«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

11
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسممباني الإسلام

التاريخ 1435/11/25


التوضيح

ماذا تُمثّل الولاية بالنسبة للإنسان وعالم الوجود؟ ما هو الضمان للإنسان من أجل الثبات في الطريق؟ كيف كانت كربلاء معيارًا لمسألة الصدق وحقيقة الثبات؟ هل يكفي الاقتصار على البكاء الظاهريّ على الإمام عليه السلام؟ ما هي حقيقة الزيارة؟ وكيف تظهر معانيها العميقة للإنسان؟ ما هو دور مفارقة أهل الباطل في مسألة الولاية؟
هي تساؤلات سعى سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه الزكيّة للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي طرحها بين يدي مجموعة من الأحبّة والرفقاء في مدينة قمّ المقدّسة

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • «معكم معكم لا مع عدوّكم»

  • مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

  •  

  • مباني الإسلام - المحاضرات الفرديّة - رقم ٩٦٦

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

2
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

  • وَصلَّى اللَهُ عَلَى سيِّدِنا وَ نبيِّنا أبي ‌القاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ اللَّعنَةُ عَلَى أعدَائِهِم أجمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • الولاية هي شرف الإنسان بل كلّ عالم الوجود

  • نقرأ في زيارات الأئمّة عليهم السلام، وخاصّةً في الزيارة الجامعة: «فَمَعَكُم مَعَكُم لا مَعَ عَدُوِّكُم»؛۱ فما الذي تعنيه هذه الفقرة؟ معناها أنّ الذي يكون معكم يكون معكم، ولا يكون مع عدوِّكم. فالمسألة ترجع في أساسها إلى أنّ طريق الولاية يُشكّل حقيقة الدين وحقيقة طريق الإنسان وسبيله نحو عالم الآخرة؛ أي حركته في مسير أولياء الله، وقيامه بالأمور التي تُثبّته في هذا الطريق بنحو أكثر وأفضل، وتُجنّبه الأمورَ التي تُضعِفه وتُوهنه عن هذا الثبات؛ إذ ينبغي على الإنسان ـ من جهة ـ الاهتمامُ بالأمر الذي يقوّيه، ويثبّته، ويجعله راسخًا تجاه مسير الولاية؛ أي مسير الإمام المعصوم عليه السلام، بحيث يلزمه اعتبار هذا الأمر حقيقةً لا تقبل الإنكار في حياته، تمامًا كما يعتبر نفسه حقيقةً لا تقبل الإنكار.

  • أ فلا نُؤمن نحن بأنفسنا؟ إنّنا نُؤمن بأنفسنا، وإلاّ، لما تأثّرنا ولما تحرّكت فينا شعرة واحدة فيما لو أهاننا أحدٌ؛ لأنّه سيكون حينئذ قد أهاننا وانتهى الأمر! لكنّك تجدنا نغضب، ونقطّب جباهنا قائلين: «ماذا يقول هذا الوقح؟! ألا يخجل؟! إنّه لا يفهم ما يخرج من فمه!»؛ وبالتالي، يتّضح أنّنا نُؤمن بأنفسنا. أمّا لو قيل هذا الكلام لغيرنا، فإنّنا لا نبالي؛ كأن نرى في الشارع أحدًا يسبّ آخر ويشتمه، فنمرّ بجانبه دون أن نُعيره أيّ اهتمام. لماذا؟ لأنّنا لا نُؤمن به، ولا نُؤمن بالآخرين، ولا نفسح لهم مجالاً للولوج إلى داخل أنفسنا؛ ولذلك، تجدنا غير مبالين بما يحدث لهم من مسائل. وحتّى إذا بالغنا في إظهار المروءة، وكان الاعتداء يتجاوز الحدّ، فقد يتحرّك فينا عرق الإنسانيّة أو العطف أو الرحمة ـ أو أيّ شيءٍ كان ـ فنذهب إليه قائلين: « ماذا تفعل يا هذا؟ ففي جميع الأحوال، هناك حساب وكتاب؛ فما معنى هذا؟ وماذا تفعل؟». فقد ترى أحدًا يضرب طفلاً، فتقوم، وتعترض عليه. ولكن، لو أراد أحدٌ أن يعتدي على طفلك أنت، فهل ستنظر إليه هكذا فحسب؟ أم أنّ الحساب هنا سيختلف؟! أو أن يريد أحدٌ الاعتداء عليك أنت، سواء كان اعتداءً جسديًّا أم اعتداءً على الشخصيّة والسمعة؟! كأن يريد تشويه سمعتك في مجلّةٍ أو صحيفةٍ أو ـ لنفترض ـ أن ينتهك مكانتك وحرمتك! فهنا، ستقول: «مَن هذا؟ وما هذا؟ فلأنهض، وأردَّ عليه!». ولا يهمّنا الآن إن كان ما قاله صحيحًا ـ ربّما كان صحيحًا ـ ولكنّك ستقول: «لا يهمّ إن كان ما ذكره صحيحًا، لكنّه أخطأ بقوله ذلك ولو كان صحيحًا؛ إذ لا يجب عليه في الأساس أن يستخفّ بي، ولا ينبغي عليه أن يوجّه إليَّ الإهانة». لماذا؟ لأنّنا نعتقد بوجودنا، ونُؤمن ببقائنا.

    1. مقطع من الزيارة الجامعة الكبيرة: فَمَعَكُم مَعَكُم لا مَعَ لا مَعَ غَيرِكُم (عَدُوِّكُم).

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

3
  • لو كنّا نُؤمن بإمامَنا كما نُؤمن بأنفسنا... هذا، مع أنّ الإمام هو شرف عالم الوجود، والإنسان يغار على شرفه، بحيث لو جاء أحدهم وقال مثلاً: «يا سيّدي، إنّ زوجتك قالت كذا وكذا، وارتكبت خطيئةً»، لاحمرّ وجهك، وتورّد، وثارت ثائرتك، واعترضت عليه قائلًا: «ماذا تعني؟! اخجل! ما هذا الكلام الذي تقوله...؟!». أمّا لو قال لك: «يا سيّدي، فلانٌ فعل كذا بامرأةٍ في مدينةٍ ما!»، لقلت له: «حسنًا، فليفعل وليقُل ما يحلو له، وما شأننا نحن بذلك، ولماذا نأتي الآن ونُفسِد مزاجنا ونُعكِّر دمنا؟! ولماذا نهتمّ لحال عبدٍ من عباد الله لا يهتمّ لحالنا بتاتًا؟!». فما هو سبب هذا الأمر؟ سببه أنّه ليس في داخلنا، ولا توجد شخصيّته في باطننا، ولا يُعدّ شرفًا بالنسبة إلينا، بل يُعدّ شرفًا بالنسبة إلى غيرنا؛ ولهذا، تجدنا نقول: «لتذهب هي وتدافع عن نفسها، ليذهب زوجها ويدافع عنها، ليذهب ابنها ويدافع عنها؛ وإذا قيل كلامٌ في حقّها، فلتذهب وتدافع عن نفسها؛ إذ ما علاقتي أنا بذلك؟! فلتأتِ وتفعل هذا الأمر!».

  • إنّ الإمام عليه السلام ومنهجه هو شرف الإنسان؛ أي إنّ حقيقة ولايته هي أهمّ حقيقة يُمكننا تخيّلها، وأكثرها حساسيّةً وإيمانًا واعتقادًا ويقينًا. حسنًا، ما معنى ذلك؟ يعني: لو دار الأمر بين أن يتُحدّث عن الإنسان بسوء، أو يُتحدّث عن الإمام بسوء، فماذا يجب على المرء أن يقول؟ عليه أن يقول: «لماذا يُتحدّث عن الإمام بسوء؟! فليُتحدّث عنّي أنا بسوء». ولو دار الأمر بين أن يُعتدى على الإنسان أو يُعتدى على الإمام، فيجب أن يُعتدى علينا نحن.

  • فالدفاع عن الإمام عليه السلام واجب؛ يعني: إذا كانت حياة الإمام في خطر، فإنّ الحكم الفقهيّ هو وجوب أن يدافع الإنسان عنه ولو قُتِل. حسنًا فليُقتَل؛ إذ يجب على المرء في جميع الأحوال أن يرحل عن هذه الدنيا بنحوٍ ما، وبطريقة ما؛ وحينئذ، هل يوجد ما هو أفضل من ذلك؟! يُقال: ماذا يتمنّى الأعمى؟ نور عينيه! حسنًا، لقد صبر الإنسان عمرًا ليرحل عن هذه الدنيا بنحوٍ يرضي الله، فتفضّل على بركة الله! فحياة الإمام الآن في خطر، وعلى الإنسان أن يُضحّي بنفسه، من دون أن يوجد في الأمر أيّ تردّد، بل هي مسألة عادية، ولم نقم فيها بأيّ شيء ذي بال، ولم نصنع فيها أيّ مجد. أجل، يبقى أنّهم سيتفضّلون على الإنسان، وهذا في محلّه، ولكنّنا لن نكون قد قمنا بشيء ذي بال. أليست الأمّ تُضحّي بنفسها فداءً لابنها؟ أليس الشخص الذي يعشق أحدًا يُضحّي بنفسه فداءً لمعشوقه؟! وهذا لا يُعدّ أمرًا ذي بال، بل هو أمر عادي. فكلّ هذه المسائل التي تقع، وكلّ هذه الانتحارات التي تحدث، وكلّ هذه القضايا التي تقع بسبب هذه الأمور التي نشاهدها، حسنًا هذه... في حين أنّنا نكون الآن قد وُضعنا في موقف يستحقّ التضحية! هل انتبهتم؟

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

4
  • فإذا كان الأمر يدور بين إهانة شخصيّة الإمام وإهانة شخصيّة الإنسان، فإنّه على هذا الإنسان أن يتحمّل ذلك. وإذا كان من المفروض أن يحصل اعتداء، فيجب على الإنسان أن يأخذه على عاتقه؛ إذ كلّ ما يملكه وما لا يملكه هو مِلكٌ طِلقٌ للإمام عليه السلام، والإنسان صفرُ اليدين؛ فلا يجب أن يكون في يده شيءٌ، بل يجب أن يكون الإمام هو كلّ شيءٍ بالنسبة إليه؛ هذا، مع أنّ ذلك لا يُمثّل إلاّ بداية الطريق. أجل، يبقى أنّه قد ينجرّ بنا الكلام هنا للحديث عن أمورٍ دقيقة، كما أنّ هناك مسائل أخرى أيضًا ينبغي بحثها في محلّها! هل انتبهتم؟

  • السير على نهج الإمام هو الضمان للثبات في الطريق

  • ولهذا، عندما يضع الإنسان نفسه في طريق الإمام، فإنّه سيُطبّق ـ بنحو تلقائيّ ـ كلّ ما يشعر أنّه ضروريٌّ لترسيخ موقفه؛ ففي نهاية المطاف، تعرض الإنسان أحوال مختلفة، ويكون في حالة ازدياد أو نقصان، ويكون له [موقف خاصّ] تجاه مختلف الأشخاص؛ ولهذا، فإنّ الصديق الذي تراه كلّ يوم تتعلّق به بنوع خاصّ من التعلّق، والصديق الذي تراه مرّةً واحدة في الشهر تتعلّق به بنوع آخر من التعلّق؛ وهكذا بالنسبة للذي تراه مرّةً واحدة في السنة. وأمّا الذي لا تراه ولو مرّةً في السنة، فلن تبالي به؛ إذ يكفي أن تراه في الشارع، وتقول له: «السلام عليكم، ما شاء الله.. أين أنت؟ كيف حالك؟ مرّت فترة دون أن أراك»، أجل، أنا أيضًا لم أرك منذ مدّة طويلة! فينتهي الأمر ويذهب إلى حال سبيله؛ فيذهب هو من هذا الجانب، ويذهب ذاك من ذلك الجانب. فيمضي عامٌ آخر، ثمّ عامٌ آخر! حسنًا، فهذا أيضًا نوعٌ من المحبّة، حيث نرى وجود اختلاف بين كلّ هذه الدرجات [من المحبّة].

  • لكن، كيف يجب أن تكون درجة [علاقتنا] بالإمام؟ وهل تكفينا رؤيته مرّة واحدة في السنة؟ ماذا؟ فتسعةٌ وتسعون بالمائة منّا هم بهذا النحو؛ أي أنّ شأن علاقتنا تجاهه عليه السلام شأن تلك المرّة في السنة؛ إذ يكفي أن نرى الإمام، ونقول: «ما شاء الله، يا رسول الله، أيّها الإمام الحسين، أيّها الإمام السجّاد، كيف حالكم؟ كيف حال والدكم؟ ـ لا أدري ـ الأولاد بخير...؟!»، فنتحدّث معه بهذا الكلام، ثمّ نودّعه قائلين: «ادعوا لنا أن يختم الله ـ إن شاء تعالى ـ أمورنا بالخير»، وانتهى الأمر.. صدّقوني! 

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

5
  • أجل، قد يبدو في كلامي الآن نوع من المُزاح، لكن، قد يتوصّل الإنسان إلى هذه الأمور عندما يُقيِّم نفسه، فيهتزّ قليلاً، ويتساءل: ما القصّة حقًّا؟! وما الذي حدث ـ بحقّ ـ ليلة عاشوراء، حتّى لجأ الذين جاؤوا مع الإمام الحسين عليه السلام من مكّة إلى كربلاء إلى التخلّي عنه، ورحلوا؟ أم أنّ الأمر لم يكن بهذا النحو؟ ألم يكن هؤلاء هم الذين كانوا يُصلّون خلف الإمام الحسين عليه السلام طوال ذلك الطريق؟ ألم يكونوا هم بأنفسهم؟ أقسم بالله أنّهم كانوا يُصلّون جماعةً، ولربّما لم يكونوا يتركون ثلاثة أو خمسة أوقات منها؛ أو إذا تُرِكت، فثلاثٌة منها كانت موجودة، أو اثنتان كانتا موجودتين. فكانوا يُصلّون جماعةً، ويستمعون إلى كلام الإمام الحسين عليه السلام، ويُشاهدون جميع الخُطب التي كان يُلقيها. 

  • كربلاء بين دعوى الصدق وحقيقة الثبات

  • لقد انقضت الآن ألفٌ وأربعمائة سنة على تلك الحادثة، ولكنّهم كانوا مع الإمام الحسين عليه السلام. أجل يا عزيزي، فقد كانوا مع الإمام الحسين عليه السلام هذا الذي نلطم الصدور لأجله، ويضرب الناس في سبيله رؤوسَهم بالقامات فيسيل منها الدم، فساروا معه مرحلةً بمرحلة، ومنزلاً بمنزل، حتّى وصلوا إلى كربلاء؛ لكن، ماذا أُضيف إليهم في مجيئهم هذا؟! وما الذي اكتسبوه في تلك الخطوات التي خطوها، وذلك اللقاء الذي تمّ مع الحُرّ وجيشه؟ فما هو المقدار الذي كان يُضاف إليهم؟ صفر! إذ كانوا يتقدّمون بأجسادهم مع الإمام الحسين عليه السلام وحسب.. هذا كلّ شيء! فلم يكن يرتقي فيهم أيّ شيء.

  • وبما أنّه لم يُضَف إليهم أيّ شيء، فإنّهم حينما جاؤوا، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام وضعهم ليلة عاشوراء أمام الأمر الواقع: يا أعزّائي! إذا كنتم تعدّونني ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وكنتم تعتقدون أنّ كلامي صحيحٌ وحقٌّ، فاعلموا أنّ كلّ من سيبقى هنا سيُقتَل غدًا، وهنيئًا لكم بحُكم الكوفة والمدينة، والسيطرة على هذه المحافظة وتلك، وعلى منطقة الجزيرة العربيّة والشرق الأوسط، وماذا أقول؟ كم قارّةً لدينا؟! فكلّ من سيظلّ هنا سيُقتَل غدًا! فتوصّل الناس إلى حقيقة من الحقائق، وما كانت تلك الحقيقة؟ كانت عبارة عن أنفسهم، حيث أزاح الإمام الحسين عليه السلام الستائر، فتنحّت جميع الخيالات جانبًا، وبدأت الحقيقة تقترب، ولم يعد الأمر مُزحةً، بل صارت المسألة جادّةً. فإلى الآن، كنّا نخال أنّنا سنذهب، ونستولي على الكوفة، وبعد ذلك، نُهاجم، ونستولي على الشام، ثمّ نُسقط يزيدًا، ونذهب، ونبدأ بالسيطرة على اليمن، ونستولي على تلك المنطقة، ثمّ نستمرّ في الاستيلاء على مختلف المناطق وفتحها شيئًا فشيئًا. ما الخبر؟ لقد سيطرنا على كلّ شيء.. حسنًا، وماذا بعد ذلك؟ وماذا عنك أنت أيّها المسكين؟ لقد سيطرت على كلّ مكانٍ، لكن، ماذا عنك أنت؟ فمَن الذي سيأتي ليستولي عليك؟

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

6
  • ففي تلك الليلة، جاء الإمام عليه السلام وأزاح هذه الستائر. فواقعة عاشوراء ليست واقعةً خياليّةً أو وهميّةً؛ خلافًا للوقائع التي تحدث في الدنيا، وتكون بأجمعها قائمة على أساس التخيّل والتوهّم: لنأخذ هذا، ونُغلِق ذاك، ولنرفع هذا، وننزل ذاك، ولنضرب رأس هذا... وهي خيالات واعتبارات وأمور واهية بأسرها. ففي عاشوراء، لم يعُد هناك خيال، ولا حكم للتوهّم أو الوهميات أو التخيّل. فالواقع يتمثّل في عاشوراء؛ فهل أنت مستعدٌّ لتحمّل المسؤوليّة أم لا؟! ولا مُزاح في الأمر؛ وهل أنت داخل هذه الخيمة أم لا؟ وذلك الصدق الذي كنت تدّعيه حتّى الآن يجب أن تُظهره غدًا؛ فهل أنت صادقٌ أم تفرّ مثل القطّ.. ماذا؟ أيّهما أنت؟

  • ففي تلك الليلة، جاء الإمام عليه السلام، ونحّى كلّ ذلك جانبًا، وقال: أنتم تعلمون أنّني صادق، فأنا إمام، وأنا صادق، وأنا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فانظروا، فإنّ الكلام الذي قلته حتّى الآن كان صحيحًا، وقد أخبرتكم عن الغيب أيضًا، وأريتكم بعض الإشارات، حيث بيّنت لكم في هذا الطريق أشياء كثيرة، وأريتكم ومضات، وأنتم تعلمون أنّ كلامي ليس بالهزل؛ فانظروا إلى هذه الجموع التي تقف أمامكم ويبلغ عددها ثلاثون ألفًا، وانظروا إلى أنفسكم أيضًا؛ فقد قال جدّي حينما رأيتُه في المنام ـ وسمّوها مكاشفةً أو علم غيبٍ أو أيًّا كان ـ: «كلّ من يبقى هنا سيُقتَل غدًا!». وبمجرّد أن قال الإمام عليه السلام هذا الكلام، حتّى بدأت الألوان تتغيّر فجأةً، حيث كان المصباح لا يزال مُضاءً! ما أعجبنا! فبأيّ أملٍ جئنا إلى هنا؟! ولأيّ شيءٍ جئنا لنُساعد؟! فقد كنّا نقول في أنفسنا: «لنذهب ونستولي على الكوفة، ومن هناك نذهب ونسيطر على الشام!»، لكنّ الإمام عليه السلام صبّ علينا الآن ماء اليأس. 

  • فبعدما تنحّت الاعتباراتُ كلّها جانبًا، ظهرت هناك تلك الحقيقة التي كانت تُمثّل شرفهم وإيمانهم ويقينهم. وما كانت تلك الحقيقة؟ كانت عبارة عن أنفسهم؛ أي: أنا، لا هو، ولا الإمام الحسين، ولا مدرسته ولا طريقه عليه السلام، أجل! فقد قال الإمام عليه السلام: «حتّى الآن، كنتم تعدّونني أمرًا اعتباريًّا، وقد أرجعت إليكم هذا الأمر الاعتباريّ؛ فتأمّل في وجودك أنت، وانظر إلى ما هو الشيء الذي تُؤمن به؟». حسنًا، سيقول ذلك الشخص: «إنّني أؤمن بنفسي، ولا أريد أن أُقتَل؛ لأنّني أعتقد بنفسي!». وأمّا لو لم يكن يعتقد بنفسه لقال: «نُؤمن بك أنت، وإذا تطلّب الأمر أن نُقتَل، فلنُقتَل، ولو ألف مرّة». ألم يقل زهير: «لو قُتِلنا ألف مرّةٍ فلا يهمّ»؟ وذاك قال: «لو أحرقونا فلا يهمّ»؛ إذ لم يعُد هناك أيّ وجود للنفس، ولم يعد للذات وجود؛ فذاك هو الواقع، وعلى الإنسان ـ في نهاية المطاف ـ أن يعتقد بالواقع. 

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

7
  • فقد أظهر الإمام عليه السلام واقع نفسه، وأزاح الستار، بحيث رأى كلّ شخصٍ مرتبته التي يتواجد بها؛ وهذا هو المراد من قولهم إنّ الناس قد رأوا منازلهم في تلك الليلة؛ فجاؤوا، ورأوا حقيقتهم التي كانوا مستقرّين عليها، سواءً كانوا من الأصحاب، أو غيرهم من الأفراد؛ لأنّ الأصحاب كانوا أنفسهم مختلفين؛ إذ كان لحبيب حساب خاصّ، ولحضرة أبي الفضل عليه السلام حساب خاصّ، ولحضرة عليّ الأكبر عليه السلام حساب خاصّ، ولعابس حساب خاصّ، وللحُرّ حساب خاصّ. حسنًا، فقد جاء الحُرّ في النهاية لكي [يُغيِّر] المشهد، طبعًا، هو لم يأتِ لأجل العراك والقتل، بل جاء ليصدّ [الإمام عليه السلام]، ولكنّ قلبه كان نقيًّا وصافيًا؛ فجاء الإمام عليه السلام يوم عاشوراء، وأراه قلبه: أين أنت؟ هذا هو قلبك، فلماذا أنت في الجانب الآخر؟ وبما أنّ قلبك هو بهذا النحو، فلماذا تقف هناك؟ وبما أنّك تمتلك هذه الحريّة، لأنّك سُمّيتَ حُرًّا: «أنتَ حُرٌّ كَمَا سَمَّتكَ أُمُّكَ»، وبما أنّ أمّك سمّتك حُرًّا، فهل يليق بك الآن أن تذهب، وتقف في جيش عمر بن سعد؟ وهل سيكون بوسعهم حينها أن يدعونك بالحرّ؟! فبدأ الإمام الحسين عليه السلام يُداعب قلبه بكلّ هذه الكلمات، فوقف يفكّر ويفكّر. فالإمام هو الذي أرسل التردّدات من هناك، ممّا يُسمّونه بجهاز التحكّم، ومن ذلك الجهاز للتحكّم عن بُعد، ومن تلك الخيمة التي تبعد عن هناك بمائة أو مائتي مترٍ أو أيّة مسافة أخرى، حيث كانت موجات ذلك الجهاز ستصل إلى هناك، وكانت بطاريّته تكفي للوصول، ومدى موجاته يبلغ مائة مترٍ بل وأكثر من مائة كيلومترٍ و... فبدأ الإمام يُداعب [فكره]: اسمك الحرّ، وتقف في الجيش هنا؟! فبدأ الحرّ يقول في نفسه: «هذا الرجل يقول الحقّ ويتكلّم بالصواب، وهذا الرجل كلامه حقٌّ؛ فلماذا تقف أنت هنا؟ حسنًا، لا تُسمِّ نفسك حُرًّا بعد الآن؛ إذا كنت تقف هنا فلماذا تُسمّي نفسك حُرًّا؟!».

  • عدم كفاية الاقتصار على البكاء الظاهريّ على الإمام عليه السلام

  • لقد تحدّث والدنا خمسون عامًا إلى هؤلاء الناس، ليقول لنا ولأمثالنا: اعلموا أين تتواجدون، وتعرّفوا على منزلتكم، وميّزوا مكانتكم؛ فلا تبيعوا أنفسكم بثمنٍ بخس، ولا تبيعوا أنفسكم بسعر رخيص لهذا وذاك، ولا لهذا المجلس وذاك المجلس، ولا لهنا وهناك؛ فأنتم خُلقتم لمكانٍ آخر ومنزلة أخرى ومكانة أخرى! وحينئذ، ما الذي نفعله نحن؟ نقول: «حسنًا، لنذهب الآن، ونرى ما الخبر هنا! فهؤلاء أيضًا يقرؤون العزاء، وهم أُناسٌ طيّبون، ويعقدون أيضًا مجالس للتوسّل». يا عزيزي، لو كان الأمر يتوقّف على التوسّل، لشغلّت شريطًا صوتيًّا، فيتوسّل لأجلك حتّى الصباح. 

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

8
  • كنتُ حاضرًا في ذلك المجلس الذي تحدّث فيه [المرحوم العلاّمة] مع الحاج هادي رحمة الله تعالى عليه محذّرًا إيّاه، وكان يبلغ عمري آنذاك اثني عشر عامًا، حيث عُقد بعد الظهر في منزل الأحمديّة بطهران، وكان مجلسًا عجيبًا جدًّا، فكان المرحوم الحاج هادي يبكي وكذا. وفجأةً شرع المرحوم العلاّمة في القول ـ وكان السيّد الحدّاد جالسًا في الجانب الآخر عند الباب ـ: «يا حاج هادي، ما كلّ هذا البكاء؟! هل تظنّ أنّ هذا البكاء سينفعك؟ لقد تركتَ الأصل، وجئتَ لتمسك بالظاهر. سيأتي يومٌ يقف فيه أمامك نفسُ الشخص الذي تبكي من أجله، ويقول لك في يوم القيامة: لماذا لم تعمل بما تيقّنتَ به؟ ولماذا لم تتبع الحقيقة؟ ولماذا لم تبحث عن الواقع، وأعطيتَ اعتبارًا لكلام هذا وذاك ولتخيّلات وتسويلات وتوهّمات هذا وذاك؟»؛ فغادر [الحاج هادي] المكان. وبعد ذلك، قال السيّد الحدّاد: «يا سيّد محمّد حسين! من أين أتيتَ بهذا الكلام؟ ومن أين صدر؟ فهو لم يكن كلامك!».

  • إنّه يبكي، بل ويبكي على الإمام الحسين عليه السلام، ولكنّه ـ للأسف ـ لا يُنفِق هذا البكاء في سبيله. فمن هذا الجانب، يبكي على الإمام الحسين عليه السلام، ومن الجانب الآخر، يذهب إلى المجالس الأخرى، فيُشارك في مجلس فلانٍ وفلان. فلماذا تذهب أنت أيضًا إلى مجلس فلان، مع أنّه مجلسٌ مُخالِفٌ لرضا الإمام الحسين عليه السلام ورضا الولاية ورضا إمام العصر.. الإمام المعصوم والحيّ؟! فلماذا تذهب إلى هناك؟ ولماذا تُشارك هناك كقوّةٍ مؤثّرة؟ ولماذا يتسبّب هذا نفسه في تثبيتهم على طريقهم الباطل، واعتبار موقفهم موقفًا راسخًا ومُستقِرًّا؟ 

  • فأنت الذي تسبّبتَ بحصول هذا الأمر عن طريق بكائك، وسيتحوّل نفس هذا البكاء الذي تبكيه على الإمام الحسين عليه السلام يوم القيامة إلى سدٍّ يقف أمامك، ويمنعك من المسير نحو الجنّة؛ إذ ينبغي أن يخضع هذا البكاء إلى الحساب، ويجب أن يحصل البكاء الذي يكون للإمام الحسين عليه السلام في مجلس يكون أيضًا مجلسًا للإمام الحسين عليه السلام، لا مجلسًا ليزيد. فاذهب أنت ـ والحال هذه ـ إلى مجلس يزيد، ثمّ ابكِ على الإمام الحسين عليه السلام! أيّ مجلسٍ هذا؟! واذهب إلى مجلس هارون، ثمّ ابكِ على موسى بن جعفر عليه السلام! واذهب إلى مجلس المأمون، وابكِ على الإمام الرضا عليه السلام! تبًّا لك ولبكائك هذا! فلا حاجة بتاتًا لأن تحضر هذه المجالس، فلماذا وضعتَ قدمك في المجلس، لكي تجلس الآن وتبكي على الإمام الرضا عليه السلام؟! لقد تركتَ الأصل، ثمّ طفقتَ تسعى نحو البكاء؟ مع أنّ هذا البكاء يُجيده الجميع، بل حتّى لو عبّأت دمية، فإنّها ستبكي لك؛ فالبكاء ليس بشيء، ولو قشّرت قليلًا من البصل أمام عينيك، لبكيتَ بكاءً لم تبكِه أمٌّ على ولدها! لكن ما فائدة ذلك؟ وما فائدة هذه الدموع؟! وما فائدة هذا الظاهر؟! وأيّة معونة أسداها؟! وأيّة مساعدة قدّمها؟!

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

9
  • حقيقة الزيارة ومعانيها العميقة: تجاوز الظاهر إلى الباطن

  • اليوم صباحًا، كنتُ أقرأ رواية للمُخدَّرات، وهي منقولة عن موسى بن جعفر عليه السلام؛ وبالمناسبة، فقد رأيتُها مكتوبةً عند الباب عند دخولي للحرم بالأمس، حيث جاء فيها: «مَن زَارَ قَبرَ وَلَدِي عَلِيٍّ، وَ بَاتَ عِندَهُ لَيلَةً كَمَن زَارَ اللَّهَ تَعَالَىٰ فِي عَرشِهِ».۱ حسنًا، يبدو هذا عجيبًا جدًّا بالنسبة للإنسان، أليس كذلك؟ من يزور قبر ولدي عليٍّ عليه السلام في غربته، ويبيت عنده ليلةً في مشهد هذه بجوار الحرم المطهّر مثلًا، فكأنّما زار الله تعالى في عرشه! فكم يبدو هذا عجيبًا للمرء!

  • نعم، هو عجيب! فكيف مثلاً يفعل أحدٌ هكذا عمل، ثمّ يُلاقي الله تعالى في مقام العرش، وليس في مقام الأسماء والصفات الظاهريّة وعالم الجزئيّات والتعيّنات الجزئيّة والشخصيّة؟! فمقام العرش يعني مقام المشيئة والإرادة؛ يعني أنّ الإنسان يصير هناك مجرىً لإرادة الله في إفاضة الفيوضات من ذلك المقام. 

  • فأحيانًا، قد نجد أنّ هذا الكلام ليس مهمًّا؛ لأنّ الإمام الرضا عليه السلام هو عرش الرحمن بعينه، والإمام عليه السلام هو بنفسه مقام مشيئة الله، والإمام هو بنفسه مقام إرادة الله. وأحيانًا أخرى، قد ننظر لنرى كيف يُمكن الولوج [إلى هذا المقام]؛ فهذا هو الكلام المهمّ. وهنا، تارةً، تذهب وتنظر، لترى ما الفرق بين هذا الضريح والضريح السابق؟ فهذا نوعٌ من الزيارة، وحينئذ، من الأفضل ألاّ تذهب إليها، وأعطِ مكانك لعبدٍ من عباد الله لديه حال، ولديه شيء؛ فلا تذهب لتأخذ مكان هذا وذاك. وتارةً أخرى، يكون الأمر مختلفًا، فتذهب إلى هناك من دون أن تلتفت إلى الضريح، ولا تنتبه إلى أنّهم غيّروه أم لا، حيث يكون عقلك في مكانٍ آخر، وفكرك في موضع مغاير، وذهنك في محلّ مختلف، وسرّك وسويداء قلبك وضميرك وحقيقتك في مكانٍ آخر؛ فآنذاك فقط، قد يحصل شيء ما تدريجيًّا! 

  • لكن، قد يذهب أحدٌ آخر للزيارة مثل المرحوم العلاّمة والمرحوم الحدّاد، فهذا هو الذي يزور الله في عرشه.. هو بنفسه، وهذا الأمر يكون مختصًّا به. أجل، يبقى أنّ هذا الطريق مفتوحٌ، ولا تظنّوا أنّه خاصٌّ [بالأولياء]، بل هو مفتوحٌ للجميع لكي يصلوا إلى هناك. كما أنّه [أي الإمام عليه السلام] عبارة عن محيط لا ساحل له؛ وإعطاءُ قطرةٍ أو كأسٍ أو قربة ماءٍ لهذا وذاك لا ينقص شيءٌ من المحيط؛ وفوق ذلك، فإنّ كلّ ما هو موجودٌ فهو مكنون في ذاته! هل التفتّم؟!

    1. وسائل الشيعة، ج ۱۰، ص ٤٤٣.

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

10
  • وبالتالي، أيّة زيارةٍ نختار؟ وحينما نأتي لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، وللزيارة المخصوصة، ولزيارة العتبات المقدّسة، وعندما نذهب إلى مكانٍ يوجد فيه أحد العظماء أو العرفاء أو وليٌّ من أولياء الله، ما هو الحال الذي يجب أن نكون عليه؟ فهل نأتي فقط لنسجّل حضورنا بالبطاقة ثمّ نعود؟ ونقول: حسنًا لقد ذهبنا، وزرنا، وانتهى الأمر! أم نأتي، ونلج إلى نفس المقام الذي هو فيه؟ فأنتم الذين تأتون الآن لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، مرادكم من هذه الزيارة أن تقولوا: أيّها الإمام الرضا، لقد جئتُ أُبايعك. أُبايعك بيعةً أظلّ ثابتًا عليها حتّى النهاية، متخلّيًا عن سمعتي وشخصيّتي ومكانتي وكلّ شيء...

  • وتعلمون أيضًا أنّ الإمام الرضا عليه السلام سيضع الأمر أمامنا بكلّ وضوحٍ: تُريد أن تتخلّى عن سمعتك، حسن جدًّا، سيُنشرون مقالاً ضدّك، فلا ينبغي أن تتفوّه بأيّة كلمة؛ فإذا أردتَ أن تتخلّى عن ذلك فلا يجب أن تتكلّم بتاتًا. وعندما ترى أنّ هذا المقال الذي نشروه صحيح، لا تقل: «بما أنّه ضدّي، فإنّه عليّ أن أتحرّك، وأستعمل كلّ شيء ـ سواءً كان رطبًا أو يابسًا، أو كذبًا أو خداعًا أو حيلةً ـ لأهزم الطرف المقابل». وحينها، سيُصبِح هذا دخولاً [في ذلك المقام]، ويُصبِح هذا هو نفسه.. لماذا؟ لأنّك مطالب بالدفاع عن شرفك، وما هو الشرف هنا؟ هو اتّباع الحقّ؛ فهذا الذي يُقال له اتّباع للحقّ، ويُقال له شرف. لماذا استُشهِد الإمام الرضا عليه السلام؟ للدفاع عن هذا الشرف، والدفاع عن الحقّ، والدفاع عن الولاية. وأنت أيضًا مطالب بأن تتواجد هنا، وأن تكون في هذا المسير، وأن تقف في المكان الذي يجب عليك أن تقف فيه، وأن تتحرّك في الموضع الذي يجب عليك تتحرّك فيه.. هذه هي المسألة المهمّة.

  • لزوم مفارقة أهل الباطل

  • يا هشام، إن كنت تلميذًا لموسى بن جعفر، فحينما يأمرك عليه السلام بالدفاع، يجب أن تذهب وتُدافع، لكن، عندما يقول لك: لا تتكلّم، فلا يجب أن تذهب وتُدافع بعد الآن. وإذا ذهبتَ ودافعتَ، فأنت لم تعد تُدافع عن موسى بن جعفر عليه السلام، بل تُدافع عن نفسك، وعن ذاك الذي في داخلك، وعن تلك الحقيقة والواقعيّة المكنونة في نفسك والتي جعلتَها شرفًا، ولم تعُد تدافع عن موسى بن جعفر عليه السلام. حسنًا، موسى بن جعفر عليه السلام بنفسه يقول: «لا تفعل». يقول [هشام]: «كلاّ! كيف يمكن ذلك؟! إنّهم يتكلّمون ضدّ الولاية، فهل أجلس صامتًا؟». حسنًا، عليك بالجلوس؛ فإذا كانت الولاية بنفسها جالسةٌ وتقول: «لا تتكلّم»، هل يصحّ لك أن تقول: «بل سأتكلّم»؟! وعليه، ما الذي تفعله أنت في هذه الحالة؟ أنت تُدافع عن نفسك، عن الأنا! عن هشام! عن هشام الذي يعرفه كلّ الناس، والذي رأته كلّ المحافل، والذي ناظر في كلّ مكان، وأفحم الجميع، حيث سيقولون: «انظروا إليه، لقد جلس صامتًا، وقعد من دون أن يتكلّم!». فحينما يرونه جالسًا لا يتحدّث، يزيدون في استفزازه؛ إذ ما إن يرى الطرف المقابل أنّه لا يوجد من يُجابهه، حتّى يشرع في الكلام؛ وهذا أيضًا يقول في نفسه: «آه، لو أمسكتُه بأسناني هذه، لمزّقتُه الآن وفعلتُ به كذا وكذا...»؛ فلم يعد يُطيق صبرًا، فيقول: «أيّها الفلانيّ الوقح، هذا كذا، وهذا كذا»؛، لكن، ما الذي حصل هنا؟! وا ويلاه، لقد خسرت.. خسرتَ القضيّة! هل التفتّم؟!

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

11
  • ولهذا، فإنّ المراد من «فَمَعَكُم مَعَكُم» أنّ الذي يصير معكم لا يعود قادرًا على الذهاب إلى هنا وهناك؛ وبالتالي، إذا ذهب، سيتّضح أنّه ليس معكم، وإذا حضر مجلسًا لم يكن مرضيًّا للإمام الرضا عليه السلام، فلن يحقّ له القول بعد ذلك: أنا شيعيٌّ للإمام الرضا عليه السلام. كلاّ! فأنت له بنسبة ثلاثين بالمئة، ولنفسك بنسبة سبعين بالمئة؛ فكن صادقًا! أو أنت له بمقدار أربعين بالمئة، ولنفسك بمقدار ستّين بالمئة. لقد وضعتَ عشرةً بالمائة في حساب الإمام الرضا عليه السلام، نعم، هذا صحيحٌ، وهو ـ بحقّ ـ ليس كذبًا، لكنّك لنفسك بنسبة تسعين بالمائة.. كلٌّ بحسب مرتبته. «لا مَعَ عَدُوِّكُم»؛ فلا ينبغي عليه الذهاب إلى العدوّ، بل عليه أن يبتعد عنه، ويُفارقه.

  • في زمن المرحوم العلاّمة، ذهب شخصٌ ما ـ يعني أخذه أحدهم ـ إلى أحد المجالس، حيث إنّ أصحاب هذا المجلس الذين كانوا من طهران هم الآن من عداد المتوفّين، فجاء ذلك الشخص عند المرحوم العلاّمة ـ وكنتُ حاضرًا ـ وقال: «كنت أمشي مع فلان، ثمّ قال فلان: "الليلة هي ليلة كذا من الأسبوع، تعال لنذهب إلى مجلس فلان"، فذهبنا إلى هناك، وبالمناسبة، فإنّ السيّد فلان كان هناك أيضًا، وكان كلامه جيّدًا و...»، فبدأ العلاّمة يُصغي إليه، ويُصغي، فقلتُ في نفسي: «يا ويلي! يبدو أنّه الآن يُعدّ برنامجًا لهذا المسكين!». فقال المرحوم العلاّمة: «إذا ذهبت في المرّة القادمة إلى ذلك المجلس، فسأقطع علاقتي بك»، واشار بيده هكذا.. سأقطع! 

  • فذلك السيّد الذي لديه مجلسٌ هناك هو رجلٌ يقف في الجهة المقابلة لنا ولمسيرنا؛ فكيف وضعتَ قدمك هناك؟ فهو يُواجهنا، وأنت تقوم، وتذهب إلى هناك، متذرّعًا بأنّه يتفوّه بكلام جيّد! حسنًا، اذهب، وانظر في الكتب، فالجميع يقولون كلامًا جيّدًا! فما إن جاء، وبدأ يضحك وهو يقول: «لقد تفوّه بكلام جيّد»، حتّى تبيّن أنّ أمره قد حُسِم. حسنًا، هذه هي حقيقة هذا الأمر؛ «فَمَعَكُم مَعَكُم»؛ لقد ذهبتَ الآن، ووقفتَ «مَعَ عَدُوِّكُم»؛ ولذلك، ما الذي حصل؟ صارت أسنانك ظاهرة، وأنت تضحك وتقول: «لقد كان يتحدّث بكلام جيّد»! كيف يُمكنك الذهاب عند شخصٍ هو في مواجهة مع وليّ الله، ومجالسُه معقودةٌ لسلب الناس من وليّ الله وإبعادهم عنه، بتصريح وليّ الله نفسه، ثمّ تأتي، وتُعبِّر عن ذلك بهذا النحو؟! من الواضح أنّه أثّر فيك. هل اتّضح الأمر؟!

«معكم معكم لا مع عدوّكم»: مدخل إلى حقيقة الولاية وثبات العقيدة

12
  • ينبغي على المرء أن يكون ثابتًا وراسخًا في طريقه، وعليه أن يقوم بكلّ ما يُوصله إلى هدفه المنشود، ويبتعد عن كلّ ما يصدّه عنه. فإذا فعل ذلك، سيحظى بالتأييد على الدوام، فيأتي باستمرار، وينظر إلى العام الماضي فيرى أنّ وضعه صار أفضل وأرسخ، وأنّه يستطيع الثبات على المسائل بشكلٍ أفضل، وبوسعه التعامل مع الأمور التي تواجهه بنحوٍ أرسخ. 

  • وأمّا إذا كان الإنسان بالنحو الآخر، فإنّه سيرى أنّ هؤلاء جيّدون، والآخرين أيضًا جيّدون، وأنّهم ـ على أيّ حال ـ لديهم ما يقولونه، وأنّهم ـ في نهاية المطاف ـ ليسوا على هذه الدرجة من السوء، فيبدأ في الانفصال تدريجيًّا؛ إذ لا يحدث هذا الأمر فجأةً.

  • نرجو من العليّ القدير ـ إن شاء تعالى ـ أن يُفهِّمنا حقائقه ومبادئه، ويُهيّئ لنا ما يُوجِب تثبيتنا وتأييدنا في مسير الولاية، وأن يُحذِّرنا من كلّ ما يُوجِب الاعوجاج والانحراف عن طريق الأولياء وأئمّة الهدى عليهم السلام، وأن يجعل أنفاسنا وأوقاتنا ودقائقنا وثوانينا وقفًا خالصًا على طريق تثبيت شرف عالم الوجود والإمكان، وناموس الله: وليّه المطلق والحيّ.

  •  

  • اللَهمّ صلّ على محمّدٍ و آلِ محمّدٍ