المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةحقيقة الدنيا والشيطان
التاريخ 1425/02/19
التوضيح
في هذه المحاضرة الشريفة التي عقدها سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه لإكمال البحث عن فقرة «فَإذَا أَكْرَمَ اللَهُ الْعَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ هَانَ عَلَيهِ الدُّنْيا، وَإبْلِيسُ، وَالْخَلْقُ ...»، تحدّث بدايةً عن معنى هوان كلّ من الخلق والدنيا على الإنسان، ثمّ انتقل إلى الحديث عن فتنة الشيطان للإنسان وقصّته مع آدم وحوّاء عليهما السلام، مستعرضًا في ضمن ذلك مجموعة من الأبحاث الشيّقة؛ نظير عصمة الملائكة وعدم تنافيها مع قدرتهم على المعصية، ومسألة جنّة الاستعداد وجنّة الفعليّة؛ وبعد ذلك، بيّن رضوان الله تعالى عليه الأسلوب الذي اتّبعه الشيطان من أجل تزيين المعصية لآدم عليه السلام، مشيرًا إلى نماذج واقعيّة لهذه التزيينات والتسويلات، ليختم بحثه في الأخير بمسألة خروج المتوكّلين عن دائرة السيطرة الشيطانيّة.
هو العليم
حكاية آدم وحوّاء عليهما السلام مع الشيطان: دروس وعبر
شرح حديث عنوان البصريّ، المحاضرة ۱۰۰
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على نبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
«فَإذَا أَكْرَمَ اللَهُ الْعَبْدَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ هَانَ عَلَيهِ الدُّنْيا، وَإبْلِيسُ، وَالْخَلْقُ؛ وَلَايطْلُبُ الدُّنْيا تَكَاثُرًا وَتَفَاخُرًا، وَلَايطْلُبُ مَا عِنْدَ النَّاسِ عِزّا وَ عُلُوًّا، وَلَايدَعُ أَيامَهُ بَاطِلاً».
يقول الإمام الصادق عليه السلام لعنوان: هناك ثلاث مسائل إذا وفّق الله تعالى أحدًا، ووهبه إيّاها، فإنّ تلك الأمور ستحصل له؛ وأوّل تلك المسائل: ألاّ يشعر العبد بأيّة ملكيّة لما يمنحه إيّاه؛ وثانيها ألاّ يُدبّر أيّ تدبير لنفسه، بل يوكل شؤونه إلى الله، ويُرجّح الخير والمصلحة اللذين اختارهما تعالى له على الخير والمصلحة اللذين يُحدّدهما هو اعتمادًا على أهوائه وعلى الأمور التي يختلط صحيحها بسقيمها؛ إذ لو تمكّن الإنسان من تحديد أمر ما بشكل صحيح، فإنّ هذا التحديد والاختيار سيكون إلهيًّا من دون أيّ فارق؛ فإذا لجأ الإنسان إلى خلط مسألة معيّنة بالهوى والتعلّقات والمسائل الدنيويّة المصبوغة بالصبغة الإلهيّة، ثمّ جعلها طريقًا يمشي عليه، فلن توجد أيّة فائدة من ذلك، بل سيكون ذلك عبارة عن خليط؛ ولهذا، عليه أن يُفوضّ أموره إلى الله تعالى حقيقةً، ويوكل إليه شؤونه وتدبير هذه الشؤون؛ وأمّا المسألة الثالثة، فتتمثّل في أن تكون جملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه. فهذه مسائل ثلاث أمر الإمام عليه السلام العبد بالامتثال لها؛ وحينئذ، إن وفّق الله تعالى هذا العبد، وتحقّقت له تلك المسائل الثلاث، سينتج عن ذلك عدم تمكّن الدنيا والشيطان والناس من الوقوف بوجهه؛ فـ «هانَ عليه» تعني أنّ تلك الأمور ستضحى بالنسبة إليه يسيرة وذليلة، وستتضاءل عظمتها وجلالها وتتنزّل مكانتها؛ إذ يمتلك إبليس مكانة خاصّة، وإذا وفّقنا الله تعالى، سنعمد إلى الحديث مع الرفقاء والأحبّة قليلاً عن مكانة سماحة إبليس، حتّى يلتفتوا إلى أنّه لا يجب عليهم الاستهانة بهذا الموجود العظيم؛ لأنّه يتوفّر بحدّ ذاته على إمكانيّات خاصّة ويمشي وفق معايير محدّدة.
لكن، مع ذلك كلّه، فإنّ عظمة إبليس وجلاله ستصير بالنسبة إلى ذلك العبد هيّنة؛ أي أنّه سيتغلّب وينتصر عليه. والمسألة الأخرى أنّ الناس سيسقطون من عينيه ولن يقيم لهم وزنًا، وسيضحى لحساباتهم معنى آخر بالنسبة إليه، ويُصبح لتوقّعاتهم شكل آخر عنده، ويصير لأمانيهم ورغباتهم مفهوم مختلف لديه؛ فكأنّه يقف في هذا الطرف من القناة، والناس في ذلك الطرف، وكأنّه يقف في هذه الناحية من النهر، والناس في تلك الناحية؛ أجل، يبقى أنّه علينا أن نرى من هؤلاء الناس المعنيّين بالقول، وما هي توقّعاتهم؛ كما أنّنا وعدنا أيضًا في الجلسة السابقة بالحديث هذه المرّة عن سماحة إبليس؛ فله ـ في نهاية المطاف ـ حقّ في أعنقانا جميعًا؛ إذ لولاه، لما قامت لهذه الدنيا قائمة.
يقول الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: «لو عَقِل أهلُ الدنيا، لَخَربت الدنيا»۱؛ فلو صار كلّ الناس عقلاء، لخربت الدنيا، ولم يبق منها أيّ شيء. وعلى أيّ تقدير، فإنّ له [أي إبليس] حقّ كبير في أعناقنا جميعًا، وحقّ أكبر في أعناق السلاّك؛ وإذا وفّقنا الله تعالى، فإنّنا سنتحدّث عن هذه المسألة؛ ففي نهاية المطاف، لا ينبغي علينا...، كما أنّ الله تعالى لا يُحبّ أن نستلّ سيوفنا، وننهال عليه بالسوط، بل علينا أن نُداريه قليلاً، ونمدحه يسيرًا، فليس هذا بالأمر السيّء!!!
فإذا تذكّر الرفقاء والأحبّة، فإنّنا أشرنا في الجلسة السابقة إلى أنّ الإمام الصادق عليه السلام يُريد في هذه العبارة أن يذكر لعنوان مجموعة من المسائل: الأولى تتعلّق بالنتيجة التي ستؤول إليها تلك الأمور؛ أي [إيكال] التدبير إلى الله تعالى، وعدم الشعور بالملكيّة والتعلّق تجاه الممتلكات، كيفما كانت؛ فسواءً سجّلوا كلّ الأرض باسم الإنسان، أو سجّلوا باسمه لباسًا واحدًا وقميصًا واحدًا، فلن يُشكّل ذلك أيّ فارق بالنسبة للطريق والسير والسلوك والخروج من التعلّقات؛ أي أنّه لا توجد أيّة علاقة للزيادة والنقصان بهذه المسألة الواجبُ علينا الاهتمام بها والمقصودة من كلام الإمام الصادق عليه السلام؛ والمسألة الأخرى أنّه ينبغي على الإنسان قضاء أوقاته فيما يُرضي الله، والاهتمام بما أمره تعالى به أو مَنَعه وردعه عنه؛ فهذا ما يخصّ هذه المسألة.
معنى هوان الخلق على الإنسان
وأمّا بالنسبة للمسألة الأخرى، فإنّ الإمام وضع هذه الأمور الثلاثة إلى جانب بعضها، فما هو السبب في ذلك؟ فالأمر الأول هو الدنيا، والثاني هو إبليس والشيطان، والثالث هو الخلق؛ ومراده عليه السلام من الخلق ليس الباب والحائط، ولا الحيوانات، ولا حتّى الجنّ والملائكة؛ لأنّ كلّ واحد من هذه المخلوقات لها حسابها الخاصّ، ولا شأن لها بنا، فمراده من ذلك الناس، بل وليس أولئك الناس الذين لا علاقة لنا بهم بتاتًا؛ إذ ما هي العلاقة التي لنا بأولئك الذين يعيشون في تلك الناحية البعيدة من إفريقيا حتّى يأمرنا الإمام بتوخّي الحذر منهم؟! فنحن لا نراهم من الأساس، لكي نحذر منهم أو لا نحذر؛ وهكذا أيضًا بالنسبة للذين يُقيمون الآن في أمريكا، فما هي علاقتهم بنا نحن؟ فهم يعيشون حياتهم الخاصّة، ونحن نعيش حياتنا الخاصّة؛ ولهذا، فإنّ الإمام لا يُريد القول: هان عليه الناس الذين يُقيمون هناك! ونفس الشيء ينطبق على الناس الذين يُقيمون بأستراليا، فهم يعيشون حياتهم الخاصّة، ونحن لن نلتقي بهم، ولو مرّة واحدة في حياتنا، بل إنّ الإمام الصادق بنفسه لم يلتق بهم على ما يبدو؛ فلنفترض الآن أنّ الإمام الصادق يُبيّن هذه المسألة لعنوان في ضمن حدود تلك المدينة وذلك الحيّ الذي كان يعيشان فيه؛ وحينئذ، حينما يقول له: لن يعود الناس يمتلكون في عينيك تلك العظمة والمكانة والمنزلة، فما هو مراده من الناس؟ مراده هذا الجار بعينه، وهؤلاء الناس الذين يعيشون في هذا الزقاق وهذا الشارع، وهؤلاء الأهل والأقارب، وهؤلاء الناس الذين تربطه بهم علاقة، وليس أولئك الذين يقيمون في تلك الناحية من أمريكا؛ إذ ما هي علاقتنا بهم؟ فسواءً سببناهم أم لم نسبّهم، فإنّهم يعيشون حياتهم الخاصّة.
يقول الإمام: تعال لكي تهتمّ بنفسك، وتعالج أمراضك المستعصية في ضمن حدودك الشخصيّة، لا أن تذهب إلى هنا وهناك؛ فهل التفتّم إلى ما أريد قوله؟ فلا تنشغل بطرق هذا الباب وذلك الباب، بل تعال، وابحث عن العلاج داخل نطاق بيتك، لا أن تفرّ من هنا، وتذهب شمالاً، ويمينًا، وإلى فوق، وإلى تحت؛ إذ ما هي علاقة هذه الأمور بنا؟! وما هي علاقتنا بها؟! فأيّ كلام هذا؟! ابحث عن العلاج في نفس الغرفة التي تعيش فيها، وفي نفس السرير الذي تنام عليه، وفي نفس الكرسيّ الذي تجلس عليه، وفي نفس اللباس الذي ترتديه؛ فهناك ابحث عن العلاج؛ فمّمن تُريد أن تهرب؟ وإلى أين تُريد أن تذهب؟ وما هي الحقيقة التي تريد الفرار منها؟ بحيث نجدك تسعى إلى إبراز ذلك القالب المزيّف في لباس حقيقيّ! فممّن تريد الهروب؟ ومن هنا، حينما يقول الإمام: «هانَ عليه الخلقُ»، فما هو مراده عليه السلام ـ وانتبهوا فإنّنا بدأنا الاقتراب من فهم المسألة ـ من هؤلاء الخلق؟ مراده نحن أنفسنا؛ وهنا، نقتصر على "أنفسنا" هذه، إلى أن نرى ما هي الحدود التي تكتنف هذه الأنفس، وما هي المرتبة الوجوديّة الحاكمة على الإنسان.
حسنًا، فهذا ما يتعلّق بهذه المسألة، وهي مسألة مهمّة جدًّا، حيث نرى الإمام الصادق عليه السلام يضع الدنيا وإبليس والخلق في مصافّ بعضهم، ويقول: إنّهم يصيرون أذلاّء، ومن دون قيمة، ويفقدون أهمّيتهم، بحيث يُصبح الإنسان ينظر إليهم بنحو آخر؛ فينظر إلى إبليس بطريقة مغايرة؛ فإلى هذا الحين، كنّا ننظر إليه بطريقة معيّنة، وهي طريقة صحيحة في حدّ نفسها، لا أنّها خاطئة، بل ينبغي أن يكون الأمر بهذا النحو، غاية الأمر أنّ الإمام الصادق عليه السلام يُريد أن يرتقي بالمسألة إلى أعلى، ولا يُريدنا أن نتوقّف في مكان معيّن، ولا يودّ أن نجعل من إبليس صنمًا في مقابل الله تعالى، ونعكف على التواضع له؛ لأنّ تعظيم إبليس انحطاطٌ عن مقام العزّة والرفعة وعن تلك الرزانة وتلك الدرجة التي جعلها الله تعالى لي ولكم؛ فتعظيم إبليس عبارة عن تواضع وسجود أمام هذه الشخصيّة العظيمة والكبيرة؛ ولهذا، يقول الإمام الصادق: من يكون إبليس هذا، حتّى نعظّمه بهذا النحو؟! أجل، علينا أن نكون حذرين كما أخبرتكم سابقًا؛ وسنسعى لتناول هذه المسألة أيضًا هذا اليوم.
معنى هوان الدنيا على الإنسان
لكن، مع ذلك: «هَانَ عَلَيهِ»، حيث ستهون الدنيا في عين الإنسان، ولن تعود محاسنها بارزة أمامه، ولن تبقى أيّة جاذبيّة لتلك الأمور الفاتنة التي تجذب الآخرين إليها، فتُغرقهم في المهالك، وتُفنيهم، وتقضي على كافّة استعداداتهم الوجوديّة، لتجعلهم أجسادًا من دون روح، وأمواتًا من دون نفس، بل ستُصبح هذه الأمور باعثة على الضحك.
فلنفرض أنّ هناك طفلاً حاملاً في يده سيّارة، فيشحنها، فتتحرّك؛ فمهما قمت بالمناداة عليه، فإنّك تجد أنّ تركيزه منصبّ بأجمعه على هذه السيّارة، ولا يلتفت إلى أنّ أباه يُنادي عليه، ولا يعتني به؛ لماذا؟ لأنّ هذه السيّارة الميكانيكيّة قد استحوذت على كافّة وجوده؛ مع أنّها لا تتجاوز مقدارًا قليلاً جدًّا، حيث قد يبلغ سعرها خمسة أو عشرة تومانات لا أكثر؛ غاية الأمر أنّها جميلة؛ فحينما ينظر إليها، يرى أنّ لونها أحمر، وهي جميلة؛ وحينما تشحنها بهذا النحو، تتحرّك ـ ويا للعجب ـ إلى الأمام! فما أعجبها من سيّارة! ويا لها من سيّارة خارقة للعادة! فأنا لم أر نظيرًا لها؛ إذ حينما أضغط عليها، تتحرّك إلى الأمام؛ فما هو السرّ في ذلك؟ وهنا، مهما نادى أبوه عليه، وطلب منه المجيء لتناول الطعام، فإنّه لا يلتفت إليه؛ ومهما نادت أمّه عليه، فإنّه لا يعتني بها.. يا عزيزي، إنّ هذين هما اللذان أخرجاك إلى ساحة الوجود، وكبّراك، وأوصلاك إلى هذا العمر، وتحمّلا عنك أعباء الحياة! وأنا أدعوكم أن تتأمّلوا في هذه المسائل التي أعرضها عليكم واحدة واحدة، ولا أريد هنا أن أسرد لكم قصّة؛ فنحن أيضًا بهذا النحو! فتجد تلك السيّارة الميكانيكيّة تتحرّك، فيصبّ ذلك الطفل وجوده بأجمعه عليها، حيث يراها تتحرّك إلى الأمام، فيُسرّ بذلك، ويضحك، ويقول: يا للعجب، انظروا إليها، فقد تحرّكت مترين إلى الأمام، وها أنا ذا أضغط عليها أكثر، فتتحرّك هذه المرّة بمقدار مترين ونصف، فتجده يحصر كافّة وجوده في هذه السيّارة؛ وحينئذ، ألن ينتابكم الضحك من ذلك؟ وأنت أيّها الأب، ألن يعتريك الضحك منه؟ فحينما تنظر، ترى أنّ كلّ فكره وإحساسه وتعلّقه وأمنيّته ورغبته منحصر في ذلك، وأنّ الدنيا قد اختُصرت في هذه السيّارة؛ وحينئذ، لو قلت له: لقد وقع زلزال في مدينة "بم"، فتوفّي أربعون ألف إنسان، لقال لك: دعني أشحن سيّارتي لكي تتحرّك مترين إلى الأمام؛ ألن يقول ذلك؟ بلى، سيقول ذلك! لقد اندلعت حرب في الموضع الكذائيّ، وهم الآن يتعاركون، ويتقاتلون، ويفعلون كذا؛ سيقول: عليّ أن أرى كم ستتقدّم هذه السيّارة إلى الأمام. لقد صار هنا كذا، وهناك كذا... لن يأبه لذلك أبدًا!
لكنّك أنت، وبصفتك أبًا، وباعتبار أنّ فكرك أرقى، وتتوفّر على سعة وجوديّة أكبر منه، فما الذي ستفعله؟ سينتابك الضحك منه، وتدعه لشأنه؛ لكن، إذا رأيته يتجاوز الحدود، فإنّك تُمسك بيده، وتقول له: «يكفي لهذا الحدّ، ومن الآن فصاعدًا، عليك أن تأتي لتناول الطعام؛ لأنّك جائع؛ فهنا يكمن خطر، وهناك يترصّدك خطر»؛ وبدوره، فإنّه سيبدأ بالمراعاة؛ وأمّا إذا تركت هذا الطفل وشأنه، فإنّك ستصير مثله؛ وإلاّ، فأيّ فارق سيوجد بينكما؟ أيّ فارق؟ فلو فرضنا أنّ الطقس كان باردًا، وأراد السباحة في حوض الماء، هل ستتركه يفعل ذلك؟ لن تتركه. ولو فرضنا أنّه أحبّ أن يُلقي بنفسه من سطح المنزل؛ كأن يرى من الأعلى أنّ أحدهم أحضر بالونات لكي يبيعها، فيرغب فجأة في القفز لكي يُمسك بأحدها؛ فهذا هو حال الطفل؛ ولهذا، فإنّك تُحيط السطح بسياج، وتضع حاجزًا، حتّى لا يصير ذلك الطفل خاضعًا لإحساساته، ويتخلّى عن اختياره العقلانيّ ـ الذي لا يتوفّر عليه من الأساس ـ، فتتحكّم به تلك الإحساسات.. هذه هي الدنيا! حسنًا، فمن هم هؤلاء الذين يتوفّرون على هذه الأفكار والخصائص؟ إنّهم الغارقون في هذه الأمور الفاتنة، وفي هذه الخيالات، وفي هذه الأفهام؛ فتجد فكرهم وتعلّقهم مقتصرًا على ذلك.
فتنة الشيطان للإنسان وقصّته مع آدم وحوّاء عليهما السلام
تقول الآية القرآنيّة الشريفة عن إبليس: {يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}۱؛ أي: يا بني آدم، احذروا، وانتبهوا، لكيلا يخدعكم الشيطان، ويُلقي بكم في الفتنة؛ لأنّ {يَفْتِنَنَّكُمُ} تعني الإيقاع في الفتنة والامتحان الذي لا يُمكنكم أن تخرجوا منه مرفوعي الرأس؛ فهذا الذي يُقال له الفتنة؛ وهذا هو معنى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ...}٢؛ أي: احذروا لكيلا تقعوا في تلك الفتنة وذلك الامتحان اللذين يُحرقان الأخضر واليابس. {لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ} فلا يأتي زمان، ويوقعكم الشيطان في الفتنة، كما أوقع فيها أباكم وأمّكم، حيث أوقع حضرة آدم وحضرة حوّاء في الامتحان والفتنة والاختبار.
من الآن فصاعدًا، على الرفقاء أن يُدقّقوا النظر أكثر؛ لأنّ صُلب الموضوع الذي نبحثه اليوم مرتبط بهذا المقطع من الآية: ﴿لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما﴾، حيث سيكون حديثنا اليوم منصبًّا عليها؛ أي على مسألة: ليُريهما سوءاتهما وقيائحهما؛ فهما خرجا من الجنّة، وقد خرجا منها عريانين؛ فما معنى ذلك؟ يعني أنّهما لم يكونا يرتديان أيّ شيء بكلّ راحة وأريحيّة! فكانا موحّدين ومن أهل التوحيد تمامًا، ولم يكن عليهما أيّ لباس: «كُن مجرّدًا لترى المجرّد»!! فخرجا من الجنّة بهذه الحالة؛ وبتعبير القرآن الكريم: {لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما}؛ فظهرت قبائحهما، وبرز ما كان ينبغي عليهما سترُه؛ لكن، يبدو أنّه لا خبر اليوم عن هذه الأمور، فلم يعُد بوسع الشيطان أن يقوم بهكذا أفعال؛ لأنّ كلّ شيء صار عاديًّا، ولم يعُد هناك أيّ قُبح، ولا أيّ شيء، وأوضاع الجميع جيّدة ولله الحمد!! ومن الآن فصاعدًا، ينبغي على الشيطان التسلّل من طريق آخر.
{إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}؛ فيا أيّها الناس، ويا بني آدم، اعلموا أنّ الشيطان يراكم هو وقبيله، وجنوده، وأتباعه {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}؛ لكنّكم لا ترونهم؛ وهنا تكمن المشكلة؛ فهو يراكم، وأنتم لا ترونه؛ وهو يحسّ بكم، وعلى تواصل معكم، لكنّكم لا تحسّون به، ولا تتواصلون معه، فلا يُمكنكم التعرّف على هذا الموجود، ولا يتسنّى لإدراكاتكم الإحساس به إلى جانبكم؛ وإلاّ، لصار الأمر بنحوٍ آخر؛ لكنّكم عاجزون عن ذلك.
بعد ذلك، يقول الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}؛ ومن هنا، يتّضح أنّ الشيطان لا يكون وليًّا لكلّ واحد، ولا يكون مع كلّ واحد، بل يختصّ ببعض الأفراد الذين يفتقرون للإيمان، ولا يملكون اعتقادًا، ولا يرون أنّ تقديرات عالم الوجود ومشيئته تنتسب إلى مسبّب الأسباب، والمؤثّر في العالم؛ فهو يرجع إلى هؤلاء، ويرتبط بهم، ويصير قرينًا لهم.
إنّ هذه الآية الكريمة تتضمّن العديد من النقاط الدقيقة، حيث يقول الله تعالى: {يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ}؛ فلا ينبغي للشيطان أن يفتنكم {كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ}؛ مثلما أخرج حضرة آدم وحضرة حوّاء من الجنّة؛ وكيف خرجا عليهما السلام منها؟ وما الذي تمكّن الشيطان من القيام به؟ لقد جاء، ووسوس إليهما، وزيّن لهما، ووضع مسألة أخرى في مقابل الأوامر والنواهي الإلهيّة؛ إذ قال الباري عزّ وجلّ لحضرة آدم وحوّاء: {... وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ...}۱؛ أي: لا تأكلوا من هذه الشجرة، وكلوا من أيّة شجرة شئتم؛ وهذا عجيب جدًّا! فالإنسان بهذا النحو، حيث تجده يتعلّق بذلك الشيء الذي يُنهى عنه.
فلو قيل للإنسان مثلاً: «هذه مائة هكتار من الأرض، كلّها بساتين وفواكه وأحواض مائيّة، فافعل بها ما تشاء، وتمتّع بها كيفما تريد؛ لكن، لا شأن لك بهذه الأمتار العشرة»، ولنفرض أنّها مزروعة بالأشجار أو أشياء أخرى؛ ففي هذه الحالة، تجده يذهب لتلك الأمتار العشرة! أي لنفس ذلك الشيء الذي نُهي عنه، فيدع مائة هكتار جانبًا، ويتوجّه إلى العشرة أمتار؛ ولا يخفى أنّ ما أقوله لكم أمر واقعيّ؛ إذ لو علمنا بالثمار التي رتّبها الله تعالى على أداء التكاليف، وما هي الفعليّة التي سيصل إليها استعدادُنا جرّاء الطاعة، والعمل بالتكليف، وسلوك طريق الله تعالى، لرأينا حينئذ أنّ النسبة بين تلك الثمار والآثار، وبين هذه اللذائذ الدنيويّة والشهوانيّة والدخول في مفاتن عالم الدنيا تماثل النسبة بين زائد لا نهاية، وبين ناقص لا نهاية، وليس هي النسبة القائمة بين مائة هكتار وعشرة أجربة؛۱ ففي الطرف الأوّل يوجد عدد جبريّ زائد ما لا نهاية، وفي الطرف الآخر لا يوجد صفر، بل ناقص ما لا نهاية؛ وهذا الذي أذكره لكم ليس من باب المبالغة؛ فحينما يعلم الإنسان ويلتفت إلى المنح التي اختصّ الله تعالى بها أوليائه، سيُدرك حقيقة كلامي؛ وحينئذ، سيظهر معنى كلام الإمام العسكريّ عليه السلام: «لو عَقِل أهلُ الدنيا، لَخَربت الدنيا»؛ أي: لو أنّ جميع الناس كانوا عقلاء، وأرادوا العيش بعقلانيّة، لما وُجدت الدنيا، ولما عاد هناك أيّ وجود لمفاتنها.
فهذه هي الحقيقة، وهذا هو موقف الإنسان في مقابل ما يُنهى عنه، حيث نجده يتعلّق بما يُزجر عنه ويُحذّر منه؛ فقد قلنا لآدم وحوّاء: بوسعكما الانتفاع من هذه الجنّة؛ فلن تجوعا فيها، ولن تظمآ، ولن تُصيبكم أيّة معاناة، ولن تحلّ بكم أيّة مصيبة، فقلنا لهما ذلك، مع أنّ هذا الكلام هو كلام تكوينيّ؛ أي أنّ حضرة آدم وحضرة حوّاء شعر بنفسيهما بهذه المسألة هناك؛ لكن، يبقى أنّ الأمر الذي ينبغي الالتفات إليه هنا أنّ شعورهما وإحساسهما بتلك المسألة لم يكن في مقام الوصول إلى الفعليّة ومراتب الكمال، حيث كانت آثار التعلّق بالدنيا والحضور فيها لا زالت مكنونة في زوايا نفسيهما؛ وإلاّ، لما كان ينبغي أن يكون لهما أيّ ميل لذلك الأمر؛ إذ لا معنى لأن يصل الإنسان إلى مقام الفعليّة ... .
عصمة الملائكة لا تتنافى مع قدرتهم على العصيان
ولنضرب مثالاً بالملائكة، فهي تمتلك مقام الفعليّة؛ أي مقام الكمال والوصول إلى مرتبة معيّنة من العقل؛ فلنفرض الآن أنّه لديك عمل ضروريّ، وتريد السفر، ويتوجّب عليك الذهاب سريعًا لكي تلتحق بالوسيلة النقليّة؛ كما أنّ السفر طويل؛ كأن تريد التشرّف بزيارة مكّة، فيُحضر ابنكم مثلاً تلك السيّارة الميكانيكيّة الحمراء، ويقول لكم: «تعال يا أبي لكي تلعب معي؛ لأنّه لا يوجد لديّ رفيق في اللعب، وأنا وحيد»... أجل، لا يخفى أنّ التقصير في هذه الموارد يتحمّله الآباء؛ إذ ينبغي عليهم "صناعة" رفقاء في اللعب، لكيلا يلتجأ إليهم الأبناء؛ فهذا النقصان هو السبب في نظر هؤلاء إلى الآباء كرفقاء في اللعب؛ لكن، إذا انحلّت المشكلة، فلن يكون لهم أيّ شأن بهم، حيث سيذهب ذلك الابن إلى اللعب مع رفيقه في اللعب. حسنًا، فلنفرض أنّه قال: «لا، أريد أن ألعب بهذه السيّارة، وإلاّ، أقسم بالله تعالى أنّني سأبكي، فعليك أن تأتي للعب معي»؛ ثمّ ترى أنّ الوقت بدأ يتأخّر، فهل ستذهب للعب معه مع أنّ الطائرة ستُقلع وتتخلّف عن ذلك السفر؟ أم لا، لأنّ ذلك سيتسبّب في تخلّفك عن تلك المسألة وعدم عملك بها؟ ولهذا، فإنّك ستمنحه قطعة حلوى، أو سكاكر، وتضمّه إلى صدرك، وتحتضنه، وتُلهيه بنحو من الأنحاء، ثمّ تنسلّ بهدوء من الناحية الأخرى من دون أن يلتفت، وتذهب؛ فما هو السبب الذي أجبرك على القيام بكلّ هذا، ومنعك من اللعب معه؟ إنّها مرتبة الكمال؛ أي أنّنا وصلنا إلى مرتبة من الكمال العقلانيّ ـ ومرادي هذه المرتبة الخاصّة لا أكثر ـ، بحيث صرنا نعدّ عمل ذلك الطفل صحيحًا بالنسبة إليه، لكنّه بالنسبة إلينا لغوًا وعبثًا؛ ولهذا، لن يُقدم عليه أيّ عاقل؛ فلا نجد أيّ أحد من العقلاء يُلغي سفره لأجل اللعب مع طفله بسيّارة ميكانيكيّة لمدّة ساعة واحدة! فهو لا يأتي، ويقوم بهذا العمل؛ وهذه المرتبة هي التي يُقال لها مرتبة الكمال العقليّ المختصّة بهذا المقام.
ويجدر الذكر أنّ الملائكة وصلت إلى مرتبة الكمال العقلانيّ؛ أي إلى مرتبة، بحيث حقّقت الأوامر والنواهي الإلهيّة في وجودها؛ فلا تسعى أبدًا ...، لا أنّها لا تُدرك، أو لا تعلم بذلك، لا، فهي ليست كهذا الحائط وهذا الحجر وهذا الجصّ والتي لا تمتلك كلّها أيّ إحساس، بل إنّ لها إحساس، وتُدرك [الأمور] بنحو جيّد؛ وخلافًا لما قيل عن الملائكة وأنّ سنخيّتها مختلفة تمامًا، فإنّها وصلت من ناحية وجوديّة إلى مرتبة نورانيّة محضة؛ وهي مرتبة الكمال العقلانيّ ومرتبة الإحساس وإدراك الملاكات النفس أمريّة، بحيث إنّه وبسبب إدراكها لهذه الملاكات، وإحساسها بخصائص الأمور المشينة، لم تعُد لهذه الأمور أيّة جذّابية بالنسبة إليها؛ فهذا هو الإحساس الذي صار عند الملائكة.. {... لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ}۱؛ فهم لا يعصون؛ غاية الأمر أنّ التقابل بين العصيان والطاعة ليس تقابل السلب والإيجاب، بل تقابل العدم والملكة؛ أي أنّ شأن الملائكة هو العصيان، إلاّ أنّها لا تعصي؛ فهي مثل الإنسان يُمكنها أن تعصي، لا أنّها عاجزة عن ذلك كالخشب والحديد؛ فالخشب خشب، وإذا حملت هذه القطعة من الحديد، وصنعت منها عمودًا، أو حوّلتها إلى سكّين، فهل سيكون لها أيّ تقصير في ذلك؟ وإذا حملتها، وصنعت منها طاولة، أو بدّلتها إلى فأس، وضربت بها على رأس أحدهم، هل سيكون لها أيّ تقصير في ذلك؟ هل بوسعنا القول هنا إنّ الحديد مقصّر؟ فهل الملائكة مثل هذا الحديد؟ وكذلك بوسعك أن تصنع من قطعة خشب كرسيًّا، وبمقدورك أن تصنع من نفس القطعة سوطًا، وتقضي بواسطته على أحدهم؛ فهل يكون هذا الخشب حينئذاك مقصّرًا؟ لا، فصحيح أنّ الملائكة لا تعصي، لكن بوسعها فعل ذلك، غاية الأمر أنّها لا تفعله؛ فهي قادرة على ذلك؛ لماذا؟ لنفس السبب الذي ذكرته لكم في المثال السابق؛ فهل من الممكن أساسًا أن يُلغي أحدٌ سفره لأجل اللعب مع طفله بسيّارة ميكانيكيّة؟ فهل يُمكن ذلك أساسًا؟ سيُقال عنه مجنون! فلن يُقدم أيّ أحد على مثل هذا الفعل، بل سنجده يعمل على تهدئة طفله، لا أن يُطابق نفسه مع نفسه، ويُنزلها إلى مرتبته، لا، بل سيسعى لتهدئته، ويُلهيه، ويجد لنفسه طريقًا للانصراف عنه؛ فالملائكة بلغت هذه المرتبة.
جنّة الاستعداد وجنّة الفعليّة
حسنًا، فحضرة آدم الذي كان في تلك الجنّة لم يكن قد بلغ بعدُ مرتبة الكمال العقلانيّ؛ وإلاّ، لما أكل من ذلك القمح؛ وعليه، هل التفتّم الآن إلى حقيقة تلك الجنّة؟ فهي كانت جنّة لم تصل فيها مراتب النعم والفعليّة إلى مقام بروز الحقائق الكماليّة للإنسان، بل كانت في مرتبة الطبيعة الوجوديّة للإنسان، حيث لا زال التعلّق بالمادّة مكنونًا في داخله، ولا زال وجودُه معجونًا بالدنيا والجانب الربوبيّ؛ أي أنّها عبارة عن نفس مرتبة الاستعداد؛ وهذا الإنسان وآدم هذا يُمّثلنا نحن جميعًا؛ فهذه الآية لها طابع رمزيّ؛ لكنّ ذلك لا يعني أنّها لا تمتلك أيّة واقعيّة، بل لها واقعيّة، غير أنّ حكمها ينطبق علينا نحن جميعًا؛ فقد أكلنا نحن بأجمعنا ـ أيّها الرفقاء ـ من القمح، ولا يوجد أيّ شكّ في ذلك! أي أنّ السيّد العظيم إبليس تفضّل بخدمة جدّنا الأكبر، كما تفضّل بخدمتنا نحن أيضًا! وإلاّ لما كنت الآن في يوم الجمعة إلى جانبكم، بل كنّا جميعًا نتنعمّ في ذلك العالم؛ ومن هنا، فإنّ أحد أعظم المنن التي منحها سماحة الشيطان إيّانا أنّه كان سببًا في أن أتحدّث إليكم اليوم؛ وإلاّ، لو أنّه لم يأت، ولم يُعطنا القمح في ذلك العالم، لما تمكّنا من الوصول إلى تلك المراتب الكماليّة [العالية] بعد ذلك؛ فهو قد جاء، وقام بهذا العمل؛ وهنا، ليكن ما ذكرناه عبارة عن مقدّمة، إلى أن نصل تدريجيًّا بعد ذلك للحديث عن هذه المسألة، ونُعرّف الرفقاء أكثر على هذا العظيم، لكي يتعرّفوا جيّدًا على رفيقهم، ويعلموا أيّ صديق ومحبّ ورفيق شفيق جعله الله تعالى لهم! وعلى أيّ تقدير، عسى أن يُؤدّي ذلك إلى تغيير نظرتنا إليه قليلاً، وننظر إليه برؤية أخرى، فلا يعُد غاضبًا علينا! حسنًا، فهذه هي الظروف التي حصلت لحضرة آدم ولنا نحن أيضًا، وعلى حدّ قول الخواجة الذي قال فيه ماذا؟ على الرفقاء أن يكون مطّلعين على شعره:
من مَلَك بودم و فردوس برين جايم بود | *** |
[يقول: لقد كنت ملاكاً وكان الفردوس الأعلى مكاني]
فـ«أنا كنت ملكًا» تعني الإشارة إلى نفس مقام الاستعداد، حيث لم تكن المراتب الكماليّة قد تحقّقت بعدُ في وجودنا، والذي يُعبّرون عنه الآن بمقام الذرّ؛ مع أنّ مقام الذرّ أعلى من هذا المقام الذي لحضرة آدم؛ فهذا المقام يُمثّل مراتب الملكوت، لكن في جانب عدم الوصول إلى الفعليّة؛ أي أنّه عبارة عن مرتبة الاستعداد التي تتنزّل، وتبرز على شكل صورة:
من ملك بودم و فردوس برين جايم بود | *** | آدم آورد در اين دير خراب آبادم |
[يقول: لقد كنت ملاكاً وكان الفردوس الأعلى مكاني، وإنّ آدم عليه السلام هو الذي جاء بي إلى هذا الدير الخرب]
ثمّ إنّه بعد ذلك، يُجيب بنفسه، ويقول:
پدرم روضه رضوان به دو گندم بفروخت | *** | ناخَلَف باشم اگر من به جوى نفروشم |
[يقول: لقد باع أبي جنّة الرضوان بحبّتي قمح، وسأكون ولدًا عاقًّا إن لم أبعها أنا مقابل شعير]
لقد باع جنّة الرضوان مقابل حبّتي قمح، لكنّ المراد منها جنّة الرضوان الموجودة في مقام الاستعداد؛ ولهذا، يقول: إنّها لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وسأكون ولدًا عاقًّا إذا لم أبعها بشعير؛ فأنا لا أريد جنّة الرضوان هذه، بل أريد جنّة رضوان الفعليّة، والتي بلغت فيها جميعُ الاستعدادات درجة الكمال، ووصلت فيها كافّة جهاتي الوجوديّة إلى الفعليّة؛ فهذه هي التي أريدها، وأمّا الأخرى، فأنا أبيعها بكلّ سهولة.. جزاه الله خيرًا! أيّها الخواجة حافظ، لتخصّنا نحن أيضًا بدعاء، أنت الذي بعت ذلك بشعير؛ فنحن لا زلنا في منعطف الزقاق الأوّل [من الطريق].
أسلوب تزيين الشيطان المعصيةَ لآدم عليه السلام
وعلى أيّ تقدير، فما هي تلك المكانة و ما هو ذلك المقام الذي كان يمتلكه حضرة آدم هناك؟ إنّه مقام الجمع بين الجهة الربوبيّة، والجهة الخلقيّة وغير الربوبيّة، والجمع بين الجهتين الروحانيّة والدنيويّة، والجمع بين الجهة الأخرويّة، والجهة المادّية وجهة التعلّقات بالأمور المادّية والدنيويّة؛ فهذا هو المقام الذي تسنّى فيه للشيطان لأن يأتي ويخدعه، حيث قال له: «تعال، وانظر»؛ مع أنّ حضرة آدم لم يكن قد قرأ عبارات عنوان البصريّ، بينما نحن قرأناها؛ ولهذا، لا يستطيع ولله الحمد أن يخدعنا؛ لكن، بما أنّ نبيّ الله آدم لم يقرأها، فإنّه على الإمام أن يقول له: يا آدم، يا أبانا العظيم، يا جدّنا وجدّ الجميع، لقد قلتُ إذا أوكل الإنسان أموره إلى الله تعالى، وفوّضه إليه تدبير شؤونه، وعمل بما أمره به سبحانه و«جُملَة اشتِغالِهِ فِيمَا أَمَرَهُ تَعَالَى بِهِ وَ نَهَاه عَنَه»،...؛ أ فلم يأمر الله تعالى بألاّ تأكل من هذه؟ لقد قال سبحانه: يا عزيزي، كل من هذه المائة هكتار، وكل منها إلى أن تشعر بالقيء؛ وهذا القمح الموجود هنا هو شيء واحد فقط، فدعه لي أنا، واتركه يخضرّ لحاله. لكنّ الشيطان أتى وقال له: لا يا عزيزي، كلّ شيء موجود في هذا القمح، وفي هذه السنبلة، فكل منها، وانظر ما الذي سيحصل! {وَزَيَّنَ...}، {فَوَسوَسَ لَهُمَا...}، فطفق يُزيّن لهما تلك السنبلة من القمح، ويُزيّنها لهما... لكن، أ لم تريا شجرة الدلب تلك مع كلّ عظمتها؟! ولم تريا شجرة الجوز الكبيرة تلك؟! ومع كلّ هذا، نجدهما [يتعلّقان] بسنبلة قمح! ولا يخفى أنّ هنا يوجد الكثير من الكلام، وينبغي إعادة التأمّل في هذه الأمور؛ فهو لم ير كافّة تلك الفواكه، ورأى فقط هذه السنبلة من القمح... إذا أكلتَ من هذه، فانظر ماذا ستصير، ستصير ملِكًا، أو رئيسًا للجمهوريّة، أو وزيرًا، أو نائبًا، وستحصل على المنزلة الكذائيّة في العالم! ثمّ يبدأ: حبّة القمح هذه للرئاسة، وحبّة القمح هذه للشعبيّة، وحبّة القمح هذه مثلاً للشهرة، وحبّة القمح هذه للمال والمنال، وحبّة القمح هذه للأمور الدنيويّة والزوجة والأولاد وأمثال ذلك؛ وهكذا، يبدأ في تزيين حبّات القمح الواحدة تلو الأخرى.. يا سيّدي، إنّ بوسع حبّة واحدة من القمح أن تُثمر كثيرًا، لتُنتج سبعين حبّة؛ فهذه السنبلة أنتجت سبعمائة ألف حبّة قمح، وحبّة القمح هذه تختصّ بكذا، والأخرى بكذا، والأخرى بكذا؛ وحينما نظر آدم، رأى أنّه: يا للعجب! ما أغفلك أيّها القلب! لقد كنت غافلاً عن هذه المسألة! ما الذي دفع هذا الإله لكي يمنعني من أكل هذه؟!
حسنًا، فبدأت هذه المسألة تخطر في باله شيئًا فشيئًا... ما هي الحكمة في أن ينهاني الله تعالى عن الأكل؟ وما هي علّة أمره بألاّ أقوم بهذا الفعل؟ فيبدأ الإله المحبوب والمطلوب والغاية بالتنحّي تدريجيًّا، ويتقدّم الشيطان إلى الأمام شيئًا فشيئًا، إلى أن وصل الأمر إلى ترجيحه لأمر الشيطان على نهي الله تعالى، فأخذ [من ذلك القمح]، ووضعه في فمه؛ فقال له الله تعالى: أنعم به وأكرم، أنعم به وأكرم! يا للعجب! جزيت خيرًا! تجلس على مائدتنا وتأكل من طعامنا و...، فقد أكلت كلّ هذا الطعام، ومنحناك كلّ هذه الأشياء، ووهبناك كلّ هذه النعم، وأردنا منك الامتناع عن أمر واحد فقط، لكنّ هذا الأمر أتى، وأتى، وأتى، واستولى على كافّة هذه المسائل؛ مع أنّه لم يأت ببطء؛ فحينما أتى الشيطان في اليوم الأوّل، لم يتصرّف معه آدم بهذا النحو، بل قال له: «اغرب عن وجهي! سأضربك على أمّ رأسك! لا أريد أن أراك هنا بعد الآن!»، فقال له الشيطان: «سمعًا وطاعة، سأذهب»، وذهب، ثمّ رجع في الغد، وجلسة في زاوية.
ـ هل أتيت مرّة أخرى؟
ـ أنا لا كلام لي معك، ولا شأن لي بك!
ـ دع عنك هذه الأمور يا عزيزي وارحل.
ـ أنا لم أقل لك تعال لتأكل، ولم أقل لك افعل كذا، بل أنا أكتفي بالجلوس والنظر إليك، وأنا جالس هنا، ولا شأن لي بك!
ـ حسنًا، تعال إلى هنا، وقل لي ماذا تريد.
ـ لا شيء، فقد طلبت منك البارحة أمرًا، لكنّك ضربتني على رأسي بصفعتين.. حسنًا، إن كنت لا تريد العمل بما قلته، فذاك شأنك، لكن لماذا تضربني؟ ولماذا تطردني؟
فجاء حضرة آدم، وقال في نفسه: إنّه لا يتفوّه بكلام سيّء، وقد ضربته من دون وجه.
ـ ماذا تريد الآن؟
ـ لا شيء يا عزيزي، فأنا لم أقل لك: تعال وكل من هذه؛ فأنت حرّ، إن شئت أكلت منها، وإن شئت لم تأكل منها، وأنا لا شأن لي بذلك، فأنا لم أضعها في فمك، بل قلت لك فقط: إنّ هذا القمح له الخصائص الكذائيّة؛ فهو يمنحك منصبًا ومكانة وشهرة، وإذا أتيت إلى هنا، فإنّك ستصير شخصيّة بارزة، فيُعلّقون صورك على الجدران، وفي كلّ مكان، ويُذاع اسمك في الراديو والتلفاز وفي جميع العالم؛ فحينما قلت لك هذا الكلام، هل كذبت عليك فيه؟ حسنًا، تأكّد بنفسك، فإنّ كنتُ كاذبًا، لا تأكل.
وحينما ينظر [آدم] بدوره، يرى أنّه صادق، بل ويقول كلامه بكلّ صدق؛ فهذا المسكين لم يكن يكذب! وبالمناسبة، فإنّ الشيطان يتحدّث هذه المرّة بصدق، لكنّه سيتراجع عن كلامه لاحقًا وفي ذلك العالم... أجل، تعال إلى هنا، وانظر هل سيضعون صورتك على الجدران أم لا؛ فإن بقيت جالسًا في بيتك، هل سيفعلون ذلك؟ ماذا؟ فهل هذا أفضل، أم أن تأتي إلى هنا، ويضعون صورك، ويأتي جميع الناس، وينظرون، ويقولون: ما شاء الله، أنعم به وأكرم، كم هو جميل!
نماذج واقعيّة على التزيينات والتسويلات الشيطانيّة
ذات مرّة، ذهب إلى مكان ما، وكانت الانتخابات جارية، حيث حصل ذلك قبل عدّة سنوات، فنظرت إلى صورة أحدهم، فرأيت أنّها عين الصورة التي كانت له في بداية الثورة؛ وكأنّه لم يشِب، بل لا زال يمتلك نفس الشكل والملامح، فقلت مع نفسي: يبدو أنّ هذه الأمور قد واءمته، ولم تواءمني أنا، حيث يُقال لي: «يا سيّدي، لقد شابت لحيتك»! فيأخذون له صور جميلة جدًّا؛ لكن، إن كنت صادقًا، فخذ صورة لنفسك الآن.
ذات مرّة، وقعت حادثة معيّنة في إحدى المدن، ولم يُحالف الحظّ أحدهم، فلم يحصل على الأصوات اللازمة منذ البداية، حيث كان اسمه حُجّة الإسلام كذا، وكانت صورته موضوعة مع اسمه، فلم يتوفّق في الانتخابات، وترشّح للدورة اللاحقة؛ وفي تلك الدورة، رأينا أنّ هذا السيّد حُجّة الإسلام قد تحوّل إلى دكتور كبير؛ أي أنّ جميع الصفحة [الإعلانيّة] ملأتها عبارة "الدكتور فلان"، ثمّ ذُكرت تحتها عبارة "حجّة الإسلام" صغيرة؛ هل التفتّم؟ هذه هي حقيقة المسألة! الدكتور فلان حجّة الإسلام مثلاً فلان؛ فما هو سبب ذلك؟ سببه: زَيَّنَ.. تعال، وانظر كيف سأُلقي في بالك أن تقوم بهذا الفعل: كبّر حرف الدال! فمن هو الذي يُلقي ذلك في ذهنك؟ هل هو جبرائيل؟ لا، إنّ ذلك من فعلي أنا [الشيطان]! فهذا العظيم صاحب فنّ، ويكمن فنّه في أن يأتي، ويقذف في روعك هذه الأمور: لوّن الأعلى بالأحمر، ولوّن هذه الناحية بألوان برّاقة، واستخدم هنا ورقًا زجاجيًّا، وافعل كذا في هذه الجهة... ؛ فهل ميكائيل هو من علّمك ذلك؟ أو جبرائيل أتى، وعلّمك إيّاه؟ إنّ هؤلاء غير مطّلعين على هكذا أمور؛ فجبرائيل لا علم له بالألوان البرّاقة، ولا بالأوراق الزجاجيّة، ولا بالأوراق التي عرضها متر واحد وطولها ستّة أمتار؛ لا، فهو لا يعلم بذلك بتاتًا؛ وصحيح أنّه أوحى للأنبياء، ويمتلك علوم الأوّلين والآخرين، ويستفيض جميعُ ما سوى الله علومهم منه، إلاّ أنّ الله تعالى لم يُعلّمه هذه الأمور؛ فما الذي بوسعه فعله؟! ومن الذي علّمه الله تعالى تلك الأمور؟ إنّه الشيطان؛ فالله تعالى اختصّ جبرائيل بقسم معيّن، واختصّ الشيطان بقسم آخر؛ فاذهب أنت، وأنجز أعمالك، واذهب أنت أيضًا وقم بأفعالك؛ فيأتي، ويبدأ بإدارة الأمور: «افعل كذا، وافعل كذا، اتّصل بهذا، وهاتف ذاك، واجه هذه المسألة بالنحو التالي، استعمل الخدعة الكذائيّة للحصول على سلطة أكبر»؛ فهذه بأجمعها من الإبداعات والألطاف التي لسماحة الشيطان العظيم علينا؛ غاية الأمر أنّ لكلّ واحد منّا ملفّه الخاصّ الذي يتناسب مع شخصيّته وسعته الوجوديّة؛ ولهذا، لا ينبغي علينا القلق تجاه هذه المسألة؛ ولا يجب علينا أن نخاف بتاتًا من عدم اعتناء الشيطان بنا؛ فهو جعل لكلّ واحد منًّا حسابًا خاصًّا.. {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ}؛ فهو يراكم، لكنّكم لا ترونه أيّها المساكين؛ وهو يُراقبكم، لكنّكم يا سيّئي الحظّ لا تعلمون بذلك؛ وأنتم تنامون بالليل، لكنّه يبقى مستيقظًا، يكتب بشكل جيّد خططًا لغدكم، ويُكمل الملفّ؛ وحينما يحلّ الصباح، يُسلّم الورقة لجنوده، ويأمرهم بالذهاب عندك. وحينما يخرج الإنسان من بيته، يُحيط به جنود الشيطان؛ ورحم الله تعالى هذا الإنسان حينما يُحيط به هؤلاء الجنود، فيأخذونه إلى هذه الجهة، ويذهبون به إلى تلك الجهة.
ذات يوم في مشهد، وفي أواخر حياة المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه، ولا أعلم هل كان يوم عيد الغدير أو النصف من شعبان، كنّا جالسين، وكان المجلس غاصًّا كثيرًا بالحاضرين، وكنت أتيت للتوّ من قمّ؛ وحينما دخلت إلى المجلس، رأيت أنّه ممتلأ، سواءً في الغرفة أو القاعة، فجلست إلى جانب الباب، بينما كان المرحوم العلاّمة داخل غرفة الحسينيّة، وكان الخطيب منهمكًا في الحديث؛ ثمّ مرّت ربع ساعة من الزمان، فرأيت فجأة ثلاثة أشخاص قد جاؤوا، فجلس أحد السادة، واكتشفت فجأة أنّه نفس ذلك السيّد الذي كانت صورته معلّقة على الجدران؛ فهو لم يكن يظهر له أيّ أثر في هذه الأماكن منذ مدّة طويلة؛ فأين أنت من العلاّمة الطهراني؟ فهل أتيت إلى مجلس العلاّمة الطهرانيّ؟ الآن، وقد بقي أسبوعان أو ثلاثة أسابيع تقريبًا على بداية الانتخابات، رأيناه أتى، وجلس برفقة شخصين مدّة معيّنة، ثمّ رأى أنّ الكلام الذي يدور هنا لا يُجدي نفعًا، وأنّ وقته في نهاية المطاف له قيمة أكبر! إذ يجب على هكذا شخص ألاّ يُضيّع وقته بهذا النحو! بل عليه أن يقضيه في أمور مفيدة! فما هذا الذي يقوله الخطيب من أعلى المنبر؟! فلنذهب لقضاء أغراضنا! ثمّ التفت إليّ، وقال: «هل أنت ابنه؟ هل أنت السيّد الطهرانيّ؟»، قلت: «أجل، هل لديك طلب؟»، قال: «كنت أريد اللقاء به»، قلت له: «لملم ثيابك، وارحل من هنا من دون أيّ تأخير!»، فنظر إليّ بنظرة، فقلت له: قم أيّها السيّد، ارحل من هنا، ارحل من هنا، إنّ هذا المكان ليس مكانك، فقد أمضى هذا السيّد [العلاّمة] سبعة أو ستّة عشرة سنة في مشهد، ولم تظهر أنت إلاّ اليوم! فهل جئت الآن قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات؟ فقلت له هكذا: لململ ثيابك، وارحل من هنا، من دون حتّى أن تنظر خلفك؛ فهذا ليس هو مكانك! فلملم ثيابه، وقام فورًا، بل جلس لدقيقة، وقام مع رفيقيه، وذهبوا.
فهذه هي الأمور التي علينا أن نُحقّقها في عقولنا وأنفسنا؛ وخلاصة القول، علينا أن نعثر على أنفسنا، ونُدرك حقيقة الأمر وكيفيّته، من دون أن نضحك عل فلان وعلاّن؛ وقد أتيت بمجرّد مثال، ولن أذكر فيه اسم أيّ أحد، بل ولا ينبغي عليّ فعل ذلك؛ لأنّ حرمة الناس محفوظة، ولا يجب على الإنسان ذكر الأسماء؛ لكنّني ذكرت هذا المثال، لكي نعلم الأسلوب الذي ينبغي علينا انتهاجه في سبيل التقدّم إلى الأمام.
فجاء الشيطان، وبدأ يتحدّث لحضرة آدم عن كلّ واحد: هل ترى هذا القمح؟ إنّه يختصّ بكذا؛ وهل ترى القمح الآخر، إنّه يختصّ بكذا؛ فإذا ذهبت إلى هناك، ستصير كذا، فيأتي عندك الناس، ويُصبح لديك أهل وعشيرة؛ وإذا أكلت من هنا، ستُصبح كذا؛ فبيّن في ذلك العالم لآدم وحوّاء جميع ما سيحلّ على رؤوسنا في هذه الدنيا؛ وأنّ الدنيا بالنحو الكذائيّ، وأنّ لها خصائص معيّنة، ففيها الانشغالات [الفارغة]، والمجاملات: من أجل سلامة سماحة السيّد، ارفعوا أصواتكم بالصلوات! أبقى الله تعالى ظلّ السيّد قائمًا على رؤوسنا! فعل الله كذا إلى ظهور فلان! وأمثال هذه العبارات؛ فالدنيا تتميّز بكافّة هذه الأمور.
في نفس هذه السنة الأخيرة التي منّ الله تعالى علينا فيها بشرف الذهاب إلى الحجّ، جاءني أحد الرفقاء ذات يوم لكي يُخبرني بأمر، حيث ذهب لرؤية أحدهم في منزل أحد المشايخ ومحلّ تواجد بعثته الدينيّة؛ فكان هناك شارع توجد فيه كافّة البعثات الدينيّة التي يسعون فيها إلى الإجابة عن المسائل التي يطرحها الناس، ويُجيبون عن أسئلتهم الشرعيّة؛ وفي يوم شهادة الإمام الباقر عليه السلام في الثامن من ذي الحجّة، كانت تُعقد مجالس هناك، فاعتلى ذلك الشخص المنبر، وكان هناك مجموعة من الناس والمشايخ، فأراد الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام؛ لكن، قبل أن يبدأ في الخطبة، قال لذلك الرفيق: إنّ اعتلاء المنبر في مجالس المشايخ صعب جدًّا؛ إذ يحتاج الأمر إلى إخلاص كبير للنية وقصد القربة؛ ومتى ما أردت الحديث في هكذا مجالس، أنذر أوّلاً قراءة (اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد) خمسمائة مرّة، لكي أتمكّن من ضمان إخلاص نيّتي وقصد القربة لله تعالى؛ فسألت رفيقي: «حسنًا، وماذا فعل؟»، قال: لا شيء، اعتلى المنبر، لكنّه في نهاية المطاف، أفسد كلّ شيء؛ فقلت له: «واضح جدًّا، لكن، ماذا فعل؟»، قال: بدأ بالثناء على المجلس وصاحب المجلس (مع أنّه لم يكن موجودًا هناك، إلاّ أنّه كان حاضرًا!): أدام الله ظلّه المبارك! وأبقى تعالى هذه المجالس مستمرّة! وزاد الباري عزّ وجلّ الإسلام عزًّا بواسطة وجود هذا الشريف! و...؛ ثمّ نزل من على المنبر. قلت: هذه هي نتيجة نذر الصلوات الخمسمائة؟! هذا هو إخلاص النية؟! فما هو الفارق بين هذه البعثة الدينيّة، وبين البعثة التي تبعُد عنها بخمسة عشرة مترًا؟ فصاحب هذه عالم، وصاحب الأخرى عالم أيضًا؛ فلماذا لم يذهب إلى ذلك المجلس لكي يرفع صوته بالصلوات لذلك العالم؟ أ لم يُؤلّف هو أيضًا رسالة [عمليّة]؟ أ لا يُفتي هو أيضًا؟ ويوجد أيضًا بفاصلة خمسين مترًا أبعد العالم الفلانيّ، وبعد مائة متر... حيث كان هناك خمسمائة [بعثة دينيّة] ولله الحمد! ويوجد كذلك بفاصلة مائتي متر أبعد العالم الكذائيّ ... .
فهل لأنّ ذاك قد دعاه، وسيُعطيه دولارات؛ فلهذا يرفع صوته بالصلوات والتسليمات لأجله؟ فهل هذه هي نتيجة نذر الصلوات الخمسمائة؟! وهل هذا هو معنى إخلاص النية؟! إن كنت صادقًا، فاذهب بكلّ سلاسة إلى مجلس ذلك العالم، واعتل المنبر، ثمّ ادع الله تعالى طلبًا لسلامته وبقاء حياته؛ ففي نهاية المطاف، إن كان هذا شيخًا، فذاك سيّد، وهو كحدّ أقلّ يمتلك سببًا للثناء؛ مع أنّ الجميع مستوون؛ لكن، على أيّ تقدير، هو سيّد، ونفس الانتساب إلى رسول الله يُعدّ ميزة؛ فلماذا لا تقوم بهذا العمل؟ هل تعلم لماذا لن تُقدم عليه؟ لأنّ ظرف المال الذي سيُعطى لك سيصغر حجمه! هذا هو سبب ذلك! ولأنّهم لن يُوجّهوا لك دعوة في الغد، ولأنّهم سيقولون: هذا الشيخ لم يُؤدّ للمجلس حقّه؛ فهل حقّ المجلس هو أن تأتي، وتُقدم في يوم شهادة الإمام الباقر بتوجيه أكبر إهانة إليه عليه السلام، وتتحدّث في ذلك المجلس عمّا لا يُريد الإمام؟! فما هي حقيقة الأمر؟
مجالس الأئمّة عليهم السلام وسيلة لاكتساب النورانيّة وليس إيجادها
بالمناسبة، في الليلة الماضية، طرح عليّ أحد الأصدقاء سؤالاً في مجلس من المجالس؛ إذ حينما كنت داخلاً لمجلس العزاء هذا، قطع الناعي كلامه، وقال: طلبًا لسلامة فلان، ارفعوا أصواتكم بالصلاة [على محمد وآل محمد]! فانزعجنا كثيرًا؛ ولمـّا انتهى المجلس، نبّهته، وقلته له: يا عزيزي، مجلس سيّد الشهداء عليه السلام هو أرقى مجلس يُعقد في هذا العالم؛ فهل توجد شخصيّة أعلى منه عليه السلام؟ هل هناك من هو أعظم من الإمام الحسين عليه السلام؟ أخبرني من يكون؟ لا يوجد أحد! إن كان هناك أحد مثل نفس الإمام الحسين عليه السلام في مرتبة الإمامة، فهو إمام الزمان عليه السلام؛ ولا يوجد لدينا غيره؛ فمجلس سيّد الشهداء مختصّ بالإمام الحسين، وهو أرقى المجالس. حسنًا، في بعض الأحيان، يكون المجلس مجلس عرس، وهو مجلس محترم، أو مجلس لعقد احتفال، وهو مجلس عاديّ؛ لكن، حينما يكون المجلس مجلس سيّد الشهداء، فإنّ المجئ إليه ينبغي أن يكون بهدف اكتساب الفيض والنور، وليس إيجاد النورانيّة؛ وسنكون أنا وأمثالي مخطئين إذا أتينا إلى مجلس سيّد الشهداء بهدف إفاضة النورانيّة؛ فمن نكون نحن حتّى نفيضها؟! وما شأننا نحن؟! إنّ أكبر إهانة نوجّهها للإمام الحسين هي أن نقول إنّ أحدهم جاء، وأضفى النورانيّة على مجلسه عليه السلام؛ فمن يكون هذا الذي سيُضفي النورانيّة على هذا المجلس؟! فهل مجلس سيّد الشهداء هو لأجل اكتساب النور، أم إيجاده؟ أيّهما الصحيح؟ لقد جاء السيّد الفلانيّ إلى المجلس، فزاد من نورانيّته! لا يا عزيزي، هذا الكلام باطل، فلم تزدد النورانيّة بتاتًا، وأقصى ما يُمكنه أن يفعله هو أن يأتي إلى هنا بهدف اكتساب النور؛ فيُخلص نيّته حتّى يحصل على هذا النور والفيض، ويصله ما يُفاض على هذا المجلس.
ولهذا، حينما تُعقد مجالس الأئمّة عليهم السلام، لا يحقّ للخطيب أن يقطع كلامه، ويُشير إلى الذي يدخل المجلس كما هو متعارف؛ أجل، إن كان المجلس عاديًّا، فلا بأس بذلك؛ كأن يكون مجلس عُرس؛ ففي هذه الحالة، لا ضير أن تقول: «لقد جاء فلان، فزاد المجلس نورانيّة»، بل لِتقُل: لقد أحضر معه النور المشعّ، وجلب معه الشمس، ولتذكر كلّ ما يحلو لك؛ فهذا يرجع إلى جودك وكرمك! وقل: لقد أضاء المصابيح! فأنت أعلم بحالك هنا؛ لكنّ المجلس الذي يختصّ بالأئمّة عليهم السلام، ويكون اسم الإمام الجواد أو الإمام الباقر عليهما السلام موضوعًا عليه، سواءً كان مجلس احتفال أو شهادة ... . على الرفقاء أن يعلموا أنّه من الإهانة بالإمام عليه السلام أن يكون الخطيب يتحدّث، ثمّ يرى أنّ أحدهم دخل إلى المجلس، فيقول: لأجل سلامة فلان، ارفعوا أصواتكم بالصلوات! فُضّ فوك! ما معنى هذه الصلوات؟ وأيّ معنى لهذا الكلام؟ فليدخل إلى المجلس كبقيّة الناس، وليذهب للجلوس، والاستماع، واكتساب الفيض لنفسه؛ وأمّا قطع الكلام هنا، فهو إهانة لنفس صاحب المجلس؛ أي إمام الزمان عليه السلام.
في عصر عاشوراء، ذهبت إلى مجلس (وإذا كنت أقول لكم {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ}، فهذا هو السبب في ذلك)، لكي أبرز التعظيم والاحترام والأدب تجاه أحدهم كان له حقّ في عنقي، وحينما دخلت إلى هذا المجلس المنعقد في طهران، رأيت هناك العديد من الأفاضل، والوجهاء، وأئمّة الجماعات، وأصحاب اللحي البيضاء؛ وبالمناسبة، فقد كان ذلك الخطيب يقرأ العزاء بنحو جيّد وجميل ورائع، وأعجبني ذلك كثيرًا؛ لكن، وسط العزاء، قام أحدهم في مجلس السيّد الفلانيّ، وهو يحمل آلة تصوير طولها متر واحد ونصف على كتفه، فبدأ يُصوّر المشايخ الجالسين عند الباب؛ يا للعجب! يا للعجب! وحينئذ، يأتي ذلك السيّد، ويقول: إنّ مجلسنا مفعم بالإخلاص! فالخطيب يقرأ من على المنبر عزاء الوداع، وتأتي أنت، وتُصوّر المشايخ! لقد عمل على إفساد ذلك المجلس وذلك التوجّه.
وفي هذه الحالة، ما الذي سيفعله الحضور؟ حيث تجد أعين الناس متعلّقة بهذه الأمور: إلى أين سيذهب [المصوّر]؟ كما أنّ ذلك الشخص الذي يبكي، سيرفع رأسه، و ...؛ ثمّ نأتي، ونُطلق على هذا المجلس مجلس الإمام الحسين! {إِنَّهُ يَراكُمْ}! فهذه هي نفس حبّات القمح التي علّمك إيّاها؛ وهو الآن يسترجعها؛ فقد علّمك إيّاها هناك، وعليك هنا أن تذهب، وتُحضر آلة التصوير؛ فحبّة من حبّات القمح تلك تتعلّق بآلة التصوير ذات ثلاثة أمتار، وحبّة قمح أخرى ترتبط بمكبّرات الصوت الموضوعة في الشوارع لكي يعلم الجميع بأنّ هنا مجلس عزاء، وحبّة قمح أخرى تختصّ بالإعلانات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعيّ؛ فتلك الحبّات من القمح التي علّمتك إيّاها هناك، أريد أن أسترجعها منك هنا؛ فهل كنت تعتقد أنّني أتعبت نفسي من دون طائل؟! وبدورنا، نقول: سمعًا وطاعة، سنُرجعها إليك جميعًا الواحدة تلو الأخرى؛ زيادة على أشياء لم تعلمها أنت، ولم تُعلّمنا إيّاها؛ وفي هذه الحالة، يصير عزاء الإمام الحسين عليه السلام مجلسًا للشيطان؛ كما يُصبح عزاء الإمام الباقر عليه السلام في أفضل مكان من العالم أي مكّة المعظّمة مجلسًا للشيطان، ويضحى عزاء الإمام الجواد عليه السلام مجلسًا للشيطان؛ فهذا يتوقّف على جودنا وكرمنا، وعلى مقدار استفادتنا من الشيطان، قلّ ذلك أو كثر.. {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}.
سيطرة الشيطان لا تجري على المتوكّلين
في أواخر حياة المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه، وتقريبًا في السنوات القليلة الأخيرة، أتى الرفقاء عندي، وقالوا: اذهب عند السيّد العلاّمة، وأخبره أنّ مكان المجلس لم يعُد يكفي، حيث يأتي الناس من هذه الناحية وتلك، فيأتون من طهران إلى مشهد من أجل زيارة عليّ بن موسى الرضا، من دون أن يتمكّنوا من الجلوس في الداخل، فيذهبون للقعود في الزقاق لضيق المكان؛ إذ إنّ المكان الذي خصّصه المرحوم العلاّمة لعقد المجالس يقتصر على حسينيّة وقاعة، ثمّ كان هناك مدخل، وحسب؛ فكانوا يجلسون في هذا المدخل، وإذا لم يجدوا فيه مكانًا، يذهبون للقعود في الزقاق، لكنّ الصوت لم يكن يصل إلى هناك بتاتًا؛ إذ لم يكن فيه لا مكبّر صوت، ولا أيّ شيء؛ ولعلّ الصوت كان يصل أحيانًا إن كان الباب مفتوحًا في فترة الصيف؛ لكن، مع ذلك، لا أعتقد أنّه كان يصل؛ ففي إحدى المرّات، لم أتمكّن من الصعود إلى فوق، لأنّ المكان كان مكتظًّا، فجلست في الزقاق، ولم أسمع شيئًا.
فقالوا لي: اذهب، وقل له أن يبني طبقة إضافيّة في الأعلى، لأنّ عدد الحضور ...، فقلت له ذلك، فقال لي: كلّ ما موجود هو هذا: حسينيّة وقاعة، ومن شاء، فليأت باكرًا، ومن شاء اللحاق، فليأت مبكّرًا؛ وبعد وفاته، قال لي بعض هؤلاء الأحبّة: قم يا سيّد ببناء طبقة في الأعلى؛ وفي نهاية المطاف، قلت لهم: هل تريدونني أن أقوم بعد وفاته بالعمل الذي لم يقم به هو في حياته؟ إن أعجبكم ذلك، فبها ونعمت، وإن لم يُعجبكم، فهذا هو الموجود. فهذا الذي يُقال عنه: {إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ ...}۱، حيث جاء في الآية الشريفة [التي قبلها]: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}؛٢ وهنا، يأتي كلام الإمام الصادق عليه السلام؛ فسيطرة الشيطان وسلطانه لا يجريان على الذين آمنوا وتوكّلوا على الله تعالى؛ ومفاد كلام الإمام هو أيضًا: «يتوكّلون»؛ لأنّ التوكّل يعني تفويض الأمور لله تعالى وبقيّة المسائل التي تحدّث عنها عليه السلام بنفسه.
فكلّ من يريد اللحاق بالعزاء، فليأت مُبكّرًا، ولن نزيد أيّ طابق. لقد رأيت بأمّ عيني في حرم الإمام الرضا عليه السلام أحدهم يضع مقدارًا كبيرًا من البطاقات في جيبه، وكلّ من يأت يقول له: «يوجد لدينا مجلس عزاء في المكان الكذائيّ، فتفضّل بأخذ هذه البطاقة»! لقد كان يُوزّع البطاقات على الناس الوافدين في الحرم أعلى رأس الإمام الرضا عليه السلام: يوجد عزاء في الشارع الكذائيّ ...؛ حسنًا، ماذا سيُصبح حرم الإمام الرضا حينئذ؟ سيكون الإمام الرضا في هذه الناحية، وأمّا حرمه، فسيكون مأوى للشيطان بالنسبة لذاك؛ لأنّ الشيطان يأتي حتّى إلى حرم الإمام الرضا، ويقف قريبًا جدًّا منه لأجل الناس؛ مع أنّه لا يكون له أيّ شأن بالإمام الرضا، بل لا يُفتح له هناك أيّ مجال بتاتًا؛ لكن، يبقى أنّ الجميع ليسوا سواسية؛ ولهذا، فإنّه يأتي إلى هناك، ويقول: اذهب إلى الحرم، وقم للدعاء والصلاة، ثمّ انظر إلى من يأتي إلى هناك، وسلّمه بطاقة، وقل له: يوجد لدينا عزاء في اليوم الكذائيّ.
وهنا، ينبغي علينا إدراك هذه المسألة وفهم هذه الحقيقة، وكيف يتسنّى لنا إغلاق المنافذ... لقد حلّت الساعة الثانية عشرة، ويبدو أنّنا تحدّثنا كثيرًا؛ أ فلم تتعبوا اليوم أيّها الرفقاء؟ لا! كنت أتوقّع أن تقولوا نعم؛ فقد تحدّثت لمدّة ساعة ونصف تقريبًا، لكنّ الهمم ولله الحمد عالية، والشوق كبير، والمحبّة ...، غاية الأمر أنّني أنظر إلى نقصاني أنا. فكيف لنا أن نسدّ المنافذ؟ علينا أن نرى ما هي حبّات القمح التي عرضها [الشيطان] علينا هناك، ويُريد أن يسترجعها منّا هنا؛ فهو يقول لنا: إنّ ذلك الدرس الذي علّمتك إيّاه في الجنّة أريدك في هذه الدنيا أن تُرجعه إليّ، وبنحو جيّد، فأنا أريدك أن تكون تلميذًا نجيبًا؛ فمن هو التلميذ الشاطر؟ هو الذي يفعل كلّ ما يقوله أستاذه:
آن كه استاد ازل گفت بگو مىگويم | *** | در پس آئينه طوطى صفتم داشتهاند |
[يقول: كلّ ما أقوله هو من تلقين الأستاذ الأزليّ، فأنا مثل الببغاء الذي احتفظوا به وراء المرآة]
ولا يخفى أنّ الخواجة يتحدّث هنا عن نفسه، لكنّنا نقتبس هذا عن الشيطان، ونقول: كلّ ما لقّننا أستاذنا الأزليّ (الشيطان) فإنّنا نُرجعه إليه الآن، ونقول له: تفضّل، هذه هي نتيجة وسجّل أعمالنا.
نرجو من الله أن يُوفّقنا إن شاء تعالى، لكيلا نكون تلامذة نجباء للشيطان، ولكي ننسى كلامه تمامًا، لا أن نُخطره على بالنا، بل لا نعلم أبدًا بما قاله لنا، فلا يأتي الدور بتاتًا لخطوره في أذهاننا. حسنًا، لقد بلغ بنا الكلام إلى هذا المقام، وكانت المسائل المطروحة كثيرة جدًّا؛ لكنّني أعتقد أنّه لا يزال هناك طريق أمامنا للوصول إلى حقيقة المسألة؛ غاية الأمر أنّنا سنوكل إكمال الحديث إلى الجلسة اللاحقة إذا وفّقنا الله تعالى.
ندعو البارى عزّ وجلّ أن يجعلنا من المطيعين والتابعين والشيعة الحقيقيّين لإمام الزمان عليه السلام؛ وذلك تحت ظلّ مقام ولايته، وأن يُحقّقنا فينا كلّ ما يريده، ويُبعد عنّا كلّ ما يُؤدّي إلى غضبه وبراءته، وأن يُعجّل ظهوره، ويجعلنا من منتظريه الحقيقيّين، ولا يحرمنا في الدنيا من زيارته وفي الآخرة من شفاعته.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد