المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
القسم التاريخ و الاجتماع
التوضيح
ما هي معالم حكومة بني أمية بشكل عام و يزيد بن معاوية بشكل خاصّ؟ ولماذا خرج الإمام الحسين عليه السلام على هذه الحكومة؟ و ما هي غاياته من هذا التحرّك؟ أسئلة يجيب عليها العلامة الطهراني رضوان الله عليه في هذا البحث القيّم مؤيّداً ذلك بشواهد تاريخية، و مجيباً على بعض الشبهات التي يطرحها المخالفون.
هو العليم
معالم حكومة يزيد
وسبب خروج الإمام الحسين عليه السلام على حكومته
بحث منتخب من «نور ملكوت القرآن»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لقد جسّد الحسين عليه السلام الأنموذج الحيّ والمثال الجليّ لهدف جدّه رسول الله وأبيه عليّ المرتضى وأُمّه فاطمة الزهراء وأخيه الحسن المجتبى في بيوتٍ:
{أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ ويُسَبِّحُ لَهُ فيهَا بِالْغُدُوِّ وَالأصَالِ ، رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَوةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَوةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ}۱.
صور من مثالب يزيد بن معاوية
يقابله في الجانب الآخر يزيد اللعين مثال الغرور والأنانية والتكبر والتمرّد، بقدرته الجهنميّة والشيطانيّة التي أخضعت الشرق والغرب٢، يزيد المُعلِن لشرب الخمور، الساهر ليله في مجالس الخمر والسكر مع المغنّيات، الناكح للمحارم، اللاعب بالقرود؛ ولم يكن ليفعل هذا لوحده، بل إنّ شرب الخمر والسكر والتغني صار رائجاً في عهده، حتى كان عمّاله في الحرمَين الشريفين مكّة والمدينة يتجاهرون بشرب الخمر ويعقدون مجالس اللهو واللعب على مرأىً من المسلمين ومسمع. وكان خراج المسلمين والضرائب المستحصلة منهم يُصرف في هذه المطامع، في حين ساد الفقر والفاقة بين الضعفاء والمساكين فغلب عليهم، حتّى لم يبقَ لهم ما يسترون به عوراتهم، ولا ما يبلغون به كفافهم ويسدّون به رمقهم.
هناك في الجانب الآخر رجل بليغ تمرّس في الفصاحة والبلاغة وقول الشعر بداهةً، يُوظّف أشعاره في السخرية من الخالق والقيامة والنبيّ والقرآن وحجّ البيت والأذان والصلاة، ويرى معانقة حبيبته أمّ كلثوم أولى من الحفاظ على حدود الإسلام وثغوره من الضياع أو صيانة الأسرى من ذلّ الأسر، فيسدّد بعمق فكرته وشدّة رأيه ضربته لاستئصال جذور الولاية وأُصولها، ويقدّم في أشعاره الخمر للإمام المطلق على الأرض خامس أهل الكساء وسبط سيّد المرسلين، ويدعوه إلى شربه بلا حياء ولا مواربة.
غاية الحسين عليه السلام من القيام على حكومة يزيد
و نلحظ هنا طلوع آية {فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} فيتحرّك سيّد الشهداء عليه السلام من جنوب الحجاز إلى الكوفة والشام لدحره وفضحه وقمع أمره، ويُعلن للدنيا بندائه الملكوتيّ وآهاته الحرّى وأنينه الصادع للأكباد أن: أيّها الراقدون الغافلون! يا من أطار لبّهم وأعمى بصيرتهم الانغماس في الدنيا والملاهي! ويا من أقعدتهم السجّادة والمسبحة! انهضوا فلقد أُهين القرآن! انهضوا فيزيد يتغنّى في أشعاره بالسخريّة ممّن جاء بالقرآن! ولقد تبدّد الدين والشرف والأصالة، وآلت عاقبة حروب بدر والأحزاب وحُنين التي جرت لإقرار القرآن إلى حكومة جائرة ظالمة بِيَدِ الجائرين الذين نصبوا مجالس الشراب فوق دماء شهداء أحد، والذين استمدّوا القوّة والسلطة من دماء شهداء بدر والأحزاب فصاروا يعقدون الآن مجالس الغناء واللهو واللعب.
أيّها النائمون! أنا الحسين، أمضى على بصيرة من أمري لأهدّ قصر يزيد على أُمِّ رأسه، وسأوفّق في هذا الأمر، لا فرق إن قتلتُه أم قُتلت، فالأمر سيّان عندي؛ والهدف والقصد واحد لديّ، فلا ضير عندي إن اختلفت إليه السبل، فلواء الظفر في يدي على كلّ حال، والحياة مع الجنايات العلنية لهذا الرجس الكافر هي الموت بعينه؛ والموت في ظلّ حدّ السيف القاطع، أو هدفاً للسهام المثلّثة الشعب ورجم حجارة جيش الكوفة هو عين الحياة.
لقد كان سيّد الشهداء عليه السلام يرى حتفه كوضوح الشمس، وسَوْق أهله سبايا رأي العين، وهو يعلم أن لابدّ لتحقيق هدفه من ذلك.
و لقد تمثّلت غايته في صرخته المظلومة المدوّية: إنّ حكومة يزيد ما هي إلا خلف وامتداد لحكومة معاوية وحكومة الخلفاء الغاصبين، وامتداد وخلف لحكومة أبي سفيان الجاهليّة، فالمحن والآلام والمشاقّ التي تحمّلها النبيّ الأكرم صابراً محتسباً ستذهب جميعاً أدراج الرياح، وسيضيع الدين ويتلاشى هباء منثوراً.
فحين أعلم أنّي سأُقتل، ويبقى صوت المؤذِّن هدّاراً من فوق المأذنة بنداء الله أكبر فأنا المنتصر، لأنّي نلتُ لقاء ربّي، وعملتُ بالمسؤوليّة الملقاة على عاتقي.
والويلُ من يوم أحيا فيه فأرى حقّ المظلومين يُهدر، وسيوف الظالمين تحزّ رقاب المستضعفين، وأموال المسلمين تُنفق باسم الرئاسة والحكومة في الأغراض الشخصيّة، فذلك يوم لا حياة لي فيه.
لا حياة لي يوم أرى يزيد يحتسي الخمر في دولة الإسلام وفي مدينة الرسول علناً ولا يستحيي؛ فأنا أسعى لحياتي، وحياتي مرهونة بحياة القرآن، وحياة القرآن مرهونة بحياتي.
إنّ عظمة وجلال نهضة سيّد الشهداء عليه السلام لن يدركها ويلمسها جيّداً من لم يطّلع ويدرك عمق التأريخ السياسيّ لتلك الفترة العصيبة، ويدرس وضع حكومة يزيد وكيفيّة تسلّطه وسيطرته على البلاد الإسلاميّة، وسعيه الشديد في ترويج المنكرات وإشاعة الفحشاء.۱
أشعار يزيد في وصف الخمر بحضور الحسين عليه السلام
أورد أبو الفرج الأصفهانيّ أنّ معاوية أرسل يزيد إلى الحجّ، فجلس يزيد بالمدينة على شراب، فأستأذن عليه عبدالله بن العبّاس والحسين بن علي فأمر بشرابه فرُفع، وقيل له: إنّ ابن عبّاس إن وجد ريح شرابك عرفه، فحجبه وأذِنَ للحسين عليه السلام. فلمّا دخل وجد رائحة الشراب مع الطيب فقال:
لِلّهِ دَرُّ طِيبِكَ هَاذ مَا أطْيَبَهُ! ومَا كُنتُ أحْسِبُ أحَداً يَتَقَدَّمُنَا في صَنْعَةِ الطَّيبِ. فَمَا هَذَا يَا بْنَ مُعَاوِيَةَ؟!
فقال يزيد: يا أبا عبد الله! هذا طيب يُصنع لنا بالشام. ثمّ دعا بقدح فشربه ثمّ دعا بقدح آخر، فقال: اسقِ أبا عبد الله يا غلام.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: عَلَيْكَ شَرَابَكَ أيُّهَا المرْءُ! لا عَيْنَ عَلَيْكَ مِنِّي.
فَشَرِبَ وقَالَ:
ألا صَاحِ لِلْعَجَبِ | *** | دَعَوْتُكَ ثُمَّ لَمْ تُجِبِ |
إلَى القِينَاتِ واللَّذَّا | *** | تِ وَالصَّهْبَاءِ والطَّرَبِ |
وَ بَاطِيَةٍ مُكَلَّلَةٍ | *** | عَلَيْهَا سَادَةُ العَرَبِ |
وَ فِيهِنَّ التي تَبَلَتْ | *** | فُؤَادَكَ ثُمَّ لَمْ تَتُبِ |
فَوَثَبَ الحسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ وقَالَ: بَل فُؤَادَكَ يَا بْنَ مُعَاوِيَةَ.۱
وأورد في «شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور» -وهو من الكتب النفيسة ذات التحقيقات الرشيقة- عن كياء الهراسيّ (الذي سمّاه ابن خلّكان عليّ بن محمّد الطبريّ)، هذه الأبيات عن يزيد بن معاوية:
أقُولُ لِصَحْبٍ ضَحَّتِ الكَأسُ شَمْلَهُمْ | *** | وَ دَاعِي صَبابَاتِ الهوَي يَتَرَّنَّمُ |
خُذُوا بِنَصِيبٍ مِنْ نَعِيمٍ ولَذَّةٍ | *** | فَكُلُّ وإنْ طَالَ المَدَى يَتَصَرَّمُ٢ |
أشعار يزيد الالحاديّة في هجاء رسول الله والسخرية بيوم المعاد
و روى كذلك عن سبط ابن الجوزيّ عن ابن عقيل قال:
و ممّا يدلّ على كفر يزيد وزندقته أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد، فمنها قوله في قصيدته التي أوّلها:
عَلِيَّةُ هَاتِي واعْلِنِي وَتَرَنَّمِي | *** | بِذَلِكَ إنِّي لا أحِبُّ التَّنَاجِيَا |
حَدِيثُ أبِي سُفْيَانَ قِدْماً سَمَا بِهَا | *** | إلى أحُدٍ حتى أقَامَ البَوَاكِيَا |
ألا هَاتِ سَقِّينِي عَلَى ذَاكِ قَهْوَةً | *** | تُخَيِّرُهَا الْعَتْبَاءُ كَرْماً شَامِيا |
إذَا مَا نَظَرْنَا في أمُورٍ قَدِيمَةٍ | *** | وَجَدْنَا حَلالاً شُرْبَهَا مُتَوَالِيَا |
وَ إنْ مُتُّ يَا أمَّ الأحَيْمِرِ فَانْكِحِي | *** | وَ لا تَأمَلِي بَعْدَ الفِرَاقِ تَلاقِيَا |
فَإنَّ الذي حُدِّثْتِ عَنْ يَوْمِ بَعْثِنَا | *** | أحَادِيثُ طَسْمٍ تَجْعَلُ القَلْبِ سَاهِيَا |
وَلابُدَّ لِي مِنْ أنْ أزُورَ مَحَمَّداً | *** | بِمَشْمُولَةٍ صَفَّرَاءَ تَرْوَي عِظَامِيَا٣ |
وروى القُزَغْلِيّ٤عن يزيد أنّه أنشد هذا البيت:
وَ لَوْ لَمْ يَمَسَّ الأرْضَ فَاضِلُ بَرْدِهَا | *** | لَمَا كَانَ فِيها مَسْحَةٌ لِلتَّيَمُّمِ |
و قال أيضاً إنّ [مِن] أقوال يزيد:
مَعْشَرَ النَّدْمَانِ قُومُوا | *** | وَ اسْمَعُوا صَوْتَ الأغَانِي |
وَ اشْرَبُوا كَأسَ مُدَامٍ | *** | وَ اتْرُكُوا ذِكْرَ المَعَانِي |
شَغَلَتْنِي نَغْمَةُ العِيدَانِ | *** | عَنْ صَوْتِ الأذَانِ |
وَ تَعَوَّضْتُ عَنِ الحُور | *** | عَجُوزاً في الدِّنَانِ۱ |
و في «مروج الذهب» ورد أنّ يزيد أرسل مُسلِمَ بْنَ عَقَبَة لحرب عبد الله ابن الزبير، فأنشد هذين البيتين وكتب بهما إلى ابن الزبير:
ادعُ إلَهَكَ في السَّمَاءِ فَإنَّنِي | *** | أدْعُو عَلَيْكَ رِجَالَ عُكٍّ وأشْعَرِ |
كَيْفَ النَّجَاةُ أبَا خُبَيْبٍ مِنْهُمْ | *** | فَاحْتَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ أتَي العَسْكَرِ٢ |
و روى أيضاً في «شفاء الصدور» هذه الأبيات عن يزيد:
شُمَيْسَةُ كَرْمٍ بُرْجُهُا قَعْرُ دَنِّهَا | *** | وَ مَشْرِقُهَا السَّاقِي ومَغْرِبُهَا فَمِي |
فَإنْ حَرُمَتْ يَوْمًا عَلَى دِينِ أحْمَدٍ | *** | فَخُذْهَا عَلَى دِينِ المَسِيحِ ابْنِ مَرْيَمِ٣ |
أشعار يزيد الصريحة في الكفر
و نُقل من ديوانه كما شهد بذلك سبط ابن الجوزيّ، وكما هو معروف في كتب المقاتل، أنّه أنشد هذين البيتينِ اللذين يكشفان عن كفره ونفاقه القديمينِ عند ورود سبايا أهل البيت الشام وإشرافهم على رُبى جيرون:
لَمَا بَدَتْ تِلْكَ الحُمُولُ وَأشْرَقَتْ | *** | تِلْكَ الشُّمُوسُ عَلَى رُبَى جَيْرُونِ |
نَعَبَ الغُرَابُ فَقُلْتُ نُحْ أوْ لا تَنُحْ | *** | فَلَقَدْ قَضَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ دُيُونِي |
وفي «التذكرة» لسبط ابن الجوزيّ رواية عن الزُهريّ أنّه لمّا جيء بالرؤوس إلى دمشق كان يزيد في منظره على جيرون، فأنشد لنفسه: «لَمَّا بَدَتْ» إلى آخر البيتينِ المذكورينِ.٤
يزيد ينكت بالخيزران ثغر الحسين عليه السلام، [ويبرّر فعله بمنطق عُمر]
و أورد ابن الأثير الجَزَريّ أنّه حين وُضع الرأس المبارك لسيّد الشهداء عليه السلام بين يَدَي يزيد وحدّثوه بأمره، فأذِنَ يَزيد للناس فدخلوا عليه والرأس بين يديه ومعه قضيب وهو ينكت به ثغره بشكلٍ أثّر فيه٥، ثمّ قال٦: إنّ هذا (الحسين) وإيّانا كما قال الحصين بن الحُمام:
أبَى قَوْمُنَا أنْ يَنْصِفُونَا فَأنْصَفَتْ | *** | قَوَاضِبُ في أيْمَانِنِا تُقْطِرُ الدَّمَا |
يُفَلِّقْنَ هَاماً مِنْ رِجَالٍ أعِزَّةٍ | *** | عَلَيْنَا وهُمْ كَانُوا أعَقَّ وأظْلَمَا۷ |
فقال له أبو بَرَزَة الأسْلَمِيّ: أتَنْكُتُ بِقَضِيبِكَ في ثَغْرِ الحُسَيْنِ؟!
أمَا لَقَدْ أخَذَ قَضِيبُكَ في ثَغْرِهِ مَأخَذاً لَرُبَّمَا رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْشُفُهُ، أمَا إنَّكَ يَا يَزِيدُ تَجِيءُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَابْنُ زِيادٍ شَفِيعُكَ؛ وَيَجِيءُ هَذَا وَمُحَمَّدٌ شَفِيعُهُ. ثُمَّ قَامَ فَوَلَّى.۸
ثمّ قال يزيد: واللهِ يا حسين لو كنتُ أنا صاحبك ما قتلتُك. ثمّ قال: أتَدْرُونَ مِنْ أيْنَ أتَى هَذَا؟
ترا أي فلك پردهها چاك باد | *** | ترا دشمن أي چرخ چالاك باد |
تو أي قامت چرخ شو چنبری | *** | تو أي آسمان باش نيلوفري |
خزان باد فصل تو أي نو بهار | *** | كمان باد سور تو أي جويبار |
تو أي مِهر شو تا أبد سرنگون | *** | تو أي مَه بپالاي رخ را به خون |
تو أي گلشن زندگي بر ميار | *** | تو أي پير دهقان درختي مكار |
تو أي قدّ دلكش همه سرمه ساي | *** | تو أي سرو سركش ز پا أندر أي |
تو أي نوجوان زندگاني مكن | *** | ز من چهره را ارغواني مكن |
تو أي نغمه جز ناله راهي مپوي | *** | تو أي نغمه جز ناله حرفي مگوي |
زبان بستن از قصّة دوش به | *** | در اين راز نگشودن گوش به |
خوشتر آن باشد كه سرّ دلبران | *** | گفته آيد در حديث ديگران |
قَالَ: أبِي عَلِيٌّ خَيْرٌ مِن أبِيهِ. وفَاطِمَةُ امِّي خَيْرٌ مِن امِّهِ. وجَدِّي رَسُولُ اللهِ خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ. وأنَا خَيْرٌ مِنْهُ وأحَقُّ بِهَذَا الأمْرِ مِنْهُ.
فَأمَّا قَوْلُهُ: أبُوهُ خَيْرٌ مِنْ أبِي؛ فَقَدْ حَاجَّ أبِي أبَاهُ إلى اللهِ. وعَلِمَ النَّاسُ أيُّهُمَا حُكِمَ لَهُ. وأمَّا قَوْلُهُ: أمِّي خَيْرٌ مِنْ امِّهِ، فَلَعَمْرِي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ امِّي. وأمَّا قَوْلُهُ جَدِّي رَسُولُ اللهِ خَيْرٌ مِن جَدِّهِ فَلَعَمْرِي مَا أحَدٌ يُؤْمِنُ بِاللهِ واليوم الآخِرِ يَرَى لِرَسُولِ اللهِ فِينَا عَدْلاً ولا نِدَاً.
وَلَكِنَّهُ إنَّمَا اتِيَ مِنْ قِبَلِ فِقْهِهِ، ولَمْ يَقْرَأ: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}.۱
[ردّ العلامة الطهراني على منطق يزيد]
و نشاهد هنا أنّ البائس قد خلط بلا فهم بين القدرة الظاهريّة التكوينيّة وبين الحقّانيّة والولاية، فهو يشيّد منطقه على المبدأ الميكافيللّيّ٢ الذي يعتبر الحقّ قائماً على أساس القدرة والتسلّط، وتابعاً لمن قهر بالسيف، وهو نفسه منطق عُمَر الذي بحثنا عنه بالتفصيل في سلسلة كتب «معرفة الإمام»٣ وأثبتنا أنّه منطق مخالف للعقل والوجدان ورسالات الأنبياء، ومخالف لتنزيل الكتب السماويّة ودعوة الناس للعدل والإحسان.
فهذا المنطق هو شريعة الغاب والوحوش الذي يبرِّر به كلُّ متسلّط فتكَه بالضعفاء البائسين، ويوجّه به كلّ ظالم ظلمه وإجحافه.
وسيتصوّر كلّ من تشبّه بيزيد في نزعته، وبعمر في سيرته، وكلّ ميكافيللّيّ الأسلوب والسنّة أنّ أنواع قهرهم وجبروتهم وتسلّطهم حقٌّ مُسلّمٌ لهم، وهذا ما سيقطع الطريق على تربية النفس وتكميلها وتهذيبها ورياضتها للعلوّ والسموّ، وسيسوق العالم في اتّجاه الزوال والدمار.
[يزيد صاحب حراب وجوارح كلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب]
وقد ورد في «مروج الذهب» أنّ يزيد صاحب حراب وجوارح كلاب وقرود وفهود٤ ومنادمة على الشراب.٥
و جلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسين عليه السلام، فأقبل على ساقيه فقال:
اسْقِنِي شَرْبَةً تُرَوِّي مُشَاشِي٦ | *** | ثُمَّ مِلْ فَاسقِ مِثْلَهَا ابْنَ زِيادِ |
صَاحِبَ السِّرِّ والأمَانَةِ عِنْدِي | *** | وَ لِتَسْدِيدِ مُغْنَمِي وَجِهَادِي |
ثُمَّ أمَرَ المُغنِّينَ فَغَنُّوا بِهِ.۷
و ورد في عبارة سبط ابن الجوزيّ بعد هذين البيتين بيت ثالث بهذه العبارة:
قَاتِلَ الخَارِجِيِّ أعْنِي حُسَيْناً | *** | وَ مُبِيدَ الأعْدَاءِ والحُسَّادِ |
و نقل صاحب «شفاء الصدور» هذا البيت في كتابه عن ابن الجوزيّ، وكانت عبارته هي: وقد نقل سبط ابن الجوزيّ تفصيل هذه القصّة وذكر أنّ يزيد استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة وقرّب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه؛ وسكر ليلةً وقال للمغنّي غنِّ، ثمّ قال يزيد بديهيّاً: اسْقِنِي شَرْبَةً تُرَوِّي مُشَاشِي إلى آخر الأبيات الثلاثة التي ذكرناها.۱
تمثّل يزيد بأبيات ابن الزبعرى صريح في الكفر
و أورد سبط ابن الجوزيّ في كتاب «التذكرة»: وأمّا المشهور عن يزيد أنّه لمّا حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام وجَعَلَ يَنْكُتُ عَلَيْهِ بِالخَيْزَرَانِ ويَقُولُ: أبْيَاتَ ابْنِ الزِّبَعْرَى:
لَيْتَ أشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا | *** | وَقْعَةَ الخَزرَجِ مِنْ وَقْعِ الأسَلْ |
قَدْ قَتَلْنَا القَرْنَ مِن سَادَاتِهِمْ | *** | وَ عَدَلْنَا قَتْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ |
قال الشعبيّ: وزاد فيها يزيد فقال:
لَعِبَتْ هَاشِمُ بِالمُلْكِ فَلا | *** | خَبَرٌ جَاءَ ولا وَحْيٌ نَزَلْ |
لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إنْ لَمْ أنْتَقِمْ | *** | مِن بَنِي أحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلْ٢ |
مقولة يزيد صريحة في قتل الإمام الحسين بحميّة جاهليّة
يقول أبو الفرج ابن الجوزيّ في رسالته «الرَّدُّ عَلَى المتَعَصِّبِ العَنِيدِ المَانِعِ مِن ذَمِّ يَزِيد»٣: لَيْسَ العَجَبُ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ وعُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ، وإنَّمَا العَجَبُ مِنْ خِذْلانِ يَزِيدَ وضَرْبِهِ بِالقَضِيبِ عَلَى ثَنِيَّةِ الحُسَيْنِ، وإغَارَتِهِ عَلَى المَدِينَةِ.
أفَيَجُوزُ أنْ يُفْعَلَ هَذَا بِالخَوَارِجِ؟ أوَ لَيْسَ في الشَّرْعِ أنَّهُمْ يُدْفَنُونَ؟
أمَّا قَوْلُهُ: لِيَ أنْ أسبِيَهُمْ؛ فأمْرٌ لا يَقْنَعُ لِفَاعِلِهِ ومُعْتَقِدِهِ بِاللَّعْنَةِ؟
وَ لَوْ أنَّهُ احْتَرَمَ الرَّأسَ حِينَ وُصُولِهِ وصَلَّى عَلَيْهِ ولَمْ يَتْرُكْهُ في طَسْتٍ ولَمْ يَضْرِبْهُ بِقَضِيبٍ؛ مَا الذي كَانَ يَضُرَّهُ وقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ مِنَ القَتْلِ؟ وَلَكِنْ أحقَادٌ جَاهِلِيَّةٌ، ودَلِيلُهَا مَا تَقَدَّمَ مِن إنْشَادِهِ:
لَيْتَ أشْياخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا | *** | جَزَعَ الخَزْرَجَ مِنْ وَقْعِ الأسَلْ |
لأهَلُّوا واسْتَهَلُّوا فَرَحاً | *** | ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تَشَلْ |
ثمّ يقول ابن الجوزيّ: وهذه الأبيات لابن الزبعرى نقل منها بعضها، وذلك لأنّ المسلمين قتلوا منهم عدداً يوم غزوة بدر، وقتلوا منهم آخرين يوم أحد، لذا فقد استشهد يزيد بهذه الأبيات، ويبدو أنّه غيّر بعض فقراتها. ويكفيه نفس استشهاده بها خزياً ووبالاً وخذلاناً.٤
ليت أشياخي ببدر شهدوا | *** | جَزَعَ الخَزْرَجَ في وَقْعِ الأسَلْ |
فأهلّوا واستهلّوا فَرَحاً | *** | ثُمَّ قالوا لي هَنِيئاً لا تَسَلْ |
حِينَ حُكَّتْ بِفِناءِ بَرْكها | *** | و استحرَّ القَتلُ في عبد الأسَلْ |
قد قتلْنا الضِّعفَ من أشرافِكم | *** | و عدَلْنا ميلَ بَدرٍ فاعْتَدَلْ |
ليت أشياخي ببدر شهدوا | *** | جَزَعَ الخَزْرَجَ في وَقْعِ الأسَلْ |
و ورد في «الفتاوى الكبير» وهو من الاصول المعتمدة لأهل السنّة رواية فيها:
اكْتَحَلَ يَزِيدُ يَوْمَ عَاشُورَاء بِدَمِ الحُسَيْنِ وبِالإثْمِدِ لِيَقِرَّ عَيْنُهُ.
و يتّضح من هذا أنّ الاكتحال يوم عاشوراء يرجع إلى فعل يزيد: لَعَنَهُ اللهُ ومَنِ اسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ.۱
و نرى من جانب آخر أنّ خبر شهادة الحسين عليه السلام يصل المدينة فيفرح حاكمها (عمرو بن سعيد) وهو من بني أميّة فيضحك ويتمثّل بشعر عمرو بن معدي كرب، ثمّ يقول متهكّماً غامزاً: وَاعِيَةٌ كَواعِيَةِ عُثْمَانَ.٢
قول ابنة عقيل بن أبي طالب حين سماعها بشهادة الحسين عليه السلام
و قد أورد كلّ من المسعوديّ وابن كثير الدمشقيّ وابن الأثير الجزريّ في تواريخهم: ودخل البشير على عمرو بن سعيد فقال: ما وراؤك؟ قال: ما سرَّ الأمير؛ قُتِلَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ. فقال: نادِ بقتله، فنادى، فَصَاح نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ وخَرَجَتْ ابْنَةُ عَقِيلِ بْنِ أبِي طَالِبٍ ومَعَهَا نِسَاؤُهَا حَاسِرَةً تَلْوِي ثَوْبَهَا٣ وَهي تَقُولُ:
مَاذَا تَقُولُونَ إنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ | *** | مَاذَا فَعَلْتُمْ وأنتُمْ آخِرُ الأمَمِ |
بِعِتْرَتِي وبِأهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي | *** | مِنْهُمْ اسَارَى وقَتْلَى ضُرِّجُوا بِدَمِ |
مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إذْ نَصَحْتُ لَكُمْ | *** | أنْ تَخْلُفُونِي بِسُوءٍ في ذَوِي رَحِمِي٤ |
يقول ابن الأثير: فلمّا سمع عمرو بن سعيد أصواتهنّ ضحك وقال:
عجَّتْ نِسَاءُ بَنِي زِيادٍ عَجَّةً | *** | كَعَجِيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ الأرْنَبِ |
ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو: وَاعِيَةٌ كَوَاعِيَةِ عُثْمَانَ. ثُمَّ صَعَدَ المِنْبَرَ فَأعْلَمَ النَّاسَ قَتْلَهُ.٥
هدف معاوية ويزيد ومَن تابعهما في الدنيا هو هدم قدسيّة القرآن
لقد كان الهدف من إيراد هذه الحكايات من سيرة معاوية ويزيد بيان أنّ معارضتهم ووقوفهم بوجه أصل القرآن وحقّانيّته والعمل به قد ظهر بهذه الكيفيّة.٦ فالحقد على رسول الله هو حقد على القرآن؛ والعداء لأمير المؤمنين وأولاده عداء مع القرآن، ذلك لأنّ رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة من آله الميامين هم حقيقة القرآن.
إنّ هؤلاء المترفين والمستكبرين، المغرورين بعالم المادّة، والمغمورين في وادي الشهوات والنزوات، الذين أسكرتهم رياح الرياسة والجاه، حين لمسوا عجزهم عن استئصال ظاهر القرآن، وعرفوا أنّ ذلك لا يخدم مصالحهم ورأوا [أنّه] لا يمكنهم الوصول إلى هدفهم الفاسد بما يريدون إلاّ بالقضاء على حقيقة القرآن بمنع العمل به وبإلغاء قوانينه في البلاد الإسلاميّة، تماماً كما أكدّ غلادستون۷ رئيس حزب الأحرار والصدر الأعظم الإنجليزيّ، الذي يرجع إلى أمر تقوية الحركة الصهيونيّة في العالم في خطابه وكلامه.
لذا فهم في نفس الوقت الذي يذيعون فيه القرآن في الإذاعات ويهتفون به من على المآذن، فقد كانوا يسوقون الناس إلى وادي الغفلة والسكرة، حتى إذا ذهبت السكرة وبدأ هؤلاء يفيقون وشرعوا يتطّلعون حولهم ويحاولون اكتشاف ما ضاع منهم، شاهدوا- ويا للهول- أنّ السيل قد جرف كلّ شيء، المزرعة والبستان، المسجد والمدرسة، الزوجة والولد؛ ثمّ علتهم فجأةً الموجة الأخيرة للسيل العارم فقذفت بهم إلى ديار الفناء والعدم.
كان تأريخ سيّد الشهداء عليه السلام أُنموذجاً لنا وقدوةً إلى يوم القيامة تعلّمنا مدى الأهمّيّة الكبيرة للقيام بالحقّ والقسط وإعلان كلمة الحقّ، والسعي لتقويم المسار المنحرف للطغاة المترفين، ويعلّمنا كذلك أنّ العدوّ في الجانب الآخر من هذا الصراع والمعركة لا يدّخر جهداً عن السعي بجدّيّة للقضاء على شخص وشخصيّة ووجود الحقّ والحقيقة، وإلى طمس الآثار والخصائص والأخبار؛ فيأمر عشرة من الفرسان ليمتطوا خيولهم فيهجموا بقساوة على البدن القتيل الطريح على الأرض بلا رأس فيطأوه!!
و لم يكن ذلك في الحقيقة ليمثّل ركل ورضّ البدن، بل ركلاً ورضّاً لروحه وحقيقته وشخصيّته، بياناً للعالم والعالمين بأنّ من كان منطقه كمنطق الحسين هذا، فعاقبته هذه!
و من المطالب المهمّة أنّ بين أميّة كانوا بعد واقعة كربلاء يعملون على هيئة نعل الخيول فيسمّرونها على أبواب دورهم!!
يقول المقرّم في مقتله نقلاً عن «الآثار الباقية» للبيرونيّ:
لَقَدْ فَعَلُوا بِالحُسَيْنِ مَا لَمْ يُفْعَل في جَمِيعِ الامَمِ بِأشْرَارِ الخَلْقِ مِنَ القَتْلِ بِالسَّيْفِ والرُّمْحِ وَالحِجَارَةِ وإجْرَاءِ الخُيُولِ.۱
[كلام البيرونيّ في بيان سرّ وضع بني أميّة لنعال الخيول على أبواب دورهم]
ثمّ ينقل في ذيل هذا المطلب عن كتاب «التعجّب» للكراجكيّ، ص ٤٦، المُلحق بـ «كنز الفوائد»:
وَ قَدْ وَصَلَ بَعْضُ هَذِهِ الخُيُولِ إلى مِصْرَ فَقُلِعَتْ نِعَالُهَا وسُمِّرَتْ عَلَى أبْوَابِ الدُّورِ تَبَرُّكاً. وجَرَتْ بَذَلِكَ السُّنَّةِ عِنْدَهُم؛ فَصَارَ أكْثَرُهُمْ يَعْمَلُ نَظِيرَهَا ويُعَلِّقُ عَلَى أبْوَابِ الدُّورِ.٢
لكنّنا ننقل هنا عين عبارة البيرونيّ التي هي أشدّ إيلاماً للقلوب وتصديعاً للأكباد من حكاية المقرّم ونقله:
وَ اتَّفَقَ فِيهِ (أي في العَاشِرِ مِنَ المُحَرَّمِ) قَتْلُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وفُعِلَ بِهِ وبِهِمْ مَا لَمْ يُفْعَلْ في جَمِيعِ الامَمِ بِأشْرَارِ الخَلْقِ مِنَ القَتْلِ بِالعَطَشِ وَالسَّيْفِ والإحْرَاقِ وصَلْبِ الرُّؤُوسِ وإجْرَاءِ الخُيُولِ عَلَى الأجْسَادِ فَتَشَاءَمُوا بِهِ.
ثمّ يضيف البيرونيّ بعد ذلك: وأمَّا بَنُو امَيَّة فقد لبسوا فيه ما تجدّد، وتزيّنوا واكتحلوا وعيّدوا، وأقاموا الولائم والضيافات، وطعموا الحلاوات والطيّبات، وجرى الرسم في العامّة على ذلك أيّام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم.
و أمَّا الشِّيعَة فإنّهم ينوحون ويبكون أسفاً لقتل سيّد الشهداء فيه، ويظهرون ذلك بمدينة السلام (مدينة الرسول) وأمثالها من المدن والبلاد، ويزورون فيه التربة المسعودة بكربلاء، ولذلك كره فيه العامّة من تجديد الأواني والأثاث.۱
[شعر الفقيه اليمني عمارة في عداء بني أميّة لآل الرسول]
و لقد أبدع الفقيه والعالم والشيخ اليمني عمارة في تعريضه بقصيدة رائعة على كلام يزيد واستكباره وبهتانه وفضيحته مقابل إمام الزمان وقطب دائرة الإمكان والحجّة على جميع الخلائق، ولِلَّهِ دَرُّهُ وعَلَى اللهِ أجْرُهُ:
غَصَبَتْ أُمَيَّةُ إرْثَ آلِ مُحَمَّدٍ | *** | سَفَهاً وشَنَّتْ غَارَةَ الشَّنَآنِ |
وغَدَتْ تُخَالِفُ في الخَلافَةِ أهْلَهَا | *** | وتُقَابِلُ البُرْهَانَ بِالبُهْتَانِ |
لَمْ تَقْتَنِعْ حُكَّامُهُمْ بِرُكُوبِهِمْ | *** | ظَهْرَ النِّفَاقِ وغَارِبَ العُدوَانِ |
وقُعُودِهِمْ في رُتْبَةٍ نَبَويَّةٍ | *** | لَمْ يَبْنِهَا لَهُمُ أبُو سُفْيَانِ |
حتى أضَافُوا بَعْدَ ذَلِكَ أنَّهُمْ | *** | أخَذُوا بِثَارِ الكُفْرِ في الإيمَانِ |
فَأتَى زِيَادٌ في القَبِيحِ زِيَادَةً | *** | تَرَكَتْ يَزَيدَ يَزِيدُ في النُّقْصَانِ٢ |
إنّ تدبير الله سبحانه لعجيب حقّاً، وكيف أنّه في إتمامه الحجّة على الناس ينبعث شخص فاسقٌ تافهٌ وغير لائق بكلّ معنى الكلمة فيقف في مواجهة الإمام بالحقّ والنور المطلق، وينتحل لنفسه اسم النزيه الطيِّب ويدعو مقابله بالخبيث؛ لَيصدق هنا حقّاً وقوف مركَزَي النور والظلمة أمام بعضهما وجهاً لوجه.
يقول الضَحَّاك بن عبدالله، وهو من أنصار سيّد الشهداء عليه السلام: ومرّ بنا ليلة عاشوراء خيل لابن سعد تحرسنا وإنّ حُسيناً عليه السلام ليقرأ:
{وَ لا يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُوا أنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْمًا ولَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ، مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أنتُمْ عَلَيْهِ حتى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.٣ فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له عبدالله بن سمير وكان مضحاكاً وشجاعاً بطلاً فارساً فاتكاً ومن الأشراف.
فقال: نَحْنُ ورَبِّ الكَعْبَةِ الطَّيِّبُونَ مَيَّزَنَا مِنْكُمْ!
فقال له بُرَير بن خُضَير: يا فاسق! أنت يجعلك الله من الطيّبين؟!
فقال له: مَن أنتَ ويلك؟ فقال له: برير بن خضير، فتسابّا.۱
[قراءة رأس الإمام الحسين عليه السلام المقطوع آية الكهف من على الرمح ]
و روى كلاً من الشيخ المفيد وأمين الإسلام الطبرسيّ، أنّه: بعد أن جيء برأس الحسين عليه السلام إلى عبيد الله بن زياد، ووردت زينب سلام الله عليها والسبايا مع السجّاد عليهم السلام، وكان من زينب سلام الله عليها ذلك الكلام والاحتجاج البديع، فلمّا أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام على رمح فدير به في سكك الكوفة كلّها وقبائلها.
فروى عن زَيْدِ بنِ أرْقَمٍ أنَّهُ قَالَ: مُرَّ بِهِ عَلَيَّ وهُوَ عَلَى رُمْحٍ وأنَا في غُرْفَةٍ لِي، فَلَمَّا حَاذَانِي سَمِعْتُهُ يَقْرَا:
{أمْ حَسِبْتَ أنَّ أصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايَاتِنَا عَجَبًا}٢.
فَقَفَّ واللهِ شَعْرِي ونَادَيْتُ: رَأسُكَ واللهِ يَا بنَ رَسُولِ اللهِ أعْجَبُ وأعْجَبُ!٣
[مراثي حجّة الإسلام نيّر التبريزيّ في عظمة بُراق عشق الإمام الحسين عليه السلام]
و ينشد هنا حجّة الإسلام نيّر التبريزيّ رضوان الله عليه في مقام العجب والدهشة:
سر بي تن، كه شنيده است به لب آية كهف | *** | يا كه ديده است به مِشْكَوة تنور آية نور؟ |
و هذه المرثيّة، كسائر مراثيه الاخرى، في أعلى درجات الروعة والعظمة، وأوّلها يبدأ بهذه الأبيات:
اي ز داغ تو روان خون دل از ديدة حور | *** | بي تو عالم همه ماتمكده تا نفخة صور |
خاك بيزان به سر اندر سرِ نعش تو بنات | *** | اشك ريزان به بَر از سوگ تو شعراي غيور |
ز تماشاي تجلّاي تو مدهوش كليم | *** | أي سرت سرّ أنا الله، وسنان نخلة طور٤ |
ديدهها گو همه دريا شو ودريا همه خون | *** | كه پس از قتل تو منسوخ شد آئين سرور |
شمع انجم همه گو اشك عزا باش وبريز | *** | بهر ماتم زده كاشانه چه ظُلْمات وچه نور |
پاي در سلسله سجّاد وبه سر تاجْ يزيد | *** | خاك عالم به سر افسر وديهيم وقصور |
دَير ترسا وسر سبط رسول مدني | *** | آه اگر طعنه به قرآن زند انجيل وزبور |
تا جهان باشد وبوده است كه داده است نشان | *** | ميزبان خفته به كاخ اندر ومهمان به تنور! |
سر بي تن كه شنيده است به لب آية كهف؟ | *** | يا كه ديده است به مشكوة تنور آية نور؟۱ |
إلى آخر هذه المرثيّة ذات النظرة الواقعيّة.
و من بين مراثيه الرائعة:
قتل شهيد عشق، نه كار خدَنگ بود | *** | دنيا براي شاه جهان دار تنگ بود |
عصفور هر چه باد هم آورد باز نيست | *** | شهباز را ز پنجة عصفور ننگ بود |
آئينه خود ز تاب تجلّي به هم شكست | *** | گيرم كه خصم را دل پر كينه سنگ بود |
نيرو از آن گرفت، بر او آخت تير كين | *** | قومي كه با خداي مُهيّاي جنگ بود |
عهد ألست اگر نگرفتن عنان او | *** | شهد بقا به كام مخالف شرنگ بود |
از عشق پرس حالت جانبازي حسين | *** | پاي بُراق عقل در اين عرصه لنگ بود |
احمد اگر به ذروة قوسين عروج كرد | *** | معراج شاه تشنه، به سوي خدنگ بود٢ |
از تير كين چو كرد تهي شاه دين ركاب | *** | آمد فرا به گوش وي از پرده اين خطاب٣ |
كاي شهسوار بادية ابتلاي ما | *** | بازآ كه زان تست، حريم لقاي ما |
معراج عشق را شب أسراست هين بران | *** | خوش خوش براق شوق به خلوت سراي ما |
تو از براي مائي وما از براي تو | *** | عهدي است اين فناي ترا با بقاي ما |
دادي سري ز شوق وخريدي لقاي دوست | *** | هرگز زيان نبُرد كس از خون بهاي ما |
جانبازيت حجاب دو بيني به هم دريد | *** | در جلوهگاه حسن توئي خود به جاي ما |
بازآ كه چشم ما ز ازل بر قدوم تست | *** | خود خاكروب راه تو بود أنبياي ما |
هين زان تست تاج ربوبيّت از ازل | *** | گر رفت بر سَنان سرت اندر هواي ما |
گر ز آتش عطش جگرت سوخت غم مخور | *** | از تست آب رحمت بي منتهاي ما |
ور سفله برد ز تو دستي، مشو ملول | *** | با شهپر خدنگ بپرّد هُماي ما |
گستردهايم بال ملائك به جاي فرش | *** | كازار بر تنت نكند كربلاي ما |
دلگير گو مباد خليل از فداي دوست | *** | كافي است اكبر تو ذبيح مناي ما |
كو نوح؟ گو به دشت بلا أي باز بين | *** | كشتي شكستگان محيط بلاي ما |
موسي ز كوه طور شنيد ار جواب لَن | *** | گو باز شو به جلوه گه نينواي ما |
گر زنده جان ببُرد ز دار بلا مسيح | *** | گو دار كربلا نگر ومبتلاي ما |
منسوخ كرد ذكر اوائل حديث تو | *** | أي داده تن ز عهد ازل بر قضاي ما۱ |
[ملاحظة: انتخب هذا البحث من الجزء الثاني من كتاب «نور ملكوت القرآن» ٢، تأليف المرحوم العلاّمة آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه، وقد تمّ توثيقه ومقارنته مع المصدر الفارسي من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق، و تجدر الإشارة إلى أنّ العبارات و الهوامش التي وقعت بين معقوفتين هي من الهيئة العلميّة]