1

قيمة مجالس أولياء اللَّه

الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

56
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1424

التاريخ 1424/09/03

جلسات المجموعة(12 جلسة)

التوضيح

ما هو معيار علاقة الله بخلقه؟ وما هي قيمة مجالس أولياء اللَّه وأثرها في تهذيب النفس؟ وكيف ينبغي أن يتعامل الإنسان مع عيوب الآخرين ومع نقلها له؟ وكيف يمثل دعاء أبي حمزة الثمالي منهجًا للسير إلى اللَّه؟ يقدم آية اللَّه السيد محمد محسن الطهراني في هذه المحاضرة إجابات شافية، مستندًا إلى إرث العلاّمة الطهراني، موضحًا كيفيّة استثمار هذه الفرص الروحيّة للتقرّب من الخالق وتجنّب ما يعيق هذا المسير.

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • قيمة مجالس أولياء اللَّه

  • الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢٤ هـ - الجلسة الأولى

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَّه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ

  • بِسمِ اللَّه الرّحمٰنِ الرّحیمِ

  • و صلّی اللَّه عَلیٰ سیّدِنا و نبیِّنا أبی‌القاسمِ محمّدٍ

  • و علَی آلِهِ الطّیبینَ الطّاهرینَ

  • و لعنةُ اللَّه عَلَیٰ أعدائِهم أجمَعینَ مِنَ الآنَ إلیٰ یَومِ الدّینِ

  •  

  •  

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام في دعاء أبي حمزة: «وَ أَنْتَ الْمَنَّانُ بِالْعَطِيَّاتِ عَلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ، وَ الْعَائِدُ عَلَيْهِمْ بِتَحَنُّنِ رَأْفَتِكَ. إِلَهِي رَبَّيْتَنِي فِي نِعَمِكَ وَ إِحْسَانِكَ صَغِيرًا، وَ نَوَّهْتَ بِاسْمِي كَبِيرًا، فَيَا مَنْ رَبَّانِي فِي الدُّنْيَا بِإِحْسَانِهِ وَ تَفَضُّلِهِ وَ نِعَمِهِ، وَ أَشَارَ لِي فِي الْآخِرَةِ إِلَى عَفْوِهِ وَ كَرَمِهِ.»۱

  • يا إلهي! لقد مننتَ بهباتك وعطاياك على أهل مملكتك، واختصصتَ نفسك بمنّة الهديّة والعطيّة، وكنتَ دائمًا تُوالي هذا الإظهار للرأفة والمحبّة تجاه شخصٍ ما، ولم يكن الأمرُ بأن تُنعِمَ يومًا وتَرْأفَ، وفي اليوم التالي تنسى وتغفل، وتُسقط من القائمة وتحذف.

  • هذه الأسطر القليلة تدور حول فكرة واحدة، فـ «تَحنُّنُ رأفتِكَ» تعني إظهار المحبّة والمودّة والرحمة تجاه شخصٍ ما.

  • الفرق بين الخالق والمخلوق في إظهار المحبّة

  • يلاحظ أنّ الاهتمام بالأفراد يدور حول كيفيّة معاشرتهم والعلاقة معهم؛ فإن كانت قويّة، كانوا أكثر حضورًا في الذهن، وإن كانت ضعيفة، كانوا أقلّ حضورًا. وقد قيل: «البعيد عن العين بعيد عن القلب»٢ فكلّما كانت الآثار الظاهريّة والمظاهر أقوى في الإنسان، كان حضوره في ذهن الإنسان أكبر، وهذا مبنيٌّ على هذه الأمور الظاهريّة.

  • أمّا بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى، فالأمر ليس كذلك: «وَ الْعَائِدُ عَلَيْهِمْ بِتَحَنُّنِ رَأْفَتِكَ»، أي أنّك باستمرار تتحنّن، وبسبب التفاتك إلى الناس، فإنّ هذه الرأفة في حالة استمرار ودوام.

  • المحبّة والرحمة الإلهيّة منشأ كلّ القضايا

  • أظنّ أنّه جرى الحديث في السنوات الماضية حول هذه المسألة، وهي أنّنا لا نعلم مصدر الأوضاع والحالات التي تطرأ علينا، فنتوهّم أنّ الأمور التي تحدث لنا كلّها فُجائيّة وصُدفة. والصُدفة تعني أنّ شيئًا ما يحدث هكذا، يأتي مرضٌ ثمّ يأتي شفاء، يأتي ضغطٌ ثمّ يأتي فرج، يأتي ضيقٌ ثمّ يأتي فرح وانبساط. نقضي حياتنا وأحوالنا بهذه الكيفيّة، ونتوهّم أنّ هناك مجرىً عاديًّا يمرّ في أذهاننا وأفكارنا ويذهب، ولكن إذا فُتحت أعيننا، سنرى أنّ جميع علل وأسباب عالَم الوجود قد تكاتفت لترسم كلّ لحظة من لحظات حياتنا. فنحن الآن قد جئنا وجلسنا هنا، والحمد للَّه وُفّقنا أيضًا لقراءة القرآن والاستماع إلى دعاء الافتتاح، وبعد ذلك نتحدّث مع الرفقاء حول دعاء أبي حمزة للإمام السجّاد عليه السلام، إنّه محفل ودّيّ أخويّ، وفي ليالي شهر رمضان، فمن الطبيعيّ أن يوفّقنا اللَّه تعالى للحضور وأن نكون في هذه الحالة.

    1.  مصباح المتهجّد، ج ٢، ص ٥۸٣، فقرة من دعاء أبي حمزة الثماليّ.
    2. مثل شعبيّ.

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

3
  • هل تعلمون أنّ هذا التوفيق الذي حصلنا عليه ونحن الآن هنا، هل كان هذا الأمر من تلقاء نفسه؟! هكذا، بهذه الكيفيّة؟ نقول في أنفسنا: الآن وبما أنّنا جالسون بلا عمل، وفي النهاية من المقرّر أن نقضي ساعتين من الليل، سواء قضيناها في المنزل، أو ذهبنا إلى منزل السيّد وقضيناها هناك! بما أنّه من المقرّر أن يضيع الوقت، فلنذهب إلى هناك ونسمع ما يُقال. أم أنّ الأمر ليس كذلك! بل إنّ تلك العلل والأسباب الإلهيّة والرأفة التي يكنّها اللَّه تعالى للإنسان، تُرتّب القضايا والأمور بطريقة تنتهي إلى هذا المآل، وتستقرّ القضايا هنا. فانظروا الآن! من بين كلّ هؤلاء الناس مَنّ اللَّه علينا بالتوفيق للمشاركة في مثل هذه المجالس.

  • وجهات نظر مختلفة حول مجالس ومواعظ الأولياء

  • ذات مرّة، كان المرحوم القاضي ـ رضوان اللَّه عليه ـ في مجلس مع أصحابه، فالتفت إلى الحاضرين وقال: «لقد طفتُ الآن حول الكرة الأرضيّة، فلم أجد مجلسًا مثل هذا المجلس.»

  • إنّ أولياء اللَّه أحيانًا يقولون مثل هذه الأمور، إمّا أنّ الضرورة تقتضي ذلك أو يرون المصلحة فيه، فيطرحونه. هل ما قاله صحيح أم ـ لا سمح اللَّه ـ باطل؟! على الأقلّ باعتقادنا، لم يكن باطلاً قطعًا، أمّا أنّ البعض يعتبرونه باطلاً، فلا شأن لنا بهم. وفي زمن  المرحوم العلاّمة الطهراني أيضًا، كان هناك أشخاص مختلفون يسخرون من كلامه، حتّى كان البعض منهم من أرحامنا، كانوا يعتبرون مجالسه دكّانًا ويستخدمون تعبير «الدكّانجيّة»، وبعضهم كانوا يعتبرون مجالسه نوعًا من «استقطاب المريدين» ويقولون: لاستقطاب المريدين أقسام، وأحد أقسامها هو هذا المجلس الذي يُعقد للجلوس والذكر وقراءة حافظ وقراءة دعاء السمات عصر الجمعة ومجالس كهذه، وهذا أيضًا نوع من استقطاب المريدين ولا فرق بينه وبين المجالس الأخرى، فهذا المحراب والمنبر والارتباطات وما إلى ذلك طريقة، وهذا طريق آخر! وبالتالي، كلّ شخص يتقدّم بالوسيلة والأداة التي في يده، فذاك يأتي بتلك الطريقة، وهذا يأتي بهذه الطريقة.

  • ردّ فعل العظماء تجاه الاتّهامات الباطلة

  • كان  المرحوم العلاّمة الطهراني عنقاء لم تصل أيدي هذا الذباب إلى مجال طيرانها وعشّها، بل لم تخطر ببالهم مثل هذه الأمور حتّى يفكّروا فيما إذا كانوا يمتلكون القدرة والهمّة والإرادة!

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

4
  • ذات يوم قلتُ للمرحوم العلاّمة الطهراني: سيّدنا! لقد أرسل إليكم العالم الفلاني رسالة وكتب فيها الكثير من السخافات ـ وكنتُ قد قرأتُ تلك الرسالة ـ فقال  المرحوم العلاّمة الطهراني: كلّ واحد يؤدّي تكليفه، فوظيفته أن يفعل ذلك، ونحن أيضًا وظيفتنا أن نقوم بهذا العمل. (ثمّ قرأ هذا الشعر): 

  • بلبل به باغ و جغد به ویرانه تاخته***هر کس به قدر همّت خود، لانه ساخته
  • يقول: ابتغى البلبلُ الرَّوضَ، والبومُ الخَرابَ ارتادَا *** وكلٌّ على قدرِ هِمَّتِهِ، مأوىً له شادَا

  • ألم يكن في زمن المرحوم القاضي أفراد يسخرون؟! ألم ينتقدوا؟! لم تكن لديهم الجرأة على مواجهته ومقابلته، فكانوا يتناجون سرًّا. إن كنتم صادقين، فلتقولوا الكلام الذي تقولونه أمامه! كانت شخصيّة المرحوم القاضي في ذلك الزمان بحيث إذا دخل أيّ مجلس، لم يعد يُسمع صوت من جميع أفراد ذلك المجلس.

  • كان السيّد الحدّاد يقول: عندما كان المرحوم القاضي في النجف وعندما كان يدخل مجلس فاتحة يحضره العلماء والأكابر والفضلاء والمراجع، فكأنّما على رؤوسهم جميعًا الطير، ولا يجرؤون على تحريك رؤوسهم.

  • ثمّ هؤلاء أنفسهم عندما كانوا يخرجون، يبدأون بالهمس والكلام فيما بينهم. هذا هو منتهى النذالة وانعدام الإنصاف. إن كان لديكم كلام، فقولوه أمامه: «سيّدنا، طريقكم خاطئ، سيّدنا، مسيركم باطل، سيّدنا، طريقكم مخالف للصواب.» لماذا تقولون هذا الكلام من وراء ظهره: «هؤلاء دراويش وصوفيّة، وهؤلاء أعداء اللَّه والولاية والإمام، وهؤلاء لا يقيمون مجالس العزاء، وهؤلاء ليسوا من أهل ولاية أهل البيت، وهؤلاء يقرأون القرآن فقط.»

  • كان  المرحوم العلاّمة الطهراني يقول: من التُهم التي كانوا يوجّهونها للمرحوم السيّد الحدّاد أنّه «ليس من أهل الولاية». في حين أنّ الذكر الدائم للمرحوم السيّد الحدّاد كان «يا صاحب الزمان»۱.

  • يعني البعض يقولون: «لا حَوْلَ وَ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللَّه» أو مثلاً «يا اللَّه»، لكنّ المرحوم السيّد الحدّاد عند القيام أو الجلوس كان «يا صاحب الزمان» وِردَ لسانه. ثمّ كانوا يقولون: هذا الرجل ليس من أهل الولاية! مَن كان يقول ذلك!؟ ليس عوامّ الناس، بل بعض أهل العلم، أولئك الذين هم كالخفّاش لا يستطيعون رؤية نور الشمس، ويرون أنفسهم عاجزين عن الوصول واللحاق بذلك المبدأ، فيريدون إنزاله!

    1. للمزيد من الاطّلاع، راجع: الروح المجرّد، ص ٥۱٣ و ٥٤٢؛ عنوان البصريّ، ج ٢، ص ٢۸٥.

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

5
  • حسنًا أيّها المسكين! لماذا لم تضع نفسك في هذا الوادي وهذا المسار وهذا العالَم من البهاء والبهجة والسرور حتّى تتخلّص أوّلاً من هذه التخيّلات والمشاكل والأوهام؟! في النهاية، مَن يرضى لنفسه أن يقضي عمرًا مع التوهّمات والتخيّلات؟!

  • العيش في الوهم والخيال سبب ضياع العمر

  • قبل أيّام قليلة، التقيتُ في مشهد بأحد الأصدقاء، فقال: «إنّ فلانًا ويقصد أحد أقربائه قال له: «بعد ثماني سنوات فهمنا أنّ ما يُقال حول هذه القضايا كان كذبًا.»

  • انتبهوا! ثماني سنوات في الخيال، تسع سنوات في الوهم! هل واقعًا الإنسان العاقل يقوم بهكذا عمل؟! أصلاً، افترضوا أنّ شخصًا ليس سالكًا، فهل يأتي ليبقى ثماني سنوات، تسع سنوات، عشر سنوات، عشرين سنة في الخيال والوهم، لقد حدث هذا! إذا نظرنا إلى أهل الدنيا، نرى أنّهم هكذا، فرد يمضي خمس سنوات، وفرد عشر سنوات، وفرد خمس عشرة سنة ثمّ يتنبّه، وشخص يبقى حتّى آخر عمره كالديدان، يتمرّغ دائمًا في هذا المستنقع، أصلاً حياتها في المستنقع! فإذا خرجت منها ماتت، فلابدّ أن تنمو في هذه الوضعيّة. ففي النهاية، إذا لم يكن الإنسان سالكًا وشيعيًّا ومسلمًا، أليس لديه عقل، أم أنّه لا يملكه أيضًا؟! هؤلاء لا يملكونه! في النهاية، هل يقضي إنسان عاقل حياته في القيل والقال! هذا فعل كذا، وذاك فعل كذا؛ يحصل على معلومة من هنا، ومسألة من هناك، وفكرة من هنالك، وقضيّة من هنالك، يذهب دائمًا إلى هناك، ويأتي دائمًا إلى هنا. هل هذا هو كلّ شيء؟! في النهاية، هل هذه حياة؟! حقًّا!

  • طريق العرفان طريق العقل

  • لهذا قلتُ مرارًا، وكان المرحوم السيّد الحدّاد يقول: «طريق العرفان طريق العقل.» معناه هذا. أي أنّك ولو لم تكن مسلمًا وشيعيًّا، فالعاقل ـ لا المجنون ـ ماذا يفعل في هذه الدنيا؟ أيّ طريق يختار لحياته وعلاقاته؟ هل هذا طريق للحياة؟! أن يؤلّف دائمًا كلامًا عن هذا، وكلامًا عن ذاك، وكلامًا عن هذه المسألة!

  • في هذه السفرة نفسها، قبل ليلتين أو ثلاث، كنتُ في مجلس، فقالوا: «سيّدنا، سمعتُ مؤخّرًا شيئًا عنكم، أريد أن أقوله [لأعرف] هل هو صحيح؟» فقلتُ: «أصلاً لا أريد أن تقوله.» قال: «أريد أن أفهم بنفسي.» قلتُ: «لا أريدك أن تفهم، أصلاً لا أريدك أن تقول!» قلتُ: «ماذا تريد أن تقول؟! أن تقول كلامًا فأسيء الظنّ بشخصٍ ما، سواء أجبتك أم لم أجبك! هل هذا يستحقّ أصلاً؟! أنا الذي لا أعرف شيئًا حتّى الآن، هل يستحقّ أن يخطر ببالي شيء يُشغلني؟!»

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

6
  • حسنًا في النهاية حدث ما حدث، و لم يستطع ذلك المسكين أن يصبر، وطبعًا لم يقتصر على تلك القضيّة، بل نقل في النهاية قضيّتين أخريين. ومنذ أربعة أيّام وفكري مشغول، كنت أذهب إلى الحرم فأرى أن يا للعجب! هذه المسائل تخطر بالبال، وكنت أخرج وهذا الأمر في الذهن. وكلّه هراء في هراء! أصلاً من المؤسف حقًّا أن نسمّيه هراءً.

  • فما فائدة هذا المجلس الآن وهذا الحديث وهذا الاستماع بالنسبة لإنسان عاقل، يعني بالنسبة لنا؟! ففي النهاية، نحن الذين نريد أن نذهب إلى حرم الإمام الرضا عليه السلام، فهل الأفضل أن نذهب بهذا الفكر والخيال أم بدونه؟! أيّهما أفضل؟! في أيّهما نفهم الزيارة بشكل أفضل؟! وفي أيّ حالة يكون حضور القلب لدينا بشكل أفضل؟ في أيّ حال نستطيع أن نصلّي صلاتنا بشكل أفضل؟ أصلاً نريد أن ننام، نمشي، نجلس وتلك المسألة تخطر على بالنا. حتّى الآن وأنا أتحدّث معكم، تلك القضيّة عادت إلى ذهني مرّة أخرى، أنّ فلانًا قال عنّي هذا الكلام في هذه القضيّة. فهل تلتفتون! حسنًا، الآن إذا استطاع الإنسان أن لا يستمع إلى هذا الكلام أصلاً فهو أفضل.

  • أين كنّا، وإلى أين ذهبنا! لا بأس، في النهاية هذه أمورٌ إيرادها إن شاء اللَّه لا ضرر فيه، حتّى لو لم يكن فيه نفع فالرفاق كلّهم يعلمون، مطّلعون، وربّما يعلمون أفضل منّا، وربّما تكون تجربتهم أكثر.

  • كلام حكيم للعلاّمة الطهرانيّ حول الغِيبة

  • لا زلت أتذكّر جيّدًا، حين كنتُ في الثامنة من عمري وفي الصفّ الثاني الابتدائيّ، تحدّث المرحوم الوالد ذات يوم عن هذه القضيّة في جلسات الجمعة التي كانت آنذاك متنقّلة ودوريّة. ولأنّي في ذلك الوقت عندما كنت أذهب إلى الجلسات وأخرج منها، كنت مُجبرًا على استرجاع ما قاله المرحوم الوالد؛ فقد كان يسألني: «ماذا قلتُ اليوم في الجلسة؟» وبما أنّ جلساته كانت تتضمّن قصصًا، كانت القصص أوّل ما يبقى في ذاكرتي، فكنت أبدأ بسردها. كان يقول: «تعال إلى البيت وأخبر والدتك بما قلته.» كنت أقول القصص، وأُجهد ذهني قليلاً، وألفّق بضع جمل من هنا وهناك، وفي النهاية، بطريقةٍ ما، لم أكن أدع الأمر يفسد كثيرًا! ولكنّني أتذكّر القصص جيّدًا.

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

7
  • أتذكّر أنّ سماحته تحدّث ذات يوم بمناسبةٍ ما في كلامه عن الغِيبة وأمثالها، وأنّ المرحوم الشيخ الأنصاري ـ رضوان اللَّه عليه ـ كان يقول: «وإن كانوا يقولون إنّ ذكر عيب الناس الظاهر ليس حرامًا، ولكنّه ليس واجبًا أيضًا». فلنفترض أنّ لدى إنسان عيبٌ علنيّ وذنبٌ علنيّ، والآن شخصٌ يفعل شيئًا والآخرون يعلمون أيضًا، فهل من الصحيح أن يذكر الإنسان هذا العيب علنًا ويصفه؟ لقد فعل شيئًا! فما شأنكم به؟!

  • ثمّ كان يقول ـ وخلافًا لما هو معروف ـ إنّه إذا اغتاب مغتاب أخاه ما فلا ينبغي أن يذهب ويقول له: «لقد اغتبتك، فسامحني»؛ لأنّ من الممكن ألاّ يكون هذا العمل الباطل الذي ارتكبه قد وصل إلى مسامعه. فعلى سبيل المثال، ربّما يكون قد قال لصديق له فقط: «فلان يرتكب تلك المخالفة». وربّما يراعي هذا الصديق الأمر ولا يخبره، ثمّ يذهب هذا المغتاب بنفسه ويقول: لقد اغتبتك. فهذا العمل أسوأ، هذا خطأ؛ يعني نفس الغيبة خطأ، وإفشاء هذه الغيبة وإثارة التفكير حولها خطأ آخر. فماذا نفعل بذلك؟ حينئذٍ يكون قد ارتكب خطأين: أحدهما أنّه اغتاب أخاه المؤمن؛ والثاني أنّه شوّش ذهنه تجاه هذا الأمر.

  • فلا يذهب المغتاب إلى الذي اغتابه ليخبره! نعم، إذا وصل الخبر إلى مسامعه وعلم أنّه اطّلع، فيجب أن يذهب ويطلب رضاه ومسامحته، ويُظهر التوبة والندم، وخلاصة القول أن يحصل على رضاه؛ ولكن في غير هذه الحالة لا ينبغي أن يخبره.

  • ثمّ قال سماحته هناك: أنا أقول للرفاق هنا، سواء كان مزاحًا أم جدًّا، ففي النهاية قال ذلك: ليغتبني الرفاق ما شاؤوا! ولكن لا يوصلوا إلى مسامعي أنّهم اغتابوني وقالوا عنّي كذا وكذا، لأنّني في وضعيّة لديّ فيها صدق وصفاء نيّة تجاه إخواني المؤمنين، وذلك الإخلاص وصفاء النيّة هو سبب راحتي، فلا تسلبوا منّي هذه الراحة!

  • فهذه النقطة التي ذكرتُها عن المرحوم العلاّمة الطهراني، خطرت ببالي الآن. انتبهوا كم هو كلام مهمّ! يريد أن يقول إنّني الآن على صلة بالرفاق، أتردّد عليهم، أذهب إلى منازلهم، أراهم في المسجد ـ طبعًا هذه القضيّة تعود إلى حوالي أربعين سنة مضت. أتذكّر تمامًا في منزل مَن كانت، وكان من رفاقه السابقين الذين لم يعد لهم به صلة بعد ذلك حفظه الله إن شاء الله، فهو رجل طيّب ولكن على كلّ حال لم يعد يوفّق لرفقة المرحوم العلامة، ولكنّه كان من الذين كانوا مع المرحوم العلامة، وكان يكنّ له محبّة ـ فأنا على ارتباط بهم، وأتعامل معهم بصفاء وإخلاص نيّة، وأراهم ويسلّم بعضنا على البعض الآخر، فإذا علمتُ أنّ شخصًا قد اغتابني، فإنّ تلك الحالة تتضرّر، ثمّ متى سيمحى هذا من الذهن ويخرج! لذلك، إذا أردتم أن تغتابوا، فاغتابوا! ولكن لا يقل لي أحد إنّ فلانًا قد اغتابكم، فهو مسامح! ولا شيء عليه! هذا القسم الثاني...

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

8
  • وكم هو عجيب هذا حقًّا، وكم هي حيويّة هذه المسألة في السلوك، وكم تسبِّب توقّف الإنسان! اشتداد الأفكار في ذهن الإنسان وهجوم المسائل التي تجعل ذهن الإنسان الصافي عرضة للتموّج والخيال.

  • إذا لم يعلم الإنسان ما قيل عنه فإنّ ذهنه يكون صافيًا. فمثلاً، يذهب الإنسان إلى أماكن العبادة المختلفة نيابة عن الآخر ويدعو له، ويكون لديه تجاهه نظرة صافية، لا جيّدة ولا سيّئة، على كلّ حال لا يخطر بباله أيّ شيء أصلاً. ولكن بمجرّد أن تخطر ببال الإنسان ذكرى من شخص ما، يزول صفاء ذهنه.

  • فمع أنّني قلتُ لهذا المسكين لا تخبرني! قال: لا لن أقول، ولكن عندما أصبحتا اثنتين، رأى أنّه لا يستطيع أن يمنع نفسه، فقال قضيّة عن أحد الأفراد، وقضيّة أخرى عن فرد آخر، وكان كلا كلاميه صحيحًا، أي أنّ الحادثتين السيّئتين حدثتا وهما تؤيّدان وجهة نظري تجاه بعض المسائل السابقة التي كنت أعرفها عن ذلك الرجل المخطئ، وهذا العمل الباطل هو الذي كان يُتوقّع منه ولا يختلف شيئًا.

  • ولكن لو لم يصل هذا الأمر إلى مسامعي، ألم يكن أفضل؟! طبعًا مضت كلّ هذه الأمور وأُغلق ملفّها، ولكن أن يعود الإنسان مرّة أخرى إلى تلك التيّارات والمسائل، فهذا تراجع، وليس من الصحيح أن يتراجع الإنسان دائمًا.

  • تأكيد العظماء على كتمان عيوب الآخرين وحملها على الصحّة

  • لذلك، كان أولياء اللَّه دائمًا يأمرون بالكتمان ويقولون: «إذا رأيتم شيئًا من أحد فلا تلتفتوا إليه، وإذا رأيتم عملاً فاحملوه على الصحّة، وإذا سمعتم كلامًا فاحتفظوا به لأنفسكم! لأنّ جميع الآفات التي تظهر للإنسان في طريق الهداية تنشأ من هذه القضيّة.» ونحن لدينا تجارب لا تُحصى حول هذا الموضوع. أصلاً، هناك فئة من الناس، عاطلون، وعديمو الحياء، وتافهون، ويسعون دائمًا لاختلاق الأقاويل.

  • في تلك السنوات السابقة نفسها، كنتُ جالسًا ذات يوم في منزل المرحوم العلاّمة، فرأيتُ طالب علمٍ قادمًا، قال: سيّدنا! أريد أن أنقل لكم شيئًا قاله أحدهم بشأنكم . 

  • فقلتُ: هل هذا الكلام انتقاد أم مدح وثناء وإطراء؟ 

  • قال: انتقاد من شخص قال كلامًا. 

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

9
  • فقلتُ: ماذا تدرس؟ 

  • قال: أنا الآن مشغول بـ «المُطوَّل» وأقرأ «المُغني» أيضًا، بالإضافة إلى المنطق. 

  • فقلتُ: «أحسنت! أحسنت!» وسألتُه عن بيت من الشِعر وقلت له: أخبرني ما معنى هذا البيت؟

  • قد أصبحَت أُمُّ الخیارِ تَدَّعي***عَلیَّ ذنبًا کُلّهُ لم أصنَع 
  • ما إن رأت رأسي كرأسِ الأصلع *** ميّز عنه قنزعًا عن قنزع۱

  • وهناك خلافٌ حول ما إذا كانت «كُلَّهُ لم أصنَع» أم «كُلُّهُ لم أصنَع»، فبرأيك أيّهما الصحيح؟ قال: لا أعرف. قلتُ: بدلاً من هذه الأحاديث، اذهب وادرس حتّى تعرف!

  • هل التفتّ يا عزيزي؟! ما علاقتك بأنّ فلانًا قال هذا الكلام أم لم يقله؟! أنت طالب علم، ويجب أن تدرس! غدًا هذا الدرس سينفعك، لا نقل هذا الكلام وذاك، فهذا الدرس سيبقى لك حتّى تستطيع أن تجيبني الآن هل «كُلَّهُ لم أصنَع» هي الصحيحة أم «كُلُّهُ لم أصنَع»، وأين تُقال «كُلَّهُ» وأين تُقال «كُلُّهُ»! قلتُ له: هل تثق بي أم لا؟ 

  • قال: نعم. قلتُ: هل تعلم لماذا أصبحتُ هكذا؟ لأنّني عندما كنتُ في سنّك لم أبحث عن هذه الأمور. في الوقت الذي كنّا نحن فيه مشغولين بهذه الدروس، كان الآخرون مشغولين بالغيبة!

  • أقول لرفاقي من طلاّب العلم، وللأصدقاء الذين يطلبون العلوم الدينيّة وتلاميذ الإمام الصادق عليه السلام: اعرفوا قدركم! فهناك فرق كبير جدًّا بين أن يكون الإنسان تلميذًا للإمام الصادق عليه السلام أو تلميذًا لباستور٢ وكوخ٣ وأمثال هؤلاء السطحيّين، هناك فرق كبير جدًّا!

  • الفرق بين تلاميذ مدرسة الإمام الصادق عليه السلام وغيرهم من الأفراد

  • تلميذ الإمام الصادق عليه السلام هو مَن يعلم ما يتوقّعه منه الإمام الصادق عليه السلام وماذا يريد! يجب على رفاقنا من طلاّب العلم أن ينتبهوا إلى هذه القضيّة، وأن يقضوا أعمارهم في الشيء الذي يشعرون بعد مرور ثلاثين عامًا أخرى بأنّ ما مضى في هذه المدّة قد أصبح الآن نافعًا لهم، وأنّهم يستطيعون الآن الاستفادة منه، وأنّه الآن مصباح للناس ولإرشاد أنفسهم.

  • ففي هذا الزمان، عالَم الإسلام وعالَم التشيّع ومدرسة الإمام صاحب الزمان بحاجة إليكم، ولكنّ المقصود بأنّه «بحاجة» ليس ـ لا سمح اللَّه ـ أن يُفهم أحيانًا أنّ الحاجة بمعنى الافتقار، لا، ليس الأمر كذلك. فالإمام صاحب الزمان ليس بحاجة إلى أحد ولا يفتقر إلى أحد. بل جميع عوالم الوجود بحاجة وافتقار إليه، وكلّنا نمدّ يد التسوّل إليه، فهو الغنيّ ونحن الفقراء، وهو العالِم وكلّنا جهلاء، وهو المُفيض وكلّنا مُستفيضون، وهو المُنير وكلّنا مُستنيرون. الإمام هو، وهاتان الكلمتان العلميّتان اللتان نتعلّمهما هما من ناحيته هو عليه السلام!

    1. المطوّل؛ ج ۱، ص ٦٢؛ مفتاح العلوم (السكّاكيّ)، ج ۱، ص ٥۰٤
    2. لويس باستور (Louis Pasteur): عالم كيمياء وأحياء فرنسيّ مشهور
    3. روبرت كوخ (Robert Koch): طبيب وعالم ألماني شهير.

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

10
  • بل مقصودي من الحاجة، الحاجة الظاهريّة، يعني في هذه الوضعيّة، أنتم أيّها الرفاق والطلاّب مَن تستطيعون إن شاء اللَّه بحول اللَّه وقوّته وبتوفيق من جانب الإمام عليه السلام، أن تبيّنوا ما هو مراد الإمام، لا شيئًا آخر، ولا ذوقًا وفكرًا آخر، ولا أشكالاً وأشياء مُختلقة أخرى! لأنّ مُقتداكم،  المرحوم العلاّمة الطهراني، كان يُصرّ فقط على هذه المسألة ويُركّز على هذه القضيّة وحدها! ولم يذهب فكره إلى مكان آخر، وقال: نحن نسمع الكلام من شخص واحد فقط لا غير! وهو الإمام الصادق عليه السلام، وهو الإمام صاحب الزمان! لا شيء آخر مُهمّ بالنسبة لنا، أيًّا كان.

  • أنتم تتبعون هذه المدرسة، ولذا يجب أن تعرفوا قدر أنفسكم جيّدًا! هذه المدرسة لم تصل إليكم بسهولة؛ فقد بُذلت جهودٌ مُضنية حتّى وصلت إلى هنا، لقد أصيب العظماء بالأمراض حتّى وصل هذا الأمر إليكم، لقد نُقل العظماء إلى المستشفيات، ورقدوا على أسرّة المرض، وعانوا من أنواع المصاعب والابتلاءات حتّى وصل هذا الأمر الآن لي ولكم!

  • مكانة وقيمة مدرسة العلاّمة الطهرانيّ

  • اذهبوا وانظروا بأنفسكم! فلم يمنعكم أحد، هل قلتُ لكم تعالوا إلى هنا؟! أم أنّكم أجبرتموني؟! ففي هذه القضيّة، أنا وأنتم متساوون ولا فرق بيننا أبدًا، غاية ما في الأمر أنّكم بمحبّتكم ولطفكم تُجلسوننا هنا وتقولون: سيّدي، تكلّم! فنقول: على الرّحب والسعة، نتكلّم ونُبيّن للأصدقاء ما سمعناه ورأيناه وجرّبناه، وإلاّ فنحن جميعنا بمستوى واحد ولا فرق بيننا، فأنا أيضًا مثلكم، فقولوا لي الكلام عينه! ما الفرق بيننا؟!

  • لقد ذهبنا وجُلنا في كلّ مكان، ولا تتوهّموا أنّني الآن أتحدّث إليكم وقد رأيتُ والدي المرحوم فقط! لا، لقد كنت من الأبناء المتمرّدين الذين لا يستسلمون بهذه السهولة! فلا تتصوّروا يومًا أنّني اتّبعته لأنّه كان والدي وأنّ الانتساب إليه كان له تأثير عليّ ـ والعادة هي كذلك، على كلّ حال، أبناء كلّ أبٍ يجب أن يكونوا بالطبع على نفس الشاكلة! ـ كلاّ، لم أكن كذلك.

  • حتّى الآن لم أقل هذا للرفاق ولا أحد يعلم: لقد ذهبت إلى كلّ مكان، حتّى إنّني ذهبتُ إلى زعماء الصوفيّة، وإلى أولئك الذين لهم ارتباط بالمسائل غير الظاهريّة، وإلى أولئك الذين يدّعون بعض المسائل والمقامات، لقد عقدتُ جلسات في المحافظات المختلفة وهنا هناك ولا أحد يعلم بها، ولكن أدركت أنّه في الأماكن الأخرى لا يوجد أيّ شيء، لا يوجد أيّ شيء! فبعد أن رأيت الجميع وجئت إلى هذه المدرسة، فكّرت في نفسي: يا عزيزي، ماذا أقول أصلاً؟! لقد أصبحت كلّ تلك الأمور بلا معنى بالنسبة لي.

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

11
  • هناك أماكن يفعلون فيها ما يخطر ببالكم دون أن يعلنوا، فهل تتصوّرون أعلى من هذا! ولكن عندما نأتي إلى هذه المدرسة وهذا الطريق نرى عجبًا! أين هذه المدرسة وأين الأماكن والمسائل الأخرى؟! هم أيضًا أناس طيّبون، لا سمح اللَّه لا أقصد التعريض، ولكنّ البحث يتعلّق بالمقامات ومراتب التشكيك، والحديث يدور حول تلك المسائل.

  • أقول هنا بضرسٍ قاطع لتعلموا! هذه المعرفة التي يحصل عليها الإنسان في هذه المدرسة، لن تجدوها في أيّ مكان آخر! يجب أن نعرف قيمة ما نحصل عليه في هذه المدرسة، ولكنّنا لا نعرف قيمته! فنقضي أوقاتنا في البطالة، وفي القيل والقال، وفي الجلسات، وفي الذهاب إلى هنا وهناك، ولا نعلم كيف وصلت إلينا هذه المعرفة!

  • مرارًا كان  المرحوم العلاّمة يقول: هؤلاء الرفقاء لا يعلمون على أيّة جوهرة حصلوا، فيتوهّمون أنّ هذا المكان مثل الأماكن الأخرى، وليس لديهم اطّلاع ولا يعلمون على ماذا حصلوا، وأيّ نفوس قدسيّة قد ضُحّي بها في هذا الطريق حتّى تتمكّن من نقل هذه المعاني والكرامة وعلوّ الدرجات والقيم إلى الآخرين.

  • اقرأوا الآن كتب  المرحوم العلاّمة الطهراني واذهبوا وانظروا أيضًا إلى الكتب الأخرى! ـ أولئك الذين هم من أهل العلم يستطيعون التمييز ـ حقًّا، إذا وجدتم كتابًا آخر بالطريقة التي قرّر بها  المرحوم العلاّمة الطهراني هذه الأمور في كتبه وبيّنها وقال الواقع، فأحضروه إليّ! من الآن، الثامن من شهر رمضان وحتّى الثامن من شهر رمضان من العام القادم، نُمهل الجميع سنة كاملة؛، قولوا: هذه الأمور التي قالها بهذه الكيفيّة وبهذا المستوى، نقلها فلان في الكتاب الفلانيّ أيضًا. أحضروه! ربّما ليس لديّ اطّلاع! فما هذه المسألة؟! يجب على الإنسان أن يستفيد! الآن، هناك فئة، لا يستطيعون الوصول إلى هذا ولا يستطيعون رؤية وصول الآخرين إلى ذلك، فيبدأون دائمًا بإثارة الشبهات.

  • تبيين كلام المرحوم القاضي حول مجالس الأولياء

  • لذلك، كان المرحوم القاضي يقول: «لقد طفتُ في كلّ الدنيا ولم أجد مثل هذا المجلس.» المرحوم القاضي يقول الحقّ والصواب، لأنّ تلك الهيمنة والإشراف للروح المعنويّة الموجودة في مجلس المرحوم القاضي، بتلك الرتبة والمقام والدرجة، لا توجد في مكان آخر.

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

12
  • نعم، من الممكن أن تكون هناك مجالس أخرى في أماكن أخرى، مجلس عزاء، موكب، هيئة لطم، مسجد، وأفراد طيّبون. وكلّ واحدة من هذه لها مسائل خاصّة بها.

  • ولكن، أين يُمكن إيجاد ذلك المجلس الذي يتولّى فيه وليٌّ إلهيٌّ، وليٌّ فانٍ باقٍ، عالِمٌ بأمر اللَّه وباللَّه وفي اللَّه، إدارة الأمور التربويّة لعددٍ من الأفراد على أساس إيصالهم ووصولهم إلى ذلك المبدأ الذي لا يُتصوّر مبدأٌ فوقه؟! المسألة هي أنّ المجالس والمواضيع كثيرة، ولكنّ المسألة المهمّة في كيفيّتها، والمواضيع التي تُطرح من أيّ نفْسٍ تخرج، وبأيّ دوافع وصفات وغرائز تتركّب. الحديث يدور حول ذلك!

  • لذلك، عندما يقول الإمام السجّاد عليه السلام هنا: «وَ الْعَائِدُ عَلَيْهِمْ بِتَحَنُّنِ رَأْفَتِكَ»، يريد أن يقول: كلّ خطوة نخطوها الآن هي من «تحنُّن رأفتك». ويجب أن يكون الجميع قد جرّبوا هذه المسألة، وهي أنّنا في كلّ مكان نريد أن ننسب الفضل لأنفسنا نكون قد أخطأنا.

  • الآن عندما نظرتُ في هذه العبارات التالية، رأيتُ أنّها عجيبة حقًّا. إن شاء اللَّه سأبيّنها في الليالي القادمة. لقد تعب الرفاق، أليس كذلك؟! إن شاء اللَّه تعبوا!

  • حقًّا، يكشف الإمام هنا الستار، أنا هكذا أفهم، ولا بدّ أنّ الرفاق أيضًا هكذا. حقًّا، كلّما قرأتُ دعاء أبي حمزة، فكأنّ الإمام السجّاد عليه السلام جالسٌ تمامًا مكان كلّ واحد منّا ويتحدّث بلساننا. لا يختلف شيئًا أبدًا؛ حالاتنا، خصوصيّاتنا، وسلوكنا يبيّنها بدقّة.

  • تأثير دعاء أبي حمزة وحديث عنوان البصريّ على المعرفة

  • في اعتقادي، يمكن القول: إنّ دعاء أبي حمزة هذا هو سيرة لحياة الإنسان، منذ ولادته في هذه الدنيا وحتّى رحيله عنها. هذه سيرة ذاتيّة تبيّن جميع الخصوصيّات والأحوال والأطوار التي في الإنسان. في المضامين، يشبه كثيرًا مضامين دعاء سيّد الشهداء عليه السلام في يوم عرفة.

  • أصلاً، في اعتقادي أنّه علينا أن ندرس دعاء أبي حمزة هذا! ولا يختصّ بشهر رمضان. فمثلاً، نقرأه على مدار السنة، كما كان  المرحوم العلاّمة الطهراني والعظماء يقولون: «ليُطالع الرفاق حديث عنوان البصريّ مرّة أو مرّتين في الأسبوع!» الآن أسأل الرفاق: كم مرّة طالعتم حديث عنوان البصريّ حتّى الآن؟! طبعًا أنا نفسي أيضًا من ضمنهم، أنا لم أُطالعه، أنا أُطالعه تقريبًا مرّة واحدة في الأسبوع ولكن ليس مرّتين في الأسبوع، في حين أنّ سماحته كان يقول: «نحن عندما كنّا في النجف كنّا نُطالعه مرّتين في الأسبوع»

قيمة مجالس أولياء اللَّه - الأثر السلوكي لدعاء أبي حمزة

13
  • حديث عنوان البصريّ الذي كتبه بخطّه على دفتر صغير موجود الآن في الطابق العلويّ عندي، عندما كان في النجف، كان يضع كتيّبًا فيه حديث عنوان البصريّ في جيبه، وكان يقول إنّني أُطالعه، كان قد كتبوه بالحبر وقلم الحبر الأزرق.

  • هذا ليس بلا سبب، يعني حقًّا عندما يرى الإنسان هذه الأمور يُدهش، ويتعجّب! فإذا أردنا الآن أن نجد دستورًا وبرنامجًا لسلوكنا وحركاتنا، فماذا نفعل؟! هل نذهب وندرس روح القوانين لمونتسكيو۱ ـ من الشخصيّات البارزة السياسيّة الفرنسيّة التي عاشت في مونتسكيو في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر الميلاديّ ـ ماذا ندرس؟ أيّ موضوع يمكنكم أن تجدوه أسمى من دعاء أبي حمزة هذا لتُحضروه وتضعوه أمامكم وتروا ماذا قال الإمام هنا؟! كيف هي أحوالنا؟ كيف هي علاقة اللَّه بنا؟ كيف هي نقائصنا؟ ما هو التوقّع الذي يتوقّعه اللَّه منّا هنا؟ أيّ طريق يقترحه الإمام هنا للعلاج والمداواة؟ هذا عجيب! إنّ قراءة جميع العظماء لهذه الأمور لم تكن عبثًا، بل كانوا يعملون بها، حتّى وصلوا إلى ذلك المقام والمرتبة.

  • على كلّ حال، علاقة اللَّه تعالى بعباده، وخصوصًا في المرتبة العليا مع أولئك العباد، هي علاقة مستمرّة، ويجب على الإنسان أن يُدرك هذا الأمر! إن شاء اللَّه في الليلة القادمة، إذا وفّق اللَّه، سأذكر للرفاق كيف يجب على الإنسان أن يستفيد من هذه الفرص التي يُهيّئها اللَّه له، وكيف لا ينبغي أن تُوقعه هذه الفرص في الخطأ! فهذا مُهمّ جدًّا، فمن جهة، هذه الفرص، وهذا الـ «تحنُّن للرأفة»، وهذه الأمور التي تظهر للإنسان، يجب أن يغتنمها الإنسان بسرعة ولا يدعها تفلت، ومن جهة أخرى، حذارِ أن تكون هذه الأمور سببًا في الاغترار والغرور وإغفال النفس، وألاّ تترك أثرها الواقعيّ والحقيقيّ! بل ـ لا سمح اللَّه ـ أن تترك أثرًا مخالفًا على النفس. إن شاء اللَّه نترك ذلك إلى فرصة ومجال آخر.

  •  

  • اللَّهمّ صلّ علی محمّدٍ و آلِ محمّدٍ

    1. بارون دو مونتسكيو (Baron de montesquieu)