المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1428
التوضيح
تدور المحاضرة حول مكانة الإنسان من الله وعلاقته به، وتطرح أسئلة حول كيفيّة تعامل أولياء الله مع الله، وكيف يجب أن تكون علاقتنا نحن به. وتتحدّث عن جهتي الربوبية والخلقية لأفعال الإنسان، واستناد جميع الموجودات إلى العلم والحياة والقدرة الإلهيّة.
وتتناول المحاضرة شهادة الأعضاء يوم القيامة، وتوضّح أنَّها بسبب جهة ارتباطها بالله، وأنَّ كل ما يفعله الله هناك هو رفع الحجاب عن أعيننا. وتتحدث عن السر في نطق جميع الموجودات، وأنَّ جميع ذرات عالم الوجود تنطق وتسبح بحمد الله.
هو العليم
جهة ارتباط المخلوقات بالله
شهادة الأعضاء على أصحابها يوم القيامة
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤٢۸ هـ - الجلسة الثامنة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدس الله سرّه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين
«أدعوك يا سيدي بلسانٍ قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلبٍ قد أوبقه جرمه»
أدعوك يا سيّدي بلسان جعلته الذنوب ألكن وأناجيك بقلب حرمه من مناجاتك جرمه وجنايته ولم يعد له القدرة على المناجاة.
ما هو موقعنا من الله؟
تقدّم للرفقاء بعض الكلام في هذا المجال، وحاصل الكلام في الليالي السابقة هو أنّ هذهِ الفقرة هي لكي نعرف موقعنا عند مخاطبة ربنا، سواء في مقام النداء أو الدعاء أو العبادة، أو في مقام التوجّه القلبيّ، فعلينا أن نعلم أنّنا أين نحن من هذا المقام الربوبيّ؟ وكيف كانت طريقة أولياء الدين ومنهج أولياء الله في تعاطيهم مع الله؟ وكيف هي طريقتنا نحن؟ يجب أن نلتفت إلى وضعنا، وكيفيّة علاقتنا مع الله، بحيث لا تكون من باب أنّا أصحاب حقّ عليه، بل تكون العلاقة دائماً علاقة فقر واحتياج، لا أن نقول هذا باللسان فقط، بل نشعر به من أعماق قلوبنا، فلو سألنا الآن أحدنا هل لك على الله حقّ؟ سيقول: لا. ولكن في الواقع لدينا آلاف التوقّعات منه! أتعرفون ما الدليل على ذلك؟ هو أنّنا إذا رأينا تغيّرًا طفيفًا في أوضاعنا، يرتفع صراخنا وعويلنا، ممّا يدلّ على أنّنا نتوقّع من الله! نقول في الظاهر: نحن لسنا بشيء، نحن لا نستحقّ، ولكنّك في الواقع تعتقد أنّك تستحقّ وقد شرّفت المكان وأتيت وأتينا إليه بكلّ فخر، ونتوقّع من الله الكثير، ونعتقد أنّ عليه أن يحقّقه لنا، وإذا لم يحقّقه فسنحاسبه لو استطعنا ولكنّا لا نستطيع! يجب أن تكون الأوضاع كما نريدها نحن! ولصالحنا نحن! والحال أنّ الأمر ليس كذلك أبداً.
جهتا الربوبيّة والخلقيّة
تقدّم في الليلة الماضية أنّ وجود الإنسان وأفعاله لها جهتان، وتطرّقتُ إلى الجهة الأولى، ولم أتطرّق إلى الجهة الثانية، وسأكمل الآن الجهة الأولى بمقدار ما وبنحو الإشارة لنصل بعد ذلك إلى الجهة الثانية، وكلام الإمام السجاد عليه السلام ناظر إلى هذه الجهة الثانية الحقيقيّة والواقعيّة لأفعالنا.
وقد تقدّم في الجهة الأولى أنّ جميع الأفعال هي خيرٌ محض من حيث حقيقتها الوجوديّة، ولا يوجد فيها أيّ نقصٍ أو شرّ، فالفعل من حيث هو وجود هو خير، بل هو حقيقة يمكن أن نقول عنها من حيث الظاهر أنّها لا تتّصف بالشرّ و لا بالخير، بل هي فعلٌ ينتسب إلى مبدأ القدرة والعلم والحياة.
استناد جميع الموجودات إلى العلم والحياة والقدرة وانتزاع الحياة من الذات
وجميع الصفات التي تظهر في هذا العالم، من أيّ شخصٍ أو موجودٍ، تستند إلى هذه الأسماء الثلاثة التي هي من لوازم الذات، وهي: العلم والحياة والقدرة، كما أنّ العلم والقدرة أيضًا منتزعان من الحياة، والحياة لازمة الذات، ولا تنفكّ عنها بحيث إنّه لا معنى للذات بدون حياة، وبعبارةٍ أخرى: هناك اختلافٌ في المفهوم لا في المصداق، فهما مفهومان يشيران إلى حقيقةٍ واحدة ويحكيان عنها، ومسألة الذات مرتبطةٌ بمسألة الحياة ارتباطًا حقيقيًّا لا مفهوميًّا، فالحياة هي استمرار الذات، وهذا الاستمرار بعد التحقّق يسمّى حياة.
فعندما يكون إنسان ما حيّاً نقول: له حياة، وعندما يموت نقول: فقد حياته، وقد حكم عليه الآن الموت، فطالما هو يمشي نقول: له حياة، وطالما يتكلّم نقول: له حياة، وطالما هو ينظر ويسمع نقول: له حياة، ولكن إذا انقطع هذا الاستمرار نقول: لا حياة له. هنا تأخذ الحياة بالنسبة إلى تلك النفس منحىً آخر، وتأخذ بالنسبة إلى ذلك الجسد منحىً آخر، فالحياة بالنسبة إلى الجسد تعني استمرار الجانب الجماديّ فيه، وبالنسبة إلى النفس التي فارقت البدن لها شأنٌ آخر، فهي في عالمٍ آخر ولباسٍ آخر مشغولةٌ بأعمالها ووظائفها، فهذه الحياة التي نتحدّث عنها هي لأجل اقتران تلك النفس بالبدن، فعندما تقترن النفس بهذا البدن وتتّحد به وتجالسه [تصبح له حياة].
معنى قول أمير المؤمنين: جاوركم بدني أيّامًا
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «كنتُ جاراً لكم جاورَكم بدني أيّامًا»۱، ويا له من تعبيرٍ عجيبٍ ومؤثّر! يعني: يا أيّها الناس، متى عرفتم عليًّا؟! ومتى فهمتم من أنا؟ وما هي حقيقتي؟ لقد رأيتموني أتكلّم معكم وأضحك وأقضي بينكم وأحكم وأحارب وأضرب بالمعول وأغرس النخيل، لقد فعلتُ كلّ شيء، أليس كذلك؟ هذا كلّ ما رأيتموه منّي، ولكن من منكم رأى عليّاً الحقيقيّ في هذه المدّة؟ من رأى عليّاً؟ لا بدنًا يصلّي في بستان النخيل، وكان عجيباً لكم عندما رأيتموني مغشيًّا عليّ ومطروحًا على الأرض، أبو الدرداء - على ما أظنّ - عندما رآني بهذه الحالة ذهب مسرعاً إلى بيت فاطمة الزهراء وقال لها: قومي، فقد مات زوجكِ! فقالت: ماذا حدث؟ قال: كنتُ في بستان النخيل، وإذا بي أسمع صوت مناجاة، فاقتربتُ فإذا هو عليّ، وبعد المناجاة سقط على الأرض، فنظرتُ إليه فإذا بدنه بارد، فجئتُ لأخبركِ. فقالت: هذا يحدث له كلّ ليلة!
حسناً، كم أفادك هذا؟ ماذا فهمت؟ كم زادت هذه الحادثة من إيمانك ويقينك؟ وكم تبعتَ عليًّا بعد ذلك؟ عندما رأيتَ هذه الحالة، ماذا فعلت؟ لا شيء! وكأنّ شيئًا لم يكن، وفي الغد نعود إلى أعمالنا وحياتنا وزوجاتنا وأولادنا وسائر أعمالنا!
«جاورَكم بدني أيّامًا»، كنتُ معكم أيّامًا، كان بدني معكم أيّامًا، ولكن «أرواحُهم معلّقةٌ» «بالمحلّ الأعلَى»، ولكنّ أرواح هؤلاء في مكانٍ آخر، أولياء الله هم في أماكن أخرى... كنّا مع المرحوم العلاّمة، فكان يضحك ويتكلّم و... حقًّا عندما حدّثتُكم بهذه القصّة تذكّرتُ أنّنا أيضًا كنّا نحن أيضًا مع المرحوم العلاّمة هكذا، فمن كان يعلم بمراتبه ومقاماته؟ من كان يطّلع على أسراره؟ أنا بنفسي أزعم أنّنا لم نكن نعلم إلاّ القليل، كنّا نرى أخلاقه وتصرّفاته وكانت عجيبةً بالنسبة لنا، لم نكن نرَ مثلها في أيّ مكانٍ آخر، يا له من رجلٍ متواضعٍ! كان يقبّل أيدي الأطفال، أيدي الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الأربع أو الخمس سنوات! أنا لم أفعل هذا إلى الآن، وعمري اثنان وخمسون عامًا، لم أقبّل يد طفلٍ قطّ، ولكنّه كان يقبّل أيدي الأطفال وهو في السبعين من عمره، كان عمره واحدًا وسبعين أو اثنين وسبعين عامًا، وكان يُقبّل أيدي الأطفال. فما هذا؟ ما القضيّة؟ كان يُقبّل يد طفل عمره أربع أو خمس سنوات! هل يفهم الطفل شيئًا من ذلك؟ بل وكان يُقبّلها أمام الآخرين ليشاهده الجميع ويقولوا: "يا له من رجل رائع! انظروا كم هو متواضع! إلى أيّ حدّ يصل بتواضعه!" لكن ماذا كان يريد أن يُثبت بهذا الفعل؟ أيّ رسالة كان يسعى لإيصالها؟
وفي بعض الأحيان كان يتصرّف بنفس الطريقة حتى مع الكبار، وقد نقل الأصدقاء عنه قصصًا مشابهة. فما الذي كان يريد إيصاله؟ ما الهدف من ذلك؟
الأمر يرتبط بشخصه، ونحن لا نعلم حقيقة نيّته، فالأمر يعود إليه. لكنّ هناك جانبًا آخر يتعلّق بشخصيّته، وهو أنّه لم يكن يرى لنفسه أيّة مكانة. فهناك كثير من الصالحين والعبّاد الذين قد يحاولون إظهار أنفسهم بمظهر التواضع، ليس رياءً، فهم صالحون بالفعل. لكن هناك فرقٌ كبير بين من يسعى لاكتساب صفات الصلاح، ويعمل على إظهارها في سلوكه، وبين من باتت تلك الصفات متأصّلةً فيه، بحيث تصدر منه أفعاله بشكل طبيعيّ دون تصنّع.
أولياء الله الحقيقيّون هم هكذا بالفعل، فهم ليسوا في مقام إصلاح أنفسهم، فأين هو الإصلاح بعد الذي وصلوا إليه؟! لم يعد للإصلاح معنى. الإصلاح هو بالنسبة إلينا نحن، فنحن الذين تميل نفوسنا إلى جهة معيّنة والعقل والمنطق يتمايلان إلى جهة أخرى، وعلينا أن نخالف أهواءنا ونتّبع عقولنا. وهذا أمر حسن، بل هو ضروريّ، وينبغي أن نلتزم به. ولكن، إذا تحوّل الأمر عندنا إلى مجرّد تقليد، فسنقع في خطأ مشابه لما وقع فيه ذلك الببغاء الذي صبّ عليه الزيت فسقط شعر رأسه، فقال:
از چه ای کَل با کَلان آمیختی | *** | تو مگر از شیشه روغن ریختی |
از قیاسش خنده آمد خلق را | *** | کوچو خود پنداشت صاحب دلق را |
أي: لأي سبب سلكت أيها الأقرع بين القرع ؟ تراك سكبت الزيت من الزجاجة مثلي؟
ومن قياسه ضحك الخلق، لقد ظن الدرويش مثله ! !۱
فنحن نمثّل تمثيلاً.
رحم الله المرحوم العلاّمة فقد رافقته في أولى رحلاته إلى الحجّ، حين كنت في السابعة عشرة من عمري، في أحد الأيّام، فقرّرنا الذهاب إلى غار حراء برفقة الأصدقاء الذين كانوا معه حينها، والذين قد توفّوا جميعًا تقريبًا على ما أذكر، وربّما كان قد بقي منهم واحد أو اثنان فلا أعلم، فقد توفّي أكثرهم، ففي يوم من الأيّام اتّفقنا أن نزور غار حراء رغم شدّة الحرّ. وعندما وصلنا إلى أعلى الجبل، عطشنا كثيرًا وتعبنا ووجدنا أنّ الزحام كان شديدًا لدرجة أنّنا لم نستطع التقدّم أكثر، واقتصرنا على رؤية الغار. وعندها، خطر لي سؤال على براءة الطفولة، فقلت: "كيف وجد النبيّ هذا الغار أصلاً؟! وكيف اكتشفه تحت هذه الصخور، جاء هذه المسافة التي تبلغ فرسخين عن مكّة ولا بدّ أنّه تجوّل في هذه الجبال كلّها حتّى عثر على هذا الغار! فالنبيّ لم يكن متسلّقًا للجبال، ولم تكن لديه أجهزة ملاحة فضائيّة!"
فنظر إليّ المرحوم العلاّمة وقال:
کار نیکان را قیاس از خود مگیر | *** | گرچه باشد در نوشتن شیر شیر |
وترجمته: لا تقس أمور الأطهار على أمورك، وإن تشابهت في الكتابة كلمة "شير" بمعنى أسد وبمعنى لبن. ثمّ أكمل قائلاً: "طرقهم مختلفة، وحساباتهم تختلف عن حساباتنا".
بود بقالی و وی را طوطیی | *** | خوشنوایی سبز و گویا طوطیی |
خواجه روزی سوی خانه رفته بود | *** | بر دکان طوطی نگهبانی نمود |
گربهای برجست ناگه بر دکان | *** | بهر موشی طوطیک از بیم جان |
جست از سوی دکان سویی گریخت | *** | شیشههای روغن گل را بریخت |
از سوی خانه بیامد خواجهاش | *** | بر دکان بنشست فارغ خواجهوش |
دید پر روغن دکان و جامه چرب | *** | بر سرش زد گشت طوطی کل ز ضرب |
روزکی چندی سخن کوتاه کرد | *** | مرد بقال از ندامت آه کرد |
هدیهها میداد هر درویش را | *** | تا بیابد نطق مرغ خویش را |
مینمود آن مرغ را هر گون نهفت | *** | تا که باشد اندرآید او به گفت |
جولقیی سربرهنه میگذشت | *** | با سر بی مو چو پشت طاس و طشت |
آمد اندر گفت طوطی آن زمان | *** | بانگ بر درویش زد چون عاقلان |
کز چه ای کل با کلان آمیختی؟ | *** | تو مگر از شیشه روغن ریختی؟ |
از قیاسش خنده آمد خلق را | *** | کو چو خود پنداشت صاحب دلق را |
کار پاکان را قیاس از خود مگیر | *** | گرچه ماند در نبشتن شیر، شیر |
جمله عالم زین سبب گمراه شد | *** | کم کسی ز ابدال حق آگاه شد |
الحقيقة النوريّة وظهورها في الأفعال
هذه الحقيقة النوريّة حاضرة في جميع الأفعال والموجودات، وقد ذكرنا أنّه لا فرق بين فعلٍ وآخر من حيث هذه الحقيقة. لأنّ كلّ فعل منتزع من مقام قدرة الله، وهو ينبثق من مقام القدرة الإلهيّة ويأتي من هناك، ثمّ يظهر في هذا العالم، سواء كان ذلك على يد المؤمنٍ أو الكافر، أو بواسطة إنسان أو حيوان أو ملك أو جنّ. لماذا؟ لأنّ أصل القدرة وأصل تلك الحركة هو من ناحية الله، وهو بحدّ ذاته لا يحمل شرًّا.
مقارنة بين قتل عمر بن عبد ودّ وقتل الحسين عليه السلام
الآن، لو تأمّلنا في ضربة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام التي قطع بها رأس عمر بن عبد ودّ، فهل يمكن اعتبارها شرًّا؟ لا يمكننا قول ذلك، لأنّ عليًّا قتل كافرًا محاربًا لله ورسوله. ولكن، بماذا تختلف تلك الضربة التي قطعت رأسه حينها عن الضربة التي قطعت رأس سيّد الشهداء عليه السلام في كربلاء؟ إذا نظرنا إلى الفعل مجرّدًا عن سيّد الشهداء والشمر، فبماذا يختلف الفعل نفسه؟ فالسيف والخنجر والسكّين هي واحدة ولا تختلف واليد لا تختلف، فهي عبارة عن اللحم والعظم والعصب والشعر والجهاز العصبي وأمثال ذلك فلا فرق بينهما، غاية الأمر أنّ من تقع عليه الحركة هناك هو عمر بن عبد ودّ والكافر والفاسق والمشرك، والذي تقع عليه في هذه الحركة هو سيّد الشهداء ابن رسول الله وصاحب مقام الشفاعة الكبرى ولا يمكن التعبير عن مقامه. فالذي يقع عليه الفعل هو الذي يختلف أمّا الفعل نفسه فهل يختلف؟ كلاّ! فلو أنّ هذا الرجل الخبيث قطع بدلاً من رأس سيّد الشهداء رأس عمر بن عبد ودّ لما لعنتموه، ولماذا نلعنه؟ إنّما نلعنه نحن لأنّه يقطع رأس ابن رسول الله بدلاً من رأس عمر بن عبد ودّ، لهذا نلعنه، لا لأنّه يقوم بهذا العمل، فهل التفتّم؟ هذا العمل الذي يقوم به الآن وهو قطع الرأس وهذه الحركة لو كانت تجري على طير أو غنمة في منى [فلا مشكلة فيها] ألا يجب على الحاج أن يذبح في منى؟! نعم بل ومستحبّ له أن يذبح بنفسه رأس الأضحية، وما يقومون به الآن من التوكيل هو من باب الضرورة، أمّا المستحبّ فهو أن يقوم الحاجّ بنفسه بذبح هذه الأضحية المسكينة، وحينها يعطى المزيد من الثواب ويقال له: أحسنت، وبعده يجب عليه أن يحلق رأسه كي يحلّ من إحرامه. فبماذا يختلف هذا العمل عن ذاك؟! العمل في نفسه واحد لا يختلف. ولأنّ هذا العمل يقع على سيّد الشهداء يصبح قبيحًا سيّئًا وغير مناسب ويستحقّ عليه العقاب، ولأنّ ذاك العمل يقع على عمرو بن عبد ودّ يصبح مثابًا عليه وخيرًا ورضوانًا «وضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين»۱ كما ينقل. لقد تفل في وجهه فمضى الإمام ثمّ رجع والقصّة معروفة.
او خدو انداخت بر روی علی | *** | افتخار هر نبی و هر ولی |
او خدو انداخت بر رویی که ماه | *** | سجده آرد پیش او در سجده گاه |
وترجمته:
تفل على وجهِ علي *** افتخار كلِّ نبيٍّ وولي
تفل على الوجه الذي له *** يسجدُ القمرُ في محرابِه
ومع هذا يقولون إنّ مولانا الذي يقول هذا في حقّ أمير المؤمنين هو سنّي! لقد رأينا الشيعة نحن أيضًا! ورأينا علماء الشيعة أيضًا! فهل الذين ينكرون حديث عمر هم شيعة؟ ومع ذلك يكون مولانا الذي يقول في حقّ أمير المؤمنين: "تفل على الوجه الذي له يسجدُ القمرُ في محرابِه" سنيًّا ويستحقّ اللعنة؟ لا عجب فهذا آخر الزمان! وقد تغيّر كلّ شيء. وهكذا سائر الأشياء، فمن ينكر حادثة ركل باب بيت النبيّ وتقطيع ابنة النبيّ إربًا إربًا وإسقاط حفيد النبيّ هل يكون شيعيًّا؟ ثمّ الذي يعبّر عن أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه حسن القضا بعد سوء القضا فيقول:
بازگو ای باز عرش خوش لقاء | *** | ای پس از سوء القضا حسن القضاء |
والمعنى:
حدّثنا يا صقر العرش يا جميلَ اللقاء *** يا من هو بعد سوء القضاء حسن القضاء
فما معنى هذا؟ معناه أنّ مجيء أبي بكر وعمر وعثمان كان سوء القضاء الإلهيّ، وبمجيء عليّ عاد التقدير الإلهيّ إلى حسن القضاء. ثمّ بعد هذا يكون هذا سنيًّا؟! فالذي يقول هذا في حقّ أمير المؤمنين يصبح سنيًّا وذاك يصبح شيعيًّا خالصًا بنسبة مائة في المائة ليس فيه أيّ خلل أو شائبة؟! اللهمّ احشر كلَّ امرئٍ على حسب نيّته، فمن أراد الطعن في مباني أهل البيت وآل محمّد وإمام الزمان فاحشره على نيّاته تلك، ومن أراد إحياء ذكر أهل البيت حشره الله مع أوليائه هؤلاء ومع أهل البيت. وهذا أمر موجود على الدوام.
رگ رگ است این آب شیرین و آب شور | *** | برخلایق میرود تا نفخ صور۱ |
يقول:
يجري الماء في الخلائق عذبًا أو أجاجًا *** هكذا حتّى ينفخ في الصور
... | *** | گروهی این گروهی آن پسندند |
يقول:
جماعة تختار هذا وأخرى تختار ذاك
وعلى كلّ حال وكما يقول الإمام الصادق عليه السلام: علينا أن نسأل آخرين عن حقيقة الأمر، ولا نتكلّم فيه أكثر.
فتلك الضربة التي سدّدها أمير المؤمنين يوم الخندق، كانت أعظم من عبادة الإنس والجنّ جميعًا منذ خلق العالم إلى قيام الساعة. وقد بيّنتُ سابقًا للرفقاء أنّ هذه المسألة من أيّ باب هي.
فإذن هذا الاتّصال التوحيديّ يجعل جميع الأشياء في الوجود متساوية من هذه الجهة. وهذه هي الحقيقة الربطيّة، وهذه الحقيقة موجودة. فهذه اليد في حدّ ذاتها، ليست خيرًا ولا شرًّا. اليد هي يد. فما الفرق بين هذه اليد وتلك؟!
شهادة الأعضاء يوم القيامة هي بسبب جهة ارتباطها بالله
أليس في القرآن الكريم حول المشركين والكفّار والمنافقين يوم القيامة:
﴿حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ۱
يا للعجب يا للعجب! عندما يقفون بين يدي الله، تأتي آذانهم وعيونهم وجلودهم لتشهد عليهم بما كانوا يفعلون، أتظن أن الأمر انتهى؟ أنسيت ماذا فعلت يوم كذا وشهر كذا ؟ أنسيت أنّك استمعت بأذنك إلى الموسيقى الفلانيّة؟ أنسيت أنّهم اتّهموا أحدًا في المجلس الفلاني وأنت استمعت ولم تدافع؟ أنسيت أنّ صديقك كان في أحد المجالس وكان يغتاب وأنت جلست تنظر إليه هكذا دون أن تحرّك ساكنًا وتعترض؟ ها؟ أنسيت أنّك استمعت إلى ذاك الكلام الباطل؟ غشاء الأذن هذا، وغشاء الطبلة هذا، والأعصاب، والعظام الثلاثة، والعصب، هذه الأشياء نفسها التي ترونها الآن، هذه الأشياء ستأتي يوم القيامة وتشهد بشكل دقيق! فيا له من جهاز تسجيل وضعه الله في داخلها! لا نعلم! نحن فقط نلمس ونضغط قليلًا فيؤلمنا، ولا نعلم أيّ جهاز تسجيل وضع في الداخل يسجلّ كل ما سمعناه طوال حياتنا، كل هذا موجود في الأرشيف، والملفّات مصنّفة، في شهر كذا، ويوم كذا، وساعة كذا، والدقيقة كذا، والثانية كذا، حدثت القصّة الفلانية، وقد وُضع التاريخ أيضًا، فهل رأيتم الصور التي يضعون عليها التاريخ؟ كل هذه القضايا تسجّل مع تاريخها في الأسفل، ومجلس الليلة بالتأكيد، تأكّدوا، سيسجّل في آذانكم، الأذن اليمنى واليسرى، هذا سيُسجّل، لا مجال للشكّ. فإذا ذهبتم إلى المنزل فإنّ الكلام الذي تسمعونه هناك سيسجّل أيضًا، والكلام الذي تقولونه، لأنّ الإنسان يسمع صوته أيضًا، أنا الآن أسمع صوتي، كلّ هذا يسجّل ثم يُؤرشف هذا الشريط إلى متى؟ إلى يوم القيامة.
عندما يأتون بين يدي الله، ﴿تشهد عليهم آذانهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون﴾، تشهد آذانهم وأعينهم، نظرت إلى الأجنبيّة في المكان الفلاني، هل نسيت؟ الآن آتي وأشهد، يُعاد الملف، انظر، يا الله، هذا الرجل استخدمَني في الطريق الحرام، استخدمَني في الطريق المخالف، نظر إلى منزل الجيران، نظر إلى الأجنبيّة، نظر إلى الكتاب الذي لا ينبغي أن ينظر إليه، نظر إلى المقال الذي لا ينبغي أن يقرأه، نظر إلى الصورة التي لا ينبغي أن ينظر إليها، نظر إلى أسرار الناس، يأتي ويشهد، يأتي ويشهد. جلودهم، جلود أجسادنا يوم القيامة، تشهد جميعها على العمل الباطل، تشهد فيُفتضح الإنسان. ﴿وقالوا لجلودهم ...﴾ عندما يصل الأمر إلى هنا، يبدأون بمخاطبة جلود أجسادهم: ﴿من أنطقكم﴾؟ لقد كنتم معي، كنتم تخصّونني، كنتم تحت سلطتي، كنت أستخدمكم، كنت أغلق عيني أو أفتحها، كان ذلك باختياري، كنت أستخدم أذني، أستمع أو لا أستمع، كان جسدي تحت أمري، أذهب إلى مكان ما أو لا أذهب، أقدم على أيّ أفعال، كلّ هذا كان باختياري، ﴿من أنطقكم ؟ قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء﴾.
هذه هي الحقيقة الربطيّة تظهر هنا. ماذا يقولون في الرد؟ يقولون: لقد أخطأت يا عزيزي! نحن أهل التوحيد، نحن عارفون، نحن أهل العرفان، ونعلم أننا جميعًا كنّا حقائق ربطيّة في ذلك العالم، وقد وضعنا الله تحت تصرّفك لبضعة أيام، لم تكن لديك صلة بنا، لم تكن لديك علاقة بنا، كنّا يدًا لا فرق بين هذه اليد وتلك اليد، ذاك ذهب واستخدم يده في عمل الخير، وأنت قمت بعمل محرّم بيدك، لم تكن مستقلاًّ في ذلك.
هل نحن نملك أجسامنا وأعضاءنا فنتصرّف بها كيف نشاء؟
كنت تظن أنّك مالك جسدك، كنت تظنّ أنّك مالك عينيك وأذنيك ويديك وما إلى ذلك...، لذلك لدينا في الأحكام الفقهيّة أن جرح الجسد وإحداث جرح فيه حرام، حتّى الخدش، لا يستطيع أحد أن يحدث جرحًا في جسده ويقول: الجسد ملكي، لا يستطيع، ما هو أساس هذا؟ أساسه توحيدي، أساسه عرفاني، الجسد ليس ملكًا لك، أنت مؤتمن عليه، يجب أن تتعامل مع جسدك هذا، مع إصبعك هذا، مع يدك هذه، مع وجهك هذا، مع قدمك هذه، مع معدتك هذه، مع جهازك الهضميّ وبقيّة أعضائك، وفقًا لما هو مطلوب منك، من قال إن يدك ملك لك لتفعل بها أي خطأ تريده؟! لتقول هذه اليد ملكي، لا أريدها من اليوم، وسأقطعها؟! سيعاقبك الله غدًا، هذه ليست مجرّد كلمات. من قال إنّ هذه العين ملك لك لتقول سأخرج إحدى عيني، اثنتان كثيرتان، واحدة تكفي؟! لا يا عزيزي، فعمل الله له حساب وكتاب. وهناك مسائل كثيرة في هذا الباب، إن شاء الله هي في ذمّتي للرفقاء نبحثها في جلسات عنوان البصري، حين نتحدّث عن كيفيّة الغذاء وما إلى ذلك، فيجب أن نتحدّث عن هذه القضيّة هناك، وعن دقائق الأمور في هذا المجال وهل يستطيع الإنسان أن يعمل بأيّة كيفيّة وبأيّة طريقة أم لا يستطيع؟ وإذا لم يفعل ما ينبغي، فما هي المسائل التي ستترتّب على ذلك وما الذي سينقص من نصيبه؟ يبقى هذا البحث إلى تلك المحاضرات.
كل هذه الأفعال وأيدي الإنسان وجوارحه وأعضاؤه، هي أمانات أعطاها الله للإنسان ليستخدمها في سبيل الارتقاء لا أكثر، ليس هناك ما هو أكثر ليحصل عليه الإنسان، ويجب على الإنسان أن ينتبه إلى هذا الأمر.﴿قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كلّ شيء وهو الذي خلقكم أوّل مرّة وإليه ترجعون﴾، الله هو الذي خلقكم في المرّة الأولى وإليه ترجعون، لكنّكم لم تكونوا تعلمون أنّ هذا الخلق وهذه النشأة الجديدة التي حصلت لكم في الجسد هي فترة عبور في هذه الدنيا لتصلوا بأنفسكم إلى الكمال الروحي، فجئتم لتفسدوا وتدمّروا مواهبكم. ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾۱ ظننتم أنكم تستطيعون أن تخفوا عن جوارحكم وأعضائكم ما تفعلونه، أن تخفوا ما فعلتم بهذه الأعضاء، في حين أنّكم لم تكونوا تعلمون أنّ أفضل شاهد على أعمالكم هي هذه الجوارح نفسها التي أسأتم استخدامها، أفضل شاهد عليكم، لستم بحاجة إلى شاهد، يوم القيامة لستم بحاجة إلى شاهد، هنا في الدنيا تحتاجون إلى شاهد، يجب أن يأتي الشاهد ليشهد على الحادثة، وإلا فإنّ القاضي سيحكم خطأ، سيصدر حكمًا خاطئًا، يأتي شاهد ليشهد فيصدر القاضي حكمًا، يأتي شاهد آخر ليشهد بخلاف ذلك فيصدر القاضي حكمًا آخر، لأنّه لا يعلم الغيب، لا يعلم.
فالأمر هناك مختلف، الأمر هناك يتمثّل في أنّ العضو نفسه يأتي في الخارج وفي الحقيقة، ويضع العمل الذي قام به الإنسان أمام عينيه وأمام نفسه، يتجلّى حقيقة، يُكشف عنه الستار، تتحقّق حالة التجرّد للكفّار والمؤمنين على حدّ سواء. وفي حالة التجرّد، لا يؤثّر مرور الزمان على وقوع الحدث والعلم به، بل يرى الإنسان في لحظة واحدة عشر قضايا معًا، الآن لأنّ حالة التجرّد ليست حاصلة لدينا، فلا نعلم بالقضايا التي ستحدث غدًا، والقضايا التي حدثت بالأمس مرّت أمام أعيننا، الآن نفهم فقط ما نحن فيه الآن، في هذه اللحظة، في هذه الآونة، نشعر بحالتنا الآنيّة، لماذا؟ لأنّنا لسنا في حالة تجرّد، إذا حدثت لنا حالة التجرّد [تنكشف لنا الحقائق دفعة واحدة] ومتى تحدث؟ في المنام مثلاً، ففي المنام نحصل على قدر يسير من حالة التجرّد، فيرى الإنسان فجأة قضيّة ستحدث بعد أسبوع، لم تحدث بعد، لم يعلم بها بعد، وقضايا حدثت سابقًا لا يتذكّرها أبدًا، فيراها فجأة.
مكاشفة السيّد الخوئي بعد عمله ببرنامج من السيّد القاضي
ذهب المرحوم آية الله الخوئي، رحمه الله عليه، إلى المرحوم القاضي لطلب التوجيهات والتعليمات السلوكيّة، فأعطاه تعليمات، وبعد فترة من التزامه بها حصلت لديه أحوال معيّنة، حصلت له أحوال جيّدة، وفجأة في حرم سيّد الشهداء عليه السلام، وأثناء ذكر السجدة اليونسيّة، حدثت له مكاشفة فجائية، لا تظنّوا أنّ المكاشفة تستغرق ساعات، كلاّ! بل في غضون ثانيتين أو ثلاث فقط، في غضون ثانيتين أو ثلاث، ظهرت له أحواله منذ ولادته من أمّه ـ لم ير ما قبلها ! ـ رأى كلّ لحظات حياته منذ ولادته من أمّه وحتّى وفاته، كان يروي ذلك للمرحوم الوالد، وقال له إنّي أتوقّع القضيّة الفلانيّة والقضيّة الفلانيّة، فكان يخبره بذلك عندما كان المرحوم الوالد في النجف، وكانت بينهما ألفة شديدة، بين المرحوم الوالد والسيّد الخوئي رحمه الله، فقد كان أستاذه في علم الأصول، فآية الله الخوئي كان أحد أساتذته، كانا على علاقة حميمة، وكانت بينهما زيارات أسريّة، وكان السيّد الخوئي يزور منزل الوالد كثيرًا وكان الوالد يزوره أيضًا.
كان والدي المرحوم يقول: أشكلت لديّ مسألة في الدرس، فقمت وقتها والساعة الواحدة بعد منتصف الليل وانطلقت إلى منزل السيّد الخوئي، وقلت سأذهب لأرى فإن كان هناك ضوء فسأطرق الباب ـ حسنًا، قد يكون هناك ضوء ولكن ليس بالضرورة أن يكون صاحب الدار يدرس أو جالسًا ينتظر من يطرق الباب! ـ على كلّ حال، قال سأطرق الباب، فإن سمعت جوابًا فبها، وإلا أعود، ولن أطرقه بشدّة، يقول: جئت فوجدت الضوء مضاءً وكان السيّد يقرأ، فطرقت الباب فجاء وقال: أهلاً وسهلاً!
ـ سيّدنا، لديّ إشكال.
ـ حسنًا، تفضّل بالدخول، تفضّل.
يقول: دخلت ـ وقد حدث ما يشبه هذا أيضًا مرّة أخرى بعد الظهر، كان يقول: حدثت بعد الظهر، ذهبت إلى منزله وكان الجوّ حارًا، ومرّة أخرى في الليل، وقد حدّثني عن زيارته في الليل ـ دخلت وجلسنا، وعندما جلسنا وأجاب، طال بنا الكلام حتّى أذان الفجر. كان يقول: بدأنا بالحديث، وتكلّمنا حول أمور مختلفة من هنا وهناك، وكانت بينهما علاقة جيّدة جدًّا، رحمهما الله، على كلّ حال، على الإنسان أن يسأل الله أن يجعل طريقه طريق الأولياء، طريق الأولياء حقًّا، فجميعهم ذهبوا وسلكوا الطريق الذي يجب على الجميع أن يسلكوه، ولكن ما أجمل أن يسلك الإنسان طريقًا لا يشعر بعده بالندم والحسرة، هذا هو الأمر المهمّ.
كان يقول له: هناك قضايا ستحدث، ورأى مرجعيّته في تلك المكاشفة، وما سيحدث له، وكيف سيغادر هذه الدنيا. كان المرحوم العلاّمة يقول: أخبر السيّد الخوئي رحمه الله أستاذه السيّد القاضي رحمه الله بهذه المكاشفة، فأخذ السيّد القاضي يستمع ويستمع، حتّى وصل الحديث إلى أنه سيصل إلى المرجعيّة، وفجأة عبس بوجهه ولم يعجبه هذا الأمر، وقال للسيّد الخوئي ـ لم يخبره مباشرة، ولكنّه أخبر الشيخ عباس رحمه الله ـ عندما سمع قال: جعل الله العاقبة خيرًا، وحدثت قضايا أخرى، وانقطعت علاقة السيّد الخوئي بالسيّد القاضي.
التحذير من التصدّي للمرجعيّة
والخلاصة أنّ هناك إشارات حول ضرورة التفات الإنسان إلى أمر المرجعيّة والإفتاء، فكم يجب أن يكون حذرًا! ولا سمح الله، أن يتصوّر أنّ دين الناس قد أوكل إليه وأنه قيّم عليهم! وما تحدّثنا به الليلة الماضية هو هذا، ففرعون هذا الذي يقول: ﴿أنا ربّكم الأعلى﴾، لماذا يقبضون عليه ويوبّخونه ويغرقونه في الماء ويجعلونه عبرة للآخرين؟ لماذا؟ لأنّه تكلّم بكلام في غير محلّه، تكلّم بكلام في غير محلّه. أنت ما زلت في عالم الشهوة، في عالم النفس، في عالم الكدورة، في عالم الأنانيّة، فلماذا تقول هذا الكلام؟! أنت لم تخرج بعد من النفس، لم تخرج من الشهوة، لم تخرج من الكدورة، لم تخرج من الذات، أنت الآن ترى نفسك أعلى، فبمجرد أن ترى نفسك أعلى، فأنت في النفس، في الشقاء! فلماذا تقول هذا الكلام؟
أنواع القضاة في الروايات
هناك رواية عن المعصوم عليه السلام، يقول فيها إنّ هناك عدّة أصناف من القضاة في النار، وصنف واحد فقط هو من أهل النجاة: قاض يحكم بالباطل وهو يعلم أنّه باطل، فهو في النار، وقاض يحكم بالباطل وهو لا يعلم أنّه باطل، وهذا أيضًا في النار، وذلك بسبب تقصيره في تهيئة المقدّمات العلميّة، وقاض يحكم بالحقّ وهو لا يعلم أنّه حقّ، فمثلاً يتصوّره شيئًا آخر، فهو الآن يحكم بالحق استنادًا إلى أمور أخرى، ليس لديه علم حقيقيّ بالحكم، بل من خلال بعض المقدّمات الظنيّة وما شابه، فيأتي ويحكم ويصادف أن يكون الحكم صحيحًا ويكون الحقّ إلى جانب هذا، وهذا في النار أيضًا، وقاض يحكم بالحق وهو يعلم أنّه الحق وهو في الجنة، لديه علم، لديه يقين حسنًا، حسابه إذن الجنّة۱.
حسنًا، فانظروا الآن إلى ماذا تعود المسألة؟ إلى العلم. ذلك القاضي الذي يحكم بالحقّ ولكنّه لا يعلم، لا يقولون: لأنّه حكم بالحق فهو في النار، فالحكم بالحق لا يستحقّ النار، ولكن هو في النار لأنّه لا يعلم أنه حكم بالحق. يجب أن يكون لديك علم، يجب أن تعلم، لا تعمل بشكل أعمى، إن كنت لا تعلم، فابتعد، لم يجبرك أحد على الحكم، لا تظنّ أنّ الدين سيضيع أو إذا متّ أنت ستسقط السماء على الأرض، لا يا سيّدي! تلك المجرّة تدور، كما ذكرت، والقمر والشمس يدوران بشكل جيّد، الكرة الأرضيّة أيضًا، أقسم لكم أنّها لن تتجاوز خطّها بميلمتر واحد، ذلك الدوران الهندسيّ حول الشمس، إذا رأيتموها انحرفت يمينًا أو يسارًا سنتيمترًا واحدًا إذا ماتت شخصيّة ما فأنتم محقّون! فليأتوا وليرصدوا ليروا إذا ماتت شخصيّة ما هل ستنحرف الأرض يمينًا أو يسارًا؟ هل سيذهب شمالها إلى الجنوب وجنوبها إلى الشمال؟ كلاّ! فقد مات الجميع، ورأيناهم ذهبوا والأمر على ما هو عليه، لم تتحرّك، لم تتحرّك، تدور بشكل جيّد، إنّها تخيلاتنا نحن التي جعلتنا نظنّ أنّها تحرّكت وأنّ كلّ شيء انحرف يمينًا ويسارًا، ولكنّ الأرض ليست كذلك، ليس هناك مشكلة، ولا يأتي أحد ليقول إذا لم أفعل أنا ستسقط السماء على الأرض ... كلا يا عزيزي! هذه الأرض لها وليّ، ولكنّنا لم نعرف الإمام، استخففنا به، نضع أنفسنا مكان الإمام ونظن أنّه إذا متنا سيحدث كذا وكذا! لا! ليس الأمر كذلك، ليس الأمر كذلك، أنا الآن، لنفترض، أنّي سأعطّل هذا المجلس، لنفترض أنّي لن آتي إلى هذا المجلس، سينهض أحد الرفقاء الآخرين من الغد ويأتي إلى هنا ويتكلّم أفضل منّي، انظروا، هل سيتغيّر شيء أم لا؟ هذا الأمر ابتداء منّي وهكذا فيما هم أعلى منّي كلّ شيء سيبقى على ما هو عليه....! ليس الأمر كذلك، لقد جئنا ووضعنا لأنفسنا قضايا عظيمة في أذهاننا، ثمّ بنينا عليها، ثمّ ندعو الناس إليها، فإذا نظرنا إلى نهاية الأمر نجد أنّه من قال هذا من؟! من أين جاءت هذه الأمور؟!
إذا انكشفت للإنسان حقيقة التوحيد العلميّة بوضوح، حينها، إذا قلت "أنا الحق" كتلك الشجرة، فلا بأس حينها، لا الآن! ليس وأنت غارق في الشهوة! ليس وأنت غارق في النفس! ليس وتحت كل خليّة من جلدك شيطان يوجّهك نحو وجهته، ثمّ تقول: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾ و"أنا الحق" وتدعو الناس لعبادتك، ثمّ تنهض وترمي بسهم على إله السماء لتتخلص منه! كلاّ! ليس هكذا، وهذه مسألة مهمّة جدّاً، فالله وضع لعباده طريقًا خاصًّا في كلّ وقت، وحقًّا يتعجّب الإنسان من بعض الحكايات التي يراها، والمسائل كثيرة جدًّا.
الفارق بين حركة اليد في الطاعة والمعصية هو غرض النفس
ففي يوم القيامة، هذه اليد لم ترتكب ذنباً، النفس هي التي ارتكبت الذنب، هي التي جرّت هذه اليد إلى المخالفة، هذه اليد التي يجب أن تكون في جيبي، ولكنّي أضعها في جيب شخص غريب وأستخرج منها المال، فماذا يكون هذا؟ يكون ذنباً. لو كانت هذه اليد في جيبي، لما كان ذنب، هذه اليد لم ترتكب ذنباً بنفسها، يمكنك أن تكبّر بها، وأن تحرّكها من الأسفل إلى الأعلى، فيكتب لك ثواب، ونفس اليد ترفعها وتصفع بها يتيماً، فيغضب الله عليك، بينما الحركتان متشابهتان، لا فرق بينهما، هذه وصلت إلى هنا، وهذه أيضاً من هنا إلى هنا، فلا فرق، يكتبون لتلك ثواباً، ولهذه عقاباً، لتلك جائزة، ولهذه مخالفة، كلتاهما حركة واحدة، كلتاهما حركة واحدة، الآن وقد صارتا حركة واحدة، فاليد تبقى على فطرتها الأولى وخلقها الأوّل ووزنها الأول إلى يوم القيامة، وهذه اليد لا تتغيّر يوم القيامة فتأتي وتشهد، ولا يمكنها أن تكذب، وعندما تكون اليد يد التوحيد، فاليد نفسها مبنيّة على الحقّ، وشهادتها ستكون شهادة حقّ، حينها تأتي وتشهد على النفس التي دفعتها إلى الأعمال المخالفة، لا أنّ الله يأتي يوم القيامة ويمارس نفوذه على هذه اليد، كما لو وضعت شريطًا في مسجل وبدأ بالكلام، فالمسجّل بنفسه لا يتكلّم. لا بدّ من وضع الشريط فيه لكي يبدأ بالحديث.
حقيقة ما يحدث يوم القيامة هو كشف الغطاء
ولكن الأمر في يوم القيامة ليس كذلك، فاليد نفسها، بمقتضى الحقيقة التوحيديّة والربطيّة، تحمل في ذاتها جميع الأعمال والأفعال محفوظةً، وما يفعله الله هناك هو رفع الحجاب عن أعيننا، فتصبح تلك الأعين أعينًا توحيديّة، وعندما تصبح كذلك، يحدث التجرّد، وفي ذلك التجرّد، يشرف الإنسان دفعة واحدة إشرافًا حضوريًّا لا حصوليًّا على جميع الأعمال التي حدثت بواسطة هذه اليد، لا أن يأتي الله أو يأتي ملك ليقول فعلت كذا وكذا، ولا الملائكة الذين حولنا يمينًا وشمالًا أو منكر ونكير يأتون ويقولون: فعلت كذا. كلا! بل كلّ ما يفعله الله هو رفع الحجاب.
فمثلاً أنت تدخل هذا المجلس وعيناك مغمضتان، تمرّ بالحاضرين ثمّ تجلس هنا، لا تعلم من حضر هذا المجلس. فهل عدم علمك دليل على عدم وجود أحد؟ كلاّ! هم موجودون. هل عدم رؤيتك دليل على عدم وقوع أيّ حدث؟ كلاّ! فجميع الأحداث وقعت، والجميع حاضرون هنا، والجميع جالسون، ولكنّ الأمر الوحيد الذي لم يحدث هو علمي بالأحداث، هذا فقط لم يحدث. فجأة تُرفع اليد عن عينيك فترى: آه، فلان صديقي، فلان صديقي، الجميع جالسون هنا بهذه الصفات، ثمّ تغلق عينيك مرّة أخرى، فلا تعلم شيئًا عمّا يحدث، ثمّ تُفتح مرّة أخرى...، في يوم القيامة، يُرفع الحجاب فقط، لا أنّهم يأتون ويقولون يا فلان فعلت كذا، أنت نفسك نسيت! ولا أنّهم مثلاً يجعلون اليد تتكلّم لتقول: فعلتَ كذا وكذا من المخالفات، كلا! بل ما فعلتْه هذه اليد في عالم الوجود لا يُعدم ولا يُمحى ولا يزول، ما رأته العين، سواء من مشاهدات صالحة أو طالحة، لا يزول أبدًا، ما ذهبت إليه القدم، ما تكلّم به اللسان، ما نواه القلب، في جميع هذه المسائل وتلك الوقائع، من باب أن ما يحدث في عالم الوجود كلّه مُسجل ومضبوط في ظرفه ولا يزول، من هذا الباب، جميع الحقائق موجودة، وفي يوم القيامة [يُرفع الحجاب لا أكثر].
﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾۱ فالآية الشريفة تقول إنّ كلّ ما نفعله يوم القيامة هو أنّنا نرفع الحجاب عن عينيك، هذا فقط. ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ﴾، كنت في الدنيا قد وضعت حجابًا على عينيك فلا ترى، تأكل مال اليتيم ولا تعلم أنك تأكل نارًا، تكذب ولا تعلم أنّك بكذبك هذا تشعل النار في روحك، تنظر إلى المحرّم وتمرّ به ولا تتذكّر أنك بهذا الفعل تدمّر نفسك. لو كنت ترى ذلك حينها، لفررت أميالًا! تقول الآية: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾٢، يخاطب الإنسان عمله الذي فعله، يقول: يا ليت بيني وبينك مسافة ما بين المشرق والمغرب ولم تكن لك علاقة بي، بعد المشرقين، المشرق والمغرب بيني وبينك. فنحن في يوم القيامة نرفع الحجاب فقط، وعندما نرفع الحجاب، تشهد كلّ هذه الأشياء، تأتي وتنظر.
السرّ في نطق جميع الموجودات
﴿قَالُوا مَنْ أَنْطَقَكُمْ﴾؟ فيقولون: نحن حقائق ربطيّة، وفي تلك الحقائق الربطيّة، لا معنى للخير والشر، ما حدث كلّه واضح، ينظر إلى يده فيرى جميع الأعمال التي فعلها بيده اليمنى، يراها كلّها في هذه اليد، يراها كلّها، ينظر إلى قدميه فيرى جميع الأماكن التي ذهب إليها، يراها واحدة تلو الأخرى، يرى تلك الركلة الظالمة التي وجهها إلى ذاك، ويرى العمل الصالح الذي فعله أيضًا، يرى كلّ شيء. ﴿قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، ما معنى أنطق كلّ شيء؟ يعني ليس المقصود الإنسان فقط، بل الجماد أيضًا. فقد أنطق كلَّ شيء، والله ينطق الجماد أيضًا، ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾۱، جميع حقائق السماء والأرض تسبّح الله من جهة حقائقها الربطيّة، تحمد الله، أولئك الذين انفتحت أعينهم وتحوّلت الحقائق لديهم إلى مشاهدات ومكاشفات توحيديّة، عندما ينقلون، يقولون إن جميع الذرّات تسبّح، وتسبيح كلّ منها مختلف، فبعضها تسبيحه سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح، وبعضها تسبيحه ذكر الصلوات، وبعضها تسبيحه لا حول ولا قوة إلا بالله، وبعضها تسبيحه سبحان ربي الأعلى وبحمده، كلّ منها له تسبيح خاصّ، كلّ منها له تسبيح خاص، وهنا مسائل إذا اتّضحت للناس، يغرقون في دهشة وحيرة أن كيف كلّ موجود هو مظهر لاسم من أسماء الله وصفاته، أو مظهر لأسماء متعدّدة بحسب سنخ وجوده، والإنسان هو مظهر للجميع. فبعض هذه الموجودات لها تسبيح واحد فقط، وبعضها تسبيحها مختلف، بعضها تسبيحها ثلاثة أنواع، فلكلّ منها حالات مختلفة، ثمّ إن حالة الإنسان نفسه تختلف في علاقته بالتسبيحات التي تسبّح بها الموجودات، فاليوم صباحًا يستيقظ الإنسان من النوم فيسمع صوت: "سبّوح قدوس" من أوراق الأشجار، وغدًا يستيقظ فيسمع صوت "لا إله إلا الله".
عندما دفن الحسن والحسين أمير المؤمنين عليهم السلام، مرّا بخربة حين عودتهما، فسمعا صوت أنين ينبعث منها، دخلا فوجدا شيخًا مسكينًا بائسًا، قالوا له: ما الأمر؟ قال: أنا فقير وبائس، كان أحدهم يأتي إليّ ليلاً بالخبز والتمر والطعام، والآن منذ عدّة ليالٍ لم يأتِ. قالوا: ما صفته؟ قال: كان إذا دخل ترتفع أصوات جميع حصى هذه الخربة وما حولها بنداء سبّوح قدّوس. فهذا أثر وليّ الله، عندما يمشي فإنّ نفسه تحرّك جميع الموجودات وتجعلها كلّها في غليان، فهذه وأمثالها أمور رأيناها بأعيننا، رأينا كيف كان أولياء الله يؤثّرون بقدومهم إلى مكان، يؤثّرون في الجو، والعكس بالعكس! تؤثّر النفوس الخبيثة في المكان وفي الجوّ. وهناك الكثير من الحكايات والروايات في هذا المجال.
فالأرض تلعن من ينام عليها ويرتكب المحرّمات، الأرض تلعن من يحكم بالباطل ويعمل بالباطل، نحن نظنّ أنّ هذه الروايات كلّها عبث! كلاّ يا عزيزي، نظنّ أنّها لكي يشغلونا ويلهونا بمجموعة من المسائل! لا يا عزيزي! الأرض، هذه الأرض التي تجلسون عليها الآن، لأنه يقام فيها ذكر أهل البيت وذكر الله وأمثال هذه الأمور فهذه الأرض، وهذا السجّاد الذي نلمسه، هذا السجّاد يدعو لمن يجلس عليه، هذه الأمور التي أقولها لكم هي مشاهدات رآها الناس، مشاهدات رآها الناس، أي ليست خيالات، والعكس صحيح أيضًا، ففي مكان المعصية، اعلموا أنّ الأرض هناك تلعن أولئك الناس، الأرض تلعن، السجّاد يلعن، لمَ هذا؟ كلّ هذا بسبب تلك الحقيقة الربطيّة الموجودة في كلّ الأشياء، وبواسطة تلك الحقائق الربطيّة، فإنّ ذلك الشيء يُظهر الحق ويُظهر الواقع.
﴿قَالُوا مَنْ أَنْطَقَكُمْ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ جميع ذرّات عالم الوجود أنطقها، ولكنّكم لم تسمعوا، اسمعوا الآن! يدكم في هذه الدنيا صمّاء لا تتكلّم، افعلوا بها ما شئتم الآن، عينكم المسكينة، لا حيلة لها، انظروا إلى أي مكان الآن، انتظروا، سيحاسبكم، هذه اليد ستفضحكم في يوم القيامة بحيث لا يستطيع ألف شاهد أن يفضحوا مثلها، هذه الأذن ستأتي في يوم القيامة، جميع المحرّمات التي سمعتموها ولم تعملوا بها ستشهد بها الواحدة تلو الأخرى، والقدم كذلك، والمعدة كذلك، والأمعاء كذلك، والرأس كذلك، جميع الأعضاء ستنهض وتشهد الواحدة تلو الأخرى بحيث لا يستطيع الإنسان أن ينكر شيئًا، ماذا يريد أن ينكر؟ الآن نعم! قد يقول يا سيدي هذا الشاهد جاء وشهد زورًا، أمّا زمان ظهور الإمام وليس الآن، فالشهادة زورًا ممكنة! يأتون بأحدهم من الشارع وإلى الإعدام! فهذان شاهدان أنّه فعل كذا وكذا!
أمّا في زمان ظهور الإمام، ﴿أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، ليس مثل ذلك النور الذي قالوا إنّه نور ليزريّ يأتي من الأعلى والإمام جالس فيه، لا! بل تلك الحقيقة التوحيديّة في زمان الإمام بولايته، تلك الحقيقة التوحيديّة تظهر ولا يستطيع أحد أن يرفع صوته، كلاّ! فعندما يأتي اثنان ويشهدان أمام الإمام بأنّ هذا فعل كذا ماذا يفعل الإمام؟ لا يقول اذهبوا أعدموه أو اقطعوا يده أو يخاطبه ويقول: لماذا فعلت ذلك؟ الإمام لا ينظر إلى هؤلاء، يتصرّف في ذلك الإنسان، فما فعله يظهر أمام عينيه، فماذا يقول للإمام؟! هذا هو معنى يحكم بدون شهادة ويحكم بعلمه كما ورد في الروايات أنّ الإمام عندما يظهر يرفع الحجاب كما يرفعه الله في يوم القيامة، الذي يأتي لرفع الدعوى أمام الإمام، يتصرّف الإمام فيه فيدرك أنّه أخطأ، لا شيء، هكذا ينظر، يقف وينظر أمامه، فماذا يفعل؟ أي إنّ ظهور الإمام هو تجلٍّ لتلك الولاية التي في يوم القيامة، والتي هي للجميع في يوم القيامة، ولكن في زمان ظهور الإمام، هي للمتخاصمين، الذين يخالفون ويأتون في مقام الدعوى وما شابه، هناك، ذلك الفعل ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ﴾ في يوم القيامة، الإمام يفعله لهم، وكذلك ولاته الذين يرسلهم إلى الأطراف، فهم يفعلون تصرّفًا كهذا أيضًا، لذا لا يحتاج هو ولا ولاته إلى شهادة، فعندما يأتي الطرفان، هذا يقول: الحقّ معي. وذاك يقول: يا سيدي الحقّ معي، وفجأة تتّضح الحقيقة، يقول الإمام: انهضا اذهبا لشأنكما، انتهى الأمر. لا يستغرق دقيقتين، دقيقة واثنتي عشرة ثانية! الخلاصة، الأمر هو مدّة رفع الدعوى، وإلا فالحكم هو خمس ثوانٍ، واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة، في خمس ثوانٍ ينتهي الأمر وتنتهي القضيّة، هذه الحقيقة هي الحقيقة النورانيّة.
الآن يجب أن نأتي ونرى كيف أنّ هذه الحقائق النورانيّة التي كانت معنا في هذا العالم، كيف تفقد تلك الخصائص بسبب ارتباطها بنا؟ هذا هو موضع الحديث، إن شاء الله للمجلس القادم.
اللهمّ صل على محمد وآل محمد.