المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم العقائد
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- سبع مسائل من أمّهات مسائل الإمامة؛
- قصّتان في كرامات الإمام الحسن المجتبى ومكارمه؛
- قصّة إحيائه للنخلة اليابسة؛
- قصّة إخباره عن بائع الدواء ولطفه به؛
- مواعظ الإمام الحسن عليه السلام لجُنادة [قبيل شهادته]؛
- شهادة الإمام المجتبى عليه السلام؛
- وصيّة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لأخيه الإمام الحسين عليه السلام؛
- أشعار أبي عبد الله عند دفن الإمام الحسن المجتبى عليهما السلام.
هو العليم
حقائق حول الإمامة
في جوانب من سيرة الإمام المجتبى وأحداث شهادته
بحث منتخب من مؤلّفات العلاّمة الراحل
آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهراني
قدّس سره
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصلّى االله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجْمَعِينَ من الآن إلى قيام يوم الدين
ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم
عن أبي خالد الكابلي أنّه قال: سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ و جلّ: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أنزَلْنَا}۱. فَقَالَ: يَا أبَا خَالِدٍ! النُّورُ وَاللهِ نُورُ الأئِمَّةِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ؛ وَهُمْ وَاللهِ نُورُ اللهِ الذي أنْزَلَ، وَ هُمْ وَاللهِ نُورُ اللهِ في السَّمَاوَاتِ وَفي الأرْضِ. وَ اللهِ يَا أبَا خَالِدٍ! لَنُورُ الإمَامِ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ أنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ المُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ. وَ هُمْ وَاللهِ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ المُؤْمِنينَ، وَيَحْجُبُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتَظْلِمُ قُلُوبُهُمْ. وَاللهِ يَا أبَا خَالِدٍ! لا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَيَتَوَلانَا حتى يُطَهِّرَ اللهُ قَلْبَهُ، وَ لا يُطَهِّرُ اللهُ قَلْبَ عَبْدٍ حتى يُسَلِّمَ لَنَا وَ يَكُونَ سَلَماً لَنَا، فَإذَا كَانَ سَلَماً لَنَا سَلَّمَهُ اللهُ مِنْ شَدِيدِ الحِسَابِ وَآمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ الأكْبَرِ٢
سبع مسائل من أمّهات مسائل الإمامة
تقول بها الشيعة و تصرّ عليها و التي تمثّل الحدّ الفاصل بينهم و بين أهل السنّة (الذين لا يعتبرون أيّاً منها شرطاً للإمامة):
المسألة الأولى: الإمامة غير قابلة للانتخاب
المسألة الأولى: إنّ الإمامة ليست قابلة للاختيار و الانتخاب، بل هي مجعولة بجعلٍ الهيّ يُعلن للناس من قبل النبّي أو الإمام السابق، أو باتّضاح الإمام نفسه للناس بواسطة النصوص و المعجزات، لأنّه أولاً ـ و كما قلنا ـ فإنّ الله سبحانه و تعالى يعرّف هذا المنصب في القرآن الكريم بعنوان (الجعل و التنصيب الإلهيّ)، حيث ورد:
{قَالَ إني جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا}٣
و يقول أيضاً: {وَ جَعَلْنَا مِنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنَا لما صَبَرُوا}٤
و يقول أيضاً: {وَ جَعَلْنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنَا وَ أوْحينا إليهِمْ فِعْلَ الْخيراتِ}٥
و في جميع هذه الآيات التي ذكرت منصب الإمامة، فقد ورد عنوان الجعل الإلهيّ.
ثانياً: إنّ الإمامة قوّة إلهيّة في نفس الإمام يحصل بواسطتها على الاطّلاع على ملكوت و نفوس الأشياء و يسيطر عليها، كما هو مستفاد من جملة {يَهْدُونَ بِأمْرِنَا}، فمن كانت فيه هذه القوّة كان هو الإمام، و من خلا منها لم يكن إماماً.
و لا دخل للاختيار و الانتخاب في هذا الأمر، ليس لجهة قولنا أنّ الناس باعتبار جهلهم بالملكوت و بمقام العصمة لا يمكنهم معرفة الإمام، ولذا فإنّ انتخابهم و اختيارهم ليس صحيحاً، بل إننا لو فرضنا أنّ جميع الناس صار لهم اطّلاع على ملكوت الأشياء و روحها، و أنّ الله قد أعطاهم نوراً يمكنهم به تشخيص مقام العصمة، فإنّ الإمامة -مع ذلك- لن تكون قابلة للانتخاب، لأنها -و كما قلنا سابقاً- ملكة إلهيّة و قوّة قدسيّة موجودة في نفس الإمام، و ليس هناك من معنى للقول بأنّ الإنسان ينتخب موجوداً خارجياً، فالموجود الخارجي موجود و لا يحتاج إلى انتخاب الإنسان ليوجد.
أمن الصحيح أن نقول للعالم الذي صارت لديه مَلَكة استنباط الأحكام: إنّنا ننتخب اجتهادك؟ أو نقول للبطل الفائز في المسابقات والذي وصلت القدرة في بدنه إلى الفعلية: إننا ننتخب قوّتك؟ أو نقول لحافظ القرءان الكريم: إنّنا ننتخب حفظك؟! كلاّ بالطبع، فهذا الكلام ليس صحيحاً أبداً.
إنّ الانتخاب يحصل في الأمور الاعتباريّة التي دورانها بيد الاعتبار والانتخاب، و التي توجد بواسطة الانتخاب و تفنى بعدمه. أمّا في الأمور التكوينية و الواقعيّة التي وجدت قبل مرحلة الانتخاب و امتلكت وجودها، فليس للانتخاب فيها مجال أبداً.
المسألة الثانية: إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً حتماً
المسألة الثانية: إنّ الإمام يجب حتماً أن يكون معصوماً بعصمة الباري جلّ و عزّ، و قد استنتجنا بعض الاستنتاجات في هذا الباب من آيات: {لا يَنَالُ عَهْدِي الظّالمين}. و جملة: {يَهْدُونَ بِأمْرِنَا} و جملة: {وَأوْحينا إليهِمْ فِعْلَ الْخيراتِ}؛ و أصبح معلوماً أنّ الإمام حينما عبر جميع مراحل النفس و تحقّق بوجود حضرة الحق، و تحكّمت في وجوده إرادة و مشيئة الحق دون تدخّل النفس الأمّارة، و صار فعله نفس وحي الله، لذا فإنّ ذلك الإمام معصوم و منزّه عن كلّ دنس نفسي، و هذا هو معنى العصمة.
كما أننا استفدنا المصونيّة و العصمة من آية: {فَإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بين يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَدً}۱
بحيث أوضحت الآيات القرآنية هذه الحقيقة بشكل كامل.
المسألة الثالثة: إنّ الإمام يجب أن يكون مؤيّداً من قبل الله تعالى
المسألة الثالثة: إنّ الإمام يجب أن يكون مؤيّداً من عند الله، أي أنّ علومه و إدراكاته تحصل في نفسه بواسطة اليقين و الإلهامات الغيبيّة، ويكون الله هو المتكفّل بأموره، و قد أستفيد هذا الأمر من جملة: {وَأوْحينا إليهِمْ فِعْلَ الْخيراتِ}۱، و جملة: {لمَّا صَبَرُوا وَ كَانُوا بِآَياتِنَا يُوقِنُونَ}٢، و جملة: {يَهْدُونَ بِأمْرِنَا}٣، لأنّ الإمامة تستلزم امتلاك مقام اليقين، و مقام اليقين كما ذُكر ليس ميسوراً دون انكشاف الملكوت و حقيقة الأشياء و بناءً على هذا فإنّ الله سبحانه و تعالى يؤيّده كلّ لحظة بانكشاف الملكوت و الهداية بأمر الله.
المسألة الرابعة: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة أبداً
المسألة الرابعة: إن الأرض و جميع الأفراد الذين يعيشون عليها لهم إمام في كلّ زمان، و لا يمكن أن تخلو الأرض عن حجّة الله أبداً، و قد استفيد هذا الأمر أيضاً من آية: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أنَاسٍ بِإمَامِهِم}٤ لأنّ الله سبحانه و تعالى يدعو جميع أفراد بني آدم إلى الحشر يوم القيامة بإمامهم، فلا يوجد فردٌ من البشر إلاّ و له إمام، و لا يوجد فردٌ على الأرض بدون إمام، كما أنّه ورد في روايات كثيرة أنّه لو لم يبقَ على الأرض إلاّ اثنان، لكان أحدهما إماماً للأخر، و لو لم يوجد إلاّ شخص واحد لوجب أن يكون الإمام نفسه.
المسألة الخامسة: علم الإمام محيط بأعمال الأمّة
المسألة الخامسة: إنّ الإمام يعلم بجميع أعمال و أقوال و سيرة و ملكات عباد الله، و ليس هناك علمٌ غائب أو مخفيّ عن نظر الإمام، و قد بيّنت الأبحاث السابقة هذا المعنى في هذا الأمر استناداً إلى الآيات القرآنية، لأنّ الإمام له سيطرة على نفوس و ملكوت الموجودات، و مع هذه الملكة فإنّ جميع الأرواح و النفوس وحقائق الأعمال ستكون في مشهد الإمام و في حضور الولاية، تماماً كما أنّ موجودات عالم الطبيعة مشهودة عند الشخص البصير و غائبة عن الأعمى.
و بالرغم من أنّ ملكوت كثير من الأعمال و الأقوال و النفوس سينكشف لدى بعض الذين لم يصلوا بعدُ إلى مرحلة الإمامة، و ذلك إثر التقوى و العبادة و مخالفة النفس الأمّارة ومجاهدتها، إلاّ أنّ هؤلاء لن يمتلكوا السيطرة الكليّة على جميع الأرواح والنفوس و لن تكون لهم قدرة على هداية كلّ فرد إلى كماله بحسب دوره و بقدر ظرفيّته، وهذه الدرجة من البصيرة هي ما يسمّى ببصيرة القلب والتي لا توجد لدى كافّة الناس، أمّا عند الإمام فقد صارت هذه العين نافذة حادّة إلى درجة لم يعد معها شيء من الملكوت ليخفى عنه في كلّ آن و مكان.
المسألة السادسة: علم الإمام بحاجات العباد
المسألة السادسة: إنّ الإمام يعلم جميع الأمور التي يحتاجها العباد في معاشهم أو معادهم، لأنّه ـ و حسب الفرض ـ يهدي النفوس إلى الحقّ من ملكوتها، و يوصلها إلى كمالها، فكيف يمكن أن يكون نفسه جاهلاً بما يحتاجه العباد في أمور تكاملهم؟ و هذه الخاصيّة تتّضح أيضاً من الآية القرآنية: {يَهْدُونَ بِأمْرِنَا}، و من أفضلية مقام الإمامة على النبوّة حسب مفاد خطاب حضرة الحق لإبراهيم الخليل.
و علاوةً على ذلك، بما أنّ فعل الإمام و قوله منطبقان على الحق بتمام معنى الكلمة، و بما أنّ الإمام قد خطا في مقام العبوديّة و التقرّب إلى مرحلةٍ بعيدة بحيث أنّ الله نفسه صار هو الأمر و الناهي في وجوده، و صار فعل الإمام هو عين وحي الله، فكما أنّ حاجات العباد ليست خافية على الله، فإنّها لن تكون خافية على الإمام الذي هو التجلّي الأتمّ و المجرى الكامل لإفاضات الحضرة الأحديّة إلى الموجودات، بل إنّ علم الإمام هو عين علم الله تعالى، و ليس هناك أي تفاوت في أصل المعنى.
المسألة السابعة: أفضليّة الإمام على أفراد البشر في الكمالات النفسانيّة
المسألة السابعة: إنّ الإمام هو أعلى من جميع أفراد البشر من حيث الفضائل النفسانية و الملكات الإلهيّة، و من المستحيل أن يكون هناك من هو أفضل من الإمام في محاسن الأخلاق و الملكات الإنسانيّة، لأنّ الطريق إلى الله ـ كما فرضنا ـ هو الملكات و الصفات النفسيّة. ولأنّ الإمام أعلى و أرفع من سائر الأفراد في هذه المرحلة، فبإمكانه أن يهديهم إلى الحقّ عن طريق الملكوت، و إذا ما وجد في هذه الحالة شخصان أحدهما يفوق الأخر في هذا الأمر، فإنّ المتفوّق سيكون حتماً إماماً للآخر، لأنّ من كان أفق ملكوته و نفسه أكثر نوراً و أشدّ إضاءة و بصيرة سيستطيع أن يدعو إلى منزله و محلّه ذلك الآخر الذي هو أدنى منه في مستوى أفقه، و في هذه الحالة فإنّه سيكون هو الإمام، خلافاً للشخص الضعيف الذي لن يستطع تحريك القويّ أو تحمّل ثقله..۱
و هذه المسائل السبع هي من أصول مسائل الإمامة، و سائر المسائل الأخرى متفرّعة عنه۱
قصّتان في كرامات الإمام الحسن المجتبى ومكارمه
كان وجود الإمام الحسن المجتبى عليه السلام قائماً على أساس القرآن؛ وكانت حقيقة القرآن هي روحه و جسمه. لقد استولت طهارة القرآن على كلّ وجوده، ليحلّ النور مكان الظلمات، فقد كان يعيش في عالم من العظمة و العلم و الإرادة بعظمة الله و علمه و إرادته.
قصّة إحيائه للنخلة اليابسة
يروي الكناسي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:
خَرَجَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عَلَيهما السّلامُ في بَعضِ عُمَرِهِ و مَعَهُ رَجُلٌ مِن وُلدِ الزُّبَيرِ، كانَ يَقُولُ بِإمامَتِهِ. فَنَزَلُوا في مَنهَلٍ٢ مِن تِلكَ المَناهِلِ تَحتَ نَخلٍ يابِسٍ قَد يَبِسَ مِنَ العَطَشِ؛ فَفُرِشَ لِلحَسَنِ عَلَيه السّلامُ تَحتَ نَخلَة و فُرِشَ لِلزُّبَيرِيِّ بِحِذاهُ تَحتَ نَخلَة أخرَی. فَقالَ الزُّبَيرِيُّ ـ و رَفَعَ رَأسَهُ ـ : لَو كانَ في هَذا النَّخلِ رُطَبٌ لأكَلنا مِنهُ! فَقالَ لَهُ الحَسَنُ عليه السّلام: و إنَّكَ لَتَشتَهِي الرُّطَبَ؟ فَقالَ الزُّبَيرِيُّ: نَعَم! فَرَفَعَ [يَدَهُ] رَأسَهُ إلَی السَّماءِ فَدَعا بِكَلامٍ لَم أفهَمهُ؛ فَاخضَرَّتِ النَّخلَة ثُمَّ صارَت إلَی حالِها فَأورَقَت و حَمَلَت رُطَبًا. فَقالَ الجَمّالُ الَّذِي اكتَرَوا مِنهُ: سِحرٌ و اللهِ! فَقالَ الحَسَنُ عَلَيه السّلامُ: وَيلَكَ لَيسَ بِسِحرٍ! ولَكِن دَعوَة ابنِ نَبِيٍّ مُستَجابَة. قالَ: فَصَعِدُوا إلَی النَّخلَة فَصَرَمُوا ما [كانَ فِيهِ] فيها فَكَفاهُم.٣
قصّة إخباره عن بائع الدواء ولطفه به
و عن أبي أسامة٤ عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ الحسن (عليه السلام) خرج من مكة ماشياً إلى المدينة، فتوّرمت قدماه، فقيل له : لو ركبت ليسكن عنك هذا الورم، فقال: كلاّ ولكنّا إذا أتينا المنزل فإنّه يستقبلنا أسودٌ معه دهن يصلح لهذا الورم، فاشترُوا منه ولا تُماكِسوه، فقال له بعض مواليه: ليس أمامنا منزل فيه أحد يبيع هذا الدواء؟ فقال: بلى إنّه أمامنا؛ وساروا أميالاً فإذا الأسود قد استقبلهم، فقال الحسن لمولاه: دونك الأسود فخذ الدهن منه بثمنه، فقال الأسود : لمن تأخذ هذا الدهن؟ قال: للحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام) قال: انطلق بي إليه . فصار الأسود إليه فقال الأسود: يا ابن رسول الله إنّي مولاك لا آخذ له ثمناً ولكن ادع الله أن يرزقني ولدا سوياً ذكراً يحبّكم أهل البيت، فإنّي خلّفت امرأتي تمخض، فقال: انطلق إلى منزلك فإنّ الله تعالى قد وهب لك ولدًا ذكراً سوياً، فرجع الأسود من فوره فإذا امرأته قد ولدت غلاماً سوياً، ثمّ رجع الأسود إلى الحسن (عليه السلام) ودعا له بالخير بولادة الغلام له، وإنّ الحسن قد مسح رجليه بذلك الدهن فما قام عن موضعه حتى زال الورم.٥ و ٦
مواعظ الإمام الحسن عليه السلام لجُنادة [قبيل شهادته]
ينقل المجلسي رضوان الله عليه في «بحارالأنوار» عن كتاب «كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الإثني عشر» تأليف عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز القمّيّ، عن محمّد بن وهبان، عن داود بن الهيثم، عن جدّه إسحاق بن بهلول [عن أبيه بهلول] بن حسّان، عن طلحة بن زيد الرقيّ، عن الزبير بن عطاء، عن عمير بن ماني العبسيّ، عن جُنادة بن أبي أميّة قال:
دخلتُ على الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في مرضه الذي توفّي فيه و بين يديه طست يقذف فيه الدم و يخرج كبده قطعة قطعة من السمّ الذي أسقاه معاوية لعنه الله۱ فقلتُ: يا مولاي مالك لا تعالج نفسك؟
فقال: يا عبد الله بماذا أعالج الموت؟
قلتُ:إنَّا لِلَهِ وَ إنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ فَقَالَ: وَ اللهِ لَقَدْ عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِنَّ هَذَا الأمْرَ يَمْلِكُهُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ، مَا مَنَّا إلاّ مَسْمُومٌ أوْ مَقْتُولٌ، ثُمَّ رُفِعَتِ الطَّسْتُ وَ بَكَى صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: عِظْنِي يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ!
قَالَ: نَعَمْ، اسْتَعِدَّ لِسَفَرِكَ، وَ حَصِّلْ زَادَكَ قَبْلَ حُلُولِ أجَلِكَ، وَ اعْلَمْ أنَّكَ تَطْلُبُ الدُّنْيَا وَ الْمَوْتُ يَطْلُبُكَ؛ وَ لا تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الذي لَمْ يَأتِ عَلَى يَوْمِكَ الذي أنْتَ فِيهِ، وَ اعْلَمْ أنَّكَ لا تَكْسِبُ مِنَ الْمَالِ شَيْئاً فَوْقَ قُوتِكَ إلا كُنْتَ فِيهِ خَازِناً لِغَيْرِكَ.
وَ اعْلَمْ أنَّ في حَلالِهَا حِسَابٌ وَ في حَرَامِهَا عِقَابٌ وَ في الشُّبُهَاتِ عِتَابٌ، فَأنْزِلِ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ الْمِيْتَةِ؛ خُذْ مِنْهَا مَا يَكْفيكَ فَإنْ كَانَ ذَلِكَ حَلالاً كُنْتَ قَدْ زَهِدْتَ فِيهَا، وَإنْ كَانَ حَرَاماً لَمْ يَكُنْ فِيهِ وِزْرٌ. فَأخَذْتَ كَمَا أخَذْتَ مِنَ الْمِيتَةِ، وَ إنْ كَانَ الْعِتَابُ فَإنَّ الْعِتَابَ يَسِيرٌ. وَاعْمَلْ لِدُنْيَاكَ كَأنَّكَ تَعِيشُ أبَداً وَاعْمَلْ لآخِرَتِكَ كَأنَّكَ تَمُوتُ غَداً.
وَ إذَا أرَدْتَ عِزَّاً بِلا عَشِيرَةٍ وَ هَيْبَةً بِلا سُلْطَانٍ فَاخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اللهِ إلَى عِزِّ طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
وَ إذَا نَازَعَتْكَ إلَى صُحْبَةِ الرِّجَالِ حَاجَةٌ فَاصْحَبْ مَنْ إذَا صَحِبْتَهُ زَانَكَ، وَ إذَا خَدَمْتَهُ صَانَكَ، وَ إذَا أرَدْتَ مِنْهُ مَعُونَةً أعَانَكَ، وَ إنْ قُلْتَ صَدَّقَ قُوْلَكَ وَ إنْ صُلْتَ شَدَّ صَوْلْتَكَ، وَ إنْ مَدَدْتَ يَدَكَ بِفَضْلٍ مَدَّهَا، وَ إنْ بَدَتْ عَنْكَ ثُلْمَةٌ سَدَّهَا، وَ إنْ رَأى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وَ إنْ سَألْتَهُ أعْطَاكَ وَ إنْ سَكَتَّ عَنْهُ ابْتَدَاكَ، وَ إنْ نَزَلَتْ إحْدَى الْمُلِمَّاتِ بِكَ سَاءَكَ٢مَنْ لا يَأتِيكَ مِنْهُ الْبَوَائِقُ، وَ لا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ مِنْهُ الطَّرَائِقُ، وَ لا يَخْذُلُكَ عند الحقائق، وَ إنْ تَنَازَعْتُمَا مُنْقَسَماً ٣آثَرَكَ.
شهادة الإمام المجتبى عليه السلام
ثمّ يقول جُنادة: ثمّ انقطع نفسه واصفرّ لونه حتّى خشيتُ عليه، و دخل الحسين عليه السلام و الأسود بن أبي الأسود فانكبّ عليه حتّى قبّل رأسه و بين عينيه، ثمّ قعد عنده فتسارّا جميعاً؛ فقال أبو الأسود: إنَّا للَهِ إنَّ الحسنَ قد نُعيتْ إليه نَفْسُه، و أوصى إلى الحسين عليه السلام، و توفّي عليه السلام في يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة و له سبع و أربعون سنة، و دُفن بالبقيع.۱
و قد استشهد عليه السلام بالسمّ الذي دسّته إليه جُعدة بنت الأشعث بن قيس الكنديّ بأمر معاوية؛ و جُعدة هي بنت أم فروة أخت أبي بكر وابنة عمّة عائشة.
يروي المرحوم الصدوق عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، عن الإمام الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السلام قال:
لمّا حضرت الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام الوفاة بكى فَقِيلَ لَهُ: يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، أتَبْكِي وَ مَكَانُكَ مِنْ رَسُولِ الله الذي أنْتَ بِهِ، وَ قَدْ قَالَ فِيكَ رَسُولُ اللهِ مَا قَالَ، وَ قَدْ حَجَجْتَ عِشْرِينَ حَجَّةً مَاشِياً وَ قَدْ قَاسَمْتَ رَبَّكَ مَالَكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى النَّعْل و النَّعْلَ؟
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّمَا أبْكِي لِخِصْلَتَيْنِ لِهَوْلِ الْمُطَّلَعِ٢ وَ فِرَاقِ الأحِبَّةِ.٣ و دَخَلَ عَلَيْهِ أخُوهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدُ نَفْسَكَ؟ قَالَ: أنَا في آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَ أوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ عَلَى كُرْهٍ مِنِّي لِفِرَاقِكَ وَ فِرَاقِ إِخْوَتِي، ثُمَّ قالَ: أسْتغْفِرُ اللهَ عَلَى مَحَبَّةٍ مِنِّي لِلِقَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أمِيرِ الْمُؤمِنِينَ وَ فَاطِمَةَ وَ جَعْفَرٍ وَ حَمْزَة ثُمَّ أوْصَى إِلَيْهِ.٤ و٥
وصيّة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام لأخيه الإمام الحسين عليه السلام
كان الإمام الحسن عليه السلام ـ طبقاً لما ورد في "الكافي" ـ قد أخبر عن الأحداث التي ستحصل بعد وفاته و المواجهة التي ستحصل مع عائشة. يروي محمّد بن يعقوب الكليني بإسناده نقلاً عن محمّد بن مسلم:
قال: سَمِعتُ أبا جَعفَرٍ عَلَيه السّلامُ يَقُولُ: لَما حَضَرَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عَلَيهما السّلامُ الوَفاة قالَ لِلحُسَينِ عَلَيه السّلامُ: يا أخِي! إنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّة فاحفَظها. إذا أنا مِتُّ فَهَيِّئنِي ثُمَّ وَجِّهنِي إلَی رَسُولِ اللهِ صَلّی الله عَلَيه و آلِه و سَلّم لأُحدِثَ بِهِ عَهدًا، ثُمَّ اصْرِفنِي إلَی أُمِّي ثُمَّ رُدَّنِي فادفِنِّي بِالبَقِيعِ. و اعْلَمْ أنَّهُ سَيُصِيبُنِي مِن عائِشَة ما يَعلَمُ اللهُ و النّاسُ [صَنِيعُها] من بُغضِها وعَداوَتِها لِلَّهِ و لِرَسُولِهِ وعَداوَتِها لَنا أهلَ البَيتِ؛۱ (الحديث).
و روى الصدوق في "الأمالي" بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام:
أنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيّ بن أبي طالب دَخَلَ علی الحَسَنِ؛ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيهِ بَكَی. فَقالَ: ما يُبكيكَ يا أبا عَبدِ الله؟ فقالَ: أبكِي لِما صُنِعَ بِكَ. فَقالَ لَهُ الحَسَنُ: إنَّ الَّذِي يُؤتَی لي فسَمٌّ يُدَسُّ لي فَأقْتَلُ به، ولَكِنْ لا يَومَ كَيَومِكَ يا أبا عَبدِ الله! يَزدَلِفُ إلَيكَ ثَلاثُونَ ألفَ رَجُلٍ يَدَّعُونَ أنَّهُمْ مِن اُمَّة جَدِّنا مُحَمَّدٍ [صلّی الله عليه و آله و سلّم] و يَنتَحِلُونَ دِينَ الإسلامِ فَيَجتَمِعونَ عَلَی قَتلِكَ وَ سَفكِ دَمِكَ و انتِهاكِ حُرمَتِكَ و سَبيِ ذَرارِيكَ و نِسائِكَ و انْتِهابِ ثِقلِكَ؛٢ (الحديث).
أشعار أبي عبد الله عند دفن الإمام الحسن المجتبى عليهما السلام
و قال في «مناقب» ابن شهر آشوب: و قال الحسين لمّا وضع الحسن في لحده:
أأدهنُ رَأسِي أم تَطِيبُ مَحاِسنِي | *** | و رَأسُكَ مَعفُورٌ ٣و أنتَ سَلِيبٌ |
فَلا زِلتُ أبكِي ما تَغَنَّت حَمامَة | *** | عَلَيكَ و ما هَبَّت صَبًا و جَنُوبٌ |
بُكائِي طَوِيلٌ و الدُّمُوعُ غَزِيرَة | *** | و أنتَ بَعِيدٌ و المَزارُ قَرِيبٌ |
فَلَيسَ حَرِيبًا٤ مَن اُصِيبَ بِمالِهِ | *** | و لَكِنَّ مَن وارَی أخاهُ حَرِيبٌ٥ و ٦ |
[ملاحظة: تمّ انتخاب هذا البحث من الكتب التالية: معرفة الله، ج۱، ص ٥٢، معرفة الإمام ج۱ (ص ٢٥۷ إلى ٢٦٢)، معرفة المعاد ج٣ (ص ٢۸ إلى ٣٢) و أنوار الملكوت ج٢ (ص ٢۷ إلى ٣۱)۷ من مؤلّفات العلاّمة الراحل آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهراني قدّس الله نفسه الزكيّة، وقد تمّت مقابلة النصوص مع النسخ الفارسيّة من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق]