10

حب الرئاسة ومخاطرها

قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

57
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1424

التاريخ 1424/09/16

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

لماذا يُعَدُّ طلب الرئاسة خطرًا على السالك؟ وكيف يمتحن الله عباده بالمناصب؟ ما الفرق بين طاعة مالك الأشتر واجتهاد الربيع بن خثيم؟ وما هي علامات الإخلاص الحقيقيّ للّه في مقابل التديّن المزيّف؟ تجيب هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة كاشفةً عن دقائق آفات النفس في طريق الكمال.

/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • حب الرئاسة ومخاطرها 

  • قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٤ هـ - الجلسة العاشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌ 

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم‌ 

  • وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا ونبینا أبى‌القاسم مُحَمّدٍ 

  • وعلى آله الطّیبین الطّاهرین واللعنة عَلَى أعدائِهم أجمَعینَ‌

  •  

  •  

  • «فيا مَنْ رَبّاني في الدُّنيا بِإحسانِهِ وتَفَضُّلِهِ ونِعَمِهِ، وأشارَ لي في الآخِرَةِ إلى عَفوِهِ وكَرَمِهِ، مَعرِفَتي يا مَولايَ دَليلي عَلَيكَ، وحُبّي لَكَ شَفيعي إلَيكَ».

  • مشيئة الله ومسؤولية الإنسان: أين يقف القانون؟

  • لقد تحدّثنا في الليالي الماضية قليلاً عن كيفيّة تعلق المشيئة الإلهيّة بشخصيّة الإنسان وشهرته، وذكرنا أنّ الله تعالى قد يمنح الشهرة لبعض الناس في هذه الدنيا وفقًا لما يراه من مصالح، وهذه مشيئته سبحانه، ولا يمكن للمرء أن يسأل الله: لِمَ شئت هذا؟ فهو يقول: «أنا أشاء ذلك.» أما إذا شئنا نحن أمرًا، فالأمر مختلف؛ إذ يترتّب عليه حساب دقيق. فلو أردنا فعل شيء، سيُقال لنا غدًا: لِمَ فعلت ذلك؟ ولو لم نُرد فعله، لقالوا لنا: ائتِ بالدليل؛ إذ يجب أن يكون لديك منطق ودليل يستند إلى إرادتك، سواء أكانت هذه الإرادة اجتماعيّة أم فرديّة.

  • فإذا كانت الإرادة اجتماعيّة، فإنّ الحكومة هي التي ستحاسبنا. كأن نقول: «نريد أن نفعل كذا في المجتمع»، أو «نريد أن نسبّب ازدحامًا في الشارع، فنغلقه ونمنع مرور الناس.» ففي هذه الحالة، ستتدخّل الشرطة ويُطبَّق القانون ويأتي الشرطيّ ليسأل: «لِمَ أغلقت الطريق؟ دع الناس يذهبون إلى أعمالهم.» ففي بلدٍ يسوده القانون، إذا خالف أحدهم القانون، سيُمنع. هذا فيما يخص الشأن الاجتماعي.

  • ولكن، لا يمكن للحكومة أبدًا أن تسنّ قانونًا يمنع فردًا من القيام بعمل شخصيّ. فلو أراد أحدهم أن يُلقي بنفسه من على سطح منزله، لربّما قالت له الحكومة: «ألقِ بنفسك، ونحن لك من الشاكرين؛ فكلّما قلّ العدد كان أفضل.» ولن يمنعك أحد، بل لو أردت من يدفعك، فسندفعك ونوفّر لك الوسائل اللازمة. أو لو أراد إنسانٌ أن يُجوِّع نفسه، فلا يوجد قانون يمنعه ويقول له: «لا يا عزيزي، لا ينبغي لك فعل ذلك.» فهو سيجيب: «أنا أريد أن أكون جائعًا.» وقد يرغب أحدهم في الإكثار من الصلاة، بينما لا يرغب آخر في الصلاة أصلًا، وهكذا دواليك في سائر المسائل الشخصيّة التي لا وجود لقانون يحكمها.

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

3
  • ولكن، يوجد قانون في العالم الآخر. هنا في الدنيا قد لا نُحاسَب، لكنّنا سنُحاسَب هناك. «لماذا ألقيت بنفسك من فوق السطح؟ ولماذا فعلت ذلك؟ ولماذا أضعت وقتك في ما لا يفيد؟». فهل رأيتم يومًا حكومة تسنّ قانونًا تُغرِّم بموجبه من يقرأ الصحف من الصباح حتّى المساء؟ أو في بلدٍ متحضّر جدًّا، هل يقولون: «كل من لا يقرأ عشر صفحات أو خمس عشرة صفحة يوميًّا، فيجب أن يدفع غرامة قدرها كذا؟!» فلا يوجد مثل هذا الأمر في أيّ مكان في العالم. فما علاقة الحكومة بذلك؟ لا علاقة للحكومة بهذه القضيّة، فهي مسألة شخصيّة.

  • فلو أنّ إنسانًا قضى وقته من الصباح إلى المساء يشاهد فيلمًا لا تساوي مائة ساعة منه درهمًا واحدًا، فإنّه يهدر وقته فحسب، وليس لدينا قانون يسمح للحكومة بوضع عدّاد لتسجيل أنّ فلانًا قضى عشر ساعات من أفضل أوقاته ـ التي كان يجب أن يصرفها في أفضل الأعمال من أجل تكامله ـ في مشاهدة أفلام تافهة. ولكن عندما نذهب إلى العالم الآخر، وأول ما يُفتح من سجلاتنا، يُقال لنا: «في يوم كذا، لماذا شاهدت هذا الفيلم؟» فنقول: «يا ربّ، لم يحاسبنا أحد في الدنيا، أفتحاسبنا أنت هنا؟ هناك، كانوا يفرضون علينا ضرائب حتى على أنفاسنا ويضعون لنا العدّادات، ولم يقولوا شيئًا، فماذا تفعل أنت الآن؟». فيقول الله تعالى: «لا شأن لنا بذلك العالم، فله حسابه وقانونه الخاصّ به. وحسابنا نحن معك أنت.» هناك، كانوا يتعاملون مع فعلك من حيث جانبه الاجتماعي، ولم يكن لهم شأن بك أنت. فلو كان الرجل الآليّ هو من قام بذلك الفعل بدلًا عنك، لغُرِّم الرجل الآليّ وجُلِد وقُدِّم إلى المحاكمة. في ذلك العالم، كانوا يتعاملون مع فعلك الخارجي، لا معك أنت، سواء أكنت أنت الفاعل أم صنعت تمثالًا يشبهك، أو كنت بلا روح، فلا فرق.

  • لماذا يُعَدُّ طلبُ الرئاسةِ فراغًا للعقلاء؟

  • والمصيبة تكمن هنا، فالحكومات في هذه الدنيا... هل تذكرون ما قيل للرفقاء في جلسات شرح حديث عنوان البصري حول حكومة الإمام صاحب الزمان عليه السلام والفرق بينها وبين سائر الحكومات؟ وهل تذكرون الفروق التي ذكرناها هناك بين حكومة الإسلام الحقيقيّة وسائر حكومات العالم، حتّى الديمقراطيّة منها؟ كان أحد تلك الفروق ـ وأهمّها ـ هو أنّه في حكومة الإسلام الحقيقيّة ـ أي حكومة النبي صلّى الله عليه وآله، وحكومة أمير المؤمنين عليه السلام، وحكومة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام التي لم يسمح له معاوية بالوصول إليها، وحكومة سيّد الشهداء عليه السلام... ـ لماذا ثار سيّد الشهداء عليه السلام؟ لقد قال: «إنّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَلا بَطِراً وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً، وَإنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ.»۱ يقول الإمام عليه السلام أنا لم آتِ لأحكمكم، فلتذهب حكومتكم إلى الجحيم، بل أتيت لأحيي المعروف فيكم أيّها الموتى و البائسون الغافلون عن حقيقة الحياة. ونقرأ في زيارته عليه السلام: «أشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ.» فنحن نشهد أنّك استشهدت من أجل إقامة الصلاة، وأنّك أنت من أقامها، لا أنَّك كنت تعمل من أجل أن تحكم. فما هي الحكومة؟ وأيُّ لعبة هذه حتّى يفكّر بها إنسان في هذه الدنيا؟ أو يتخيّلها؟

    1.  بحار الأنوار، ج ٤٤، ص ٣٢٩.

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

4
  • حقًّا، فيجب أن يكون الإنسان فارغًا جدًّا، وبلا أيّ عمل على الإطلاق، ليقوم في نهاية المطاف ويسعى ليكون رئيسًا. والله كلّما فكّرت في الأمر بعقلي الناقص، أرى أنّه لا يمكن أن يوجد في الدنيا إنسان أكثر فراغًا من هذا! يا عزيزي، اذهب وكل خبزك واشرب حساءك واطبخ طعامك، فما لك والحكومة؟! فلِمَ يقوم الإنسان ليسبّب لنفسه وجع الرأس؟! وهل يقوم العاقل حقًّا بجلب المتاعب لنفسه؟! فلنقل إنه ليس مسلمًا ولا شيعيًّا، ولا يتّبع أيّ دين! أيّ عاقل في هذه الدنيا يفعل ذلك؟ سر في طريقك يا عزيزي، واذهب واكتسب رزقك، واستمتع بحياتك، أيًّا كانت هويّتك. فلِمَ يقوم الإنسان بعملٍ ما ليصبح رئيسًا؟ فالرئاسة ليست بهذه البساطة؛ فيها أمر ونهي، وفيها مساءلة، وألف مصيبة وألف معارضة. فيجلس ليلاً ونهارًا يخطط كيف يفعل هنا كذا وهناك كذا، ويقدّم مقالًا هناك... فهل أنت مجبر على هذا؟ قم واذهب واجلس في بيتك ولا تشغل فكرك. هذا هو المنطق العقلائيّ.

  • الولاية هي الميزان: كيف يُختَبَر الصدق في الطاعة؟

  • إلّا أن يُقال لك «افعل»، فهذا كلام آخر. عندما يأتي الأمر، تصبح المسألة مختلفة. ابحث عن أمير للمؤمنين، ثمّ افعل ما تشاء تحت رايته.

  • قصة الربيع بن خثيم: عندما تُفضَّل العبادة الشخصيّة على طاعة الإمام

  • عندما قال أمير المؤمنين عليه السلام لربيع بن خُثيم ـ وهو الخواجة ربيع المدفون في مشهد والذي يزوره الناس ـ وكان ربيع رجلًا معروفًا ومثقّفًا وذا أخلاق، ومناسبًا للمسائل الإدارية، فقال له أمير المؤمنين: «تولَّ أنت قيادة جيش الشام» في الحرب التي كانت على وشك الوقوع في صفين، فأجاب قائلًا: «يا عليّ! ما شأني أنا بقيادة الجيوش؟ فنريد أن نذهب إلى مكان ما لنتعبد ونجلس في خلوة». فقال له الإمام عليه السلام: «حسنًا». ثمّ كتب له مرسوم ولاية خراسان، فجاء الربيع إلى مشهد في خراسان. وفي ذلك الوقت، كانت خراسان تشمل مناطق مرو وقندهار وسرخس وطبس، كلّها كانت ضمن ولاية خراسان. جاء إلى هناك وأصبح واليًا، وكان يتعبّد. وأهل السنّة يذكرون اسمه ضمن العشرة المبشّرة بالجنّة، أي العشرة الذين بشّرهم النبيّ بالجنّة، وكان أحدهم الربيع بن خثيم، فجاء إلى هناك واشتغل بالعبادة.

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

5
  • حسنًا، يا جناب الربيع بن خثيم، عندما يأمرك أمير المؤمنين عليه السلام أن تذهب لقيادة الجيش، فهل تقول: «أريد أن أصلّي»؟! أي صلاة هذه؟! إنّ الصلاة المقبولة عند الله هي تلك التي تُبذل في سبيل ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وتستمدّ منها القوة وتحمل خاتم ولاية عليٍّ تحتها، فتلك هي الصلاة النافعة، وإلا فلتصلِّ من الليل إلى الصباح، فما الفائدة؟! ولذلك، يتوقّف الإنسان عند تلك المرتبة ويظلّ فيها، وهذا في حال كان الأمر تكليفًا.

  • قصّة مالك الأشتر: نموذج الطاعة المطلقة والفوز بالشهادة

  • ولقد أرسل أمير المؤمنين عليه السلام مالكًا الأشتر بأمر منه لفتح مصر التي كانت تحت سيطرة عمرو بن العاص وجماعته. وكان محمّد بن أبي بكر قد استشهد على أيدي جيش عمرو بن العاص، وتولّوا هم ولاية مصر، فيرسل أمير المؤمنين عليه السلام مالكًا الأشتر لولاية مصر. وكان بإمكان مالك أيضًا أن يقول: «يا علي، دعني أبقى هنا في الكوفة أملأ لك الدواة والقلم وأخدمك.» ـ والرفقاء يعلمون إلى أين يتّجه مسار الحديث ـ ولو فعل ذلك، لربّما قبل الإمام عليه السلام وقال له: «حسنًا.» لم يكن ليقول له «لا» أو «لا أقبل»، أو «بما أنك لم تقبل قيادة الجيش ولم تتوجّه إلى مصر، فاغرب عن وجهي! اذهب في سبيلك! لا شأن لنا بك!». بل كان الإمام سيقول له: «حسنًا، اذهب واكتب، املأ الدواة، ألّف الكتب، وقُم بحلّ مشاكل الناس». وكان مالك سيفرح لأنه كُلّف بمهمّة أخرى من قبل أمير المؤمنين عليه السلام! ويا للخسارة التي كانت ستلحق به! هنا يُخدَع المرء!

  • خداع النفس: كيف نرضى بالمكانة الأدنى ونحن لا ندري؟

  • ذلك الإنسان الذي يفرح ويظنّ... {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}۱، يقول له أمير المؤمنين عليه السلام: «حسنًا جدًا، تعال وقم بهذا العمل». فماذا يحدث للنفس؟ ترضى، وإلا فإنها ستلومه قائلة: «لم تطعْ، خالفتَ كلامَ عليٍّ.» فيقول: «لا! لقد أعطاني عليٌّ هذا المنصب، وعيّن شخصًا آخر بدلًا منّي.» هكذا، تُرضي النفس نفسها بهذه المكانة، بينما لا تدري أنها قد خُدعت تمامًا، وستبقى تدور في حلقة مفرغة. لقد خدعوا وعلى رؤوسهم الطير. فالخداع أنواع؛ فمنه ما هو واضح و بيّن ويلتفت إليه الإنسان، ولكن هناك نوع خفيّ فلا يلتفت إلى أنّه تمّ خداعه! لا قدّر الله لنا ذلك. هل ابتليتم بذلك من قبل؟ فقد روى لنا بعض الرفقاء السابقين كيف نالهم نصيبهم من ذلك النوع الذي لا يُدرَك، وقد تفضّل الله عليهم فتنبّهوا بعد سنين طويلة، وحسنًا فعلوا أنّهم تنبّهوا. فهنا يجب على السالك أن يكون متيقّظًا ومنتبّهًا.

    1. سورة الكهف (۱۸) الآية ۱۰٤.

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

6
  • قال أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر: «نريد أن نرسلك إلى مصر». فأجاب: «سمعًا وطاعة يا علي»، ولم يقل «نعم» أو «لا»، بل قال: «سمعًا وطاعة». ومتى وكيف؟ لا يهمّ. وأمير المؤمنين عليه السلام يعلم أنه سيُستشهد في الطريق، فإن لم يعلم أمير المؤمنين، فهل سأعلم أنا؟! لا شكّ في ذلك. يكتب الإمام عليه السلام عهدًا طويلًا وتعليمات لتكون لنا اليوم، وإلا فهو يعلم أن معاوية سيدسّ له السم في الطريق ويقتله، ويعطيه أيضًا ذلك العهد الذي يُعلَّق اليوم على لوحة في جامعة هارفارد، ويجب على طلاب قسم السياسة في تلك الجامعة أن ينظروا أوّلًا إلى هذا العهد. وماذا عنّا نحن المسلمين؟ هل لدينا علم بما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في هذا العهد لمالك الأشتر؟! لقد أعطى ذلك العهد لنا، كي لا نكتفي اليوم بالادعاء، بل نشمّر عن سواعدنا ونعمل به، وهو موجّه للحكّام. نعم، لقد أعطى عليه السلام العهد، وهو يعلم أنّ مالكًا سيذهب ويُستشهد في الطريق.

  • ما معنى هذا؟ معناه أنه عليه السلام، منذ أن أرسله وحتى استشهاده، قد وضعه تحت حماية ولايته، فاستشهد مالك الأشتر في ظلِّ الولاية، فيا لسعادته! أمّا ذلك المسكين، الربيع بن خثيم، فقد ذهب ومات خارج الولاية، ومات فحسب. فكلاهما موت وذهاب، ولكنّ ذاك ذهاب في الولاية وشهادة في الولاية، وهذا ليس كذلك. كلّ هذا يتمّ في أيّ حالة؟ في حالة أن يكون فعل الإنسان قائمًا على أساس متابعة الولاية، لا أن يقول: «يخطر ببالي! أظنّ! يبدو أنّ التكليف كذا! إذا لم أفعل أنا، وإذا لم يحدث كذا، وإذا صار كذا... .» يا عزيزي، إذا كنت في ظلّ الولاية، فافعل ما تشاء.

  • علامتان تكشفان حقيقة الخادم لله من طالب الدنيا

  • لهذا، في عالم الوجود والتربية الخارجيّة، تصبح الشهرة وعدمها شيئًا واحدًا، ولا فرق بينهما أبدًا. ولكن يجب على كلّ إنسان أن يؤدّي وظيفته ويعمل وفق حسابه الخاص، فإذا تولّيت منصبًا ثمّ طُردت منه، وشعرت بالخزي أمام الناس، فاعلم أنّك قد خُدعت! وإذا تولّيت منصبًا ثمّ طُردت منه وكنت مرفوع الرأس، فاعلم أنه يمكن الاعتماد عليك. وإذا طُردت واضطررت إلى اختلاق المبرّرات لهذا الطرد، فاعلم أنّهم قد خدعوك. إذا اضطررت للتأويل والتبرير، ومهاجمة هذا وذاك، وإلقاء اللوم على الآخرين في المجالس، وتبرير أفعالك أمام الناس حفاظًا على ماء وجهك، فاعلم أنك كنت مخدوعًا طوال تلك السنوات. أما إذا طُردت، وعندما سألوك عن السبب، ضحكت ملء فيك! وقلت: «ليتهم فعلوا ذلك قبل سنوات.» وإذا سألوك: «لماذا خرجت؟» فنظرت إليهم بصدق وقلت: «ما شاء الله! جزاكم الله خيرًا، وأقبّل أياديهم، جزاهم الله خيرًا!»

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

7
  • قصّة الطبيب الذي أقام وليمةً لمن تسبّبوا في عزله!

  • يروي المرحوم العلّامة رضوان الله عليه، أنه عندما كان في المستشفى بسبب مرض في الكبد والمرارة، وكان له طبيب معالج يكنّ له محبّة كبيرة، وهو الدكتور منوتشهر محمّد زاده لاري في مشهد، وكان متخصّصًا في أمراض الدم والطب الداخلي. كان هو الطبيب الداخلي للمرحوم العلّامة، ثمّ انتقلت حالته إلى الدكتور توسّلي الذي كان جراحًا. ذات يوم، كنا في محضر العلّامة، وكان هذا الدكتور لاري يتحدّث عن بعض الأحداث التي تقع، حيث يظنّ المرء أنه يقوم بعمل مهمّ، أو يوجّه ضربة، أو ينتقم، ولكنه لا يدري أنه في الحقيقة يقدّم خدمة. قال: «يا سيّدي، كان أحد أصدقائنا طبيبًا وله مسؤوليّة في الجامعة، وكان يعمل في منصبه، فقام بعضهم بالإساءة إليه وأقالوه من منصبه. قالوا له: (لا نريدك، اذهب إلى منزلك)، فشكرهم وغادر، سواء أكان ذلك بتقدير أم بدونه. ذهب الرجل، وبعد فترة، أنشأ مصنعًا للمناديل الورقيّة في مشهد، وبدأ ببيعها. وبعد مدّة، ازدهر عمله وتحسّنت أحواله كثيرًا، ولم يكتفِ بتحقيق ثروة فحسب، بل عوّض ما فاته، وكان سعيدًا جدًّا بهذه النتيجة. وذات يوم، دعا جميع زملائه ـ أولئك الذين "أكرموه" وتسبّبوا في عزله ـ إلى وليمة غداء فاخرة في فندق (هما) بمشهد. وبعد أن أكلوا حتّى شبعوا، قال لهم: "أيّها السادة، لعلّكم تسألون عن سبب هذه الوليمة؟". فأجابوا: "نعم، كنّا نودّ أن نسأل، لكن أصناف الطعام المتنوعة لم تترك لنا مجالًا للسؤال، فأجّلناه إلى النهاية" فقال: "سبب هذه الوليمة هو "المحبّة" التي أبديتموها تجاهي قبل سنوات عندما أقلتموني من ذلك المنصب، فهل تذكرون؟! لقد ألغيتم وظيفتي وأخذتم منّي المكتب وطردتموني. فذهبت وأنشأت مصنعًا للمناديل الورقيّة، وهذه الوليمة التي تتناولونها هي لشكركم على ما فعلتم. واعلموا أنّكم لو لم تفعلوا بي ذلك، لما كنت قد جمعت من المال ما يكفي لإقامة مثل هذه الوليمة لكم اليوم. خلاصة القول، أنا ممتنّ لكم جدًّا وشاكر"!»

  • من هو الإنسان الذي يختاره أمير المؤمنين؟

  • حسنًا، هذه الأمور تتعلّق بأهل الدنيا، فأما أهل الآخرة والذين يعملون لرضا الله، فهم على هذا النحو: فإذا أُعلن يومًا في مجلس الوزراء: «أيٌّ منكم أيّها الوزراء قد تعب؟ أو شعر بالملل؟ أو لديه مشكلة؟ فليسترح قليلًا وليقدم استقالته.» فقبل أن يكملوا الإعلان، سيكون هو أول من يرفع يده قائلًا: «أنا يا سيدي، أنا أريد أن أذهب إلى البيت.» أو لو قيل في مجلس ما: «أيّها السادة، من منكم يريد الذهاب إلى منزله ليستريح قليلًا؟ لقد عملتم كثيرًا وتعبتم، لقد عملتم أكثر من عمركم وزيادة من أجل الناس، فالآن اذهبوا واستريحوا لبعض الوقت.» فبمجرد أن يُقال هذا، يقوم فورًا ويقول: «أنا!» إنّ الإنسان الذي يريد العمل للّه فليس هو الذي عندما يخرج من منصبه يبدأ في اختلاق الأعذار في ذهنه ويتساءل: «كيف سأجيب الناس الآن؟! وماذا سأفعل؟! والآن سينظرون إليّ في المجالس بنظرة مختلفة، وستتغيّر العلاقات، وسيختلف الاحترام... .» فليس الأمر كذلك، بل يجب أن يذهب فرحًا مسرورًا وهو يقرع الطبول.

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

8
  • فهذا هو الإنسان الذي ينفع أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا هو الإنسان الذي يأتي أمير المؤمنين عليه السلام فيختاره ويقول: «أنت يا عزيزي، هذا هو الرجل.» فهو ذلك الإنسان الذي عندما يريدون أن يعطوه منصبًا، يذهب ويختبئ خلف العمود حتّى لا يراه أحد، وهو ذلك الإنسان الذي حافظ على إعراضه عن الدنيا والهوى في كلّ مكان وحافظ على المراقبة في هذه المسألة، وهذا هو الإنسان الذي يمكن الاعتماد عليه!

  • احذروا التديّن المزيّف: عندما يُستخدم الدين للدنيا

  • في زمن الثورة، وفي إحدى اللقاءات التي جمعت المرحوم العلّامة رضوان الله عليه بالسيّد الخمينيّ رحمه الله، قال العلّامة: «رأيت أنّ السيّد الخمينيّ يعتمد كثيرًا على الأفراد والعلماء وأئمّة الجماعات، ويعتبرهم مؤيّدين له في هذا المسار والحركة التي بدأت، ولكنّني رأيت أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ القضيّة ليست بهذا الشكل. فقد كان لديه حُسن ظنٍّ مفرط بالناس، بينما الواقع مختلف. فقلت له: سيدي، على أيّ أساس يجب أن نقيّم حركتنا؟ هل يجب أن نعتمد على مساعدة الآخرين ونبني خططنا على هذا الأساس؟ أم لا؟! هل يجب أن يكون أساس حركتنا إلهيًّا، ولا شأن لنا بالناس، سواء ساعدوا أم لم يساعدوا، أيّدوا أم لم يؤيّدوا؟». ثمّ يضيف العلاّمة قائلًا: «قلت له: هل تتوقّع من ذلك الذي ذهب وتحمّل حرّ النجف اللّافح لعشرات السنين، ولجأ إلى سراديبها ذات الأربعين درجة، وأنهى دراسته في تلك السراديب وفي ذلك الحرّ، لماذا؟ لكي يأتي غدًا وينشر آلاف الرسائل العمليّة هنا وهناك، ويدعو المقلّدين من جميع أنحاء العالم إلى بيته؟ هل رأينا يومًا مجتهدًا يوزّع رسالة مجتهد آخر؟! كأن نذهب إلى بيوت السادة، فيقولون: "تفضّلوا، خذوا من هذه." فنقول: "سيّدنا، هذه ليست رسالتكم!" فيجيب: "لا، لقد رأيت أنّ فتاوى هذه الرسالة أقرب للصواب، فمن الأفضل أن تأخذوها." لو ذهبتم وبحثتم ووجدتم حالة واحدة في منزل أحد العلماء يوزع فيها رسالة غيره، فائتوني بالخبر. هذا العالم الذي وصل الآن إلى المرجعيّة وأصبح مشهورًا وله مقلّدون، هل تتوقّع منه أن يتخلّى عن هذه المكانة ويأتي ليؤيّدك ويقف خلفك؟! هيهات! هذا التوقّع لن يتحقّق أبدًا! إذا أردت أن تفعل شيئًا، فافعله للّه. من أراد أن يأتي، فبسم الله؛ فهذا نحن، وهذه مدرستنا، وهذه تعاليمنا، وهذه مبادئنا، وهذه أهدافنا. من أراد فليأتِ، ومن لم يُرد فلا يأتِ!»

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

9
  • ثمّ قال العلّامة إنّ السيّد الخميني رحمه الله قد توصّل بنفسه إلى هذه النتيجة في منتصف الطريق، وفي رسالة وصلت إلى والدنا الراحل منه في أواخر علاقته به، كان قد كتب فيها: «يا سيد محمد حسين، لا يمكنك ـ وهذا هو الكلام نفسه الذي قاله له المرحوم العلّامة قبل عامين ـ لا يمكنك في هذه الثورة أن تعتمد على روحانيّة وإخلاص العلماء.» ـ هذا كلام عظيم! ـ «لا يمكنك، فإذا أردت أن تنجح في هذا المجال، يجب أن تدخل من ذلك الطريق الذي يمثل نقطة ضعفهم في علاقاتهم الاجتماعيّة.» ثمّ كانت هناك عبارة لن أذكرها هنا... ـ وقد يفهم البعض ما هي من خلال كلمة نقاط الضعف ـ ماذا يعني هذا؟ يعني أنّ الظاهر يحمل اسم الله، ولكن ليس من المعلوم أن تكون هذه الأمور موجودة في الباطن، هذا مجرد تخيّل، فإنّ الشيطان قويّ جدًّا، وهو يأتي ويعمل بدقّة وحساب دقيق.

  • فإذا كانت هذه الشهرة من عند الله، فحسنًا، وإن لم تكن من عند الله، فلا تكن، وما المشكلة في ذلك؟ أين هو النقص الذي يجعلنا مضطرّين لأن نكون معروفين ومشهورين؟! أين هي المشكلة التي تجبر الإنسان على أن يسعى ليُعرَف؟ فهذه الأمور من شأن أهل الدنيا، ومن شأن أولئك الذين يسعون وراء الملذّات النفسيّة، وهي متنوّعة، فالمهمّ هو اللذات.

  • قصة منظّم احتفال المولد الذي ترك الصلاة!

  • في طهران، أقيم احتفال بمناسبة مولد إمام الزمان عليه السلام في إحدى الهيئات، وقال لي أحد المسؤولين هناك، وأقسم بحياته: «لم أخلع حذائي من قدميّ ليومين وليلتين من أجل التحضير للاحتفال» فقلت له: «وماذا عن صلواتك؟» فقال: «لا، لا، هذا أهمّ! احتفال إمام الزمان أهمّ من الصلاة!» وهذا الرجل يسعى حقًّا لإقامة احتفال لإمام الزمان، فهو لا يذهب إلى السينما، ولكن كيف يفعل ذلك؟ فهل قال إمام الزمان عليه السلام: «لا تصلِّ وقم وزيّن المكان؟!» أو هل قال: «اذهب واطلب الفاكهة والحلويّات حتّى تفوتك الصلاة؟!» هل قال إمام الزمان ذلك؟! أنت تقيم احتفالًا لإمام الزمان لكي تُقام الصلاة في الدنيا، ثم أنت نفسك لا تصلي! ما هذا؟! هذه كلّها ملذّات الشيطان والنفس، فالنفس تستلذّ بذلك، ولكنها لا تستطيع أن تذهب إلى السهرات والملاهي، لأنها ترى ذلك قبيحًا، فماذا تفعل؟ تأتي بنفس تلك الحالة والنشاط ولكن في لباس الدين وقالب الدين! فكلاهما واحد، ولا فرق بينهما أبدًا، فكلاهما من ملذّات النفس!

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

10
  • لماذا لا تُقبل أعمال الخلفاء المغتصبة حتى لو بدت صالحة؟

  • عندما تولى عُمَر الحكم، لم يأتِ ليروّج للزنا بين الناس، ولم يروّج لشرب الخمر، بل إنه عاقب ابنه أمام الناس من أجل العدالة، فجلده لأنّه ارتكب ظلمًا. لم يفعل عمر ذلك. واليوم، أهل السنّة يذكرون أعماله التي تملأ العين ـ كفتح بلاد فارس ـ على أنّها من مفاخره، وقد حكم اثنتي عشرة سنة. لنفترض أنّه لم يرتكب تلك الجرائم ـ كالتسبّب في استشهاد السيّدة الزهراء عليها السلام، والاتّهامات التي وجهها لأمير المؤمنين عليه السلام، وتثبيت معاوية على السلطة في الشام ـ لا شأن لنا بكلّ هذا. لنفترض أنّه لم يفعل كلّ ذلك، فمجرّد أنّه أخذ الحكم والولاية من أمير المؤمنين عليه السلام وخصّ بها نفسه، فإنّ هذا العمل ليس للّه. لماذا؟ لأنّه يُقال له: إما أنّك فعلت ذلك من أجل الناس، فحسنًا، اذهب وخذ أجرك ومكافأتك منهم. أو إذا فعلته للّه، فقد أخطأت! من قال لك أن تأخذ الحقّ من صاحبه وتنسبه لنفسك؟ فالحقّ كان لعليٍّ عليه السلام، فلماذا أخذته؟! ألا تقول إنّك فعلته للّه؟! الأمر يشبه أن أذهب ضيفًا إلى منزل أحدهم وأقول: «أنا أعاني من مرض معيّن، وهذا الطعام يضرّني، وذاك الطعام يناسبني!»

  • قصة العلّامة الطباطبائيّ ووليمة الكباب: هل نخدم الله بشروطنا أم بشروطه؟

  • ذات مرّة، كنا في خدمة المرحوم العلّامة لزيارة العلّامة الطباطبائي رحمه الله في طهران.و كان العلّامة قد نزل في منزل صهره، فجاء لزيارته أحد سادة طهران، وهو السيّد ضياء الدين الأسترآبادي رحمه الله. وفي نهاية اللقاء، دعا السيّد الأسترآبادي العلّامة بحرارة إلى منزله، وظلّ العلّامة يعتذر قائلًا: «لا، هذا تكلّف...» لكنّ الرجل أصرّ وحسم الأمر بسرعة، وثبّت الموعد ظهر يوم الأحد. فقال العلّامة: «لكنّني مريض وأتّبع نظامًا غذائيًّا». فقال الرجل: «حسنًا يا سيّدي، تفضّل واطلب ما تشاء.» فقال العلّامة: «حسنًا إذن، حضّروا سيخين من الكباب، وسأحضر الخبز معي!» فقد كان يأكل خبزًا خاليًا من الملح.

  • فعندما يذهب المرء إلى مكان، ويقول: «هذا الطعام يضرّني، وذاك الطعام يناسبني.» ثمّ يذهب إلى هناك، فيجدونهم قد أعدّوا له نفس الطعام الذي يضرّه! فيا من دعوتني، لماذا تعدّ لي طعامًا يخالف ما طلبته؟ ألم تدعُني أنت؟! وهكذا هو الحال مع الله أيضًا؛ يقول لك: «لقد فعلت هذا من أجلي؟ أنا أقول لك لا، أنا أريد هذا الطريق، وهذا النحو.» فإن فعلته من أجل الناس، فاذهب وخذ أجرك منهم. وإن فعلته من أجلي، فأنا أقول لك: «أنا لا أقبل هذا.» فماذا يقول الإنسان؟ يقول: «لا! يجب أن تقبل!.» فيقول الله: «لا، لا أريد أن أقبل. أنا الله، وقد وضعت هذا المسار، ولا شأن لي بعقلك الناقص وجهلك، أنا أريد هذا المسار فحسب.» هنا يأتي الإنسان ويخدع نفسه، ويقفز يمنة ويسرة. عندما يقول الله: «أنا لا أريد لك الشهرة.» فقد انتهى الأمر. وإذا أردتُ، فهذا هو، وإذا لم أرد، فهذا هو، وانتهى. ويا لشقاء من يسلك الطريق الذي كان ينبغي أن يسلكه لرشده وكماله، فيستخدمه لخلق شخصيّة زائفة ولأموره الدنيويّة، فهذا هو من {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} للناس طرق كثيرة لتحقيق الشهرة، ونحن نرى ما يحدث في الدنيا!

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

11
  • ولكن أن يأتي إنسان ويأخذ هذه العلوم الإلهيّة، علوم أهل البيت عليهم السلام، التي لا يوجد نظير لإبرة منها في أيّ مكان آخر، ثمّ يبذل الجهد ويتعب من أجل الوصول إلى شخصيّة دنيويّة، فهذه مصيبة كبرى، وشقاؤها أكبر من شقاء أولئك! فهؤلاء قد أتوا للدنيا منذ البداية، أمّا هذا، فيقرأ قول الصادق عليه السلام الذي يجب أن يتشرّبه بروحه ويعمل به، ليقرأه ويتمكّن من استخدامه في المجالس، وليقال عنه: «ما شاء الله! ما هذه المسائل التي يعرفها! كم يحفظ! كم لديه من العلم!» أيْ أنّ قول الصادق عليه السلام نفسه يُستخدم في جانب الكدورة، وهذا هو الذي {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} هذا هو الذي يجب أن يُبكى على حاله، فقد بدّد كلّ آماله وأحلامه.

  • نعمة الهداية التي يسخر منها الآخرون

  • في هذه العبارة، يقول الإمام السجّاد عليه السلام: «فيا مَنْ رَبّاني في الدُّنيا بِإحسانِهِ وتَفَضُّلِهِ ونِعَمِهِ» كلّ ما قلناه كان مقدّمة لهذه الفقرة، ونتيجتها هي هذه الفقرة. لقد ربّيتني في هذه الدنيا، وفي صغر سنّي، حين لم تكن لي إرادة ولا اختيار، ولا قدرة على تمييز الصلاح من الفساد، وضعت أمامي السبل، وأعطيتني العقل والفكر، ووضعتني على الطريق الصحيح.

  • ليلة البارحة كان سيّدنا المكرّم يقول نفس هذه الأمور؛ فمن الذي علّمنا هذه المسائل حقًا؟ كم يبلغ عدد سكّان العالم الآن؟ عدّة مليارات، أليس كذلك؟ كم عدد المسلمين من بين هؤلاء المليارات؟ ومن بين هؤلاء المسلمين، كم عدد الشيعة؟ وأنتم ترون حال الشيعة الآن، اذهبوا وانظروا ماذا يفعل الشيعة في طهران؟ اذهبوا وانظروا ماذا يفعلون في مشهد؟ هؤلاء كلّهم شيعة، ونحن فخر أمة النبيّ صلّى الله عليه وآله! ومن بين هؤلاء الشيعة، كم هم الملتزمون؟ ومن هؤلاء الملتزمين، كم هم المؤمنون؟ وأنتم ترون ما يدور بين هؤلاء المؤمنين، وما هي أحاديثهم؟! «ماذا سيحدث اليوم! وماذا سيحدث غدًا!» و «ذاك الحزب السياسيّ قال كذا، وهذا الحزب قال كذا!» و«فلان دعا الشعب إلى الثورة، وآخر قال لهم اصعدوا، وآخر قال انزلوا!» فهذه هي أحاديث الناس في شهر رمضان! وهذه هي نتيجة صيام شهر رمضان! يصومون ويفطرون ويأكلون المكسّرات والزلابية ثم يجلسون ليتحدّثوا بهذه الأحاديث! هؤلاء هم المؤمنون! نحن لا نتحدّث عن أولئك الذين يقومون بأعمال أخرى، بل عن المؤمنين!

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

12
  • ومن بين كلّ هؤلاء، جاء الله وفتح بصيرة عدّة قليلة منهم وفتح لهم الطريق، وقال لهم: «هذا هو الطريق، فلا تذهبوا من هناك، فستخسرون وتضيع أعماركم. هذا هو الطريق والمسار!» من الذي ألقى هذا في عقولنا؟ من الذي وضعه في قلوبنا؟ هل نحن نختلف عن بقيّة الناس؟! هل كانت كريات دمنا الحمراء أكثر؟ أم البيضاء؟ هل كانت أدمغتنا أكبر من أدمغة الآخرين؟ لا يا عزيزي، إنّها الهداية والفيض الإلهي الذي شملنا. فاذهبوا وابحثوا يا عباد الله، ابحثوا عن مثل هذه الأحاديث في العالم، فلن يمنعكم أحد. منّي أنا إلى الآخرين، فمن يجد مثلها فليأتِ ويخبرنا. هذا المسار وهذه المدرسة وهذه الدقّة وهذه الخصوصيّة، من الذي علّمنا إياها حقًّا؟ ألم يكن هناك أقران لي أصبحوا الآن كذا وكذا؟ ألم يكن هناك نظراء لكم أصبحوا الآن كذا وكذا؟ بلى، كان هناك نظراء، وهم موجودون وسيبقون. فمن الذي فهّمنا هذه الأمور بهذه الطريقة؟ ومن الذي هيّأ لنا هذا المكان المناسب للتكامل؟ ومن ثمّ تأتي لتمنّ عليّ وتقول: «أفعل هذا ولا أفعل ذاك!» على من تمنّ؟! من الذي أرانا هذا الطريق بهذه الكيفيّة؟!

  • إن شاء الله في الليلة القادمة ـ فقد انجرّ الحديث الليلة إلى موضوع آخر ـ سأتحدّث قليلًا عن هذه المسائل إن وفقني الله.

  • «فيا مَنْ رَبّاني في الدُّنيا بِإحسانِهِ وتَفَضُّلِهِ» اعلموا أيّها الرفقاء، أنّ هذه الأمور التي تعرفونها، يسخر منها الآخرون، لا أنّهم لا يقبلونها فحسب، بل يسخرون منها! يقولون: «يا رجل، اذهب في سبيلك!» الفرق كبير إلى هذا الحدّ! أنتم تعتبرون هذه الأمور حياةً وإكسيرًا أعظم، وأعلى توفيق إلهيّ وسعادة وفلاحًا أخرويًّا، بينما يسخر منها آخرون! أفلا يستحقّ هذا الأمر أن نقدّره؟! لو كنّا نحن أيضًا من الساخرين، فماذا سيكون مصيرنا؟ مثل أولئك الذين يقولون: «ما هذا الكلام الفارغ؟!» لقد سخروا أمامي مباشرة وقالوا: «يا سيدي، اذهب في سبيلك، فكلّ هذه دكاكين ومصالح، وما هذا الكلام؟! وهل يعقل هذا؟! فأيّ عرفان؟! وأيّ وصال؟! وأيّ حقيقة؟! وأيّ أسماء...؟!» بل قل لي: «كلّ هذا حشيش وأفيون ومواقد...».

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

13
  • فكرهم لا يتجاوز هذا، وهو صادق في ما يقول، فهذا المسكين لا يفهم إلّا هذا القدر. فماذا يقول المرء لمثل هذا غير أن ينظر إليه؟! نعم يا سيدي، هو حشيش وموقد، ولكنّه هو من يذهب إلى موقد من نوع آخر. فالذي يقول إنّ هذه الأمور مواقد، ينتهي به المطاف عند مواقد الأفيون وأشياء أخرى... هل أدركتم الفرق؟ انظروا كم هو الفرق شاسع في الفكر؟! فالله يهدي الإنسان بهذه الطريقة.

  • تجلّي الموقف في كربلاء: معسكر الحقيقة في مواجهة معسكر السخرية

  • في ليلة عاشوراء، حدثت هذه القضية التي أحدثكم عنها الآن بعينها. آه! في أيّ ليلة نحن؟ الليلة الثانية والعشرون من الشهر المبارك. فهذه المواضيع التي ذكرتها لكم الآن، دارت بين الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، هذه المواضيع بعينها! كان الإمام عليه السلام يقول لهم: «غدًا ستُستشهدون.» فينهض أحدهم ويقول: «الموت أحلى من العسل.» وينهض زهير ويقول: «إذا لم نبقَ هنا، فإلى أين نذهب؟! إن كنت تطردنا، فقل لنا أين نذهب؟ نحن نطيع كلامك يا ابن رسول الله، ولكن حدّد لنا الوجهة!» ولقد بقي الإمام صامتًا، فماذا عساه يقول؟ «حسنًا، سنخرج من هنا، ولكن قل لنا إلى أين نذهب؟ هل نذهب إلى عمر بن سعد؟ أم إلى يزيد ملاعب القردة، شارب الخمر، الفاجر؟ إلى أين نذهب؟» فرأى الإمام عليه السلام أنّ كلامهم منطقيّ. وذاك أبو الفضل العباس ماذا يقول؟ وذاك علي الأكبر؟ وأولئك الأصحاب؟ برير، زهير، حبيب، مسلم... كلهم أدركوا الحقيقة والواقع.

  • عندما كان الإمام عليه السلام يتحدّث، قال له عليّ الأكبر: «يا أبتِ، هل أنت قلق؟» فقال الإمام: «لست قلقًا» ولكنّها حالة تنتاب المرء، فالإمام هو رئيسهم جميعًا ووليّهم. فقال عليّ الأكبر: «إذًا لا نبالي أَوَقَعْنا على الموت أم وقع الموت علينا ما دمنا على الحقّ!» هكذا فهموا الأمر، وهكذا تعاملوا مع القضية! يقول: «ما دمنا على الحق، فليكن ما يكون، وليأخذونا، وليضربونا، وليقطّعونا إربًا، ليحرّقونا، وليذروا رمادنا، وليفعلوا ما يشاؤون!»

  • هؤلاء كانوا هكذا، وفي المقابل كان أولئك يضحكون ويسخرون. وكان عمر بن سعد يبدأ بالسخرية! وفي يوم عاشوراء، كان الإمام الحسين عليه السلام يخطب فيهم، وهم يطلقون الصفير حتّى لا يصل صوته إلى أسماعهم! لقد كانوا يسخرون ويصفّرون، تمامًا كهذه القصّة. هذا يرى الأمر حقًّا وصلاحًا أخرويًّا وخير الدنيا والآخرة، وذاك يبدأ بالضحك والسخرية! تمامًا كقضيّتنا، أنا أتحدّث، وذاك السيّد يسخر ويقول: «كل هذا كلام مواقد وأفيون!» إنّه الشيء نفسه، لا فرق أبدًا.

حب الرئاسة ومخاطرها - قصص وعبر في استخدام الدين للدنيا

14
  • هنا يقول الإمام السجّاد عليه السلام: «يا إلهي، أيّ منّة مننت بها عليّ؟ ولو لم تمنّ بها عليّ، فماذا كنت سأفعل؟ لو لم تأتِ وتوضح لي هذه المسائل، فأيّ تراب كنت سأهيله على رأسي؟ لو لم تخلقني سجّادًا، وجعلتني عمر بن سعد، أو واحدًا من أولئك، فماذا كنت سأفعل؟!»

  • «فيا مَنْ رَبّاني في الدُّنيا بِإحسانِهِ وتَفَضُّلِهِ» يا من ربّيتني في هذه الدنيا... إن شاء الله، إذا وفقنا الله تعالى، سنتحدث في الليلة القادمة عن كيفيّة التربية والخصوصيّات التي يستخدمها الله تعالى ليفتح عين الإنسان ويغيّر حاله ويحدث فيه تغييرًا جوهريًّا، وتنقلب أفكاره وتخيّلاته وتصوّراته رأسًا على عقب، إن شاء الله.

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ