92

مشكلة النفس وعلاجها

7491
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالإنفاق و الإيثار

التاريخ 1424/06/17

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

ما هي النفس؟ وهل هناك معضلة أكبر منها؟ وما هو السبيل الصحيح لعلاجها؟ هل طريقة الملامتيّة بتحقير النفس صحيحة؟
كيف نستعدّ لشهر رجب وما بعده؟ وما هي الأعمال المهمّة فيه؟
تعالج المحاضرة هذه الموضوعات من خلال سيرة الأولياء ومواقفهم بالمقارنة بالمواقف الخاطئة لغيرهم.

/۲٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

مشكلة النفس وعلاجها

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • مشكلة النفس وعلاجها

  •  

  • شرح حديث عنوان البصريّ -٩٢

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

مشكلة النفس وعلاجها

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربِّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد

  • (اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد)

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • ما هي النفس من وجهة نظر سلوكيّة؟

  • بالنسبة للبحث السابق يبدو أنّ متابعته اليوم خير من الشروع في بحث جديد، حيث رأيت أنّ هناك بعض الأمور قد بقيت، ويمكن أن يؤدّي عدم الاهتمام بها إلى مخاطر لدى الإنسان. 

  • وكما هو معلوم لدى الرفقاء فإنّ طريق الوصول إلى معرفة الله والتخلّص من الحجب هو بواسطة العبور من النفس. والنفس تعني الاستقلال ورؤية الذات وفصلها عمّا حولها. وتطلق الأمور النفسيّة على الأمور التي يجعلها الناس في دائرتهم الخاصّة، ويمنعون الآخرين عن التدخّل فيها. 

  • يقولون: إنّ لفلان نفسًا، وإنّ فلانًا قد علق في نفسه، وفلان أعماله ناشئة من النفس، وفلان يعمل على أساس الأمور النفسيّة. أي إنّه في علاقاته مع الآخرين لا يرى إلا نفسه، ولا يرى الآخرين، يريد أن يتقدّم هو ولو تأخّر الآخرون، يريد أن يصل هو إلى المنفعة ولو خسر الآخرون، يريد أن يصل هو إلى مصلحة معيّنة ولو سقط الآخرون. فهذه هي النفس وهذه هي الأمور النفسيّة. 

  • إنّ من يخرج من بيته صباحًا ويسعى في طلب الرزق لو كان في ذهنه أنّ هذا العمل هو لأجل تحصيل الرزق وتحصيل المنفعة والوصول إلى نقطة من التجارة تؤدّي إلى تيسير أمور حياته، ومساعدة من حوله ورعاية مصالح الآخرين، فعمله هذا جيّد وجميل. أمّا لو لم يكن كذلك بل كان في فكره عندما يخرج من المنزل أن يصل أوّلاً قبل شريكه وزميله ورفيقه إلى تلك المعاملة، فإنّ هذا العمل يصبح شيطانيًّا، وإن كان من ناحية ظاهر الشرع لا إشكال فيه ومعاملته مباحة، ولكنّه من ناحية أخلاقيّة ونفسيّة عمل خاطئ. إن كان يريد أن يصل قبله ويحصد النتيجة قبله ويحرم الآخرين، فهذا العمل يصبح عملاً شيطانيًّا. 

  • إذا أراد أن يجذب إلى نفسه الزبائن والمراجعين بحيث لا يسمح لهم بالرجوع إلى غيره سواء في التجارة أو الطبابة أو غيرهما فهذا العمل شيطانيّ. 

مشكلة النفس وعلاجها

3
  • فمن يعمل لأجل الله وخدمة الناس إذا جاءه أحد وطلب منه بضاعة وكان هناك من يمتلك ما هو خير منها فعليه أن يقول له: اذهب إلى فلان فلديه ما هو أفضل والسعر أيضًا أفضل، أو أن يقول له: اذهب إلى فلان واعرض عليه أمرك ومرضك وحاجتك فهو أفضل منّي. أو يقول له: اسأل عن هذا الحكم غيري فهو أعلم وأفقه منّي. وهكذا في جميع مجالات الحياة والتجارة والتكليف والقيام بالأعمال اليوميّة. على السالك أن لا يكون هدفه جذب الناس إليه، بل عليه أن يرى نفسه واحدة من الحلقات الموجودة في النظام التربويّ والنظام العمليّ المعروف والنظام التكليفيّ. 

  • إذا كان الأمر هكذا فإنّ الإنسان يخرج شيئًا فشيئًا من وادي النفس ووادي الاستقلال والأنانيّة، ويتّصف شيئًا فشيئًا بصفات الربّانيّين بناء على تعبير بعض الروايات والأئمّة والأولياء.

  • هل أنت فريد زمانك؟ 

  • لقد تذكّرت الآن هذا الأمر، فقد كان المرحوم العلاّمة مريضًا في مستشفى مشهد، وأظنّ أنّه كان مبتلى بمشكلة في الكبد وكيس الصفراء، وأنّي كنت في خدمته، وكان هناك طبيب يعالجه، رحمة الله عليه، فقد انتقل إلى رحمة الله، وقد أسدى خدمات جليلة مع كامل المحبّة والعطف، وكان يدعى الدكتور منوتشهر اللاري، وقد نقل حادثة ترتبط به شخصيًّا، حيث لطف الله وخرج منها بسلامة ثمّ كان يقصّها على المرحوم العلاّمة ويقول: لقد شعرت أنّ الله أبقاني لأجل معالجة العباد وخدمتهم ومداواة أمراضهم، ولذلك فقد عافاني الله ووهبني عمرًا جديدًا، وبعد أن ذهب التفت إليّ المرحوم العلاّمة وقال: هل سمعت كلامه؟ فقلت: نعم. فقال: لكلامه وجهان: 

  • الوجه الأوّل: أنّ مراده أنّ الله تعالى وهبني عافية لأنّي في النهاية واحد من الناس يريد الله من خلالي كواسطة أن يهتمّ ببعض خلقه، فالطبيب على كلّ حال يعالج مرضًا ما في حدود قدرته وإمكاناته لا بشكل مطلق، وإلا لو كان الأمر بشكل مطلق لما مات أحد، ولتعطّل عزرائيل عن العمل، وعزرائيل لا يعطي مهنته إلى أحد، وجميعنا محدودون في دائرة معيّنة إذا جاء الوقت المعيّن وقضي القضاء صار الطبيب أبله كما يقال. فعندما ينزل القضاء والقدر الإلهيّ تتعطّل جميع العلل والأسباب ويصبح الجميع في وادي الهلاك لأنّ القضاء الإلهيّ قد جاء وفقدت هذه الواسطة وساطتها. ولذلك لم يتحدّ أحد حتّى الآن عزرائيل، ومهما كان الإنسان سواء كان عالمًا وفقيهًا، أو طبيبًا أو مهندسًا أو صاحب حرفة أو تاجرًا، فإنّه إذا انتهى الأمر إلى عزرائيل ارتفعت الأيدي استسلامًا واستسلم الجميع، وذلك لأنّ هناك يدًا عليا لا يمكن لأحد أن ينال منها، وعلينا أن نفكّر في تلك الساعة. على كلّ حال، فقد قال المرحوم العلاّمة إنّ هذا الكلام الذي قاله إمّا أن يكون بها النحو وأنّي واسطة من الوسائط يريد الله من خلالي أن يشفي بعض الناس فهذا وجه. 

مشكلة النفس وعلاجها

4
  • والوجه الآخر للأمر ليس كذلك، بل بمعنى أنّي إذا ما متّ حصلت خسارة كبيرة، إذا ما متّ تعطّلت الكثير من الأعمال، إذا ما متّ فيمكن أن يموت الكثير من المرضى، إذا ما متّ أنا فماذا سيجري؟! وقد أراد الله بسبب ذلك أن يحافظ عليّ ويحفظني حتّى لا يختلّ نظامه كما نعبّر نحن! وحتّى يصل خلقه إلى مأمن ولا يبقوا تائهين. 

  • ثمّ قال: إن كان الأوّل هو مراده فهو صحيح، وإن كان هذا الثاني فهو غلط وباطل. أمر واحد وعمل واحد قد تحقّق في الواقع، ولكن يمكن أن يكون لهذا العمل وجهان، وأن ينظر إليه بنظرتين. ومسائل النفس هذه كانت منذ خلق آدم وستبقى هكذا أيضًا. 

  • النفس أمّ المشاكل والأمراض والبلايا

  • إنّ كافّة المشاكل التي حصلت للنّاس سواء الاجتماعيّة أو الفرديّة والشخصيّة، سواء الفساد العام أو الفساد الخاصّ والفرديّ كلّه بسبب النفس هذه. وتأكيد الأعاظم الشديد وتأكيد الأنبياء وتأكيد الأولياء على العبور من النفس هو لأجل أنّها أمّ الأمراض والمرض الأساس الذي إذا ابتلي به الإنسان فلو كانت له ألف زينة وزينة لما كانت له قيمة، ولما ساوى مثقالاً واحدًا. والضرر الذي يسبّبه له هو أخطر من ضرر من يفتقد تلك الزينة ومن هو أدنى منه في امتلاكها. 

  • وهذه المسألة عجيبة جدًّا، وقد أكّد الجميع على هذا الأمر وأنّه ما هو الأمر الذي على السالك أن يفكّر به؟ وكيف يجب أن يفكّر؟ وطبعًا هذا الأمر مطروح ضمن منهج تربويّ عامّ سواء كان هذا الإنسان سالكًا أم لم يكن. 

  • إنّ المجتمع الذي يريد أن يتكامل يجب أن تكون فيه الأمور النفسيّة ضعيفة، وأن تكون رعاية المصالح العامّة فيه هي الحاكمة على نظام ذلك المجتمع، وهنا تتبدّل كثير من القضايا وكثير من قواعد علم الاجتماع، هناك تتغيّر مسائل علم الاجتماع وفلسفة الأحكام وفلسفة الفقه وفلسفة الحكومة على الخصوص حيث يجري عليها تغيير في أسسها وبنيتها التحتيّة. 

  • هذه المسألة جعلها الأعاظم والأئمة وأولياء الله على رأس الهرم لجميع الأمور الأخرى لأنّهم ينظرون إلى الحقيقة، وأمّا نحن، فحيث إنّنا بعيدون عن الحقيقة وننظر إلى الأمور من منظار الكثرة والدنيا، فقد جعلنا هذه المسألة في تلك النقطة من قاعدة المخروط، حيث اختلط الحابل بالنابل ولا يزال يختلط، وتبدّل كلّ شيء، فتغيّر الفقه، وتغيّر الحكم، وتغيّرت المسائل الولائيّة، وتغيّرت المسائل الحكوميّة، وتغيّرت الأمور الشخصيّة، والأمور العائليّة، وعلاقة الإنسان بأفراد الأسرة، فهذه مسألة يؤدّي الالتفات إليها والاهتمام بها إلى تغيير جذري في النظام الفكري للإنسان. وهذا أمر نادرًا ما يلتفت إليه، ونتائجه واضحة أيضًا.

مشكلة النفس وعلاجها

5
  • دور النفس في أحداث ما بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله

  • إذا ما أصيب أحد بهذا المرض الخطير المهلك والمفسد والجرثومة التي لا علاج لها، فلا يمكن أن يُصنع له شيء، حتّى النبيّ لا يمكنه أن يفعل له أيّ شيء! ألم يكونوا مع النبيّ؟! ألم يكونوا في زمان أمير المؤمنين؟! ألم يكونوا في عصور الأئمّة؟! لا أدري أين تحدّثت عن هذا الأمر فنحن نتكلّم حوله كثيرًا، فهذا الخليفة الثاني الذي غصب الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام! حسنًا لنسلّم بأنّك أخذت الخلافة من أمير المؤمنين وحكمت اثنتي عشرة سنة، وفي زمان أبي بكر كنت أنت المدبّر لكلّ شيء أيضًا، فهذا الأمر واضح، فالآن إذ تريد أن ترحل من الدنيا، الآن وأنت على فراش الموت تخطّط بطريقة لا تصل معها الخلافة إلى أمير المؤمنين مهما حصل! فما هو سبب ذلك وأصله؟! لقد جعل برنامجًا بشكل، لقد جعل شورى من خمسة وجعل الحقّ مع واحد معيّن، من كانت صفته كذا، المجموعة التي يكون فيها فلان، والآخرون يجب أن تضرب أعناقهم، فمن يمكنه أن يتكلّم بعد ذلك؟! فبما أنّك تترك الدنيا فلتترك هذه الأمّة وشأنها، فأثناء موتك ماذا تريد منهم أيضًا؟! الآن أنت تموت، ألم تقل أنت بنفس مرارًا: لولا عليّ لهلك عمر؟! ألم تقل أمام هؤلاء؟ ألم تقل لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن؟! 

  • فهذه كلمات يتكلّم بها أهل السنّة أنفسهم، هم أنفسهم يقولونها. فما دمت تقول هذا، فكيف تخطّط في احتضارك خطّة تجعل أمير المؤمنين غير قادر على الوصول إلى الخلافة بأيّ وجه من الوجوه؟! ما هو سبب ذلك؟! إنّه لأنّها مستقرّة في ذاتك بحيث لا يمكن اقتلاعها ولو استخدمت آلاف الآلات، لا يمكن اقتلاعها. والتعبير الذي يعبّر به عجيب جدًّا، يسألونه فيقولون: أنت الآن على فراش الموت وتعرف الحقّ مع من، فأوص إلى عليّ في النهاية! يقول: لا أحتمله حيًّا ولا ميّتًا. يا له من إنسان عجيب. يقول: لا أستطيع أن أرى عليًّا خليفة في حياتي وفي مماتي. يعني على الإنسان أن يستعيذ بالله واقعًا، عليه أن يلجأ إلى الله أن كيف يمكن أن يصل الإنسان إلى هذا المستوى؟! 

مشكلة النفس وعلاجها

6
  • كيف تمنع النفس من الاستعداد للموت؟

  • لقد رأيتم الكثيرين، وكثير من الناس ما داموا أحياء لا ينفقون، لا يساعدون الفقراء، لا يتصدّقون، وعندما يشرفون على الموت يرون أيديهم خالية فيوصون بالثلث، يقول: بما أنّه أريق زيت المصباح فلنعط ثلثه للفقراء ومجالس الإمام الحسين والتكايا والأمور الخيريّة والتبرّك. فكثيرون لا يقومون بعمل خير في حياتهم، ولكن عندما يشعرون أنّهم يموتون تحصل لديهم حالة من الرقّة على الأقلّ في ذلك الوقت فيقولون: افعلوا كذا، وافعلوا كذا، اصنعوا لهذا هذا العمل، ولفلان كذا. ولكنّ هذا الإنسان نفسه في حياته لا ينفق. لأنّ نفسه قد سيطرت عليه، شغلته، أزالت الموت من أمام عينيه، وإذا زال الموت من أمام عيني الإنسان فإنّه يصنع ما يشاء، فقد نُسي الموت، ولكن ما إن يرى أنّ الأمر جادّ وحقيقيّ والمرض في حالة تقدّم وجميع الوسائل لم تعد تنفع، والجميع أخبروه، يرى أنّ الأمر ليس كما يتوقّع، هناك حقيقة تتكوّن، وهناك أمر حقيقيّ يحصل، وهذا ليس فيه مزاح، لا معنى فيه لأن يقول اليوم وغدًا، وفجأة يرتفع النداء أن مات فلان، فالأمر يحدث شيئًا فشيئًا، وبما أنّه يحدث فَعليّ أن أفكّر، فيبدأ بتسديد قروضه الواحد تلو الآخر، لقد كنت تعلم أنّك ستموت فلماذا لم تسدّدها حتّى الآن؟! لماذا كذبت على الناس وقلت لا أملك المال لا أملك المال لا أملك المال؟! لماذا كذبت؟! لماذا تهاونت في تسديد الديون؟! لماذا كنت تغتاب الناس؟ والآن بما أنّك على فراش الموت تتّصل وتطلب المسامحة مرارًا من هذا ومن ذاك، سامحوني، ابرئوا ذمّتي، سامحوني، تقول الآية: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه...}۱ وهذه المسألة مشهودة لدى الجميع، أنا بنفسي رأيتها كرّات ومرّات، وأنتم أيضًا رأيتموها. فما دام الإنسان مشغولاً بالدنيا، ومشغولاً بلذّات الدنيا، ومشغولاً بالهوى، فإنّه يغفل عن المبادئ والقيم، وما إن يواجه أمرًا حقيقيًّا يزلزل وجوده ينتبه ويقول: سامحني يا فلان لقد ظلمتك! سامحني فقد اغتبتك، سامحني لقد تكلّمت عنك في يوم كذا، سامحني لقد صنعت كذا وكذا وكذا...

  • إن كان عليه دين لأحد أو قرض فإنّه يوصي الآخرين، سدّدوا عنّي هذا الدين، اطلبوا المسامحة من فلان... وبعد أن يقوم بذلك يرتاح وجدانه قليلاً، لقد طلبتُ المسامحة وسدّدت قروضي، فأنا الآن مرتاح. لقد استيقظ وجدانه في اللحظة الأخيرة، ليت هذه الراحة كانت لك طوال حياتك لوصلت إلى شيء! لو تحرّك الإنسان بهذه الراحة وهذا الوجدان المطمئنّ لرأى ماذا سيحصل! 

    1. سورة الأنعام، الآية ٢۸. 

مشكلة النفس وعلاجها

7
  • كيف تعالج مشكلة النفس الكبرى وما معنى "وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون"؟

  • ليت الإنسان يستعمل هذا التنافس مع الآخرين في هذا المجال، ليته كان يتنافس في هذه الأعمال، ألسنا نقرأ: وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون۱ في أدعية شهر رجب القادم؟

  • انظروا ماذا يقول الإمام السجّاد! لقد كان المرحوم العلاّمة إذا حلّ شهر رجب يتكلّم مع رفقائه وتلامذته، وكان غالبًا يردّد هذه الجملة كما أذكر: إن كان لا بدّ أن نتنافس في أمر ما ويتنافس الناس فلنتنافس في الطريق إلى الله، والتنافس في طريق الله يختلف عن التنافس في السوق، وعن التنافس في التجارة، وفي الحصول على الزبائن والمراجعين وفي الأحداث الخفيّة والأسرار. التنافس في طريق الله على حدّ تعبير الأعاظم هو تنافس في تلك الأمور التي تجعل الإنسان يتخلّى عن ذاته، سواء تحقّق ذلك في السوق أو في المنزل أو في أيّ مكان آخر. الذين هم بالبدار إليك يسارعون، فالإمام السجّاد عليه السلام يقول: إلهي ألحقني بالذين يتسابقون في الوصول إليك، لا أنّهم يصلّون أكثر، لا أنّهم يدعون أكثر، فهذا كلّه له أهميّته ولا أنّهم يستيقظون في الليل للتهجّد فهذا جيّد، مراد الإمام عليه السلام هو أن وفّقني للأمور التي تجعلني أخرج من نفسي، في تلك الأمور التي يمكن أن تحرّرني من نفسي وتجعلني أتّصل بك، هذا المعنى هو معنى البدار والمسابقة.

  • لدينا في إحدى الروايات أنّ أمرًا ما قد جرى بين الإمام الحسن المجتبى وسيّد الشهداء في أيّام خلافة أمير المؤمنين عليهم السلام على ما يبدو، وإن كان يحتمل أنّ هذه القضيّة بعينها وقعت في زمان إمامة وخلافة الإمام الحسن عليه السلام، فقد حدث أمر ما، ولم يكن بالمهمّ، فقد كان شأنًا داخليًّا، أمر معيّن، وربّما لم يكن بينهما، رأوا أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد لبس لباسًا، وأثناء ذهابه في الصباح، جاء أحد أصدقاء الإمام والذين هم على صلة به ـ لأنّ الأئمّة عليهم السلام كانت لهم مراتب في علاقاتهم، فقد كان بعضهم منافقين، وبعضهم من الناس العاديّين الذين يسلّمون عليهم، وبعضهم كانت علاقتهم بهم أقوى، وبعضهم كانوا يذهبون إلى منازلهم، وكان هناك خواصّ، بضعة من الخواص، محرم الأسرار، والتاريخ يحدّد من هم الذين كانوا يحيطون بالإمام السجّاد مثلاً، ومن هم الذين كانوا يحيطون بالإمام الحسن، وبالإمام سيّد الشهداء، أو بالإمام الرضا، فهذا أمر واضح من كيفيّة الأخبار وبيان الأخبار، حيث تتّضح حدود كلّ واحد منهم وكيفيّة علاقته بالإمام عليه السلام، فجاء واحد من هؤلاء وقال: إلى أين أنت ذاهب في هذا الصباح الباكر؟ من هؤلاء الذين هم كثيرو [الكلام والتدخّل!] فقال الإمام: أذهب إلى منزل أخي حيث حدث هذا الأمر، فإنّي أسرع إلى حلّه. فهل التفتّم؟ فأنا أريد أن أصل بسرعة قبل غيري لأنهي الأمر، وأكون من الذين ينطبق عليهم تعبير الإمام السجّاد عليه السلام: وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون. فالإنسان الذكيّ هو هذا. وهذه هي المبادرة والتنافس، لا كثرة الصلاة، ولا كثرة قراءة القرآن. 

    1. بحار الأنوار، ج٩۱، ص ۱٤۷. 

مشكلة النفس وعلاجها

8
  • السباق يعني أن تقوم بعمل يجعلك تخرج من نفسك وتسير في طريق رضاه، فإذا كان لا بدّ من القيام بعمل فقم به أنت قبل غيرك، وكثيرًا ما تكون هذه المبادرة أصعب، أليس لدينا ذلك فيما بيننا، فإذا ما حدث أمر بين اثنين نقول: ليأت هو ويعتذر! لماذا أذهب أنا؟ وذاك أيضًا يقول: فليأت هو ويعتذر لماذا أذهب أنا؟! هذا يقول: ليتّصل هو أوّلاً، وذاك يقول: ليتّصل هو أوّلاً. هذا يقول:... يجب أن يأتي من يأخذ بهذا وأن يأتي آخر ولا أدري ماذا يصنع لكي يلتقيا، فهذا الأمر موجود، موجود بين الجميع وبيننا نحن أيضًا. 

  • قصّة لقاء قائد القوّات الأمريكيّة ورئيس الجمهوريّة في اليابان بعد الحرب العالميّة الثانية

  • كنت أقرأ ذات يوم أمرًا أثار تعجّبي كثيرًا، فبعد الحرب العالميّة الثانية انتصرت أميريكا على اليابان، وبهزيمة اليابان انتهت الحرب العالميّة بشكل تلقائيّ، وكان من المقرّر أن يأتي رئيس جمهوريّة أميريكا آنذاك ـ وكان يدعى ترومان ـ إلى اليابان ويلتقي بذاك الجنرال الأمريكيّ قائد الجيش المنتصر في هذه الحرب، وكان قائدًا معروفًا، وعرف هذا القائد أيضًا بهذا اللقاء، وكان من المقرّر أن يأتي من مكان آخر ويكون لقاؤهما في نقطة معيّنة. فجاءت طائرة ذلك الجنرال الأمريكي من ناحية، وجاءت طائرة رئيس الجمهوريّة أيضًا من ناحية أخرى، فاتفقا فيما بينهما بواسطة العلاقات التي بينهما وبواسطة العمّال الذين لديهما أن يصلا بحيث لا تهبط إحدى الطائرتين قبل الأخرى، لأنّه لو هبط أحدهما قبل الأخرى لكان بحكم المستقبل له، فيكون مستقبلاً وذاك زائرًا له، وهذا خطأ، فمن جهة يقول رئيس الجمهوريّة: إنّ الدنيا كلّها تسير بأمري، فهو رئيس جمهوريّة أمريكا. فهم يقولون كلامًا كهذا في النهاية، مع غضّ النظر عن صوابيّة ذلك وخطئه، فهذا على عهدة المستمعين! فهم يقولون: الدنيا تسير وفق أمرنا وإرادتنا، ونحن نفعل ما نشاء، وعلى الجميع أن يطيعوا! وذاك الجنرال الأمريكيّ يقول: لقد كانت جميع الأعمال في عهدتي أنا! وأنت جلست هناك خلف الطاولة واقتصرت على إصدار الأوامر والقرارات، ونحن كنّا في الميدان وفعلنا ما فعلنا وعانينا...! فمن حقّي أن تستقبلني أنت وتصل قبلي، ويبدو أنّهم ذكروا أنّهما بقيا ٣٥ دقيقة في الطائرة يحلّقان فوق مطار اليابان، فلا هذا يهبط أولاً ولا ذاك! هذا يقول لذاك اهبط أنت، وذاك يقول لهذا: بل أنت اهبط أولاً، وقد غضب رئيس الجمهوريّة إلى درجة أنّه ما إن هبطت طائرته حتّى أمر بعزل ذاك الجنرال وأرسل به إلى منزله! 

مشكلة النفس وعلاجها

9
  • فانظروا! فهذه هي حقيقة الأمر، هذا يقول: أنا. وذاك يقول: أنا. هذا يقول: اهبط أولاً. وذاك يقول:... فهذا الأمر موجود في كلّ مكان، الآن نحن نضحك! كلاّ يا عزيزي فهذا الأمر موجود لدينا جميعًا، بلا مجاملة هي موجودة عندي وعندنا جميعًا. علينا أن نكون في الطريق، يجب أن نبذل الجهد ونسعى ونجاهد ولا مجاملة في الأمر في النهاية، فنحن نتكلّم كأصدقاء ولم نقرّر أن نخفي شيئًا في هذا المجلس، وأعتقد أنّ الرفقاء راضون بهذا. فهذه المسألة هي مسألة النفس. 

  • هل منهج الملامتيّة وكسر النفس بالأساليب المنفّرة صحيح؟

  • والنقطة التي كنت أودّ اليوم أن أؤكّد عليها هي أنّ هناك جماعة تدعى الملامتيّة، وهؤلاء كانوا منذ سالف الزمان، وهذه الفكرة مطروحة كنظريّة في علم النفس للقضاء على الاستقلال النفسيّ، وهي الآن مطروحة أيضًا، مطروحة في الدنيا. 

  • فهؤلاء من خلال قيامهم ببعض الأعمال غير المناسبة في نظر الناس يقومون بتحطيم شأن الإنسان في أعين الآخرين، فمثلاً لو كان هناك إنسان محترم جدًّا ووجيه وخلوق وأنيق فستكون حركاته وسكناته موضع اهتمام الناس، فافترضوا أنّه فجأة بدأ يقوم في مجلس ما ببعض الحركات البهلوانيّة ويركض من هنا إلى هناك ثمّ يرجع. فماذا تقولون عنه؟ تقولون: لقد ضرب على رأسه، لقد اختلّ! 

  • فهذه الأمور وأمثالها تسبّب تغيير نظرة الناس إليهم، وطبعًا لدينا حول هذا الكثير من الحكايات التي تشير إلى أنّ هؤلاء الناس يختارون هذا الطريق للقضاء على شؤونهم النفسيّة وأهوائهم وشخصيّتهم ونفوسهم، فيقومون بأعمال غير مقبولة عند الناس وغير مناسبة، يسيرون بين الناس بنحو يؤدّي إلى السخرية والاستهزاء بهم، ويُظهرون في كلامهم أحيانًا حالات عن أنفسهم تؤدّي إلى الاستهزاء بهم، كيلا تغلبهم النفس يومًا ما، ولا تسيطر عليهم، ولا تأنس بحال من الحالات، ولا تصاب بالغرور، فإذا أوشكتْ أن تغترّ قاموا بواحد من هذه الأعمال، فإذا ما انكسروا أمام الناس كان هذا الأمر بنفسه نوعًا من التنزّل النفسيّ وخسارة لهذه الآثار والنتائج غير المناسبة والتي تساعد على الغوص في الكثرات وفي النفس. 

  • هذا المنهج مرفوض من وجهة نظر الأعاظم؛ لأنّه بالالتفات إلى التعقيدات الموجودة في النفس والعقد الكثيرة الموجودة في زوايا نفوسنا، فهذه الطريقة ليست صحيحة؛ فهي وإن كان من جهة ما لها آثارها الإيجابيّة على الإنسان في مرحلة ما، ولكنّها من جهة أخرى تؤدّي إلى إفساد بعض طرق الكمال والتجرّد النفسيّ، وهذا أمر دقيق جدًّا وخطير. وهذا هو السبب في تنبيه الأعاظم دائمًا على أنّه: 

مشكلة النفس وعلاجها

10
  • بى پير مرو تو درخرابات‌***هر چند سكندر زمانى‌
  • يقول: لا تدخل إلى الخرابات ولا تسر في طريق الله بدون شيخ أستاذ وإن كنت إسكندر الزمان

  • أو كما يقول في مكان آخر: 

  • طى اين مرحله بى همرهى خضر مكن‌***ظلمات است بترس از خطر گمراهى‌
  • يقول: لا تطو هذه المرحلة بدون رفقة الخضر فإنّها ظلمات فاخش من خطر الضلال. 

  • أو كما يقول الإمام السجّاد عليه السلام: هلك من ليس له حكيم يرشده.۱ أي ضلّ من أراد أن يقوم بعمل ما من نفسه. فهذا الأمر يرجع إلى هذه النقطة، فالإنسان يقوم بعمل مستندًا إلى أفكاره الخاصّة، وعلى أساس طريقته في التفكير بين الناس، فيقوم بين الناس بعمل يهبط بمصالحه وبشخصيّته بينهم. وهذا الأمر خطير جدًّا، ولا يمكن لأيّ إنسان أن يقوم به بنفسه. 

  • لقد رسم الأعاظم لأجل العبور من هذه المرتبة طرقًا لا بدّ من سلوكها، لا سلوك طرق أخرى، فمن الممكن للإنسان بسبب هذا العمل أن يصبح في حالة من الحاجز النفسي بحيث تصبح هذه الحالة التي هو عليها حجابًا أعظم وأغلظ بمراتب ممّا لو لم يقم بهذا العمل، لأنّ النفس قبل أن ترد إلى هذه المرحلة لا تجربة لها، وتكون لا زالت صفحة خالية، ولكن إذا دخلت في ذلك وحصلت تلك الحالة من الشدّة والاستحكام وشعر بها في نفسه يتخيّل أنّه قد تجاوز عن نفسه. إنّه لا يدري أنّه قد وقع في نفس أقوى وابتلي بنفس أشدّ، فإذن على الإنسان أن لا يفعل ما يشاء من نفسه، وعليه أن يطرح الأمر على خبير، وهناك أمثلة عديدة لهذا الأمر، والأمثلة التي كنت اليوم أودّ أن أطرحها كثيرة ولكن سأصرف النظر عنها وأقتصر على واحد منها بسبب ضيق الوقت. 

  • أمثلة القضاء على النفس بالطرق الخاطئة

  • الممتنع عن تناول الطعام في الولائم العامّة

  • من الناس الذين كانوا في زمان المرحوم العلاّمة والذين ابتلوا بهذه الآفة وأرادوا أن يسيطروا على أنفسهم وعلى قواهم المدركة بواسطة القضاء على النفس، رجل يعرفه الكثيرون من الأصدقاء الذين كانوا في زمان المرحوم العلاّمة، لقد كان المرحوم العلاّمة يعطيه برنامجًا بطريقة معيّنة فيقوم به بطريقة أخرى، كان يقول له: قم بهذا العمل. فكان يقوم بأكثر منه من عند نفسه، كان يقول له: قل هذا بهذا المقدار، وكان هو يضاعفه ثلاثة أضعاف أو أربعة. كان يقول له: عليك أن تعمل وتكتسب لمعاشك، فكان وخلافًا لهذا البرنامج يجلس في بيته عادًّا العمل من لذّات النفس ومن خصوصيّاتها والدخول في الدنيا فلم يكن يعمل، وفي النتيجة كان يشتغل بالعبادات التي هي من عند نفسه. كانوا يقولون له: قم بهذا العمل المعيّن وكان هو واعتمادًا على تشخيصه الخاص يحاول تحقيق الأمر بطريق آخر، في حين أنّ هدف المرحوم العلاّمة هو أن يقوم به بنفسه لا أن يتحقّق بأيّ نحو من الأنحاء. 

    1. بحار الأنوار، ج۷٥، ص ۱٥٩.

مشكلة النفس وعلاجها

11
  • وذات يوم أعطاني المرحوم العلاّمة مبلغًا وقال: أعطه لفلان وقل له: أعطه لوالدتك. 

  • فأعطيته هذا المبلغ وقلت له: لقد أرسله فلان وقال أعطه لوالدتك، فإن شئت أخبرها أنّ فلان هو الذي أرسله وإن شئت فلا تخبرها، فهذا أمر آخر. 

  • ففكّر قليلاً وتأمّل وقال: خذه أنت وأعطه لوالدتي. 

  • فقلت: إنّ العلاّمة لم يقل لي ذلك... 

  • فقال: لا. هذا فيه مصلحة. 

  • فقلت: عجيب! إنّ فلانًا مع كونه في تلك المكانة لا يعرف المصلحة، وأنت تعرفها؟ 

  • فقال: ما أقوله أنا هو الصحيح! 

  • وفي النهاية وضعته أمامه وقلت إنّ العلاّمة قال أعطه، فافعل به ما شئت فإمّا أن تعطيه لها، وإمّا أن تلقيه في سطل المهملات، فأنا لست مسؤولاً عنه من الآن فصاعدًا! 

  • فسألني المرحوم العلاّمة: هل أعطيت المال لذاك الرجل؟ 

  • فقلت: نعم. 

  • فقال: وماذا قال لك؟ ـ وكأنّ كلّ شيء كان واضحًا لديه ـ فقلت: لقد قال كذا وكذا... 

  • فقال: عجيب عجيب! حسنًا لا بأس. 

  • هكذا حصل هكذا، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ هذا المسكين التعيس الحظ ابتلي بمجموعة من الكثرات النفسيّة والأنانيّة فكان يقوم بأعمال لا يستحسنها عرف العقلاء، لم يكن يستحسنها الناس، ولم يكونوا يرونها صحيحة. فمن الأمور التي كان يقوم بها أنّه في المجالس التي كان يدعى إليها كان يجلس إلى المائدة ولكن لا يتناول من الطعام، فكم هو قبيح هذا العمل! إنّ دعوة المؤمن إلى طعام من السنن، والناس في زمان الأئمّة وزمان النبيّ وزمان الأولياء كانوا يدعو بعضهم بعضًا، يدعون الأئمّة إلى منازلهم وكان الأئمّة يلبّون ويأكلون من طعامهم، والأئمّة أيضًا كانوا يدعون الناس، فهذه سنّة متداولة بين المسلمين، بين الشيعة. 

  • ذات يوم قريب الظهر، كان أمير المؤمنين يريد الذهاب إلى المسجد، وقبل أن يذهب رآه واحد من أصحابه فقال: يا عليّ تفضّل عند الظهر إلى بيتنا لنكون في خدمتك. فقال الإمام: حسنًا. ويبدو أنّ الإمام كان يقبل بكلّ سهولة وبساطة وبدون بطاقة دعوة واتّصال هاتفي وأمثال ذلك. نعم فقد كانت أعمال أمير المؤمنين عجيبة جدًّا، كانت عجيبة جدًّا. 

مشكلة النفس وعلاجها

12
  • فقال الإمام: نعم، ولكن بشروط ثلاثة: الأول أن لا يكون هناك أيّ تكلّف، فقال: حسنًا لن أتكلّف. الثاني: أن لا تأتي بشيء من الخارج، وجد بالموجود. والشرط الثالث: أن لا تحتفظ لنفسك بشيء تخفيه عنّي، فعليك أن تحضر كلّ ما هو في البيت. وطبعًا هذا الثالث كان ملاطفة ومزاحًا بلا شكّ. لأنّ الإمام كان يمازح كثيرًا، فالشرط الثالث أن لا تخفي عنّي شيئًا.۱ فهكذا كان دأب الأعاظم في هذا الموضوع. أمّا أن يصوم الإنسان أو لا يصوم ويجلس هكذا على الطعام وهو إنسان يهتمّ به الجميع وينظرون إليه أن هل هذا الطعام مشتبه؟! ما المشكلة في هذا الطعام؟ فيخجل صاحب الدار ويقول في نفسه: لا قدّر الله أن يكون في طعامي إشكال بحيث امتنعتم عن تناوله؟!

  • فانظروا هذا عمل كلّ الحاضرين يدينونه، ويقولون هذا قبيح، هذه إساءة إلى صاحب الدار وتقليل من احترامه. لقد شهدت بنفسي لمرّات أنّ صاحب الدار قد خجل كثيرًا وأحرج عند حضور هذا الرجل في بعض المجالس ـ هذا فضلاً عن مجالس منزل المرحوم العلاّمة فقد كان يفعل ذلك أيضًا فيها ـ وكان الأمر صعبًا جدًّا عليه. حسنًا فإن كنت لا تريد أن تأكل فلا تأت من البداية! قل من البداية أنا لا آكل ولا آتي، أمّا أن تقبل الدعوة وتأتي وتجلس ولا تأكل فهذا ليس صحيحًا، ليس صحيحًا أن يؤذي الإنسان صاحب الدار هكذا ويزعجه، ونحن لدينا الكثير من القصص والحكايات والروايات حول حفظ كرامة المؤمن ورعاية شأنه وكرامته، حتّى إنّه لدينا في الرواية أنّك إن كنت صائمًا استحبابًا وذهبت إلى بيت صديقك ودعأك فأفطر وتناول الطعام بل حتّى صوم القضاء إن لم يكن وقته مضيّقًا فمن الأفضل أن يفطر الإنسان وطبعًا هذا قبل الظهر. 

  • فاحترام المؤمن ورعاية حاله إلى هذا الحدّ مهمّ، فأنت لأجل من تصوم؟ تريد أن تصوم للّه، الله يقول عليك أن ترضي قلب المؤمن وثواب ذلك خير من ثواب ذلك الصيام. 

  • امتناع أحد القاجاريّين من تناول الطعام في دعوة عامّة وتأديب أحد الأولياء له

    1. بحار الأنوار، ج۷٢، ص ٤٥٦: قال الحارث: تدخل منزلي يا أمير المؤمنين؟ 
      فقال عليه السلام: على شرط أن لا تدخرني شيئًا مما في بيتك، ولا تكلف لي شيئا مما وراء بابك.
      قال: نعم. فدخل يتحرق ويحب أن يشتري له، وهو يظن أنه لا يجوز له. 
      حتى قال له أمير المؤمنين عليه السلام: (ما لك) يا حارث؟ 
      قال: هذه دارهم معي ولست أقدر على أن أشتري لك ما أريد. 
      قال: أو ليس قلت لك: لا تكلف ما وراء بابك، فهذه مما في بيتك.

مشكلة النفس وعلاجها

13
  • لقد كان المرحوم العلاّمة يقول: دعي أحد الأعاظم والأولياء في كرمانشاه إلى أحد الأعيان المعروفين في كرمانشاه، ويبدو أنّ هذا حدث في زمان فتح علي شاه. فأحد الأعاظم نسيت اسمه الآن كان قد أقام مائدة إفطار في شهر رمضان للوجهاء والعلماء والأعيان وحضر معهم ذلك الوليّ. وبدوره كان قد حضر بالمناسبة أحد القاجاريين من الأمراء الذين يحكمون تلك المنطقة، وما إن أراد هذا الأمير أن يتناول الأرزّ رأى فيه فضلة، ربّما كانت فضلة فأر أو مثلاً شيئًا آخر، لم يكن معلومًا أنّها لفئر أو لغيره، فلمّا رآها بدأ بالصراخ، لماذا لا تنظرون؟! فأشار إليه ذلك الوليّ أن تناول طعامك، تناول طعامك! فقال: إنّ فيه فضلة فأر، قال: حسنًا ألا تريد أن تأكل؟! فلتأكل الآن الخبز أو شيئًا آخر، لماذا تصرخ وتثير الضجيج؟ فلم يبال بكلامه وبدأ بالصراخ أن لا تأكلوا أيّها الناس! هذا الطعام كلّه نجس، وكذا وكذا، وقد رأيت بعرة فأر فيه، ولم يهتمّوا فيه بالنظافة، وكذا وكذا... فامتنع الجميع عن تناول الطعام فقال: تعالوا وانظروا... فتأثّر صاحب الدار كثيرًا وأحرج. فانظروا كم هو قبيح هذا الأمر وسخيف وبعيد عن الأدب والإنسانيّة، لقد بذل هذا الرجل كلّ هذا الجهد ولم يكن الأمر باختياره، فذاك الطبّاخ لم يلتفت، وخرج الأمر عن يده، وهناك ألف علّة وعلّة يمكن أن تسبّب ذلك، فهل يأتي الإنسان ويهتك حرمة مؤمن؟ كم هو بعيد عن الإنسانيّة! كم هو بعيد عن الأدب والعادات والقيم الإنسانيّة ومبادئ أولياء الله! لقد امتنع الجميع عن الطعام، فانزعج ذلك الرجل الذي كان من الأولياء فقال: أيّها الناس إنّه يتكلّم هكذا، فلتأكلوا حلالاً طيّبًا لقد سقطت هذه البعرة من لحيته هو، وأخذ من لحيته بضع بعرات أخرى وأشار إليها وقال: هل تريدون أن أريكم أيضًا؟ فقالوا: يكفي فقد رأينا في النهاية. فقد بدأت لحية هذا الرجل تساقط بعرًا! قال: لقد كانت هذه البعرة من لحيته وسقطت هنا. فأخذ الناس يأكلون وافتضح هذا، فقال له: لقد قلت لك أيّها الأحمق الحقير كلْ ولا تبال، ولكنّي اضطررت أن أخرج من لحيتك البعر، فهل سررت الآن؟! هذا المنهج هو منهج الأولياء. 

مشكلة النفس وعلاجها

14
  • إنّ حفظ كرامة المؤمن وحفظ شأنه أمر لا يمكن أن يعادله شيء، والحكايات في هذا المجال لا نهاية لها. إن كان الرفقاء يذكرون قصّة السيّد مهدي بحر العلوم في مسجد الكوفة مع ذلك الرجل، كيف أخّر الصلاة نصف ساعة كيلا يكسر قلب ذلك الخادم، فقد نقلتُ هذه القصّة۱، وهناك قصص كثيرة قد نقلت حول ذلك. 

  • افترضوا أنّ رجلاً جاء وجلس جانبًا فأيّ حال يحصل له؟ ما هي الحالة التي يشعر بها؟ نفسه الآن في حالة تقول فيها: أنا الآن أنظر والجميع يأكلون وأنا لا آكل! آه فانظروا إليّ في أيّة حالة أنا! إنّه سعيد جدًّا. فأن يجلس جانبًا والجميع يأكل دونه يسبّب له لذّة خاصّة تفوق ما لو وضعوا أمامه ألف طائر مشويّ من أفخر الأنواع. هذا هو الخطر الذي يمكن أن يبتلى به الإنسان بسبب عدم طاعة الأستاذ، فمن الممكن أن يبتلى الإنسان بهذا البلاء العجيب، وأن يصل بواسطة هذا الخطر الكبير إلى حيث لا يمكن الخروج، وكان المرحوم العلاّمة أحيانًا يدعوه إلى بيته فكان يأتي ويجلس إلى الطعام وينظر إليه فقط، يا للعجب!!

  • لقد كنّا نتأذّى كثيرًا! فما معنى ذلك؟! حسنًا فإن شئت فلا تأت، فأنت لا داعي لأن تأتي، ما هذه الحالة؟! لقد أردت ذات يوم أن أصنع معه عين ما يصنع، فقد دعانا يومًا فقلت للمرحوم العلاّمة: إذا ذهبتُ إلى منزله فلن آكل. فقال: لا أصلاً لا داعي لأن تذهب، لا تبال بأعماله ولا تذهب. فقلت: لست مأذونًا بذلك. 

  • وكان قد حدث مرّة أمر ما، وأقيمت جلسة للصلح فأرسلني المرحوم العلاّمة إليه لأدعوه إليها، فذهبت، وفي الأثناء قال لي المرحوم العلاّمة: قل له تأتي بشرط أن تأكل، فإن كنت لا تأكل فلا تأت! بكلّ صراحة! فجئت إليه وتحدّثنا وضحكنا. وفي نهاية الجلسة أبلغته دعوة العلاّمة وتأكيده، فقلت له بعد بعض المقدّمات وأنّه لا بدّ من ملاحظة بعض الجوانب أمام الناس، وأنّ هذا الأمر يتلقّى في أعين الناس على أنّه خطأ، ويحملونه على بعض الأمور، فإن أمكن أن لا تسوّد وجهنا، فلبّ دعوتنا وتنزّل قليلاً عن مقامك المنيع، وكل لقمة مشتبهة الآن ثمّ بعد ذلك تصدّق على فقير بدلاً منها، فقلت له أمورًا من هذا القبيل ـ فلو سمحت تفضّل بشرط أن تتناول بضع لقيمات وإلاّ فإنّ مجيئك لن يكون محمودًا. وفجأة رأيت أنّه غاص في الفكر وقال: لا، لا أستطيع، ليس لديّ إجازة في أن آكل من أيّ مكان. فقلت: عجيب عجيب! لا بأس. 

    1. راجع: محاضرة عنوان البصري ٢٢، ص ٣. 

مشكلة النفس وعلاجها

15
  • فقلت له: أخبرني ممّن تأخذ أمرك؟ 

  • فقال: أنت بنفسك تعلم في النهاية ممّن آخذ الأوامر. 

  • فقلت: تقصد من إمام الزمان؟! 

  • فقال: نعم. 

  • فقلت: هل يمكن أن يسامحك إمام الزمان في هذه الجلسة ويأذن لك؟! فقد مازحته بذلك.

  • فغاص في الفكر وغاص وكأنّه في حال اتّصال مثلاً! لا أدري، لا أدري في أيّ حال كان فأنا لا علم لي، وبعد بضعة دقائق رفع رأسه وقال: كلاّ لم يسمح. 

  • فقلت: عجيب! ضع إمام الزمان هذا في إبريق واشرب ماءه! فإمام الزمان الذي يقول لك «اذهب إلى بيت شخص كهذا ولا تأكل»؛ ضعه في إبريق واشرب ماءه. ولأنّي قلت له هذا الكلام انتهى الأمر بيني وبينه. 

  • كيفيّة مشاركة السيّد الحدّاد في الوليمة مع عدم قدرته على تناول الطعام

  • حسنًا! إن كنت تريد أيّها الأحمق العزيز أن تسير خلف ذلك وأن يأمرك إمام الزمان الكاذب والمخادع هذا، فتعال إلى المجلس واجلس إلى الطعام، والتزم بواجبك من عدم تناول الطعام، وفي الوقت نفسه أخف هذا الظاهر غير اللائق، وتصرّف بطريقة لا يشعر معها أحد بهذا الأمر غير اللائق. وقد قرأت في أحد الكتب، والظاهر في الروح المجرّد، فراجعوا أنتم، وطبعًا لقد كنت حاضرًا في تلك الحادثة، حين جاء السيّد الحدّاد إلى إيران في أحد الأسفار وزار همدان، فقد كنت حاضرًا في أحد المجالس حيث لم يتناول السيّد الحدّاد شيئًا من الطعام، فحاله لم يكن يساعد على ذلك، ولكنّه كان يأخذ لقمة ويدنيها من فمه، ثمّ يعيدها ويتصرّف بطريقة ظنّ معها جميع الحاضرين بأنّه كان يأكل وأعتقد أنّ المرحوم العلاّمة ذكر ذلك في الروح المجرّد. فلينظر الرفقاء الآن، فهو أصلاً لا يمكنه، إن لم يتناول العشاء فقد كان يتناول الفطور، كان ذلك غالبًا في الليل فقط، أمّا عند الظهر فقد كان يأكل، وكذلك عند الفطور فقد كان يتناول فطورًا بسيطًا، ولكنّه في الليل لم يكن يأكل. 

  • فحاله هكذا، ولكن كان مؤدّبًا إلى درجة عالية، فكم هو إنسان فهيم وعاقل يقوم بعمله الخاص وفي الوقت نفسه لا يبدي أمام الناس ذلك المظهر الذي يثير في الأذهان بعض الأمور... فقد دعاه رجل، ودعا على شرفه كثيرين فهو فرح مسرور، ففي النهاية جاء الأولياء إلى منزله وإن لم يأكلوا فسيتأذّى، ومن جهة أخرى هو لا يمكن أن يأكل، لا يمكنه فماذا يصنع؟ وضعه لا يسمح أن يأكل... فأحيانًا يحدث ذلك، ربّما يكون إدراك ذلك صعبًا على كثير من الرفقاء، ولكن يمكن لهم أن يلتفتوا إليها في بعض الحالات حيث لا يتمكّن الإنسان من أكل حبّة قمح واحدة، حبّة واحدة لا يمكن أن تنزل من حلقومه. 

مشكلة النفس وعلاجها

16
  • ففي هذه الحالة ماذا يصنع؟ ماذا يصنع واقعًا هذا الإنسان؟ إن لم يأت وخرب المجلس كلّه فهذا غير ممكن، ومن جهة أخرى لو جاء وجلس جانبًا فهذا أيضًا غير مناسب. فهو يأتي بأدب وبأسلوب مناسب وبذكاء وحنكة فيتصرّف بطريقة بحيث يقول الجميع إنّه أكل، وهو يقول وكأنّ شيئًا لم يكن: جزاكم الله خيرًا إن شاء الله، بارك الله بكم، وكذا وكذا، ولكنّ البعض يعلمون أنّه لم يأكل، فهذا هو الفارق بين من يسير على هواه، وبين من يسير وفق نظر حكيم سالك. والكلام كثير حول هذا، كثير جدًّا، وعلى هذا الأساس فقد نهى الأعاظم بشدّة عن الاختراعات الشخصيّة لأجل تخلّص الإنسان من نفسه. 

  • الآثار الاجتماعيّة السيئة لطريقة الملامتيّة

  • والأمر الآخر المطروح هنا ـ وهو مهمّ جدًّا ـ هو أنّ الإنسان عند قيامه بهذا النوع من الأعمال لا يلتفت إلا إلى نفسه ومصالحه الخاصّة، ويريد بواسطة هذا العمل أن يصل إلى منفعة ويعبر عن مرتبة معيّنة، غير أنّه لا يلتفت إلى الضرر الناجم عنه والذي يصيب المجتمع والناس، فهل فكّر فيه؟! فماذا فكّر حول ذلك التفكير غير المناسب الذي أوجده عند الناس؟ ماذا فكّر حول ما يشعر به الناس تجاهه ويمكن أن يؤدّي إلى تشويش واضطراب؟ إذا خرج إنسان بشكل غير لائق فإنّ الأثر السيّئ الذي يصيب الذين يرونه هو من يتحمّله، وستحيط به تلك النتائج والعواقب، خصوصًا إذا كان منتسبًا إلى عظيم، وبواسطة انتسابه إليه جعل أعمال ذلك العظيم أو ذلك الوليّ للّه أو الإمام عليه السلام موضع إشكال، فليس الأمر مجرّد أمر شخصيّ، بحيث يقول أنا أقوم بهذا العمل بين الناس حتّى لا يقولوا لي: يا سيّد. كيلا يحترموني، كيلا ينسبوا إليّ قيمة نفسيّة معيّنة ويدخلوها إلى قلبي، حسنًا فهذا جانب من الأمر، وفي الجانب الآخر شيء آخر. 

  • الناس يعلمون أنّك منتسب، الناس يعلمون أنّك مرتبط، الناس يعلمون أنّ لك أحوالاً معيّنة هنا، فكيف سيحكمون؟! وكيف سيقيّمون هذا الأمر؟ ألن يقولوا هذا كلّه من الأوامر التي يتلقّاها من أستاذه؟ ألن يقولوا هذه هي الطريقة والأعمال التي يتلقّونها منه؟ أليس كذلك؟ فعليه أن يعدّ الجواب. 

مشكلة النفس وعلاجها

17
  • فهؤلاء الذين يريدون أن يخرجوا إلى الناس بأيّ لسان وبأيّ أحوال وبأي أفعال وبأيّ زيّ وبعبارة أخرى يريدون أن يكونوا لا أباليّين، ومن طريق اللاأباليّة يريدون أن يظهروا بمظهر أهل المراقبة، وبواسطة عدم الاهتمام بالقيم والمعايير والصفات يريدون ن يظهروا بمظهر المحاربين للنفس الأمّارة، فهؤلاء غافلون عن أنّ الله جعل لأجل ذلك طرقًا أخرى، فلماذا تنفذ من تحت هذه الطرق؟ إن كنت صادقًا فاسلك تلك الطرق الصحيحة لطيّ هذا الطريق واسلك لأجل العبور من النفس الطرق الصحيحة التي بيّنوها هم، ولا تعتمد اللاأباليّة والتفلّت من القيود والظهور بأيّ مظهر وبأيّ حال، فهذه أمور تسبّب الخطر من هذه الناحية، فتنعدم ثقتهم بسبب هذه الأعمال، وتتشوّه الصورة لديهم بسبب هذه الأعمال، وتنسدّ نوافذ قلوبهم بواسطة هذه الأعمال، وعواقب كلّ ذلك يتحمّلها هؤلاء الذين يظهرون أمام المجتمع بصورة غير لائقة. إنّ لكلّ إنسان زيّه الخاصّ، ولكلّ إنسان حسابه الخاصّ، وعلى المؤمن أن يكون متينًا، أن يكون ذا كرامة، أن يكون عزيزًا، أمّا أن أقوم بعمل يجعل اليهود والنصارى يقولون هذه أفعال المسلمين! فهل هذا صحيح؟! أن أقوم بعمل غير مبال بأيّ من المبادئ والقيم فيقول اليهود والنصارى أو غيرهم من الفرق هذه هي أعمالهم. فهل هذا صحيح؟! 

  • أن يشعر الإنسان أنّه يقف في موضع ثابت ويستند إلى مكان متين هل يكفي لأن يفعل ما يحلو له؟! يجعل القيم والمبادئ تحت قدميه، يغضّ النظر عن جميع العلاقات، يدوس على العهود والمواثيق ولا يعمل بتعهّداته، فهل هذا صحيح؟! لا يرتّب أيّ أثر على الكلام الذي يقال ويتكلّم كما يحلو له وبما يحلو له ولا يحمل أيّ نوع من المسؤوليّة أمام أعماله. كلّ ذلك هو من الأمور التي تجعل النفس تسير القهقرى خلافًا للتوحيد ولتلك الحركة التكامليّة الخاصّة به. فالأعاظم جعلوا طريقًا وهم يعلمون جيّدًا كيف يعمل الإنسان عملاً دون أن يكون له منه أغراض خاطئة. 

  • أمر المرحوم العلاّمة أحد الوجهاء برفع الأذان بصوته لمعالجة أمراضه القلبيّة

  • ذات يوم كان المرحوم العلاّمة في مسجد القائم وكان هناك رجل وجيه معتدّ بنفسه! وذات يوم حينما حلّ وقت الظهر قال المرحوم العلاّمة: اذهبوا إليه وقولوا له فليؤذّن على مكبّر الصوت. فانظروا ما هو الأذان؟ الآن نحن نعيب على أنفسنا أن نؤذّن، فإذا حلّ وقت الظهر وأردت أن أؤذّن أعدّ ذلك عيبًا، لماذا؟ لأنّا لم نجعل هذا العمل في الأذهان عامًّا للجميع بل خصصناه بفئة معيّنة، فلان مؤذّن، فإعلان الأذان شغل لإنسان معيّن. في حين أنّ هذا الرجل الآن له حسابه الخاصّ. إنّ الأذان عمل للجميع، وأمير المؤمنين عليه السلام عندما كان يأتي إلى المسجد كان يرفع بنفسه الأذان، فأمير المؤمنين بنفسه كان يؤذّن. وصوت أذان الإمام الحسن كان ينتشر في جميع أطراف الأحياء، لأنّ الإمام الحسن عليه السلام كان جميل الصوت جدًّا، كان صوته رائعًا، كان جذّابًا، صوته في الأذان وصوته في القرآن. 

مشكلة النفس وعلاجها

18
  • لدينا في الرواية أنّ الإمام الحسن عليه السلام عندما كان يقرأ القرآن كان يجتمع الناس حول الباب أو النافذة اللذين يتصاعد منهما صوته إلى الخارج، حتّى إنّ بعضهم ممّن كان يحمل قربة الماء يريد أن ينقله كان يقف ويقف حتّى تفرغ القربة ويذهب ماؤها والجميع مسحورون بصوت الإمام. من المستحبّ أن يقرأ الإنسان القرآن صباحًا بين الطلوعين بصوت عال، يستحب أن يؤذّن الإنسان، وكان المرحوم العلاّمة كلّ صباح يؤذّن بين الطلوعين عند طلوع الفجر، وجميع الرفقاء أيضًا قد سمعوا صوته، ثمّ بعد ذلك يصل الإنسان إلى مرحلة تجعله يتأذّى من رفعه للأذان، يشرع شيء ما بالغليان في قلبه، كان المرحوم العلاّمة يقول: قم وأذّن. فكنّا نرى لونه أحمر ويضغط على نفسه، وكان الأمر صعبًا عليه، فكنّا نساعده ونقول له: قم في النهاية لماذا تتأخّر؟ فكنّا نساعده ونشجّعه فيؤذّن، فإذا أذّن أوّل مرّة صار الأمر عليه أسهل في الثانية والثالثة والرابعة... فانظروا هذا أستاذ لم يقم بعمل باطل، ولا قام بعمل غير لائق بين الناس، ولم يأمره بشيء من تلك الأمور غير المناسبة، بل كان يأمر بنحو من الأنحاء. وهذا واحد من الموارد، وللمرحوم العلاّمة إلى ما شاء الله من هذه المواقف. 

  • إنّ طريقة الفهم والتدبير والإدارة من الأمور التي تسرّع كثيرًا في حركة الناس نحو الكمال، ولها تأثير عجيب جدًّا، أن كيف يمكن للإنسان أن يتعامل مع وليّ من أولياء الله؟ مع الإمام عليه السلام؟ يقول أمير المؤمنين عليه السلام حول رسول الله: طبيب دوّار بطبّه.۱ أي هو خبير بتمام معنى الكلمة، لا أنّه كان طبيبًا، طبيبًا من الأطبّاء المتعارفين، طبيبًا ظاهريًّا، بل هو طبيب للروح، الآن هذا الإنسان في أيّ حالة؟ ما هو العمل الذي ينبغي أن يصنع له؟ كان يصيب الهدف. الآن في أيّة حالة هو؟ وما هو الدواء النفسي الذي يجب أن يصنع له؟ أين هي مشكلته الآن وفي أيّة حالة هو متوقّف؟

  • إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله على حدّ تعبير أمير المؤمنين عليه السلام: طبيب دوّار بطبّه. وهو نفسه والأئمّة والأولياء، وبتعبيري أنا ذلك الوليّ الذي يمكنه أن يعمل بنحو يفوق بدقّته الجميع بحيث تكون أعماله الظاهرة منسجمة مع العرف والمعايير العقلائيّة والسيرة العقلائيّة، فهو أكثر كمالاً، ويمكنه في مرحلة البقاء أن يراعي حقّ الكثرة خيرًا من الآخرين، وهذا الأمر باد بوضوح في المرحوم العلاّمة. فقد كان يقوم بعمل لا هو في ظاهره باطل ولا هو يقضي على الإنسان في باطنه، ولا يبدو في الظاهر أيّ فارق، لا يبدو أيّ اختلاف، وهو نفسه كان يراعي هذا الأمر طوال حياته. 

    1. نهج البلاغة (عبده)، ج۱ ص ٢۰۷. 

مشكلة النفس وعلاجها

19
  • لقد كان تحت رعاية الأستاذ، وكان الطريق مفتوحًا أمامه، وكان يلتفت بنفسه. لقد كنّا نرى مرارًا، كنت طفلاً وكنت أرى أنّه يتحدّث في بعض المجالس مع أحدهم ولكن إذا انتهى الأمر إلى نقطة معيّنة فإنّه يترك الميدان لخصمه فيظنّ الناس أنّ كلام خصمه قد رجح، في حين أنّ الأمر كان واضحًا أمام الجميع بكلّ سهولة. الأمر واضح جدًّا بحيث لا يقبل المقايسة بينهما، وفي كثير من المجالس كنت بنفسي حاضرًا وكنت أرى أنّه إذا دار بينه وبين أخيه الأكبر بحث فإنّه في نهاية البحث كان يتوقّف فجأة، وليس ذلك في جميع الموارد، ففي بعضها كان يستمرّ، في الموارد التي يجب أن يتّضح فيها الأمر كان يستمرّ، ولكن في في كثير من الموارد التي يجري فيها الكلام ولا يختلف الحال بين إثباتها ونفيها ويكون الهدف إظهار الشأن والشخصيّة والعلم وأمثال ذلك، ولا يكون الأمر مهمًّا، فيظنّ الناس أنّ الأمر قد انتهى وأنّ الخصم قد ربح الجولة، وحينها تكون الحالات التي تحصل لدى الأفراد واضحة. وهنا يأتي: وألحقنا بعبادك الذين هم بالبدار إليك يسارعون. فالحالة التي يراها الإنسان هناك أن الحمد للّه لقد غلبنا، وازداد الوزن تقريبًا خمسًا وعشرين كيلوغرامًا. وفي المقابل فإنّ الحالة التي تحصل في الطرف الآخر هي إظهار البهاء، إظهار البهجة، إظهار نوع من التجرّد النفسيّ و... فكلّ ذلك كان واضحًا، وهذا ليس سحرًا بل هو حقائق. هكذا وبهذه الطريقة فإن كنت تريد أن تزيل نفسك فلذلك طريق، فلا تلق بنفسك في كلّ مهلكة، له طريق وقد بيّنوه والإنسان يدرك بنفسه أنّ هذا الطريق [هو الصحيح]، فليجلس وليتأمّل هل هناك أثر سيّء أم لا؟

  • أمر أحد الأعاظم أحد علماء النجف بجمع قشور البطّيخ من شوارعها لتربيته

  • كان هناك أحد الأعاظم ـ وطبعًا كان يمكن أن يتمّ هذا الأمر بطريق آخر ولكن على كلّ حال لم يكن الأمر مهمًّا جدًّا ـ جاءه أحد العلماء ليأخذ منه برنامجًا، فقال: حسنًا ـ والكلام للمرحوم العلاّمة ـ وكان في النجف فقال: لدينا هنا اثنان من الماعز لدينا غنمة وماعز، فلتحمل غدًا القفّة ولتجمع لهما قشور الشمّام والبطّيخ من أزقّة النجف. إنّه عالم من علماء النجف! أفيحمل القفّة ويسير في الشوارع...؟! في اليوم التالي انطلق وخبّأ قفّة تحت عباءته ـ ولا بدّ أنّها لم تكن مثل هذه العباءة شفّافة بل من العباءات الشتويّة وقد لبسها في الصيف! ثمّ بدأ بالتجوّل إلى أن وصل إلى موضع ألقيت فيه المهملات فنظر يمينًا ويسارًا وإلى الأعلى والأسفل فلمّا رأى أنّه لا أحد يراه وضع واحدة منها في القفّة ومضى، فلمّا انتهى وأراد أن يضع الأخيرة ويرجع فجأة جاء ذلك الرجل وقال له: أخفيتها تحت العباءة؟! لا فائدة من ذلك، فلمّا أراد أن يمسك بالأخيرة رأى أنّ هناك من يسلّم عليه من خلفه: السلام عليكم. فقال: وعليكم السلام. 

مشكلة النفس وعلاجها

20
  • ـ كلاّ! لقد خبأتها تحت العباءة، اذهب واحمل القفّة هكذا، أفرغها واذهب من جديد واحملها هكذا، فاذهب وتجوّل، لا فائدة منها هكذا، ولكنّ ذلك المسكين لم يفعل. فهذا عمل في نظره حقير إلى حدّ ما، ولكنّه ليس إلى ذلك الحدّ الذي يجعله غير مناسب، يقولون: إنّه يجمع قشور الشمّام، فهذا ليس بالأمر [المهمّ] ولكنّه في نظره [مهمّ]. 

  • ضرورة أن يكون أمر الخروج وشراء الأغراض أمرًا سهلاً على النفس

  • إلى أن يصل الأمر بالإنسان إلى حيث لا يتمكّن من شراء شيء لمنزله من الخارج، شراء الخبز، شراء كيلو من البصل، شراء اللوبياء والحمّص و... يصبح شاقًّا على الإنسان، ويصير فيه مشكلة، فلا يراه الناس بعد ذلك إلاّ في السيّارة يأتي وينزل ثمّ يركب، لا يرى في فرن، ولا في بقّالة، ولا عند لحّام! فماذا حصل؟! 

  • ـ إنّ أعمالنا كثيرة جدًّا، نحن لا يمكننا أن نأتي إلى الخبّاز. 

  • ـ كلاّ يا سيّد لست هكذا، أنت تكذب! 

  • ـ الاهتمام بالأعمال لم يدع لنا مجالاً لهذه الأمور.

  • ـ كلاّ لست هكذا! ليس الأمر كذلك! 

  • لا قدّر الله للإنسان أن يتوقّف في هذه المرتبة، فلو أراد الإنسان لعبر ـ علينا أن نجمع البحث، لقد ذكرت اليوم ما كنت أودّ ذكره ـ لا قدّر الله أن يقع الإنسان في هذه الورطة، بحيث كلّما تقدّم أكثر غرق أكثر، وكلّما تقدّم أكثر منعته النفس عن الوصول إلى الحقيقة، يلفّ على نفسه كالشرنقة ويحاصرها ويحاصرها. فإذن عليه أن يفكّر من الآن! 

  • استقبال شهر رجب 

  • هذا شهر رجب يقترب، وهو شهر محترم جدًّا كما يعلم الرفقاء، والتأكيد الذي كان لدى الأعاظم حوله لتلاميذهم لم يكن لهم حتّى حول شهر شعبان وشهر رمضان، والتعابير التي كنّا نسمعها من الأعاظم حول فضيلة شهر رجب تعابير عجيبة لم نرها حتّى في شهر رمضان. 

  • لدينا في الرواية أنّ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: رجب شهر الله الأصمّ وشعبان شهري ورمضان شهر أمّتي. ۱

  • وحول خصوصيّات شهر رجب هناك أمور عجيبة جدًّا! الحالات فيه عجيبة، والأولياء والأعاظم كانوا إذا دخلوا في شهر رجب كانت لهم بيانات وإشارات، والحالات التي كانت لديهم كلّها تحكي عن أنّ الله تعالى له عناية خاصّة بهذا الشهر، وهناك خصوصيّة في هذا الشهر للخواصّ من عباده لا للجميع، فما هو للجميع هو في شهر رمضان الذي هو شهر المغفرة والرحمة ونزول البركات العاّمة للنّاس، ولكنّ للّه في شهر رجب آثارًا خاصّة لعباده الخواص. لذلك فإنّ المرحوم العلاّمة كان يقول: إنّ الأعاظم كانوا يعدّون أنفسهم لشهر رجب قبل شهور. 

    1. ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص ٥٤: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا إنّ رجبًا شهر الله الأصم وهو شهر عظيم، وإنما سمّى الأصم لأنه لا يقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً عند الله. وكان أهل الجاهلية يعظّمونه في جاهليّتها، فلما جاء الاسلام لم يزدد إلا تعظيمًا وفضلاً ألا إنّ رجبًا شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي ألا فمن صام من رجب يومًا إيمانًا واحتسابًا استوجب رضوان الله الأكبر وأطفى صومه في ذلك اليوم غضب الله وأغلق عنه بابًا من أبواب النار ، ولو أعطي ملء الأرض ذهبًا ما كان بأفضل من صومه ولا يستكمل له أجره بشئ من الدنيا دون الحسنات إذا أخلصه لله...

مشكلة النفس وعلاجها

21
  • ما هو الاستعداد لشهر رجب؟

  • ما هو الاستعداد للورود في شهر رجب؟ وما هو التهيؤ للدخول في شهر رجب؟ 

  • المراقبة

  • الاستعداد يعني المراقبة، المراقبة أكثر والاهتمام أكثر بما يبدو للإنسان أنّه مقرّب، كلّ إنسان ما يراه بحسب سعته هو، أن يقلّل من الكلام أو لا يقلّل، أن يقلّل من العلاقة مع الناس بأيّ طريقة. أن يكثر الإنسان من مجالسة الأصدقاء الذين يخرجونه أكثر فأكثر من المادّة والماديّات، أن يمتنع عن ورود الأفكار والتخيّلات إلى الذهن. فالإنسان إذا جلس جاءت الأفكار والتخيّلات من كلّ حدب وصوب، فليمنعها ولا يسمح لها بالمجيء. 

  • على الإنسان أن يرفع موانع الحركة من طريقه، يمكن أن تكون هناك أمور في المنزل أو خارجه إذا صادفها الإنسان سبّبت له الأفكار والخيال، وأبعدته عن الله، فعلى الإنسان أن يبعد تلك الموانع بحيث لا يراها أمام عينيه أصلاً. 

  • على الإنسان أن يترك القيام بالأعمال التي تمنعه من التوجّه إلى الله والتوجّه إلى النفس والغوص فيها، وتشتّته وتقوّي قوّته المتخيّلة وتجعل التخيّل عنده قويًّا. 

  • مطالعة أحوال الأولياء وشعرهم

  • وعليه أن يطالع حول أحوال الأعاظم، وأن يردّد أحيانًا شعر الأعاظم والأولياء ويتأمّل في معانيه، فيقرأ في كلّ يوم مثلاً بضعة أبيات من الشعر، مثلاً شعر شيخ شيراز [حافظ] وأن يطالع معناها في حدود سعته وقدرته، أو شعر مولانا رحمة الله عليهما، أو شعر الأولياء الآخرين والأعاظم الآخرين. فقراءة شعر هؤلاء تخرج الإنسان من عالم الكثرات هذا، والإنسان يدرك بنفسه هذا الأمر ويلتفت كيف أنّ الدخول في مطالعة أحوال الأعاظم ومطالعة هذا الشعر توجد في الإنسان هذه الحالة. 

  • زيارة المرضى والمقابر

  • زيارة المرضى وعيادتهم، الذهاب إلى المقابر مرّة في كلّ أسبوع وطلب المغفرة للموتى، ولا يكون ذلك عند الظهر والليل وأمثال ذلك، بل بين الطلوعين، فليذهب الإنسان بين الطلوعين إلى مقبرة، وليت لدينا مقبرة جيّدة! لقد صارت جميع المقابر الآن حدائق وبساتين وجنائن من الزهور، فهذه المقابر ليست لا تخرج الإنسان من الكثرة فحسب، بل تجعل الإنسان يلتفت إلى الكثرات وإلى الدنيا، ابحثوا عن مقبرة مثل مقبرة الحاج الشيخ في قم! فهذه المقبرة مقبرة، مقبرة وادي السلام، مقبرة الحاج الشيخ في قم، فنحن هنا لدينا، أمّا سائر الرفقاء الذين هم في محافظات أخرى فلا أدري أين يجب أن يذهبوا. ففي قم لدينا ما يكفي من المقابر الواردة في الروايات، فليس لدينا مشكلة. يجب أن تكون المقبرة مقبرة خالية من الأشجار، خالية من الورود والأزهار، إذا دخلها الإنسان تذكّر الموتى، تذكّر الآخرة، لا أن يأنس قلبه بأنّه قد تفتّحت على قبر عزيزه باقة من الورود، أو طلعت هذه الشجرة، فماذا تفيد عزيزه هذه الشجرة؟ وماذا تفيده هذه الوردة؟ إنّه الآن يحاسب على هذه الدنيا، وهذا مسرور لنبات الشجر والورد عند قبره، هل رأيتم؟! كلّ هذا خطأ، كلّ هذا مخالف للشرع، ومخالف لممشى الشرع. 

مشكلة النفس وعلاجها

22
  • لقد كان بإمكان رسول الله أن يقول وكان لديه لسان لأن يقول: ازرعوا الأشجار في مقبرة البقيع، وكان بإمكان الأئمّة أن يقولوا ازرعوا الأشجار جيّدًا في مقبرة البقيع أو في مكّة أو في الأماكن الأخرى، هل لديكم في رواية واحدة أنّ الإمام عليه السلام، الإمام السجّاد، الإمام الباقر، الإمام الرضا عليهم السلام قال لأحدهم: ازرعوا الأشجار في المقابر ليأنس الزائرون بأنّه قد زرعت فوق رأس عزيزهم الزهور، هل لدينا أم ليس لدينا؟! فإذن ما هذه الألاعيب التي نخترعها ونبتعد شيئًا فشيئًا عن طريق الحقّ وطريق الشريعة والطريق الذي قدّموه لنا؟ فنحن نبتعد. 

  • على الإنسان أن يذهب إلى مقبرة يهزّه النظر إليها، يجعله يرتجف، يجعله ينتبه: غدًا دورك! بعد غد دورك! اليوم هو لهذا وغدًا يأتون بجنازتك! ولا مزاح في الأمر. فنذهب ونجلس ساعة، نجلس نصف ساعة، كما قال المرحوم العلاّمة في كتابه، نقرأ فاتحة بدون أن نقرأ القرآن أو شيئًا آخر... نجلس نصف ساعة أو ساعة بسكوت، وهذا السكوت أكثر أثرًا في النفس من قراءة القرآن، ثمّ بعد ذلك لا بأس بقراءة سورة تبارك أو سورة يس يهدي ثوابها إليهم، المهمّ أن يكون لهذا أثر إيجابيّ في النفس. 

  • صلة الرحم

  • عيادة المرضى وصلة الرحم، يزور الإنسان رحمه، ينظر إن كان لديه مشكلة يحلّها، يذهب إلى زيارته، إن كانت هناك مشكلة بينه وبين أحد يسعى إلى حلّها، إن كان هناك أمر ما فليقدم هو بنفسه. هذا هو التهيّؤ، ثمّ بعد ذلك يدخل الإنسان في شهر رجب. كان المرحوم العلاّمة يقول: من الجيّد للإنسان أن يصوم ما استطاع استعدادًا للدخول إلى شهر رجب، وهذا الأمر يرتبط بشهر رجب وشعبان أيضًا، غاية الأمر أنّ هناك تأكيدًا أكثر على شهر رجب، ولكن لا بحيث يؤدّي إلى أن يغلبه الضعف، فإن كان في أيّام الصيف مثلاً مثل هذه الأيّام، إذا رأى أنّه إذا صام في الأسبوع يومين يكفيه ذلك، وإذا رأى أنّه يغلبه الضعف والعطش بسبب طول النهار بحيث يلقيه على الفراش، فلا يصم، فهذا ليس صحيحًا، أن يصوم كلّ يوم فهو أفضل، وإلا فهناك دعاء، هناك تسبيح في مفاتيح الجنان: "سبحان الإله الجليل سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان الأعزّ الأكرم، سبحان من لبس العزّ وهو له أهل" فليقرأ هذا التسبيح في اليوم مائة مرّة فإنّه ينال ثواب الصيام في ذلك اليوم. 

مشكلة النفس وعلاجها

23
  • قراءة الأدعية الخاصّة

  • ومن الأمور التي كان يؤكّد المرحوم العلاّمة على مراعاتها في شهر رجب قراءة أدعية رجب، فأدعيته عجيبة جدًّا، ومن الأفضل أن يقرأها الإنسان، وطبعًا لا أن يقرأها الإنسان دفعة واحدة، فمثلاً بعد صلاة الصبح يقرأ دعاء وبعد صلاة الظهر يقرأ آخر، وبعد صلاة المغرب يقرأ دعاء، فهناك عدّة أدعية يقرؤها الإنسان بالتناوب، ومن المفضّل أن يكون لديه كتاب مفاتيح الجنان مترحم بالنسبة للذين لا يحسنون العربيّة، لأنّ أدعية شهر رجب كالأدعية الأخرى... فجميع الأدعية هي كذلك، ففي شهر شعبان كذلك، فهل المناجاة الشعبانيّة لأمير المؤمنين فقيرة المضامين؟! 

  • لقد كنت بنفسي شاهدًا أنّ المرحوم العلاّمة عندما كان في طهران عندما كان يرجع من المسجد في كلّ ليلة كان يستمع إلى تسجيل لها كان قد سجّله له بعض أصدقائه على تلك الأشرطة الكبيرة التي كانت آنذاك، وفي ليالي رجب كان يستمع أدعية شهر رجب عندما يرجع ليلاً من المسجد، وقد كنت صغيرًا حينها، كنت طفلاً، كان عمري ما يقارب تسع أو عشر سنوات، ولا زلت أذكر هذه الذكريات، ففي كلّ ليلة من شهر رجب كان يصغي إلى بضعة أدعية كان قد سجّلها له، أو المناجاة الشعبانيّة في شهر شعبان، وكان يقضي ساعة أو أكثر بالتفكّر والتأمّل، ثمّ كان يأتي ليستريح، كان كذلك في ليالي الصيف. 

  • والتهجّد والاستيقاظ في الليل مهما تحدّثنا عنه في شهر رجب فهو قليل، فالخصوصيّات الموجودة في ليالي شهر رجب ليست موجودة في غيرها، ومن المفضّل أن يقضي الإنسان مقدارًا من الليل بالصلاة ومقدارًا بالتأمّل والتفكّر، يفكّر في نفسه، في وضعه، في مآله، في واقعه، يحاسب نفسه. 

  • وينبغي أن نهتمّ بالوصايا التي وصلتنا من المرحوم القاضي رضوان الله عليه، وطبعًا سيكون للرفقاء الاهتمام الكافي بذلك. 

  • نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لأن يقسم لنا من عناياته الأفضل والأكثر في هذه الأشهر المباركة الآتية. 

  • ليلة الرغائب

  • وهناك أمر نسيته وهو ليلة الجمعة الأولى من شهر رجب والتي يبدو أنّها هذه السنة على ما في التقويم ـ وطبعًا ليس المعيار هو التقويم بل الرؤية ولكن وفق ما كتب في التقويم ـ فإنّ يوم الجمعة هو أوّل يوم في رجب، فمن الأفضل أن يصوم الإنسان يوم الخميس ويصلّي صلاة ليلة الرغائب التي هي صلاة مهمّة جدًّا كان المرحوم العلاّمة يؤكّد عليها كثيرًا. 

مشكلة النفس وعلاجها

24
  • ومن الجدير بالذكر التنبيه على هذا الأمر وهو أنّ المرحوم العلاّمة كانت لديه شبهة حول ليلة الرغائب وهي أنّه كان يريد أن يفهمنا أنّ المستفاد من الروايات ـ هكذا ربّما يفهم، لم يكن يقول هذا الأمر على نحو الجزم، ونحن لم نسمع منه هذا الأمر بضرس قاطع، ولكنّه كان يقول: ـ ربّما يستفاد من الروايات أنّ المقصود من الصيام في يوم الخميس صيام يوم الخميس من شهر رجب لا الخميس الأخير من جمادى كما هو الحال في هذه السنة، وبناء على ذلك يستحقّ الأمر أن يجعل الرفقاء ليلة الجمعة القادمة أيضًا ليلة الرغائب من باب الاحتياط، فكم هو خير لنا! فما دام هناك مائدة تبسط، فليشارك الإنسان في مائدتين، ولو كنّا نقول ثلاثة لقال ثلاثة، لا نقل: لدينا عمل كثير، والسيّد يضيف إلى عملنا عملاً جديدًا، كلاّ فهذا هو طريق الأذكياء وديدنهم والذين يريدون أن يصلوا إلى شيء ما، فإنّهم قبل أن يقول السيّد شيئًا يسبقونه، لا أنّ الأمر يحتاج أن نتكلّم، وقد قلنا الآن، فمن الأفضل أن يقوم الإنسان في ليلة الجمعة الأخرى بأعمال ليلة الرغائب من باب الاحتياط.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد