4

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

6865
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

المجموعةعيد الفطر

التاريخ 1417/10/01


التوضيح

أيّ أمانة هي تلك الأمانة التي قبلها الإنسان؟ ولماذا لم تتمكّن السماوات والأرض من قبولها؟
ما حقيقة الولاية وهل يمكن أن يظهر التوحيد دون الولاية؟
ما معنى أشهاد وحفظة ومناة و... ومعنى ملء السماء والأرض بالأئمة في دعاء رجب؟
أجابت المحاضرة عن هذه التساؤلات وأشارت إلى ما جرى بعد وفاة العلاّمة الطهراني رضوان الله عليه من ادّعاء البعض أو نسبتهم الولاية بغير علم بحقيقتها، كما أوضحت حقيقة مقام الوصاية داعية إلى ضرورة الألفة بين الرفقاء والنظر إلى حقيقة التوحيد والظاهر الإلهيّ لا إلى المَظهر الأمر الذي ابتلي به إبليس فطرد من مقام القرب، وقختمت بشرح دعاء العيد.

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان 

  •  

  • عيد الفطر ۱٤۱۷ هـ - الخطبة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربِّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد

  • (اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد)

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • «الحمدُ للَّه الواصلِ الحمدَ بالنّعَم و النّعَم بالشّكر. نَحمَدُه علیٰ آلائهِ كمٰا نَحمَدُه علیٰ بلائهِ، و نَستَعینُه علیٰ هذه النّفوسِ البِطاءِ عمّا أُمرَت به، السِّراعِ إلیٰ ما نُهیَت عنهُ، و نَستَغفرُه ممّا أحاطَ بهِ عِلمُه و أحصاهُ كتابُه؛ عِلمٌ غیرُ قاصرٍ و كتابٌ غیرُ مُغادرٍ، و نُؤمنُ به إیمانَ مَن عایَنَ الغُیوبَ و وَقَف علیٰ المَوعود؛ ایمانًا نفیٰ إخلاصُه الشّرك و یَقینُه الشّك، و نَشهَد أن لا إله إلّا الله وحدَه لا شریك له، و أنّ محمّدًا صلّی الله علیه و آله [و سلّم] عبدُه و رسولُه؛ شهادتینِ تُصعِدانِ القولَ و تَرفَعانِ العملَ، لا یَخِفُّ میزانٌ توضَعانِ فیه و لا یثقُلُ میزانٌ تُرفَعانِ عنه.

  • أوصیكم عِبادَ الله بتقویٰ الله الّتی هی الزّادُ و بها المَعاذُ [المعاد]؛ زادٌ مُبلِّغٌ و مَعاذٌ [معاد] مُنجِحٌ، دَعا إلیها أسمَعُ داعٍ و وَعاها خَیرُ واعٍ؛ فَأسمَع داعیها و فازَ واعیها»۱.

  • {بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ، قُلۡ هُوَ ٱللَهُ أَحَدٌ ، ٱللَهُ ٱلصَّمَدُ ، لمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ ، وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ}٢.

  • اللهمّ صلّ و سلّم و زِد و بارِك علیٰ سیّد رُسُلك و خاتمِ أنبیائك، أبی الأكوان بفاعلیّته وأمّ الإمكان بقابلیّته، الرّسول النّبیّ المدنیّ المكیّ التّهامیّ القُرشی، صاحبِ لواءِ الحمدِ و المقامِ المَحمود، أبی القاسم محمّدٍ الحمیدِ المحمودِ، و علیٰ ابنِ عمّه و صِهره و وَزیره سیّد الوصیّین و قائدِ الغُرِّ المُحَجَّلینَ أمیر المؤمنینَ علیّ بن أبي ‌طالب، و علیٰ سیّدة نساء العالمینَ فاطمة الزّهراء، و سیّدَی شبابِ أهل الجنّة أجمعین الحسنِ و الحسینِ، اللهمّ صلّ و سلّم و زِد و بارِك علیٰ الخُلفاء و الأئمة مِن بعده علیّ بن الحسین و محمّد بن علیٍّ و جعفر بن محمّدٍ و موسیٰ بن جعفرٍ و علیِّ بن موسیٰ و محمّد بن علیٍ و علیّ بن محمّدٍ و الحسن العسكری و الحجّة المُنتظر المهدیّ صلواتُ الله و سلامُه علیهم أجمعینَ.

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ١٦٩.
    2. سورة الإخلاص (١١٢). 

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

3
  •  

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحیم

  •  

  • {إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا}.۱

  • رغم أنّ المقرّر أن لا أطرح أيّ شيء ولا يكون هناك عنوان معيّن، ولكن حيث إنّ عيديّة شهر رمضان تدفع عادة في يوم العيد، فلا بأس ببضع دقائق، فما داموا قد تلطّفوا بنا ورحمونا فإن ضيّقنا نحن الأمر كان خلاف المروءة. 

  • خذ النصيحة ولو عن الجدار

  • والأمر الآخر هو أنّي كنت أشعر أنّه وللأسف نحن مبتلون بعين ذلك البلاء الذي يبتلى به غالب الناس، وهو أنّه إذا ما طرح أمر ما ونصيحة ما، فإنّ طبع الإنسان ونفسه أن لا يرى الأمر مرتبطًا به ويحيله على الآخرين، وبصورة عامّة كأنّ الإنسان بمنأى عن دائرة الأمور الأخلاقيّة ومسائل التربية والتزكية، والحال أنّ جميع الناس لديهم نقائص وعيوب، والمتكلّم نفسه أيضًا ليس مستثنى من هذه الدائرة. 

  • بناء على ذلك، فالأفضل أنّ كلّ ما يطرح من مسائل، وأيّ إنسان إذا طرح أمرًا أخلاقيًّا ونصيحة بأيّة طريقة، فعلى الإنسان أن يتّخذها لنفسه ولا يلتفت إلى الخطيب والمتكلّم. قال: 

  • مرد باید که گیرد اندر گوش *** ور نوشته است پند بر دیوار٢
  • يقول: على المرء أن يعي ويجعل الكلام حلقة في أذنه ولو كانت نصيحة مكتوبةً على الجدار

  • ما ذكرته في نصف شعبان في مشهد المقدّسة لم يكن خطابي متوجّهًا إلى طيف خاصّ، بل كان شاملاً للجميع بلا استثناء. وكان الأمر أنّ بعضهم وبغير التفات كانوا يبدون رأيهم في أخطر وأهمّ مسائل عالم الوجود وهي مسألة الولاية التكوينيّة المطلقة، وهم لا يعرفون من الولاية إلاّ الكلمات والحروف، وللأسف، لوحظ لاحقًا أنّ كلامنا لم يصل إلى هؤلاء الذين خاطبناهم. 

  • ما معنى الأمانة في قوله تعالى إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض؟

  • يقول الله في هذه الآية الشريفة أنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض ولكنّها رفضت قبولها، في حين أنّ الإنسان قبل تلك الأمانة وتحمّلها. 

  • فأيّة أمانة هي تلك الأمانة؟ وأيّة وديعة هي تلك الوديعة التي جعل الله الإنسان محلاًّ مستعدًّا لتقبّلها؟ ولماذا لم تتمكّن السماوات والأرض من قبولها؟ وأيّة خصوصيّة جعلتها تفتقد الاستعداد لقبولها؟ ما حقيقة الأمر؟ 

    1. سورة الأحزاب (٣٣) الآیة ٧٢.
    2. گلستان سعدی، الباب الثاني، الحكایة ٣٧.

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

4
  • حقيقة الوجود وارتباطها بالأسماء الإلهيّة

  • إنّ كلّ ما نشاهده في عالم الخلق من التعيّنات هي تجلّيات مختلفة لنزول الأسماء والصفات الإلهيّة في التعيّن الأوّل والتعيّنات الثانويّة والثالثيّة، سواء في الوجود أو في مراتبه التكامليّة والصفات المترتّبة على الوجود، فإنّ التعيّنات المحدودة هي نزول للأسماء والصفات الإلهيّة. وهذا الأمر شامل لجميع الموجودات في عالم الكون، سواء منه عالم المادّة والطبع والشهادة أو سائر العوالم الربوبيّة كعالم البرزخ والملكوت الأسفل والأعلى وعالم الجبروت واللاهوت. 

  • وقد عبّر الله تعالى عن تلك العوالم الربوبيّة بالسماوات، فالسماوات تعني جميع العوالم الربوبيّة مهما كانت سعتها وظرفيّتها الوجوديّة. 

  • يقول: إنّا عرضنا هذه الأمانه على جميع هذه التعيّنات ولكنّها لم تتمكّن من تحمّلها ولم تتمكّن من تقوية عاتقها لتحمّلها، ولم تكن لها قدرة وقوّة على تحمّل أمانة كهذه، سواء عالم المادّة الذي هو عبارة عن الأرض والسماء الماديّة، أو موجودات العوالم العلويّة، حيث لم يرَ أيّ منها في نفسه استعدادًا لذلك، بل الجنّ والملائكة لم يروا في أنفسهم استعدادًا كهذا. لأنّ المراد من العوالم العليا التي هي عوالم الجبروت واللاهوت، القوى المستعدّة المديرة والمدبّرة للعوالم، والتي يعبّر عنها بالملائكة المقرّبين. 

  • لماذا عجزت الكائنات عن حمل الأمانة؟

  • لم يستطع التراب تحمّلها، ولم يستطع الماء، ولم يستطع الهواء، وعوالم المثال لا تستطيع، والعوالم المجرّدة العليا لا تستطيع أن تتحمّل، حتّى لو وصلنا إلى جبرائيل وميكائيل والملائكة المقرّبين فإنّهم لا يمكنهم أن يحملوا هذه الوديعة، لأنّ لديهم سعة خاصّة وقابليّة واستعدادًا محدودين، لا يمكنهم أن يتجاوزوه من حيث السير الطوليّ. 

  • نعم قابليّتهم في السير العرضيّ غير محدودة ويمكن للقابل من حيث السير العرضيّ هذا أن يتوسّع بمقدار كلّ ما هو موجود حسب إفاضة الفاعل.

  • لماذا استطاع الإنسان حمل الأمانة؟

  • {وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُ} ولكنّ الإنسان قبلها، فأيّ وديعة هي تلك الوديعة؟! وأيّ أمانة هي تلك الأمانة؟! وما السرّ الذي جعله الله في وجود الإنسان بحيث أمكنه بواسطته أن يخرج من التعيّن والحدّ ويتبدّل إلى اللاحد، ويخرج من النهاية إلى اللانهاية؟ 

  • هذا السرّ هو عبارة عن سرّ التوحيد، التوحيد عبارة عن إدراك وحدانيّة الله بالصرافة والوحدة الحقّة الحقيقيّة له، التوحيد عبارة عن اندكاك كلّ تعيّن وكلّ حدّ في الذات اللامتناهية والوحدانيّة للحقّ تعالى، أي إنّ الإنسان ـ وليس فقط في مرتبة الأفعال والصفات والأسماء، بل في مقام تعيّن الذات أيضًا ـ لا يعود يرى الذوات المتعدّدة والتعيّنات المتعدّدة، بل يرى حقيقة واحدة فقط كتعيّن أوّل وكحقيقة حقّة، ويرى جميع المرايا والقوالب فانية ومندكّة. 

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

5
  • هذا الأمر حتّى الملائكة لا يمكنها إدراكه، فحتّى جبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل رغم العظمة التي لهم لا يمكنهم إدراكه، فالأمر هنا دقيق وظريف ورقيق إلى درجة تجعل تلك الأمانة والوديعة لا تحصل إلا بواسطة الاندكاك والانمحاء وفناء الذات في ذات الحقّ، ولا يمكن لشيء آخر أن ينوب عن ذلك. فلو أعطيت علومُ الأوّلين والآخرين لمخلوق ما لما أمكنه رغم ذلك أن يصل إلى هذا المقام. ولو أعطيت حياة جميع العوالم السبعة لمخلوق لما أمكنه رغم ذلك أن يصل إلى هذه المرتبة، وهذه المرتبة أعلى، ولو أعطيت جميع لذّات الأوّلين والآخرين والعوالم الربوبيّة لمخلوق، سواء منها اللذّات الدنيويّة أو الأخرويّة في عالم المثال والملكوت والجبروت واللاهوت، لما وصل رغم ذلك إلى هذه المرتبة، اللذّات التي لا يمكن أن نتصوّرها ولا ندركها، تمامًا كالطفل غير المميّز الذي يريدون أن يشرحوا له بعض اللذّات، أصلاً إدراك تلك اللذّات ممتنع بالنسبة إليه وغير ممكن، لأنّه ليس لديه قابليّة إدراك ذلك، وهكذا نحن لأنّنا فعلاً أسرى عالم الطبع فإنّ إدراك لذّات كهذه أمر ممتنع علينا، إلاّ إذا تجاوز الإنسان وأدخل نفسه في تلك المراحل. 

  • فإذن لو أعطي كلّ ذلك للإنسان فإنّه لن يصل إلى ذرّة من ذلك المقام الأعلى الذي هو مقام الانمحاء والفناء الذاتيّ، لأنّ جميع ذلك هو في مقام ما دون الذات، والذات شيء آخر وأمر آخر، الذات مقام آخر لا تقاس بها هذه الأمور. 

  • هذا المقام هو عبارة عن مقام التوحيد ومقام الفناء الذي لم يتمكّن شيء من التعيّنات والموجودات أن يبلغه، أي إنّ عالم المادّة والعوالم الربوبيّة والمجرّدة لا يمكنها أن تبلغ هذا المقام؛ لأنّ الله لم يعطها قابليّته ولم يعطها إلاّ للإنسان.

  • وبعبارة أخرى هذا المقام هو مقام الولاية، أي إنّ الولاية عبارة عن ظهور كلمة التوحيد في جميع التعيّنات، فهذا الظهور لا يمكن أن يتحقّق من دون الولاية. 

  • ما معنى أعضا وأشهاد ومناة... في دعاء رجب

  • نقرأ في دعاء رجب حول الأئمّة عليهم السلام: 

  • «أعضادٌ و أشهادٌ [و مُناةٌ و أذوادٌ] و حَفَظةٌ و رُوّادٌ، فبهِم مَلأتَ سماءَك و أرضَك حتّی ظهَر أن لا إله إلّا أنتَ».۱

    1. مصباح المتهجد، ج ٢، ص ٨٠٣.

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

6
  • أعضاد وأشهاد تعني أنّ الأئمّة عليهم السلام أعوان، لهم نظارة على عالم الكون. 

  • حفظة: الحافظ يعني الحارس والحامي. 

  • روّاد: أي إنّهم قادة قافلة التوحيد والمتقدّمون فيها. 

  • فبهم ملأت سماءك وأرضك: أنت بواسطة وجود الأئمّة ملأت السماء والأرض.

  • حتّى ظهر أن لا إله إلا أنت: حتّى ظهرت حقيقة كلمة لا إله إلا أنت والتوحيد. 

  • هل يمكن أن يظهر التوحيد من دون الولاية؟

  • فما معنى الظهور؟ فالتوحيد حاصل سواء كان هناك تعيّن أم لم يكن، التوحيد موجود. وظهور التوحيد يحتاج إلى ظهور مظهَر، وما لم يكن هناك مظهَر فلا ظهور، وفي مقام الذات الذي هو مقام غيب الغيوب التوحيد متحقّق، حيث لا كثرة وحيث لا ظهور، بل هو عالم العماء المحض وعالم الظلمات، فهناك ليس عالم النور، وذاك العالم بسبب شدّة اندكاك النور فيه يقال له: عالم العماء، هناك لا مَظهَر ولا مُظهِر ولا ظهور. 

  • فإذن ظهور لا إله إلا الله هو بواسطة ماذا؟ بواسطة الولاية، أي إنّ الولاية بواسطة هيمنتها وقوّتها صارت علّة تامّة لتنزّل المشيئة المطلقة للحقّ، وكلّ ما في هذه العوالم الربوبيّة هو وجود متنزّل للولاية. 

  • ما معنى بهم ملأت سماءك وأرضك؟

  • فإذن بوجود الأئمّة عليهم السلام «ملأت سماءك وأرضك»، فوجود جبرائيل الأمين هو بواسطة وجود خاتم الأنبياء، ووجود ميكائيل وإسرافيل وعزرائيل هو بواسطة وجود خاتم الأنبياء، وهؤلاء مرحلة نازلة لذلك الوجود المقدّس والمتعالي، وجميع عوالم الوجود هي مراتب وتعيّنات لوجود مقام الولاية المطلقة. فبهم ملأت سماءك وأرضك. فبواسطة وجود هؤلاء وبواسطة ولاية هؤلاء ملأت سماءك وأرضك حتّى ظهر ذلك التوحيد الذي كان في عالم العماء وبالصرافة وتلك الوحدة الحقّة الحقيقيّة وعالم الخفاء والظلمات، ظهر وتجلّى في عالم الثبوت والإثبات. فإذن يمكن أن نقول: إنّ الولاية هي العلّة والمبدأ لجميع التعيّنات في جميع العوالم الربوبيّة وعوالم الإمكان. 

  • هذه الولاية التي هي عبارة عن نزول مشيئة الله وظهور التوحيد هي ذلك الشيء الذي أودعه الله في وجود الإنسان. 

  • فهل تدركون ما هي الولاية؟! وهل تعلمون أصلاً ما هي الولاية؟! أنتم لا علم لكم بالإنسان الجالس إلى قربكم، وليس فقط أنتم، أنا أيضًا كذلك، فنحن لا علم لنا بظاهر الإنسان الواقف إلى جانبنا، فلو لبس قميصًا أو ثوبًا لما علم لون جلده، لا نعلم هل فيه عيوب أم لا، ولو ألقيتم على شيء أو فاكهة إلى جانبنا ستارًا رقيقًا من ميليمتر واحد لما علمنا تحتها تفّاح أم برتقال أم شيء آخر، ستار يحجب أبصارنا فهل نعلم بعد ذلك حقيقة هذه الفاكهة ما هي؟

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

7
  • هذا يرتبط بالظاهر، وأمّا في عوالم الربوبيّة والباطن فهل لدينا اطّلاع على حقيقة عالم المثال؟ هل لدينا اطّلاع على حقيقة عوالم الجبروت؟! هل لدينا اطّلاع على حقيقة جبرائيل؟ جبرائيل الذي تفيض جميع علوم الأوّلين والآخرين بواسطة إفاضته، فهل لدينا علم بما يجري هناك؟! وأعلى من جميع ذلك مقام الولاية الذي هو علّة لجميع عوالم الربوبيّة. 

  • لماذا يتكلّم في الولاية ويدّعيها وينسبها من لا علم له بها؟

  • ثمّ بعد ذلك لماذا يتحدّث البعض هكذا وبدون اطّلاع في هذه الأمور؟

  • قال: 

  • هر کسی از ظنّ خود شد یار من *** وز درون من نجست اسرار من۱
  • والمعنى: ظنّ كلّ امرء أن صار صديقي *** وهو لم يطّلع من داخلي على أسراري!

  • لماذا يتكلّمون حول هذه الأمور فيغوون الآخرين، ويسيرون في مقام البحث في طريق الإفراط، ويسبّبون للآخرين الشكّ والتشكيك والترديد فيما لا اطّلاع لهم عليه، ويضاعفون من متاعب الآخرين؟ فهذه أمور ليست في دائرة بحثي أنا وأمثالي، هذه الأمور أرفع. 

  • أنا الآن أعترف أمامكم أنّي رغم أنّي كنت قريبًا ومعاشرًا وكنت أرى الأمور عن كثب، لم أصل حتّى الآن إلى حقيقة الأمر ولم تكن لديّ معرفة بالأعاظم وليست لديّ معرفة بهم، فكيف يجرؤ الآخرون أن يبدوا رأيهم ويجرّوا الأمر إلى هنا وهناك ويسبّبوا الشكّ والترديد؟! فماذا رأينا نحن في الاستقامة والاعتدال من سوء حتّى نسلك طريق الإفراط؟! كلّ إفراط يؤدّي إلى تفريط، وكلّ إفراط يسبّب هبوطًا! فما الداعي لأن يشوّه الإنسان أمرًا حقيقيًّا صالحًا وصحيحًا ويوجد فيه التشويش والكدورة؟! 

  • في السنة القادمة في مثل هذا اليوم نبّهت بعض الأفراد وقلت لهم أن يكفّوا عن هذه الأمور ولا يبدوا آراءهم الخاصّة، ويتركوا الأمور تسير في مجراها الطبيعيّ، ولكنّهم لم يقبلوا ورأيتم ماذا حصل! 

  • واليوم أيضًا في مثل هذا اليوم أنبّه جميع الرفقاء أن لا يتحدّثوا فيما ليس في عهدتهم ولا يدخلوا في الأمور التي تحتاج إلى فنّ وتخصّص، وكلّ إنسان يهتمّ في أموره الخاصّة، وفي غير هذه الصورة فإنّ الضرر سيصيبهم هم أنفسهم كما سيوقعون الآخرين في الشكّ والترديد. 

    1. مثنوی معنوی (میرخانی)، دفتر اول، ص ١.

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

8
  • إنّ مسألة الولاية ليست هكذا، ومسألة الولاية ليست بالأمر السهل! والكلام في الولاية ليس بهذه السهولة! ففي النهاية نحن لدينا عمل وحياة، فليذهب كلّ إنسان إلى عمله وإلى أبحاثه! ما الداعي لأن يدخل الإنسان في هذه الأمور؟! فهذا المقام مقام التوحيد، وهذه الأعمال بمثابة التلاعب بذنب الأسد!

  • نحن بهذه الألقاب التي نطلقها لسنا فقط لا نرفع أحدًا، بل نهبط بالأعاظم! علينا أن نلتفت إلى أنّ مقام ولاية الإمام سلام الله عليه حاكم وناظر على جميع الأحداث ومراقب لها. أفهل نسينا إمام الزمان بقيّة الله عليه السلام؟ أليس لدينا إمام؟ ما الداعي إلى أن ننحّيه جانبًا؟!

  • طريقنا واضح وصحيح، نحن هنا ليس لدينا ادّعاء، نحن هنا ليس لدينا دكّان وخطط، ولا يمكن للإنسان أن يستفيد من أمور باطلة لإثبات أمر ما وأن يكذب ليثبت أمرًا ما. 

  • هناك راو وضع روايات حول قراءة سور القرآن المائة و الأربعة عشر، مثلاً من قرأ هذه السورة فله كذا من الثواب. فواجهه أحد الأعاظم وقال له: أنا لم أرَ شيئًا من هذا القبيل فمن أين نقلت هذا؟ فقال: عندما رأيت الناس لا تهتمّ بقراءة القرآن جعلت رواية الثواب وأنّ من قرأ هذه السورة فله كذا من الحور العين ومن قرأ تلك السورة أعطي كذا من الجنّات والأنهار. 

  • يجب أن يقال له: فهل أنت وكيل على الناس؟! إن قرأ الناس القرآن فجيّد، وإن لم يقرؤوا فشأنهم، وللنّاس ربّ. 

  • على الإنسان أن يبيّن ما له يقين به، فماذا نجني نحن من الاحتمال؟! علينا أن لا ننظر إلى المظهَر، هذا خلاف التوحيد! علينا أن ننظر إلى الظهور، لا إلى المظهَر! 

  • لماذا طرد الشيطان عند الله؟

  • لماذا طرد الشيطان من عند الله؟ لأنّه نظر إلى المظهَر فقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}۱؛ لقد رجّح النار على الطين والتراب. لقد نظر إلى المظهر والحال أنّ ناريّة النار من أين جاءت؟ وترابيّة التراب من أين جاءت؟ أنت تنظر إلى المظهَر أم إلى المُظهِر؟ تنظر إلى المَظهر أم إلى الظهور؟

  • لماذا نحن نحدّ الولاية ونحصرها؟ ليس للولاية حدّ! إنّ موسى رغم يده البيضاء قد اضطرّ وكلّف أن يجثو بين يدي الخضر لأجل كمال نفسه ووصوله إلى المقام التربويّ الذي هو لازم ومقتضى لنبيّ من الأنبياء، فرغم أنّ له مقامًا ظاهريًّا وباطنيًّا ورغم أنّه صاحب كتاب، ولكنّ النقص الذي في طريقه لا يرتفع إلاّ بالتتلمذ عند الخضر! 

    1. سورة الأعراف (٧) الآیة ١٢؛ سورة ص (٣٨) الآیة ٧٦

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

9
  • إنّ جميع عوالم الوجود مرتبطة ومتّصلة بعضها ببعض، وهنا استقلّ الشيطان ونسب النعم الإلهيّة التي أنعمها الله عليه إلى نفسه وقال: {خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ} فنظر إلى المخلوق لا إلى الخالق، نظر إلى القابل لا إلى الفاعل، وهذا ما سبّب رفضه، لأنّ مقام غيرة الله لا يسمح. أنت بدلاً من أن تنظر إلى الفاعل والخالق وإليّ تنظر إلى هذه النار؟! بالنسبة إليّ أنا لا يختلف الأمر أبدًا، لو أردت أن أفضّل النار على التراب فالأمر سهل لديّ، ولو أردت أن أفضّل الهواء على النار وعلى الماء فالأمر سهل، فأنا الفاعل والخالق، ثمّ تأتي أنت وتنظر إلى هذا المخلوق والمعلول والوجود المتعيّن؟! على الإنسان أن لا ينظر إلى هذه الأمور! وهنا تقتضي غيرة الله أن تزيحه جانبًا. قال: 

  • فیض روح القدس ار باز مدد فرماید *** دیگران هم بکنند آنچه مسیحا می‌کرد۱
  • والمعنى: لو أنّ فيض روح القدس جاء ثانية *** لأمكن للآخرين أن يفعلوا أيضًا فعل المسيح

  • من أين جاء المسيح بتلك اليد البيضاء؟! من أين جاء المسيح بـ{وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ}٢

  • إنّه منذ أن خرج من بطن أمّه قال: {آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}٣، متى قام بشيء من نفسه في هذه الدنيا؟ متى بذل جهدًا في هذه الدنيا؟! عندما يخرج الإنسان من بطن أمّه لا يكون قد بذل جهدًا ولا قام بشيء بعد! {آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} تعني أنّ الله قد آتاني الكتاب من الآن. فماذا يمكن أن يتجلّى في هذه الدنيا سوى إفاضة الحقّ تعالى وعنايته؟ كلّ ما هناك هو منه. 

  • ضرورة الوحدة والألفة بين الرفقاء

  • لقد نسينا نحن هذه الأمور. ما هكذا علّمونا، بل علّمونا طريق التوحيد وطريق اللون الواحد وطريق الرفاقة، لا بدّ أن ترفع الاثنينيّة والكثرة من بين الرفقاء، وبدلاً منها لا بدّ من الاتّحاد والألفة والمحبّة والودّ. الجميع سواسية ولا فرق بينهم. من كانت لديه محبّة فمن أين جاء بها؟! {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ}٤؛ التأليف بين القلوب والاشتراك في المسير من أين جاء؟ أيّة ذات وأيّ فاعل أخذ بأيدينا من أماكن مختلفة وانتهى بنا إلى هذا المسير؟ هل فكّرنا في ذلك؟! لو لم تكن عناية الحقّ هذه لكنّا كسائر الناس! بماذا كنّا نختلف عنهم؟ لو لم تكن إفاضة الحقّ هذه لكنّا كالآخرين! نحن لسنا أرفع من فلان وفلان، ولكنّا نرى عاقبة أمرهم إلى أين انتهت، لأنّ هؤلاء اعتمدوا على أنفسهم ونظروا إلى المظهَر، في حين أنّ السلوك هو في النقطة المقابلة لهذا الطريق، السلوك هو النظر إلى الظهور والمُظهر، لا إلى المَظهر. 

    1. دیوان حافظ (قزوینی)، غزل ١٤٢.
    2. سورة آل عمران (٣) الآیة ٤٩.
    3. سورة مریم (١٩) الآیة ٣٠.
    4. سورة آل عمران (٣) الآیة ١٠٣.

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

10
  • نظر الأئمّة إلى الله المُظهر لا إلى المَظهر حتّى أنفسهم

  • انظروا إلى أدعية الأئمّة عليهم السلام هذه، ألم نكن نرى في أدعية الإمام السجّاد عليه السلام في ليالي شهر رمضان المبارك كم ينزل بنفسه رغم مقام عصمته؟! مقام العصمة الذي يمنع من صدور الذنب من الأئمّة عليهم السلام عقلاً، ولكنّه عندما يدعو في مقام الدعاء فيقول واقعًا: «أنا الّذی عَصیتُ جبّار السّماء، أنا الّذی أعطیتُ علیٰ معاصی الجلیلِ الرُّشی»۱.

  • أي إنّ الإمام يريد أن يقول: إلهي لولا عنايتك لكنت ذلك الإنسان الذي يبرّر ويؤوّل، ما لم تسنح لي الفرصة فإنّ رأيي بالأمور يختلف، ولكن إذا سنحت لي الفرصة فإنّي أترك أمور الماضي كلّها جانبًا، وبعد التبرير أعطي الرشوة حتّى على المعاصي الكبيرة، فأنا إنسان من هذا النوع.

  • ألسنا نحن هكذا؟! ألا ترون ذلك بأنفسكم؟! هل رأي من لا مقام له الآن يبقى كما هو إذا ما حصل على مقام ما؟!

  • قبل سنوات وفي زمان قيادة قائد الثورة الفقيد كنت أتكلّم مع عامّة الناس في مكان ما، فقلت لهم: 

  • لقد قال هو: كلّ إنسان في أيّ مقام كان إذا وجد من هو أفضل منه فإنّ واجبه الشرعيّ أن يتنحّى جانبًا ويجعله مكانه٢.

  • لقد قال هو ذلك وسمعناه جميعًا. قلت لهم: أسألكم سؤالاً: حتّى الآن حيث مضى على هذا الأمر عامان، دلّوني على إنسان واحد قال إنّ مقامي أدنى من مقام فلان! دلّوني على إنسان واحد سواء في هيئة الدولة، أو في المجلس، أو بين القضاة، أو في الدوائر الحكوميّة، أو في سائر الأماكن وصولاً إلى أرفعها، فهذا الإنسان الذي يشغل هذا المنصب والمقام هل يرى نفسه واقعًا أرفع من جميع الناس في إيران؟! هذا أمر مضحك؟ هذا الأمر سببه أنّ الإنسان يتغيّر. لم يكن على هذه الحالة قبل ذلك، ولكنّه إذا وصل إلى المقام والموقع تغيّرت أفكاره، سيطرت عليه لذّة المقام والرئاسة وبدأ بالتبرير وقال: إذا ذهبت أنا ساءت الأمور أكثر، لو لم أكن أنا لحصل كذا وكذا! وأشباه هذا الكلام الذي يصدر من الجميع، والحال أنّي أقسم بروحه الشريفة أنّه يكذب! انظروا إليه ماذا يقول إذا ما عزل! لماذا لم يكن يقول ذلك قبل أن يعزل؟! لو رجع إلى نفسه لأدرك لماذا لم يكن يقول ذلك فيما سبق! 

    1. مصباح المتهجد، ج ٢، ص ٥٨٩، فقرة من دعاء أبي حمزة الثمالي الشريف.
    2. راجع صحیفه امام، ج ١٩، ص ١٥٧.

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

11
  • لقد جعل الله تعالى لنا قاضيًا باطنيًّا، ونحن بأنفسنا نعلم في أيّة حالة نحن! لماذا لا نتحدّث بيقين؟! لماذا نتحدّث بالشكّ والاحتمال؟! ولماذا نغلق طريق الناس؟! السلوك يعني التوحيد، السلوك يعني حذف الأنانيّات وحذف الإنيّات! هذا هو معنى السلوك.

  • أول رسالة أبلغها النبيّ الأكرم كانت رسالة التوحيد وقام بتطبيقها عمليًّا أيضًا. ففي الآية الشريفة: {وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ}۱، جمع النبيّ أقاربه كافّة، والجلسة الأولى لم تنجح، ولكنّه في الجلسة الثانية قال: «أيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيّي و خليفتي فيكم»؟ فأحجم القوم عنها جميعاً حتّى قام أمير المؤمنين وقال: «أنا يا نبيّ الله! أكون وزيرك عليه»‌.

  • حقیقة مقام الوصاية

  • ففي النهاية مقام وزارة النبيّ الأكرم ليس بالمقام اليسير، مقام الوصاية ليس مقامًا سهلاً! أتدرون ماذا فعل أمير المؤمنين؟ لقد كان يقوم بعمل النبيّ من بعده، فكما كان النبيّ يشقّ القمر كان هو يفعل ذلك أيضًا، وكما كان النبيّ يحيي الموتى كان هو يفعل ذلك أيضًا، هذا هو الوصيّ. معنى ليكون وصيًّا من بعدي هو هذا، إنّه أمير المؤمنين عليه السلام.

  • فهذه الأمانة وديعة لم يقبلها أحد، جلس الجميع ولم يتمكّنوا من قبولها، لم يقم إلا أمير المؤمنين عليه السلام والذي كان فتى في الثالثة عشرة من عمره، فهذا الأمر كان يدركه فتى في الثالثة عشرة من عمره آنذاك، والآن الكلام هو في أنّه بعد أن قام الإمام خاطب النبيّ الآخرين: فاسمعوا له وأطيعوا. عليكم جميعًا أن تسمعوا لهذا الفتى ابن الثالثة عشرة وتطيعوا له. فأوّل خطوة قام بها النبيّ هي رفض المظاهر، قال لا تنظروا إلى أنّ هذا طفل الآن، عليكم أن تنظروا إلى المُظهر ولا تنظروا إلى المَظهر! لذلك سخروا من أبيه أبي طالب وقالوا: إنّه يأمرك أن تطيع ابنك.٢

  • ليست القضيّة قضيّة ابن أو أخ أو عمّ أو خال! المقام هنا مقام الظهور ولا يختلف الأمر. هل على الإنسان أن يقول: بما أنّ هذه الطاعة هي لأخي فعليّ أن لا أطيع؟! من هو الأخ؟! هل على الإنسان أن يقول: لأنّ هذه الطاعة الواجبة هي لرفيقي فلن ألتزم بها؟! لقد كان هذا الرفيق حتّى هذه اللحظة معنا والآن علينا أن نطيعه؟! لقد كنّا نذهب سويًّا إلى المرحوم كذا، لقد كنّا نجلس سويًّا على سفرة واحدة، كنّا نقوم معًا بتلك الأعمال، فما هذا الكلام؟! لقد تجلّى فيه ظهور الله وانتهى الأمر، فلماذا تنظر إلى المَظهر؟! فالسلوك في حقيقته هو رفض المظاهر، السلوك يعني تنحية الصور، السلوك يعني نفي جميع التعيّنات والنظر إلى الظهور، السلوك يعني رؤية التوحيد، لا رؤية التعيّن ولا القالب والصور. 

    1. سورة الشعراء (٢٦) الآیة ٢١٤. 
    2. معرفة الإمام، ج‌۱، ص: ٩٤.

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

12
  • الخطوة الأولى التي قام بها النبيّ الأكرم كانت هذه، قال: الإسلام يعني التوحيد، الإسلام يعني السلوك، والإسلام يعني نفي جميع التعيّنات. إن كان هناك ظهور قد تجلّى في هذا المَظهر فعلى الجميع أن يتّبعوه من الشيخ ابن السبعين سنة إلى الشاب ابن العشرين سنة. فهل كان أمير المؤمنين يرى ذلك من نفسه؟ أقسم بذاته الشريفة أنّه لم يكن يرى ذلك من نفسه بمقدار ذرّة، لم يكن يرى تلك القابليّة من نفسه بمقدار ذرّة، بل كان يراها من الله، كان يراها منه حتّى صار وصيًّا، كان يراها منه حتّى صار وليًّا، وكان يراها منه حتّى صارت له القابليّة لحمل هذه الأمانة، كان يراها منه واقعًا. 

  • لذلك فإنّ الأئمّة عليهم السلام لم يكونوا في أدعيتهم ممثّلين، فهل كان ذلك البكاء الذي يجري من هذه العيون وتلك الآهات في جوف الليل لأجلنا نحن؟! عندما يبكي في جوف الليل فكيف يصل إلينا؟! فالأئمّة إذن كانوا يرون أنفسهم صفرًا واقعًا وما لم نكن صفرًا فلن تكون لنا قيمة واحترام واعتبار. 

  • في رحاب دعاء العيد

  • نقرأ في دعاء اليوم: 

  • «أسألك بحقِّ هذا الیومِ الّذی جَعلتَه للمُسلمینَ عیدًا و لمُحمّدٍ صلّی الله علیه و آله...»

  • الإمام عليه السلام يطلب من الله ثلاثة أمور: 

  • الأوّل

  • أن تصلّى على محمّد وآل محمّد

  • وهو أعلى مطلوب وأرفع دعاء فبالصلاة على النبيّ ونزول تجليّات الحقّ على الأئمّة عليهم السلام ينفتح الطريق وبعد أن انفتح صارت الأدعية مقبولة: 

  • الثاني

  • «وأن تدخلني في كلّ خير [أدخلت فيه محمّدًا وآل محمّد]»

  • فما هو ذلك الخير وفي أيّ خير أدخلت محمّدًا وآل محمّد؟ نحن إذ ندعو بهذا الدعاء لا بدّ أن يتسجيب الله لنا، فالله لا يقول للإنسان: ادع، ولكنّي لا أجيب. فالمقام الذي أعطيته للنبيّ أعطنا إيّاه نحن أيضًا واجعلنا جلساء مع رسولك. ما هو ذلك المقام؟ فقط أقول لكم إنّه ما لا يمكن تصوّر مقام أرفع منه، أن تكون جليسًا مع الرسول الأكرم ومع أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام والأولياء المقرّبين. 

  • الثالث

  • «و أن تُخرجَنی مِن کلِّ سوءٍ أخرجتَ منه محمّدًا و آل‌محمّدٍ صلواتُک علیه و علیهم أجمعینَ».

التوحيد والولاية حقيقة مستودعة في وجود الإنسان

13
  • أخرجنا من كلّ أنانيّة وشرك وجهل وسوء وقذارة ـ ولو كانت بمقدار رأس إبرة ولو طرفة عين ولو كلمح البصر ـ أخرجت منها محمّدًا وآل محمّد. وقد أخذت منهم جميع شوائب التعيّن فصاروا خالصين لك وحدك بغير شريك، فكما أخرجتهم أخرجنا من جميع هذه التعيّنات وجميع هذه الخطورات. وأمّا الذنوب فأمرها مختلف، أخرجنا من كلّ تلك اللحظات بل حتّى من لحظة واحدة تتنافى مع مقام ذاتك.

  • قال: «وإنّه ليغان على قلبي وإنّي لأستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرّة»۱

  • من خطور واحد وكل ما يبعدنا عن مقام ذاتك والاندكاك في مقام ذاتك بمقدار رأس إبرة، خلّصنا بحيث يتحوّل نحاس وجودنا إلى ذهب ليس فيه شيء سواه. لا يكون من عيار ثمانية عشر أو اثني عشر أو عشرين بل يكون ذهبًا خالصًا! 

  • «اللهمّ إنّي أسألك خير ما سألك عبادك الصالحون»

  • اللهمّ إنّي أسلك في هذا اليوم أن ترزقنا أفضل شيء رزقته لعبادك الصالحين. 

  • «وأعوذ بك ممّا استعاذ منه عبادك المخلصون»٢. 

  • اللهمّ اجعل عيديّتنا اليوم رفع جميع المضلاّت ورفع جميع الشكوك ورفع جميع الأمور التي تحول بيننا وبين الوصول إلى مقامك! 

  • اللهمّ اجعل عيديّتنا اليوم تحصيل رضاك في كلّ حال وفي كلّ سكون وقيام. 

  • اللهمّ اجعل عيديّتنا اليوم رضا أوليائك! 

  • اللهمّ لا تبعدنا عن أهل البيت وأوليائك في الدنيا والآخرة

  • اللهمّ أدم ظلّ العلماء الربّانيّين والأعاظم فوق رؤوسنا. 

  • اللهمّ أعزّ وأكرم القائد في حفظ وتأييد مباني الإسلام. 

  • اللهمّ عجّل في فرج إمام الزمان عليه السلام. 

  • اللهمّ اجعلنا من أنصاره وشيعته الحقيقيّين والذابّين عن حريم الولاية. 

  • اللهمّ شاف مرضى المسلمين وارحم موتاهم. 

  • إلى أرواح المؤمنين والمؤمنات ولتعجيل ظهور إمام الزمان عليه السلام ورفع البلاء عن المسلمين وشيعة أمير المؤمنين صلّوا على محمّد وآل محمّد ثلاثًا.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. مستدرك الوسائل، ج ٥، ص ٣٢٠.
    2. إقبال الأعمال، ج ١، ص ٢٨٩.