وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم

التوحيد في الذات والصفات والأفعال

931
مشاهدة المتن

المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي

القسم الاخلاق والحکمة والعرفان


التوضيح

التوضيحات: لقد اهتمّ العرفاء بالله والأولياء الإلهيون بمسألة التوحيد اهتمامًا بالغًا، باعتبارها أساس الدين والمحور الذي يدور حوله. وقد أصرّ هؤلاء الأعاظم على أنّ وحدة الوجود تمثل أعلى مراتب التوحيد وأدقها. فما المراد بوحدة الوجود؟ تحاول هذه المقالة، المستفادة من كلمات العلّامة الطهراني (رضوان الله عليه)، أن تقدّم شرحًا واضحًا لهذا المفهوم العميق، بالاعتماد على الآيات القرآنية الكريمة لتوضيح هذه الفكرة من خلال بيان معنى التوحيد في الذات والصفات والأفعال.

/٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم - التوحيد في الذات والصفات والأفعال

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم

  • التوحيد في الذات والصفات والأفعال

  •  

  • بحث منتخب من محاضرات 

  • سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ 

  • قدّس الله نفسه الزكيّة

  •  

  • إعداد: الفريق العلمي في موقع مدرسة الوحي

  • المصدر: كتاب معرفة المعاد ج۱ للعلامة الطهراني قدس سره

  •  

  •  

وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم - التوحيد في الذات والصفات والأفعال

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • و الحمد لله ربّ العالمين و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  • و صلّى الله على محمد و آله الطاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين‌

  •  

  •  

  • مقدمة اللجنة العلمية

  • [لقد اهتمّ العرفاء بالله و الأولياء الإلهيون بمسألة التوحيد اهتمامًا بالغًا، معتبرين إيّاها أساس الدين والمحور الذي تدور حوله جميع معارفه وتعاليمه. ويرى هؤلاء الأعاظم أن وحدة الوجود تمثل أعلى مراتب التوحيد وأدقها.

  • ورغم ذلك فقد واجهت هذه المسألة المهمة بعض الإشكالات والاعتراضات، نتيجة عدم الفهم الصحيح للمراد منها، ولذا كان من الضروري أن نبين المقصود من وحدة الوجود بشكل صحيح و من خلال الاستفادة من كلمات نفس العرفاء و الأعاظم ليتضح المراد منها بشكل أفضل وتندفع بذلك الشبهات التي أثيرت حولها.]

  • وحدة الوجود تعني التوحيد في الذات

  • [و من أوضح البيانات التي يمكن لنا أن نفهم من خلالها فكرة التوحيد الذاتي (يعني مسألة وحدة الوجود و الموجود) ما أورده المرحوم العلاّمة الطهراني قدس سره لبيان هذه الفكرة من خلال مثال قرآني، في كتابه معرفة المعاد:]

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى‌ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}.۱

  • ينسب الله جلّ و عزّ في هذه الآية المباركة قبض أرواح الناس إلى عزرائيل ملك الموت، كما ينسب ذلك إلى نفسه مباشرة في الآية الشريفة... : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها}٢.

  • كما انّه ينسب قبض الروح في آية أخرى لا إلى ملك خاص معيّن، بل إلى الملائكة:

  • {وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ‌ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ}٣.

  • و يقوم في آية رابعة بنسبة السلام والتحيّة إلى الملائكة الذين يقومون بقبض أرواح الطيّبين و المخلَصين: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.٤

  • و يذكر في آية أخرى في نفس السورة أنّ الظالمين و الجائرين يعمدون إلى المسالمة مع الملائكة حين يأتون لقبض أرواحهم، كما يعمدون إلى إنكار أعمالهم و قبائحهم التي ارتكبوها، و لكن بلا جدوى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى‌ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}‌.٥

    1. الآية ۱۱، من السورة ٣٢: السّجدة.
    2. الآية ٤٢ من السورة ٣٩: الزمر.
    3. الآية ٦۱ من السورة ٦: الأنعام.
    4. الآية ٣٢ من السورة ۱٦: النحل.
    5. الآية ٢۸ من السورة ۱٦: النحل.

وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم - التوحيد في الذات والصفات والأفعال

3
  • و بعد أن يُجيبهم الملائكة بهذا الخطاب، يخاطبونهم من جديد قائلين: {فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}.۱

  • و كما يُلاحظ في هذه الآيات فإنّ قبض الروح قد نُسب في بعض هذه الآيات إلى الله سبحانه، و في بعضٍ إلى ملك الموت، كما نسب في البعض الآخر إلى الملائكة الذين يقبضون بطريقة معينة أرواح الطيّبين و المخلصين، و يقبضون بطريقة أخرى أرواح الظالمين و الجائرين.

  • فما الذي يفيده الجمع بين هذه الآيات؟ إنْ كان الله يقوم بنفسه بقبض الروح فما الذي يفعله عزرائيل و سائر الملائكة؟ و إن كان ذلك من فعل عزرائيل لوحده فما هو عمل باقي الملائكة؟ و ما معنى نسبة هذا الفعل إلى الذات المقدّسة للربّ جلّ و عزّ؟ وإذا كان ذلك من فعل الملائكة، فما هو عمل ملك الموت؟ و ما الذي تعنيه نسبة قبض الروح إلى الله هنا أيضاً؟

  • تلك مسألة ينبغي إلقاء الضوء عليها، و ذلك لأنّه علاوة على عدم وجود تناقض في القرآن الكريم، فإنّ هذه الآيات تبيّن أصلًا مهمّاً من أصول التوحيد المتقنة.

  • التوحيد في الذات و التوحيد في الصفات والتوحيد في الأفعال

  • و لإيضاح هذا المعنى نقول: إنّ الدين الإسلامي المقدّس قائم على أساس التوحيد، التوحيد في الذات، التوحيد في الصفات، والتوحيد في الأفعال؛ فالتوحيد في الذات يعني أن ليس هناك في جميع عوالم الوجود الّا وجوداً مستقلًا واحداً قائماً بالذات، و ذلك الوجود يعود للذات المقدّسة لمفيض الوجود وواهبه جلّ و علا، امّا باقي الموجودات فليس وجودها الّا وجود ظلّي و تبعي و معلول و ناقص و ممكن.

  • امّا التوحيد في الصفات فإنّه يعني أنْ ليس هناك في جميع عوالم الوجود الّا علم مطلق واحد و حياة مطلقة واحدة و قدرة مطلقة واحدة؛ و كذلك الأمر في سائر الصفات، و أنّ هذه الصفات مختصّة بالذات المقدّسة للحيّ القديم العالم القدير، كما أنّ الصفات التي تشاهد في باقي الموجودات من العلم و القدرة و الحياة هي جميعها من إشعاع علم وقدرة وحياة واجب الوجود، وليست مستقلّة بنفسها، بل إنّ نسبتها إلى الصفات الالهيّة كنسبة الظلّ إلى الشاخص، و في حكم الإشعاع المضي‌ء من مصدر النور و القدرة والعلم والحياة.

    1. الآية ٢٩، من السورة ۱٦: النحل.

وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم - التوحيد في الذات والصفات والأفعال

4
  • و كذلك الأمر في التوحيد في الأفعال الذي يعني أن ليس هناك في جميع عوالم الوجود إلّا فعل واحد مستقل قائم بالذات، و أنّ جميع الأفعال التي تصدر من الموجودات الممكنة هي جميعاً إشعاع ذلك الفعل المستقلّ بالذات، القائم بوجود واجب الوجود. كما أن تلك الأفعال في نفس الوقت‌ الذي تمتلك النسبة إلى الممكنات، فإنها تمتلك أيضاً النسبة إلى الخالق جلّ و عز. اي أنّ الفعل الذي يصدر من الموجودات هو ظهور و طلوع من فعل الربّ عزّ و جل، فذلك العمل متعلّق حقيقة بالله سبحانه، فهو يظهر و يطلع في ذلك الموجود بأمر الله و إذنه، و على هذا الأساس فإنّ الظهور يجد النسبة أيضاً إلى ذلك الموجود.

  • و لذلك فإنّ الفعل الذي يقع من موجود معيّن، و الذي ينسب إلى ذلك الموجود، هو في حقيقة الأمر وواقعه منسوب إلى الله سبحانه، غاية الأمر أنّ هاتين النسبتين ليستا في عرض بعضهما، بل هما في طول بعضهما. و ذلك لانّ أيّا من الله تعالى و ذلك الموجود لم ينجز ذلك الفعل بصورة مستقلّة، كما انّهما لم يشتركا في فعله سويّاً، بل إنّ ذلك الفعل قد صدر و ظهر أوّلًا و بالذات من مصدر الفعل و الوجود، و هو الذات المقدّسة للَه تعالى، ثمّ ظهر و نشأ في هذا المورد ثانياً و بالعرض.

  • جميع الموجودات آيات و مرايا لذات الحق تعالى

  • و قد قال الحكيم السبزواري في هذا الشأن:

  • فَالكُلُّ بِالذَّاتِ لَهُ دِلَالة***حَاكِيَةٌ جَمَالَهُ جَلَالَه‌
  • وَ كُلُّ جُزْئِيٍّ مِنَ الأسْمَا وُضِعْ‌***وَضْعَاً إلهيّاً لِمعنى مَا صُنعْ‌
  • إذْ عَرَضُ الدَّلالَةِ الْعرْضِيّة***تَزُولُ لَا الذَّاتِيَّةُ الطُّولِيَّة۱
  • يقول: إنّ جميع الموجودات هي ذاتاً آيات و مرايا لذات الحقّ، دالّةٌ على وجوده و حاكية عن جماله و جلاله، و أنّ كلّ واحد من الموجودات و الأسماء الجزئيّة له دلالة على ذاته بالوضع الإلهي و الواقعي، لا بالدلالة الوضعيّة و التصنّعيّة، و سبب ذلك أنّ الدّلالة إن كانت عرضيّة فإنّها ستفنى خلافاً للدلالة الطوليّة الناشئة من العلّة و المعلوليّة و الموجودة بالذات الموجودة في حاقّ وجوده.

    1. المنظومة السبزواريّة، غرر في تكلّمه تعالى، ط ناصري، ص ۱۷۷ و ۱۷۸.

وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم - التوحيد في الذات والصفات والأفعال

5
  • تطبيقات فكرة التوحيد في الذات و الصفات و الأفعال في القرآن الكريم

  • و لذا ينبغي القول بأنّ ملك الموت الذي يمثّل مرآة للدلالة على الذات المقدّسة للربّ الودود، و سائر ملائكة قبض الأرواح الذين يمثّلون مرآةً لملك الموت، لهم الاتّحاد جميعاً مع الذات المقدّسة للباري تعالى شأنه العزيز، أي أنّ لهم العينيّة معها، و ليس هناك انفصال و بينونة يمكن تصوّرها بينهم وبينها في مقام الفعل.

  • انّ فعل قبض الأرواح ينشأ و يظهر من الذات المقدّسة للخالق عزّ و جلّ، ثمّ يظهر في الوهلة الاولى في مرآة وجود ملك الموت، ثمّ يطلع و يظهر منه إلى الملائكة الآخرين حسب اختلاف درجاتهم و مراتبهم حتّى يصل أخيراً إلى مجموعة الملائكة الذين هم أخفف منهم في جميع الدرجات و سعة الوجود. و لانّ هذه الأفعال تقع طوليّاً لا عرضيّاً بالنسبة إلى أحدها الآخر، فإنّها جميعاً في الحقيقة فعل واحد، لذا فإنّ ذات الخالق المقدّسة مستقلّة في فعل قبض الأرواح و لا يمكن أبداً افتراض مساعد أو معين في هذا العمل بالرغم من أنّ هذا الفعل يحصل على يد ملك الموت و على يد سائر الملائكة التابعين له.

  • و بناءً على هذا الأساس العام، يُشاهد أنّ القرآن الكريم حين يبحث في موضوعات كمثل موت الموجودات و حياتها و رزقها، و مثل الحوادث السماويّة و الأرضيّة، فإنّه ينسبها بوضوح إلى عللها السفليّة أو العلويّة في نفس الوقت الذي ينسبها فيه إلى ذات الخالق المقدّسة التي يعدّها وحيدة متفرّدة في هذه الأفعال لا شريك لها۱.

  • فنراه في مسألة الخلقة مثلًا ينسب إلى الإنسان كثيراً من أفعاله في عين الحال التي ينسبها إلى ذات الله المقدّسة: {وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ}٢ . ويقول في آية أخرى: {ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ فَاعْبُدُوهُ}‌.٣و في آية ثالثة: {قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ}.٤

  • وكذلك فإنّ الآية ٦٢، من السورة ٣٩: الزمر، و الآية ٦٢، من السورة ٤۰: غافر، والآية ٢٤، من السورة ٥٩: الحشر، لها دلالة مشابهة على ما ذكر.

    1. لمزيد من الاطلاع يمكن الرجوع إلى تفسير الميزان طبعة الآخوندي، المجلّد الاوّل، ص ۷٢ تحت عنوان «تصديق القرآن لقانون العليّة العامّة»، و ص ٤۰٦ من نفس المجلّد تحت عنوان «كلام في استناد مصنوعات الإنسان إلى الله سبحانه».
    2. الآية ٩٦، من السورة ٣۷: الصافات.
    3. الآية ۱۰٢، من السورة ٦: الأنعام.
    4. الآية ۱٦، من السورة ۱٣: الرعد.

وحدة الوجود في ضوء القرآن الكريم - التوحيد في الذات والصفات والأفعال

6
  • و هكذا الأمر في موضوع المِلكيّة و المَلِكية؛ فمع انّه ينسب مُلك جميع الموجودات و مِلكها بشكل خالص محض إلى الله سبحانه، كمثل قوله: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما فِيهِنَ}‌.۱

  • و الكثير من الآيات القرآنية التي استعمل فيها تعبير: {لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‌}؛ لكنّه في نفس الوقت ينسب المِلك و المُلك مرّة إلى آل ابراهيم: {فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً}٢، [وقال تعالى:] {وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ}٣، {وَ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ}٤ ، {وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ}.٥ و ٦

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. الآية ۱٢۰، من السورة ٥: المائدة.
    2. الآية ٥٤، من السورة ٤: النساء.
    3. الآية ٢۰، من السورة ٣۸: ص.
    4. الآية ٣، ٢٤، ٢٥ و ٣٦، من السورة ٤: النساء. و الآية ۷۱، من السورة ۱٦: النحل. والآية ٦، من السورة ٢٣: المؤمنون، و ... و ...
    5. الآية ٥۰، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    6. [ملاحظة: تمّ انتخاب هذا البحث من كتاب معرفة المعاد ج۱ ص ۱٥٥ – ۱٦۱ لسماحة العلامة آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهراني قدّس الله نفسه الزكيّة، وقد تمّت مقابلة النصوص مع النسخة الفارسيّة من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق]