12

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟

هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

2
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنه 1421

التاريخ 1421/09/17


التوضيح

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة وهل يمكن أن تغلق؟ ما الفرق بين النوم والموت؟ هل تأخذ الله وأولياءه سنة أو نوم؟ هل تغيّر الأدعية والصدقات والنذور كلّ قضاء؟ ما هي الأعمال التي تطيل العمر والتي تقصّره؟ وما هي الحقيقة الباطنيّة لملكي القبر منكر ونكير؟ وهل تعني غيبة الإمام المهديّ عليه السلام أنّ باب الوصول إليه مغلق؟ في هذه المحاضرة يجيب سماحة آية الله السيد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني عن هذه الأسئلة، موضّحًا أن ولاية الإمام تكوينيّة لا تتأثر بالحضور الجسديّ، وأنّ علاقتنا بالله أزلية ومستمرّة.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ 

  • هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۱ هـ - الجلسة الثانية عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بالله مِن الشّيطان الرّجيم 

  • بسمِ الله الرّحمٰن الرّحيم 

  • وصلّى الله علَى سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّدٍ 

  • وعلَى آله الطّيّبين الطّاهرين 

  • واللعنة علَى أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • «اللَهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ المَطَالِبِ إِلَيْكَ مُشْرَعَةً، وَمَنَاهِلَ الرَّجَاءِ إِلَيْكَ مُتْرَعَةً، وَالاسْتِعَانَةَ بِفَضْلِكَ لِمَنْ أَمَّلَكَ مُبَاحَةً، وَأَبْوَابَ الدُّعَاءِ إِلَيْكَ لِلصَّارِخِينَ مَفْتُوحَةً».

  • يا إلهي، إنّي أرى سُبُل الطلب إليك مفتوحةً للنّاس، وأرى ينابيع الرجاء منك فائضةً وغزيرةً وممتلئةً بالماء، وأرى طلب العون والمساعدة والاستفادة من فضلك مباحًا ومتاحًا وسهلًا ويسيرًا لمن يأملك، وأرى أبواب الدعاء والنجوى إليك مفتوحةً للذين ينادونك.

  • قطع التعلّق والارتباط بالله يساوي العدم

  • تقدّم في الجلسة السابقة أنّ اللازم التكوينيّ لأصل عالم الوجود هو تعلّق الأشياء وربطها الحقيقيّ بالمبدأ، ولو انقطع هذا الربط والتعلّق للحظة واحدة؛ أي لو انقطعت جهة ارتباط الأشياء بالله للحظة واحدة، أو أصاب اللهَ نومٌ أو غفلة، لحكم العدم على ذلك الوجود.

  • ونحن نقرأ في آية الكرسي: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾۱. أي لا يأخذ اللهَ نعاسٌ أبدًا، والنعاس هو انتفاء حالة الانتباه لدى الإنسان، لكنّه ليس كالنوم الذي تنقطع فيه الحواسّ وتنسلب العلاقة معها بشكل كامل.

  • مشابهة النوم للموت وتعلّق الروح بالبدن في أدنى درجاته

  • في النوم الذي هو من مبطلات الوضوء، لا تعود العين تبصر ولا الأذن تسمع، وبشكل عام يصل تعلّق الروح بالبدن إلى أدنى درجاته، وهو أنموذج للموت، فالنوم كالموت ولا فرق بينهما، ولكن لأنّ الناس قد اعتادوا على النوم، فإنّهم إذا رأوا نائمًا لا ينوحون ولا يلطمون رؤوسهم قائلين: "يا ويلتاه، لقد مات فلان!".

  • مع أنّ النوم والموت شيء واحد ولا فرق بينهما أصلاً، فكلاهما انقطاع علاقة الروح بالبدن. ولأنّ الناس يرون أن النائم ما زال يتنفس فهناك أمل في عودته، فإنّهم يفرحون بذلك؛ بالطبع هم لا يلتفتون إلى هذه القضيّة [مشابهة النوم والموت].

  • وعلى أيّ حال، حتّى من يدرك أنّ النوم كالموت يقول: "ما زال يتنفّس، وهناك أمل في عودته وأن يستيقظ غدًا"، أمّا من لا يتنفّس فلا أمل في عودته، ولأنّه لا أمل في عودته، يلطم رأسه قائلًا: "يا ويلتاه، لقد بؤست وشقيت، أصبحت بلا زوج، أصبحت بلا زوجة"، مع أنّ كليهما واحد وهو عبور من المادّة، ولا فرق بينهما أصلاً!

    1. سورة البقرة (٢) الآية ٢٥٥.

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

3
  • فما دمنا في عالم الطبع والمادّة ولدينا تعلّق بالطبع، فإنّ أعيننا البرزخية ستكون مغلقة، وعندما نغادر هذه الدنيا، ننظر بتعجّب ونقول: "أين هذا المكان؟! لقد كنت بالأمس هناك، والآن أنا هنا! هذا عالم من نوع آخر! لماذا الأمر هكذا؟!". لا يقول إنّي قد تغيّرت عن الأمس، بل يقول: "أنا نفسي الذي كنت بالأمس هناك، في مكان آخر اليوم!". إنّه يحافظ على وجوده السيّال ووحدته الشخصيّة ويقول: "أنا الذي كنت بالأمس أتنزّه مع رفاقي وأصدقائي في هذا العالم، أنا نفسي اليوم، ولكن المشهد قد تغيّر!".

  • فعلى سبيل المثال، الطفل الذي ينام في مكان ما، يحمله أبواه ويضعانه في السيّارة ويأخذانه إلى مكان آخر، وعندما يستيقظ في منتصف الليل يقول: "أين هذا المكان؟!"، إنّه لا يعلم أنّه قد غلبه النوم وأنّ مكانه قد تغيّر وتبدّل. ولأنّ تلك الحالة والصورة التي كان عليها عند نومه قد انطبعت في ذهنه وذاكرته تحتفظ بها، فعندما يواجه الآن المشهد الجديد، يبدو له غريبًا ويقول: "لم أكن في هذه الغرفة، فلماذا أنا هنا الآن؟!". ويحتاج إلى بعض الوقت حتّى يألف الوضع الجديد.

  • ونحن أيضًا عندما ننتقل من هنا إلى هناك، فلأنّنا لم نألف وضع ذلك العالم، فإنّ الأمر يتطلّب جهدًا كبيرًا، ويستغرق بعض الوقت حتى نألفه شيئًا فشيئًا ويعيدوننا إلى حالنا الطبيعي. فطوبى لمن ألف ذلك الوضع من هنا، ليس فقط ألفه بل عشقه، ولم يغفل قلبه لحظة واحدة عن هوى الوصول إلى هناك، وهو في عطش دائم. مثل هذا الإنسان عندما يرحل يقول: "الحمد للّه! ماذا كان ذلك العالم وماذا كان وضعه! أين كنّا وبأي بلاء ومصائب كنّا مبتلين! ففي كل يوم كان البلاء يظهر بشكل ونحو مختلف!

  • شوق أولياء الله إلى الموت وعدم ميلهم للبقاء في الدنيا

  • على حدّ قول الشيخ الأنصاريّ رضوان الله عليه، الذي كان يقول مرارًا: "لولا تعلّقي بكم أيها الرفقاء، لما أردت البقاء في هذه الدنيا لحظة واحدة! إنّما يطيب قلبي بوجودكم أيّها الرفقاء، وبوجود هذا الصفاء في النهاية".

  • أي دنيا هذه التي تأتي للإنسان في كل يوم منها بليّة ومرض، يوم شدّة، ويوم مشاكل عائليّة، ويوم آخر تأتي مشاكل خارجيّة؟! هؤلاء الذين كانوا من الأولياء كانوا يقولون هذا! ويبدو أنّنا في حال جيّدة جدًّا ولا نلتفت إلى شيء؛ فإمّا أنّنا أعلى منهم، أو أنّنا في غاية الغفلة ولا نفهم شيئًا أصلًا!

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

4
  • لقد كان مريضًا ويعاني من مرض في القلب، وكان يمرّ أحيانًا بضيق ومسائل وشدائد وتضييقات، وكانت لديه أيضًا مشاكل عائليّة بلغت أوجها، وقد امتحن من هذه الناحية أيضًا. فعلى أيّ حال، قال: "أيّ دنيا هي هذه؟! إنّ سلوتنا الوحيدة في هذه الدنيا هي هؤلاء الرفقاء القلائل الذين نتحدّث معهم ونضحك ونتجاذب أطراف الحديث". وحقًّا إنّ الأمر كذلك، وليس هناك شيء غير هذا!

  • إنّ أعين هؤلاء مفتوحة على ذلك العالم الآخر، ولديهم شوق للرحيل أصلًا! «لَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقًا إِلَى الثَّوَابِ وَخَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ»۱ فلولا الأجل والموعد الذي حدّده الله لهم، لما استكانوا ولما صبروا ولما تحمّلوا... .

  • كانت تحدث للمرحوم العلامة رضوان الله عليه وعكات صحيّة عديدة، ويبدو أنّه كان مقدّرًا في أواخر عمره أن تحدث له مشكلة كلّ بضعة أشهر، وكان قد كُتب في نصيبه السنويّ الذهاب إلى المستشفى مرّة واحدة على الأقلّ. وبالطبع كان أحيانًا أكثر من ذلك، وكنّا ننتظر لنرى لأيّ مشكلة سيذهب إلى المستشفى هذه المرّة! لذلك، عندما اتّصلوا بنا في تلك الليلة من طهران وأخبرونا بأنّه نُقل إلى المستشفى، تعاملنا مع الأمر ببرود وقلنا: "إنّه دائمًا في المستشفى، وهذه المرّة مثل المرّات السابقة"، ولم نكن نعلم أنّ هذا الذهاب إلى المستشفى هو الذهاب الأخير، وأنّ قضيّة «فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»٢ قد تمّ إمضاؤها على ما يبدو.

  • على أيّ حال، عندما حدثت له الوعكة الأولى التي كانت في القلب، قام الرفقاء والأصدقاء بالنذر والدعاء والتوسّل بشدّة، وذبحوا الكثير من الخراف. فقال: "كان من المفترض أن أرحل، ولكنّهم ردّوا القضاء". هؤلاء الرفقاء تمسّكوا بالأمر وقالوا: "لا يمكن، لن نسمح بذلك!". وبالطبع كان متأثرًا من فعلهم هذا، ولماذا لا يدَعونه يرحل؟!

  • وفي أحد الأيّام، ذهبت زوجتي إليه، فقال لها فجأة وبدون مقدّمات وبجديّة تامّة، بحيث كانت آثار عدم الرضا بادية على حديثه: "ماذا يريد هؤلاء الرفقاء منّي؟! لماذا لا يتركونني وشأني؟! لماذا لا يدعونني أرحل؟! ما هذه النذور والدعوات؟! لكلّ إنسان طريق وأمد، ويجب أن يرحل، ثمّ يأتون هم ويؤخّرون ذلك، ولا يعلمون أنّ طريقي في ذلك العالم الآخر، وأنّ هذا ليس محلّ إقامة واستقرار! وهل في هذه الدنيا لنا سوى المشقة والعناء؟!". فبقيت زوجتي حائرة ومذهولة تتساءل ما القصّة ولماذا يتحدّث هكذا؟! وقد تأثّرت وحزنت قليلاً، وربّما بكت، وقالت له: "سيّدنا، لا تفكّر في نفسك، بل فكّر في الآخرين. من الواضح كيف هو طريقك وإلى أيّ اتجاه تسير، ولكن فكّر بنا أيضًا!". 

    1. نهج البلاغه(عبده)، ج ٢، ص ۱۸٦.
    2. بحار الأنوار، ج ٤٢، ص ٢٣٩.

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

5
  • فقال: "أليس الله موجودًا؟! أليس لكلّ إنسان ربّ؟! لماذا لا يتركونني وشأنني؟!".

  • هكذا هم! بالطبع عندما يأتي ذلك القضاء الحتميّ، لا تعود الخراف وأمثالها تؤثّر، ويكون أثرها في الحدود المسموح بها فقط، لذلك لم تنفع في المرّة الثانية!

  • النذر والدعاء وقراءة سورة الحمد لا تغيّر القضاء المبرم

  • قال أحدهم: "يا فلان! كلّما مرضنا، نقرأ سورة الحمد فنشفى". نقول له: لو كان من المفترض أن تشفي سورة الحمد، لما وجد ميّت واحد حتّى الآن، ولكسد عمل عزرائيل! بالطبع إنّ سورة الحمد تشفي ولكن لها حدّ، فالقضاء المبرم، مبرم. ولو كان الأمر كذلك، لذهب الإنسان إلى كلّ مريض وقرأ عليه سبعين مرّة سورة الحمد فشفي، فروح من سيقبض عزرائيل إذن؟! إذن، يجب عليه أن يذهب ويقبض أرواح الذين لا يعرفون قراءة سورة الحمد! لا يا عزيزي، ليس الأمر كذلك!

  • في الواقع، ليست سورة الحمد هي العلّة التامّة، بل هي في سلسلة العلل. لدينا أجل محتوم ومكتوب، وأجل معلّق. والأجل المكتوب لا يمكن ردّه، ولا يوجد أي تبديل أو تغيير، وهو قضاء الله الحتمي والمبرم. الأجل المعلّق هو ذلك الأجل الذي يتعرّض في عالم الأسباب والمسبّبات للتصادم مع سلسلة العلل، ويجعل الأجل المبرم مبرمًا، فالأجل المعلّق يسبب إبرام ذلك الأجل.

  • حكاية النبيّ عيسى وتأثير الصدقة في تأخير أجل الشابّ

  • كان النبيّ عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام يمرّ ذات يوم من مكان، فوقع بصره على شابّ فقال: "الليلة هي آخر ليلة من عمر هذا الشابّ!". ثمّ مرّ يوم أو يومان على هذه الحادثة، ورأى الناس ذلك الشابّ يمشي في الشارع. فقالوا: "يا نبيّ الله! كلّ ما كنّا نسمعه منك حتّى الآن كان صحيحًا، ألم تقل إنّ الليلة هي آخر ليلة من عمر هذا الشاب؟!". 

  • فقال: "بلى، كانت ليلته الأخيرة". 

  • فقالوا فيما بينهم: "فلنذهب ونسأله ونرَ ما القصة؟".

  • قالوا: "أيّها الشاب، لقد أخبر النبيّ عيسى قبل ليلتين بوفاتك وموتك!". 

  • فقال ذلك الشاب: "حدث ذلك بالفعل. لقد تزوّجت حديثًا، واستيقظت في الصباح فرأيت أفعى سوداء نائمة بجانب فراشي، فقمت وقتلتها". 

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

6
  • فقال النبيّ عيسى: "اسألوه ماذا فعل اليوم؟". 

  • فسألوه، فقال الشاب دون أن يلتفت إلى أنّ النبي عيسى قد قال هذا الكلام: "عندما كنت ذاهبًا في المساء، رأيت فقيرًا فتصدّقت عليه". 

  • فقال النبيّ عيسى: "الصدقة رفعت عنه الموت، وبسبب هذا العمل تأخّر موته"۱

  • فهذا يسمّى الأجل المعلّق، لا الأجل المبرم.

  • على أيّ حال، إمّا أنّ النبيّ عيسى كان مطّلعًا ومشرفًا وبيّن ذلك، أو أنّه أراد أن يلفت انتباه الناس إلى هذه القضيّة بأيّ كيفيّة كانت. وتحدث أحيانًا مثل هذه الأمور، وفي هذا النطاق يبيّن النبيّ الأمر حتّى يتّضح للنّاس بهذه الكيفيّة أنّ الصدقة من أسباب تأخير الموت.

  • ومن أسباب تأخير الموت صلة الرحم، ومن أسباب تأخير الموت أيضًا زيارة أهل القبور، ومن أسباب تأخير الموت أيضًا عيادة المرضى؛ فمثلًا، أن يذهب الإنسان لعيادة صديقه المريض في المستشفى أو في منزله، فهذه الأمور تؤخّر الموت. وعلى العكس، من أسباب تعجيل الموت عقوق الوالدين وقطيعة الرحم. إنّ قطيعة الرحم وعدم رضا الوالدين يؤدّيان إلى أن يأتي الموت إلى الإنسان مبكّرًا. هذه هي سلسلة العلل، والعلل والمعلولات تعمل معًا.

  • لقد فُتحت أعين هؤلاء الأعاظم على ذلك العالم الآخر، لكن أعيننا لم تُفتح، ونحن نخاف من ذلك العالم باستمرار ولسنا مأنوسين به.

  • نداء الوجدان والاضطراب هو نداء منكر ونكير 

  • كان الحديث يدور حول أنّ من يدخل ذلك العالم يرى نفسه ولا يراها منفصلة عن ذاته، ولكنه يرى الموقع والمكان مختلفًا. فعندما يأتي منكر ونكير إلى الإنسان في القبر، لا يقول الإنسان: "من أنتما ومن أنا!". لا يقول: "ما هذا هنا وما ذاك هناك!". يقولان: "نحن نكير ومنكر، ملكان يسأل أحدنا عن أعمال الثواب والآخر عن الأعمال القبيحة التي فعلتها". فيقول: "أين كنتما؟!". يقولان: "كنّا معك في الدنيا، ولكن عينك لم تكن مفتوحة ولم تكن ترانا". عندما ذهبت إلى ذلك المنزل لارتكاب المعصية، كنّا معك، ومهما قلنا لك لا تذهب، لم تستمع!

  • ذلك النداء الوجداني الذي يقول للإنسان: "لا تذهب إلى هنا!" هو نكير ومنكر. ذاك هو منكر، ينهى الإنسان عن العمل القبيح ويقول: "لا تذهب إلى هناك!". فهل رأيتم كيف يضطرب قلب الإنسان فجأة عندما يريد أن يكذب أو يغتاب أحدًا، فما سبب هذا الاضطراب؟! على سبيل المثال عندما يريد أن يكذب أو يتحدّث بسوء عن أخيه المؤمن، يقول في نفسه: "أأقول أم لا أقول؟!". هذا "أأقول أم لا أقول؟!" هو تلاعبات تحدث في الداخل! يقول نكير إنّه أخوك المؤمن ويجب أن تذكر محاسنه، ويقول منكر: "لماذا تغتابه؟! لماذا ترتكب الآن باطلاً؟! لماذا تريد أن تتّهمه، وتنمّ عليه، وتسعى ضدّه بالوشاية، وتغشّ في المعاملة؟!".

    1. بحار الأنوار، ج ١٤، ص ٣٢٤:
      «إِنَّ عیسی علیه  السّلام مَرَّ بِقَومٍ مُجَلِّبینَ [لديهم جلبة وضجيج] فَسأَلَ عَنهُم فَقیل: بِنتُ فُلانٍ تُهْدی إلی بیت فُلانٍ. 
      فقالَ: صاحبَتهُم مَیِّتةٌ مِن لَیلَتِهم. 
      فَلمَّا کان منَ الْغَد قیلَ: إنَّها حَیَّةٌ. فَذَهَب معَ النَّاسِ إلی دارِهَا فَخَرَجَ زَوْجُها فَقالَ: لَه سَلْ زَوجَتَك مَا فَعَلَتِ الْبارِحَة منَ الْخَیرِ. 
      فَقالتْ: مَا فَعَلتُ شَیئًا إلّا أنَّ سائِلاً کان یَأتیني کُلَّ لَيلةِ جُمعَةٍ فيمَا مَضی وَإنَّهُ جاءَنا لَيلتَنا فَهَتَفَ فَلَم یُجَبْ، فقالَ: عَزَّ عَلَيّ أنَّها لا تَسمَعُ صَوتي وَعِيالي يبقَونَ اَللَّیلةَ جياعًا. فَقُمتُ مُتَنَكّرَةً فَأنَلتُه مِقدارَ ما کُنتُ أُنيلُه فيما مَضی. 
      قال عیسَی علیه  السّلام: تَنَحَّي عن مَجلِسِك. فَتَنَحَّتْ فَإذا تَحتَ ثیابِها أَفعًی عاضٌّ عَلَی ذَنَبِه.
      فقالَ: بِما تَصَدَّقتِ صُرِفَ عَنك هذَا.»

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

7
  • الملكان نكير ومنكر يلقيان في القلب الهواجس. وهذان الملكان اللذان عن اليمين والشمال ـ نكير ومنكر ـ هما من يقولان في القبر: "كنّا معك في هذه الدنيا!". نكير ومنكر هما ظهوران للملائكة الذين تحت أمرهما، مثل عزرائيل الذي هو نفسه ملك مقرّب وتحته قوى تقبض الأرواح. وكذلك نكير ومنكر؛ أي أنّ هذين الملكين عن اليمين والشمال هما رمز، وبعبارة أخرى لهما وجود خارجيّ، وتحتهما ملائكة تحت أمرهما.

  • ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾۱. عندما يجلس هذان الملكان عن اليمين والشمال ويراقبانك ليريا ماذا ستفعل، لا تخرج كلمة من فمك إلا وكان لهذه الكلمة رقيب ومراقب يكتبها! وبمجرد أن يخرج كلام أو حرف من الفم، يكتبونه فورًا، إنّه قال هذا الأمر في الساعة الفلانيّة والدقيقة الفلانيّة واللحظة الفلانيّة. فلا تظنّوا أنّ هذه الكتابة على أوراق يُمحى أثرها!

  • حفظ أصل أعمالنا عند نكير ومنكر

  • في الماضي عندما كنت صغيرًا، كانت هناك أوراق وصور نلصقها في دفاترنا، ولكن بعد فترة كنّا نجد أن الصورة قد اختفت ومُحيت. عندما كانت تتعرّض للشمس والضوء، كانت الصورة تزول وتُمحى. والآن أيضًا هناك أوراق خاصة تظهر عليها الصورة بالضوء والحرارة، وبعد فترة، ستة أشهر مثلًا، تجد أنّ الورقة بيضاء وقد زالت الصورة المنسوخة. لكنّ وثائق هؤلاء لا تزول، لأن أصل الملف في أيديهم وليس صورته المنسوخة؛ أما هذه التي نأخذها فهي صور ونسخ. ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ﴾. يقول نكير ومنكر: "كنّا معكم"، وهما يدوّنان أصل اللفظ، والأصل لا يزول بل هو موجود.

  • كنت في منزل صهري، وكان التلفزيون يعرض برنامجًا. فقلت: "دعوني أشاهد هذا البرنامج". كان البرنامج يعرض رجلاً عاد إلى منزله وقت الصلاة وأراد أن يصلّي، فجاءت زوجته وقالت له على الدرج: "يا فلان إلى أين تذهب؟!". 

  • قال: "أريد أن أصلي". 

  • قالت زوجته: "تعال، الضيوف ينتظرون، وأنت تريد أن تذهب وتصلي؟!". 

  • فذهب ذلك الرجل وجلس مع الضيوف ولم يصلِّ!

  • فمن المؤسف والمخزي جدًّا أن يُبثّ مثل هذا البرنامج بوقاحة تامّة في تلفزيون إيران وفي ظلّ الحكومة الإسلاميّة! كم يجب أن نكون وقحين لنتعامل مع هذه المسألة الأساسيّة والمهمّة بهذه الطريقة!

    1. سورة ق (٥۰) الآيتان ۱۷-۱۸.

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

8
  • الاهتمام بالصلاة في أوّل وقتها في السيرة النبويّة

  • كان رسول الله صلّى الله عليه وآله على المنبر يعظ الناس وقت الظهر، وفي هذه الأثناء حان وقت الصلاة، فنزل من المنبر وصلّى، ثمّ صعد المنبر مرّة أخرى بعد الصلاة وأكمل بقيّة خطبته۱

  • ولكنّ هناك بعض الناس، عندما تحين الصلاة، تحضر له زوجته الشاي فيقول: "دعيني أصلّي ثمّ أشرب الشاي". 

  • فتقول الزوجة: "لقد أحضرت لك الشاي، صلِّ بعد شربه! فكم يستغرق شرب الشاي؟! لا يستغرق أكثر من دقيقتين!" 

  • في هذه اللحظة، يحتار الإنسان هل يصلّي أم يجلس ويشرب الشاي! بالطبع، يمكنه أن يقنعها بطريقة ما ويصلّي أوّلاً، ولكن في بعض الأحيان تقول النفس الأمّارة: "حسنًا، لو تأخّرت قليلًا، فلا بأس!".

  • أو يرنّ جرس الباب فيقول: "سأذهب وأفتح الباب ثمّ أعود وأصلّي"، وفجأة يجد أنّ ساعة قد مضت من وقت الصلاة! يا ويلتاه، لقد كتبوا أن هذا أخّر صلاته ساعة!

  • آثار الصلاة في أول وقتها وآخر وقتها في الروايات

  • ورد في الرواية: «أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللهِ وَآخِرُ الْوَقْتِ غُفْرَانُ اللهِ»٢. فمن صلّى في أول الوقت نال رضوان الله، ومن صلّى في آخر الوقت نال غفرانه. يعني أن الصلاة في آخر وقتها توجب المغفرة، لأنّه كأنّه ارتكب معصية، وهذه الصلاة التي يصلّيها تكون سببًا في رفع تلك المعصية ومغفرة ذنبه. أي أنّ فائدة صلاته كانت فقط غفران الذنب، ولم يستفد شيئًا آخر، لم ترتفع ولم ترفعه!

  • يدخل هذان الملكان إلى القبر ويقولان: "كيف حالك يا رفيق؟! لقد كنّا معك عمرًا بأكمله في نومك ويقظتك، وأينما ذهبت أتينا معك. فهل تذكر عندما أردت أن تفعل كذا فاضطرب قلبك؟ كنّا نحن من ألقى الاضطراب في قلبك! هل تذكر عندما أردت أن تفعل القضيّة الفلانية وكنت تتردّد بين الفعل والترك؟ كنّا نحن من يلقي إليك! هل تذكر عندما أردت أن تساعد فقيرًا في مكان ما؟ كنّا نقول لك: "هذا فقير، ساعده"، لكنك كنت تقول: "أنا نفسي محتاج!". فالذي كان يقول لك: "افعل" هو نحن. بعض ما قلناه لك استمعت له، وبعضه لم تستمع! فذهبت إلى هنا ولم تذهب إلى هناك! وهذا هو ملفّك!". فينظر ذلك الإنسان إلى ملفّه بتعجّب وحيرة، فيرى ملفًّا عجيبًا!

    1. شرح نهج البلاغة (ابن‌ أبي ‌الحديد)، ج ١٣، ص ٢٩.
    2. فقه الرضا عليه  السّلام، ص ۷۱ 

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

9
  • أحوال عليّ بن أبي حمزة، وكيل الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام

  • كان عليّ بن أبي حمزة من أصحاب موسى بن جعفر، وكان من أولئك الذين توقّفوا عند ولاية وإمامة الإمام الرضا عليه السلام وأنكروها! لدينا عدد من أصحاب الأئمّة، مثل الهلالي والبلالي وعلي بن أبي حمزة وأمثالهم، كانوا من كبار المحدّثين، ولكن للأسف في أواخر أعمارهم، وبسبب امتحانات حدثت، لم يخرجوا منها بنجاح وأنكروا مقام الولاية والإمامة. وقد ورد اللعن من الأئمة على بعض هؤلاء؛ فقد لعن الإمام الرضا عليه السلام عليّ بن أبي حمزة، مع أنّه كان من كبار الرواة ووكيل الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما السلام!

  • بعد استشهاد الإمام الكاظم موسى بن جعفر، أرسل إليه الإمام الرضا عليه السلام رسالة يقول فيها: "أرسل إلينا الأموال التي بحوزتك إلى المدينة لنسلّمها إلى أهلها"۱. وكانت قد تجمّعت أموال كثيرة، وكلّها للإمام وليست له، فمثلاً، كانت هناك إماء جُلبن كجزء من هذه الأموال، فرأى أنّ أموالاً طائلة قد تجمّعت وجاءت إلى بيته مجّانًا، فيا لها من سعادة! بحيث لو عمل طوال حياته المتبقّية، بل ولو عمل بقدر عمر أبيه، لما حصل على مثلها!

  • فقال في نفسه: "الوضع الآن مشتّت، والحكومة هي حكومة بني العبّاس، لذا سآخذ الأموال لنفسي"، ولم يعبأ بهذه الأقوال! 

  • قيل له: "هذه الأموال لعليّ بن موسى الرضا عليهما السلام". 

  • فقال: "ليست له!". 

  • قالوا: "أليس هو الإمام بعد موسى بن جعفر؟!". 

  • قال: "انتهت الإمامة، ويجب أن نعمل بهذه الرواية. ليس لدينا نصّ أو دليل على إمامته! لم نسمع من موسى بن جعفر أنّه قال: "بعدي ابني عليّ بن موسى هو الإمام"، وهذه المسألة لم تكن معروفة ومشهورة! كل هذه ادّعاءات!".

  • لعن الله الشيطان، كيف يغوي الإنسان! أيّها الخبيث، ألم تسمع؟! ومهما قالوا له من هنا وهناك: "ما هذا الكلام وما هذا التصرّف؟!"، لكنّه لم يقبل أبدًا! عاش في نعيم فترة من الزمن، وتركه الإمام وشأنه قائلاً: "افعل ما تشاء!".

  • وفي أحد الأيّام، جاء رجل إلى الإمام عليه السلام في المدينة وجلس بجانبه، فقال له الإمام: "هل لديك خبر عن عليّ بن أبي حمزة؟". 

    1. رجال الكشي، ج ۱، ص ٤٩٣؛ عيون الأخبار، ج ۱، ص ۱۱٢: «ماتَ أبو اَلحَسنِ عليه  السّلام وَ لَیسَ منْ قُوَّامِه أحَدٌ إلّا وَعِندهُ الْمالُ الْکَثيرُ، وَ كان ذلك سَبَبَ وُقوفِهم وَ جُحودِهم مَوتَه، وَ كان عندَ زیادٍ الْقَنديّ سَبعُونَ أَلفَ دينارٍ وَ عندَ عليّ بنِ أبي حَمزَةَ ثلاثُونَ ألْفَ دينارٍ.»

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

10
  • فقال: "يا ابن رسول الله! عندما جئت إلى الحج، لم يكن حاله سيّئًا". 

  • فقال الإمام: "لقد توفّي علي بن أبي حمزة بالأمس، وأتاه الملكان منكر ونكير الليلة الماضية وقالا له: "من ربّك؟". 

  • فقال: "هو الله لا شريك له". 

  • قالا: "من نبيّك؟ ما هو قرآنك؟ اذكر أئمتك!". 

  • فقال: "أولهم أمير المؤمنين، ثمّ الإمام المجتبى، ثمّ الإمام سيّد الشهداء، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر"، وعندما وصل إليّ، توقّف! 

  • فقالا له: "من الإمام بعد موسى بن جعفر؟". فلم يستطع أن يقول، ولم يتذكّر، ورأى أنّه لا يستطيع قول شيء! عندئذٍ، ضربه الملكان بمطرقة من نار ضربة ارتجّ لها شرق الأرض وغربها من شدّة اهتزازها۱!

  • مخاطَب منكر ونكير هو الحالة الواقعيّة للنفس

  • ليس الأمر في ذلك العالم أن يكون للإنسان ذاكرة يجيب على أساسها، بل هناك واقعيّة النفس هي التي تتكلّم. فلا تظنّوا أنّنا نحفظ هنا ثمّ نقدّم الحساب لنكير ومنكر في القبر! فلا وجود هناك لشريط التسجيل! كلّ ما اتخذ صورة واقعية في النفس هنا، يتمّ التعامل هناك على أساسه. فهل تتصوّرون أنّنا نستطيع تسجيل كلّ معتقداتنا ونأخذها معنا، وبمجرّد أن نصل إلى نكير ومنكر نضغط على زرّ التشغيل ونقول: "استمعا"؟!

  • سيقولان: "نريد أن نستمع إلى شريط قلبك! فنحن هنا لدينا جهاز تخطيط القلب والدماغ!". سيقولان: "هذه الأشرطة التي سجّلت فيها معتقداتك، هي بيد زوجتك وأولادك وهم يستمعون إليها، أما نحن الآن فسنأخذ تخطيط قلبك بجهازنا". وفي هذا التخطيط أيضًا، يذكر جميع الأئمة حتّى موسى بن جعفر عليهما السلام، ولكن عندما يصل إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، يتوقّف!

  • لماذا حدث هذا؟! لم يكن هذا الرجل هكذا من قبل! إنّه الرجل نفسه الذي كان بالأمس وقبل يومين، ولكن المشهد هنا يتغيّر! الذات هي الذات، وبعبارة أخرى، الوحدة الشخصيّة محفوظة، ولكنّ المشهد يتغيّر ويتبدل. فهذا التعلّق والربط الموجود بين الإنسان والله دائم، ولو انقطع لحظة واحدة، لزال كلّ شيء!

  • النوم نوع من الموت

  • كان بحثنا يدور حول النوم، وقلنا إنّ الله لا يصيبه نعاس، وإنّ النوم والموت شيء واحد، وقد جاء في الآية الشريفة: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾٢. أي إنّ الله يتوفّى الأنفس ويقبضها بالكامل بحيث لا يتنفس الإنسان ويتوقّف قلبه، وكذلك يتوفّى التي في نومها. فإذن كلاهما واحد، ولكن في النوم الإنسان يتنفّس فقط.

    1. رجال الكشّي، ج ۱، ٤٤٤: «دَخَلتُ علَی الرِّضا عليه  السّلام فَقالَ لي: «ماتَ عَليّ بنُ أَبي حَمزَة؟» 
      قُلتُ: نَعمْ، قال: «قد دخَلَ النَّار.» 
      فَفَزِعتُ مِن ذلِك، قال: «أَما إنَّه سُئِلَ عن الْإمامِ بَعدَ موسَی أبِي، فَقالَ: لا أعرِفُ إمامًا بَعدَه. 
      فقِيلَ لا! فَضُرِبَ فی قَبرِهِ ضَربَةً اشْتَعَلَ قَبرُه نارًا.»
    2. سورة الزمر (٣٩) الآية ٤٢.

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

11
  • هناك وفيّات تحدث يكون فيها القلب ينبض ولكن الموت الدماغيّ قد حصل، أو حتّى يكون موت القلب قد حدث ولكن يتمّ ضخ الدم بجهاز ويوصلون إليه الأكسجين، فيقوم الجهاز بعمل القلب، وإذا قطعوا الجهاز أو أطفؤوه، يتوقّف القلب. إذن، حركة الدم هذه في الجسم حركة اصطناعية وليست حقيقيّة؛ مثل أن يُخرجوا القلب تمامًا ويجروا عمليّة قلب مفتوح ويعطّلوا نظام نقل الدم من القلب ويوصلوا الأوعية بجهاز ليضخّ الدم، وبعد أن يجروا العمليّة على القلب، يعيدون توصيل تلك الأوعية بالقلب ويعطّلون الجهاز. فهذا الإنسان الذي يدور دمه الآن بالجهاز، لا يختلف عن الميّت شيئًا! الفرق فقط أنّ الدم هنا يدور بجهاز، وفي جسد ذلك الميت لا يدور الدم، وإلا فكلاهما واحد.

  • لذلك، كما أنّ النوم يبطل الوضوء، فإنّ الإغماء أيضًا يبطل الوضوء. ولكن لدينا نوع من النوم وهو الغفوة. في الغفوة هذه يبقى قدر من حواسّ الإنسان، فالعين لا ترى ولكن الأذن تسمع الأصوات. لذا، إذا تكلّم أحد بصوت مرتفع قليلاً، يخرج الإنسان من حالة الغفوة؛ فهذا لا يبطل الوضوء.

  • ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾. لا تأخذ اللهَ غفوة، لأنّه لو أصابته غفوة لانهار العالم! لذا، فإنّه منتبه تمامًا لئلاّ يأخذه نعاس ولئلاّ يغلبه النوم! ولكي لا يتعطّل نظامه، فهو منتبه تمامًا! (مزاح) هذا هو مقام قيّوميّة الحق. 

  • قيّومية الله والربط والتعلّق الدائم للإنسان به

  • فالله له القيّومية، وهو قيّوم بالذات، وقائم على كلّ الأشياء. إذن، تلك الجهة التكوينيّة بين الإنسان والله وذلك الربط موجودان دائمًا؛ وعندما يكون ذلك الربط موجودًا دائمًا، فلماذا يكون ذلك الارتباط أحيانًا ولا يكون أحيانًا أخرى؟! ما دامت جهة التعلّق النفسي قائمة بين الله وجميع الأشياء، فلماذا لا نستطيع التحدّث مع الله والاتصال به ودعائه إلا في بعض الأوقات ولا نستطيع في أوقات أخرى؟!

  • هذا الأمر باطل! إنّ جهة التعلّق والربط والتدلّي والاتصال بين الإنسان والله، وبين الحيوان والله، وبين الجمادات والله موجودة دائمًا. فعندما تمرّ خاطرة في ذهن أحدهم، يكون لها انعكاس في مكان آخر.

  • ذات مرّة، كان تلميذ أحد الأعاظم في سفر، وكان ذلك العظيم يتحدّث مع تلاميذه، وفجأة قال: "يا ويله، يا ويله، يا ويله!". وبعد فترة قال: "الحمد للّه، الحمد للّه، الحمد للّه". لم يفهم أي منهم ماذا قال وماذا كان يقصد! ماذا كانت الجملة الأولى وما كانت الجملة التالية! وعندما عاد ذلك التلميذ من السفر، قالوا له: "يا فلان، كنّا جالسين يومًا ورأينا مثل هذه المسألة، فما القصّة؟".

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

12
  • فقال: "عجبًا! كنت جالسًا في السيّارة وأنا في طريقي، وفي تلك اللحظة مرّت خاطرة في ذهني، وبعد فترة رأيت أني تكدّرت، فاستغفرت، فرأيت أنّ تلك الحالة قد زالت عني!". ذلك التلميذ راكب في السيّارة، وتمرّ خاطرة في ذهنه، ودون أن يفعل شيئًا، في الوقت نفسه، يجلس هذا العظيم في مجلسه مع تلاميذه ويقول ثلاث مرات: "يا ويله!".

  • هذا يعني أن الباب مفتوح دائمًا والاتّصال قائم؛ لا فرق بين الصباح والعصر والظهر ومنتصف الليل وما بعد المغرب والعشاء. جهة الاتصال هذه موجودة وقائمة دائمًا وبشكل متّصل.

  • أحد أقاربنا كان على صلة بالمرحوم السيّد الحداد رضوان الله عليه لفترة، وكان يستفيد منه، وبالطبع حدثت له مسائل فيما بعد. وعندما أراد أن يأتي إلى إيران، قال له: "كلّما وقعت في مشكلة، فتذكّرني".

  • كان يقول: "أتيت إلى إيران، وعندما أردت العودة إلى العراق، واجهت مشكلة في جواز سفري، وسعيت كثيرًا لحلّها. وفي أحد الأيام، كنت مستلقيًا في المنزل بعد الظهر، وكنت قد نسيت هذه القضيّة، وهي أنّ السيّد الحداد قال لي عند قدومي: "كلما واجهت مشكلة، فتذكّرني". وفجأة تذكّرت وقلت: "الآن هو وقتها"، وما إن قلت هذه الجملة، حتى رنّ الهاتف فجأة، وقال عمّي من الطرف الآخر: "حلّت مشكلة جواز سفرك!".

  • أولياء الله لا نوم لهم ولا يقظة

  • مع أنّه في ذلك الوقت كان هناك أفراد نافذون يمكنهم حلّ مشكلته، إلا أن جواز سفره واجه مشكلة، وعندما تذكّر جملة السيّد الحدّاد، حُلّت مشكلته. فربّما كان السيد الحداد في ذلك الوقت نائمًا، ولكنّه هو لا فرق عنده بين النوم واليقظة! فعندما قال: "الآن وقتها"، اتّصل عمّه فجأة وقال: "أتّصل بك الآن من إدارة الجوازات، لقد وقّعوا على جواز سفرك وتمّ الأمر!". كانوا قد أوقفوا جواز سفره لا لشيء؛ فهذا هو معنى ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾.

  • اتصال العبد الدائم بربّه في كلام الإمام السجّاد عليه السلام

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: «اللَهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ المَطَالِبِ إِلَيْكَ مُشْرَعَةٌ»؛ يا إلهي، إنّي أرى سبل الطلب مفتوحة أمامي دائمًا، والطريقَ بيني وبينك مفتوحًا دائمًا. فلا ينبغي أبدًا أن ننتظر حتّى منتصف الليل لنقوم للصلاة وندعو في ذلك الوقت، بل ندعو الآن، وقبل ساعة، وبعد ساعتين، صباحًا، وظهرًا.

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

13
  • عندما يكون الله هكذا، مطّلعًا دائمًا على أحوالنا، وله مثل هذه الخصوصيّات التي يذكرها الإمام، وقد أبقى الطريق إليه مفتوحًا دائمًا، والأبواب مفتوحة دائمًا، فلماذا نذهب نحن إليه أحيانًا ولا نذهب أحيانًا أخرى؟!

  • بطلان التفريق بين حضور الإمام وغيبته

  • للمرحوم الشيخ حسن عليّ الأصفهانيّ رحمه الله كلام في الكتاب الذي كُتب عن أحواله، يكتب فيه لأحد تلاميذه: "على الرغم من أنّ الزمان هو زمان الغيبة والباب مغلق، إلا أن هناك فرقًا كبيرًا بين من يمشي في الشارع غير مبالٍ بطريقه، وبين من يأتي خلف الباب، ولو كان الباب مغلقًا، ويقف خلفه!".

  • وردّنا عليه هو أن القضية ليست كذلك! نحن لا نقبل أبدًا بإمام زمان يختلف حضوره عن غيابه بالنسبة لنا! نحن نريد إمام زمان لا يختلف غيابه عن حضوره بالنسبة له؛ أما إذا كان الأمر يختلف بالنسبة لنا، فلا بأس. المهم هو، فلا ينبغي أن يختلف الأمر بالنسبة له؛ نحن لسنا مهمّين! فمن نحن؟! نحن تلك الذرّة التي لا يحسب لها حساب!

  • من قال إنّ الباب مغلق؟! الباب ليس مغلقًا أبدًا أبدًا! لو كان من المفترض أن يكون الحضور الجسديّ والخارجيّ لإمام الزمان عليه السلام هو سبب ظهور النعم، فما الفرق بينه وبين سائر الناس إذن؟! فعلى سبيل المثال أنا الآن جالس هنا، وهناك إنسان في الشارع يحتاج إلى مساعدتي، فعليّ أن أذهب إلى هناك لأساعده، ولا يمكنني المساعدة من هنا. فهل إمام الزمان مثلنا هكذا؟! فما الفرق بيننا وبينه؟! لو كان هو أيضًا هكذا، لما عاد إمامًا!

  • تشابه حضور إمام الزمان وغيبته مع سائر الأئمة عليهم السلام

  • إنّ ولاية إمام الزمان ليست ولاية جسديّة ظاهريّة، بل هي ولاية تكوينيّة تتعلّق بعالم النفس، ولا علاقة لها بالظاهر أصلًا. فأيّ فرق بين إمام الزمان الذي هو في غيبة، وموسى بن جعفر عليهما السلام الذي هو في سجن هارون؟! بل إنّ موسى بن جعفر كان يُعذّب في السجن، أما إمام الزمان فلا يُعذّب، ولا يضربه أعوان هارون بالسياط! لقد كانوا يضربون الإمام موسى بن جعفر بالسياط! حقًّا ماذا عانى هؤلاء الأعاظم؟!

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

14
  • إن كان الأمر يتعلّق بالغيبة الجسديّة، فهو أيضًا في سجن وفي أغلال وسلاسل، ولكن على الأقلّ يدا صاحب الأمر ليستا في أغلال وسلاسل، وهو يذهب إلى أيّ مدينة شاء. وهو يحضر بنفسه أيّام الحجّ ويحضر بنفسه إلى مكة.

  • والسؤال هو: ما علاقة من هو في مشهد بالإمام الصادق الذي هو في المدينة؟! لقد كان في المدينة وكان شيعته في مشهد! وكون إمام الزمان يعيش في منطقة ما، لا يؤثّر على علاقته بالناس الموجودين في قم. فعلى سبيل المثال لو أراد إمام الزمان بعد غد أن يعيش في شيراز ونحن في قم، لما اختلف الأمر عن الزمان الذي كان فيه موسى بن جعفر يعيش في المدينة. بل في هذه الحالة يكون الطريق أقرب، وإمام الزمان أقرب إلينا.

  • إذن، كلّ هذا بسبب الغفلة عن مقام الإمام والولاية، يا عزيزي! فنحن لا نعلم أصلاً ما هي الولاية؟! وما هي الغيبة وما هو الحضور؟! إنّ إمام الزمان عليه السلام أقرب إلينا من الثوب الذي نرتديه. فما معنى هذا الكلام الذي يقولون فيه إنّ الباب مغلق؟!

  • إنّ ولاية الإمام عليه السلام ولاية باطن، ولا علاقة لها بالظاهر أصلاً! وكما كانت ولاية الأئمة الذين سبقوه، مثل الإمام العسكريّ، كذلك. أمر المتوكّل فأُلقي القبض على الإمام العسكري وأُودع السجن، والآن مكان دفن الإمام العسكري هو منزله.

  • توجد مئذنة في سامراء تسمّى الملوية. يقال إنها كانت مكانًا للمراقبة، وهي ذات ارتفاع شاهق كانوا يراقبون منها، مثل أبراج المراقبة الموجودة الآن؛ بالطبع الآن تتمّ هذه المهمّة بالأجهزة. وبجانب هذه المئذنة مسجد كبير جدًا كان معسكرًا ومقرًّا لجنود المتوكّل. في الواقع، كان مسجدًا ومعسكرًا في آن واحد۱

  • في المرة الأخيرة التي تشرّفنا فيها بالزيارة، أخذونا إلى هناك ورأينا آثارًا قديمة تُستخرج من تحت التراب تعود إلى عصر الإمام العسكري عليه السلام، وكان التراب قد غطّاها.

  • لقد أمضى الإمام عمر إمامته أصلاً في المعسكر، وكان اتّصاله بالناس مقطوعًا، إلا ما شذّ وندر ممن كان يستطيع رؤيته! وكان الإمام الهادي عليه السلام في أواخر عمره في المعسكر ولم يكن على اتّصال بالناس. فإذن، يمكننا القول إنّ هؤلاء أيضًا كانوا في غيبة، ولم يكن لديهم أيّ اتّصال! إمام الزمان الآن يستطيع الذهاب إلى أيّ مكان، أمّا هم فلم يكونوا يستطيعون الذهاب؛ بالطبع إذا نظرنا من الناحية الظاهريّة، وإلا فمن ناحية الإمامة فالأمر مختلف.

    1. المجموعة النفيسة فی تاريخ الأئمة عليهم  السّلام، ص ٢۰٣ ـ ٢۱۰.

لماذا أبواب الدعاء مفتّحة؟ - هل تمنع الغيبة من الوصول إلى الإمام؟

15
  • من الناحيّة الظاهريّة، إمام الزمان يذهب الآن حيث يشاء، أما الإمام الهادي والإمام العسكريّ فقد كانا محبوسين في المعسكر وفي الثكنة العسكريّة، والإمام موسى بن جعفر قد حبسوه سنوات في السجن وفي زنزانة انفراديّة، ومن العجيب جدًّا أنّهم في أواخر أيامه قد قيّدوا قدميه بالأغلال والسلاسل۱! فهل كان موسى بن جعفر في ذلك الحين غافلًا عن شيعته، وهل كان باب الاتّصال بينه وبينهم مسدودًا؟!

  • الناس الآن لا يسمعون إلا كلمة "غيبة"! الغيبة تعني أن الإمام محجوب عن أعيننا، وإلا فلم يحدث شيء؛ بل إنّ آباءه كانوا أضيق يدًا منه من حيث الاتّصال بالناس!

  • فإذن، الباب مفتوح، ومفتوح دائمًا!

  • گر گدا كاهل بود***تقصیر صاحبخانه چیست؟
  • يقول: 

  • إن كان المستجدي ضعيف الهمّة *** فما تقصير صاحب الدار؟

  • مجلس تمام گشت و به آخر رسید عمر***ما هم‌چنان در اول وصف تو مانده‌ایم٢
  • يقول: 

  • انتهى المجلس وبلغ العمر نهايته *** ونحن ما زلنا في بداية وصفك

  • إن شاء الله، إذا وفّقنا الله، سأكمل بقية المواضيع في الجلسات القادمة. وبالطبع لم يبقَ أكثر من ليلتين أو ثلاث، لنرى ماذا قسم الله لنا. 

  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد

    1. مناقب ابن شهرآشوب، ج ٤، ص ٣٢۷.
    2. گلستان سعدی، دیباچه.