المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم التاريخ و الاجتماع
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- استشهاد الطفل الرضيع يوم الطف؛
- فضائل عليّ الأكبر عليه السلام واستشهاده؛
- عليّ الأكبر عليه السلام من منظار معاوية؛
- حوار عليّ الأكبر معالإمام الحسين عليهما السلام حول الشهادة.
هو العليم
معاناة ومحن سيّد الشهداء و علي الأكبر يوم عاشوراء
بحث منتخب من «معرفة الإمام»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
نرى من الضروريّ هنا أن نذكّر أنّ بعض السفهاء يظنّون أنّ وقائع عاشوراء كانت هيّنةً عاديّة علی سيّد الشهداء عليه السلام. وأنّ المعاناة والمشقّة والعطش والجرح والقتل والأسر كلّها أُمور سهلة يسيرة، إذ إنّ الإمام عليه السلام ذا الروح الملكوتيّة لا يؤثّر عليه العطش والجوع والجرح والشمس والسيف البتّار. فهو يواجه هذه الأشياء كلّها بوجوده النورانيّ والتجرّديّ وكأنّها حلوى لذيذة الطعم. ثمّ يتعجّبون من عليّ الأكبر كيف قال لأبيه: العطش قتلني، وثقل الحديد أجهدني؟!
ويجيبون أنّ أباه روّاه بوضع لسانه أو خاتمه في فيه. والمراد من ثقل الحديد ليس ثقل الدرع، بل هو كناية عن عظمة الجيش المتدرّع بالحديد الحامل للسيوف إذ يحول دون حملته.۱
وهذا فهم غير سديد. فقد كان سيّد الشهداء عليه السلام بشراً له جسم طبيعيّ. وكان يُدرك العطش جيّداً، ويشعر بالجرح جيّداً، ويحسّ بعويل النساء وصيحات الأطفال: العطش العطش. بل كان أكثر منّا في ذلك بكثير لأنّه كان إنساناً كاملاً. ويستلزم الكمال في الإنسانيّة ظهور المحبّة والمودّة للمخلوقات الإلهيّة، وإدراك اللوازم البدنيّة والطبيعيّة التي تعدّ شرطاً لمقام جمع الجمع بنحو أعمق في نفسه.
أجل، إنّ عشقه للّه، وتفانيه في القرآن والسنّة النبويّة، ومنهاج الولاية العلويّة، وبصيرته وعمق وعيه لانحراف التأريخ والتفسير والحديث وغصب الحكّام الغرباء عن الدين ومعارفه، الذين وصل بهم الدور إلی يزيد الفاسق الفاجر، كلّ ذلك قد ضيّق عليه الدنيا فلم يجد دواءً مفيداً لتنبيه الناس إلاّ الشهادة والجراح والأسر. ولذا سنّ هذا المنهاج بعشق، وتحرّك للقضاء علی الحكومة الأمويّة المتفرعنة، تلك الحركة التي لا تتوقّف ولا رجعة فيها، وإن كانت واقعة الطفّ قد حدثت في منتصف الطريق فَسَلاَمٌ عَلَيهِ ثُمَّ سَلاَمٌ عَلَيهِ ثُمَّ سَلاَمٌ عَلَيهِ. وَاللَّعْنُ عَلَی عَدُوِّهِ، ثُمَّ اللَّعْنُ عَلَی عَدُوِّهِ، ثُمَّ اللَّعْنُ عَلَی عَدُوِّهِ.
أَرأيتم كيف أثّر عليه استشهاد فِلْذَتَي كَبدهِ: عليّ الأكبر وطفله الرضيع، فسوّد الدنيا في عينيه؟ بَيدَ أ نّه تلقّي ذلك بعشق لأنّه كان لِلَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَهِ وَإلی اللَهِ.
استشهاد الطفل الرضيع يوم الطفّ
الطفل الرضيع أُمّه الرباب۱ ابنة امرئ القيس بن عديّ، وأُمّها هند الهنود. قال السيّد ابن طاووس رحمه الله: ولمّا رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبّته، عزم علی لقاء القوم بمهجته ونادى: هَلْ مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ؟! هَلْ مِنْ مُوَحِّدٍ يَخَافُ اللَهُ فِينَا؟! هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو اللَهَ بِإغاثَتِنَا؟! هَلْ مِنْ مُعينٍ يَرْجُو مَا عِنْدَ اللَهِ فِي إعانَتِنَا؟!
فارتفعت أصوات النساء بالعويل. فتقدّم إلی باب الخيمة وقال لزينب: نَاوِلِينِي وَلَدِيَ الصَّغِيرَ حَتَّى أُوَدِّعَهُ. فَأَخَذَهُ وَأَوْمَأَ إلَيهِ لِيُقَبِّلَهُ، فَرَمَاهُ حَرْمَلَةُ بْنُ كَاهِلِ الأسَدِيِّ لَعَنَهُ اللَهُ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ فَذَبَحَهُ.
در كمان بنهاد تيري حرمله | *** | او فتاد اندر ملايك غلغله |
رست چون تير از كمان شوم او | *** | پر زنان بنشست بر حلقوم او |
چون دريد آن حلق، تير جانگداز | *** | سر ز باروي يد الله كرد باز |
تا كمان زه خورده چرخ پير را | *** | كس نديده دو نشان يك تير را |
شه كشيد آن تير و گفت اي داورم | *** | داوري خواه از گروه كافرم |
نيست اين نو باوة پيغمبرت | *** | از فصيل ناقهاي كم در برت٢ |
وما أجمل قول الشاعر وهو يصوّر هذا المنظر!
وَمُنْعَطِفٍ أَهْوَي لِتَقْبيلِ طِفْلِهِ | *** | فَقَبَّلَ مِنْهُ قَبْلَهُ السَّهْمُ مَنْحَرا |
فقال عليه السلام لزينب: خُذِيهِ، ثُمَّ تَلَقَّي الدَّمَ بِكَفَّيْهِ فَلَمَّا امْتَلاَتَا رَمَي بِالدَّمِ نَحْوَ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: هَوَّنَ عَلَی مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللَهِ!
وفي «الاحتجاج»: أ نّه لمّا بقي فرداً ليس معه أحد إلاّ ابنه علیّ بن الحسين، وابنٌ آخر في الرضاع اسمه عبد الله، أخذ الطفل ليودّعه، فإذا بسهم قد أقبل حتّى وقع في لبّة الصبيّ فقتله. فنزل عن فرسه وحفر للصبيّ بجفن سيفه ورمّله بدمه ودفنه.٣
هذا الطفل الرضيع الذبيح وسكينة من أُمّ واحدة، وهي الرباب ابنة امرئ القيس، المارّ ذكرها. وكان سيّد الشهداء عليه السلام شديد الحبّ لسكينة والرباب، وهما أيضاً كانتا تحبّانه إلی درجة أنّ ابن الأثير ذكر في أحوال الرباب زوجة الحسين عليه السلام أنّها بقيت بعده سنة لميظلّها سقف بيت حتّى بليت وماتت كَمَداً. وقيل: إنّها أقامت علی قبره سنةً وعادت إلی المدينة فماتت أسفاً عليه.
أمّا حبّ الحسين عليه السلام لسكينة فقد بلغ مبلغاً أنّه خاطبها بقوله: لا تحرقي قلبي بدمعك حسرةً!
لاحظوا مدى مقام مودّته في عالم الكثرات علی أساس محبّة عالم الوحدة كم كان رفيعاً عالياً صحيحاً، إذ إنّ قطرات من دموع ابنته العزيزة تحرق قلبه حسرةً. هذه كلّها نكات وحِكَم.
ذكر المرحوم المحدِّث القمّيّ والمرحوم آية الله الشعرانيّ أ نّه رُوي في بعض المقاتل أنّ الحسين عليه السلام لمّا نظر إلی اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعي التفت إلی الخيمة ونادي: يَا سُكَيْنَةُ! يَا فَاطِمَةُ! يَا زَيْنَبُ! يَا أُمَّ كُلْثُومَ! عَلَيكُنَّ مِنِّي السَّلاَمُ۱ ! فنادته سكينةُ: يَا أَبَه! أَستَسْلَمْتَ لِلمَوْتِ؟! فَقَالَ: كَيْفَ لاَ يَسْتَسْلِمُ لِلمَوْتِ مَن لاَ نَاصِرَ لَهُ وَلاَ مُعِينَ؟!
...فَأَقْبَلَتْ سُكَيْنَةُ وَهِيَ صَارِخَةٌ وَكَانَ يُحِبُّهَا حُبَّاً شَدِيداً. فَضَمَّها إلی صدره ومسح دموعها وقال:
سَيَطُولُ بَعْدِي يَا سُكَيْنَةُ فَاعْلَمِي | *** | مِنْكِ البُكَاءُ إذَا الحِمَامُ دَهَانِي |
لاَ تُحْرِقِي قَلْبِي بِدَمْعِكِ حَسْرَةً | *** | مَادَامَ مِنِّي الرُّوحُ فِي جُثْمَانِي |
فَإذَا قُتِلْتُ فَأَنْتِ أَوْلَي بِالَّذِي | *** | تَبْكِينَهُ يَا خَيْرَةَ النِّسْوَانِ٢ |
أجل، لم أجد في المقاتل أنّ اسم الطفل الرضيع، الذي استُشهد وأُمّه الرباب، عليّ أو عليّ الأصغر. وذكر البعض أنّ اسمه عبد الله. بَيدَ أنّ الثابت عندي هو أنّ هذا الطفل اختار الشهادة بإرادته واختياره ولبّى نداء أبيه. وهذا سرّ من أسرار عالم الخلقة، إذ يمتلك الأطفال إدراكاً واختياراً وقوّة معنويّة للجذب والتنفير. فلهذا ضحّى هذا الطفل الرضيع بنفسه علی منهاج أبيه.
وَالسَّلاَمُ عَلَيهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ صَارَ عَطْشَاناً وَيَوْمَ ذُبِحَ فِي يَدَيْ أَبِيهِ قَبْلَ أَنْ يُقَبِّلَهُ وَيُوَدِّعَهُ.
فضائل عليّ الأكبر عليه السلام واستشهاده
وَأَمَّا استشهاد عليّ الأكبر روح سيّد الشهداء عليهما السلام، فالثابت أنّه كان أكبر ولد الإمام عليه السلام، وكان له من العمر خمس وعشرون سنةً وله زوجة وولد.٣ وكان أشبه الناس بجدّه الرسول الأكرم صلّيالله عليه وآله وسلّم خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً.
في «إرشاد» المفيد: أُمّه ليلي ابنة أبي مُرَّة بن عُروة بن مسعود الثقفيّ من بني ثقيف. جدّه عروة بن مسعود هو أحد السادة الأربعة فيالإسلام، وأحد رجلين عظيمين في قوله تعالی حكاية عن كفّار قريش:{وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْءَانُ عَلَي رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.٤
وهو الذي أرسلته قريش إلی النبيّ صلّي الله عليه وآله يوم الحديبيّة فعقد معه الصُّلح وهو كافر. ثمّ أسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفي من الطائف، واستأذن النبيّ صلّي الله عليه وآله في الرجوع لأهله. فرجع ودعا قومه إلیالإسلام. فرماه واحد منهم بسهمٍ وهو يؤذّن للصلاة فمات. فقال رسول الله صلّي الله عليه وآله لمّا بلغه ذلك: مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه إلی الله فقتلوه.
(كذا في « شرح الشمائل المحمّديّة» في شرح قوله صلّي الله عليه وآله: ورأيتُ عيسي ابن مريم عليه السلام فإذا أقرب من رأيتُ به شبهاً بعروةبن مسعود).
روي الجَزَريّ في «أُسد الغابة» عن ابن عبّاس أنّه قال: قال رسولالله صلّيالله عليه وآله: أربعة سـادة فيالإسلام: بِشـر بن هلال العبـديّ، وعديّ بن حاتم الطـائيّ، وسُـراقة بن مالـك المُدلَجيّ، وعُروة بن مسـعود الثقفيّ.
وقال في «الملهوف»: مِنْ أصْبَحِ النَّاسِ وَجْهاً وَأَحْسَنِهِمْ خُلْقاً، فَاسْتَأْذَنَ أَبَاهُ فِي القِتَالِ، فَأَذِنَ لَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إلَيهِ نَظَرَ آيِسٍ مِنْهُ وَأَرْخَي عَلَيهِ السَّلاَمُ عَيْنَهُ وَبَكَي.
وروي محمّد بن أبي طالب في مقتله: إنَّهُ عَلَيهِ السَّلاَمُ رَفَعَ شَيْبَتَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَهُمَّ اشْهَدْ عَلَی هَؤلاَءِ القَوْمِ فَقَدْ بَرَزَ إلَيهِمْ غُلاَمٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلْقاً وَخُلْقاً وَمَنْطِقاً بِرَسُولِكَ. كُنَّا إذَا اشْتَقْنَا إلَی نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إلَی وَجْهِهِ.
اللَهُمَّ امْنَعْهُمْ بَرَكَاتِ الأرْضِ، وَفَرِّقْهُمْ تَفْرِيقاً، وَمَزِّقْهُمْ تَمْزِيقاً، وَاجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَداً، وَلاَ تُرْضِ الوُلاَةَ عَنْهُمْ أَبَداً! فَإنَّهُمْ دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا ثُمَّ عَدَوْا عَلَينَا يُقَاتِلُونَنَا.
ثم صاح عمر بن سعد: مَالَكَ؟ قَطَعَ اللَهُ رَحِمَكَ،۱ وَلاَ بَارَكَ اللَهُ لَكَ فِي أَمْرِكَ، وَسَلَّطَ عَلَيكَ مَنْ يَذْبَحُكَ بَعْدِي عَلَی فِرَاشِكَ كَمَا قَطَعْتَ رَحِمِي وَلَمْ تَحْفَظْ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ. ثُمَّ رَفَعَ صَوْتَهُ وَتَلاَ: {إِنَّ اللَهَ اصْطَفَي'ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إبْرَ'هِيمَ وَءَالَ عِمْرَ'نَ عَلَي الْعَـ'لَمِينَ ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَهُ سَمِيعٌ عليمٌ}.٢
وعن «أمالی» الصدوق، و «روضة الواعظين» لابن فتّال: وبرز من بعده (أي: بعد عبد الله بن مسلم بن عقيل) عليُ بن الحسين عليه السلام. فلمّا برز إليهم دمعت عين الحسين عليه السلام فقال: اللَهُمَّ كُنْ أَنْتَ الشَّهِيدَ عَلَيهِمْ فَقَد بَرَزَ إلَيهِمْ ابْنُ رَسُولِكَ وَأَشْبَهُ النَّاسِ وَجْهاً وَسَمْتاً بِهِ!
وقال محمّد بن أبي طالب: رفع الحسين عليه السلام سبّابته نحو السماء (وفي نسخة: قبض علی لحيته) كما قال الشاعر:
شه عشّاق، خلاّق محاسن | *** | به كف بگرفت آن نيكو محاسن |
به آه و ناله گفت: أي داور من | *** | سوي ميدان كين شد أكبر من |
به خَلق و خُلق آن رفتار و كردار | *** | بُد اين نورسته همچون شاه مختار۱ |
وأخذ عليّ الأكبر عليه السلام يرتجز ويقول:
أَنَا عليّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ علي | *** | نَحْنُ وَبَيْتِ اللَهِ أَوْلَى بِالنَّبِي |
مِنْ شَبَثٍ وَشَمِرٍ٢ ذَاكَ الدَّنِي | *** | أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَنْثَنِي |
ضَرْبَ غُلاَمٍ هَاشِميٍّ عَلَوِي | *** | وَلاَ أَزَالُ اليوْمَ أَحْمِي عَنْ أَبِي |
تَاللَهِ لاَ يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي | *** | ... |
وشدّ علی الناس مراراً ـ وقال في «روضة الصفا»: ـ اثنتي عشرة مرّةـ وقتل منهم جمعاً كثيراً حتّى ضجّ الناس من كثرة مَن قُتِلَ منهم. وروي أ نّه قتل علی عطشه مائة وعشرين رجلاً. وفي «المناقب»: أ نّه قتل سبعين مبارزاً. ثمّ رجع إلی أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال:
يَا أَبَة! العَطَشُ قَدْ قَتَلَنِي وَثِقْلُ الحَدِيدِ أَجْهَدَنِي، فَهَلْ إلَی شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ سَبِيل أَتَقَوَّى بِهَا عَلَی الأعْدَاءِ؟٣
فَبَكَي الحُسَيْنُ عَلَيهِ السَّلاَمُ وَقَالَ: وَاغَوْثَاهُ! يَا بُنَيَّ قَاتِلْ قَلِيلاً! فَمَا أَسْرَعَ مَا تَلْقَي جَدَّكَ مُحَمَّداً صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ فَيَسْقِيكَ بِكَأْسِهِ الأوْفَى شَرْبَةً لاَ تَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَداً!٤ فرجع إلی القتال وهو يقول:
الحَرْبُ قَدْ بَانَتْ لَهَا الحَقَائِقُ | *** | وَ ظَهَرَتْ مِنْ بَعْدِهَا مَصَادِقُ |
وَاللَهِ رَبِّ العَرْشِ لاَ نُفَارِقُ | *** | جُمُوعَكُمْ أَوْ تُغْمَدَ البَوَارِقُ |
فلم يزل يقاتل حتّى قتل إتمام المائتين، وكان أهل الكوفة يتّقون قتله. فبصر به مُرّة بن مُنقِذ بن النُّعمان العَبْديّ الليْثيّ فقال: عليّ آثام العرب إن مرّ بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه! فمرّ يشدّ علی الناس بسيفه فاعترضه مُرّة بن منقذ فطعنه فصُرع.
في «الإرشاد»، و «تاريخ الطبريّ»: اعترضه مُرّة، وطعنه، فصرعه. واحتواه الناس فَقَطَّعُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ إرباً إرباً.
وقال أبو الفرج: وجعل يكرّ كرّة بعد كرّة حتّي رُميَ بسهمٍ فوقع في حلقه فخرقه. وأقبل ينقلب في دمه، ثمّ نادي: يَا أَبَتَاهُ عَلَيكَ السَّلاَمُ! هذا جدّي رسول الله صلّي الله عليه وآله يقرئك السلام ويقول: عَجّل القدومَ إلينا. وَشَهِقَ شَهْقَةً فَارَقَ الدُّنْيَا.
وفي بعض المقاتل: ثمّ ضربه منقذ بن مُرّة العبديّ لعنه الله علی مفرق رأسه ضربةً صرعته وضربه الناس بأسيافهم.
ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلی عسكر الأعداء فَقَطَّعُوهُ بِسِيُوفِهِمْ إرْباً إرْباً. فَلَمَّا بَلَغَتِ الرُّوحُ التَرَاقِي قَالَ رَافِعاً صَوْتَهُ: يَا أَبَتَاهُ! هَذَا جَدِّي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ قَدْ سَـقَانِي بِكَأْسِـهِ الأوْفَي شَرْبَةً لاَ أَظْـمَأُ بَعْـدَهَا أَبَـداً وَهُوَ يَقُـولُ: العَجَلَ! فَإنَّ لَكَ كَأْسَـاً مَذْخُـورَةً حَتَّى تَشْـرَبَهَا السَّاعَةَ!
سوي لشكر گه دشمن شدي تفت | *** | ندانم كه كرا برد و كجا رفت |
همي دانم كه جسم جان جانان | *** | مقطَّع گشت چون آيات قرآن |
چو رفت از دست شاه عشق دلبند | *** | دوان شد از پي گم گشته فرزند |
صف دشمن دريدي از چپ وراست | *** | نواي الحذر از نينوا خاست۱ |
عُقابي ديد ناگه پر شكسته | *** | علی افتاده زين از هم گسسته |
سري بي افسر و فرقي دريده | *** | به جانان بسته جان، از خود بريده |
فرود آمد ز زين آن با جلالت | *** | چو پيغمبر ز معراج رسالت |
بگفت با آن چكيده جان عشق | *** | پس از تو خاك بر دنيا و عيشش٢ |
قال حميد بن مسلم: سماع أُذني يومئذٍ من الحسين عليه السلام يقول: قَتَلَ اللَهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يَا بُنَيَّ! مَا أَجْرَأَهُمو عَلَی الرَّحْمَنِ وَعَلَی انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرَّسُولِ. وَانْهَمَلَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ ثُمَّ قَالَ: عَلَی الدُّنْيَا بَعْدَكَ العَفَا!٣
چو رفت از دست شاه عشق پيوند | *** | روان شد از پي گم گشته فرزند |
توانائي شدش از تن، ز سر هوش | *** | گرفت آن پيكر خونين در آغوش٤ |
چو آوردند تمثال پيمبر | *** | برون از خيمه آمد دخت حيدر |
روان شد سوي نعش برگزيده | *** | به دنبالش زنان داغديده |
چنان زد صيحه ليلاي٥ جگر خون | *** | كه عقل ما سِوي گرديد مجنون٦ |
*** |
سر نهادش بر سر زانوي ناز | *** | گفت كاي بإليده سرو سرفراز |
اي درخشان اختر برج شرف | *** | چون شدي سهم حوادث را هدف |
اي به طرف ديده خالی جاي تو | *** | خيز تا بينم قد رعناي تو۷ |
بيش از اين بابا دلم را خون مكن | *** | زادة ليلي مرا مجنون مكن |
اي نگارين آهوي مشگين من | *** | با تو روشن چشم عالم بين من |
رفتي و بردي ز چشم باب تاب | *** | أكبرا بي تو جهان بادا خراب |
تو سفر كردي و آسودي ز غم | *** | من در اين وادي گرفتار الم۱ |
*** |
يَا كَوْكَباً مَا كَانَ أقْصَرَ عُمْرَهُ | *** | وَ كَذَا تَكُونُ كَوَاكِبُ الأسْحَارِ |
عَجِلَ الخُسُوفُ إلَيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ | *** | فَغَشَاهُ قَبْلَ مَظَنَّةِ الإبْدَارِ٢ |
إنَّ الكَوَاكِبَ فِي مَحَلِّ عُلُوِّهَا | *** | لَتُرَي صِغَاراً وَهِيَ غَيْرُ صِغَارِ |
أَبْكِيهِ ثُمَّ أَقُولُ مُعْتَذِراً لَهُ | *** | رَفَقْتَ حِينَ تَرَكْتَ أَلاْمَ دَارِ |
فَإذَا نَطَقْتُ فَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْطِقِي | *** | وَإذَا سَكَتُّ فَأَنْتَ فِي مِزْمَارِي٣ |
قال المحدِّث القمّيّ نقلاً عن الطبريّ، وأبي الفرج، وابن طاووس، عن الشيخ المفيد رحمه الله:
وَخَرَجَتْ زَيْنَبُ أُخْتُ الحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلاَمُ مُسْرِعَةٌ تُنَادِي: يَا أُخَيَّاهْ وَابْنَ أُخَيَّاهْ! وَجَاءَتْ حَتَّى أَكَبَّتْ عَلَيهِ. فَأَخَذَ الحُسَيْنُ عَلَيهِ السَّلاَمُ بِرَأْسِهَا فَرَدَّهَا إلَی الفُسْـطَاطِ وَأَمَـرَ فِتْـيَانَهُ فَقَالَ: احْمِلُوا أَخَاكُـمْ (وفـي ط و ح) فَحَمَلُوهُ مِنْ مَصْرَعِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَي الفُسْطَاطِ الَّذِي كَانُوا يُقَاتِلُونَ أَمَامَهُ.
أنشد جدّ آية الله الشعرانيّ رحمهما الله في ذلك قائلاً:
چو آفتاب برآمد ز خيمه خورشيدي | *** | كه آفتاب نميديد هيچگه رويش |
ز داغ سرو قدي موكَنان ومويه كُنان | *** | بسان فاخته هر سو خروش كوكويش٤ |
قال الطريحيّ: روي أ نّه لمّا قُتل عليُ بن الحسين عليه السلام في طفّ كربلاء، أقبل عليه الحسين عليه السلام وعليه جبّة دكناء وعمامة مورّدة وقد أرخي لها غرزتين، فقال مخاطباً له:
أَمَّا أَنْـتَ يَا بُنَيَّ فَقَدِ اسْتَرَحْـتَ مِنْ كَرْبِ الدُّنْـيَا وَغَمِّهَا وَمَا أَسْـرَعَ اللُّحُوقَ بِكَ!
وقال المرحوم المحدِّث القمّيّ رحمه الله بعد بحثٍ دار حول عليّ الأكبر عليه السلام في أنّه أوّل شهيد من أهل بيت سيّد الشهداء عليه السلام ذاكراً الدليل ممّا اختاره الطبريّ، والجزريّ، والإصفهانيّ، والدينوريّ، والشيخ المفيد، والسيّد ابن طاووس، وغيرهم: ويؤيّد ذلك الزيارة المشتملة علی أسامي الشهداء:
السَّلاَمُ عَلَيكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ نَسْلٍ خَيْرِ سَلِيلٍ.٥
وقال أيضاً: واختلفوا أيضاً في سنّه الشريف اختلافاً عظيماً... فيكون هو الأكبر، وهذا هو الأصح والأشهر.
قال فحل الفقهاء الشيخ الأجل محمّد بن إدريس الحلّيّ في «السرائر» في خاتمة كتاب الحجّ: فإذا كانت الزيارة لأبي عبد الله الحسين عليه السلام يزار ولده عليّ الأكبر، وأُمّه ليلي ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفيّ، وهو أوّل قتيل في الوقعة يوم الطفّ من آل أبي طالب عليه السلام.
حُكْمُ المَنِيَّةِ فِي البَرِيَّةِ جَارِي | *** | مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ قَرَارِ |
وَمُكَلِّفُ الايَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا | *** | مُتَطَلِّبٌ فِي المَاءِ جَذْوَةَ نَارِ |
طُبِعَتْ علی كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا | *** | صَفْواً مِنَ الاَقْذَارِ وَالاَكْدَار |
وَإذَا رَجَوْتَ المُسْتَحِيلَ فَإنَّمَا | *** | تَبْنِي الرَّجَاءَ علی شَفِيرٍ هَارِ |
إنِّي لاَرْحَمُ حَاسِدِيَّ لِحَرِّ ما | *** | ضَمِنَتْ صُدُورُهُمْ مِنَ الاَوْغَارِ |
نَظَرُوا صَنِيعَ اللَهِ بِي فَعُيُونُهُمْ | *** | فِي جَنَّةٍ وَقُلُوبُهُمْ فِي نَارِ |
يَا كَوْكَباً مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ | *** | وَكَذَاكَ عُمْرُ كَوَاكِبِ الاَسْحَارِ |
جَاوَرْتُ أَعْدَائِي وَجَاوَرَ رَبَّهُ | *** | شَتَّانَ بَيْنَ جِوَارِهِ وَجِوَارِي |
وَتَلَهُّبُ الاَحْشَاءِ شَيَّبَ مَفْرَقِي | *** | هَذَا الشُّوَاظُ دُخَانُ تِلْكَ النَّارِ |
وولد علیّبن الحسين هذا في إمارة عثمان. وقد روى عن جدّه عليّ ابن أبي طالب عليه السلام. وقد مدحه الشعراء. وروي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر أنّ هذه الأبيات قيلت في عليُ بن الحسين الأكبر المقتول بكربلاء قدّسالله روحه:
لَمْ تَرَ عَيْنٌ نَظَرَتْ مِثْلَهُ | *** | مِنْ مُحْتَفٍ يَمْشِي وَلاَ نَاعِلِ |
يُغْلِي بِنَي۱ | *** | اللَّحْمِ حَتَّى إذَاأُنْضِجَ لَمْ يَغْلِ عَلَی الآكِلِ |
كَانَ إذَا شَبَّتْ لَهُ نَارُهُ | *** | يُوقِدُهَا بِالشَّرَفِ الكَامِلِ |
كَيْمَا يَرَاهَا بَائِسٌ مُرْمِلٌ | *** | أَوْ فَرْدُ حَيٍّ لَيْسَ بِالآهِلِ |
أَعْنِي ابْنَ لَيْلَي ذَا السَّدَي وَالنَّدَي | *** | أَعْنِي ابْنَ بِنْتِ الحَسَبِ الفَاضِلِ |
لاَ يُؤْثِرُ الدُّنْيَا عَلَی دِينِهِ | *** | وَلاَ يَبِيعُ الحَقَّ بِالبَاطِلِ |
عليّ الأكبر عليه السلام من منظار معاوية
إلی أن قال المحدِّث القمّيّ:
ويؤيّد ذلك مضمون الأبيات الواردة في مدحه عليه السلام، وما رواه أبو الفرج عن المغيرة قال: قال معاوية: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الأمْرِ؟
قَالُوا: أَنْتَ!
قَالَ: لاَ! أَوْلَي النَّاسِ بِهَذَا الأمْرِ عليّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنُ عليّ عليهمُ السَّلاَمُ، جَدُّهُ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَفِيهِ شَجَاعَةُ بَنِي هَاشِمٍ، وَسَخَاءُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَزَهْوَ ثَقِيفٍ.
هذا الكلام، وتلك الأبيات المذكورة في علوّ الصفات، وقول معاوية الجدير بالثناء: إنّه أولي الناس بخلافة رسول الله، كلّ ذلك يدلّ علی أ نّه لميكن ابن ثماني عشرة سنةً، لأنّ صبيّاً مثله لا يقال فيه هذا الكلام.
ذكر أبو جعفر الطبريّ في منتخب «ذيل المُذَيَّل» في تأريخ الصحابة والتابعين:
أنّ أُمّ عليّ هي آمنة ابنة أبي مُرَّة بن عروة بن مسعود، وأُمّها ابنة أبي سفيان.
وقال حسّان بن ثابت في مدح عليّ الاكبر:
طَافَتْ بِنَا شَمْسُ النَّهَارِ وَمَنْ رَأَى | *** | مِنَ النَّاسِ شَمْساً بِالعِشَاءِ تَطُوفُ؟ |
أَبُو أُمِّهَا أَوْفَى قُرَيْشٍ بِذِمَّةٍ | *** | وَأَعْمَامُهَا إمَّا سَأَلْتَ ثَقِيفُ |
ومنهم من ينسب هذين البيتين إلی عمر بن أبي ربيعة، ويروي «شمس العشاء» مكان «شمس النهار».٢
وعلی هذا فمعاوية عليه الهاوية خال ليلي أُمّ عليّ الأكبر عليه السلام، ويزيد عليه اللعنة بما لا مزيد ابن خال ليلي، وابن خال أُمّ عليّ الأكبر عليه السلام.
من هنا كان معاوية يراه أهلاً للخلافة لانتسابه الثلاثيّ. أمّا سخاء بني أُميّة الذي عدّه من فضائلهم فهو كذب محض. فالسخاء كلّه سخاء بني هاشم. والأموال التي كان يبذّرها معاوية من بيت مال المسلمين بلا حساب من أجل حكومته وإمارته الشيطانيّة، لا ينبغي أن نحسبها سخاءً.
وجملة القول: استبان ممّا جاء في هذا البحث أنّ علي الأكبر عليه السلام لميكن ذلك القويّ الذي لا تؤثّر فيه ضربات الأسلحة من سيف ورمح وغيرهما. كما لم يكن مضطرّاً في تحرّكه واستشهاده، فيأخذ سيفه ويقتل به الكفّار تلقائيّاً. وهو نفسه قال: أَبَه! العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني. ولم يكن عند أبيه ماء فيُعطيه. ولم يرد أن يعمل خلاف سنّة الجهاد، والقتل في سبيل الله، والتضحية في سبيل الدين، فيقوم بمعجزة أو كرامة، وإلاّ فإنّه كان قادراً علی ذلك بسهولة، وحينئذٍ لم تكن كربلاء بهذا الشكل الذي نعهده.
عندما قال رسول الله للحسين عليهما الصلاة والسلام: وَإنَّ لَكَ فِي الجِنَانِ لَدَرَجَاتٍ لَنْ تَنَالَهَا إلاَّ بِالشَّهَادَةِ۱ ! فهذا يعني أنّ عليك أن تذهب في سفرك خطوة خطوة بإرادتك واختيارك متحمّلاً المشاقّ والمصائب، وصابراً في سبيل الله، ومضحّياً بنفسك وبابنك عليّ الأكبر، بتلك الكيفيّة المعهودة، حتّى تبلغ مقصودك!
وهذا السيّد الأمير الحرّ الذي هو مثال النبيّ يجب أن يكون رفيقك في هذا الطريق بنحوٍ يتحقّق فيه هُو الهُويَّة الحقيقيّة من نفسيكما الروحانيّتين لجميع أهل العالم، وتُروي جذور شجرةالإسلام التي يبست، وتنقرض حكومة بني أُميّة: معاوية ويزيد وبني مروان، ولا يبقي لهم أثر. ويتّضح لكافّة أهل هذا العالم وذلك العالم الملكوتيّ أنّ الحقّ غير الباطل.
كان عليّ الأكبر أمل قلب أبيه. فرع من شجرة، ووشيجة من ساق. وهو كأبيه في أُسلوب تفكيره ومرامه ومقصده. وينطبق عليه ما قيل:كَأَنَّهُ هُوَ، بَلْ إنَّهُ هُوَ.
لذا عاد إلی ميدان القتال، وقاتل بجسمه الجريح ولَبانه الذاوي وفمه الجافّ وكبده الحرّان في شدّة حرارة الصيف، إذ كان يوم عاشوراء الخامس والعشرين من السرطان علی أساس المحاسبة النجوميّة. أجل، قاتل قتالاً أدهش الصديق والعدوّ، وهو يقول: أَحْمِي عَنْ أَبِي . لهذا له في يوم القيامة مقام لا يناله الشهداء والصدِّيقون.
حوار عليّ الأكبر معالإمام الحسين عليهما السلام حول الشهادة
نقل المحدِّث القمّيّ عن كتاب «الإرشاد» للشيخ المفيد فقال: ولمّا كان في آخر الليل أمر الحسين عليه السلام بالاستقاء من الماء. ثمّ أمر بالرحيل، فارتحل من قصر بني مقاتل. فقال عقبة بن سمعان: سرنا معه ساعة، فخفق عليه السلام وهو علی ظهر فرسه خفقة، ثمّ انتبه وهو يقول: إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً. فأقبل إليه ابنه عليُ بن الحسين عليه السلام علی فرس فقال: لِمَ حَمِدتَ اللَهَ واسترجعتَ؟! فقال: يَا بُنَيَّ! إنِّي خَفَقْتُ خَفْقَةً فَعَنَّ ـ أَي: ظَهَرَ ـ لِي فَارِسٌ عَلَی فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: القَوْمُ يَسْيرُونَ وَالمَنَايَا تَسِيرُ إلَيهِمْ، فَعَلِمْتُ أَ نَّهَا أَنْفُسُنَا نُعِيَتْ إلَينَا!
فقال له ابنه: يَا أَبَهَ! لاَ أَرَاكَ اللَهُ سُوءاً! أَلَسْنَا عَلَی الحَقِّ؟!
قال: بَلَى وَالَّذِي إلَيهِ مَرْجِعُ العِبَادِ!
قال: فَإنَّنَا إذاً لاَ نُبالي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ!
فقال له الحسين عليه السلام: جَزَاكَ اللَهُ مِنْ وَلَدٍ خَيْرَ مَا جَزَي وَلَداً عَنْ وَالِدِهِ!۱
[ملاحظة: إن هذا المقال هو عبارة عن بحث منتخب من كتاب (معرفة الإمام – ج ۱٥- ص٢۷٢) لمؤلّفه سماحة العلامة آية الله الحاج السيّد محمد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه، فننصح من أراد الازدياد الرجوع إلى الكتاب المذكور]