4

لماذا يقلق الداعي؟

مرض الغيبة

584
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1429

التاريخ 1429/09/10

جلسات المجموعة(4 جلسة)

التوضيح

ما معنى الرهبة والقلق؟ وما هو السرّ في وجودهما في قلب الداعي؟ وكيف يخلّص أولياءُ الله السالكَ من أسباب القلق ويحرّرونه منها؟
وإضافة إلى هذا المحور الأساسيّ تعرّضت المحاضرة بتفصيل لمواضيع أخرى كمراتب الجنّة ومراتب الصيام وآثار الغيبة عليه ومراتب العصمة وعقوبة الخيانة.

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • لماذا يقلق الداعي؟ 

  • مرض الغيبة 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي- سنة- ۱٤٢٩ - الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره.

  •  

  •  

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيبين الطّاهرين واللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • «أدعوك یا ربّ راهبًا راغبًا راجيًا خائفًا إذا رأيت مولاي ذنوبي فزعت وإذا رأيت كرمك طمعت».

  • أدعوك يا ربّ في حالة قلق وخوف من عدم قبولك إيّاي وكذلك في حال رغبة وميل وشوق إلى كرمك، في حالة رغبة وفي حالة ميل وشوق وكذلك في حالة أمل وفي حالة خوف.

  • الفرق بين الرهبة والخوف والخشية

  • تقدّم أنّ الإمام عليه السلام ذكر هنا أمورًا أربعة:

  • أحدها: وضع الإنسان في حالة رهبة وفي حالة قلق، وبين القلق والخوف فرق، وقد أخطأ هنا في الترجمة فترجمت على العكس۱، ﴿وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‌ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِي الْمَأْوى﴾٢ فالخوف قريب من معنى الخشية، والخشية ليست خوفًا ظاهرًا، بل هي خوف داخليّ، الخوف ظاهر وخارج.ومعنى الراهب هو القلِق، فلأنّه في حالة رهبة ورهبانيّة فهو قلِق، قلِق من وضعه، قلِق من علاقته مع الناس، وقلقه هذا يجعله يبتعد عن الناس ويطوي حياته دون مشاركتهم، دون مشاركة الناس والارتباط بهم.وسنتحدّث بشكل مفصّل حول هذا الموضوع إن شاء الله في شرح حديث عنوان البصريّ وحول ما جاء في الإسلام من أوامر وتوصيات شرعيّة حول العلاقة مع الناس أو عدمها، ومستوى العلاقة وكيفيّتها، وما أوصى به الأعاظم.

  • ولكن مع وجود الرهبانيّة والرهبة يقول الإمام عليه السلام لديّ رغبة أيضًا.فأنا ممزوج من هذين الأمرين: أحدهما الرهبة والقلق، والثاني الميل والشوق، وهذان الأمران كلاهما موجودان فيّ.ففي الوقت الذي أنا قلق فيه على وضعي وأرى نفسي قلقًا على وضعي وأقارن نفسي بمقام عظمتك وطهارتك فأجدها لا شيء يذكر ولا تستحقّ الورود في حرمك، فإنّ هذه الأهليّة والاستحقاق للورود في الحرم مصحوبة بالرغبة.فلست خاليًا من الرغبة بشكل كامل، كلاّ فقد أحسست شيئًا ما بما هو عندك.لقد شعرت بذلك شيئًا ما.أدركت ما هو موجود، وعرفت ماذا هناك ممّا جعلته لعبادك المخلصين، عرفته من الإلهامات التي حصلت وممّا أنزلته في قرآنك وما أخبرنا به نبيّك، أخبرنا به نبيّك، فقد أدركنا في الجملة ماذا هناك، وأنّ الأمر هو أرفع من التفّاح والبرتقال والإجّاص والخيار.إنّ أمر نعمك يوم القيامة أرفع من الحور والغلمان ومرتبته مرتبة عليا.إنّ أمر نعمك يوم القيامة أرفع من القصور والأنهار التي تجري من تحتها الأنهار وأنهار من لبن وأنهار لذّة للشاربين٣، فالأمر أعلى من ذلك، وأرفع من الزهور والسهول والمروج الخضراء، الأمر أرفع من ذلك.لقد شعرت بذلك، وبعد الشعور من الطبيعيّ أن تحصل الرغبة والشوق والميل لديّ.

    1. إشارة إلى ترجمة كتاب مفاتيح الجنان.وقد ذكر المحاضر موضع الخطأ فيها ولا يمكن نقله إلى العربيّة لأنّه يبيّن المعنى بالعربيّة.
    2. سورة النازعات، الآيتان ٤۰ و٤۱.
    3. اقتباس من سورة محمّد الآية ۱٥.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

3
  • ما هي فلسفة الصيام؟ وما هي مراتبه ومفطّراته فيها؟

  • في هذا الصيام لشهر رمضان ألا يشعر الإنسان حقًّا بأنّ هناك شيئًا ما وراء هذا الصيام؟ فهو ليس مجرّد عدم تناول للطعام! بعضهم يقول في فلسفة وحكمة الصيام إنّ إرادة الإنسان تصبح قويّة في شهر رمضان وهذا أمر شائع، نعم شهر رمضان يقوّي الإرادة! فلنفترض أنّه لم يقوّها فماذا؟ أهذه هي فقط؟ يعني هل شهر رمضان هو فقط لكي تقوى الإرادة؟ لتقوى الإرادة على عدم ارتكاب الذنب؟ فلو فرضنا أنّه سيموت بعد شهر رمضان فيقول ماذا سأصنع بالإرادة؟ فأنا سأموت بعد شهر رمضان فسواء أذنبت أم لم أذنب فما فائدة ذلك؟ صحيح أنّ الصيام يجعل إرادة الإنسان أقوى، ولكن يجب أن نرى هل هذا هو فقط؟ هذه التأكيدات التي على الصوم وهذه الحالة التي للصوم وهذه المراتب التي عدّت للصوم هل ترجع فقط إلى الإرادة وتنحصر في ذلك؟! فهذه الإرادة لا تقوى في عدم الطعام فقط، للصوم مراتب كما هو في كلمات الأئمّة عليهم السلام وقد تعرّضوا لذلك هناك.تلك المرتبة الدنيا والأدنى للإمساك هي عبارة عن عدم الأكل وعدم الشرب وعدم التدخين وعدم دخول الغبار إلى الحلق وعدم استعمال السجائر والنارجيلة، وطبعًا هما دائمًا محرمان غاية الأمر أنّهما في شهر رمضان يُبطلان الصوم أيضًا.فهذه مرتبة من الصوم وتلك مرتبة، فالمرتبة الدنيا هي مرتبة العوامّ، والآن ليسوا فقط لا يصومون بل بحمد الله تعالى وله المنّة صاروا يتظاهرون بالإفطار أمام الجميع في الشوارع، والمطاعم مفتوحة للإفطار في نهار شهر رمضان المبارك، ولا أحد يمنع من ذلك، فهذا نوع أيضًا.

  • فما هذه المرتبة؟ إنّها أدنى مرتبة من الصوم، فلو أنّ إنسانًا صام في هذه المرتبة ولكنّه اتّهم أخاه المؤمن فصيامه ليس باطلاً.الاتّهام حرام، ولكنّه لا يسبّب بطلان الصوم بحيث إنّه يتوجّب عليه أن يصوم يومًا آخر بدلاً منه ويقضيه، كلاّ فليس لدينا ذلك، ليس لدينا في الروايات ذلك.

  • هل تبطل الغيبة المرتبة الدنيا من الصيام؟

  • استغابة مؤمن حرام وأشدّ من الزنا، «إنّ الغيبة أشدّ من الزنا»۱  ذكرك أخاك بما يكره… لقد صدر عمل عن إنسان ما ولكن لا اطّلاع لأحد عليه، قام بعمل ما ولا أحد يعلم به فتأتي وتخبر صديقك عنه: لقد رأيته في أحد الأماكن يرتكب تلك المعصية.فما شأنك أنت حتّى تخبر عنه؟! وما دام هو قام بعمل لا يعلمه الآخرون فبأيّ حقّ تخبر عنه؟! للمؤمن كرامة وعِرض ولا بدّ أن يُحفظا، فلنفترض أنّ الإنسان ارتكب خطأ أفلا تخطئ أنت أيضًا؟! هل أنت معصوم؟! ترتكب من الصباح حتّى المساء مائة ذنب وألف ذنب في قلبك أيضًا ولا أحد يعلم، تنوي ألف نيّة سيّئة أثرها أشدّ من ذكرها على اللسان ولا أحد يعلم.فلو أنّ الله جعل على جبين كلّ واحد ساعة تبيّن النوايا مثل ساعة الكهرباء بالأرقام فكلّما خطرت نيّة في الذهن ظهر عدد، وتجعل النوايا على مراتب، فبعض النوايا ترفع العدد عشر أرقام دفعة واحدة، كما لو كانت النيّة سيّئة جدًّا، فالنيّة السيّئة رقم واحد، والنيّة الأسوأ رقمان، وبعض النوايا عشرة أرقام، وبعضها مائة رقم، وفجأة يرى الإنسان أنّه كتب على جبينه هنا ألف وخمسمائة، وقبل أن تمضي دقيقتان يرتفع العدد ثمّ يهبط، فلو كان لدينا ذلك ماذا كان سيحدث؟ وهذه الساعة موجودة ولكن نحن لا نراها، هذه الساعة هي الملائكة الذين على أكتافنا اليمين واليسار، وطبعًا هذا تمثيل ذكرته، والملكان الرقيب والعتيد اللذان يحفظان في وجودهم حسناتنا وسيّئاتنا ويسجّلونها في سجلّ هما هذه الساعة، يسجّلان، ولا يغفلان حتّى عن عدد واحد، لا يغفلان.فلو كان هناك شيء كهذا فهل كانت ستبقى لنا كرامة وحرمة أمام الناس؟! هل كانت ستبقى لنا كرامة؟! فالله وبمقتضى ستّاريّته حفظ كرامتنا.

    1. الخصال، ج ١، ص ٦٣؛ علل الشرائع، ج ٢، ص ٥٥٧.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

4
  • يخطئ الإنسان ثمّ يستغفر ويتوب والله يعفو، فلمن جعل الله التوبة؟! لمن جعل التوبة؟ هل التوبة لإمام الزمان؟! هو لم يقم بشيء، هو معصوم، التوبة لي أنا ولك، لنتوب نحن.نذنب ونتوب، نخطئ ونتوب، لماذا نتجاوز ستّاريّة الله ونخرج عن هذه الحدود ونغتاب أخانا المؤمن ونريق ماء وجهه؟! على أيّ أساس نقوم بذلك؟! ما هو المعيار في ذلك؟ فماذا هناك؟ هل سيحدث أكثر من أنّه سيراق ماء وجهه وسيحدث أثر في النفس لا يزول أبدًا.

  • آثار الغيبة على سامعها

  • فما لم يعلم الإنسان بشيء فهو لا يعلم، ويكون حسن الظنّ بالناس.وحسن الظنّ هذا يؤدّي أن تكون النفس في علاقتها مع الناس في حالة صفاء، في حالة من الخلوص ولو اطّلع الإنسان على عمل قبيح لصديقه وأخيه في الإيمان لتغيّرت هذه الحالة ولن تمحى هذه الصورة بعد ذلك أبدًا، فما إن يلتقي به عند الصباح ويقول له: السلام عليكم، يتذكّر فجأة تلك القصّة، ألا يتذكّرها؟! فهل هذا أفضل أم أن لا تكون هذه الصورة في الذهن من الأساس؟! ولو التقيا بعد شهر في سيّارة الأجرة وقال أحدهما للآخر: السلام عليكم، فإنّ تلك الصورة ستأتي فجأة.ثمّ إنّ هذا التعيس الحظّ قد تاب أيضًا، ولكن ما دام حيًّا فإنّ هذه الصورة ستكون في ذهنه، أمّا كيف يمكن أن تمحى؟ فهذا بيد الله.

  • فلسفة حرمة الغيبة وواقعنا معها

  • وسبب النهي عن الغيبة هو حفظ كرامة المؤمن، فضلاً عن أنّ فضح المؤمن هو في نفسه مذموم عند الله، وهذه المسألة عجيبة جدًّا ونحن لا نهتمّ بها، فما إن نلتقي بصديقنا حتّى نقول له: أتعرف ماذا صنع فلان؟! فإمّا أن يكون هذا قد سمع بالأمر أو لم يسمع، فإن كان قد سمع فلا داعي للكلام، وإن لم يكن قد سمع فلماذا تقول له؟ إن لم يكن قد سمع فلماذا تخبره؟ ماذا يجري لو جاء يوم فكّرنا فيه هكذا وأنّه كلّما التقينا بصديقنا ذكرنا له محاسن الأصدقاء الآخرين لا سيّئاتهم؟ فمتى سيأتي هذا اليوم؟! وأيّ مرض هو هذا الذي بين الناس؟! حقًّا إنّه مرض في النهاية، فإذا ما التقينا بصديقنا وقلنا: السلام عليكم.وبعد أن يمضي وقت يسير نبادره بالقول: هل عرفت أيّ خطأ ارتكب فلان؟! لماذا لا نذكر العمل الصالح الذي رأيناه منه بدلاً من هذا؟ لقد رأيته بالأمس يساعد فقيرًا، كان يقضي حاجة مؤمن، أو قام بعمل خير.لماذا لا نستبدل ذاك بهذا؟! 

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

5
  • ما إن نصل إلى صديقنا نقول له: ما شاء الله ما شاء الله هل عرفت؟! ما شاء الله لقد قام فلان بكذا! فما هذا؟ هذا يعني أنّا مرضى لا أنّه هو أخطأ، ارتكاب الخطأ أمر معتاد ومتعارف، وقد ذكرت قبل ليال، فالخطأ أمر طبيعيّ، هل علينا أن لا نخطئ؟ هل نحن إمام الزمان؟ لسنا إمام الزمان.

  • مراتب عصمة الإمام عليه السلام ومعنى آية التطهير

  • من عليه أن لا يخطئ في هذه الدنيا هو إمام الزمان فقط وفقط، وكلّ من يقول أنا لا أخطئ فهو مخطئ، هناك واحد لا يخطئ وهو إمام الزمان، فهو الذي لا يخطئ ولديه عصمة مطلقة في جميع مراتب الوجود وآثار الوجود، وليس فقط في مرتبة الظاهر، فالإمام عليه السلام لديه عصمة في مرتبة الظاهر وفي مرتبة المثال، فحتّى التفكير بالباطل لا يتأتّى من إمام الزمان، فكيف بالعمل الظاهر والفعل الظاهر.لديه عصمة في ملكوته ولديه عصمة في قلبه ولديه عصمة في سرّه وفي ضميره وفي ارتباطه بالله تعالى، فليس هناك سوى الله، وهناك لديه عصمة، وتلك العصمة هي العصمة الأصليّة، فقوله تعالى: ﴿إِنَّما يرِيدُ اللَه لِيذْهِبَ عَنْكمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيتِ وَ يطَهِّرَكمْ تَطْهِيراً﴾۱ هو ليس بهذا العمل الظاهر، فهل أراد الله منكم أن لا تتسلّقوا جدران الناس وتسرقوا أموالهم؟ هل أراد أن لا تشربوا الخمر؟! هل أراد أن لا تسرقوا؟! أن لا تزنوا؟! فهذه ليست بشيء.وقوله: ﴿وَ يطَهِّرَكمْ تَطْهِيراً﴾ يرجع إلى العصمة في السرّ، يعني في سرّكم وفي حيثيّة ارتباطكم بالله ليس هناك شائبة أنانيّة واستقلال، هناك عصمة، هذا ما أراده الله، وهذا ما أراده الأئمّة.

  • مريض الغيبة علاجه السكوت والمواجهة

  • حسنًا فجميعنا نخطئ فهذا أمر طبيعيّ، والذي يخبر الآخرين بهذا الخطأ هو مريض.فلنقرّر من الآن أنّه إذا جاءنا أحد وأراد أن يغتاب صديقًا فلنقل له: أنت مريض! قولوا له بصراحة! فلنقل له: أنت مريض! وعلى المريض أن لا يتكلّم، عليه أن يتلقّى علاجًا ولا يتكلّم، نحن مرضى، لقد أخطأ وخرج من فمه كلام ما لا ينبغي أن يقوله، حسنًا إن كان قاله فقد قاله، فلماذا نتتبّعه؟ لماذا نلاحقه؟ لماذا نبحث عنه؟ لماذا نمزج بين التكليف وغير التكليف؟ في بعض الموارد هناك تكليف، حسنًا هذا شيء وهناك أمر لا بدّ أن يقال، ولهذا أيضًا طريقه الخاصّ، لا أن يأتي أيّ إنسان ويقول لأيّ إنسان آخر، كلاّ! ولكن نحن لا نلتزم بذلك.فلو ألّف كتاب ما من قبل مؤلّف، فإنّا نأخذه وننظر أين الإشكال فيه فنضع تحته خطًّا، ولا ننظر كم المواضيع المفيدة فيه، لا ننظر ماذا كان يقصد هذا المؤلّف، لا ننظر ما هي المواضيع التي يمكن أن تكون مفيدة، ننحّي "بسم الله…" جانبًا وكذلك "وصلّى الله…" وبعد هذه المقدّمة نبدأ بالبحث عن كلمة ما لنقول: انظر ماذا كتب! فننشر ذلك في كلّ مكان أن قد ألّف فلان كتابًا، وقد كتب في كتابه كذا وكذا، لقد فعل فلان كذا وكذا، فما هذا؟! إنّه مرض! وصاحبه مريض! فعلى من يطلق المريض؟ على هذا.

    1. الأحزاب، ٣٣.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

6
  • الاعتراضات على كتاب وظيفة الفرد المسلم من مصاديق مرض الغيبة وتتبّع العيوب

  • لقد ألّف المرحوم العلاّمة كتاب وظيفة الفرد المسلم في حكومة الإسلام، وطبعًا ليست الصياغة صياغته، فقد تحدّث هو ضمن ستّ جلسات، ثمّ جاء بعضهم ونظّموا هذه العبارات إلى حدّ معيّن، ومن الواضح أنّ العبارات ليست عبارات كتابة، وقد ذكر في هذا الكتاب بعض المعلومات حول الأحداث التي جرت في هذا المجال.

  • وذات يوم جاء رجل وقال لي: لقد ذكر في هذا الكتاب بعض المعلومات التي يمكن أن لا تنسجم مع أذواق بعضهم.

  • فقلت: حسنًا فليكن، فهل من الضروريّ أن يكتب الإنسان كتابًا يوافق أذواق الجميع؟! لا شكّ أنّ الإنسان لا يمكن أن يجمع بين جميع هؤلاء الناس على اختلاف آفاقهم وأفكارهم وأغراضهم! لا يمكن للإنسان أن يجمع جميع هؤلاء ويرضيهم، كلاّ، بل لا بدّ أن يكون هناك عدد منهم غير راض.فلو أراد الإنسان أن يؤلّف كتابًا في هذا المجال فلأجل إرضاء من سيكتب؟ لا شكّ أنّ بعضهم في هذه الأطياف المختلفة وفي هذه الفئات المختلفة وفي هذه الجماعات المختلفة سوف يعجبهم، وبعضهم الآخر سوف لن يعجبهم، كلاهما موجود، فئة ليس معها "لن" وفئة معها "لن"، بعضهم يُسرّ وبعضهم يُساء، أمّا أن يبحث من بين هؤلاء جميعهم على فئتين أو ثلاث ويكتب لهم فهل هذه كتابة؟! هل هذا نقل للتاريخ؟ هل هذا نقل للواقع؟ هل هذا نقل للحقيقة؟ أم أنّ هذا نحتٌ للتاريخ على مذاقنا نحن؟! 

  • إنّه تزيين للحقيقة وصناعة للمجسّمات وممارسة لفنّ التمثيل، وليس تأليفًا لكتاب! فأن أقوم بنحت حقيقة تاريخيّة، فأحذف رأسها وذنبها، وأضيف عليها حشوًا وزوائد، وأقدّم فردًا ما على أنّ طوله متر وسبعون سانتيمرًا، وآخر على أنّه ثلاثة أمتار فأضيف إلى طوله ثلاثين سانتيمترًا، وأضيف إلى عرضه ثلاثين سانتيمترًا، فهذا لن يكون هو! إنّه يا عزيزي يسير في الشارع فلو كان طوله مائة وسبعين سانتيمترًا فأقول إنّه متران، فما هذا؟! إنّه خلاف الواقع.ومن كان من حيث علمه ذا حدود خاصّة وقلتُ أناك إنّه كان علاّمة الدهر ولم يأت له نظير قبل خلق آدم إلى ما بعد يوم القيامة، فهذا خلاف الواقع.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

7
  • فما هذا الكلام الذي يقال من قبيل: لا تكتب أنت! ولا تفسد الأوراق عبثًا! دعهم يبيعون بها الجبن والجوز! لماذا تتلف هذه الأوراق فتكتب عليها هذه المعلومات؟! 

  • واجبات المؤرّخ في كتابته 

  • على المؤرّخ أن يكتب الحقيقة كما وجدها.وقد وجدت الحقيقة هكذا يا عزيزي، وكانت هذه موازيني في الوصول إلى الحقيقة، وكانت طرقي هذه، فلا أحد يعترض عليه وإن كان قد أخطأ، فقد قلت: إنّنا لسنا إمام الزمان، نحن لسنا معصومين، فهذا ما فهمناه، ولكنّا نقوله للنّاس صادقين مخلصين، ولا نزيّنه، وإن كانت تلك الحقيقة ذات خصوصيّات وحدود فلا نغيّرها، ولو غيّرناها فإنّا خائنون للتاريخ، وخائنون للمجتمع ولمن يقرأ هذا الكتاب، كما أنّا نكون قد خنّا أنفسنا.فخيانة أنفسنا تعني أنّ نفسنا هذه بدلاً من أن تكون مجرى للحقائق العلميّة كما أرادها الله، نقتلعها من هذه الحالة ونجعلها في حالة أخرى تحرم فيها من أن تكون ذلك المجرى.

  • آثار وعقوبة خيانة الحقائق التاريخيّة

  • وحينها لن يرسل الله إليها حقائق، ولن تكون لها فائدة.لماذا؟ لأنّك خنت، لقد خنت ما كنّا نرسله إليك.لقد خنت تلك الحقائق التي جعلناها في ذهنك، لقد خنت ما أردناه منك من كيفيّة نزول الحقائق والشفافيّة، فذق الآن! 

  • والآن نرسل إليك أمورًا أخرى، ولن يكون فيها ما كان فيما كنّا نرسله إليك من الصفاء والنورانيّة والبهاء الذي يقتضيه مقامنا الربوبيّ.تأتي الحقائق إلى ذهنك مختلطة، ولن يكون لها ذلك البهاء الذي كان فيما سبق، ولن تكون لها تلك الحالة السابقة، لقد خنتَ ظانًّا أنّك إذا قمت بهذا فإنّ الأمر سيسير وأنّك ستصلح الأمر لاحقًا، كلاّ! فنحن بمقدار ما أعرضتَ عن حقيقتنا تلك وصدقِنا، نحن الله والملائكة والمدبّرات أمرًا الذين هم واسطة لنزول العلم من اسم العليم إلى نفسك، والذين يأتون لك بالحقائق ليعلّموك التنبّه ويذكّروك، ويجعلوك تعتبر من هذه الأحداث التي وقعت لكي لا تقضي حياتك بالغفلة، فخنت كلّ هذا النظام، وغيّرت تلك الحقيقة التي وضعناها في طريقك لكي تعتبر أيّها المسكين، ولكنّك بدّلتها، فهذه الحقيقة التي في ذهنك الآن نحن أوجدناها عن طريق صديقك فلان، وعن طريق فلان الغريب الذي أحضرناه إليك وغيّرنا طريقه وألقينا في مخيّلته أن يأتي إلى دارك ويتحدّث معك ويخبرك بهذا الأمر في ضمن كلامه، وكان ذلك كلّه لكي تتنوّر أنت، ولكنّك خنت ولم تذكر ذلك الأمر في كتابك لماذا؟ لأنّها تؤذي جهة معيّنة وتؤذي فلانًا؟ فقد أبطلت كلّ أعمالنا، وكلّ الجهود التي تحمّلتها ملائكتنا لكي تلفت انتباهك وتذكّرك، لقد أذهبت كلّ ذلك أدراج الرياح، لقد ألغيت كلّ ذلك، فقد خنت إذن نظامنا بكتابتك لكتابك هذا، لقد خنت منظومتنا بتأليفك كتابك هذا، وبما أنّه حصل هذا فإنّا نغيّر طريقك ونقلب ذهنك، ونقلب فكرك، ونغيّر صفاء قلبك، وصدق نفسك بحيث لا تقبل الحقّ! ﴿خَتَمَ اللَه عَلى‌ قُلُوبِهِمْ ‌، وَعَلى‌ سَمْعِهِمْ وَ عَلى‌ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾۱ فهذه الآية لهؤلاء، يختم الله على مجاري نزول الفيض، وما هي مجاري نزول الفيض؟ العين، فقد رزقنا الله عينًا لأجل لماذا؟ هل لننظر مثل البقر إلى العلف والماء أم لننظر مثل الإنسان إلى القضايا والحقائق التي هي أمامنا فنعتبر منها؟ لهذا أعطانا الله أعينًا، فلا تغمض عينك.وإن كان ما هو أمامي الآن أبيض اللون وقلت إنّه أسود، فإنّ الله يعاقب ويحاسب: يا من رأته عينه أبيض لماذا تقول إنّه أسود؟! أنت يا من الأبواب أمامه بنيّة اللون لماذا تقول إنّها خضراء؟! أنت يا من يملك عينًا لماذا تقول إنّها خضراء؟! قل إنّها بنيّة، فعينك ليست فاسدة بل سليمة ترى.فإذن العين هي إحدى هذه المجاري لنزول الفيض.نحن أعطيناك أذنًا… وعلى أساس هذا نسألك يوم القيامة، فواحد من الأسئلة يوم القيامة عن أيّ شيء؟! عن البصر.ونحن إذ أعطيناك أذنًا فلماذا؟ وعندما تكلّم المرحوم العلاّمة في تلك الجلسة وسمعه الجميع وسمعته أنت أيضًا بأذنك فماذا كانت ردّة فعلك؟ هل عملت بهذا الكلام؟ أم أنّه دخل من أذن وخرج من أخرى؟! ماذا فعلت؟! لم تكن أصمّ! كنت حاضرًا وتحدّث هو عن ذاك الموضوع في ذاك المجلس، حسنًا، نحن أعطيناك يدًا وأعطيناك لسانًا، وأعطيناك قلبًا فماذا صنعت بقلبك؟! ماذا صنعت به؟! كيف رتّبت القضايا بعضها إلى جانب بعض؟ ما هي النتيجة التي استنتجتها؟ ماذا فعل قلبك بما رأت عينك؟ وماذا فعل قلبك بما سمعت أذنك؟ في أيّ طريق ألقى بك؟ وأيّ طريق بيّن لك؟! الأمر صعب جدًّا يجعل الإنسان يبقى حائرًا.

    1. سورة البقرة، الآية ۷.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

8
  • وأنت إذ تقرأ الآن هذا الكتاب وتشاهد فيه بينك وبين الله آثار الصدق، إذا وصلت إلى نقطة معيّنة تقول: لقد مدح هذا السيّد نفسه في هذا الكتاب، وهل ينبغي لأحد أن يمدح نفسه في مقابل فلان؟ لا ينبغي لأحد أن يمدح نفسه في مقابل بعض الأفراد، يجب أن لا يكون شيء من هذا أبدًا! 

  • ـ لماذا يجب أن لا يكون؟ هل جاءت آية؟ هل جاءت رواية؟ هل نزل وحي؟ هل أوحي شيء حديثًا؟ لقد ألّف كتابًا وذكر فيه أن قد ذهبنا وقلنا كذا وفعلنا كذا وتداولنا هذا الموضوع.

  • ـ كلاّ إنّه طرح نفسه! لقد طرح نفسه في هذا الكتاب! 

  • ـ حسنًا فلنسلّم أنّه فعل ذلك فليكن، ولكن هل كان الكلام الذي ذكره باطلاً أم حقًّا؟ أخبرني! هل هو باطل؟! فلتقل إنّ هذه الجملة يا عزيزي خاطئة فلا بأس، ففي النهاية يتميّز الخطأ من الصواب، فهل هي خطأ؟! هل هناك شواهد وقرائن وآثار لتثبت ذلك؟ أمّا أن تقول لقد طرح نفسه وأعلن عن نفسه وأراد أن يتقدّم وأراد أن يُذكر اسمه فما كلّ هذا؟ هذا كلّه يحكي عن مرض فينا.

  • هل هذا الكتاب صحيح أم كاذب؟ إمّا نعم أو لا، إمّا صحيح وإمّا كاذب ولا يخلو الأمر من أحد هذين.فلنفترض أنّ هذا الرجل أراد أن يطرح نفسه فليطرحها.إن كانت مكانة الأعاظم ستهتزّ وتخضع للاستجواب إذا ما طرح آخرون أنفسهم فليحصل ذلك من البداية.فأيّة عظمة هذه وأيّة كرامة وأيّة قيمة هذه التي تزول فيما لو طرح آخر نفسه؟! عندها لن تكون هناك عظمة، وإن كان لا بدّ أن تكون هذه العظمة والقيمة على الدوام فليطرح أحدهم الآن نفسه، أو لا يطرحها آخر، دع الأمر لهم يطرحون أنفسهم أو لا يطرحونها، وذاك له مكانته والجميع في مكاناتهم، وكلّ إنسان لديه مكانته، فأنا في المكانة التي لديّ، والكلام الذي نقوله واضح، والكلام الذي أقوله واضح، كتاباتي واضحة، وليس من الضروريّ أن يقول الجميع لكتاباتنا: ما شاء الله ما شاء الله يا لها من كتابة! والرفقاء يعلمون ولا حاجة إلى التذكير بأنّه ربّما كان عدد الذين لا يعجبون بالمؤلّفات أكثر من الذين يعجبون.ولو أردت أن أحصي الذين ينتقدون هذا الكتاب الذي أؤلّفه أو المعلومات التي أنقلها والذين يعجبون بها وعلى أساس ذلك أتكلّم أو لا أتكلّم فهذا غير صحيح، كلاّ يا عزيزي بل عليّ أن أقول كلامي ومن شاء فليعجبه ومن شاء فليسُؤه ولا شأن لي بذلك.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

9
  • لقد جاء النبيّ بالقرآن، فكم واحدًا بينكم وبين الله أعجبهم القرآن وكم واحدًا لم يعجبهم؟ لم تكن نسبة الذين أعجبهم إلى الذين لم يعجبهم واحدًا إلى المائة ألف.كلّما نزلت آية كان الجميع يشتمون النبيّ، ولم يكن هناك سوى قلّة قليلة يسمعون الآيات ويعملون بها.أمّا الآخرون فماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يسبّون ويشتمون ويؤذون النبيّ ويرشقون الحجارة ويسخرون وأمثال ذلك! فهل على النبيّ أن يستنكف؟ أن يتراجع؟يقول: بما أنّ أبا سفيان لا يرضى بالقرآن فإنّي أقول لجبرائيل انصرف، لا فائدة من هذا الوحي، أيّ وحي هذا الذي لم يعجب أبا سفيان؟! فماذا سيقول جبرائيل في جواب النبيّ؟ سيقول: هل لا بدّ أن يقبل أبو سفيان به؟ أفهل أرسلنا هذا الوحي إلى أبي سفيان؟ هل أرسلناه إلى أبي جهل؟ هل أرسلناه إلى معاوية ويزيد؟ لمن هو؟ إنّه لسلمان والمقداد وأبي ذرّ ومحمد بن أبي بكر وهذه الجماعة القليلة، أمّا الآخرون فأهلا وسهلاً بهم.فهذا هو الجواب الأساسي.

  • وهناك جواب آخر وهو أنّ هناك عددًا من المؤمنين في البين في الجانبين الأعلى والأسفل يأخذون نصيبهم، وعلى النبيّ أن لا ينظر، على النبيّ أن لا يلتفت كم واحدًا يشتم.إن كانوا يشتمون فليشتموا.وقد كنت شاهدًا في زمان المرحوم العلاّمة على الرسائل التي كانت تصله من العلماء بغير إمضاء، والتي كانوا يشتمون عرضه ضمنها ، وقد رأيتها بعيني.ومن كان يكتبها؟ هؤلاء العلماء كانوا يكتبونها، فقد كان من الواضح جدًّا لمن الخطّ ولمن الإنشاء، وكنت أعرفهم ولا يزالون الآن على قيد الحياة، وقد مات بعضهم، وكان هو يقرأ جميع ذلك ثمّ يضعه جانبًا.من كان يجب أن يستفيد فأنا أكتب له، لا لمن يشتم، فمن يشتم هو هكذا، ولو جاءه قرآن أيضًا لشتمه.

  • قصّة الشيخ محمّد جواد معنيّة مع من جادله في مسجد المدينة المنوّرة

  • وقد رأيت قصّة ملفتة قبل مدّة عن سيرة الشيخ جواد مغنيّة رحمه الله، والذي كان في لبنان وكان من الكتّاب والعلماء، وكان رجلاً فاضلاً وبصورة عامّة كان رجلاً فاضلاً وذا شموليّة، وله كتب جيّدة.يقول الشيخ مغنيّة رحمه الله: في إحدى رحلاتي إلى الحجّ أردت أن أصلّي في المدينة في محراب رسول الله في مسجد المدينة، أردت أن أضع سجّادة أو سجدة وفجأة جاء أحد الآمرين بالمعروف وهؤلاء المتصدّين لهذا الأمر ومنعني من ذلك، وجرى بيننا كلام وبحث، فنظر إليّ ذلك الرجل ـ وانظروا كم يكون الإنسان قاسيًا وكم يكون ملعونًا حتّى يتكلّم بهذا الكلام ـ وقال: والله لو أنّ رسول الله خرج من قبره الآن وقال لي: تخلّ عن فلان فإنّي لا أتخلّى عنه! إلى هذه الدرجة! 

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

10
  • يقول الشيخ: فرفعت يدي وصفعته صفعة محكمة على وجهه، فخرّ على الأرض! فأخذوا بي إلى المحكمة، فقد ضربته على وجهه وسقط على الأرض.أخذوا بي إلى المحكمة فقال لي القاضي: لماذا ضربته؟! 

  • فقلت: لقد كفر! كفر بالله.

  • قال: لماذا؟ 

  • قال: فأخبرته القصّة وأنّ هذا يقول لو أنّ رسول الله خرج من قبره وقال تخلّ عن فلان فإنّي لا أتخلّى! فقال القاضي: نعم صحيح لقد أخطأ.وحكم القاضي لصالحي، فقد ضربته ونلت تشجيعًا أيضًا وخرجت.

  • فانظروا إلى أين يصل الإنسان؟! فكم يجب أن يصل العناد والخبث والظلمة والكدورة فيه إلى حدّ يجعله يقول: لو أنّ رسول الله أمرني بالتخلّي عن فلان لما تخلّيت عنه! حسنًا حشره الله معه.هذا هو الدعاء الوحيد الذي يدعى به لأمثال هؤلاء.وكما يقول الحاجّ الميرزا حبيب الله الخراساني في ديوانه: 

  • تو را پیر طریقت گو عمر باش***مرا پیر طریقت جز علی نیست 
  • ...***که هستی را حقیقت جز علی نیست 
  • اگر کفر است اگر ایمان بگو باش***خدا را حول و قوت جز علی نیست 
  • يقول: قل إنّ شيخ الطريقة عندك هو عمر فإنّ شيخ طريقتي ليس إلا عليّ

  • ... *** فإنّ حقيقة الوجود ليست إلا عليّ

  • لئن كان كفرًا أو كان إيمانًا فقل لا بأس *** فإنّه لا حول ولا قوّة لله إلا عليّ

  • يا له من شعر رفيع! والحاجّ الميرزا حبيب الله الخراساني من أعاظم الفقهاء ومراجع الدرجة الأولى وكان صاحب نفَس، كان صاحب نفَس ونفس ومن أهل الباطن، وخرج من مشهد في أحداث المشروطة، وإن لم أكن مخطئًا فإنّهم عمدوا إلى سمّه ففارق الدنيا مسمومًا، وكان المرحوم العلاّمة يحبّ هذا الشعر كثيرًا، وكان يقرأ غزل ديوان الحاج الميرزا حبيب الخراساني كثيرًا، وأذكر أنّه كان يطلب من رفقائه إذا جاؤوا إلى منزله بين الحين والآخر أن يقرأوا له من هذا الديوان، وقد قرأ رفيقنا الحاج جلال رزقه الله الصحّة والعافية والسلامة بضع غزليّات منه أحدها هذا الغزل وكان قد سجّلها حينها.

  • ظهور عقوبة الخيانة عند أعداء الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء 

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

11
  • وعلى أيّ حال فإنّ الإنسان يصل إلى حدّ يبلغ فيه المرض أن ﴿ختم الله على قلوبهم﴾۱، فلا تعود العين ترى الواقع، لا تعود ترى الحقيقة، ولا ترى إلا ظاهرًا، والأذن لا تسمع إلا صوتًا، وما دام القلب مريضًا فهذه هي النتيجة.وهذا أمر غريب للغاية.

  • إذا تأمّلتم جيّدًا في حادثة كربلاء فإنّكم تجدون هذه المعاني بشكل واضح وترونها.وقد ذكرت أنّه لو أنّ الإمام الحسين كان إنسانًا عاصيًا، وقد تمرّد وواجه حكومة يزيد، حسنًا، فلنفترض أنّ رجلاً قد ثار برفقة بعض الناس وقد أرسل إليه ذاك أيضًا جيشًا وتغلّب عليه.فلنفترض أنّ الأمر كان هكذا، ولكنّ الكلام هو في أنّ هذا الطفل الرضيع الذي جاء به سيّد الشهداء لماذا يقتل؟! وهذا الأمر في أيّ قاموس يوجد؟ أن يقتل هذا الطفل بهذه الطريقة المفجعة؟ فلنفترض أنّ والده يحاربكم، لا بأس فلتحاربوه، ولتضربوه ولتقتلوه.ومثل هذا الأمر كثير، أن يكون بين طائفتين من الناس والقبائل نزاع وخصام وقد فعلتم هذا لعشر سنوات ولسبع سنوات ولثلاثة عشر سنة، حسنًا ولكنّ لماذا تقتلون طفلاً ابن بضعة أشهر؟! عبد الله الرضيع، حضرة عليّ الأصغر وفي بعض الروايات عبد الله الرضيع، فهو طفل ابن بضعة أشهر.دعك من الإنسان، أيّ حيوان يفعل ذلك؟! والحيوانات أيضًا تدرك فالحيوانات لها شعور وإدراك وقد شوهدت أمثال هذه المواقف.

  • كيف استطاع ابن سعد ذاك؟ وكيف استطاع حرملة ذاك؟ وكيف استطاع الذين كانوا هناك والذين كانوا يصلّون؟ كانوا يصلّون، يصلّون المغرب والعشاء، وفي اليوم الحادي عشر جاء عمر بن سعد وصلّى على قتلاه الواصلين إلى الدرك الأسفل من النار صلاة الميّت ودفنهم، فكيف خطر في خيالهم وفي نفوسهم أن يقتلوا طفلاً بهذه الطريقة؟! كيف يمكن ذلك؟ ففي أحداث يوم عاشوراء لم تكن هناك أيّة قضيّة مثيرة للعبرة إلا أنّ الله جعل هذه الحادثة للجميع، فكلّ حادثة تنظرون إليها من أحداث يوم عاشوراء هي في نفسها عبرة وواقعة، فلو أنّ إنسانًا كان منصفًا ولم يدرك، لم يدرك أنّ الحقّ مع الإمام الحسين أو مع عمر بن سعد، حسنًا لم يدرك، فأحيانًا الإنسان لا يدرك في النهاية.

    1. سورة البقرة، الآية ۷.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

12
  • التباس الحقّ على أعداء أمير المؤمنين في النهروان 

  • توجّه أمير المؤمنين إلى النهروان، وقد اجتمع فيها اثنا عشر ألفًا لكي يحاربوا أمير المؤمنين ويواجهوه، وقبل أن تشرع الحرب قال أمير المؤمنين سأعظهم وأنصحهم.وضع سيفه جانبًا ومضى وحيدًا فريدًا ووقف أمام الجيش وبدأ بالنصيحة والكلام، وتحدّث لهم الإمام وبيّن الأمور واحدًا تلو الآخر وأنّه هل كنت أنا المخطئ والمقصّر في هذه الأحداث أم أنتم المقصّرون؟ هل أنا كنت المحرّك لتلك الأحداث أم كان آخرون هم المحرّكون؟ ماذا قلت أنا وماذا قال الآخرون؟ بدأ بالنصيحة، فرجع من هؤلاء الاثني عشر رجلاً المخدوعين ثمانية آلاف رجل أي بقي أربعة آلاف مقاتل، فهناك ثمانية آلاف مقاتلاً لم تكن المعلومات الصحيحة قد وصلتهم، وما وصلهم لم يكن صحيحًا، لم يروا إلا لحية، لم يروا إلا قرآنًا وصلاة ليل فحسب! والذين كانوا هناك سيطروا على هؤلاء الثمانية آلاف بالقرآن وصلاة الليل وقراءة القرآن والأحكام والمسائل، بهذا حافظوا عليهم ولم يكن هناك آلات موسيقيّة! ولا كانت هناك زجاجات العرق والخمور، كلاّ بل كان هناك قرآن وصلاة وصلاة الليل، ثمّ بعد ذلك قالوا لهم: هيّا نحارب عليًّا، هذا الخليفة الغاصب، إنّه لا يفهم إلا بالسيف، إنّه يريد أن يقتتل المسلمون من أجل نفسه هو فقط، لقد أخضع الجميع لظروف صعبة، وبهذا الكلام جاؤوا.

  • وعندما تكلّم معهم أمير المؤمنين قبِل الذين لم يكن في عقولهم الجصّ، فتراجع ثمانية آلاف منهم.بقي أربعة آلاف.يا عزيزي لقد سمعت أنت أيضًا فلماذا هذا تراجع ولم تتراجع أنت؟! فأنت مريض إذن أنت مريض! هذا الكلام بعينه أنت سمعته، أنت نفسك أيضًا سمعت هذا الكلام، فأنتم اثنا عشر ألفًا، أربعة آلاف قالوا: كلا لن نتراجع ولن نقوم بغير هذا، إمّا أن يسلّم عليّ أو نقتله! فقال الإمام حسنًا.بما أنّ الأمر هكذا فقاتلوا، لقد تكلّمت ونصحت ورأيتم آثار ذلك، لقد تراجع ثمانية آلاف، وقد رأيتم آثار ذلك، فما هم هؤلاء الأربعة آلاف؟ إنّهم مرضى.أمّا الثمانية آلاف فلم يكونوا مرضى.

  • قتل عبد الله الرضيع حجّة على من لم يكن في قلبه مرض

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

13
  • فهذا الأمر يحدث، فلنفترض أنّ في جيش عمر بن سعد من هم مثل أهل النهروان لم يتّضح الأمر لهم، وقد قدّمت لهم معلومات خاطئة وأمور خاطئة، فهذه الحادثة التي يرونها حيث يأتي حرملة ويرمي بالسهم وهو لا يقصد الإمام الحسين، فأحيانًا يكون المقصود هو الإمام الحسين فيصيب هذا الطفل، ولكنّه الآن ليس كذلك، كان هناك تعيين للهدف بدقّة ومهارة، وكان ماهرًا جدًّا، وهو نفسه الذي رمى عيني أبي الفضل العبّاس، وكان راميًا ماهرًا في إصابة الهدف.فهذه الحادثة التي يراها لو لم يكن في قلبه مرض ألم يكن عليه أن يتراجع ويقول: ما هذه الحرب؟! أيّ حرب هذه التي أحد طرفيها طفل رضيع حتّى لو لم يكن للإمام الحسين بل كان واحدًا من الناس، طفل كسائر الأطفال، طفل رضيع، فمن قال إنّه ابن سيّد الشهداء؟ كلاّ بل هو طفل رضيع! فأيّ حرب هذه؟ وأيّة مواجهة؟ وأيّ قتال هذا؟ وأيّ توازن حين يكون هناك طفل رضيع يرفرف هكذا؟ فإذن من الواضح أنّ هناك مشكلة ما في البين، وقد جاء الله بحادثة عبد الله الرضيع هذه لكي يتمّ الحجّة على الجميع بحيث لا يتمكّن أحد من الكلام بعد ذلك.

  • ألم تسمعوا ما يقال الآن حول الإمام الحسين؟ إنّهم يكتبون الآن.ألم تقرؤوا وتسمعوا أنّهم يكتبون أنّ سيّد الشهداء دفع ثمن ثورته! ولم يقم يزيد بشيء مهمّ، كان بإمكان الحسين أن لا يخرج.ألا يكتبون ذلك الآن؟ ألا يقولون هذا الآن؟ حسنًا لقد دفع سيّد الشهداء ثمن ثورته، ولكنّ عبد الله الرضيع دفع ثمن ماذا؟! وابن السنوات السبع دفع ثمن ماذا؟ وهؤلاء الأسرى دفعوا ثمن ماذا بحالتهم ووضعهم الذي كانوا عليه؟! كم يجب أن يكون الإنسان عديم الحياء حتّى يحلّل حادثة عاشوراء هكذا! حقًّا كم يجب أن يكون الإنسان هكذا! 

  • مسؤوليّة الإنسان عن سمعه وبصره ومدركاته

  • فلماذا جعل الله لنا كلّ ذلك؟! لكي نستعمل هذه الأعضاء والجوارح في طريق نزول الفيض ذاك، فعندما تقرأون كتاب تاريخ عاشوراء الآن بعد ۱٤۰۰ سنة فتفتحون الكتاب وتقرأون قصّة عبد الله الرضيع فقد صارت عينك الآن مجرى لفيض الرحمة الإلهيّة لأجل هدايتك الآن.دقّقوا جيّدًا، فالآن هذه العين وهذا الفكر وهذا القلب في هذه الساعة هو مجرى فيض، نحن ننظر إلى ذلك كلّه على أنّه أمور طبيعيّة وصدف ووقائع اتّفق أن وقعت، كلاّ! كونكم أتيتم الآن إلى هنا في ليلة الثلاثاء ولا أدري هل ستكون آخر ليلة من شهر رمضان أم لا فعلى كلّ حال هكذا يقول التقويم، ففي النهاية سيرتّب الأمر بنحو من الأنحاء، وإن شاء الله لا يدعوننا نصوم هكذا زيادة، ولا شكّ أنّه بالنظر إلى الإرفاقات التي ستحدث فإنّ هذا الأمر سينتهي بسهولة، ولكن من المؤسف أنّ شهر رمضان مضى وانقضى، وحقًّا إنّه لعجيب، ومن المؤسف أنّا خسرنا هذه الفرصة ـ وأنا أتكلّم عن نفسي ـ ولم نغتنمها، فالآن في ليلة الثلاثاء ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك جعل الله سمعكم مجرى لنزول الرحمة، هذه هي المسألة. 

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

14
  • وفي مجلس آخر يجعلها مرّة أخرى، وفي مجلس ثالث يجعلها مرّة ثالثة، وفي حادثة أخرى يجعلها مرّة أخرى، كلّ واحدة منها هي عبارة عن جرس، كلّ واحدة منها هي عبارة عن إنذار، كلّ واحدة منها هي تنبيه، هي ضربة على نفوسنا، ونحن علينا أن نغتنم هذه الضربة كما قال الأعاظم ونستفيد من هذه الحقائق.فلو لم نأت لما كان نصيبنا أن نكون هنا، ولكنّا في مكان آخر وموضع آخر، ولو لم نفتح هذا الكتاب لما كان شيء من ذلك، ولو لم يكتب المرحوم العلاّمة حقائق هذا الكتاب لما كانت، ولكن عندما قال لي: إنّي سأسل الرفقاء يوم القيامة عن كلّ جملة وجملة ممّا كتبته، عندها سترتجف أبداننا، فلماذا قال ذلك؟ لأنّه يقول: لقد قمت بما عليّ، لقد أدّيت ما عليّ، بسم الله، أنتم تقولون إنّا تلامذة لك، حسنًا.حدّثنا يا سيّد! ها قد حدّثتكم، فهل يكفي أن نشتريها ونجعلها في المكتبة؟ فنحن لدينا كتب العلاّمة في مكتبتنا وهي مرتّبة جدًّا، صفّ صفّان ثلاثة أربعة! أم أنّ علينا أن نقرأها، وبعد أن نقرأها نعمل بها، ولا نقول: لقد كتبها لذاك الزمان، ولو كان الآن فهل كان سيتشدّد إلى هذا الحدّ؟ ولو كان الآن لما تكلّم بكلّ هذا الكلام.ولو كان مكاننا كيف كان سيصنع؟! ولو ولو ولو… فما هذا؟ إنّه كفران لتلك النعمة التي جعلها الله لنا لتنبيهنا، إنّه كفران، فإذا حصل كفران، فإنّ الله يقول: حسنًا، أنا لا أعرف تلميذًا ولا سالكًا ولا غريبًا ولا أميّز بين السنّي والشيعيّ ولا بين النصرانيّ وغيره، كلاّ أنا لا يهمّني إلا من اتّبع الحقّ، فلا تتخيّلوا أنّ الشيعيّ بما أنّه شيعيّ فلا بدّ أن يكون وضعه هناك مختلفًا، كلاّ! بل يرمون به هكذا على رأسه إلى قعر جهنّم! ولا معنى لهذا الكلام هناك! وهؤلاء الذين يقصمون ظهر ابنة النبيّ فاطمة الزهراء باسم التشيّع عليهم أن لا يخالوا يوم القيامة أنّهم سيكونون في صفّ شيعة أمير المؤمنين، بل سيلقُون بهم على رؤوسهم وبعمائمهم إلى وسط جهنّم وإلى عمقها، اذهب فهناك مكانك، وحينها يأتي بذلك المجوسيّ والمسيحيّ واليهوديّ الذين قضوا أعمارهم يسيرون في طريق الله وفي طريق الإخلاص وفي طريق الصدق والصفاء، يأتي بهم أمير المؤمنين إلى جواره: تعال وقف إلى جانبي.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

15
  • هكذا هي الحال، وهذا هو نظام الله.هذا هو نظام الله وليس فيه خداع وكذب، ولا تسير الأمور بالكلام، بل بالصدق وبالنيّة.علينا أن لا نخدع أنفسنا ولا يمكننا أن نخدع أنفسنا.وكلّ شيء بحسابه كما يقال، ولكلّ شيء حسابه الخاصّ.

  • فإذن علينا أن نعتبر ممّا قدّمه الله، فإن اعتبرنا وعملنا فإنّ الله يفتح لنا أكثر فأكثر، وإن لم نعمل فإنّه يغلق، يغلق الفكر، نعوذ بالله نعوذ بالله أن يأتي ذلك اليوم الذي يغلق الله الفكر من جهة، ومن جهة أخرى يزيّن لنا العمل الظاهر! يتّسع العمل الظاهريّ، يتّسع العمل الظاهريّ الذي يملأ العيون، تصلّى الصلاة بطريقة أفضل، يرتفع صوت ولا الضالّين فيها إلى السماء! يقوم بذلك ولكن ماذا؟ ذلك الباطن مغلق.فهذا هو مكر الله! ﴿وَ مَكرُوا وَ مَكرَ اللَه وَاللَه خَيرُ الْماكرِينَ﴾۱ فهذا هو خير الماكرين.يفعل للإنسان شيئًا وينزل عليه بلاء بحيث لا يعي إلى يوم القيامة من أين أُتي؟! إنّه يحسن ذلك.تزداد عبادة الإنسان، ويرتفع شأنه وتزداد الأعمال التي يقوم بها والتي هي عامّة النفع، ويعظم شأن الإنسان وموقعه وشخصيّته بين الناس، فيغطّي ذلك عليه ويسيطر على جميع وجوده وآثاره وشوائبه ولا يسمح له أن ينظر إلى نفسه وباطنه، بل يغترّ بهذه الآثار، ويمضي اليوم والغد وسنة أخرى ثمّ في أمان الله.هذه نتيجة ماذا؟ نتيجة ذلك الاستكبار ونتيجة ذلك العناد ونتيجة ذلك المرض ونتيجة ذلك الكفران للنعمة.

  • سرّ القلق والرهبة عند الدعاء

  • عندما يقول الإمام السجّاد عليه السلام: «أدعوك يا ربّ راهبًا راغبًا» فإنّ معناه هو أنّي يا ربّ قلق على حالتي، قلق أنّي هل يمكنني أن أقترب من مقام صفائك وطهارتك المطلقتين أم لا؟ لا مقام العظمة، نعم الله في مقام عظمته والعبد في مقام رقّيته وعبوديّته، وتلك الكبريائيّة تقتضي أن يُظهر العبد التذلّل والخشوع أمام الله، ولكنّ الإمام السجّاد يريد من الله هنا أمرًا أرفع وأكثر دقّة ولطفًا، وإن كان ذاك الأمر أيضًا موجودًا في بعض الأدعية وأنّي لا يمكن أن أقف في مقابل عظمتك، ولكن ما يبدو هو أنّ المراد من القلق هو أنّه كيف يتلاءم مقام طهارتك وصفائك وصدقك وتجرّدك وتوحيدك الذي يشمل كلّ وجودك وذاتك مع تلك الكثرة التي أنا الآن مبتلى بها؟ فأنا الآن في الكثرات، أنا الآن في التعلّقات، أنا الآن في الالتفات إلى نفسي، أنا الآن أبحث عن شؤوني، أريد أن أصنع لنفسي شؤونًا، أريد أن أوسّع دائرة شخصيّتي، أريد أن أجعل نفسي محبوبًا أكثر بين الرفقاء، أريد أن أجعل نفسي محبوبًا بين الناس وفي المجتمع، ما شاء الله ما شاء الله! انظروا ماذا قال! بأيّ كلام تكلّم، لقد اشتهر اسمه هناك، وعرف كلامه هناك… فماذا يجري؟ يقول مرّة بعد أخرى نعم ويبتسم ويضحك ويقول: لقد حصل أمر جيّد، كنت أبحث عن هذا،، وفي الليالي نقرأ أيضًا دعاء أبي حمزة والافتتاح ونطأطئ رؤوسنا ونبكي.

    1. سورة آل عمران، الآية ٥٤.

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

16
  • كلاّ الإمام يقول: كلّ هذا أغلال وسلاسل وكدورات وظلمات تسيطر على وجودي، وأنا في مقابل مقام طهارتك وقدسك خجِل من أعماقي، أن كيف سأتعامل معك يا إلهي؟ مقام العظمة له مكانه، وهذا الأمر في داخلي يجعلني لا أسمح لنفسي أن أخاطبك وأتوجه بوجهي إليك.يقول الله: كيف تتوجّه إليّ بوجهك وأنت تأتي بهذه المشاكل والتعلّقات وتفكّر في نفسك؟ وتفكّر في شخصيّتك؟ وتفكّر في ذلك المقام الذي حصلت عليه؟ كيف وأنت تفكّر أن لا تخسره، تفكّر في ذلك! 

  • برنامج سلوكيّ بجمع قشور البطّيخ (قصّة)

  • يقول المرحوم العلاّمة: جاء رجل يومًا ما إلى السيّد القاضي من هؤلاء العلماء، وقال له أعطني برنامجًا سلوكيًّا.

  • فقال له السيّد القاضي: حسنًا، إذا كان الغد فاحمل بيدك سلّة وتجوّل في أزقّة النجف ومهما وجدت من قشور البطّيخ والشمّام وفضلات الخضار فاجمعه كلّه في هذه السلّة وخذه إلى البيت، فإذا امتلأت سلّتك فارجع، فأنت لا يمكنك أن تأخذ كلّ ما في الشوارع إلى بيتك.فقال: لا بدّ أن أعمل بذلك وليس هناك مهرب.وفي البداية استبدل عباءته وقال: هذه العباءة تحكي ما تحتها ولا بدّ أن ألبس تحتها ثوبًا آخر أو لا ألبس وستتسبّب لي بمشكلة ـ وهي العباءة التي تسمّى بالخاشية ـ فلبس عباءة سميكة، لبس في وسط الصيف عباءة الشتاء! عباءة غليظة لا تبدو تحتها السلّة بأيّ شكل من الأشكال، حسنًا أمسك بها ومضى وجمع القشور وقال: لقد امتثلت الأمر فهو لم يقل لي عليّ أن أجعل السلّة فوق رأسي، بل قال لي: خذ السلّة واجمع القشور.فجمعها وذهب إلى السيّد القاضي ضاحكًا مسرورًا أن ها قد خرجت من عهدة هذا التكليف.

  • فنظر إليه نظرة وقال: أين وضعت سلّتك؟! ما إن نظر إليه قال له: لا ينفع أن تكون السلّة تحت العباءة، لا بدّ أن تكون خارج العباءة، فلتذهب غدًا ولتجعل السلّة خارج العباءة.

  • فقال: يا لها من مشكلة وقعت بها! إنّه يأخذ منّي كلّ دنياي وآخرتي، وكلّ هذا الاحترام والمقام الذي كسبته وأمثال ذلك كلّ ذلك في طريق الزوال.وبينما هو يمشي وينظر وصل إلى سطل فوقف قربه، رأى عالمًا يمرّ من هناك فوقف وقال: دع هذا العالم يمضي فإذا ما مضى أخذت من السطل واحدة ووضعتها بهدوء.ثمّ مضى نحو زقاق آخر ومرّة ثانية توقّف، رأى اثنين يمرّان فقالا له: السلام عليكم كيف حالك؟ لماذا تحمل في يدك سلّة؟ 

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

17
  • ـ ذهبت لأشتري شيئًا لأهلي وعيالي.وما إن مضيا التقط قشرًا ومضى.

  • وفي اليوم التالي ذهب إلى السيّد القاضي: حسنًا في هذه المرّة كانت السلّة خارج العباءة.

  • فقال له: كنت تقف على قارعة الزقاق فإذا ما مضى المارّة التقطت القشور؟! كلاّ في المرّة القادمة عليك أن لا تفعل هذا.

  • ـ عجبًا! يبدو أنّه كان معي وإلى أيّ مكان ذهبت لا يتركني.

  • وفي اليوم الثالث مضى والسلّة خارج العباءة وقد عزم أن يمضي ويقوم بالعمل المطلوب، والحاصل أنّه قام به، وكان الأمر عليه شديدًا، قالوا له: إلى أين تأخذ هذا يا فلان؟ فقال: للماعز التي في بيتنا! فنحن لدينا ماعز في البيت! عليّ أن أزيّن الأمر أمام الناس بنحو من الأنحاء! هذا يقول له: ماذا حصل؟ هل كان الهواء شديد الحرارة؟ يبدو أنّه أثّر على عقلك؟! 

  • ثمّ ذهب إلى السيّد القاضي فقال له: ماذا بعد ذلك؟ ها قد قمت به والسلّة خارج العباءة وقد رآني الجميع.

  • فقال له: عندما كنت تجمعها ماذا كان يحدث في قلبك؟ هل كنت تقول: الويل لي لقد رآني هذا؟! فاذهب مرّة أخرى! 

  • والحاصل أنّ هذا المسكين بعد عدّة مرّات نزلت نفسه.وطبعًا أخذ الله بيده، كان هناك توفيق حتّى أخذ الله بيده، ثمّ قال له السيّد القاضي: لم يحصل أمر سيّئ والأمور تصلح شيئًا فشيئًا.فهؤلاء هم الذين ينقذون الإنسان، هؤلاء هم، أمّا أن يقال تفضّل يا سماحة فلان، تقدّم إلى الأمام مقدار قدمين ومقدار مترين.وأحضروا للسيّد الشاي.فهذا لا يصنع الإنسان، هذا يقضي على الإنسان، افتحوا الطريق وصلّوا على محمّد وآل محمّد مرّة مرّتين إلى عشر مرّات أو ثلاثين مرّة! هذا كلّه لا يعالج مشكلة، ولا فائدة منه للإنسان.الأولياء هم الذين يأتون ويقومون بعمليّة جراحيّة للإنسان في الموضع المناسب حيث الداء، فآخر الدواء الكيّ، ففي تلك النقطة يدخلون الإبرة ليخرجوا الإنسان كما ذكرت من شؤونه بعد كلّ تلك المدّة.

  • جمع الشيخ الكمباني للبصل (قصّة)

  • وهذه قصّة أخرى نقلها المرحوم العلاّمة سأنقلها وأختم بها المجلس لنتبرّك بكلماته، وقد سمعتها منه في أحد المجالس عن الشيخ محمّد حسين الكمباني رحمه الله، ويبدو أنّه نقلها في بداية كتاب التوحيد العلميّ والعينيّ على ما أذكر، وقد نقلها أحد أصدقاء الشيخ محمّد حسين والذي كنت قد التقيت به شخصيًّا ذات يوم، وهو السيّد محمّد رضا الخلخالي، فقد نقلها هو، وهو الذي استشهد على أيدي حزب البعث في السجن على ما يبدو.فقد نقل هو للمرحوم العلاّمة أنّه كان يمشي في النجف عند حرّ الظهيرة في منطقة الحويش في تلك المناطق من النجف، قال: رأيت المرحوم الشيخ محمّد حسين الكمباني ـ والذي كان من أرفع المدرّسين بين علماء النجف وفي هذا المستوى، وباعتقادي أنّه لم يكن هناك أعلم منه في زمانه ـ رأيته يبحث عن شيء فذهبت إليه فرأيته يجمع عددًا من حبّات البصل الواقعة على الأرض في تلك الساحة، يجمعها واحدة واحدة ويجعلها على ثوبه، فقد تمزّق الكيس الذي كانت فيه بعد أن اشتراها ووضعها فيه، فقد كان هؤلاء الأعاظم يشترون بأنفسهم ما يحتاجونه، فكان يتبع هذه الحبّات ويجمعها، رأى هذه قد انتثرت في ذاك الاتّجاه فلحق بها ورأى تلك في اتّجاه آخر فلحق بها، ثمّ جمع هذا الكيلو من البصل وهو يضحك ويقهقه أثناء لحوقه بحبّات البصل، خذ هذه وخذ تلك، وذهب ذلك الرجل لمساعدته فقد كان كبيرًا في السنّ بينما كان هذا المساعد شابًّا حينها، فكان يقول: ذهبت لمساعدته وأمسكت ببضع حبّات وجئته بها وقلت له: لماذا تضحك؟! 

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

18
  • فقال: تذكّرت قصّة جعلتني أضحك، لقد كنت شابًّا وكان أبي متموّلاً ومن التجّار المعروفين في الكاظمين وكان ثريًّا جدًّا، فجاء بي أبي وجعلني من الطلاّب، وكنت قد لبست العمامة للتوّ ولم يكن قد مضى على ذلك بضعة أشهر، وبينما كنت في النجف أدخل حرم أمير المؤمنين كانت في يدي مسبحة أذكر الله بها، وكلّ حبّة منها كانت من العقيق، وكانت قيمة العقيق حينها ديناران ونصف، ولا أدري كم كانت قيمة الدنيار تعادل حينها، لا شكّ أنّه كان عقيقًا يمنيًّا كلّ حبّة منه ثمينة جدًّا، فكان يقول إنّ مسبحتي هذه التي كانت قيمة كلّ حبّة من حبّاتها المائة بدينارين ونصف في ذلك الزمان قد انقطع خيطها وتناثرت في الإيوان المذهّب، الإيوان الذي هو أمام الإمام، وأنا وبسبب تلك الأنانيّة الذي كانت لي في نفسي وذلك الاحترام الذي كنت أعتقده لها وتلك العظمة والشأن اللذين كنت أراهما لها استحييت من أن أركض وراء حبّات المسبحة هذه، فهذه كلّها متناثرة وقد جاء خلق الله كلّهم الواحد منهم تلو الآخر وأخذ كلّ منهم حبّات منها لنفسه، والآن أنا أرى أنّ كيس البصل قد تمزّق وأنا ألحق بحبّات هذا البصل، فقارنت نفسي بذلك الزمان فسيطر عليّ الضحك، وأنّي كنت في أيّة حالة ـ وهذا ما أقوله أنا ـ وببركة أمير المؤمنين ومساعدة أولياء الله ـ فقد كان هو مشمولاً لرعاية أولياء الله في أواخر عمره ـ الآن في أيّة حالة أنا؟! 

  • حينها يدرك الإنسان أنّ أولياء الله هؤلاء كيف يحرّرون الإنسان، كيف يطلقونه، وإلا فإنّه كان من هم في عمر الشيخ الكمباني آنذاك في أيّ مشاكل غارقين؟! وفي أيّة حالة كانوا؟! وماذا كانت الأمور التي تنقل عنهم؟! 

  • قطع بعض العلماء علاقته بأستاذه لتأييد تقريرات غيره أيضًا

  • بعضهم قطع علاقته بأستاذه لأنّه أمضى تقريرات صديقه، فقد أمضى الشيخ النائينيّ تقريرات السيّد الخوئي فقطع أحد مراجع ذلك الزمان علاقته بأستاذه أن لماذا أمضيت تقريرات غيري؟! فتقريراتي لا بدّ أن تطرح الآن، تقريراتي لا بدّ أن تكون بين أيدي الطلاّب وفي الحوزات العلميّة! أيّ شيء ينقص تقريراتي؟! كان قد قال: وماذا ينقص تقريراتي حتّى أمضيت أيضًا تقريراته فطبعت؟ ثمّ قطع من حينها علاقته بأستاذه ولم يشارك في صلاة الجماعة خلفه ما دام أستاذه حيًّا في النجف! فهذا واحد منهم، وذاك واحد منهم أيضًا.وكلاهما كانا في النجف، وكلاهما كانا عند أمير المؤمنين، وكلاهما درسا.فأيّ الفريقين خير؟! أيّهما أكثر صفاء؟! أيهما أكثر روحيّة؟ عندما يقرأ الإنسان شعر الشيخ محمّد الحسين الكمباني يأنس ويسرّ، فكم كان هذا الرجل موضع عناية أمير المؤمنين وموضع اهتمام مقام الولاية وكم قدّموا له العون والمساعدة، شعره يحيي الروح، أمّا إذا ما نظر الإنسان إلى الآخرين فإنّ عليه أن يطأطئ رأسه أسفًا، فوا أسفاه على تلك الفرص التي تأتي وتذهب! 

لماذا يقلق الداعي؟ - مرض الغيبة

19
  • نقسم على الله بحقّ أوليائه وبحقّ مطهّري مقامه أن يعاملنا بلطفه وكرمه، ولا ينظر إلينا بعدله وأن يجعلنا دائمًا في صراط الأعاظم وعلى فتات موائدهم وأن يعفو عنّا في شهر رمضان هذا وأن لا يؤاخذنا على خطايانا، وأن ينظر إلينا بعظمته وأن يرزقنا ويذيقنا ما رزق خواصّه ومطهّريه في هذا الشهر.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد