المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم القرآن والحديث والدعاء
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- نزول جبرئيل في غدير خمّ وتوقّف رسول الله صلّى الله عليه وآله؛
- رواية أُخرى لخطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله في غدير خمّ؛
- تهنئة الصحابة وزوجات النبيّ أمير المؤمنين عليه السلام.
هو العليم
قِصّة الغَدير
بحث منتخب من «معرفة الإمام»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
و صلّى اللهُ على محمّد و آله الطَّاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
و لا حول و لا قوّة إلاّ باللهِ العليّ العظيم
قال الله الحكيم في كتابه الكريم:
{يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ انزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَ إن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}۱
نقل موفّق بن أحمد خطيب خوارزم الأبيات التالية عن الصاحب بن عبّاد:
حُبُّ النَّبِيّ وَ أهْلِ البَيْتِ مُعْتَمَدِي | *** | إذَا الخُطُوبُ أسَاءَتْ رَأيَها فِينَا |
أيَا بْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ أفْضَلَ مَنْ | *** | سَادَ الأنَامَ وَسَاسَ الهَاشِمِيِّينَا |
يَا قُدْوَةَ الدِّينِ يَا فَرْدَ الزَّمَانِ أصِخْ | *** | لِمَدْحِ مَوْلىً يَرَى تَفْصِيلَكُمْ دِينَا |
هَلْ مِثْلُ سَبْقِكَ في الإسْلَامِ لَوْ عَرَفُوا | *** | وَ هَذِهِ الخَصْلَةُ الغَرَّاءُ تُلْفِينَا |
هَلْ مِثْلُ عِلْمِكَ إنْ زَلُّوا و إن وَهَنُوا | *** | وَ قَدْ هَدَيْتَ كَمَا أصْبَحْتَ تَهْدِينَا |
هَلْ مِثْلُ جَمْعِكَ لِلقُرْآنِ تَعْرِفُهُ | *** | لَفْظَاً وَ معنى وَ تَأوِيلًا وَ تَبْيِينَا |
هَلْ مِثْلُ حَالِكَ عِنْدَ الطَّيْرِ تُحْضِرُهُ | *** | بِدَعْوَةٍ نِلْتَهَا دونَ المُصلّينَا |
هَلْ مِثْلُ بِذَلِكَ لِلْعَانِي الأسِيرَ وَلل | *** | طِّفْلِ الصَّغِيرِ وَ قَدْ أعْطَيْتَ مِسْكِينَا |
هَلْ مِثْلُ صَبْرِكَ إذ خَانُوا وَإذْ خَتَرُوا٢ | *** | حتّى جَرَى مَا جَرَى في يَوْمِ صِفِّينَا |
هَلْ مِثْلُ فَتْوَاكَ إذْ قَالُوا مُجَاهَر | *** | لَوْلَا عَلِيّ هَلَكْنَا في فَتَاوِينَا |
يَا رَبِّ سَهِّلْ زِيَارَاتِي مَشَاهِدَهُمْ | *** | فَإنَّ رُوحِيَ تَهْوَى ذَلِكَ الطِّينَا |
يَا رَبِّ صَيِّرْ حَيَاتِي في مَحَبَّتِهِمْ | *** | وَ مَحْشَرِي مَعَهُمْ آمِينَ آمِينَا٣ |
نزول جبرئيل في غدير خمّ وتوقّف رسول الله صلّى الله عليه وآله
خرج النبيّ الأكرم صلّىالله عليه وآله من مكّة و معه جميع حجّاج بيت الله الحرام، و ذلك في اليوم الرابع عشر، متوجّهاً إلى المدينة. وذكر المؤرّخون أنّ حجّاج المدينة الذين كانوا معه، مائة و عشرون ألفاً، أو مائة و أربعة و عشرون ألفاً؛ ذلك لأنّ هذا الحجّ جاء بعد إعلان مسبق عنه، حتّى أنّ النبيّ أخبر أهل القرى و الأطراف أنه عازم على الحجّ، فمن تمكّن فليلتحق به. فلهذا حجّ أهل المدينة كلّهم بما فيهم نساؤهم، و لم يتخلّف إلاّ العجزة و المرضى، وخلت المدينة من أهلها.
وخطب النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم عدّة مرّات موصياً بأهل البيت و لزوم الرجوع إلى الكتاب والعترة. و بذل قصارى جهده لتمهيد الأرضيّة للإعلان العامّ عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. و ما إن حلّت قافلته غدير خُمّ قرب الجُحفة۱، حيث مفترق الطريق التي تؤدّي إلى المدينة و مصر و الشام، هبط عليه الأمين جبرئيل مرّة أخرى بهذه الآية: {يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ انزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَ إن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَ اللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.٢
و أجمع المؤرّخون أنّ هذه الآية نزلت في غدير خمّ في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، مع أنهم اختلفوا في اليوم هل كان يوم الأحد أم يوم الخميس؟ و في ضوء ما ذكرناه في المباحث المتقدّمة، فإنّ اليوم لابدّ من أن يكون يوم الأحد.٣
و هنا يأمر جبرائيل رسول الله أن يتوقّف، و يعلن عليّاً سيّداً و مولىً و إماماً للخلق. و يبلّغ الناس ما بلّغه الله به عن ولاية عليّ عليه السلام. و أنّ عليّاً هو الوليّ و المولى لجميع الناس، و طاعته واجبة عليهم جميعاً.
و في تلك اللحظات حيث وصل المتقدّمون في القافلة منطقة الجُحفة، و المتأخّرون لم يلحقوا برسول الله، توقّف النبيّ صلّى الله عليه وآله في الغدير، و أمر أن يرجع المتقدّمون الذين كانوا قد وصلوا إلى الجحفة، وانتظر المتأخّرين ريثما يلتحقون. و هكذا وقف الجميع. و كانت هناك خمس شجرات كبيرة متّصلة بعضها ببعض و هي من جنس السَمُر،٤ فأمر بكنس ما تحتها و تنظيفه. و كذلك أمر أن لا ينزل و يجلس تحتها أحد.
و لمّا التحق جميع الحجّاج بنبيّهم واجتمعوا معه، و تمّ تنظيف ذلك المكان، جاء النبيّ الأعظم فاستظلّ بالأشجار و كانت صلاة الظهر قد حان وقتها. و أمر فجاء الناس كلّهم وصلّوا معه صلاة الظهر، و كان ذلك اليوم حارّاً جدّاً بحيث يضع الإنسان بعض ردائه على رأسه و بعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء.
و ظُلّل لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الشمس بثوب على إحدى شجرات السمُر، و صُنع له منبر من أقتاب الإبل.
فلمّا انصرف صلّى الله عليه وآله وسلّم من صلاته، قام على ذلك المنبر خطيباً وسط القوم، و رفع صوته بحيث يسمعه جميع الناس، فقال:
الحَمْدُ لِلَّهِ، وَ نَسْتَعِينُهُ، وَ نُؤْمِنُ بِهِ، وَ نَتَوَكَّلُ عَلَيهِ، وَ نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا، وَ مِنْ سَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، الذي لا هَادِى لِمَنْ ضَلَّ، وَلا مُضِلّ لِمَنْ هَدَى. وَ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاّ اللهُ؛ وَ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ.
أمَّا بَعْدُ: أيُّهَا النَّاسُ! قَدْ نَبَّأنِيَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ أنّهُ لَمْ يَعْمّرْ نَبِيّ إلاّ مِثْلَ نِصْفِ عُمْرِ الذي قَبْلَهُ!۱ وَ إنِّي أُوشِكُ أنْ أدْعَى فَأجَبْتُ! وَ إنِّي مَسْؤُولٌ، وَ أنْتُمْ مَسْؤُولُونَ: فَمَاذَا أنْتُمْ قَائِلُونَ؟!
قَالُوا: نَشْهَدُ أنكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ نَصَحْتَ وَ جَهَدْتَ! فَجَزاكَ اللهُ خَيْراً!
قَالَ: ألَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أنْ لا إلَهَ إلاّ اللهُ؛ وَ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ؛ وَ أنَّ جَنَّتَهُ حَقٌّ؛ وَ نَارَهُ حَقٌّ؛ وأنَّ الْمَوْتَ حَقٌّ، وَ أنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا؛ وَ أنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ؟!
قَالُوا: بَلَى! نَشْهَدُ بِذَلِكَ! قَالَ: اللهُمَّ اشْهَدْ!
ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! ألا تَسْمَعُونَ؟!
قَالُوا: نَعَمْ!
قَالَ: فَإنِّي فَرَطُ٢ على الحَوْضِ؛ وَ أنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيّ الحَوْضَ! وَ إنَّ عَرْضَهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَ بُصْرَى؛ فِيهِ أقْدَاحٌ عَدَدَ النُّجُومِ مِنْ فِضَّةٍ. فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخلُفُونِي في الثَّقَلَيْنِ؟!
فَنَادَى مُنَادٍ: وَ مَا الثَّقَلانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟!
قَالَ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ؛ طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ؛ وَ طَرَفٌ بِأيْدِيكُمْ؛ فَتَمَسَّكُوا بِهِ لا تَضِلُّوا! وَ الآخَرُ الأصْغَرُ عِتْرَتِي؛ وَ إنَّ اللَّطِيفَ الخَبِيرَ نَبَّأنِي أنهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتّى يَرِدَا عَلَيّ الحَوْضَ! فَسَألْتُ ذَلِكَ لَهُمَا رَبِّي، فَلا تَقَدَّمُوهُمَا فَتَهْلِكُوا؛ وَ لا تَقْصُرُوا عَنْهُمَا فَتَهْلِكُوا!
ثُمَّ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ فَرَفَعَهَا حتّى رُئِيَ بَيَاضُ آبَاطِهِمَا وَ عَرَفَهُ القَوْمُ أجْمَعُونَ.
فَقَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! مَنْ أوْلَى النَّاسِ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ؟!
قَالُوا: اللهُ وَ رَسُولُهُ أعْلَمُ!
قَالَ: إنَّ اللهَ مَولاي؛ وَ أنَا مَوْلَى المُؤمِنِينَ؛ وَ أنَا أوْلَى بِهِمْ مِنْ أنْفُسِهِمْ! فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيّ مَوْلاهُ. يَقُولُهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ؛ وَ في لَفْظِ أحْمَدَ إمَامِ الحَنَابِلَةِ: أرْبَعَ مَرَّاتٍ.٣
ثُمَّ قَالَ: اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ! وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ! وَ أحِبَّ مَنْ أحَبَّهُ!
وأبْغِضْ مَنْ أبْغَضَهُ! وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ! وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ! وَ أدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ! ألا فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ!
ثُمَّ لَمْ يَتَفَرَّقُوا حتّى نَزَلَ أمِينُ وَحْيِ اللهِ بِقَوْلِهِ:
{الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا}.۱
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: اللهُ أكْبَرُ على إكْمَالِ الدِّينِ وَ إتْمَامِ النِّعْمَةِ وَ رِضَا الرَّبِّ بِرِسَالَتِي وَ الْوَلايَةِ لِعَليّ مِنْ بَعْدِي.٢
رواية أُخرى لخطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله في غدير خمّ
يقول الكاتب العبّاسيّ أحمد بن أبي يعقوب بن واضح المعروف باليعقوبيّ: توجّه رسول الله صلّى الله عليه وآله من مكّة إلى المدينة ليلاً، و وصل مكاناً قرب الجُحفة يقال له: غدير خُمّ لثماني عشرة ليلة خلت من شهر ذي الحجّة: وَ قَامَ خَطِيباً وَ أخَذَ بِيَدِ عَلِيّ بْنِ أبِي طَالِبٍ فَقَالَ: ألَسْتُ أوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنفُسِهِمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيّ مَوْلاهُ، اللهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ. ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاسُ! إنِّي فَرَطُكُمْ وَ أنْتُمْ وَارِدِيّ على الحَوْضِ؛ وَ إنِّي سَائِلُكُمْ حِينَ تَرِدُونَ عَلَيّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا. وَ قَالُوا: وَ مَا الثَّقَلانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: الثَّقَلُ الأكْبَرُ كِتَابُ اللهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَ طَرَف بِأيْدِيكُمْ، فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ وَ لا تضِلُّوا وَ لا تُبَدِّلُوا؛ وَ عِتْرَتِي أهْلُ بَيْتِي.٣
ونقل الطبريّ في كتاب «الولاية» عن زيد بن أرقم أنّ النبيّ الأكرم صلّىالله عليه وآله وسلّم قال في آخر الخطبة: معاشر الناس! قولوا: أعطيناك على ذلك [أي على ولاية عليّ بن أبي طالب] عهداً عن أنفسنا؛ و ميثاقاً بألسنتنا؛ و صفقة بأيدينا؛ نؤدّيه إلى أولادنا وأهالينا؛ لا نبغي بذلك بدلاً؛ وأنت شهيدٌ علينا! وكفى بالله شهيداً.
[أيّها الناس] قولوا ما قلت لكم؛ وسلّموا على عليّ بإمْرَةِ المُؤْمِنِينَ! و قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي هَدَانَا لِهَذَا وَ مَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلا أنْ هَدَانَا اللهُ.٤ فإنّ الله يعلم كلّ صوت و خائنة كلّ نفس؛ فَمَنْ نَكَثَ فَإنمَا يَنْكُثُ على نَفْسِهِ وَ مَنْ أوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهُ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا٥ قولوا ما يرضي الله عنكم فَإنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللهَ غَنِيّ عَنْكُمْ.٦
قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: سَمِعْنَا وَ أطَعْنَا على أمْرِ اللهِ وَ رَسُولِهِ بِقُلُوبِنَا.۱
تهنئة الصحابة وزوجات النبيّ أمير المؤمنين عليه السلام
وطفِقَ القَوْمُ يُهَنِّئُونَ أميِرَ المُؤْمِنِينَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ. وَ مِمَّنْ هَنَّأهُ في مُقَدَّمِ الصَّحَابَةِ: الشَّيْخَانِ: أبُوبَكْرٍ وَ عُمَرُ؛ كُلٌ يَقُولُ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَابْنَ أبِي طَالِبٍ أصْبَحْتَ وَ أمْسَيْتَ مَوْلاي وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ!
وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَجَبَتْ في أعْنَاقِ الْقَوْمِ. فَقَالَ حَسَّانٌ: إئْذَنْ لي يَا رَسُولَ اللهِ أنْ أقُولَ في عَلِيّ أبْيَاتاً تَسْمَعُهُنَّ! فَقَالَ: قُلِ على بَرَكَةِ اللهِ!
فَقَامَ حَسَّانٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ مَشِيخَةِ قُرَيْشٍ أتْبِعُهَا قَوْلِي بِشَهَادَةٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ في الوَلايَةِ مَاضِيَةٍ. ثُمَّ قَالَ:
يُنَادِيهِمُ يَوْمَ الْغَدِيرِ نَبِيُّهُمْ | *** | بِخُمٍّ فَأسْمِعْ بِالرَّسُولِ مُنَادِيَا٢ |
وَ قَدْ جَاءَهُ جِبْريلُ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ | *** | بِأنكَ مَعْصُومٌ فَلا تَكُ وَانِيَا |
و بَلِّغْهُمُ مَا أنْزَلَ اللهُ رَبُّهُمْ إلَيْكَ | *** | وَلا تَخْشَ هُنَاكَ الأعَادِيا |
فَقَامَ بِهِ إذْ ذَاكَ رَافِعُ كَفَّهِ | *** | بِكَفِّ عَلِيّ مُعْلِنَ الصَّوْتِ عَالِيَا |
فَقَالَ: فَمَنْ مَوْلاكُم وَ وَليُّكُمْ | *** | فَقَالُوا وَ لَمْ يُبْدُوا هُنَاكَ تَعَامِيَا |
إلَهُكَ مَوْلانَا وَ أنْتَ وَلِيُّنَا | *** | وَ لَنْ تَجِدَنْ فِينَا لَكَ الْيَومَ عَاصِيَا |
فَقَالَ لَهُ: قُمْ يَا عَلِيّ فَإنَّنِي | *** | رَضِيتُكَ مِنْ بَعْدِي إمَاماً وَ هَادِيَا |
فَمَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ | *** | فَكُونُوا لَهُ أنْصَارَ صِدْقٍ مَوَالِيَا |
هُنَاكَ دَعَا اللهُمَّ وَالِ وَلِيَّهُ | *** | وَ كُنْ لِلَّذِي عَادَى عَلِيّاً مُعَادِيَا |
فَيا رَبِّ انْصُرْ نَاصِرِيهِ لِنَصْرِهِمْ | *** | إمَامَ هُدَىً كَالبَدْرِ يْجُلُو الدَّيَاجِيَا٣ |
ولمّا أنشد حسّان هذه الأبيات، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: يَا حَسَّانُ لا تَزَالُ مُؤَيَّداً بِرُوحِ القُدُسِ مَا نَصَرْتَنَا بِلِسَانِكَ.٤
ثمّ جلس رسول الله في خيمة تُخصّ به؛ و أمر أمير المؤمنين أن يجلس في خيمة أخرى؛ وأمر أطباق الناس بأن يهنّئوا علياً في خيمته، ولمّا فرغ الناس عن التهنئة، أمر رسول الله أمّهات المؤمنين بأن يسرن إليه و يهنّئنَه ففعلن.٥
و كان أوّل من صافق النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلياً : أبو بكر، و عمر، وعثمان وطلحة، و الزبير؛ وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس إلى أن صلّى الظهرين في وقت واحد. وامتدّ ذلك إلى أن صلّى العشاءين في وقت واحد، و واصلوا البيعة والمصافقة ثلثاً [من الليل].
و رسول الله كلّما بايعه فوج بعد فوج يقول: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا على جَمِيعِ العَالَمِينَ. و [من هنا] صارت المصافقة و المصافحة سنّة و رسماً؛ و استعملها من ليس له حقُّ فيها.۱
يقول أبو سعيد الخُدريّ: والله لم نترك الغدير بعد حتّى نزلت الآية: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشُونِ الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا}.٢
[انتخب هذا البحث من الجزء السابع من كتاب «معرفة الإمام» لسماحة العلامة الراحل آية الله العظمى الحاج السيّد محمد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه, وقد تمّ توثيقه ومقارنته مع المصدر الفارسي من قبل الهيئة العلمية في لجنة الترجمة والتحقيق، ولمزيد من الإطلاع على هذه الحادثة المهمّة بمختلف جوانبها ننصح الباحث و القارئ الكريم الرجوع إلى الجزأين السابع و الثامن من الكتاب المذكور]