خصائص مدرسة التشيّع

ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة 1428 هـ ق

6584
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

التاريخ 1428/03/17


التوضيح

ماذا كان هي خصائص مدرسة التشيّع؟ وما هو أثر الولاية على الإنسان؟ وما هو مقصود السيد الحداد من قوله: إن السالك لا يذنب؟
تجيب هذه المحاضرة التي ألقيت في ميلاد النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام الصادق عليه السلام سنة 1428 هـ. ق. عن هذه الأسئلة وتتعرض في الأثناء إلى بعض أحداث الحركة الدستورية في إيران.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • خصائص مدرسة التشيّع

  • ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤٢۸ هـ ق

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحيم

  • وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين

  • ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين

  •  

  •  

  • خصوصيّات مدرسة التشيّع

  • لقد تفضّلوا اليوم بكلام مفيد جدًّا بحيث أنّي استفدت منه أنا، وعندما كان يتكلّم كنت أفكّر في نفسي دائمًا في أنّه كم يمكننا أن نطبّق أنفسنا على هذا الكلام، وأن نختبرها بهذه الأمور، كنت أفكّر دائمًا وأرى أنّ هذه الأمور لا تنسى، لا تموت، لا تاريخ لها، لا تاريخ لانقضائها، هي للجميع وإلى الأبد. فكم اقتربنا نحن بأنفسنا من مدرسة النبيّ والإمام الصادق؟ ماذا كان همّ النبيّ والإمام الصادق وماذا كانا يريدان؟

  • إنّ مدرسة التشيّع هي مدرسة المعرفة، مدرسة الفهم، مدرسة السيادة، مدرسة تريد للإنسان أن يخرج من التقليد، تريد أن تقول: أيّها الناس أنتم شيعة عليّ، لا شيعة عمر، فشيعة عمر كانوا شيعة التقليد، وشيعة عليّ أصحاب فهم وعقل، وليس في رؤوسهم جصّ، شيعة أمير المؤمنين أحرار، أحرار في تفكيرهم، ولا يخضعون لأحد، لا يعرفون إلا رجلاً واحدًا وهو عليّ وأولاد عليّ فقط وفقط إلى يوم القيامة، وإذا ما تنازلوا عن عليّ وأولاد عليّ فهم في جهنّم، أيًّا يكن البديل، وفي أيّة هيئة كان وفي أيّ لباس وفي أيّة دعوة كان. إن كانت دعوته دعوة عليّ وأولاد عليّ فدعوته على أعيننا، وإلا فهي جهنّم. 

  • أثر الولاية على الإنسان

  • وهناك رواية عجيبة جدًّا يقول فيها الإمام الباقر: "[قال الله]: لأعذّبنّ"۱ إنّ مدرسة التشيّع مدرسة قوامها بالولاية، وهذا الأمر مهمّ جدًّا أفتدرون ما معنى الولاية؟ هي روح الدين وروح الإنسان وحقيقة ربط الإنسان بالله. فمن لا ولاية له فلا ارتباط له بالله، وهو مقطوع، يصلّي كثيرًا ولمن لا اتّصال له بالله، مقطوع، أيّنا يصلّي أكثر نحن أم أهل السنّة؟ أنا أقسم الآن أنّ أهل السنّة أكثر صلاة منّا، أسأل هؤلاء الحاضرين: من منكم يصلّي نافلة الظهر والعصر؟ من منكم يصلّي صلاة الليل بشكل منتظم؟ من صلّى صلاة التراويح ألف ركعة في ليالي شهر رمضان؟ فمن صلّى فليقم ويخبرنا. ربّما اتّفق نادرًا أن صلّيتها في عمري. ومع أنّنا نحاول فإنّنا نصلّي ليلة ونترك أخرى. 

    1. الكافي (ط - الإسلامية)، ج‌۱، ص: ٣۷٦: "لَأُعَذِّبَنَ‌ كُلَّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ وَ إِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً وَ لَأَعْفُوَنَّ عَنْ كُلِّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ وَ إِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَنْفُسِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً".

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

3
  • ولكنّ أهل السنّة يصلّون جميع الصلوات، ويصلّونها جماعة أيضًا ولكن ماذا؟ يرتكبون محرّمًا ويريدون بفعلهم الحرام هذا أن يتقرّبوا إلى الله، إنّ صلاة التراويح جماعةً محرّمة قال النبيّ إنّه يحرم أن تصلّى النافلة جماعة. هناك فقط صلاتان إحداهما صلاة عيد الفطر والأخرى صلاة عيد الأضحى، وهما أيضًا بناء على بعض الأقوال في زمان ظهور الإمام فقط، فربّما تكونان خارجتين عن الاستحباب، ولكنّهما مستحبّتان، فقط هاتان الصلاتان وسائر الصلوات المستحبّة لا تصلّى جماعة. فاذهبوا إلى زيارة السيّدة المعصومة عليها السلام وصلّوا صلاة التحيّة لا الزيارة، فالزيارة خاصّة بالإمام، بالمعصوم، فلو صلّيتموها جماعة فهي باطلة باطلة، وليست مقبولة منكم من أساسها. اذهبوا إلى زيارة الإمام الرضا عليه السلام وصلّوا صلاة الزيارة جماعة، فلو قلنا إنّنا نريد اليوم أن نصلّي صلاة زيارة الإمام الرضا جماعة مؤلّفة من ثلاث مصلّين في الموضع المحاذي لرأس الإمام فإنّ لها ثوابًا عظيمًا، فستكون باطلة. إنّ لصلاة زيارة الإمام الرضا ثوابًا عظيمًا ولكن قالوا: عليكم أن تقوموا بها كما نقول نحن، فلا تزيدوا من أنفسكم ولا تنقصوا، ولا تتدخّلوا فضولاً في أمر الدين، لا تتدخّلوا في أمر الدين، وما نقوله فافعلوه ولا تضيفوا عليه. لماذا؟ لأنّ الإضافة ليست عملكم أنتم، فمن أنتم حتّى تضيفوا أو تنقصوا؟ من أنتم حتّى تغيّروا أحكام الدين؟ 

  • ما يحفظ الإنسان مستقيمًا في هذا المسير وفي هذه المدرسة هو روح ولاية عليّ المرتضى، فهذه هي المسألة، إنّه لا يدع الإنسان يذهب نحو هذا الاتّجاه أو ذاك، والحال أنّه لا يختلف حال من لا ولاية له سواء كان شيعيًّا يضع تربة سيّد الشهداء على جبتهته أو سنيًّا، لا يختلف الحال يأتون به يوم القيامة ويجعلونه إلى جانب عمر، وسترون كلامي هذا يوم القيامة.

  • فقط من كانت مدرسته وطريقه وحياته في هذه الدنيا استمرارًا لمدرسة أهل البيت لا من أراد أن يختار الأئمّة كما يشاء، فالأئمّة ليسوا بالاختيار. 

  • ليس لدينا فرق بين الإمام الباقر والإمام الحسن، وبين الإمام الحسين والإمام السجّاد، كلاّ. جميع أعمالنا انتقائيّة، فهذا الرجل جيّد وهذا غير جيّد لأنّ هذا يتساهل معنا، وذاك تكلّم عنّا فهو سيّئ. هذا جيّد لأنّه يمدحنا والحال أنّ الأوّل أفضل بكثير من الثاني. هذا العالم كذا لأنّه يتكلّم بكلام صريح فلا فائدة منه، وذاك العالم الذي يدارينا جيّد، فهذا هو الدين الانتقائي، أفهل الدين باذنجان وبرتقال وتفّاح ليكون انتقائيًّا تختار منه من الدكّان ما تشاء؟

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

4
  • نحن ليس لدينا فرق بين الإمام الصادق والإمام الرضا، وفرق بين الإمام الجواد والإمام المجتبى، وبين إمام الزمان وأمير المؤمنين هناك إمام واحد وولاية واحدة لها أربعة عشر ظهورًا، ظهورها الأوّل النبيّ محمّد المصطفى وظهورها الثاني عليّ المرتضى وفاطمة والزهراء وهكذا حتّى الظهور الرابع عشر بقيّة الله أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. 

  • فهذه الظهورات الأربعة عشر نفس واحدة في عالم الوجود هذا تربط بين المظهِر وبين الظهورات، وهذه النفس هي الولاية، فنحن ليس لدينا أربعة عشر بل لدينا واحد، هناك واحد تحقّق في عالم الوجود وهو الإمام. هل الإمام هو بالجلد واللحم والدم والعظم؟ كلّ منّا يمتلك هذا الجليد واللحم والعظم، وربّما كان لدينا الأفضل منها. فكم كان وزن الإمام؟ ثمانون كيلو غرامًا والحال أنّنا نحن قد نصل إلى ثلاثمائة كيلوغرام، وهذا أفضل، فالإمام ليس موزونًا بموازين الشاحنات، ليس الإمام بالوزن وأمثال هذه الأمور، ليس الإمام بالهيئة الظاهريّة. الإمام هو مظهر تجلّي الولاية والولاية واحدة. وتلك الولاية هي الأصل والإمام مظهر لها، فالإمام واحد، وهو عبارة عن الوجود المقدّس للمعصوم والذي أوّله النبيّ وآخره إمام الزمان عليه السلام.

  • فما معنى أن ينتقي الإنسان الأئمّة انتقاء؟ أن لا نقبل بالإمام الحسن ولكن نقبل بالإمام الحسين أمّا الإمام السجّاد فلا، فماذا فعل الإمام السجّاد؟ لا… نحن نقبل هذا الإمام نحن نقبل ذاك الإمام نحن أتباع ذاك الإمام فما معنى أنّنا أتباع ذاك الإمام؟ ما معنى هذا الإمام وذاك الإمام؟ ما معنى التفريق بين الإمام الحسن والإمام الحسين؟ أستغفر الله نعوذ بالله نعوذ بالله أن يفوّض الله أمر الدين إلينا نعوذ بالله أن يفوّض إلينا أمر عقائدنا، وهذا معنى أن ينقطع الإنسان عن الولاية.

  • عندما كان المرحوم الحدّاد يقول: على الإنسان أن يكون تابعًا للولاية خطوة بخطوة فمعناه هو أنّه في أيّ مورد أراد أن يخطو خطوة فعليه أن يلاحظ الإمام، فلو كان الإمام هنا ماذا كان يفعل؟ أيّ إمام؟ لا معنى للسؤال: "أيّ إمام؟" ما معنى أيّ إمام؟ لو كانت الولاية في هذا الزمان ماذا كانت تفعل؟ هذا كلام صحيح. أمّا أن نقول: لو كان الإمام الحسين في هذه الحالة لفعل هذا فإذن نحن نتّبع الإمام الحسين، ولو لم يفعل ذلك الإمام الحسين فهل كانوا سيتّبعون الإمام الحسن؟ كلاّ لقد كان إمامًا رحمه الله، في النهاية كان لديه وضعه الخاصّ. ما هذا الكلام؟ إنّه تسنّن. هذه مدرسة أهل السنّة، مدرسة الجماعة.

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

5
  • لو كان الولاية الآن حاضرة فماذا كانت تفعل؟ ومن هي الولاية؟ ولاية إمام الزمان، أفهل يحتاج إمام الزمان إلى قيّم؟ هل يحتاج إمام الزمان إلى وكيل؟ هل إمام الزمان نائم؟ هل هو ينام مثلنا؟.

  • نحن لم نصدّق بعد بإمام الزمان، نحن لم نصدّق بعد بالولاية، نحن نقوم وفق أفكارنا بحركة ما وبعمل ما وفجأة نجد أنّه يا للعجب لم نرَ إلا واحدًا في المائة وغفلنا عن تسع وتسعين، ثمّ وبعد أن ننهي العمل نقول: ليتنا لم نقم به. 

  • أيّها العزيز، لو كنت تبحث عن الولاية لألقت الولاية في قلبك وذهنك تلك الحركة الصحيحة ولكنّك انفصلت عن الولاية والإمام من جهته ألقى حبلها على غاربها. 

  • ـ انظر ماذا نفعل نحن

  • ـ اذهب وافعل لنرى

  • نعم تارة يفوّض الله إلينا نظم العالم ونظامه فحينها لا بأس ولكنّ الله لم يفعل ذلك، ولا أعتقد أنّه يفعل ذلك أيضًا، هذا بعيد فلتطمئنّوا الله يفعل كلّ شيء ولا يفوّض إدراة هذه الدنيا إليّ وإلى آرائي لا يفوّض إدارة الدنيا إلى اختياري وفكري أيفعل ذلك؟ أيفعل؟ لقد رأيت كيف فوّض هل فوّض أم لا؟

  • الولاية عبارة عن تلك الحلقة بين الخلق والخالق، ولا بدّ من الالتفات إلى هذا الأمر. فعندما يقول الله: "لَأُعَذِّبَنَ‌ كُلَّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ" فمعناه أنّ الأمّة لا تطيع بل هي مجرّد آلة. يصلّى ولكن لا روح لصلاته، الرجل الآليّ يصلّي خيرًا منّا، علّمه فإنّه يقرأ بدقّة وصوت جميل وتجويد ويؤدّي كلّ شيء بحيث يأنس الجميع، يركع بنحو يأنس منه الجميع، يركع بزاوية تسعين بشكل دقيق من دون أيّ نقص او اعوجاج في السجود والركوع وفي التشهّد، يصلّي صلاة بحيث لو أنّهم زيّنوه قليلاً لقلت إذا رأيت من بعيد يا له من مصلٍّ تتقدّم وتلمسه بيدك فتجد أنّه لا يتحرّك، إنّه كهربائي وقد عيّر تعييرًا. 

  • الصلاة من دون ولاية صلاة آلة منظّمة، وهذه الصلاة لا يقبلها الله، والله يقول: إنّ العمل الذي تعمله لا بدّ أن يكون وفق طاعتي ورضاي. 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

6
  • والمجتمع الذي ينحرف عن الإمام المعصوم يمينًا ويسارًا يلقي الإمام بحبلها على غاربها ويقول: لتمض حيث شاءت فيومًا يبتليها بهذا ويومًا يبتليها بذاك، ويومًا يأتيها بهذه المخمصة، ويومًا بتلك، ويومًا يصيبها بهذا الألم ويومًا بذاك، لماذا؟ وإن كان هناك لقلقة لسان باسم إمام ما وبكلام ما، فكلّنا نعلم في النهاية ولا يمكن أن نخدع أنفسنا، نعلم أنّ لنا وليًّا، نعلم أنّ لنا إمامًا، نعلم أن لنا ناظرًا، نعلم أنّ لنا بصيرًا، نعلم أنّ لنا سميعًا، نعلم أنّ لنا مشرفًا ومسيطرًا على جميع الحقائق والأسرار والشوائب، نعلم كلّ ذلك، كلّنا نعلم ذلك، ولكن نلقي بأنفسنا في ذاك الطريق ونقول نعم الطريق الذي نسير فيه صحيح وهو موضع رعاية الإمام ولكنّ تلميذ الإمام الصادق عليه السلام هذا لا بدّ أن يتّبع الإمام الصادق، يقول الإمام: هؤلاء العلماء-فقد كان في زمان الإمام الصادق علماء أيضًا-يأتون وبدلاً من أن يتّبعوا الإمام يواجهونه، فأبو حنيفة هذا وقف في مقابل الإمام الصادق، وفتح في مقابل مدرسة الإمام الصادق دكّانًا، كان تلميذًا للإمام الصادق بضع سنوات، فهو نفسه أخذ علومه من الإمام الصادق، ولكنّ تعلّمه هذا لم يجعله متّصلاً بهذه المدرسة، طغت نفسه وجعلته في ذاك الاتّجاه، يقول المرحوم العلّامة: 

  • يأتي بعض الناس إلى مجالسنا ويأخذون علومنا ويسرقونها وينقلونها هنا وهناك. 

  • سرقة العلوم والمقامات

  • فما معنى السرقة؟ معناها أنّهم يأتون ويتعلّمون كلامنا ثمّ يمضون قائلين: نحن نقول، الكلام لنا، الأمر لنا. كلام جميل يجذب الناس، ويخيّل إلى الناس أنّ له شأنًا. حسنًا لا بأس، اذهب واسرق فنحن أيضًا نتراجع شيئًا فشيئًا ونظهر لك إمام زمان مخادع بصورة إمام الزمان الحقيقيّ ونجعله أمامك ونجعلك تابعًا له ومطيعًا، والحال أنّه شيطان ومن الجنّ. إنّه جنّي شيطان، وفي النهاية تكون نهايتك على يديه وتصل إلى حيث أنّهم إذا أرسلوا إليك برسالة لا تقبلها فهذا هو السارق. 

  • عندما تأتي إلى هنا، بدلاً من أن تهتمّ أكثر ويزداد فهمك، فإذا ازداد الفهم ضعفت النفس، فهذان الاثنان ككفّتي الميزان، فإذا وضعت وزنًا في إحداهما هبطت وارتفعت الكفّة الأخرى. فإذا ارتفعت كفّة الفهم هبطت كفّة النفس، والحال أنّنا نرى بعض الناس على العكس من ذلك، كلّما ارتفع فهمهم ارتفعت نفوسهم مترين اثنين، ممّا يعني أنّ هذا ليس فهمًا، إنّه شيطنة. فتلك هي السرقة، تلك هي قراءة الروايات من وسائل الشيعة ثمّ سرقتها تلك هي قراءة الروايات من الكافي ثمّ سرقتها ذلك هو تعلّم مسائل الأئمّة وعلومهم ودراستها وسماعها وفهمها ثمّ سرقتها فأنا عندما أقرأ الكافي عليّ أن أدرك أكثر فأكثر من أكون أنا، ومن هو الذي يتكلّم بهذا الكلام. أقول: لا أنا بنفسي أعرف هذا، فترتفع نفسي لأنّني تعلّمت ذلك، فأجعل نفسي في مستوى الإمام الصادق عليه السلام، والله أجعل نفسي في مستوى الإمام الصادق عليه السلام وهذا ليس مزاحًا، أجعل نفسي إلى جانب الإمام الصادق وإن لم أقل ذلك بلساني، وأطأطئ رأسي قليلاً معظّمًا وآتي إلى مجلس ولادة الإمام الصادق وشهادته، وأرفع راية سوداء، ولكن كلّ ذلك يغدو دكّانًا، أجعل نفسي في مستوى الإمام الصادق وأسوق الناس إلى الانحراف على خلاف مدرسة الإمام الصادق، أبعد الناس عن الولاية، أضعف ارتباط الناس بولاية عليّ المرتضى وأدعو إلى نفسي، أدعو إلى النفس، فهذه هي السرقة، وليست السرقة سوى ذلك ليست سوى ذلك، فهي لا تقتصر على تسلّق الجدران واقتحام منزل ما أو دكّان ما بالسلاح، هذه هي السرقة. 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

7
  • يقول الله: "وَ لَأَعْفُوَنَّ عَنْ كُلِّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ وَ إِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَنْفُسِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً".

  • ولا يعني ذلك أنّه مهما فعلت الأمّة وقامت بما يحلو لها فإنّ الله يعفو عنها، بل الأمّة التي تتّبع الإمام الحقّ أحيانًا يصدر منها خطأ واشتباه، ففي النهاية الناس يخطئون، فنحن لسنا معصومين، ولكن أين القلب؟ أين سلّم الرأس؟ أين ارتبطت النفس؟ لقد صارت النفس تحت تصرّف الوليّ، فإذا ما أخطأ الإنسان واشتبه، فإنّ الله يقول: نحن نعفو؛ فألوهيّتنا لأيّ المواقع إن لم نعف فماذا؟ لا ينجو إلا الأئمّة المعصومون والأولياء، وقد جعلنا العفو لكم أنتم. 

  • فنقول نحن: شكرًا لك يا ربّ. 

  • فيقول الله: نحن لا نريد منك إلا شيئًا واحدًا، اجعل قلبك ونفسك هنا وسلّمها لنا والتفت إن لا تقوم بمعصية، ولو صدرت منك معصية فإنّي أعفو. 

  • معنى كلام السيّد الحدّاد: السالك لا يذنب

  • يقول السيّد الحدّاد رضوان الله عليه: السالك لا يذنب، أي لا أثر للذنب عند السالك الحقيقيّ. وحقًّا إن كان هناك كلام حقّ فهو من هؤلاء العظام، حقًّا إن كنت سمعت في حياتي بكلام حقّ فهو من هؤلاء. 

  • فهذا الكلام هو عين كلام الإمام الباقر، وربّما لم يسمع السيّد الحدّاد طوال عمره بكلام الإمام الباقر، ولكن لأنّه وليّ فإنّ نفسه ترى ما رأى الإمام ويصدر عن لسانه ما قاله الإمام. 

  • يقول الإمام الباقر [عن الله]: "لَأَعْفُوَنَّ". 

  • والسيّد الحدّاد يقول: إنّ الذنب لا يؤثّر في السالك. فهذا عين ذاك، فما الفرق؟ 

  • ثمّ بعد ذلك يزعمون: إنّ العرفاء يقولون: ما دمت قد سلّمت لعليّ فافعل ما شئت. كلاّ يا عزيزي ليس الأمر هكذا. فهذا معنى وذاك معنى آخر، وهذا له حسابه وذاك له حسابه. 

  • لماذا؟ لأنّ المجتمع المتّصل بإمام الزمان هو المجتمع الذي لديه ارتباط، ولا يكفي للاتّصال بالإمام قراءة دعاء كميل في ليالي الجمعة ودعاء الندبة في صبيحتها، يلطم الإنسان على رأسه ثمّ يمضي فيرتكب ما يشاء من الأخطاء، كلاّ فهذا كلّه لعب، ومن كان مرتبطًا بإمام الزمان فلا فرق لديه بين الجمعة والسبت، وبين الاثنين والأربعاء. 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

8
  • التوجّه إلى ظاهر الإمام عليه السلام يمنع النفس من إدراك سرّ الولاية

  • إن كان الرفقاء قد طالعوا الجزء الثاني من أسرار الملكوت۱، فقد ذكرت هناك حول أمور مسجد السهلة أنّ من كان يبحث عن إمام الزمان لا يذهب إلى مسجد السهلة ليلة الأربعاء، إنّه بمجرّد أن يرى أنّ إمام الزمان قد وضع رجله في هذا المسجد فإنّه يجعل ترابه كحلاً لعينيه، سواء كانت الليلة ليلة أربعاء أو اثنين أو أحد، أو كان في النهار، لذلك فهو لا يبحث عن ظاهر إمام الزمان. 

  • والأمر الذي يذكره المرحوم العلاّمة في أوّل كتابه التوحيد العلمي والعيني-إن لم يكن الرفقاء قد طالعوه فليطالعوه وإن كانوا طالعوه فليعدوا مطالعته، فكلّما طالعتم أكثر فإنّ أثره يختلف عن الأثر السابق، مهما طالعتم، فلو طالعتم ما كتبه المرحوم العلاّمة مائة مرّة فإنّه يؤثّر مائة مرّة، إنّه ليس جريدة. 

  • عندما كان السيّد أحمد [الكربلائي] يذهب إلى هناك ويبكي من الليل حتّى الصباح هل كان يريد رؤية ظاهر إمام الزمان؟ ما هذا الكلام؟ أتدركون ما أقول؟ كان يقول: 

  • يا إمام الزمان لا تقطع ارتباطك بي، لا تضعف ارتباطك بي، لا تشغلني بالدنيا، لا تشغلني بالموقع والأمر والنهي والذهاب والإياب وهذا العلاقات والمجالس والسؤال والجواب التي تحول بيني وبينك، وهذه الإعلانات التي لا قيمة لها إلا الحيلولة بيننا وبين الولاية، فلا تبتلني بهذه المشكلة. 

  • يقول السيّد أحمد الكربلائي مهدّدًا وبلهجة قاسية للسيّد أبي القاسم اللواساني اكتب في جواب الميرزا تقي الشيرازي: 

  • إذا ما قمت ثانيًا بهذه الاعمال وأرسلت الناس إليّ في الاحتياطات وأرجعتهم إليّ، فاعلم أنّ حسابك يوم القيامة مع الكرام الكاتبين إن كنت قد ابتليت أنت بذلك فهذا شأنك وهو أمر بينك وبين الله، وأنت أخبر بتكليفك، ولا شأن لي أنا بذلك، وأنا لا أتكلّم في هذه الدائرة، وأنت تعلم فالتفت إن أردت أن تتجاوز حريمك وتتجاوز الخطّ الأحمر وتخطو في حريمي فإنّ حسابك يوم القيامة عند جدّي 

  • ألم يكن بإمكان السيّد أحمد الكربلائي أن يقول: أنا أشعر بالتكليف الشرعي؟ ألم يكن بإمكانه أن يقول: إن لم نفعل ذلك بقي الأمر مهملاً؟ لو لم أتصدّ أنا لضاع دين الله؟ سيأتي زلزال ويقضي على الدين والمتديّنين؟ كان يعرف هذا الكلام أم لا؟ كان يعرفه أكثر منّا، فلماذا لم يقله إذن؟ لقد كان ذكيًّا لقد كان فطنًا، كان دقيقًا كان مصداقًا لـ «الْمُؤْمِنُ كَيِّس»‌

    1. أسرار الملكوت، ج٢ ص ٢٢۰.

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

9
  • كان يبحث عن ذلك الأمر، هذا الأمر والنهي هو ليومين فقط، لقد كان يفكّر فيما بعدهما، لقد ربح، لقد رأى أنّه ما دام الأمر مرتبطًا بالدرس والتدريس وهذه العلاقة والتبليغ لهذه المدرسة وهذه الأوضاع فهي صحيحة ما دامت إلى هذا الحدّ، أمّا إذا انحرف الأمر، واتّجه نحو مكان آخر نصنع فيه لأنفسنا مقامًا ونرسل ورقتين إلى هنا وهناك ونجمع حول أنفسنا جماعة، ونقول: الدين والشعائر والتبليغ. فما هو هذا؟ ما هذا الكلام؟ من الذي قال هذا؟ هل هذا هو تبليغ الدين؟ ما إن تتطوّر المسألة قليلاً وتخرج عن هذه الدائرة متّجهة نحو المرجعيّة فإنّه يتراجع بسرعة؛ فالدين مرتبط بصاحب الشريعة، وصاحب الشريعة هو إمام الزمان، وهو أدرى، هو إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل فما شأنك أنت؟ يقول: يا سيّد أحمد يجب عليك ابتداء من الغد أن تتصدّى لمنصب الإفتاء ويجب أن تتولّى منصب الحكم. 

  • ـ سمعًا وطاعة. 

  • ـ يا سيّد أحمد أنت عليك أن لا تقدم على هذه الأمور.

  • ـ سمعًا وطاعة. 

  • ـ يا سيّد أحمد عليك أن تدرّس يا سيّد أحمد عليك تعطّل الدرس. 

  • الأمر لا يرتبط بي وهو أخبر. 

  • فما أقوله من أنّي أجعل نفسي في مكان الإمام الصادق معناه هو هذا وأنا لا أقصد هنا التعريض بأحد، فلا تتحوّل هذه المسألة إلى شبهة، كلاّ، بل على كلّ إنسان في مقام التكليف أن يعلم تكليفه، أريد أن أعطي معيارًا عامًّا وكلّ إنسان يفهمه بالنحو الذي يريد، وليس الإنسان مسؤولاً عن فهم الآخرين، ما يبحث عنه الإنسان هو أن يكون تحت مسير ولاية أمير المؤمنين وأبنائه فحسب، هذا لا غيره، وإذا ما أضفنا على ذلك وأردنا أن نتقدّم فسنكون قد أهلكنا أنفسنا كما نكون قد ألقينا الآخرين في الهلاك. 

  • أحداث الحركة الدستوريّة مصداق للخروج عن مسير الولاية

  • لقد رأى الجميع في أحداث الحركة الدستوريّة، فلو أنّا غضضنا النظر عن سائر الأحداث ومضينا فإنّ قضايا الحركة الدستوريّة واضحة للجميع لقد رأيتم ماذا جرى على الناس، رأيتم أيّ دماء أريقت، فمن أين أريقت هذه الدماء؟ لم تأت الطيور الأبابيل من السماء ترمي الحجارة على رؤوس الناس كلاّ بل إنّ هؤلاء الناس خاض بعضهم في دماء بعض بفتاوى العلماء، هؤلاء الناس ولم تكن الفتوى من قبل رئيس الوزراء تشرشل، ولم تكن من قبل ايزنهاور، ولم تكن من قبل هذا وذاك، كلاّ بل كانت من قبل العلماء، والعلماء الذين أفتوا هم السيّد اليزدي محمّد كاظم صاحب العروة والذي أصدر فتوى، والآخوند الخراساني أصدر فتوى، فهذا في مقابل ذاك، وذاك في مقابل هذا، وآية الله الشربياني أصدر فتوى، وذاك من الجهة المقابلة أصدر فتوى، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أنّ الناس خاضوا في دماء بعضهم، وكانوا يضرب بعضهم رؤوس بعض بالرصاص والبنادق باسم الدين وباسم الدفاع عن الدين، فذاك كان يقول: الله، وهذا كان يقول: الله. ذاك كان يقول: الدين، وهذا كان يقول الدين. ذاك كان يقول: وا إسلاماه، وهذا كان يقول: وا إسلاماه. ثمّ ماذا جرى؟ أقدم هؤلاء الناس أنفسهم على إعدام الشيخ فضل الله النوري شنقًا بعمامته. فهل رأيتم ماذا كانت النتيجة؟ 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

10
  • ثمّ إنّ الآخوند الخراساني هذا رحمة الله عليه الذي أشعل هذه الأحداث، عندما أدرك الخديعة التي أوقعه فيها الناس والضلالة التي أوقعوه فيها، أراد أن يتوجّه إلى إيران ويثور. فقالوا له: لا تتحرّك من مكانك، ودسّوا له السمّ في القهوة عن طريق خادمه وهو لا يزال في الكوفة، وعند الصباح حملوا جنازته إلى النجف. وانتهى الأمر، لماذا تريد أن تأتي إلى إيران؟ فما كنّا نريد فعله قد فعلناه. وتلك الفائدة التي نريد أن نستفيدها منك قد استفدناها، والمصيبة التي كنّا نريد إيقاعها بالمسلمين بواسطتك قد أوقعناها، والآن تريد أن تثور علينا؟ ندسّ لك سمًّا ثمّ ترحل لتلاقي حسابك هناك.

  • أمّا من كان طريقه طريق الولاية فليس هذا طريقه ومنهجه. الله يهديه ويريه الطريق، ويلفت قلبه إلى ذاك الاتّجاه ليسير فيه، وليبتعد عن هذه الأمور، ويسير في الموضع الصحيح، ولا يسير في الموضع الخاطئ، إذا أراد أن يتوجّه نحوه يمرضه الله ويلقي به في الدار. 

  • قصّة آية الله الكلبايكاني وتفؤّله بالقرآن

  • رحم الله السيّد الكلبايكاني فقد تشرّف مرّة بزيارة مشهد في أيّام المرحوم العلاّمة فذهبنا برفقة المرحوم العلاّمة لزيارته، وكان ذلك في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة من حياة المرحوم العلاّمة، وكان الفصل صيفًا وكنّا جالسين في صالة عند العصر وكانت رجله حينها تؤلمه كثيرًا وكان من الواضح عليه أنّه يتألّم وكان يبدّل جلوسه على هذه الرجل وتلك، وكان هناك عدد من العلماء قد جاؤوا لزيارته، وكانت هناك حادثة معيّنة، وبالطبع فالقصّة منقولة وأنا لن أوضّح كثيرًا، فقال عنها: 

  • طلبوا منّي أمرًا ما، وكنت متردّدًا، هل أجيبهم أم لا أجيبهم؟ فإن أجبتهم فهناك هذه المحاذير، وإن لم أجبهم فماذا سيجري؟ وبينما كنت أفكّر ذهبت لتجديد الوضوء۱ فوقعت وانكسرت ساقي، فبقيت في البيت، وبالطبع صارت اللقاءات محدودة… ومرّت تلك الحادثة، ومرّة قلت في نفسي: ما هذا الأمر الذي جعلني أقع أثناء ذهابي لتجديد الوضوء فجعل رجلي نصفين؟ ما هذا في النهاية؟ وعلى أيّ أساس؟ تفألت بالقرآن فكانت هذه الآية: ﴿أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا﴾٢

    1. تارة يقولون تجديد الوضوء وكأنّه شابّ في العشرين، كلاّ بل كان في عجوزًا في الثمانين، فتارة يجدّد الإنسان وضوءه وهو في العشرين وتارة هو في الثمانين ولا فرق بين الحالين. (كانت في أصل المتن) 
    2. سورة الكهف (۱۸) الآية ۷٩. 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

11
  • فنحن لم نكسر رجلك عبثًا، بل كسرناها لتجلس في البيت وتستريح من هذه الأمور. 

  • رحمة الله عليه لقد سأله المرحوم العلاّمة كيف حالك؟ فكان يشرح له هذه الأمور ويضحك ثمّ قال: عادة مشاكلنا وأمراضنا هي من هذا القبيل. ويبدو أنّه كان قد التفت إلى حقيقة الأمور كيف تجري وأنّ على الإنسان أن يصون نفسه كيلا يخدع، فكون فلان يريد أمرًا ما فهذا شأنه هو، أما نحن فعلينا أن نلتفت إلى هذا الطريق، طريق الولاية. 

  • قصّة الخضر والسفينة

  • نعم كان الخضر جالسًا في السفينة فأمسك بالفأس والحربة وأخذ يضربها وأفسد منها جانبًا، وعندما قال النبيّ موسى: ماذا تفعل؟ قال: سأقول لك لاحقًا. وفي النهاية قال: إنّ هذه السفينة كانت لعدد من الفقراء والأيتام وكان هناك ملك ظالم طامع يأخذ كلّ ما يراه جيّدًا، فقام الخضر بتقديم هديّة وقال: هناك ملك كرضا شاه۱ إذا جاء ورأى أنّ هناك سفينة كهذه فإنّه يأخذها، فأفسدتها وتركتها تخرب، ثمّ إنّهم يرقعونها فعلى الأقل تبقى تسير في البحر.

  • اليوم يوم ولادة رسول الله والإمام الصادق اليوم الذي يجب علينا فيه أن نجعل أنفسنا مطابقة لمدرسة الإمام الصادق. أيّها الأعزّاء الإمام الصادق إمامنا، الإمام الصادق إمام معصوم، فعلينا أن نتّبع الإمام الصادق، وأيّ طريق يتّخذه الإنسان سوى هذا الطريق فهو حطام الدنيا وجيفة، فما معنى الجيفة؟ الحيوان الميّت. 

  • ماذا جنى أبو حنيفة الذي فتح دكّانًا أمام الإمام الصادق؟ ماذا حصل أيّها المسكين؟ كم سنة عمّرت؟ فأولاً ضيّعت عمرك، والآن في ذاك العالم ماذا يصنع الله بك، فلو فتحت الأعين البرزخيّة لرأيتم أين هو موضع أبي حنيفة، في مكان دافئ جدًّا وناعم حارّ للغاية، حارّ إلى درجة أنّهم لو جاؤوا بجزء يسير من حرارته لاحترق العالم كلّه، العالم كلّه إنّه مكان حارّ جدًّا لقد أفسدت دنياك، وأبعدت الناس عن أهل البيت وعن الإمام الصادق فاذهب الآن وتحمّل حساب ذلك، لا فقط مسؤوليّة نفسك، بل مسؤوليّة هؤلاء المساكين والعوام أيضًا الذين كانوا سيذهبون إلى ذاك الدار بدلاً من هذا، ولولا وجودك أنت لقصدوا الإمام الصادق.

    1. لقد كان رضا شاه في زمان حكمه قد حصل على أملاك خياليّة فمثلاً كان يسافر إلى الشمال فإذا أعجبه بستان ولم يقل صاحبه إنّه هديّة لك كان ينهي أمره من مكانه ويرسل به إلى السجن ويعدمه أن لماذا لم تقل هو لك. فإذا ذهب أيضًا إلى مبنى وقال: ما شاء الله يا له من مبنى فعلى صاحبه أن يقول فورًا: هو لك سيّدي وإلا لقضي عليه، لقد كان رضا شاه حينها هكذا، أينما ذهب يتملّك كلّ ما يراه، لذلك عندما جاء ولده محمّد رضا أعاد الكثير من تلك الأملاك إلى أصحابها الأصليّين، لقد أعادها بنفسه، لقد كان رضا شاه رجلاً مستبدًا. 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

12
  • لقد كان أبو حنيفة عالمًا، لم يكن جاهلاً، كان من أهل البحث وأهل النقد، كان متكلّمًا، ولم يكن أحد ينجو منه إلا أصحاب الإمام الصادق الذين كانوا يخرّبون عليه دكّانه وأمره، كان له خبرة بالروايات من حيث الظاهر، له اطّلاع على السنّة، كان تلميذًا للإمام الصادق لسنوات، فماذا تريد بعد ذلك؟ لقد حصل على ما ينبغي أن يحصل عليه كوسيلة لإضلال الخلق، فالحضور عند الإمام الصادق يجعل مستوى الإنسان أرفع من المستوى المتعارف، ويرفع الإنسان عن مستوى المدركات المتعارفة. ولكن حيث إنّ الحضور لدى الإمام الصادق كان لأجل نفسه فقد كانت كلّ رواية يقرأها الإمام الصادق تتحوّل عنده إلى شيطان في نفسه يجبره على عبادته إلى أن صار صنمًا استطاع أن يقف في مقابل الإمام الصادق. 

  • ألم يقف الآخرون أيضًا؟ ألم يقفوا؟ ألم يقف عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ؟ ألم يقف البلالي؟ ألم يقف الهلالي؟ ألم يقف الشلمغاني؟ ألم يكن هؤلاء؟ كلّ هؤلاء الذين كانوا من أصحاب الأئمّة ثمّ وقف كلّ منهم في مقابل إمام زمانه لماذا فعلوا ذلك؟ لأنّهم تعلّموا الكلام ولكنّهم تركوا اللب والأساس، لقد تركوا الأصل، ثمّ بعد ذلك نحن نقول سنّي، نقول إنّهم من أهل السنّة، السنّي مجرّد عنوان، وعلينا أن ننظر أي هي حقيقة هذا الرجل؟ كثير من هؤلاء السنّة هم شيعة، وكثير من هؤلاء الشيعة هم سنّة، السنّي مجرّد عنوان، السنيّ مجرّد لفظ يقال. 

  • على كلّ حال طال بنا الكلام، في هذا اليوم علينا أن نبايع مدرسة أهل البيت، علينا أن نبايع هذه المدرسة وعلينا أن نسلّم في هذه المدرسة وأن نترك جانبًا كلّ ما هو بعيد عن هذه المدرسة، ونكون أحرارًا في فكرنا، لا مقلّدين، أحرارًا في طريقنا، لا كالعبيد والغلمان، أن نكون أحرارًا في العقيدة وفي المدرسة وفي الطريق، لا غلمانًا لأهل الدنيا يتّخذوننا زينة لدنياهم. 

  • رحم الله حافظًا فإنّه يقول:

  • غلام همت آنم که زیر چرخ کبود***ز هرچه رنگ تعلق پذیرد آزاد است
  • يقول: 

  • تأسرني همّة مَن تحرّر من كلّ ما يمكن أن يُتعلَّق به تحت هذه السماء الزرقاء.

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

13
  • يقول الإمام الصادق: "أخرج نفسك من التعلّق، انزع من أذنك حلقة العبوديّة للآخرين، تعال إلينا لنحرّرك، تعال إلى مدرستنا لنجعلك حرًّا".

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: 

  • عندما كنت في النجف أفتدرون لماذا كانوا يقولون لي ذلك الكلام؟ لأنّي كنت أريد أن أفهم، كنت أريد أن يكون لديّ فهم، كنت أريد أن أعرف نفسي، أن أعتمد على نفسي، فماذا أنا أصلاً؟ فكلّ ما تقولونه تقولونه لأنفسكم، شكرًا لكم، لكم احترامكم وأنتم على رؤوسنا، ولكن لا نتّبعكم، نحن نتّبع إمام الزمان والإمام الصادق، مع الاعتذار ومع ألف اعتذار ومع ألف شكر على الجهود والحفاظ على الجهود، نحن نريد أن نفهم، نحن نريد أن نعرف أنفسنا، نحن نريد أن نعرف من نحن، نحن نريد أن نعرف هل هذه الروايات التي وردت عن الإمام الصادق صحيحة أم لا؟ نحن نريد أن نفهم هل هذا الكلام الذي وصلنا عن الأئمّة هو مجرّد لقلقة لسان يجب أن تبقى في الكتب وتفسد ثمّ تأكلها الحشرات؟ أهكذا؟ أم أنّ لها حقيقة؟ هذا ما أردت أن أفهمه، هذا ما أردت أن أدركه، لقد جئت إلى حوزة النجف لأفهم من أنا، وأنّ الدنيا بيد من هي؟ أين هو طريقنا، وإلى أين مآلنا؟ وإلى أين سنذهب ولماذا جئنا إلى هذه الدنيا؟ وماذا علينا أن نفعل؟ هل علينا أن نكون عبيدًا أم أحرارًا؟

  • لقد قال موسى بن جعفر لبشر الحافي: حرّ أم عبد؟ فإن كان عبدًا فعبد من؟ عبد الله أم حرّ؟ حرّ طليق في أموره ويفعل ما يشاء؟ أم حرّ من نوع آخر قد حرّر نفسه من جميع القيود وعلّق في أذنه حلقة الرقّية لله والولاية، نحن نريد أن نكون هكذا. وفي اليوم التالي نجد أنّهم لا يسلّمون علينا وبعد غد نجد أنّ فلانًا لا يسلّم علينا، وبعده نجد أنّ ذاك لا يسلّم علينا عجيب ماذا فعلنا نحن؟ 

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: 

  • أفهل طوّلنا الشاربين؟ هل حملنا بأيدينا التبرزين؟ هل كنّا نحمل الكشكول؟ هل اعتمرنا قبّعة الدراويش؟ ماذا فعلنا نحن؟ قولوا ما هو الخطأ الذي قمنا به؟ هل حرّمنا حلالاً؟ هل حلّلنا حرامًا؟ 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

14
  • كلاّ، نحن لا نسلّم عليك لأنّك تريد أن تكون حرًّا حسنًا فإن كان الأمر هكذا فلا تسلّموا إلى يوم القيامة لا نسلّم عليك لأنّك تريد أن تعتمد على نفسك 

  • ـ لا تسلّموا. إنّ من يُفترض أن يسلّم علينا هو جبرائيل الأمين يأتي من عند الله ويسلّم علينا فلا حاجة لي إلى سلامك اذهب وشأنك، هل أحتاج إلى سلامك؟ هل أنا بحاجة إلى عطف واهتمام أبناء الدنيا هؤلاء يأتون وينحنون أمامي؟ كم يومًا سيكون هذا الانحناء؟ ألم ينحنوا أمامنا؟ فماذا حصل؟ كلّ نسان يصل في الدنيا إلى مرتبة يقول فيها: الآن أريد أن أكون حرًّا، أن أفهم. فهل الأمر حقّ أم باطل؟ يقولون: كلاّ، عليك أن لا تفهم أصلا عليك أن لا تفهم. 

  • ـ حسنًا شكرًا. في أمان الله. 

  • فإذن تلميذ مدرسة الإمام الصادق [ينبغي أن يكون هكذا]، والحمد لله فإنّ رفقاءنا وأصدقاءنا سواء الرفقاء الإيرانيين أو غيرهم عليهم جميعًا أن يكونوا إن شاء الله هكذا، لقد جاء هؤلاء وهم يقولون: نحن نريد أن نكون تلامذة الإمام الصادق، تلامذة إمام الزمان، هذا وكفى، وقد أخلصوا قلوبهم للولاية وأبرزوا لها صدقهم، وسلّموا لهذه المدرسة التي هي مدرسة الحريّة ومدرسة عدم التعلّق ومدرسة الفهم والشعور، لا مدرسة التقليد والعصى، فمدرسة التقليد والعصا هي مدرسة عمر [التي تقول]: إمّا أن تأتوا وإمّا نضربكم على رؤوسكم، ألم تروا لقد قطّعوا ابنة النبيّ أمام عيني زوجها ألم يفعلوا ذلك؟ ألقوا على عنق أمير المؤمنين حبلاً وجرّوه، فهذه هي مدرسة التقليد، ثمّ بعد ذلك العصا، ففي البداية التقليد، وإن لم تقبل فالعصا. 

  • ولكن في هذه المدرسة الفهم أوّلاً ثمّ العبوديّة للولاية. ما شاء الله أوّلاً اذهب وافهم، وما لم تفهم فلا تأت كلاّ لا تأت اذهب وافهم، اذهب وأجر التحقيق اللازم، تجوّل في الدنيا، فإذا لم تطمئنّ… واذهب إلى القمر أيضًا، واذهب إلى الشمس، اذهب إلى هذا الحدّ فإذا وصلت إلى فهم وقناعة فائت، إذا أدركت أنّ الإمام الصادق وحده هو الذي ينفعك لا أبو حنيفة حينها تعال، إذا أدركت أنّ موسى بن جعفر والإمام الرضا هما اللذان ينفعانك لا عليّ بن أبي حمزة فتعال. الإمام الرضا واضح، براهينه واضحة، فإن كان لديك دليل فتعال وتكلّم، تحدّث وافهم، إنّا لم نغلق الباب، فأمام من أغلق الإمام الرضا دار بابه؟ 

خصائص مدرسة التشيّع - ميلاد النبيّ والإمام الصادق سنة ۱٤۲۸ هـ ق

15
  • من هو الذي قصد الإمام الرضا وعاد دون أن يدرك حقيقة ذلك الإمام؟ إلا أن يكون بسبب العناد وبسبب الشيطنة وبسبب إنكار الآيات الإلهيّة وَ اتَّخَذُوا آيات الله هزوا واستكبروا عنها ففي زيارة أئمّة البقيع ورد ذلك، لقد رأوا آيات الله ولو لم يروها لما كانت لهم آية ولقالوا: نحن لم نر في النهاية. لقد كان وراء العامود مختبئًا فلم نره، كلاّ بل رأوا آيات الله نعوذ بالله. 

  • نسأل الله أن يجعلنا جميعًا مشمولين لعناية المظهر الإلهيّ الأتمّ وظهور الولاية المطلقة في زماننا الإمام بقيّة الله أرواحنا فداه، ولطفه واهتمامه الخاصّ، سواء الذين هم في طريق العلم والتقوى والتبليغ ونشر مدرسة الحقّ والسنّة الحقّة النبويّة ومنهاج الأئمّة المعصومين عليهم السلام أو سائر الرفقاء والأصدقاء.

  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد