10

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة

شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

462
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةشرح دعاء الافتتاح

التاريخ 1397/09/23

جلسات المجموعة(10 جلسة)

التوضيح

على ضوء بعض الفقرات المنتخبة مِن دعاء الافتتاح، بَيّنَ سماحة العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ (قدّس الله سرّه) بعض الخصائص الخاصّة بالإمام علِيّ، واستشرق معنى الكمال مِن صفة (النبأ العظيم)، وبيّن حقيقة مقامات العبوديّة والنبوّة والإمامة والذات المقدّسة وكيفيّة ترتّبها وارتباطها. ثمّ بيّن خصائص السيّدة الزهراء والإمامين الحسن والحسين، ونبّه على شموليّة إمامة الأئمّة الإثني عشر، موضّحًا حقيقة اسم الإمام المهديّ ودلالتها. ولفت إلى الإحكام في صنع الله للمعصومين وتربيته لهم وتطهيرهم وجعلهم حججًا مِن حيث إنّهم مُنجِين، ومُنجِين مِن حيث إنّهم أمناء، وكلّ ذلك مِن حيث إنّهم هداة، وهداة مِن حيث إنّهم مهديّين. كما أشار إلى معاني (المُنجي) و (القائم) و (الإمام). وأوضح باقتضاب مَن هم الّذين سيحفّون بالإمام المهديّ ويؤيّدونه.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة

  •  

  • شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • سماحة العلاّمة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ 

  • قدّس الله نفسه الزكيّة

  •  

  •  

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين

  • ولعنة الله على أعدائهم أجمعين مِنَ الآن إلى قيام يوم الدين

  •  

  •  

  • خصائص علِيّ بن أبي طالب

  • «اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَلِيٍّ أَمِير المُؤْمِنِينَ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ، عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ وَأَخِي رَسُولِكَ وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ وَآيَتِكَ الكُبْرى وَالنَّبَإِ العَظِيمِ»؛ الأمير يعني الحاكم، مِن أمَرَ أي حَكَمَ، فأمير المؤمنين يعني الحاكم وصاحب الأمر ومالك إرادة المؤمنين. هذا هو اللقب الّذي لَقَّب به رسولُ الله أميرَ المؤمنين عليه السلام، وكان الجميع يُسمّيه به بعد بيعة (غدير خُمّ)۱ حين بايعوه على الإمارة، والّتي تعني الحكومة على المؤمنين، وكان مِن بين الّذين بايعوا الإمام على هذه الإمارة عُمر وأبو بكرٍ وآخرون جاؤوا معهم للبيعة٢.

  • يقول بُريدة الأسلميّ: لم أكن في المدينة عندما توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بل كنتُ حينها في الشام، وعندما وصلتُ المدينة ودخلت المسجد رأيت أبا بكرٍ جالسًا على المنبر، وقد أحاط به جمعٌ مِنَ الناس، تعجّبتُ كثيرًا وقلت: ولكن أين علِيّ؟! قالوا: هو ليس موجودًا. فقلتُ: لماذا يرتقي أبو بكرٍ المنبر؟! قالوا: لقد أصبح الخليفة على المسلمين. فقلتُ: وكيف حصل ذلك؟! قالوا: لقد حصل كذا وكذا مِنَ الأحداث وأصبح هو الخليفة. فقلتُ لهم: ألم تبايعوا عليًّا على الإمارة! فأنا كنت حاضرًا في الخيمة ورأيتكم تبايعون عليًّا على الإمارة وتقولون: السلام عليك يا أمير المؤمنين، أنا أخاطبكم، يا أبا بكرٍ وعمر والخمسة الآخرين، فقد قدِمتم أنتم السبعة وبايعتم على ذلك! قالوا: لقد مضى هذا الأمر وحصل غيره، فالأمور تجري على أساس المستجدّات، وقد استجدّ أمرٌ جديد. قلتُ: وأيّ شيء هذا الّذي استجدّ! أنا أُقسم بالله أنّكم خنتم الله وارتكبتم جنايةً كبيرة، فأنتم قد بايعتم أمير المؤمنين بحضور رسول الله، وتأتون الآن لتقولوا إنّ مستجدّاتٍ قد استجدّت وحوادث قد وقعت! [ثمّ يقول:] فضربوني وأخرجوني مِنَ المسجد.

  • لقد نقل أهل السنّة هذه الرواية، وهي موجودة في كتبهم التاريخيّة٣.

  • «وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ»؛ تُطلق كلمة (الوصيّ) على مَن يتكفّل أمور امرِءٍ، بناءً على وصيّةِ مُوصٍ. إن كان الإخوة يتذكرون أنّه قبل خمس سنوات، وبالتحديد في السنة الأولى الّتي قرّرت فيها الحديث عن موضوع الولاية، كنتُ قد شرحت في شهر رمضان المبارك عدّة مواضيع بشكلٍ تفصيليّ، منها موضوع المؤاخاة وموضوع الوصيّة، وقد نقلتُ في سبعة أو ثمانية مجالس – ولعلّها بلغت العشرة – روايات عن الشيعة والسنّة وبطرق مختلفة في هذا الشأن؛ فقد سمّى رسول الله أمير المؤمنين بالوصيّ، وذُكر ذلك بعبارات مختلفة مِن قبيل: وصيّ رسول الله، سيّد الوصيّين، سيّد الأوصياء، خاتم الوصيّين وخاتم الأوصياء. كما تحدّثتُ بالتفصيل عن الأمور الّتي أوصى بها رسولُ الله أميرَ المؤمنين، ولقد حرّرت هذه المطالب، فاستغرقت ما يقارب سبعين أو ثمانين صفحة٤.

    1. لمزيد مِنَ الاطّلاع حول معنى لقب أمير المؤمنين، واختصاصه بعلَيِّ بن أبي طالب عليه السلام، يمكنكم الرجوع إلى كتاب معرفة الإمام، لسماحة العلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ، ج۸، ص٩۱. 
    2. لمزيد مِنَ الاطّلاع حول بيعة أبي بكر وعمر لأمير المؤمنين، يمكنكم الرجوع إلى كتاب معرفة الإمام، لمساحة العلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ، ج۸، ص۸۰.
    3. لمزيد مِنَ الاطّلاع حول رواية بُريدة الأسلميّ واعتراضه على خلافة أبي بكر، يمكنكم الرجوع إلى كتاب معرفة الإمام، لسماحة العلّامة محمّد حسين الطهرانيّ، ج۸، ص٩٦ و۱٦٦ و۱۱۸.
    4. لمزيد مِنَ الاطّلاع حول وصيّة رسول الله لأمير المؤمنين، يمكنكم الرجوع إلى كتاب معرفة الإمام، لسماحة العلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ، ج٢، ابتداء مِن ص٢۰٣، الدروس: ٢٥ إلى ٣۰.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

3
  • «عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ»؛ تمّ تقديم العبوديّة هنا على مقام الولاية، كما فعل عندما قال «محمّدٌ عبدِكَ ورسولِكَ» حيث قَدَّم مقام العبوديّة على مقام الرسالة ... فأتت العبوديّة أوّلًا ثمّ تلتها الولاية.

  • أمّا قوله «عَبْدِكَ»؛ فقد شرحنا معنى العبد سابقًا. وقوله «وَوَلِيِّكَ»: فوليّك تعني مَن خوّلته إدارة جميع عالَم الوجود، فأمره نافذ فيه بإرادتك ومشيئتك. هذا معنى الوليّ، وهي لازم مقام العبوديّة. إنّ العبوديّة تعني الفناء المُطلق، ولازم الفناء المُطلق أن تتجلَّى جميع أنوار الله، والّذي يلزمه إفاضة الفيض مِن قلب وليّ الله على عالَم الوجود.. «عبدي أطعني حتّى أجعلك مِثلي (أو مَثَلي)»۱، أي إنّ الله يجعل العبد مِثالًا له، وهو ما يحصل نتيجة تزكية وتهذيب وتصفية القلب، بحيث لا تبقى فيه أيّة شائبةٍ لإظهار النفس، فيُصبح خالصًا لله. ولازم كون الإنسان مثال الله وخالصًا لله، هو أن تطْلع الأنوار الإلهيّة على قلبه، تلك الأنوار الّتي لا يمكن أن تكون أنوارًا خياليّةً أو موهومةً، بل هي أنوارٌ وجوديّة مطلقة مجرّدة وبسيطة، فتطْلع على القلب وتُفيض الوجود مِن هذا القلب على كافّة عالَم الوجود.

  • تجلَّى لي المحبوب في٢ كلِّ وِجهةٍ***وشاهدّتُهُ في كلِّ معنىً وصورةِ٣
  • هذه هي الولاية المطلقة، وهذه إحدى مقامات أمير المؤمنين عليه السلام.

  • «وأخي رَسولِكَ»؛ لقد آخى رسول الله بينه وبين أمير المؤمنين مرّتين في حياته: كانت الأوّلى في مكّة والأخرى في المدينة٤. وقد تحدّثت في شهر رمضان المُشار إليه سابقًا عن موضوع المؤاخاة، وقد حُرّرت تلك المطالب أيضًا٥. لا يوجد أيّ مجال للشكّ في مؤاخاة رسول الله لأمير المؤمنين، فهو حديثٌ متواتر، ولم يُنكر هذه المؤاخاة غير عُمر، حتّى أبو بكرٍ لم ينكرها.

  • عندما آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين المهاجرين والأنصار في المدينة، آخى بين أبي بكرٍ وعُمر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين سلمانٍ وأبي ذرٍّ.. كانت تلك المؤاخاة مبنيّة على اتّحاد الآفاق، فآخى النبيّ بين جميع المهاجرين والأنصار إلّا أمير المؤمنين، فلم يعيّن له أخًا، ولمّا انتهى مِن عقد الأخوّة بين المسلمين تأثّر أمير المؤمنين لعدم تعيين أخٍ له، وعندما كان أمير المؤمنين نائمًا على جادّة الطريق وقد غطّى التراب وجهه، جاءه النبيّ وأيقظه بإصبع رجله وقال له: انهض يا أبا تراب، لماذا تنام هنا؟ فنهض أمير المؤمنين، فقال له رسول الله: لقد أبقيتك لنفسي، أنت أخي في الدنيا والآخرة٦، وبهذا تمّ عقد الأخوّة بينهما.

    1.  مشارق أنوار اليقين، البرسي، ص۱۰۰، مع شيء مِنَ الاختلاف. والوارد في الرواية هو لفظ (مثلي)، فالترديد بين كونها (مِثلي) أو (مَثَلي) راجع إلى اختلاف القراءات.
    2. خ ل: عن
    3.  الجوهرة المضيئة، الشيخ إبراهيم الدسوقي، ج٢، ص٢۷۸.
    4.  الاستيعاب، ابن عبد البرّ، ج٣، ص۱۰٩۸؛ أسد الغابة، ابن الأثير، ج٤، ص۱٦.
    5. يمكنكم الرجوع في ذلك إلى كتاب معرفة الإمام، لسماحة العلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ، ج٢، ص۱۸٥.
    6.  كشف الغمّة، الإربلي، ج۱، ص٣٣٦؛ بحار الأنوار، الشيخ المجلسي، ج٣۸، ص٣٤٤؛ تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج٣، ص٦٢٤.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

4
  • وبعد ارتحال النبيّ، جاؤوا بأمير المؤمنين بعد تلك الأحداث إلى المسجد، فلم يُبايع أميرُ المؤمنين أبا بكرٍ، فقال له عمر: إن لم تبايع، ضربنا عنقك. فقال له أمير المؤمنين: إذن تقتلون عبد الله وأخا رسوله. فقال له عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا.۱

  • ذَكرتْ جميع مصادر السنّة والشيعة أنّ أحدًا لم يُنكر إخوّة أمير المؤمنين لرسول الله غير عُمر، والحال أنّ الأمر كان واضحًا وضوح نور الشمس٢، وقد قال النبيّ أيضًا: لا يُنكر إخوّتك لي غير جاحد؛ أي مُنكر وكافر.

  • «وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ»؛ تُطلق كلمة الحُجّة على كلّ ما يمكن أن يُحتجّ به، مثلًا عندما يُحضرون شخصًا إلى المحكمة يقولون له: هات حُجّتك ودليلك على ما قمت به. فهذا الدليل يُسمّى حجّة.

  • إنّ أعمال الخلائق تُقاس على أعمال أمير المؤمنين، وسيحَتجّ الله في يوم القيامة على الناس بأعمال أمير المؤمنين٣، أي سيؤاخَذون على أساس دستور الولاية وعلى ضوء أعمال أمير المؤمنين. [عندما يقول أحدهم:] قد جعلتُ فلانًا حُجّة عليكم، فهذا يعني أنّ أمرُه هو أمري، ونهيُه نهيي. وعندما يعزم ملِكٌ على سفرٍ، ويعيّن أحدًا مكانه ويقول: [لقد عيّنت فلانًا] فأمره أمري وفرمانه فرماني، وعندما أعود سأحاسبكم إن خالفتم أمره؛ فيُقال لمثل هذا حجّةٌ.

  • إنّ الحُجّة الإلهيّة هو الرجل الّذي جعل الله (العليّ الأعلى) أمرَه أمرَه ونهيَه نهيَه، فهو حُجّة الله. ولهذا تكون جميع أوامره ونواهيه وأفعاله حُجّة؛ هذا هو معنى الحُجّة. وسيحتجّ الله على عباده بأوامر هذه الحجّة الإلهيّة؛ فكلّ عملٍ يأتي به المرء: إذا كان مُطابقًا لعمل الحُجّة فلن يؤاخذه الله عليه وسيكون حينئذ في سِعَة مِن أمره، وإن كان غيرَ مطابقٍ لعمل الحجّة فسيُحاسبه الله عليه. وذلك لكونه حُجّة؛ فالحُجّة هو كلّ ما يمكن للإنسان أن يَحتجّ به.

  • «وَآيَتِكَ الكُبْرى»؛ الآية تعني العلامة، فعلِيّ هو المرآة الّتي تُظهر الله، نعم إنّها تُظهر كلَّ وجوده، لا أنّها تُظهر صفةً واحدة مِن صفاته أو اسمًا واحدًا مِن أسمائه.

  • إنّ جميع الموجودات هي مظاهر الله، غير أنّ سعتها ومقدار ما تُظهره مِنَ الله متفاوتٌ؛ فهنالك مرآة صغيرة ومرآة كبيرة، ومنها ما يكون مربّعًا ومنها مستطيل ولوزيّ، ومِنَ المرايا ما هو أصفر اللون وأحمر وأخضر، ومنها ما يكون داكنًا ومنها الصدئ المتآكل؛ جميع هذه المرايا تختلف عن بعضها البعض، غير أنّ هنالك مرآة تكون بطول قامة الإنسان فتُظهر جميع جسمه، وتكون صافيةً ليس فيها اصفرارٌ أو احمرار أو اخضرار، فتُظهر حقيقة الإنسان، وهي لا تُظهر الجهة الأماميّة للإنسان فقط بل قادرة على إظهار جميع جهاته: الأماميّة منها والخلفيّة والجانبيّة، وهي لا تُري الجسم فقط بل تُظهر الروح والمخّ والعقل أيضًا، إنّها مرآةٌ عجيبة حقًّا. وأمير المؤمنين هو آية لله بهذا الشكل.

    1.  الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري، ج۱، ص٢۰.
    2. لمزيد مِنَ الاطّلاع حول إنكار عمر لإخوّة أمير المؤمنين ورسول الله، يمكنكم مراجعة كتاب معرفة الإمام، للعلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ، ج٢، ص۱٩۸.
    3.  معرفة المعاد، العلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ، ج۸، ص۱٢٢؛ 

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

5
  • جاءت كلمة «الكُبْرى» مؤنّثة، لأنّ كلمة «وَآيَتِكَ» مؤنّثة، فقال: «وَآيَتِكَ الكُبْرى». ويصح أن يُقال هنا: الآية الأكبر، بمعنى أنّ علِيّ بن أبي طالب في جميع العوالم هو أكبر آية لله بعد النبيّ؛ فالنبيّ هو الأستاذ وأمير المؤمنين عليه السلام يأخذ مِنَ النبيّ ثمّ يعرض ما أخذه على الآخرين.

  • مقام النبوّة والإمامة والذات الإلهيّة

  • فإن اعتقد أحدٌ أنّ أمير المؤمنين متقدّمٌ على رسول الله – كما يصرّح بعض الصوفيّين – فهو مخطئ جدًّا باعتقاده هذا، بل إنّ أمير المؤمنين تلميذُ النبيّ وعبدٌ له۱، وهناك تفاوت كبير بين مقام النبيّ ومقام أمير المؤمنين؛ فالنبيّ سيقف يوم القيامة على أعلى درجة في السلّم، وأمير المؤمنين على الدرجة الّتي تليها؛ إنّ للنبيّ مقام الإجمال، ولأمير المؤمنين مقام التفصيل، فكلّ ما يمتلكه أمير المؤمنين هو مِنَ النبيّ.

  • إنّ نور الوجود قد تجلّى مِن مقام العِماء ومقام الفناء، الّذي هو الذات المقدّسة للنبيّ واسم الله الأعظم، ثمّ كان أوّل تجلٍّ له هو في مرآة قلب أمير المؤمنين، فكانت مرآةُ قلب أمير المؤمنين مرآةً تفصيليّة تُظهر كافّة الجزئيّات، أمّا مرآة النبيّ فهي المرآة الكليّة الجامعة؛ فيسري النور مِن هذه المرآة الكليّة إلى تلك المرآة الّتي تُظهر كافّة جزئيّات عالَم الكائنات، ولولا تلك المرآة لَمَا وُجدَت هذه٢.

  • لو أردنا أن نخوض في تفاصيل هذا الموضوع لاستغرق منّا الكثير مِنَ الوقت! وعلى كلّ حالٍ، إنّ ما تقدّم يعني أنّه لولا وجود النبيّ، لَمَا كان لأمير المؤمنين وجودٌ، والعكس ليس صحيحًا، أي لو لم يكن أميرُ المؤمنين موجودًا لبقي وجود النبيّ على حاله، وذلك لأنّ النبيّ هو الحجاب الأقرب وأمير المؤمنين هو حجابٌ بعد ذلك الحجاب.

  • يُقال إنّ التلسكوبات الّتي ترصد النجوم، لها أوّلًا عدسةٌ صغيرة، وهي وحدها لا يمكن أن تريك النجوم، فينعكس النور منها إلى عدسة أكبر، وحينئذ يمكنك رؤية النجوم عبرها؛ فصحيح أنّ النجوم لا تُرى بواسطة العدسة الصغيرة وحدها، غير أنّ هذه العدسة تُعتبر واسطة لإيصال النور والفيض، ولولاها لَمَا أمكن رؤية النجوم بواسطة العدسة الأكبر منها، فالعدسة الصغيرة بمثابة المبدأ، الّذي يستلم النور ويعكسه في العدسة الكبيرة، وحينها يتمكّن الإنسان مِن رؤية النجوم.

    1.  الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج۱، ص۸٩.
    2. لمزيد مِنَ الاطّلاع، يمكنكم الرجوع إلى كتاب معرفة الإمام، للعلّامة السيّد محمّد حسين الطهرانيّ، ج٤، ص۱٥۸.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

6
  • فرسول الله في مقام الإجمال يأخذ مِنَ الله ويُسلّم ما يأخذه إلى أمير المؤمنين الّذي يقوم ببيانه؛ مثلًا، لم يُلقِ الرسول طوال عمره خُطبًا إلّا في موارد محدّدة، وكانت خطبًا قصيرة لا تتجاوز السطرين أو الثلاثة، أمّا أمير المؤمنين فقد كان مِن أهل البيان، وكانت خطبه تطول لساعة مِنَ الزمن. إنّ كتاب نهج البلاغة هو عبارة عن خطبه الّتي كان يتلقّاها مِنَ النبيّ، فيقوم ببيانها للناس. كما أنّ النبيّ لم يُشهر سيفه طوال حياته في وجه أحد، أمّا أمير المؤمنين فلم يفارق السيفُ يده؛ وهذا لا يعني أنّ النبيّ لم يقتل أحدًا، بل كلّ القتل الّذي وقع كان مِنَ النبيّ [بواسطة] أمير المؤمنين، الّذي لم يُفارق النبيّ في غزوة مِن غزواته، فكان علِيّ هو يد النبيّ، فالتصميم والأمر للنبيّ [والتنفيذ بيد علِيّ]؛ هذا هو معنى مقام الجمع للنبيّ ومقام التفصيل لأمير المؤمنين؛ فكان النبيّ هو النبع، وأمير المؤمنين هو النهر الجاري الّذي مصدره ذلك النبع؛ فالنهر يجري ويملأ الأرض ماءً، غير أنّه يتزوّد مِن ذلك المصدر. فعندما يتوجّه أمير المؤمنين نحو قلب النبيّ، سيفيض عليه هذا القلب بحرًا مِنَ العلوم، فتفور وتغلي.

  • جاء في رواياتٍ متواترةٍ عن الشيعة والسنّة أنّ النبيّ علّم أمير المؤمنين عليه السلام ألف بابٍ مِنَ العِلم، يفتح مِن كلّ بابٍ ألف باب۱؛ واعلموا أنّ العدد (ألف) ذُكر لضيق العبارة، وإلّا فما الّذي يعنيه (الألف) هنا؟! إنّ قلب النبيّ هو مصدر ترشّح العِلم، فيقع هذا العِلم في قلب أمير المؤمنين، وبذلك يكون قد دخل في مرحلة التفصيل، فكلّ ما يمكن أن تتصوّره مِن علم فهو هناك.

  • فلو أراد جبرائيل أن يتعلّم شيئًا، عليه أن يتعلّمه مِن أمير المؤمنين، لأنّ مقام النبيّ وأمير المؤمنين أعلى مِن مقام جبرائيل، وما جبرائيل إلّا وسيطًا لإيصال الفيض وإيصال مقام العلم مِن حقيقة النبيّ إلى قلبه.

  • يمكنك أن تُشبّه هذا الأمر بما يلي: عندما تجلس وحدك وتتفكّر في أشياء وتتصوّرها وتحدّث نفسك بها، وكذلك عندما تحلّ المسائل الفكريّة، فإنّك تستعين بقوّة لتكشف المجهولات، فينزل عليك مِن مقام الحقيقة تفصيلها وتتّضح لك تلك المسألة وينحلّ ذلك المجهول. فجبرائيل هنا هو عبارة عن تلك الواسطة الّتي تفيض على قلب النبيّ المبارك.

    1.  بصائر الدرجات، الصفّار، ص٣٢٢.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

7
  • وعلى هذا، يكون أمير المؤمنين آيةً، كما أنّ النبيّ آيةٌ، وهو الآية الّتي لا يستطيع أحدٌ أن يراها غير أمير المؤمنين. فهل الوصول إلى مقام النبيّ عملٌ سهلٌ؟! وهل يمكن للجميع أن يعرف النبيّ؟! إنّ النبي عبارة عن المقام الّذي يتنزّل فيه القرآن، فحتّى لو قال للناس: يا أيّها الناس، عليكم أن تؤمنوا بالقرآن وبي، وقالوا له: سمعًا وطاعة، إلّا أنّ هذا وحده غير كافٍ ليعرفوا النبيّ.

  • إنّ النبيّ يقبل كلَّ مَن قال (آمنتُ)، وإن كان القائل منافقًا في باطنه، لأنّ عمل النبيّ مبنيّ على ذاك الأساس، غير أنّ النبيّ لا يعرفه سوى أمير المؤمنين۱، فأمير المؤمنين هو الوحيد الّذي يعرف النبيّ، كما أنّ الحقائق الّتي تصدر عن النبيّ تدخل مرحلة التفصيل على يدي أمير المؤمنين، فيعرف المنافق فيعزله، وهذا ما لم يكن النبيّ يفعله لأنّه غير مُكلّف بهذه المهمّة، بل قد أُوكِلت هذه المهمّة إلى أمير المؤمنين؛ فالولاية تشبه المحكّ الّذي يعزل كلّ شيء يمسّه.

  • قال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا عليّ، أنا قاتلتُ على التنزيل، وأنت تقاتلهم على التأويل٢. وهنا مباحث مفصّلة في معنى التنزيل والتأويل، وفي حقيقة القرآن وظاهره، وفي العلوم الّتي كُفِّل أمير المؤمنين بتفصيلها، والعلوم الّتي كُفِّل النبيّ بها.. ويمكن أن نُجمل القول بأنّ أمير المؤمنين هو تلميذ النبيّ، وهو يفتخر بذلك.

  • غير أنّ البعض لم يفهم هذا الأمر، ولذا تراهم يرفعون مقام أمير المؤمنين ويجعلونه أعلى مِن مقام النبيّ، فيقولون: علِيّ هو ذلك الرجل الّذي قال له النبيّ عندما أراد أن يُسقط الأصنام عن ظهر الكعبة: اصعد على كتفي يا علِيّ. فصعد علِيّ واضعًا قدمه على خاتم النبوّة، فصار خاتم النبوّة تحت قَدم علِيّ، فهذا هو مقام علِيّ!

  • ولكن هل هذا النوع مِنَ الاستدلال صحيح؟! لو كان صحيحًا، لكان مقام الطفل أعلى مِن مقام الرجل الّذي يحمله على يديه! عندما وقف النبيّ ذلك الموقف، فهو إنّما كان يقول: أنا الركيزة والعمود، فتعال واصعد على كتفي وكسّر الأصنام، يا عليّ؛ أي إنّ قِوامك بي، وقِوام هذه الكعبة بي، وقِوام إزالة الأصنام بي.

    1.  روضة المتّقين، الشيخ محمّد تقي المجلسي، ج۱٣، ص٢۷٣.
    2.  رياض الأبرار، السيّد نعمة الله الجزائري، ج٣، ص٢۰۰؛ نور ملكوت القرآن، سماحة العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، ج٣، ص٢٩۷.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

8
  • إنّ النبيّ هو الّذي رفع عليّا وعرّفه للآخرين، وهذا يعني أنّ النبيّ هو المُعرِّف وعليًّا المُعرَّف.. فلا قدّر الله أن يُوكِل اللهُ أمورَ الإنسان إلى نفسه، فإن قُطع حبل اتصاله بالحقائق سيبدأ الإنسان بحياكة الشطحات والطامّات والترّهات، فهذه الأباطيل والأمور الزائفة كثيرة في ذهن الإنسان!

  • قال أمير المؤمنين بنفسه: «وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً»۱؛ وبعد هذا تأتي لتقول أنّ عليًّا أعلى مقامًا مِنَ النبيّ! أنت مخطئ يا هذا! فمَن يريد أن يمدح رجلًا لا ينبغي له أن يمدحه بمقدارٍ يصبح المدح انتقاصًا له. وعليه، فإن مدحنا أمير المؤمنين بحيث جعلنا مكانته فوق مكانة النبيّ، سنكون بهذا قد فقدنا أمير المؤمنين وحططنا مِن مقامه، وفي هذه الحالة لم يكن ما فعلناه مدحًا بل كان ذمًّا.

  • قديمًا في مدرسة الفيضيّة، كان يجتمع الطلاب لحضور الدروس الدينيّة الّتي يُلقيها العلماء، فكان يأتي شيخٌ يفترش بساطه على جانب الطريق أحيانًا ويعرض كُتبًا للبيع، وأحيانًا أخرى لم يكن يعرض شيئًا، كان أحمق بكلِّ ما في الكلمة مِن معنى، ولم يكن يُجيد القراءة والكتابة. كان هذا الشيخ يحمل معه دائمًا قلمًا ودفترًا كبيرَ الحجم، وما إن يعتلي أحدُ المدرّسين المنبر وينشغل بشرح درس الخارج ويطرح الطلّاب مناقشاتهم وأسئلتهم، حتّى يجلس هذا الشيخ ويبدأ بكتابة كلّ ما يقوله الأستاذ، ولكن كتابته لم تكن عاديّة، بل كانت عبارة عن خطوط تشبه ما يرسمه الأطفال على الورق، فكان يملأ الصفحة بتلك الخطوط، وكان قد ملأ عدّة دفاتر بهذا الشكل. كذلك هو حال البعض عندما يكتبون، ترى كتاباتهم تشبه كتابة ذلك الشيخ، فهم يكتبون كلّ ما يَرِد على ألسنتهم.

  • إنّ جميع المؤمنين يتّكؤون على ولاية الإمام، والإمام يتّكئ على ولاية النبيّ.. إنّها روايةٌ عجيبةٌ تلك الرواية الّتي قرأتُها على المنبر قبل عدّة أيّامٍ، والّتي قال فيها أمير المؤمنين: قال لي النبيّ: اخرج يا علِيّ ونادِ بالناس: ألا مَن عقَّ والدَيه، فلعنة الله عليه. ثمّ قال: أنا وأنت أبوا هذه الأمّة٢.

  • وهكذا هو الحال اليوم، يعني أنّ نور الوجود في كلّ العالَم يأتي مِنَ الناحية المقدّسة لله مِن خلال النبيّ، وبواسطة النبيّ يصل إلى قلب الإمام، ومِنَ الإمام ينتشر في المراتب الجزئيّة حتّى يصل إلى عالَم المادّة والهيولى، فيستفيض الجميع بهذه الواسطة.

    1.  نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص٣۰۰.
    2.  الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ابن شاذان، ص۱٣٢.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

9
  • «والنبإِ العظيم»؛ قال تعالى ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾۱؛ يقول ابن نباته: كلّما سعى الناس لإخماد نور علِيٍّ، لم يُفلحوا، بل كان عملهم هذا يضيف صيحةً إلى صيحات يوم القيامة٢. ففسّر عبارة (النبإ العظيم) بـ (صيحة القيامة العظيمة)، إذ يوجد في القيامة أنواعٌ مِنَ الأصوات والجَمال والجلال. إنّ القيامة عجيبةٌ حقًّا ففيها الجنّة وجهنّم! فمعنى (إضافة صيحة إلى صيحات القيامة) هو: عندما تمّ تعريف علِيّ للناس، سعى المنكرون لإخفاء اسمه دومًا، غير أنّه كان يَظهر في كلّ مرّةٍ فيملأ العالَم جنّةً وجهنّمًا، فيكون جنّة المؤمنين والمُحبّين، وجهنّم الكافرين والمشركين، أي له يدان، إحداهما نار والأخرى ورد، فيقول للمؤمن: انظر كيف تفوح الجنّة بعطر الزهور، تعال وشمّ منها وادخل الجنّة، ويقول لجهنّم: خذي يا جهنّم [ذاك الكافر]. فأمير المؤمنين ليس رجلًا رحيمًا ولطيفًا وحسب، بل هو قسيم الجنّة والنار أيضًا٣.

  • لقد أحسن الخُضر في بيان صفات أمير المؤمنين، وذلك في صباح اليوم الحادي والعشرين مِن شهر رمضان بعد عودة أبناء أمير المؤمنين مِن دفنه، إذ حين عودتهم رأوا شيخًا كبيرًا يقف ويسلّم على أمير المؤمنين، ومِن جملة ما قاله: كنتَ للمؤمنين أبًا رحيمًا، وعلى الكافرين غليظًا شديدًا – وهذا هو معنى الولاية – ثمّ غاب الرجل، فسألوا: مَن يكون الرجل؟ فقالوا لهم: إنّه الخضر٤.

  • فلو رأيتم رجلًا فيه عطفٌ محض أو غضبٌ محض، فهو ليس الرجل المطلوب، وذلك لأنّه غير كاملٍ، إذ الكامل هو مَن تتجلّى فيه كافّة صفات الله؛ فالله يغضب كما أنّه يرحم، وهو شديد الانتقام وفي الوقت نفسه هو أرحم الراحمين.

  • قرأنا في بداية دعاء الافتتاح: «أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ»، هكذا كان أمير المؤمنين.

  • لا يمكن إحصاء عدد مَن قتلهم أمير المؤمنين في معركة صفّين في ليلة الهرير، كما كان يقتل الكافر والمشرك والمعاند وهو في رِكاب رسول الله، وذلك لأنّ المعاندين رجسٌ، وهم بمثابة مرض السرطان والجمرة الخبيثة في المجتمع، فلا بدّ مِن استئصالهم وتخليص المجتمع منهم. هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر، لا يمكن إحصاء مقدار رحمة أمير المؤمنين ومروءته ولطفه.

    1. سورة النبإ (۷۸)، الآيتان ۱ – ٢.
    2.  مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج٢، ص۱۷٤، حيث قال: ابن نباتة:
      نشرت حيلة قريش فزادته***إلى صيحة القيامة فتلا.
    3.  كشف الغمّة، الإربلي، ج٣، ص۱۰٣؛ معرفة الإمام، العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، ج۱، ص۱٦٥.
    4.  الكافي، الشيخ الكليني، ج۱، ص٤٥٤؛ مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج٢، ص۱۷۰؛ معرفة الإمام، العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ، ج٤، ص٦٤.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

10
  • عدّد عُدي بن حاتم لمعاوية بعض صفات أمير المؤمنين، [ومِن جملة] ما قاله: لا يخافُ القويُّ ظُلمَه، ولا ييأس الضعيف مِن عدلِه۱. إنّ معنى هذا الكلام هو أنّه: لو ظفر أحدٌ بمَن ظلمه، وأراد أن يُعاقبه، سوف يُضاعف له العقاب لِمَا في قلبه مِن حقد، وإن كان حقده هو بسبب ظلم ذاك الشخص له، أمّا علِيّ فلم يكن كذلك، بل كان يُعاقب الظالم بمقدار ما صدر منه مِن ظلم، لذا لا يمكن أن يخاف الظالم مِن أن يظلمه علِيٌّ، فلا يمكن لعليٍّ أن يظلم أحدًا. فما كان يُظهره مِن انتقام بحقّ الكافرين والظالمين، كان بمقدار ما يستحقّونه مِنَ العقاب. كما أنّه لا يمكن للضعيف أن ييأس مِن نيل حقّه لدى علِيّ، فالضعيف يعرف أنّه إن ذهب إلى علِيّ فسيُعيد علِيٌّ له حقّه، وذلك لأنّ حكومة علِيّ هي حكومةٌ إلهيّة، فهي حكومة الله.

  • جاء المُفضّل بن عمر إلى الإمام الصادق يومًا وقال له: لقد ضاق صدري، فبيّن لي كيف أنّ علِيًّا قسيم الجنّة والنار٢ – كنّا قد قرأنا هذا الحديث قبل أيّام – فحدّثه الإمام عن هذا الموضوع، فقال المُفضّل: أرحتني، رحمك الله. نعم، كان بيان الإمام يتناسب مع سليقة ومستوى فكر المُفضّل، وإلّا فأين ولاية أمير المؤمنين مِن هذا! سيقف أمير المؤمنين يوم القيامة ويقول: خذي يا جنّة هذا، وخُذي يا جهنّم ذاك.

  • ولن يكون أمير المؤمنين في يوم القيامة على شكل رجل بطول مترٍ ونصف، بل سيكون ولاية الله الّتي تعمّ جميع العالَم، وسيكون إرادة الله واسمه الأعظم، وسيكون محلًّا لتجلّي جميع صفات الله.

  • الإنسان الكامل هو مَن يعفو في موضع العفو، ويلاطف في موضع الملاطفة، ويضحك في موضع ويغضب في آخر، ويُعطي الحلوى للطفل في موردٍ ويؤاخذه في آخر، وهو مَن يخطب بالناس مرّة ويُعاقب ويُقيم الحدَّ أُخرى؛ فلو لم يكن كذلك لَمَا كان كاملًا، بل لكان حائزًا على جانبٍ واحدٍ فقط، يعني لكان تحت اسمٍ واحدٍ مِن صفات الله؛ وترى أمثال هؤلاء يبكون باستمرار خوفًا مِنَ الله ويفتقدون جانب الرجاء، أو يرجون الله كثيرًا دون أن يكون لهم خوف مِنَ الله؛ فهؤلاء ليسوا كُمّلًا، فالكامل هو مَن لديه خوفٌ ورجاءٌ معًا، نعم قد يغلب جانب الخوف أو الرجاء أحيانًا، ولكن يجب أن يكون لدى المرء كلا الجانبين معًا.

    1.  سفينة البحار، الشيخ عباس القميّ، ج ٦، ص ۱۸٤.
    2.  مشارق أنوار اليقين، الحافظ رجب البرسي، ص٢۸۷.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

11
  • عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «ألا أخبركم بالفقيه كلّ الفقيه۱؛ مَنْ لم يُقنِّط الناس مِن رَحمة الله، ولم يؤمنهم مِن عذابه»٢، أي إنّ الفقيه هو مَن لا يُغلّب جانب الرجاء عند الناس فيدفعهم للتجرّؤ على المعصية، بل يدفع الناس للأخذ بالوسط بين هذين الجانبين، فيُكلّمهم عن جهنّم وعن الجنّة في وقتٍ واحد، ويُشهر السيف في وجوههم مرّة، ويُطعمهم الحلوى اللذيذة مرّة أخرى، ويُبكيهم مرّة ويُضحكهم أخرى.

  • جاءني شابٌ قبل يوم أمس يسألني عن أمرٍ ما، ثمّ قال لي بعد ذلك: انظر إلى وجهي يا سيّدي كيف امتلأ بحبّ الشباب، فما الّذي علَيّ فعله؟ فقلتُ له: يمكنك أن تتزوّج. فتعجّب مِن قولي هذا وقال: أفي هذا العمر؟! قلتُ له: نعم. فسُرّ كثيرًا مِن هذه الوصفة الّتي وصفتها له، ثمّ قال: ولكنّني طفل. فقلتُ له: لا يا عزيزي، لست طفلًا.

  • هكذا تجري جميع أمور العالَم؛ فنحن نحتاج إلى كلّ شيء مِن أجل إدامة حياتنا، نحتاج إلى الماء ونحتاج إلى النار أيضًا؛ فلو لم يكن لدينا الماء الّذي هو مظهر الرحمة، لَمَا بقينا أحياءً ولَمَا تمكنّا مِن التطهير. ولو كان لدينا ماءٌ بدون نار، لَمَا تمكنّا مِن طهي الطعام وصناعة الخبز وتهيئة الفطور والسحور، فلا بدّ لنا حينئذٍ مِن نار. لا يمكن لجميع الناس أن يكتفوا بأكل الخبز واللبن الرائب، على أنّ تحضير اللبن الرائب يحتاج إلى غلي الحليب، وتهيئة الخبز يحتاج إلى تنّور، وكلّ هذا يحتاج إلى نار.

  • فكون أمير المؤمنين هو النبأ العظيم، يعني أنّه ذلك الصوت العظيم الّذي ملأ جميع العوالم، وذلك لأنّ حقيقته قد عمّت كلّ مكان.

  • خصائص السيّدة فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين عليهم السلام

  • «وصلِّ على الصِدّيقة الطاهرة»؛ الصِدّيقة تعني المرأة الصادقة والمُصدِّقة؛ إنّ كلمة (صِدّيق) على وزن (فعّيل) وهي صيغة مبالغة، فالمعنى أنّه بالإضافة إلى كونها صادقةً ولا سبيل للكذب بتاتًا إلى وجودها، فهي شديدة الصِّدق. أمّا الطاهرة، فتعني النظيفة المنزّهة، قال تعالى ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾٣، فهؤلاء مطهّرون بيد الله، ومَن يُطهّره اللهُ لا يتنجّس، ومَن يُعطيه اللهُ شيئًا لا يستعيده منه، لأنّه تعالى ليس محتاجًا.

    1. خ ل: حقّ الفقيه.
    2.  الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج ۱، ص ٣٦.
    3. سورة الأحزاب (٣٣)، جزء مِنَ الآية ٣٣.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

12
  • مَن هي الصِدّيقة الطاهرة؟ إنّها فاطمة الّتي فطمت شيعتها مِن جهنَّم، [رُوي عن علِيّ عليه السلام أنّه سمع رسول الله يقول:] «إنّما سُميت فاطمة فاطمة، لأنّها فُطِمت هي وشيعتها وذرّيتها مِنَ النار»۱، إنّ كلمة (فاطم) تعني (قاطع)، [فالمعنى أنّه] مَن يكون مِن شيعتها ستنقطع علاقته بالنار، بل لن تتجرّأ النار على الاقتراب منه ولن تجد سببًا لأخذه إليها، إذ لا سنخيّة بين شيعة فاطمة وبين النار.

  • «سيّدة نساء العالمين»؛ لدينا رواية تقول أنّ مريم سيّدة نساء عالمها، وآسية سيّدة نساء عالمها، أمّا فاطمة فهي سيّدة جميع نساء العالَم٢، فعندما تجتمع جميع نساء العالَم يوم القيامة، ستكون فاطمة سيِّدتهُنْ. إنّ كلمة (سيّدة) هي مؤنّث كلمة (سيّد)، والسيّد يعني الرئيس والوجيه، فكلمة (سيّدة) تعني المرأة العظيمة وصاحبة الرئاسة وصاحبة مزايا في جميع المجالات.

  • «وصلِّ على سبطَي الرحمة»، أي صلِّ على ابنَي بنت النبيّ، وهما سبطَا الرحمة، إذ يُقال لابن البنت (سبط).

  • «وإمامَي الهُدى»، إنَّهما إمامان، ولكنّهما ليسا مِن أئمّة الدنيا ولا مِن أئمّة القتل والإغارة، ولا مِن الأئمّة الّذين يسعون وراء الجاه والجلال، بل هما إمامان مِن أئمّة عالَم الهداية.

  • «الحَسنِ والحُسين»؛ الحَسَن يعني الجميل، وكذلك معنى الحُسين، ولكن لَمّا كان الحُسين أصغر سِنًّا، كان حُسنه أقلّ مِن حُسْن أخيه، ولهذا سُميّ الإمام الحَسَن بـ (الحَسَن). واسم الـ (حُسين) هو تصغير لنفس تلك المادّة.

  • «سيّدَي شباب أهل الجنَّة»٣؛ [قال البعض:] إنّ أبا بكرٍ وعُمَر سيّدا كهول أهل الجنّة. [أقول:] ما الّذي يعنيه هذا الكلام! ليس في الجنّة كهول، إذ الكهل هو مَن خارت كافّة قواه، والجنّة لا يمكن أن تكون مكانًا للكهول. لقد قام أولئك المساكين بوضع هذه الرواية، وغفلوا عن أنّهم سيُفتضحون ويُكتشف كذبهم بواسطتها.

  • كان النبيّ يمازح الناس أحيانًا، فقال يومًا لامرأةٍ عجوزٍ: العجوز لا تدخل الجنّة. فتأثّرت العجوز كثيرًا وبكت، فقال لها النبيّ: سيُعيدك الله شابّة ويُدخلك الجنّة٤. إنّ في مثل هذا المُزاح ملاطفة وتنبيه، وهذا في غاية الحُسن.

  • جاءت امرأةٌ يومًا تشتكي زوجها للنبيّ، فاستمع لها النبيّ ثمّ قال: أليس زوجك هو مَن يغلب بياض عينيه على سوادهما؟ فقالت: لم أنتبه لهذا الأمر يا رسول الله. فقال لها النبيّ: ارجعي إلى بيتك وتفحّصي. فرجعت إلى زوجها وأطالت النظر في عينيه، فنظر إليها هو أيضًا، فضحكا وتصالحا. لقد أراد النبيّ أن يُصلح بينهما بذلك.

    1.  دلائل الإمامة، الطبريّ، ص۱٤۸.
    2.  بحار الأنوار، الشيخ المجلسي، ج٣۷، ص٦۸.
    3.  الاحتجاج، الطبرسي، ج٢، ص٩.
    4.  كشف الغمّة، الإربلي، ج۱، ص٩.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

13
  • «سيّدَي شباب أهل الجنَّة»؛ لا يوجد كهول في الجنّة أيّها السادة، ولا عجائز، فهؤلاء لا نفع لهم في الجنّة. إنّ حوريّة الجنّة ليست عجوزًا، ونحن لم نسمع حتّى اللحظة بوجود حوريّة منحنية الظهر ومحدّبة، وإلّا لأصبحت الجنّة جهنَّمًا، وخاصّة إن ظهرت في الجنّة عجائز بهذه الصفات الّتي نعرفها، فسوف يجعلون – في هذه الحالة – مِنَ الجنّة قيامةً. بل ما سيحصل هو أنّ الله سيحشرهنّ شابّات في الجنّة، وسيتبدل استعدادهنَّ ونشاطهنَّ بحيث تعمل المَعِدة والأعين والآذان بأحسن ما يكون، وبذلك سيستفِدنَ مِن لذّات الجنّة.

  • لعلّ الّذين وضعوا رواية [أنّ أبا بكرٍ وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة] أرادوا أن يقولوا إنّ أبا بكرٍ وعمر هما سيّدا كهول أهل جهنّم، فجهنّم مليئةٌ بالمسنِّين المحدّبة ظهورهم، الّذين يعانون مِن التهابات الآذان وعمى الأعين، وممّن امتلأ عظام نخاعهم بالقيح والنار، إذ جهنّم مليئة بأمثال هذه القاذورات. أمّا الجنّة، فما مِن حُسنٍ وجمال إلّا فيها، وكلّ شيء يخالف ذلك هو مِن نصيب جهنّم.

  • شموليّة إمامة الأئمّة الإثني عشر وخصوصيّة اسم (المهديّ)

  • «وصلِّ على أئمّة المسلمين»؛ فهؤلاء ليسوا بأئمّة للمؤمنين والشيعة فقط، بل هم أئمّة جميع المسلمين، سواء رضي الآخرون بذلك أم لم يرضوا، فهؤلاء هم الأئمّة: «عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ» وهو الإمام الرابع، «وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ» وهو الإمام الباقر واسمه محمّد، «وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ» وهو الإمام الصادق، «وَمُوسى بْنِ جَعْفَر، وَعَلِيٍّ بْنِ مُوسى» وهما الإمامان الكاظم والرضا، «وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ» وهو الإمام التقيّ، «وَعَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ» وهو الإمام علِيّ النقيّ، «وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ» وهو الإمام الحسن العسكريّ، «وَالخَلَفِ الهادِي المَهْدِيّ» أي الّذي جاء بعد الإمام الحسن العسكريّ وهو خليفته، وهو هاد ومهديّ؛ (الخَلَف) يعني الخليفة، و (مهدي) يعني الهداية، فالإمام المهديّ هو مَهديّ بهداية الله الّذي يهدي مَن يشاء.

  • لماذا يُسمّى الإمام المهديّ بـ (المهديّ)، فهو يقوم بواجب الهداية أيضًا، فلماذا لم يُسمّى والحال هذه (الهادي)، بل سُمي (المهديّ)؟ سبب ذلك يعود إلى أنّ صفة (المهديّ) أسمى مِن (الهادي)، فمَن لم يكن مهديًّا لا يمكن أن يكون هاديًا، ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾۱؛ فمَن يكون مهديًّا باستطاعته أن يهدي، إذ كلمة (المهديّ) تعني أنّه مهديّ بالله، أي إنّ الله هو الّذي هداه وأخذ بزمام أمره، وبيده كافّة شؤون سلوكه. وعليه، فمَن كانت هدايته بهذا الشكل، فلن تكون هدايته للناس بالأمر الشاقّ، بل سيكون أمرًا في غاية السهولة. فعمدة المسألة هي في كونه مهديًّا، ولهذا يُعرف الإمام بـ (المهديّ) أكثر مِن شهرته بـ (الهادي)، هذا مع أنّ (الهادي) هو مِن ألقابه أيضًا، فمِن ألقابه: الهادي، الخَلَف، الصالح، المُنتقم. فجميعها مِن ألقاب الإمام المهديّ.

    1. سورة يونس (۱۰)، جزء مِنَ الآية ٣٥.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

14
  • وقد أحصى المرحوم النوريّ في كتابه (النجم الثاقب) مائة واثنين وثمانين لقبًا مِن ألقاب الإمام۱، غير أنّ أشهر تلك الألقاب هو لقب (المهديّ)، وذلك لكون لقب (المهديّ) يعني أنّه مهديّ بهداية الله، أي أنّ الله هو الّذي سوّاه، ومَن يسوّيه الله يكون خاليًا مِن كلّ عيب، لأنّه إن كان في الله عيبٌ سيكون في الإمام عيبٌ أيضًا، ولكن هل يمكن أن يكون في الله عيبٌ! لذا كانت كافّة جوانب الإمام طاهرة، الظاهريّة والباطنيّة، فإرادته وسرّه عبارة عن الطهارة المحضة.

  • في معاني (المُنجي) و (القائم) و (الإمام)

  • «حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَأُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ»؛ وجاء في هذا الدعاء أيضًا: «صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَمِينِكَ»؛ أُمناء جمع أمين، فكما أنّ النبيّ أمين، فهؤلاء [المعصومون] هم أُمناء في بلادك أيضًا، فمَن يلجأ إليهم سيكون مأمونًا ومحفوظًا، أمّا مَن يلجأ إلى غيرهم، فسيعمد هذا الغير على إفراغ جيب اللاجئ والاستيلاء على ما لديه ثمّ يقتله، لأنّ هذا الغير ليس أمينًا بل هو خائن.

  • قال النبيّ: اركبوا في سفينة أهل بيتي، فهي الّتي توصلكم إلى المقصد. فمَن لم يركب في هذه السفينة، وأُشير إليه أن يركب في سفينة أخرى أو قام بإلقاء لوحٍ في البحر وجلس عليه، فما إن ترتفع أمواج البحر الهائج حتّى تغرق سفينته، فهذه السفينةُ لن تنفعه، لأنّ السفينة الّتي مِن شأنها أن تحفظ المرء، لها خصائص معيّنة: كأن تكون مرتفعة الجدران وضخمة وأن يكون ربّانها النبيّ نوح. وعليه، فلا يمكن للإنسان أن يركب أيّة سفينة كانت.

  • «مَثَلُ أهل بيتي فيكُم كسفينةِ نوحٍ مَن رَكِبَ فيها نجا ومَن تخلَّف عنها غَرِق»٢؛ إنّ السفينة الّتي تُنجي مِنَ الغرق، هي السفينة الّتي يشير [الله] إلى ركوبها؛ وسفينة نوحٍ قد صُنعت بأمرٍ مِنَ الله، فلذا مَن يركب فيها سينجو [هو] وكلّ ما يتعلّق به، سواء نفسه وزوجته وأبناؤه وحياته وأمواله ودنياه وعمره، وكذلك عقله وسرّه وقيامته، وسوف يتمتّع [حينئذٍ] بجميع المواهب الإلهيّة، أمّا مَن يترك الركوب فيها سيغرق، ومَن يغرق يهلك.

  • فأيُّ رجلٍ غير المعصومين، لن يكون رجلًا أمينًا صالحًا للإتّباع، فإن قصد أحدٌ رجلًا غير أمينٍ وطلب منه أن يحفظ له أمواله أو روحه، فما الّذي سيفعله ذلك الرجل؟ إنّه سيتحيّن الفُرَص ليُفرغ جيب مَن ائتمنه أو ليضرب عنقه ويسلب كلّ ما يستطيع سلبه، وذلك لأنّه جائعٌ! أمّا الإمام فهو شبعان. فذلك الرجل خائنٌ أمّا الإمام فأمينٌ، وذاك يسعى للوصول إلى كرسيّ الحكم ليكتسب شأنًا، أمّا الإمام فلا يسعى لذلك لأنّه صاحبُ شأنٍ كبيرٍ بين الناس، وقد تَولّي الحكومة ليتمكّن مِن إجراء الأوامر الإلهيّة؛ فبين هذا وذاك فرقٌ كبير، فأولئك هم أمناؤك في بلادك.

    1.  النجم الثاقب، الميرزا حسين النوري الطبرسي، ط أنوار الهدى، ج۱، الباب الثاني، ص ۱٦٣ إلى ٢٦۸.
    2.  بصائر الدرجات، الصفّار، ص٣۱۷.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

15
  • «صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَةً»، أي أنزِل عليهم رحمةً كثيرةً دائمةً، بل أنزِل عليهم كلّ ما لديك مِن رحمة.

  • «اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّ أَمْرِكِ القائِمِ»، أي إنّ الإمام قائمٌ الآن، لا أنّه سيقوم فيما بعد، وزِمام أمور العالَم كلّه بيده في هذه اللحظة، غير أنّنا لا نستطيع أن نرى ذلك أو نُدركه في الوقت الحاضر، ولكن سندركه فيما بعد.

  • إنّ معنى (الإمام) هو أنّه المسيطر على كلّ عالَم المُلك والملكوت، وهو الّذي يُفاض التوحيد بواسطته على كلّ ذرةٍ مِن ذرّات العالَم، ولولا إرادته لَمَا تحرّك حجرٌ مِن مكانه. ولكن هذا لا يعني أنّ الإمام غيرُ قادرٍ على هذا الأمر الآن، وسيكون قادرًا عليه عند ظهوره فقط، وليست المسألة أنّه سيقوم بهذا الأمر عند ظهوره لأنّه مشغول الآن بأمور أخرى، بل الأمر بيده في كلتا الحالتين؛ ففي الوقت الّذي سيظهر فيه، سيكون عالَم الظهور لا عالَم القدرة، أي سيُكشف لنا عن كيفيّة صدور تلك الأعمال مِنَ الإمام، أمّا الآن فالأمر مخفيٌّ عنّا. إذن، ليس الأمر أنّ الإمام سيكتسب القدرة عند ظهوره، وهو فاقدٌ لها الآن. هل التفتّم إلى ما أريد قوله؟ هذا الكلام مجرّد إشارة، وعليكم أن تتابعوا هذه المسألة لتروا بأنفسكم ما الّذي ستعثرون عليه.

  • بماذا سيُؤيَّد صاحب الزمان

  • «المُؤَمَّلِ، وَالعَدْلِ المُنْتَظَرِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ»؛ أي إنّ جميع الملائكة المقرّبين هم خَدمُه وحَشَمُه؛ عندما تُزفّ العروس، تُحاط [عادة] بعددٍ مِنَ الفتيات مِن عمرها وهم يرتدون زيًّا موحّدًا، وعندما يقصد الملِك مكانًا ما، يُحاط بوزرائه وكبار رجال دولته فيتحرّكون مع موكبه. أمّا بالنسبة إلى إمام الزمان، فليس الأمر كذلك، بل سيكون بحفظ الله، ومحفوفًا بالملائكة المقرّبين، سيكون جبرائيل مِن جانبٍ وميكائيل مِن آخر، وإسرافيل مِن جانب وعزرائيل مِن جانب.

  • إنّ جميع العوالم – ومنها عالَم الدنيا – بيد هذه الملائكة الأربعة، [فعندما ينزلون ليُحيطوا بالإمام]، سيظهر كلّ واحدٍ منهم على شكل مَلَكين في ذاك العالَم، فيكون مجموعهم ثمانية ملائكة ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾۱. لا نستطيع أن نشرح كلّ ذلك الآن، لأنّه موضوعٌ مطوّل وكثيرُ التفريعات، فسنتجاوز عنه مكتفين بهذا الإجمال.

    1. سورة الحاقّة (٦٩)، جزء مِنَ الآية ۱۷.

الإمامةُ مرآة النبوّة والنبوّةُ مرآة الذات الإلهيّة - شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح – الجلسة العاشرة

16
  • «وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ»؛ أي إنّ جميع الملائكة المقرّبين هم عمّالٌ لدى الإمام، يأتمرون بأمره ويُطيعونه، وهم على أهبّة الاستعداد لتنفيذ أيّ أمرٍ يصدر منه.

  • «وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ»؛ هذا الأمر مهمٌّ جدًّا، إنّ وليّ الله أمرٌ في غاية الأهميّة؛ لم تكن ملائكة الله المقرّبين تحت إمرة أيّ نبيّ غير نبيّنا [وهم الآن تحت إمرة صاحب الزمان]، نعم، كانت هناك ملائكة أخرى تحت إمرة باقي الأنبياء.

  • ذكرتُ لكم في الليلة الماضية كيف حصل كلّ ذلك التغيير في العالَم عندما انقبض قلب النبيّ يونس، وهذا ما حصل أيضًا مع الأنبياء: هود وصالح وموسى ولوط. فعلى يد مَن حصلت جميع تلك الأحداث في العالَم؟ إنّهم الملائكة، فهم يُطيعون النبيّ، ونتيجة لذلك حصل كلّ ما حصل.

  • أمّا ذلك الملك الأكبر، الّذي هو أعظم مقامًا مِن جميع الملائكة بما فيهم جبرائيل، فهو روح القُدُس، وهو لا يُطيع أحدًا ببساطة، بل يُطيع ويسلّم لِمَن يكون آيتك الكبرى والنبإ العظيم، وهو مقام يوازي مقام النبيّ الأكرم.

  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد