المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم الاخلاق والحکمة والعرفان
العدد التسلسلي2
التوضيح
كيف كانت نظرة أولياء الله إلى الطفل؟ وما هو دور كلّ من العاطفة والغضب في تربيته؟ وما هو الدور الذي ينبغي أن يكون غالبًا على كلّ من الأمّ والأب في عمليّة التربية؟
تحاول هذه المقالة الإجابة على هذه الأسئلة بالاستفادة من كلمات أولياء الله رضوان الله عليهم.
هو العلیم
ثلاثة مبادئ في تربية الأبناء
واجبات الآباء في تربية الأطفال ٢
بحث منتخب من:
تربية الأبناء، وضوابط حجاب المرأة، و... - محاضرات جبل عامل - أسئلة وأجوبة الأخوات - ج ۱
لسماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني قدّس سرّه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
[أولى العرفاء بالله الطفل أهميّة بالغة في كيفيّة النظرة إليه والعلاقة معه وتأديبه واهتمّوا ببيان واجبات الآباء تجاه الأبناء كجزء من المسؤوليّة الإلهيّة في إيصال هذه البذرة إلى كمالها المنشود، وإليك في هذه المقالة مقتطفات من كلامهم حول ذلك ضمن ثلاثة مبادئ:]
المبدأ الأوّل: احترام الطفل والنظر إلى حقيقته الباطنيّة
استعدّ سماحة الحاجّ السيّد هاشم للسفر إلى خراسان، و كان يرغب بالسفر في الحافلات العاديّة، لكنّ زوجته ـ أمّ مهدي ـ التي لم يسبق لها السفر بالطائرة، أصرّت على أن يكون سفرهم من طهران إلى مشهد للتشرّف بالزيارة بواسطة الطائرة، فوافقها السيّد على ذلك. لذا فقد سافرا بالطائرة و تبعهم بالسيّارات بقيّة الرفقاء للتشرّف بالزيارة، و كان عددهم يقرب من خمسة عشر شخصاً من طهران و غيرها.
و لا يخفى أ نّ الحقير كان في نيّته اصطحاب ولديه الكبيرين ـ السيّد محمّد صادق، و له من العمر ثلاث عشرة سنة، و السيّد محمّد محسن و له من العمر إحدى عشرة سنة و نصف ـ و لم يكن في نيّتي اصطحاب أخيهما الأصغر منهما ـ و اسمه السيّد أبو الحسن و له ثمان سنين ـ فقد كان الأوّلان يستطيعان إدارة أمورهما بنفسهما تقريباً، أمّا بالنسبة لهذا الطفل الصغير فقد كان الأمر صعباً، لذا فلم أقطع له ـ كأخويه ـ تذكرة للسفر حين أعددت تذاكر السفر بالسيّارة مع الرفقاء. و حين عرف سماحة السيّد الحدّاد بذلك قال: أيّها السيّد محمّد الحسين! لِمَ لَم تقطع تذكرة سفر للسيّد أبي الحسن؟!
قلت: إنّه طفل صغير، و سيبقى مع أمّه. فردّ قائلًا: كلّا، إ نّ السيّد أبا الحسن كبير، فاقطع له تذكرة هو الآخر! قلت: سأفعل ذلك. و هكذا فقد قطعت له تذكرة معنا.۱
توفّيت بنت السيّد الثانية و اسمها فاطمة. فكان يقول عنها: كانت وفاتها ليلًا، فوضعناها في زاوية الغرفة لندفنها في اليوم التالي؛ و كنت قد نظرت إليها مدّة على أنّها طفلة رحلت عن الدنيا، فلم تكن لها تلك الأهمّيّة الكبيرة.
ثمّ رأيت تلك الليلة أنّ روحها تكبر في زاوية الغرفة حتّى ملأت البيت، ثمّ كبرت فملأت كربلاء كلّها، ثمّ شملتالدنيا بأسرها. و لقد كانت تلك الطفلة تظهر حقيقتها أن: كم أنا كبيرة مع أنّي ما زلت طفلة!
و كان يقول: هذه هي عظمتها الحقيقيّة. لذا فإنّ علينا أن ننظر إلى أطفالنا بعين الاحترام و نلحظهم على أنّهم كبار، لأنّهم كبار فعلًا لكنّنا نتصوّرهم صغاراً. و لقد كان إبراهيم ابن رسول الله ذو السنتين كبيراً و عظيماً بحيث إنّه لو بقي لكان بمثابة نفس النبيّ. لكأنّ النبيّ كان نفس ولده إبراهيم و قد كبر؛ و لكأنّ إبراهيم هو النبيّ نفسه، كلّ ما في الأمر أنّه في زمن طفولته و صباه؛ {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ}.۱
و كان يقول: لذا فإنّ من الأجدر على الإنسان احتراماً للطفل المولود حديثاً أن يجتنب الجماع أربعين يوماً، و أن يؤخذ الطفل الصغير الذي لم يتعدّ عدّة أشهر و هو في قماطه إلى مجالس العلم و محافل الذِّكر، و إلى الحسينيّة و أماكن إقامة العزاء التي يذكر فيها اسم سيّد الشهداء؛ لأنّ نفس الطفل أشبه بالمغناطيس تجذب العلوم و الأوراد و الأذكار و قدسيّة روح الإمام الحسين عليه السلام. و مع أ نّ الطفل لا يستطيع الكلام لكنّه يتمتّع بالإدراك، و لو وُضعت روحه في محلّ أو محالّ المعصية، لتلوّثت بذلك الجرم و تلك المعصية، أمّا لو اخذ إلى محلّ أو محالّ الذِّكر و العبادة و العلم لاكتسب تلك الطهارة و الصفاء.
و كان يقول: ضعوا أطفالكم في زاوية الغرفة التي يُقام فيها قراءة التعزية أو الذِّكر الذي تقومون به! فلقد كان العلماء السابقون يفعلون ذلك، لأنّ الآثار التي يكتسبها الطفل في هذه المرحلة تبقى ثابتة فيه إلى آخر عمره و تصبح ضمن غرائزه و صفاته الفطريّة، ذلك لأنّ نفس الطفل في هذه الفترة لها قابلية محضة، مع أ نّ عامّة الناس لا يدركون هذا المعنى المهمّ و السرّ الخطير.٢
المبدأ الثاني: الاعتدال في المحبّة والغضب
في المحيط الأسري، يجب أن تُعمَل كلا هاتين الصفتين في مكانها المناسب؛ فالرأفة والعطف الزائدان عن الحدّ، يوجبان انحراف أفراد الأسرة، وانغماسهم في الميول النفسية، ممّا يؤدّي إلى جموح النفس الأمارة وتمرد الأطفال عن الأوامر الضرورية بالنسبة لهم، وتضييع مصالحهم الواقعية، وهو ما يؤدّي إلى الإضرار والخسران بالأسرة.
وفي مقابل هذا الأسلوب السيّئ، نجد أنّ الاعتماد المفرط والزائد عن الحدّ للقوة الغضبية، يؤدي أيضاً إلى سيطرة جوّ من البرودة والفتور في العواطف، والانكسار في القلوب، واليأس والخمود بين أعضاء الأسرة. لذلك فإنّ كلا الأسلوبين خاطئ، والصحيح هو إعمال كلّ من هاتين القوتين في مكانها وظروفها المناسبة. فإنّ تربية الطفل تتفاوت بتفاوت ظروف حياته المختلفة، ولا تنتهي المسألة بالتذرّع بكون ولدي طفلاً صغيرًا فأترك له المجال ليفعل ما يشاء بلا أيّ رادع أو مانع، فهذا عين الظلم والإهمال اتجاهه، وهو تضييع لمستقبله. بل يجب أن يشعر الطفل أنّ حال والديه لن يكون واحداً أمام تصرفاته المختلفة، وأنّه لا يمكنه أن يفعل كلّ ما يحلو له من تلقاء نفسه.
ولا يخفى أنّ جانب التأديب يجب أن يكون أقوى في شخصية الأب، ويكون جانب الرأفة هو الغالب في شخصيّة الأم:
... | *** | از شير حملة خوش بود از غزال رم |
يقول الشاعر: يحلو من الأسد هجومه ومن الغزال فراره.۱
لازم على الوالدين أن يؤدّبوا الطفل ولا يتركوه يفعل ما يشاء، ولكن كيفيّة التأديب تختلف بحسب الظروف المختلفة. والنقطة الأساسيّة هي أن يعلم الطفل أنّه سوف لن يترك بحاله مرسلاً وبلا محاسبة ومراقبة، وعليه أن يحسّ بأنّه إذا لم يسمع ولم يقبل كلام والديه فسوف لا يكون له موقع عند الوالدين، والحقيقة أنّ الطفل يعرف ذلك ويفهم. ويجب على الوالدين القيام بهذا الأمر في كلّ الأحوال حتى لا يكون الطفل في حالة من الاسترسال والتمادي اتجاه الأعمال غير الصالحة. ولكن مع اللطف والحنان عقيب التذكّر والتنبّه والتأديب٢.
المبدأ الثالث: توزيع دوري الحزم والعطف بين الأبوين
العواطف والأحاسيس منحة إلهيّة وهبها الله تعالى للمرأة لأجل تربية الأولاد؛ ولولاها لما ساد الدفء أجواء الأسرة، ولما تمتّعت العائلة بذلك الدفء، وتلك المحبّة والألفة، وذلك الأنس؛ فأحوال الرجل مختلفة عن المرأة؛ فهو ينسجم مع الذهاب خارج البيت، ومع الاجتماع بالناس، ومع الإدارة والتدبير، وبقيّة المسائل التي ترتبط بالخارج، حيث تقتضي قدراته هذا الأمر؛ وحينما يرجع للمنزل، فإنّنا نجده يفتقد تلك الفطنة، وذلك الاستعداد، وذلك الشعور الخاصّ، وذلك الجانب من اللطافة الذي من شأنه أن يجمع بين أعضاء الأسرة؛ لا سيّما الأطفال والأبناء الصغار؛ أو حتّى إذا كان يتوفّر على ذلك، فإنّ حظّه منه يكون قليلاً. لقد كان المرحوم العلاّمة يقول مرارًا وتكرارًا: «الهجوم حسن من الأسد، والفرار حسن من الغزالة»؛ ومن المهمّ جدًّا في التربية الأسريّة ألاّ يستبدل الرجل مكانه في البيت بمكان المرأة؛ فالمرأة عليها أن تتعامل بلطف ومحبّة ودفء وحنان؛ لكن، هذا لا يعني أنّ الرجل عليه أن يكون حاملاً بيده العصا فقط منذ أن يدخل إلى المنزل، لا! بل عليه أن يُحافظ أيضًا في أسلوب تعامله على الصبغة الأبويّة؛ وبوسع الإنسان تطبيق تلك اللطافة على هذا الطابع الأبويّ، ولا ينبغي بالضرورة اللجوء إلى العصا والسوط؛ لكن، أن يأتي الرجل ويُغيّر أحواله إلى أحوال أنثويّة، فإنّ هذا سيُساهم في معاناة النظام التربويّ من الضعف والنقص. «الهجوم حسن من الأسد، والفرار حسن من الغزالة»؛ فالرجل مطالب بالتمتّع بطابع تربويّ، والمرأة مكلّفة من ناحية أخرى بإبراز المحبّة والمواساة؛ لكي يتسنّى للطفل التوفّر على كلتي الحالتين: الأولى محبّة الأمّ، وجاذبيّتها، والارتباط بها؛ والثاني حالة الخضوع للتربية؛ فإذا تقرّر أن يصير الرجل امرأة، مع أنّ المرأة تظلّ على ما هي عليه، فمن الواضح إلى ماذا سيؤول إليه حال هذا الصبيّ!
ولهذا السبب، فقد جرى في النظام التربويّ الإسلاميّ تعيين مجال التربية لكلّ واحد من هذين الطرفين؛ وما هو المجال الذي يخضع لتربية الأمّ، وما هو المجال الذي يخضع لتربية الأب.۱