاً اتّصل بك في الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة ليلًا، وهو وقت بداية نومك وراحتك، وقال: «السلام عليكم، كيف حالكم؟ سيّدنا، هل لك أن تنجز لنا هذا العمل غدًا؟»، فإنّك ستقول له: «يا جاهل، ألا تخجل؟! وهل الساعة الثانية عشرة ليلًا وقتٌ مناسبٌ للاتصال حتّى توقظني من نومي؟!»

  • توصية الأولياء بالنوم المبكّر

  • وبالطبع عليّ أن أشير هنا إلى هذه النقطة، وهي أنّه يجب على الجميع أن يكونوا نائمين في الساعة العاشرة! وكان المرحوم الوالد رضوان الله عليه يقول: «يجب أن تناموا مبكّرًا حتّى تستيقظوا مبكّرًا في المقابل!» أمّا نحن فلا نعمل بهذه الوصيّة، أو أنّنا نعمل فقط بالنوم المبكّر لنكون قد عملنا بواحدة من وصاياه على الأقل. رحمه الله، كان أحيانًا يعاني مرضًا ولا يصوم، لكنّه كان يتناول السحور والإفطار ويقول: إنّ كنّالا نصوم،فلو لم نتناول السحور والإفطارفسنكون كفّارًا على الإطلاق! فلنتناول هذا الإفطار على الأقل كي لا يقولوا عنّا كفّار!

  • يجب على الإنسان أن ينام مبكّرًا في الليل لكي يكون لديه الاستعداد والتهيّؤ. ففي نهاية المطاف، هناك تعلّقٌ مادّيٌّ لوجودنا، و التعلّق المادّيّ بنفسه يوجب انصراف النفس عن الجانب التجرّديّ. نعم، كلّما غلب الجانب التجرّديّ وخرج الإنسان من هذه التعلّقات المادّيّة، حينها لا يمكن للتعلّقات المادّيّة مثل النوم أن تؤثّر فيه؛ ولكن ما دام هذا الجانب من التعلّق بالمادّة موجودًا، فإنّ الإنسان محكومٌ بقوانين المادّة. لذلك، كانوا يقدّمون هذه التوجيهات لهذا السبب.

  • منذ فترة، قبل شهر رمضان تقريبًا، كنتُ أطالع حتّى الساعة الحادية عشرة ليلًا وكنتُ متعبًا جدًّا، فذهبت لأستريح. وما إن كاد يغلبني النعاس حتّى رنّ الهاتف فجأة! فقلت في نفسي: هل أردّ على الهاتف أم لا؟ لا بدّ أنّ مَن يتّصل في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلًا لديه أمرٌ مهمٌّ جدًا، فمثلًا، إمّا أن يكون أحد أقاربه قد مات، أو أنّ شخصًا قد عاد إلى الحياة، فلا بدّ أن تكون المسألة في هذه الدرجة من الأهميّة! فرفعتُ السماعة، فكان المتّصل امرأة من إحدى المحافظات. قالت: «السلام عليكم سيّدنا! أردت فقط أن أسمع صوتكم وأسلّم عليكم!» قلت: «شكرًا جزيلًا، وفّقكم الله!» ثم سألَتْ قليلاً عن الأحوال وأغلقت الهاتف.

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

4
  • إجابة الله في كلّ الأوقات والأماكن

  • أمّا الله فليس كذلك، بل يجيبنا في أيّ وقتٍ نشاء؛ إذا ناديناه في الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر، يقول: لبّيك! في منتصف الليل وقبل أذان الفجر يقول: لبّيك! عند شروق الشمس يقول: لبّيك! هذه الأذكار الواردة قبل شروق الشمس، وعند غروبها، وعند الظهر وقبل الظهر، لأيّ شيءٍ هي ؟ يقول تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ﴾۱. فالتسبيح يعني الإجابة من جانبه وناحيته! فقول «سُبْحَانَكَ» يحتاج إلى جواب، وقول «الْحَمْدُ لِلهِ» يحتاج إلى جواب، وقول «الشُّكْرُ لِلهِ» يحتاج إلى جواب، وقول «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» يحتاج إلى جواب! كلّ هذه تحتاج إلى جواب، وإن لم يأتِ الجواب فلا فائدة، لا بدّ من وجود جواب!

  • قصّة البروفيسور كوربان: ما الذي يميّز الإسلام عن سائر الأديان؟

  • في أحد الأيام، كنّا برفقة المرحوم الوالد في محضر المرحوم العلامة الطباطبائيّ، فقال: كنّا نتحدّث يومًا مع البروفيسور الفرنسي هنري كوربان (رحمه الله)، فقال في أثناء الحديث هذا الأمر: «إنّ أحد أدلّة أحقّيّة الإسلام، وخصوصًا التشيّع الذي له ميزة خاصّة على سائر الملل والمذاهب كاليهوديّة والنصرانيّة والهندوسيّة والبوذيّة وغيرها، هو أنّ أوقات عبادتهم محدودة، وأماكن عبادتهم أيضًا محدودة!» فهم يذهبون إلى المعبد في وقتٍ خاصّ؛ فالنصارى مثلًا يذهبون يوم الأحد إلى الكنيسة، واليهود يذهبون يوم السبت إلى الكنيس، والهندوس يجب أن يذهبوا إلى المندير أو الكشترا في المساء. وبعض الطوائف يجب أن تذهب للعبادة قبل الظهر، وزمان ومكان عبادتهم أصلاً هو في هذا الوقت؛ ولكن في الإسلام، لا زمانُ العبادة محدود، ولا مكانها محدود.

  • «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَ طَهُورًا» فيمكنك أن تعبد في أيّ مكان على الأرض، فقط لا تصلّ في الأماكن المغصوبة والمكروهة مثل: الحمّام، والشوارع، والمزابل، والأماكن النتنة ذات الرائحة الكريهة، وإلّا فاعبد حيثما شئت. وبالطبع، الأفضل أن تُؤدّى العبادة في المسجد؛ فلها في مسجد الحيّ ثواب، وفي مسجد المدينة ثواب، وفي المسجد الجامع ثواب، وفي مسجد الكوفة ثواب، وفي حرم أمير المؤمنين كلّ ركعة بثواب مئتي ألف ركعة صلاة. وهذا بسبب أهميّة المكان نفسه. ﴿جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَ طَهُورًا﴾ فإن لم تكن على وضوء، فاضرب بيديك هنا على التراب والحجر وتيمّم، وإن لم يكن ذلك مُيَسَّرًافعلى الخشب، وإن لم يكن الخشب فاضرب بيديك على السجّاد ولا مانع من ذلك. يجب على الإنسان أن يصلّي في كلّ حال؛ ففي حال الخوف صلاته مختلفة، وفي حال الغرق إذا قال «الله أكبر» حُسبت له صلاة.

    1. سورة طه، الآية ۱٣۰.

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

5
  • فالاتصال دائمٌ ومستمرّ؛ أي لا يوجد أيّ وقت أو أيّ لحظة من اللحظات فيها حجاب أو ستر بين الإنسان والله المتعال، وهذا يختصّ بالإسلام! في الأوقات التي يكون فيها الإنسان مُنشغلاً بتلاوة القرآن، يكون الله هو المتحدّث مع الإنسان؛ وفي أوقات انشغال الإنسان بالصلاة، يكون الإنسان هو المتحدّث مع الله؛ وفي سائر الأوقات أيضًأ يُستحبّ أن يكون لسان الإنسان مشغولًا بذكر الله.

  • الاتصال الدائم بين العبد وربّه

  • كان من وصايا المرحوم الوالد أنّه كان يقول: «في أيّ وقت من أوقات الفراغ، قولوا بهدوء: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ!». مثلًا، عندما تمشون في الشارع، أو عندما تجلسون في جمعٍ ما. فقَولُ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» له أثرٌ تكوينيّ. فكلّ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» هي إجابة من قِبَله! والسالك ليس لديه وقتٌ فارغٌ أصلًا؛ فإمّا أن يكون مشغولًا بذكر الله، أو أن يكون مشتغلًا بعملٍ في سبيل رضا الله، فلا معنى أصلًا لأن ينقطع هذا الحبل وتلك العلاقة!

  • والأمر هكذا دائمًا وفي كلّ الأيام. كلّ يوم وكلّ شهر وكلّ لحظة من لحظات الإنسان لها حالٌ وخاصيّة؛ وبالطبع، يجب على الإنسان أن يختار أفضل اللحظات لفراغه. 

  • «الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَدْعُوهُ فَيُجِيبُنِي» [الحمد مختصٌّ بالله الذي ٍ] كلّما ناديته، أجابني! وهذا لا يختصّ بالإسلام؛ بل حتّى اليهود بمذهبهم الخاطئ ومسلكهم الباطل هم كذلك، كلّما دعوا الله أجابهم، وكذلك النصارى وعبَدة الأوثان! فهو عابد للوثن، لكنّ تعلّقه بالله لم ينقطع؛ لذا فإنّ الله يجيبه هو أيضًا!

  • قصّة الإمام الصادق عليه السلام مع ابن أبي العوجاء

  • قال الإمام الصادق عليه السلام لابن أبي العوجاء الدهريّ عندما كان ينكر وجود الله: «هل حدث وأنت تبحر في البحر أن كادت سفينتك أو قاربك أن يغرق؟» قال: «نعم، حدث لي ذلك في إحدى الرحلات!» حينها قال الإمام، الذي كان على علمٍ بالقصّة: «في تلك الحال من اليأس والقنوط، ما هي الأفكار والتصوّرات التي خطرت ببالك؟» قال: «هناك، كان قلبي يميل وينجذب نحو جهةٍ ما، وكنتُ أراها وحدها سبب نجاتي» فقال الإمام عليه السلام: «ذاك هو الله»!

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

6
  • تلك الجهة الخارجة عن علل وأسباب الطبيعة، والواقعة خارج نطاق الوسائط، هي عبارة عن الوجود البسيط الذي هو الربّ تعالى. فرغم أنّه ملحدٌ ودهريّ۱، إلّا أنّ تعلّقه وارتباطه لا ينقطع، بل هو نفسه من يُسدل الستار! يجب عليه أن يزيح الستار. الله لم يُسدل ستارًا، نحن من نُسدل الستائر، نحن من نصنع حجابًا فوق حجاب باستمرار ونتسبّب في ابتعادنا!

  • حسنًا، أليس مَن يمتلك مثل هذه الخصوصيّة مستحقًّا للحمد والثناء؟ لأنّه وجودٌ مستعدٌّ لخدمتنا في كلّ حال، وكلّما قصدناه يقول: «أنا حاضر!» حسنًا، فإذا أردنا أننلاحظ قيمة معيّنة في العالم ونمدح عليها أحدًا ونقول: إنّ هذاكلّما ذهبنا إليه لم يردّنا خائبين»، فمنعساه أن يكون؟ إنَّه لا يمكن أن يكون إنسانًا؛ لأنّ أيدينا تقصر عن الوصول إلى هذا الإنسان في بعض الأوقات، فلا بدّ أن يكون موجودًا أسمى من هذا المقام والمرتبة. فإذا كان من المقرّر في عالَم القيم والمعايير والمقدّسات أن نعتبر إجابة دعوة المضطرّين والسائلين إحدى القيم، فإنّ الذات التي تختصّ بالمرتبة العُليا من القداسة هي ذات الله تعالى، التي كلّما قصدناها وجدناها!

  • الآن وفي هذه اللحظة، لو توجّهنا إليه لأجابنا، وبعد ساعة أو ساعة ونصف كذلك، وفي الساعة الثانية عشرة والواحدة والثانية كذلك، في أيّ وقتٍ نشاء! لا يقول أبدًا: أنا متعبٌ أو مشغول! لا يقول أبدًا: اذهب الآن وعُد بعد ساعتين! ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾٢ لا تأخذه سِنة ولا نعاس ولا نوم، بل هو دائمًا يقظ! فهو من هذه الزاوية والجهة مستوجبٌ للحمد.

  • إجابة الله وعطاؤه بلا عوض

  • المسألة الثانية التي يستوجب الحمد من أجلها، هي أنّ هذه الإجابة التي يقدّمها، هل هي في مقابل أمرٍ ما أم ليست في مقابل شيء؟ وهذا مهمٌّ جدًا! هل يجب عليه حتمًا أن يجيب عندما نطلب منه؟ أم أنّه ليس من اللازم أن يجيب؟ وهل الإجابة التي يقدّمها هي في مقابل عملٍ قمنا به؟ أي هل تحمل طابع المعاملة والأخذ والعطاء، أم أنّ الله تعالى عندما يجيب، فإنّه يجيب بلا عوض؟

  • في مرتبة ذات الله، لا معنى للأخذ والعطاء أصلًا، وكلّما كان الإنسان في ذلك المقام والبلاط خالي الوفاض، قُبِل بشكلٍ أسرع! وكلّما كان الإنسان هناك معدمًا وفقيرًا، وجد الطريق أسرع!

    1. الدهريّ هو الذي يُرجع كل الحوادث والأفعال إلى "الدهر" (أي الزمن)، معتقدًا أن العالم قديم وأزلي، وينكر وجود الخالق المدبّر والبعث بعد الموت (م) 
    2. سورة البقرة، الآية ٢٥٥.

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

7
  • سلعة الفقر والاحتياج، أثمن ما يُقبل في الحضرة الإلهيّة

  • انطلق أحد الأعاظم لزيارة عظيم آخر بصحبة مريديه وتلامذته. على ما يظهر، وردت هذه القصة في كتاب «نفحات الأنس» لجامي أو في «تذكرة الأولياء». فلمّا وصلوا إلى هناك، قال لتلامذته: «من يجد في نفسه أهلية إدراك محضر الشيخ فَلْيدخل، ومن لا يجدها فلا يأتِ!» فدخل الجميع، إلّا أنّ واحدًا منهم بقي خلف الباب، فسألوه: «لمَ لا لم تدخل؟» فأجاب: «لقد اشترط شيخُنا وقال: ادخلوا إن كنتم تملكون الأهليّة، ولا تدخلوا إن لم تملكوها. وإنّي عندما أنظر في حالي، أرى أنّي لا أملك هذه الأهليّة، ولم أتمكّن من تحصيل المكانة التي تؤهّلني لإدراكمحضره!» وعندما دخل القوم، إذا بذلك الشيخ الذي قصدوه للزيارة يسأل: «ذلك الذي يملك أهلية محضري، لمَ لَمْ يأتِ؟!» أي أنّ المسألة معكوسة!

  • ففي المقام الأوّل، يجب إظهار المسكنة؛ لأنّ هذا الإظهار للمسكنة هو الأهليّة بعينها! ولكن إن قلنا: كلّا، نحن نملك الأهليّة، لدينا التهيّؤ والاستعداد، فإنّهم يصرفوننا! وهم في هذا الأمر بارعون جدًّا وأساتذة، ويشغلون الإنسان بحيث قد لا ينتبه لعشر سنوات! تأتي الأحلام، وتأتي المكاشفات، وتأتي الحالات؛ لكنّ كلّ هذا مجرّد صرفٍ للانتباه، والإنسان لا يرتقي قدر أنملة. كلّها تخيّلات، وكلّها أوهام ودخول في الأهواء والمسائل التخيّليّة، وإذا شاء الله وأخذ بيد الإنسان، فإنّه بعد عشر سنوات فقط ينتبه أنّه في أيّ نوعٍ من المسائل والأمور هو غارق، وفي أيّ امتحاناتٍ يعجز عن النجاح! هنا، وفجأةً، يقول لنفسه: إذن، ماذا كنّا نفعل في هذه السنوات العشر؟!

  • بر سر بازار عشق کس نخرد ای رفیق***از تو به یک جو هزار کشف و کرامات را۱
  • يقول: 

  • في سوق العشق الإلهيّ، يا صديقي، لا يشتري أحدٌ منك آلاف المكاشفات والكرامات ولو بشعيرة واحدة

  • إنّ أفضل سلعة وأثمن بضاعة في هذا السوق، هي سلعة الفقر والعجز والمسكنة. حقًا، عندما يقرأ الإنسان هذه الفقرات، يخجل من نفسه! انظروا إلى الإمام السجّاد عليه السلام، من بداية دعاء أبي حمزة «إِلَهِي لَا تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ» إلى آخر الدعاء، هل يقول مرّة إنّني شيءٌ يُذكر؟! أنا ذلك الذي هو إمامٌ على الخلائق! أنا ذلك الذي هو صاحب الولاية! في أيٍّ من هذه الفقرات رأيتم مثل هذه العبارة؟! بالطبع، هذه المسألة واقعيّة وحقيقيّة؛ فالإمام السجاد عليه السلام هو الإمام الرابع في مذهب التشيّع، ومقامه لا يختلف قدر أنملة عن سائر الأئمة عليهم السلام، ولا يختلف عن مقام أبيه أبدًا! كُلُّهُمْ نُورٌ وَاحِدٌ، ولكن هل رأيتموه يومًا يقول: أنا صاحبُ الولايةِ الكبرى الإلهيّة؟! أنا الذي آمُرُى جبرئيلَ و ميكائيلَ و إسرافيلَ؟! أنا الذي ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾٢ و مَلَكوتُ السّمواتِ؟! كلّ هذه العبارات هي من مقامات الإمام عليه السلام، لا أنّها ليست كذلك؛ ولكن هل رأيتموه يقول واحدة منها؟!

    1. دیوان وحدت کرمانشاهی، ص ۱٥.
    2. سورة يس مقطع من الآية ۸٣.

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

8
  • مع أنّ عالَم الوجود بأسره في يده، لكن أيّ عبارات يقول؟ يبيّن حاله قائلًا: إلهي، أنا المذنب وأنت الغفور! إلهي، أنا العاصي وأنت غافر الذنب! إلهي، نحن البخلاء وأنت الجواد! إلهي، نحن المساكين وأنت الغنيّ! هو لا يكذب، ولا يريد أن يخدعنا، هو إمامٌ ويقول ذلك من صميم قلبه حقًا! إذن، ما هو المقصد؟ الإمام السجّاد عليه السلام ذكيٌّ وفطِن، وقد أدرك سرّ المسألة؛ أمّا نحن فلم ندركه! الأذكياء يفهمون ما هي القضيّة. لقد أدركوا سرّ القضيّة، وهو أنّ أسمى سلعة توجب القبول في محضر الله وفي النظام الربوبيّ هي سلعة الفقر والاحتياج! لقد أدرك الإمام السجاد عليه السلام هذه المسألة ونحن لم ندركها، ولذلك نحن نراوح أماكننا باستمرار، ونصعد ونهبط باستمرار! على أيّ حال، بقدر ما ندرك أنّنا فقراء ومحتاجون، نكون مقرّبين بذلك القدر، وهذا يؤثّر في أعمالنا الخارجيّة وسلوكنا.

  • عطاء الله قائمٌ على الفقر لا على العوض

  • المسألة هي أنّ جانب الاستعلاء والترفّع والعلوّ والاستكبار والعناد غير موجود في الإمام السجاد عليه السلام، بل هو صفر. عندما يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: «الْفَقْرُ فَخْرِي!»؛ فهذا يعني أنّ فخري أنا رسول الله على سائر الموجودات هو أنّني وصلت إلى حقيقة الفقر وأدركتها. هؤلاء الدراويش الذين يقولون: «لباس الفقر»، قد أخذوه من هذه الرواية! فيقولون مثلًا: «البس خلعة الفقر من يد الدرويش الفلانيّ». خلعة الفقر تعني الجبّة التي يرتدونها، وهي في ظنّهم مظهرٌ لكون هذا الشخص فقيرًا، وأنّه قد خرج من الأنانيّات وأوصاف الاستكبار البشريّ، وأصبح بحسبهم قابلًا لتجلّي الأنوار.

  • هذه المسألة مهمّة في مقامَي الثبوت والإثبات معًا: ففي مقام الثبوت، لا يعطي الله شيئًا لأحدٍ إلّا إذا وُجد فيه شيءٌ من هذا الأمر وهذه النكتة؛ وفي مقام الإثبات، لا يدرك أحدٌ شيئًا إلّا إذا فهم هذا الأمر! في هذه المسألة، لُوحظ جانبا الثبوت والإثبات كليهما.

  • وهنا يختصّ الحمد بالله؛ أي إنّ عطاء الله قائمٌ على الفقر، لا على أساس العوض والمعوّض! في هذه الدنيا، عندما يذهب إنسانٌ إلى شخصٍ ما فيجيبه؛ فإنّه يفعل ذلك لأنّه يفكّر في أن يذهب إليه غدًا ليقضي له حاجته، أي إنّه في الواقع يقوم بعمليّة أخذٍ وعطاء. مثلًا، يذهب اليوم إلى السيد الرئيس، والسيد الرئيس يعلم أنّه شخصٌ ذو منصب، فيقضي له حاجته لكي ينجده غدًا عندما تتعسّر أموره في مكانٍ ما. ما نراه هو أخذٌ وعطاء، والحمد للّه ليس قليلًا! فإذا وجدتم أحدًا من هؤلاء الأرباب والمسؤولين، بحيث كلّما ذهبتم إليه أجابكم، حتّى لو علم أنّه لو أتاكم يومًا فلن تجيبوه، فأبلغوه سلامي وقبّلوا يده المباركة نيابةً عني!

معنى سرعة الإجابة من الله - ما هي أفضل بضاعة في سوق العشق الإلهيّ؟

9
  • ولكن الله ليس كذلك يا عزيزي! نذهب إليه فيجيب! ندير ظهرنا ونرتكب الذنب، ثمّ نعود ونسأل، فيجيب! نرتكب الذنب مرّة أخرى، ونعود مرّة أخرى، وهكذا يستمرّ الأمر، وهو بعظمته لا يعبس! يقول: عملك هو ارتكاب الذنب، وعملي هو المغفرة! أنت قم بعملك، وأنا أقوم بعملي؛ كلٌّ يؤدّي واجبه! عندئذٍ، يخجل الإنسان، ولا يكون امتناعه عن الذنب خوفًا من العقاب، بل حياءً من مواجهة إجابة الله! حينها، يكون للامتناع عن الذنب ذلك طعمٌ لذيذ، وحلاوةٌ فائقة! يصل الإنسان إلى مرتبة يقول فيها: إلهي، إن شئت فأدخلني جهنّم، ولكنّني لن أذنب بعد الآن!

  • أي إنّ الكرم يبلغ حدًا يغمر الإنسان ويجعله يخجل! حينها يكون المقام مقام حمد. الحمد يعني الثناء على ذاتٍ تقوم إجابتها على غناها وفقرنا؛ لا على أساس العوض!

  • إن شاء الله، نأمل أن يوفّقنا الله لأن تتحقّق فينا هذه العبارات عالية المضامين والرفيعة للإمام السجاد عليه السلام بنسبة مائة بالمائة! أصلًا، لماذا نبخل ونقول: حقّق فينا مقدارًا منها؟! نقول: مائة بالمائة! وإن شاء الله، ما يريده الإمام السجّاد عليه السلام يتحقّق فينا ببركته تعالى ولطفصاحب مقام الولاية!

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ