4

مفتاح السكينة والطمأنينة

هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

17
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1423

التاريخ 1423/09/21

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

كيفَ يمكنُ للإنسانِ أن يرضى بالقضاءِ الإلهيِّ؟ وما الدافعُ الذي ينشأُ في وجودِه حتّى يرضى بما يريد اللهُ؟ وما التغييراتُ التي يجبُ أن تحدثَ في داخلِه حتّى يصلَ إلى هذا المستوى؟ تجيب المحاضرة عن ذلك مؤكّدة ضرورة التزام التكاليف الشرعيّة وبذل الجهد ثمّ الرضا بالنتائج، منبّهة على أنّ هذا لا يعني الاستسلام للكسل أو سوء التدبير. كما تنتقد النظرة السطحيّة لمظاهر التذلل والبكاء، مؤكّدةً على أنّ الحالة الباطنية هي الأهمّ.

/۱۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • مفتاح السكينة والطمأنينة 

  • هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٣ هـ - الجلسة الرابعة 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ‌ 

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌ 

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سيدنا ونبينا أبي‌القاسم محمدٍ 

  • وعلى آله الطّیبین الطّاهرین 

  • و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعینَ

  •  

  •  

  • «وَ أنَّ فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ عِوَضًا مِنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ وَ مَنْدُوحَةً عَمَّا فِي أَيدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ».

  • هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

  • كانَ الحديثُ في الليالي الماضية حولَ علّةِ استعمالِ الإمامِ السجّادِ عليه السلام لهذه العبارةِ والكلمةِ التي ذكرها، حيثُ ربطَ الرجوعَ والإقبالَ وطلبَ جودِ الباري عزّ وجلّ بالابتهال والنحيبِ والإنابةِ والشعورِ بالذلّ، وأنّه ما هي علّة ذلك؟ كما تقدّم أنّ على الإنسانِ في مقامِ الإقبالِ على جودِ اللهِ وعطائه، وطلبِ النعمةِ منه، سواءً في مسائلِ الحياةِ الدنيويّةِ، أو مسائلِ الحياةِ الأخرويّةِ، أو طلبِ العلمِ والرزقِ الروحانيِّ في هذه الأمورِ، أن يكونَ في حالةِ إنابةٍ. وهذا ليسَ معناهُ أنّ على الإنسان أن يبكي وينتحب في كلِّ موضعٍ، لا؛ فحالةُ الإنابةِ والذلِّ هذه لها صورٌ مختلفةٌ، وعلى الإنسانِ أن يحفظَ هذه الحالةَ في وجودهِ، فحينًا تكونُ على شكلِ نحيبٍ وإنابةٍ أي على شكلِ نحيبٍ وبكاءٍ وحنينٍ، وأحيانًا لا تكونُ كذلك. وقد لا تظهرُ هذه الصورةُ للإنسانِ في كثيرٍ من الأوقاتِ. 

  • تصوّرات خاطئة حول الزيارة والبكاء

  • وقد ذُكرَ ليلةَ أمسِ أنَّ بعضَ الذينَ يذهبونَ للزياراتِ يتصوّرونَ أنّ عليهم أن يكونوا في حالةِ بكاءٍ أثناءَ الزيارةِ، فلو افترضنا أنَّ زائرًا يذهبُ لزيارةِ سيدِ الشهداءِ ولا يبكي، فإنَّ زيارتهُ غيرُ مقبولةٍ! لقد رأينا زائرًا كانَ مبتهجًا جدًّا بسفرتهِ وحالتهِ، وخاصّةً بزيارتهِ لكربلاءَ، وكانَ يقولُ: «منذُ أن دخلنا كربلاءَ حتى خرجنا، لم يجفَّ الدمعُ من أعيننا». ومن هذهِ الناحيةِ، أرادَ أن يفضّلَ حالتهُ التي وجدها في كربلاءَ على حالتهِ العاديةِ التي وجدها في النجفِ مثلاً، وأن يأتيَ الإمامُ ويتصرّفَ فيهِ في ذلكَ الموقفِ وفي مقامِ الإمامِ وأن يُحدثَ فيهِ تغييراتٍ، غافلاً عن أنَّ هذهِ الحالةَ من البكاءِ كانت لكَ أنتَ، وقد لا تكونُ لغيركَ. وأنَّ مجرّدَ وجودِ حالةِ البكاءِ لديكَ في كربلاءَ ليسَ دليلاً على أنَّ مقامَ الإمامِ الحسينِ أعلى من مقامِ أميرِ المؤمنينَ، كلاّ. فأولاً: فهناكَ كلامٌ في الصغرى، وثانيًا: في كبرى القضيةِ.۱ فما علاقةُ وجودِ هذهِ الحالةِ لديكَ في كربلاءَ بضرورةِ كونِ مقامِ الإمامِ الحسينِ أعلى من مقامِ أميرِ المؤمنينَ لمجرّدِ أنَّ حالَكَ في كربلاءَ كانَ أفضلَ؟ لا ينبغي للإنسانِ أن يكونَ أحاديَّ النظرةِ. فأميرُ المؤمنينَ عليه السلام نفسهُ كانَ جانبُ البكاءِ لديهِ قويًّا جدًّا في الليالي، وجانبُ بشاشتهِ قويًّا جدًّا في الأيّامِ، لدرجةِ أنَّ الثانيَ كانَ ينتقدُ أميرَ المؤمنينَ عليه السلام ويقولُ: «رَجُلٌ دِعَابَةٌ»٢؛ أي كثيرُ الضحكِ كثيرُ المزاحِ. 

    1. الصغرى والكبرى اسمان للمقدّمتين اللتين تؤلّفان القياس وتفيدان النتيجة وفق اصطلاح علم المنطق، مثل: 
      كلّ إنسان من تراب (كبرى) 
      زيد إنسان (صغرى) 
      زيد من تراب (نتيجة) 
      والكبرى في كلام السيّد هي: 
      كلّ زيارة فيها بكاء فصاحبها أعظم مقامًا (كبرى)
      هذه الزيارة فيها بكاء (صغرى)
      هذه الزيارة صاحبها أعظم مقامًا (نتيجة)
      ومناقشة المحاضر للصغرى هو بأنّ الزيارة لم يكن فيها بكاء عند الجميع بل عند هذا المتكلّم وحده. 
      ومناقشته للكبرى هو بأنّ بكاء الزائر لا يدلّ على عظمة المزور. (م) 
    2.  معرفة الإمام، ج‌۱۱، ص: ٢٦۷: روى الفضل بن شاذان في كتاب «الإيضاح» من ص ۱٦٢ إلى ۱٦٦ عن ابن عبّاس قال: إنّي لأطوف بالمدينة مع عمر ويده على جنحي إذ زفر زفرة كادت تطير بأضلاعه؛ فقلتُ: سبحان الله! والله ما أخرج هذا منك إلّا همّ شديد! 
      قال: أي والله هَمّ شديد! 
      قلتُ: ما هو؟! 
      قال: هذا الأمر، لا أدري فيمن أضعه؟ ثمّ نظر إليّ فقال: لعلّك تقول: إنّ عليّاً صاحبها! 
      قالقلتُ: أي والله، إنّي لأقول ذاك، وإنّي به وأخبر به الناس.
      فقال: و كيف ذاك؟ 
      قالقلتُ: لقرابته من رسول الله، و صهره، وسابقته، وعلمه، وبلائه في الإسلام. 
      فقال: إنّه لكما تقول ولكنّه رجل فيه دُعابة.

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

3
  • المزاح والبشاشة لا تتنافى مع مقام الحاكم الإلهي

  • فهو يتصوّر أنّه ليسَ من المفترضِ أن يمازحَ الحاكمُ الناسَ، بل يجبُ أن يكونَ عبوسًا قمطريرًا وجبينه مثل مربّى الخوخِ، وإذا ما ابتسمَ ابتسامةً واحدةً على شفتيهِ، فإنّهُ يُخلَعُ من الحكمِ! كلا، هذهِ ليستْ حكومةً إلهيّةً أن يكونَ الحاكمُ عبوسًا، وأن يمنعَ نفسهُ عن الناسِ، كما ذكرنا ليلةَ أمسِ، أن يقضيَ في خلوتهِ مع المقرّبينَ والندماءِ حتّى أذانِ الفجرِ في كلامِ اللغوِ واللعبِ والضحكِ، ولكنْ عندما يريدُ أن يلقيَ خطابًا في الغدِ، يكونُ عابسًا طوالَ الوقتِ، وكأنَّ اللهَ لم يُعلّمهُ الضحكَ أصلاً! آه! هذا ليسَ حاكمًا، الحاكمُ هوَ من يكونُ ظاهرهُ وباطنهُ واحدًا. فكما يضحكُ في خلوتهِ، يضحكُ مع الناسِ أيضًا، ولا يرى في هذا الضحكِ نقصًا لنفسهِ. فما المانعُ أن يضحكَ الإنسانُ مع الناسِ ويمازحهم؟! ما المانعُ؟! أليسَ هؤلاءِ الناسُ خلقَ اللهِ ويجبُ التعاملُ معهم بنفسِ الكيفيّةِ والعلاقةِ التي يتعاملُ بها مع الآخرينَ؟! بلى. 

  • قصّة حول التجبّر والمراءاة

  • ذاتَ يومٍ كنّا برفقةِ المرحومِ العلامةِ والمرحومِ الأستاذ مطهّري في مكانٍ ما، كنّا مدعوّينَ لتناولِ الغداءِ في منزلِ أحدِ السادةِ المراجعِ السابقينَ والذي انتقلَ إلى رحمةِ اللهِ، كانَ رجلاً صالحًا، رحمهُ اللهُ. ودارَ الحديثُ عن شخصٍ ما، وعن سببِ عدمِ قيامهِ بعملٍ معينٍ، وأنّهُ من الأفضلِ لهُ أن يقومَ بهذا العملِ. كانَ هناكَ شخصٌ في المجلسِ لا يزالُ على قيدِ الحياةِ، فقالَ: «يستحيلُ أن يقومَ فلانٌ بمثلِ هذا العملِ، فذلكَ يتنافى مع مقامِهِ الجبروتيِّ وهيبتهِ، يستحيلُ أن يفعلَ ذلكَ». فهل هذا التجبّرُ أمرٌ حسنٌ؟! هل هذا التجبّرُ صفةٌ مستحسنةٌ في شخصٍ ما، وأن تحبسهُ في ضيقِ الأنانيّةِ ومحوريّة الذات؟! هنا تكمنُ المشكلة فالإنسانَ يريدُ أن يصلَ من الجزئيّة إلى الكليّةِ، وهذهِ المسائلُ تُعيدهُ إلى الجزئيّةِ مرّةً أخرى. الكليّةُ، الوحدةُ، الصفةُ الثبوتيّةُ للبارئِ، جانبُ العطفِ، وجانبُ الرحمةِ، وجانبُ البساطةِ، وجانبُ البهجةِ بالنسبةِ لجميعِ الخلقِ. نحنُ لم نقلْ: اضحكْ يا عزيزي لشمرَ ويزيدَ، بل اضحكْ لهؤلاءِ الناسِ المساكينِ عبادِ اللهِ، هؤلاءِ الناسِ الذينَ هم في الشوارعِ والأسواقِ والمساجدِ والحسينيّاتِ، فما المانعُ من الضحكِ لهم؟ ما المانعُ من الابتسامِ لهؤلاءِ؟ لا شيءَ ينقصُ منّا. فما الخطأُ في أميرِ المؤمنينَ؟! كانَ خطؤهُ أنّهُ كانَ يضحكُ مع الناسِ، هذا كانَ عيبَ أميرِ المؤمنينَ، ولكنَّ ذاكَ الثاني على أساسِ قولِهِ تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾۱. فالنبيُّ صلّى الله عليه وآله لم يفعلْ ذلكَ دائمًا. النبيُّ كانَ يجلس ويتحدّث ويضحكُ ويتبسّمُ٢، فـ «كانَ فينا كأحدِنا»،٣ مثلَ أيّ واحدٍ منّا. فكما نجلس نحن ونضحكُ ونتكلّمُ ونمزحُ، كان النبيُّ كذلكَ، كانَ واحدًا منّا. فيا رسولي، هذا اللينُ والعطفُ والرحمةُ وانفتاحُ الأسارير الذي أُعطيتَهُ، هو منَّي أنا. هي صفات أفيضتْ عليكَ من جانبي، ولو كنتَ قاسيًا غليظَ القلبِ عبوسًا، لما اجتمعَ أحدٌ حولكَ، ولما انجذبَ أحدٌ إليكَ و﴿لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ وذهبوا. 

    1. سورة آل عمران الاية ۱٥٩
    2.  تفسير الميزان، ج‌٦، ص: ٣۱٤: في المكارم، قال: كان رسول الله ص: إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.
      وفيه، عن يونس الشيباني قال: قال لي أبو عبد الله (ع): «كيف مداعبة بعضكم بعضا»؟ قلت: قليلا. قال: «هلا تفعلوا؟ فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك‌ لتدخل بها السرور على أخيك، و لقد كان رسول الله ص يداعب الرجل يريد به أن يسره».
      وفيه، عن أبي القاسم الكوفي في كتاب الأخلاق، عن الصادق (ع) قال: «ما من مؤمن إلا و فيه دعابة، و كان رسول الله ص يداعب و لا يقول إلا حقًّا».
    3. ورد هذا الوصف في حقّ أمير المؤمنين نفس رسول الله صلّى الله عليه وآله على لسان ضرار بن عمرو وذلك في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدید، ج ۱۸، ص: ٢٢٥: دخل ضرار على معاوية و كان ضرار من صحابة علي (علیه السلام) فقال له معاوية يا ضرار صف لي عليا قال أ و تعفيني قال لا أعفيك قال ما أصف منه كان‌ والله شديد القوى بعيد المدى يتفجر العلم من أنحائه و الحكمة من أرجائه حسن المعاشرة سهل المباشرة خشن المأكل قصير الملبس غزير العبرة طويل الفكرة يقلب كفه و يخاطب نفسه و كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألنا و يبتدئنا إذا سكتنا و نحن مع تقريبه لنا أشد ما يكون صاحب لصاحب هيبة لا نبتدئه الكلام لعظمته يحب المساكين و يقرب أهل الدين لا يطمع القوي في باطله و لا ييئس الضعيف من عدله و أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم‌ و يبكي بكاء الحزين و يقول يا دنيا غري غيري أبي‌ تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة لي فيها فعمرك قصير و خطرك حقير آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق‌ فبكى معاوية و قال: رحم الله أبا حسن كان و الله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال حزن من ذبح ولدها في حجرها.

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

4
  • لذلكَ، فصفةُ انفتاحِ الأسارير هي أنَّ «المؤمنَ بشرهُ في وجههِ وحزنهُ في قلبهِ»۱ هذهِ هي النقطةُ المهمّة. المؤمنُ بشاشتهُ في وجههِ، بشاشتهُ في وجههِ. 

  • قصة ممازحة الشيخ ستوده رحمه الله لطلابه

  • رحمَ اللهُ أحدَ العلماءِ والأعاظم الكبارِ في الحوزةِ والذي انتقل إلى رحمةِ اللهِ، المرحومَ الشيخ ستوده، المرحومَ الشيخ ستوده. لقد درستُ عندهُ المكاسبَ قليلاً، فصلاً مختصرًا، كانَ رجلاً مرحًا جدًّا، وكانَ فاضلاً أيضًا، عالمًا ودارسًا، رحمَهُ اللهُ، وكانَ رجلاً تقيًّا وورعًا، كانَ صريحًا جدًّا، صريحًا لا لبسَ فيهِ، نعم. في أحدِ الأيامِ مازح الطلاّب أثناء الدرسِ، وبمناسبةٍ ما، فقد كانَ يمازحُ الطلابَ أحيانًا حتى لا يملّوا. نعم، ذاتَ يومٍ، لم أكنْ موجودًا في هذا الموقفِ، لكنَّ آخرينَ رووا لي القصةَ، قالوا: «ذاتَ يومٍ، جئنا فرأيناهُ بدأَ الدرسَ بجديّةٍ ثمَّ بدأَ يمازحُ ويتحدّثُ». فقالَ أحدُ الحضور: «شيخنا أنتَ اليومَ في غايةِ النشاطِ والبهجةِ!» فقالَ: واللهِ، ماذا أقولُ؟ ليت الأمر كذلكَ، ربّما يكونُ كذلكَ حقًّا، لأنَّ زوجتي توفّيتْ ليلةَ أمسِ وجنازتها في المنزلِ الآنَ، ومع ذلك جئتُ. ولم يكن أحد يعلمْ أنَّ زوجةَ هذا المسكينِ قد توفّيتْ، ويقولُ إنَّ الجنازةَ في المنزلِ. فقامَ الطلابُ بعدَ الدرسِ وذهبوا، وباختصارٍ، شُيّعتْ الجنازةُ وما إلى ذلكَ. فبعضُ الناسِ هم هكذا، وهذا هوَ الحالُ. لقد توفّيتْ ليلةَ أمسِ. (ثمَّ قالَ جملةً أخرى لن أذكرها). نعم، المؤمنُ دائمًا بشاشتهُ وابتسامتهُ مع الناسِ، ولكنَّ حزنهُ في قلبهِ. لماذا حزنهُ في قلبهِ؟ لماذا؟ لأنّهُ يرى نفسهُ دائمًا محتاجًا، ومن يرى نفسهُ محتاجًا، لا يمكنُ أن لا يكونَ قلبهُ حزينًا. لا يمكنُ. من لا يرى نفسهُ محتاجًا، لا يمكنُ أن لا يكونَ قلبهُ متوجّهًا. لا يمكنُ أن لا تكونَ لديهِ حالةُ تضرّعٍ وخشوعٍ. 

  • فرق بين حال المرحوم السيد الحداد وحال بعض تلامذته

  • كانَ المرحوم الحاجّ عبد الزهراءِ الكرعاويّ أحد مريدي المرحوم السيّد الحداد رضوانُ اللهِ عليه، وقد كنتُ صغيرًا عندما التقيت به، ولم يكنْ هناكَ مجلسٌ إلا وبكى فيهِ، كما روى المرحوم العلامة الطهرانيّ بنفسهِ في كتابهِ، وكانَ يبكي كثيرًا ولا يتوقفُ عن البكاءِ. أحدُ أقاربنا، الذي يربطهُ نسبٌ بعيدٌ وأيضًا صهرٌ، كانَ من أصهارِ جدّنا المرحومِ الحاجِ السيّد معينٍ، رحمَهُما اللهُ. في أحدِ المجالسِ التي جاءَ فيها إلى طهرانَ إلى منزلِ الحاجِ السيّد معينٍ هذا، وكانَ هناكَ أفرادٌ يتردّدونَ. وكانَ والدُ ذلكَ الصهرِ، وهوَ من قمَ، ومن علماء قمَ، حاضرًا في ذلكَ المجلسِ في طهرانَ تلكَ الليلةَ. وكالعادةِ هناكَ، كانتْ مجالسهمْ أحيانًا يقرؤونَ فيها الشعرَ، وأحيانًا يدعونَ دعاءَ السماتِ والجوشنِ. فبدأوا بقراءةِ دعاءِ الجوشنِ، فارتفعَ صوتُ بكائهِ، وأيُّ بكاءٍ! وعندما انتهوا، التفتَ هذا السيدُ، والدُ صهرِ المرحومِ الحاجِ السيّد معينٍ، الذي كانَ هناكَ، إلى هذا الرجلِ، وقالَ: «هذا الرجلُ مجنونٌ». أينَ البكاءُ في دعاءِ السماتِ هذا؟ قالَ: «هذا مجنونٌ». يقولُ: «يا إلهي، أنتَ كذا، يا نورَ النورِ، يا منورَ النورِ». حسنًا، هذا ليسَ فيهِ بكاءٌ. والآنَ هذا المسكينُ لا يعلمُ ما يدورُ في قلبِ ذاكَ، وما النارُ المشتعلةُ في داخلهِ التي تظهرُ عليهِ بهذهِ الصورةِ. لا يعلمُ. وبهذا التعريفِ الذي قيلَ عنهُ، ذاتَ ليلةٍ، عندما كانَ المرحوم السيّد الحداد منقلبًا جدًّا، التفتَ إلى المرحوم العلامة الطهرانيّ وقالَ: «يا سيّد محمدٍ حسينَ، هذهِ الحالةُ التي تراها في عبدِ الزهراءِ، الحاجِ عبدِ الزهراءِ، هناك أربعةُ آلافِ ضعفٍ منها في قلبي، لكنّها لا تظهرُ، لا تتجلّى. أربعةُ آلافِ ضعفٍ منها في قلبي، لكنني لا أُظهرها، لا أُظهرها». حسنًا، إنهُ مقامُ الجمعِ، يحتفظُ بها، يمسكُ نفسهُ، يحفظُ نفسهُ، لا يسمحُ لسرّهِ الداخليِّ بالظهورِ والوقوعِ في أيدي كلِّ من هو أهل لها أو غيرِ أهلٍ، فيقولونَ: انظروا أيَّ حالٍ جميلٍ لديهِ! لا، بل لديهِ غيرةٌ على هذا الحالِ، فيحتفظُ بهِ لنفسهِ. الشخصُ الحاذقُ، الذي لديهِ سرٌّ مع محبوبهِ، لا يسمحُ أن يُفشى حالهُ للآخرينَ. بالطبعِ، في بعضِ الحالاتِ يكونُ الأمرُ غيرَ اختياريٍّ، وغيرُ الاختياريِّ أمرٌ آخرُ. 

    1. الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب. الكافي. الجزء ٢، الصفحة ٢٤۱.

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

5
  • هل التظاهر بالحالات الروحية صحيح؟

  • لذلكَ، قالَ كبارُ السلوكِ وأولياءُ الطريقِ: إنَّ تقليدَ حالةِ شخصٍ آخرَ هوَ خلافٌ، خلافُ الطريقِ. هذا مجازٌ. أن يأتيَ الإنسانُ وينظرَ، فيرى شخصًا في حالةِ بكاءٍ، فيدّعي هوَ أيضًا البكاءَ. حسنًا، إذا لم يأتِكَ البكاءُ، فلا تبكِ، لماذا تُجهدُ نفسكَ يا صاحبي؟ أو أن يرى الإنسانُ شخصًا في حالةٍ حسنةٍ، في حالةِ ضحكٍ، في حالةِ ابتهاجٍ، فيدّعي هوَ أيضًا هذهِ الحالةَ، فيصبحُ مثلَ قصةِ الغرابِ الذي تبعَ الحجلَ، وفي النهايةِ نسيَ كيفَ يمشي بنفسهِ. فالغرابُ غرابٌ ولهُ خصائصُ الغرابِ، والحجلُ حجلٌ ولهُ خصائصُ الحجلِ، والحمامةُ حمامةٌ والصقرُ صقرٌ. كلُّ شخصٍ يتحركُ وفقًا لشاكلتهِ الخاصةِ. والمهمُّ هوَ جانبُ الابتهالِ والإنابةِ. ذلكَ لا ينبغي أن يزولَ، ذلكَ الذي في الداخلِ، وتلكَ حالةُ الطلبِ والخضوعِ، هي المهمةُ. والآنَ، ذأحيانًا تظهرُ في الصورةِ الظاهرةِ. 

  • الخطأ في تفضيل الأماكن المقدّسة بناءً على الحالات الشخصيّة

  • مثلَ بعضِ الذينَ زاروا مكّةَ، بعض الناسِ، فقد سمعتُ منذُ مدةٍ أنَّ نقاشًا طرح وخلاف فقالَ أحدهم: «مكةُ مقدّمةٌ؛ إنها بيتُ اللهِ». وقالَ الآخرُ: «المدينةُ مقدّمةٌ لأنّها حرمُ الرسولِ صلّى الله عليه وآله وهكذا». فذاكَ الذي وجدَ حالاً حسنًا في المدينةِ قالَ: «المدينةُ أفضلُ»، وذاكَ الذي وجدَ حالاً حسنًا في مكّةَ قالَ: «مكةُ أفضلُ». كلاّ يا أخي. هؤلاءِ كلهم ينظرونَ إلى مرآةِ وجودِهمْ ويقيسونَ الخارجَ من مرآةِ وجودِهمْ. يضعونَ الخارجَ والأحداثَ الخارجيّةَ في ميزانِ القياسِ بناءً على ظنّهم. في حينِ أنّهُ قد يحصلُ لنفسِ هذا الذي وجدَ حالاً حسنًا في مكةَ الآنَ، أن يجدَ حالاً حسنًا في المدينةِ بعدَ عشرِ سنواتٍ ويكون أفضلَ من حاله في مكّةَ، أو العكسُ. لذلكَ، على كلِّ إنسان أن يسير وفق حالته، ولا ينبغي لهُ أن ينظرَ إلى الآخرينَ. عليهِ أن يُحقّقَ ذلكَ الأصلَ والمقياسَ في وجودهِ وفي قلبهِ، ثمَّ ليحدثْ ما يشاءُ أن يحدثَ، فلو زار كربلاءَ بعد تثبيت تلك الحالة من الفقر والإنابة في قلبه، ولكنّه مع ذلك ضحكَ بدلَ أن يبكي، فليضحكْ. وإذا زار النجفِ، وبدلَ أن يضحك بكى، فليبكِ. فليحدثْ كما يحدثُ لكثيرٍ من الناسِ، يحدثُ لكثيرٍ من الناسِ. 

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

6
  • نقد المظاهر الخاطئة في الزيارات

  • الحساباتُ تدورُ على أساسِ النيّةِ وعلى أساسِ الواقعِ، لا على أساسِ الظاهرِ. ففي زيارتنا الأولى إلى كربلاءَ بعدَ أربعةٍ وعشرينَ عامًا، وفّقنا اللهُ قبلَ بضعِ سنواتٍ، أي قبلَ أربعِ سنواتٍ. حسنًا، بما أنَّ طريقَ كربلاءَ قد فُتحَ حديثًا، وكانَ الناسُ يأتونَ، فبطبيعةِ الحالِ كانوا يأتونَ بتصوّراتٍ وتخيّلاتٍ وأمورٍ مصوّرةٍ مسبقًا، فكانوا يتأثرونَ بالأجواءِ. وفي بعضِ الأحيانِ، كانتْ تصدرُ منهم أعمالٌ وتصرفاتٌ لم تكنْ موضعَ استحسانِ المحيطينَ بهم، كما روى لنا المسؤولونَ أنفسهمْ، كانوا يقولونَ: «كثيرٌ منهم يخلعونَ ملابسهم، ويأتونَ على أربعٍ بشكلٍ لا أعرفُ كيفَ، ويُصدرونَ أصواتَ بعضِ الحيواناتِ، ولا أعرفُ لماذا يفعلونَ، هكذا». ما هذا؟ حسنًا، تعالَ واقرأْ الزيارةَ. لم يكنْ هذا الأمرُ محببًّا. ثمَّ كانوا يأتونَ، كنا هناكَ، يضعونَ هذا الحرمَ على رؤوسهم، لم يبقَ إلا أن يسقطَ السقفُ. ماذا كانوا يفعلونَ حقًّا؟ كانوا يأتونَ إلينا ويقولونَ: «سيّدنا، ما هذا الوضعُ؟ ما هذا الذي يفعلونهُ؟ قلْ لهم». وماذا بوسعنا أن نفعلَ لهم؟ كانوا يروننا نصلي هكذا، ونطوفُ، ونصلي، ونذهبُ، ونزورُ، ثمَّ نعتزلُ جانبًا ونجلسُ، بلا صخبٍ ولا صراخٍ ولا ضجيجٍ. كانوا يتعجّبونَ جدًّا، ويقولونَ: «هذهِ أوّلُ مجموعةٍ نراها هكذا، لم نرَ شيئًا كهذا من قبلُ». فقلنا: «لا، فالأحوالُ تختلفُ». ثمَّ كانوا يقولونَ بأنفسهم: «لا، ليسَ هكذا»، ويقولونَ: «نفسُ هذا الذي يفعلُ كذا وكذا، عندما نذهبُ لإيقاظهِ لصلاةِ الصبحِ لا يستيقظُ». هؤلاءِ همْ أنفسهمْ، هؤلاءِ المسؤولونَ، هؤلاءِ البعثيّونَ، كانوا يقولونَ لنا. ما هذا الذي فعلتَهُ ليلةَ أمسِ؟ ما هذا الذي فاتكَ من صلاةِ اليومِ؟ هل تفهمونَ؟ هذهِ أمورٌ شائعةٌ بينَ العوامِ. 

  • لا ينبغي لنا أن نقلّدَ، يجبُ على الإنسانِ أن يحافظَ على توجّههِ. ذلكَ التوجّهُ أحيانًا يسبّبُ رقةً، وتلكَ الرقةُ تظهرُ على شكلِ بكاءٍ. وأحيانًا، تظهرُ حالةُ التوجّهِ تلكَ على شكلِ بشاشةٍ وابتهاجٍ، وكلاهما واحدٌ. لماذا كلاهما واحدٌ؟ لأنَّ هناكَ لا يوجدُ تكلّفٌ. لا يوجدُ غشٌّ ولا تمثيلٌ هنا. لا يوجدُ مجازٌ هنا. هوَ واقعٌ، وسواءً كانَ الواقعُ على هذهِ الصورةِ أو تلكَ، لا فرقَ. هذا هوَ مقصدُ الإمامِ السجّادِ عليه السلام، الابتهال والابتهاجِ بجودكَ، وليسَ في البكاءِ. المعنى ليسَ معنى البكاءِ والصراخِ، بل مراد الإمامِ السجّادِ هوَ ذلكَ الطلبُ الباطنيُّ والذلُّ والعبوديةُ والذلّةُ التي يشعرُ بها العبدُ تجاهَ مولاهُ في مقامِ الطلبِ. هذهِ الحالةُ، حالةٌ ميمونةٌ ومباركةٌ، وحيثما كانتْ مع العبدِ ومصاحبةً لهُ، فهي قرينةٌ لنزولِ الفيضِ. في أيِّ وقتٍ، مساءً، ليلاً، منتصفَ الليلِ، صباحًا، ظهرًا، لا فرقَ في أيِّ وقتٍ تغيّرتْ هذهِ الحالةُ. نحنُ نسيرُ في الشارعِ، فجأةً تتغيّرُ هذهِ الحالةُ إلى حالةٍ أخرى، تنقطعُ، تنقطعُ. ثمَّ نمشي عشرَ خطواتٍ أخرى، فتظهرُ حالةٌ كهذهِ مرّةً أخرى وتعودُ. يتّصلُ السلكُ، ثمَّ ينقطعُ بعدَ ربعِ ساعةٍ أخرى بسببِ موقفٍ ما، ينقطعُ ويتّصلُ، إلى متى؟ حتى تصبحَ هذهِ الحالةُ ملكةً. هذا ما يُسمّى بالمراقبةِ. فالمراقبةُ تعني أن يحافظَ الإنسانُ دائمًا على حالةِ التذلّلِ وحالةِ الحاجةِ في نفسهِ. عندما يتعاملُ مع الناسِ، يتعاملُ معهم بتلكَ الحالةِ، لا بصفةِ المُطالبِ. يحفظُ عبوديّتهُ للّهِ كما ذكرنا، ويتعاملُ مع الأفرادِ من جانبِ العبوديّةِ، لا من جانبِ الكثرةِ، ولا من جانبِ الأنانيّةِ. فذلكَ التعاملُ، في أيِّ مرحلةٍ كانَ، وفي أيِّ مقامٍ كانَ، هوَ في ذلكَ المقامِ وفي تلكَ المرحلةِ انقطاعٌ للفيضِ. 

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

7
  • الرضا بالقضاء الإلهي.. ما هو؟

  • حسنًا، الفقرةُ الأخرى: «وَ الرِّضَا بِقَضَائِكَ» الرضا بقضائكَ، الرضا بما تُقدّرهُ لنا. إذن، معنى «فِي اللَّهْفِ إِلَى جُودِكَ» قد فهمناهُ إلى حدٍّ ما بعقلنا الناقصِ، وهوَ أنَّ الإنسانَ عندما يريدُ أن يلجأَ إلى جودِ اللهِ، يجبُ أن يكونَ في حالةِ ابتهالٍ وذلٍّ، لا في حالةِ تمرّدٍ وتجبّرٍ. 

  • أحدُ تلاميذِ المرحوم السيّد الحداد، والذي كانَ موردَ لطفهِ وإحسانِهِ كثيرًا، ولكنّني في ذلكَ الوقتِ عندما كنتُ أراهُ، ومع صغرِ سنيّ، لم أكنْ أتقبّلُ حالتهُ تجاهَ السيّدِ الحدّاد. كانتْ حالتهُ حالةَ مُطالبٍ، حالةَ: يجبُ أن تُعطيَ. حتى إنّهُ في بعضِ الأحيانِ، كانَ الأمرُ يزدادُ صعوبةً، وكانَ يُهدّدُه أيضًا. يجبُ أن تُلبّيَ طلبي الفلانيَّ، وإلا سأفعلُ كذا، سأفشيَ الأمرَ الفلانيَّ، سأفشيَ... كانتْ لديهِ مثلُ هذهِ الحالةِ، ولم أكنْ أستحسنها، وقلتُ لهُ مرتينِ أو ثلاثًا: هذهِ الحالةُ التي لديكَ خاطئةٌ؛ فالتلميذُ لا ينبغي أن تكونَ لديهِ مثلُ هذهِ الحالةِ تجاهَ الأستاذِ. هذهِ الحالةُ ليست جيّدة، لم يكنْ يُصغي لكلامي كثيرًا. ولكنّني في ذلكَ الوقتِ، عندما كنتُ أنظرُ إلى المرحومِ العلامةِ، وكيفيّةِ علاقتهِ بهِ، وكيفيّةِ جلوسهِ معه، وكيفيّةِ حديثهِ معهُ، كنتُ أرى أنّهُ لم يتجاوزْ ذلكَ المسارَ والطريقَ أبدًا. وقد اختبرتُ هذا، وكنتُ صغيرًا، لكنّني أتذكرُ كلَّ شيءٍ الآنَ. كلُّ تلكَ القضايا موجودةٌ أمامي كالمرآة، وأتذكرها جميعًا، وماذا حصل في القضيّةِ الفلانيةِ، وفي القضيةِ الفلانيةِ. كانتْ تحدثُ مسائلُ يُصمّمُ فيها على القيامِ بعملٍ ما، وما إن تأتيَ إشارةٌ من السيّدِ الحدّاد رضوانُ اللهِ عليه حتى يختفيَ كلُّ شيءٍ، مثلَ النارِ التي تُطفأُ بالماءِ، فجأةً، وكأنَّ شيئًا لم يكنْ. حسنًا، إذا وصلَ إنسان ما إلى هذه الحالة، فماذا يحدثُ حينئذٍ؟ حسنًا، هذا يصبحُ السيّدَ محمدَ حسين، وذاكَ يصبحُ فردًا منبوذًا ومطرودًا ومُبعدًا ومحرومًا من نعمةِ اللهِ ورحمتهِ. ذاكَ يصبحُ هكذا، وذاكَ هكذا... وبينهما متوسّطاتٌ! والآنَ أيضًا، من كانوا في ذلكَ الوقتِ، لا يزالونَ على حالهمْ في ذلكَ الوقتِ، وعلى الكيفيّةِ نفسِها، وعلى المرتبةِ نفسِها، كلُّ إنسان وفقًا لحالتهِ. حسنًا، فعندما ينظرُ، والأمرُ ليسَ مجرّدَ النظرِ حتى يُعطيَ بعدَ ذلكَ. كلاّ، فبمجرّدِ أن يضعَ نفسهُ في هذهِ الحالةِ، فإنّهُ يأخذُ بيدهِ. كانَ المرحوم العلامة الطهرانيّ يقولُ: «المسألةُ هيَ ارتباطٌ آليٌّ». أيْ عندما يصحّحُ شخصٌ حالتهُ تجاهَ الأستاذِ وتجاهَ مقامِ الولايةِ، فإنّهُ يأخذُ بيدهِ، وإلا فلا يأخذُ، لا يأخذُ. كانَ المرحوم العلامة الطهرانيّ يقولُ: «يأتونَ إلينا ويقولونَ: سيّدنا، نحنُ نكنُّ لكم الولاءَ، ونسمعُ ما تأمرونَ». أنا أعلمُ أنَّ هذا الرجل يدخّنُ سيجارةً في الخارجِ، وأنا أعتبرُ التدخينَ حرامًا، ثمَّ يجلسُ أمامنا على ركبتيهِ. أيّها الأحمقُ، أتظنُّ أنني لا أعلمُ أنكَ تدخّنُ سيجارةً خلفَ البابِ؟! كانَ يقولُ: «يظنُّ أنّنا لا نعلم». نقولُ: «السيجارةُ حرامٌ». فيذهبُ خلفَ البابِ ويدخّنُ، ثمَّ يطرقُ البابَ، فنفتحُ له: «السلامُ عليكم، نحنُ نكنُّ لكم الولاءَ، نحن فداء لكم». يظنّونَ أننا لا نعلم. كانَ يقولُ: «لو أنَّ إنسانًا نوى نيةً في الجانب الآخرِ من العالمِ، ففي اللحظةِ نفسِها يحصل الاتصالُ من هنا». هذهِ كانتْ عبارتهُ لي، إن شاء اللهُ لا أكذبُ. فإذا نوى نيةً في الجانب الآخرِ من العالمِ، كانَ يقولُ: «هنا يرنُّ الجرسُ». جرسٌ تلقائيٌّ. هل ضبطتَ الساعةَ يومًا؟ تضبطُ الساعةَ في هذهِ الليالي التي يجبُ أن تضبطها حتى لا يفوتك السحورُ، أمّا في الليالي الأخرى فتطفئها وتضغطُ عليها وتقولُ: «الآنَ ما زالَ الوقتُ مبكّرًا». لكنْ في هذهِ الليالي لستم هكذا، أليسَ كذلكَ؟! يرنُّ الجرسُ، يرنُّ في الوقتِ المحدّدِ، ولا يتأخرُ ثانيةً واحدةً، وفي اللحظةِ نفسِها التي ضبطتَ فيها الساعةَ، عندما يصلُ العقربُ إلى هناكَ، يبدأُ بالرنينِ. كانَ يقولُ: «إذا نوى إنسان نيّةً، يرنُّ الجرسُ هنا». ولا شكّ ذلك فيهِ أبدًا. ماذا نريدُ أن نُخفيَ الآنَ؟ ماذا نريدُ أن نخفيَ؟! 

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

8
  • ما هو الرضا بقضاء الله؟

  • يقولُ الإمامُ: «وَالرِّضا بِقَضَائِكَ». بيان هذا الرضا بقضائكَ يحتاجُ إلى كتابٍ كامل، نعم، وليسَ منّي أنا الجاهل الذي علقْتُ في الدرجةِ الأولى، وبسوءِ الحظِّ ابتُليتمْ بي، لا، بل أمثالُ هؤلاء الذينَ يبيّنون لنا هذهِ المسألةُ، مسألة الرضا بالقضاءِ، والتي نقعُ كلُّنا متوقّفون فيها، وأنّه كيفَ يمكنُ للإنسانِ أن يرضى بالقضاءِ الإلهيِّ؟ كيفَ يمكنُ ذلكَ؟ ما هوَ هذا الدافعُ الذي ينشأُ في وجودِ الإنسانِ حتى يرضى بالقضاءِ الإلهيِّ ويرضى بما قدّرهُ اللهُ لهُ ويرضى بما يريدهُ اللهُ لهُ؟ وما هي التغييراتُ والتحوّلاتُ التي يجبُ أن تحدثَ في داخلِه حتى يصلَ إلى هذا الحدِّ؟ فالمسألةُ صعبةٌ جدًّا! نعم، نحنُ راضونَ بالقضاءِ الإلهيِّ، راضونَ بالقضاءِ، نعم، نحنُ الآنَ راضونَ، ولكنْ هل هذا في كلِّ مكانٍ وفي كلِّ حالٍ؟! 

  • الرضا بالقضاءِ الإلهيِّ لا يعني أنَّ يقومَ الإنسانَ بأعمالٍ بسوء اختياره، وعندما يقعُ في ورطةٍ يقولُ: حسنًا، نحنُ راضونَ. بعضُ الناسِ يتصوّرونَ ذلكَ. ويقولون: حسنًا، فاللهُ أرادَ لنا ذلكَ. حسنًا، اللهُ أرادَ لنا أن نكون هكذا. واللهُ أرادَ أن نقعَ في هذهِ الضائقةِ، اللهُ أرادَ أن يكونَ لفلانٍ هذا الرأيُ فينا. كلاّ! فكم أنتَ مقصّرٌ في هذهِ القضيّةِ؟! يقولونَ: التقديرُ كانَ هكذا. ونقول: نحنُ نصنعُ تقديرَنا بأنفسنا. 

  • فأيُّ رضا بالقضاءِ الإلهيِّ مُجازٌ من قبلِ الإمامِ السجّادِ؟! هل أن نجلسَ ونقولَ: «هذا قدرُ اللهِ، ونحنُ راضونَ»؟! إذا كانَ هناكَ رضا بقضاءِ اللهِ، فبأيِّ قضاءٍ وبأيِّ تقديرٍ هو؟ يقولُ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله: هناك طوائف لا ينبغي لهم أن يلوموا أنفسهم على تقديرِ اللهِ: 

  • أحدهم: من يجلسُ بجانبِ جدارٍ آيلٍ للسقوطِ، وهناك احتمال لسقوطِ هذا الجدارِ. 

  • ـ انهضْ واجلسْ بعيدًا. 

  • يقولُ: لا، سأجلسُ هنا، وإذا سقطَ على رأسي، فقد سقطَ، وهذا ما أرادهُ اللهُ. حسنًا، اجلسْ وليدعْهُ يسقطْ. وقد قيلَ: لا تذهبْ أيها الكسولُ إلى الظلِّ، فالظلُّ سيأتي إليكَ بنفسهِ. اجلسْ. فإذا سقطَ الجدارُ على رأسهِ وماتَ، فلا يطلبُ أجرًا منّا، فليسَ هناكَ شيءٌ هنا. لا شيءَ، بل يجبُ عليهِ أن يحاسبَ نفسهُ لماذا لم ينهضْ ويذهبْ بعيدًا؟ هذا لا ينبغي أن يلومَ إلا نفسهُ. 

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

9
  • والثاني: من يجلسُ في المنزلِ ولا يفعلُ شيئًا، ويتصوّرُ أنَّ رزقًا سيأتيهِ. حسنًا، فإذا ماتَ من الجوعِ، فقد ماتَ. فليقمْ وليذهبْ ليعملَ. 

  • وشخصٌ آخرُ مبتلى بمرضٍ ولا يراجعُ حكيمًا أو طبيبًا، ولا يستفيدُ من الأدويةِ والعلاجاتِ التي جعلها اللهُ، وينتظرُ أن نشفيهِ نحنُ. ونحنُ لا نشفيهِ. 

  • وهكذا، هناكَ أمورٌ أخرى في الرواياتِ، عن الزواجِ، وعن العملِ، وعن مسائلَ أخرى أيضًا.۱ فأن يجلسَ الإنسانُ هكذا ويفعلَ ما يشاءُ، ويُقدمَ على أيِّ عملٍ بتهوّرٍ، دونَ استشارةِ هذا وذاكَ، ودونَ أن يُشغلَ فكرهُ، ودونَ أن يضعَ مصلحةَ الآخرينَ في اعتبارهِ، وبعدَ أن يقعَ في ورطةٍ يقولُ: «اللهُ أرادَ ذلكَ». كلاّ، فاللهُ لم يردْ، بل أنتَ أردتَ. من قالَ إنَّ اللهَ أرادَ؟! كلا، بل اللهُ لم يردْ، واللهُ سيعاقبك أيضًا، وسيبتليكَ بكلِّ بلاءٍ في الحالِ. ما هذا الذي أرادهُ اللهُ؟! أن يأتيَ الإنسانُ ويفعلَ ما يشاءُ بناءً على هوىً وتهوّرٍ وتساهلٍ، وعندما تتبعهُ عواقبُ هذهِ القضيّةِ يقولَ: «اللهُ أرادَ لنا ذلكَ». كلاّ، من قالَ إنَّ اللهَ أرادَ؟ إذا عملتَ وفقًا للموازينِ، عندها النتيجةُ المترتبةُ على ذلكَ يمكنكَ أن تقولَ عنها إنَّ اللهَ أرادها. 

  • الرضا بقضاء الله عند أمير المؤمنين والنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله 

  • عندما ذهبَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام لقتالِ معاويةَ، ثمَّ انتهى الأمرُ إلى ما انتهى إليهِ، يمكنهُ الآنَ أن يقولَ: اللهُ أرادَ لنا هذهِ الهزيمةَ، اللهُ أرادَ ألا نصلَ إلى نتيجةٍ. هذا يمكنهُ أن يقولهُ الآنَ بكلِّ فخرٍ ووجهٍ بشوشٍ، وبدونِ أيِّ تردّدٍ أو ضيقٍ، لأنّهُ قد أدّى تكليفهُ. طبقًا لما رآهُ، قامَ بالعملِ، ولكنَّ الأمرَ انتهى بشكلٍ آخرَ. هنا نقولُ: «تقديرٌ». رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله جاءَ وتحدّثَ مع الناسِ ثلاثًا وعشرينَ عامًا، وأبلغَ رسالتهُ، وعانى التشرّدَ، والحروبَ، والجروحَ، والأذى اللسانِيّ، والمتاعبَ، والآلامَ، والنفاقَ، والنفاقَ الداخليَّ، والنفاقَ داخلَ منزلهِ من أزواجِهِ ضدّهِ. كلُّ هذا قامَ بهِ، ثمَّ انتقلَ إلى رحمةِ اللهِ، ولم يصلِ الحكمُ إلى أميرِ المؤمنينَ. هذا يمكننا أن نقولَ عنهُ: «كانَ قدرًا». لقد قمتُ بعملي. أمّا الآنَ، فيأتيَ أبو بكرٍ وعمرُ ليقولا: «لقد كانَ قدرًا من اللهِ أن نصلَ إلى الخلافةِ». فلا، لم يكنْ شيءٌ كهذا. الآنَ ترونَ كيفَ انقسمَ الأمرُ، بالنسبةِ لذاكَ قدرٌ، وبالنسبةِ لهذا غيرُ قدرٍ. هل كانتْ إرادةُ اللهِ أن نذهبَ ونحرقَ بيتَ فاطمةَ، وأن نضربها بينَ البابِ والجدارِ ضربًا شديدًا بحيثُ يسقطُ جنينها ثمَّ تموتُ؟ لا، لم تكنْ إرادةَ اللهِ أبدًا. هل كانتْ إرادةُ اللهِ لو قالوا: «لماذا فعلتِ هذا؟» تقولُ: «جئتُ إلى البابِ على الأقلِّ ليخجلوا زليقولوا: ابنةُ النبيِّ جاءتْ إلى البابِ، وينبغي لرجلٍ عربيٍّ أن يخجلَ من مواجهةِ امرأةٍ». صحيحٌ؟ لكنهم لم يخجلوا. هذا يصبحُ قدرًا، هذا يصبحُ «رضا بقضائكَ». إذن، المسألةُ ليستْ هكذا أن نفعلَ ما نشاءُ. نعم، ما كانَ تكليفًا وما قالهُ اللهُ، فعلناهُ، ثمَّ صارَ الأمرُ هكذا؟ هذا هوَ الرضا، أو أننا لم نفعلْ. نترك الكلام حولَ هذهِ المسألةِ، إن شاء اللهُ، إلى الجلسة القادمة. حالي الليلةَ لم يكنْ مساعدًا بعضَ الشيءِ، وصدقًا لم أكنْ ننوي المجيءَ، ولكنْ لا ندري، وكأنَّ أحدًا دفعني وجئت إلى هنا. على كلِّ حالٍ، إن شاء اللهُ، تتمّتُهُ إذا وفّقَنا اللهُ للمجلسِ القادمِ. 

    1.  الخصال، ج۱، ص۲۹۹: عن أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: خَمْسَةٌ لاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ: 
      رَجُلٌ جَعَلَ اَللَّهُ بِيَدِهِ طَلاَقَ اِمْرَأَتِهِ فَهِيَ تُؤْذِيهِ وَعِنْدَهُ مَا يُعْطِيهَا وَلَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهَا. 
      وَرَجُلٌ أَبَقَ مَمْلُوكُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَ لَمْ يَبِعْهُ.
      وَرَجُلٌ مَرَّ بِحَائِطٍ مَائِلٍ وَهُوَ يُقْبِلُ إِلَيْهِ وَ لَمْ يُسْرِعِ اَلْمَشْيَ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ.
      وَرَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلاً مَالاً فَلَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ.
      وَرَجُلٌ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَ قَالَ: اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي وَ لَمْ يَطْلُب»ْ .
      الكافي، ج٢، ص٥۱۱ الإمام الصادق علیه السلام: «ثَلاَثَةٌ تُرَدُّ عَلَيْهِمْ دَعَوْتُهُمْ: 
      رَجُلٌ رَزَقَهُ اَللَّهُ مَالاً فَأَنْفَقَهُ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ اُرْزُقْنِي. فَيُقَالُ لَهُ: أَ لَمْ أَرْزُقْكَ؟ 
      وَرَجُلٌ دَعَا عَلَى اِمْرَأَتِهِ وَ هُوَ لَهَا ظَالِمٌ فَيُقَالُ لَهُ أَلَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا بِيَدِكَ؟! 
      وَرَجُلٌ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: يَا رَبِّ اُرْزُقْنِي فَيُقَالُ: لَهُ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ اَلسَّبِيلَ إِلَى طَلَبِ اَلرِّزْقِ»
      الوافي، ج٩، ص۱٥٣٦: عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: «أَرْبَعَةٌ لاَ تُسْتَجَابُ لَهُمْ دَعْوَةٌ:
      اَلرَّجُلُ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ يَقُولُ اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالطَّلَبِ؟!
      ورَجُلٌ كَانَتْ لَهُ اِمْرَأَةٌ فَدَعَا عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَهُك أَلَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا إِلَيْكَ؟! 
      وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَفْسَدَهُ فَيَقُولُ اَللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي فَيُقَالُ لَهُ: أَلَمْ آمُرْكَ بِالاِقْتِصَادِ؟! أَلَمْ آمُرْكَ بِالْإِصْلاَحِ؟! ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِينَ إِذٰا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكٰانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوٰاماً.
      وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ مَالٌ فَأَدَانَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَيُقَالُ لَهُ أَلَمْ آمُرْكَ بِالشَّهَادَةِ»؟!

مفتاح السكينة والطمأنينة - هل البكاء في الزيارة شرط لقبولها؟

10
  •  

  • اللّهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ