المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمناسبات الإسلامية
المجموعةالنصف من شعبان
التاريخ 1429/08/15
التوضيح
متى سيظهر الإمام المهديّ عليه السلام؟ ولماذا ينتظره الناس؟ وهل تتوافق توقّعاتهم مع أهدافه؟ وما هو هدفه في زمان إمامته؟
ما هي وظيفة علماء الدين تجاه الإمام عليه السلام وبيان الحقائق؟
ما هو العلم الذي أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله بتحصيله ولو بالصين؟
ما هي قيمة علوم أهل البيت عليهم السلام؟
تناولت هذه المحاضرة محورين: الإمام المهدي عليه السلام وإمامته وطلب العلم ومهامّه ضمن تفسير معنى العزّة الإلهيّة الحقيقيّة التي لا تتحقّق إلا بهذين المحورين.
هو العليم
أهداف الإمام المهدي عليه السلام
النصف من شعبان ۱٤٢٩ هـ ق
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذُ بِالله مِنَ الشَّيطانِ الرّجیم
بِسمِ الله الرّحمٰنِ الرّحیم
اَلحمدُ لِلّهِ ربِّ العالَمین
و صلَّی اللهُ عَلیٰ سیّدنا و نبیِّنا أبي القاسم محمّدٍ
و علیٰ آله الطیّبین الطّاهرین
و اللّعنةُ عَلیٰ أعدائِهِم أجمَعینَ
ما الفرق بين العزّة الاعتباريّة والعزّة الحقيقيّة؟
﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلٰكِنَّ ٱلۡمُنٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ﴾۱
فالمنافقون بسبب قوّتهم وثروتهم ومقامهم الاجتماعيّ وبسبب اجتماعهم ومؤامراتهم يقولون: اصبروا، إذا دخلنا المدينة سيرون أنّ أهل العزّة والمشهورين والمقبولين في المجتمع سيخرجون من المدينة الأذلاء والضعفاء والبعيدين عن المجتمع، وسيجعلون المدينة نمطًا واحدًا ويسيطرون عليها!
يقول تعالى هنا إنّ هؤلاء مخطئون! إنّهم لا ينظرون إلاّ إلى هذه الأموال وهذين الدرهمين والدينارين التي في جيوبهم وفي صناديقهم والتي تعلّقت بها قلوبهم. لقد تعلّقت قلوبهم بكونهم أصحاب عشائر وقبائل. إنّهم يظنّون أنّ ذلك يحقّق لهم عزّة وفخرًا وشخصيّة، ويخالون أنّهم بهذين الدرهمين اللذين في جيوبهم يحقّقون لأنفسهم شخصيّة. يفرح هؤلاء لاحترامهم من قبل اثنين ويظنّون أنّهم بذلك صاروا بشرًا! يفرحون لمجيء اثنين إليهم وكونهما حولهم يقولون لهم سماحة فلان سماحة فلان. ويظنّون أنّ ذلك يسبّب لهم عزّة! إنّهم يخطئون خطأ كبيرًا فالعزّة مختصّة بالله!
الإمام الحجّة منجي العدالة السجينة
الآية عجيبة جدًّا ومناسبة جدًّا لليوم الذي هو ذكرى ولادة منجي العدالة والأمن والحريّة، فإمام الزمان عليه السلام يريد أن يخرج الحريّة والتحرّر من السجن ويخرجها خارجًا. لقد سُجنت الحريّة في هذه الدنيا في سجن، سُجنت العدالة في هذه الدنيا في سجن، وسُجن الأمن في هذه الدنيا في سجن، وسجن التكامل والترقّي الثقافيّ في هذه الدنيا في سجن وقيّدت بالقيود.
فانظروا إلى القوّة في هذه الدنيا بيد من هي؟! فلسان أهل الدينا لسان كذب! في هذه الآية التي قرأناها يقول: ﴿لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّ﴾ العزيز سيكون ذليلاً.
من هو العزيز في هذه الدنيا؟ العزيز في هذه الدنيا هو صاحب البندقيّة، وصاحب المال! انظروا الآن في هذه الدنيا صاحب المال يقول: الكلام كلامي! لأنّهم يعتقدون أنّ المال يحقّق للإنسان عزّة. ولكن في الواقع المال هو مجموعة من الأوراق، الأوراق التي إذا وضعتها في المدفأة تحترق وتطير في الهواء! ففي النهاية ما صلة هذه الأموال بالإنسان؟! ما علاقتها بشخصيّة الإنسان حتّى إذا كانت مقدار من العملات الورقيّة إلى جانبي أصدّق نفسي؟! ما صلتها بي أنا؟! فلو أنّ أحدًا سرقها ومضى فهل أنا أكون قد ذهبت معه وتكون شخصيّتي قد خرجت من المنزل معه؟! هل شخصيّتي متحقّقة ما دام المال لم يسرق أو ما لم تذهب بها الرياح؟!
يقولون: كان آية الله البروجردي ذات يوم جالسًا في المسجد الأعظم، وكانوا قد جاؤوا له بالخمس وأمثاله ليجري لهم حسابًا. وكانت هذه الأموال ورقيّة. وفجأة هبّت ريح فطارت جميع الأموال معها! فجمع كلّ واحد من الحاضرين جزءًا منها، ثمّ جاؤوا ليقدّموها له فقال: كلّ ما جمعه كلّ منكم فهو له. فكلّ من جمع أكثر فهو الرابح!
تهبّ ريح فتذهب معها شخصيّة الإنسان ولا حاجة حتّى إلى السارق، بل حتّى لا حاجة إلى الريح، بل يتغيّر أمر ما وقانون ما أو يصدر كلام من هذا الجانب ضدّ ذاك فتتبدّل ثروة فلان ملك التجّار التي تبلغ مئات الملايين إلى عشرين مليونًا وينتهي أمرها! كما لو كانت هناك بضاعة ما مفقودة من السوق وارتفع سعرها، وهذا الرجل واضع كلّ آماله على هذه البضاعة، وفجأة يعلنون أنّ هذه البضاعة توفّرت فتطير كلّ آماله أدراج الرياح ويصاب بالسكتة وينقل إلى المستشفى! ألم نرَ ذلك؟! ألم يحدث ذلك؟! فقد رأينا هذا بأنفسنا في هذه الدنيا.
كلّ ذلك هو لأنّنا لم ندرك جيّدًا أين هي العزّة ومن أين علينا أن نحصّلها، هل العزّة في البندقيّة؟ هل العزّة في المال؟ هل العزّة في المريد والحواشي التي تحيط بالإنسان؟ هل العزّة في الرئاسة؟ هل العزّة في الإدارة؟ هل العزّة في الموقع الاجتماعيّ؟
إنّ عزّة الدنيا في هذا الزمان على هذا الأساس. فالبلد الذي يقول الكلمة العليا هو الأقوى تسلّحًا، وصاحب الأسلحة الأكثر، وصاحب القوّة الأعظم، حينها يقول: عليكم أن تقبلوا بكلامي وبما أريد! فيقول الآخرون: حاضر ويقبلون. ولكن لا أحد في هذه الدنيا يقول: ولكن أين ذهبت الإنسانيّة؟! أين العقل؟ أين المنطق؟!
متى سيظهر الإمام المهديّ عليه السلام؟
إذا ما وصلنا يومًا إلى مرتبة صارت فيها أقوى دولة في الدنيا إلى جانب أضعف دولة فيها من حيث توقّعاتنا ومطالبنا، وحكَم بينهما قانون واحد، فذلك اليوم هو يوم الظهور، وليس الآن. فإذن ليس الآن وقت الظهور. فلا نقولنّ عبثًا: يا حجّة ابن الحسن! كيلا نؤذي أنفسنا ولا نؤذي والعياذ بالله إمام الزمان أيضًا! وطبعًا هو لا يصغي لكلامنا، فمهما صرخنا وقلنا يا حجّة ابن الحسن يا ابن الحسن ولطمنا على صدورنا ورؤوسنا! لأنّ إمام الزمان رجل الحقّ ويبحث عن الحقّ.
لماذا نبتعد ونفكّر بالدول الأخرى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا والدول الأوروبيّة والأفريقيّة وغيرها؟! فما علاقتهم بنا؟! فهؤلاء لهم حسابهم الخاصّ. ما علاقتي أنا بكون عملهم صحيحًا في ذاك الجانب من الدنيا أم خاطئًا؟! هل تعمل على أساس المنطق أم لا؟ هل تعمل وفق معايير الثقافة أم لا؟ هل تعمل وفق الإنسانيّة أم لا؟ ما صلتي أنا بذلك لكي ننتظر أن تجعل أميركا مبادئها وأسسها في التعامل مع الدنيا على أساس المنطق؟! ربّما نأخذ هذه الأمنية معنا إلى القبر ولا يتحقّق هذا الأمر أبدًا! فما الحاصل من ذلك وما فائدته؟! لماذا تريدون أن تفرغوا المسؤوليّة على رأس هذا وذاك؟! فإذن علينا أن لا نبتعد ولا نبحث عن المشكلة في الدول الأخرى، فنحن الجالسون هنا أنا المتكلّم وأنتم الجالسون علينا أن نفكّر في أنفسنا!
ما الهدف من إقامة مجالس ولادة إمام الزمان؟
نحن إذ نجلس الآن في مثل هذا اليوم الذي هو يوم ولادة منجي البشريّة وقد جلسنا هنا مجتمعين وأقمنا مجلسًا واحتفالاً مسرورين فمن أين جاء هذا السرور؟! ألأنّ إمام الزمان قد ولد؟! حسنًا، فالإمام الحسين ولد أيضًا، والإمام السجّاد ولد، والإمام الباقر ولد أيضًا، فما الفرق بين الإمام الباقر وإمام الزمان؟ لا فرق، كلاهما إمام، مضافًا إلى أنّ هذا الإمام والد ذاك الإمام أيضًا! وما الفرق بين إمام الزمان والإمام الرضا؟! لا فرق أبدًا، كلّ منهما إمام، وكلّ منهما معصوم، وكلّ منهما (يسقى بماء واحد)۱ ومن مشرب واحد ومنبع واحد وعين واحدة ولا يختلفان أبدًا. فلو كان الإمام الرضا عام ٢٥٥ للهجرة وكان مكان إمام الزمان لكان هو إمام الزمان حينئذ بلا فرق. هذا المجلس الذي أقيم اليوم ويقام في كلّ عام ونحتفل فيه هل هو لأنّ إمام الزمان قد ولد؟!
طبعًا للأسف احتفالاتنا الآن صارت غير صحيحة تمامًا كمجالس العزاء لسيّد الشهداء والتي بدلاً من أن تأخذ الإنسان إلى حادثة كربلاء وعاشوراء وبدلاً من أنّ تكون هذه الشعارات التي في هذه المجالس والمواكب وهيئات اللطم شعارات محيية تحيي الإنسان وتنفخ في النفوس نفَس سيّد الشهداء، وبدلاً من أن تهدف إلى إيصال رسالة سيّد الشهداء ـ التي هي لكلّ يوم ولكلّ الناس إلى قيام القيامة ـ بين الناس، بدلاً من ذلك هناك شعارات ولطميّات وأمور ليس لها سوى بعدٌ عاطفيّ، ولا تقوم إلا بتحريك العواطف والمشاعر، وحتّى بعضها يخرج عن الأدب ويهين بمقام الإمام عليه السلام والعياذ بالله. فالطبل والمزمار والناي والدربُكّة و… لا يكون معها عزاء! هل تقدّم الإمام الحسين للقتل ليقول هيّا اضربوا على الدربكّة؟! أليس هذا الكلام سخرية؟! أفهل إقامة العزاء مرقص؟! أفهل نقيم مسرحًا أم عزاء للإمام الحسين؟! ماذا نصنع نحن؟! فالآن احتفالات النصف من شعبان هكذا أيضًا، يحتفلون بما يثير السخرية! لا أدري لماذا لا يضعون حدًّا قانونيًّا لهذه الأمور؟!
لا بدّ أن تكون مكانة الإمام عليه السلام وذكرى ولادة الإمام عليه السلام مختلفة عن سائر المناسبات، لا بدّ أن يكون فيها وقار ورزانة. لا بدّ أن تكون في هذه الاحتفالات عبارات من الأئمّة وتدعو الناس إلى الانتظار، وموضوعات لبناء الذات والقبول بهدف الإمام وتبيّن كيف نقبل هدف ذلك الإمام في حياتنا.
فهل يكفي بناء على ذلك أن نجلس ونقول سيأتي إمام الزمان؟! فما صلة مجيئه بي أنا؟! سيخرج إمام الزمان ويظهر ويملأ الدنيا قسطًا وعدلاً فماذا سأصنع أنا؟! هل أُعطيت ضمانًا أنّي سأبقى حيًّا حتّى ظهور الإمام؟! هل أعطيتُ ضمانًا بأنّي سأصل عند ظهوره إلى تلك الحالة وتلك المكانة؟!
ماذا يريد الناس من الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه؟
لقد قلت يومًا للرفقاء أنّ علينا أن نكون أكثر تفكيرًا ومنطقيّة بالنسبة إلى الحقائق. فإذا ما ظهر الإمام فماذا يريد من هؤلاء الناس؟! هؤلاء الناس الذين يحتفلون الآن ويزيّنون بالمصابيح ماذا يريدون من الإمام؟! عين ما كنّا نريده نحن من المرحوم العلاّمة عند مجيئنا إليه والذي لم يكن يتأتّى منه! أقولها لكم بصراحة:
يقول أحدهم: سيظهر الإمام لكي يسدّد عنّا قروضنا!
يقول الإمام: أفهل أنا المصرف المركزيّ لكل أسدّد قرضك؟! قم واعمل وسدّد قرضك! كان بإمكانك أن لا تفرّط، كان بإمكانك أن لا تخطئ! كان بإمكان أن لا تتجاوز حدودك! أنت بنفسك ذهبت واقترضت، فأنت المقصّر إذن، فلتذهب أنت أيضًا ولتعمل وتسدّد قرضك! فأنا لا أطبع العملات الورقيّة، العملات التي لا غطاء لها! فلتنصرف إلى العمل!
وأحدهم يقول: يا ابن رسول الله إنّ ظهري يؤلمني!
فلتتناول مسكّنًا! فما هي وظيفتي أنا في هذه الدنيا؟! هل عليّ أن أعطي دعاء حتّى يبرأ ظهرك؟! كلا يا سيّدي فأنا لم أدرس شيئًا عن الظهر وهذه الأمور! وواقعًا الإمام لم يدرس شيئًا فعلوم الإمام ليست علومًا تحصيليّة، وإن كان هناك في هذا الزمان عدد من المتبجّحين عديمي الفهم والحمقى الذين لا يعرفون أخمس أصابع في أيديهم أم ستّ، يريدون أن يحدّدوا تكليف الإمام ويقولون: الإمام لا يدرك شيئًا والعياذ بالله!
يا ابن رسول الله نحن لدينا مشكلة عائليّة وهناك خلاف بيني وبين زوجتي.
قم وعالج مشكلتك واعمل بالقوانين والموازين وليكن كلّ إنسان عند حدّه. فإن كان عليّ أن أنتعل حذائيّ وأرتدي عباءتي وعمامتي وأحلّ النزاعات، فعليّ أن أقضي الوقت من الصباح حتّى المساء من هذا البيت إلى ذاك، فمتى سأتفرّغ إلى أعمال الناس؟!
إنّ مشاكلنا هي عين هذه المشاكل والتوقّعات والأهداف التي كنّا نذهب برفقتها إلى المرحوم العلاّمة. كان جالسًا فدخل أحدهم من الباب وبدأ يا الله:
سيّدنا أنا على خلاف مع زوجتي!
تفضّلوا فلتأت زوجتك في هذا الوقت.
فعلى العلاّمة أن يتكلّم مع هذه السيّدة كي لا تعاند زوجها وتكفّ عن إهماله!
أنا ابنه وأنا شاهد على أنّه عندما كان في هذه الدنيا كان وقته ينقضي بهذه الأمور! كان عليه أن يتكلّم إما مع الزوج أو مع الزوجة أو مع الابن، أو أنّه كان عليه أن يقول لهذا: حلّ مشكلة ذاك أو … حتّى عندما كان في قم اتّصل أحدهم في الساعة الثانية عشرة ليلاً في أواخر شهر آذار وقال سيّدنا إنّ هرّتنا أصيبت بألم في بطنها فماذا نصنع؟ ـ وأقول ذلك جادًّا! ـ فقال: أفهل أنا عاطل عن العمل كي أعطيك علاجًا لهرّتك؟! فقد اتّصل عند الساعة الثانية عشرة ليلاً من طهران أن هرّتنا أصابها ألم في بطنها! فقلت له أنا بدوري: اسقها قليلاً من السّكر الحارّ!
رزقك الله عقلاً أيّها المجنون! حقًّا لم تكن سوى هذه المسائل، نعم أحيانًا أقلّ وأحيانًا أكثر.
لقد كنت متحيّرًا في كيفيّة علاقته مع الناس، فالآخرون لهم تلامذة والوالد له تلامذة! وهذا الأمر كان عجيبًا بالنسبة إليّ! أحيانًا كنت أفكّر في نفسي أنّه أليس علينا أن نصل إلى حالة ندرك فيها ما هي توقّعاتنا من هذه المدرسة؟! هل نتوقّع منها أن نأتي إليها لنحلّ مشكلاتنا العائليّة؟ أفهل هي محكمة؟! هل أقاموا هنا محكمة لحل النزاعات والفصل في الاختلافات العائليّة؟! فماذا نتوقّع نحن؟ ماذا نريد من هذه المدرسة؟ نحن في هذه المدرسة نبحث عن أيّ شيء؟!
لقد بقي الأمر بالنسبة إلينا غير واضح! وذلك التصوّر الذي أعطي إلينا عن الإمام عليه السلام هو تصوّر خاطئ، وللأسف هم يقومون بجرّ الناس نحو هذا الجانب وذاك تبعًا لهذا التصوّر الخاطئ، التصوّر هو أنّه إذا ما جاء الإمام فسيحلّ جميع المشاكل العائليّة، وسيسدّد جميع القروض، وسيحلّ جميع الأزمات و… هذا جيّد جدًّا، ونحن أيضًا نرى أنّ جميع مسائلنا هي بهذا الحدّ، لذلك نقول: ليت إمام الزمان يعجّل في ظهوره!
فلو قالوا بشكل صريح إنّ إمام الزمان لن يأتي، ولكن غدًا سيأتي إلى إيران بدلاً عنه رجل من أوروبا وبصحبته محفظة، وكلّ من كان لديه قرض فإنّه يخرج منها ويعطيه! جرّبوا ذلك! يقول: عزيزي أنت ماذا تريد من إمام الزمان؟ أتريد أن يسدّ قرضك؟ أنا أسدّه. القرض قرض فلا فرق إذن بين أن يسدّده إمام الزمان أو أنا! فيخرج من محفظته ويعطي. فمهما كان قرض كلّ واحد فلا فرق لديه، بعضهم يقول: أنا عليّ مليون، وبعضهم يقول: عليّ عشرون مليونًا، وبعضهم يقول: عليّ مليار. وهو يقول في المقابل: تفضّل وخذ! ويخرج من محفظته ويعطي. فبماذا يختلف عن إمام الزمان؟!
وكذلك لو جاء طبيب حاذق يعرف كلّ شيء وله اطّلاع على جميع الأدوية. فنقول له: أنا لديّ ألم في الرأس! يقول: تناول هذا القرص لتشفى. نقول له: لديّ انقطاع في النخاع. فيقول: أنا أجري له عمليّة فتشفى. وواقعًا يفعل ذلك أيضًا. أو يقول: اضرب تلك الإبرة تشفى، أو تناول ذاك القرص وافعل ذاك الفعل لتشفى.
فلو جاء هؤلاء ورفعوا المشكلات والأزمات ولم تعد هناك مشكلة بيئيّة ولا مشكلة اجتماعيّة، فماذا نريد بعد ذلك من إمام الزمان؟! فقد أعطانا مالنا في النهاية، وأعطانا الدواء، وليس هناك مشكلة أخرى وليس هناك أيّ نقص في تحقيق رغباتنا الدنيويّة والنفسيّة، فإذن لا حاجة لنا بعد ذلك إلى إمام الزمان! وإمام الزمان يقول من جهته: أنا لن آتي إليكم إذن! بدلاً من أن آتي وأتعب نفسي يأتي غيري ويحلّ جميع الأزمات. هل علينا أن نقدّم إمام الزمان بهذا النحو وبهذا الدور؟
هل تنسجم أهداف الإمام المهديّ مع توقّعات الناس السطحيّة؟
أمّا لو أنّا إذا ظهر الإمام ذهبنا إليه في اليوم الأوّل وقلنا له مثلاً إنّ لدينا مشكلة عائليّة! ورأينا أنّه يقول: اذهبوا وتصرّفوا بشكل صحيح!
لدينا قرض!
لو شئتم لما أسرفتم! فمن الذي قال لكم أسرفوا؟! لقد أسرفتم وأوقعتم أنفسكم في القرض ثمّ جئتم إليّ؟! كان عليكم أن لا تسرفوا! لم يجبركم أحد!
هناك مشكلة بيننا وبين رفيقنا فلان!
فلتذهب وتحلّ هذه المشكلة! فلكلّ مشكلة حلّ.
فإذا رأينا أنّ الإمام هكذا وبهذه الخصوصيّات ينتهي الأمر، في اليوم التالي نقول: كلاّ نحن لا نريد إمام الزمان هذا!
هذه هي التوقّعات السطحيّة والظاهريّة، وهذه الطريقة من التصرّف كانت بعينها مع الأئمّة. كم واحدًا من الذين كانوا على تواصل مع الأئمّة كانوا خالين من هذه الأمور؟!
لقد كانوا قلّة الذين كانوا في زمان المرحوم العلاّمة وكانوا يرجعون إليه ولا يتكلّمون بهذا الكلام! فقد كنت في ذلك البيت وكنت أرى، فهذا يريد زوجة فيأتي إليه، وتلك تريد زوجًا فتأتي إليه، وذاك يريد أن يبدّل منزله إلى ما هو أحسن منه فكان يأتي إليه، وذاك كانت لديه أزمة فيأتي إليه، وذاك لديه خلاف فيأتي إليه… هكذا كانت حاله! إلى أن وصل به الأمر أن قال لي: أعلن بين الرفقاء أن لا يراجعني أحد من الآن فصاعدًا حول المشاكل العائليّة!
لماذا قال هذا الكلام؟ لأنّ الحدود لا تراعى! مهما تكلّم لم يكن ليدخل كلامه إلى آذانهم! فكان يقول:
لا تأتوني بمشاكلكم فأنا أؤلّف الكتب ولديّ عمل! لقد تخلّيت عن كلّ شيء حتّى أقول هاتين الكلمتين للنّاس، لأنّ هذه الكلمات والمضامين الموجودة هنا لا وجود لها في مكان آخر!
ولكن كلّ من كانت لديه مشكلة كان يأتي!
إنّ مسألة إمام الزمان عليه السلام هي هكذا أيضًا ولا تختلف أبدًا. لذا فأنا أقول للرفقاء: علينا أن لا نجلس وننظر هنا وهناك حتّى يأتي يوم وتصلح فيه الدول الغربيّة، كلا يا عزيزي ربّما لن تصلح. علينا أن لا نجلس على أمل أن يأتي يوم تعود الدنيا إلى عقلها وتجعل اعتقادها على أساس المنطق، فربّما لا يتّفق ذلك أصلاً. هل يمكننا نحن أن نفعل ذلك؟! لو كانت لدينا القدرة لفعلنا ذلك، ولكن لا نقدر. فإلى أين نريد أن نذهب؟! كلّ هذا خيال وأوهام وكلّ ذلك سير في عالم الآمال والرغبات التي لا يمكن أن تتحقّق وإتلاف للعمر.
ما هي وظيفة صاحب الزمان في زمان إمامته؟
لقد بيّن الأعاظم الطريق، بيّنوه جيّدًا فقالوا: بدلاً من أن تنظر دائمًا إلى هذه الناحية وتلك وتلقي بنظرك إلى هذا الجانب وذاك، وبدلاً من أن تتوقّع من الآخرين الإصلاح، وبدلاً من أن يعمل الآخرون لأجلك أو يحضرون لك باقة من الورد، قم أنت واخدم نفسك بنفسك!
لقد قال الأولياء والعرفاء: اخدم نفسك وانظر إلى ما تحتاج! ثمّ إذا استطعت أن تصلح رفيقك، وإذا استطعت أن تصلح زوجتك وأولادك، وإذا استطعت أن تصلح جارك، وإذا استطعت أن تصلح الحيّ الذي تسكنه، وإذا استطعت أن تصلح مدينتك وهكذا إلى النهاية فبها، وإلا فإن لم تتمكّن فلم ينته الأمر ولم تصل الدنيا إلى نهايتها! أصلح نفسك ولا شأن لك بالآخرين.
يستطيع الإمام الحسن بإشارة واحدة أن يغيّر كلّ شيء ولكنّه هو نفسه يصالح معاوية. كان الإمام جالسًا في مسجد المدينة فقال: لو شئت لأتيت بالشام إلى المدينة وبالمدينة إلى الشام! ولجعلت المرأة رجلاً والرجل امرأة! وكان أحدهم جالسًا هناك فقال: افعل! فنظر إليه الإمام فصار امرأة! فرأى الناس أنّه كان له شارب ولحية فسقط كلّ شيء وطال شعره وحدثت أمور فقام وفرّ ومضى إلى منزله. فقال الإمام: جعلت من في البيت رجلاً. فهو يذهب الآن إلى بيته فيجد شيئًا آخر! فذهب إلى البيت فقالت له زوجته: سلام عليكم أين كنت؟ لقد كان لي الآن مقام آخر ومن الآن فصاعدًا تبدّلت مواقعنا! فقال الإمام بعد ذلك: سأخبركم بشيء آخر وهو أنّه سيولد منهما طفل هو خنثى. وطبعًا بعد ولادة هذا الطفل تاب هذا الرجل وأعاد الإمام كلاًّ إلى ما كان عليه.۱
أيستطيع الإمام عليه السلام أن يفعل ذلك أم لا؟ هذا الإمام الذي يفعل ذلك هو بعينه يصالح معاوية، ثمّ بعد ذلك يأتي صاحب هذا الإمام ويشمت به ويسبّه: يا مذلّ المؤمنين! لقد فعلت ما يجعل الجميع يشمتون بنا ويراق ماء وجهنا أمام جيش معاوية كلّه! يقول للإمام الحسن: يا مذلّ المؤمنين.٢ ولكنّ هذا الإمام ينظر إليه هكذا غير مبال! فإذن وظيفة الإمام هي أن يجري مشيئة الله في هذا العالم بحذافيرها بدون تغيير ولو بمقدار رأس إبرة.
لقد قلت للرفقاء: عندما جاء الإمام الحسين عليه السلام بطفله الرضيع وقال: «إن لم تَرحَمونی فَارحَموا هٰذا الرَّضیع! أفلا تَرونَ کَیفَ یَتَلَظّیٰ عَطَشًا؟!۱ ثمّ يرميه حرملة، فلو شاء الإمام لذهب بذاك السهم إلى ما هو أبعد سنتيمترين اثنين إلى هذا الجانب أو إلى ذاك. أيمكنه ذلك أم لا؟! مثلاً تأتي ريح. ولكنّه لا يريد، بل الإمام بنفسه يهدي هذا السهم، ويوجّهه نحو رأسنا! نحن لا نعي كيف يفعل الإمام ذلك. أنتم تظنّون أنّ الإمام عليه السلام جلس هكذا مثل الجدار، لقد أخذ بيده عليًّا الأصغر أن يا قوم إن لم ترحموني… ثمّ رمى حرملةُ سهمًا فأصاب صدفة واتّفاقًا ووقع ما وقع ولم يكن هناك حساب ولا تدبير؟! كلاّ يا عزيزي، الأمر أرفع من ذلك!
إنّ ما كتبه المرحوم العلاّمة في الروح المجرّد من أنّ الأعاظم يفكّرون في أسرار يوم عاشوراء ويذرفون الدمع٢ مراده منه هو هذه الأمور. فالإمام عليه السلام هو الذي يرشد هذا السهم ويأتي به ويسعى أن لا يحيد إلى هذا الجانب أو ذاك ويأتي بشكل جيّد ويصيب هذه الرقبة! لأنّ مشيئة الله تريد أن تأتي الآن بطفلك وتقدّمه في سبيل الله. حسنًا ثمّ يقول الله بعد ذلك: أنت أيضًا عليك أن تفعل ذلك! فانظروا ما هي حقيقة الأمر! فهذا العدوّ الذي يقوم بهذه الجريمة عليك أن لا تمنعه! فأنت الإمام، أنت مجري المشيئة الإلهيّة، أنت صاحب الولاية في زمانك، أنت عليك أنت تنفّذ هذه المشيئة في عالم الخارج وتحقّقها وتهدي السهم وتساعده حتّى يأتي هكذا ويصيب حلقوم ابنك ويبلغ به مرتبة الشهادة. لا بدّ أن يتحقّق ذلك! عليك أن تجعل عليّك الأكبر هكذا أيضًا أمام السهام والأسنّة والسيوف!
نحن نقول هكذا إنّهم كانوا أئمّة، ولكن ليس لدينا علم بما يجري على رؤوسهم وما هي الحالة التي حلّت بهم حتّى صاروا أئمّة. وما هي المقامات والدرجات التي طووها حتّى إنّ واحدة منها لا يمكن تحمّلها وقبولها من قبلنا! هذا هو معنى العزّة.
التناقض بين العزّة الحقيقيّة وحبّ الراحة
يخال المنافقون أنّ العزّة بالقوّة، بالشخصيّة، بالمال وبالناس، والحال أنّ الله يقول: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ﴾ العزّة والمنعة والحريّة والقوّة مختصّة بالله لأنّه هو الغنيّ، والحقّ هناك، والأصل والأساس هنا، وسائر ذلك كلّه اعتبار. من كانت عزّته في بندقيته فإذا أخذت منه البندقيّة ذهبت عزّته، ولكن ماذا يؤخذ من الله لينتهي؟! لا شيء! لا يمكن أن يأخذوا من الله شيئًا! وهكذا أيضًا ﴿وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾۱ فإذن هناك ثلاثة لهم العزّة هنا:
أحدهم: هو الله.
والثاني: رسول الله والذي تصل إليه تلك العزّة من الله، فعزّة الرسول هي عزّة الله، وليس له عزّة بمقدار ذرّة من نفسه.
والثالث: المؤمنون والذين عزّتهم أيضًا هي عزّة الله.
فإذن ليس هناك سوى عزّة واحدة وهي عزّة مقام الغنى ومقام المناعة وعدم الحاجة وعدم ملاحظة التفكير بالمصالح الدنيويّة:
آه لو تكلّمت بهذا الكلام فيمكن أن يقع كذا!
آه لو لم أتنازل هنا لخربت حياتي!
آه لو قلت هذا الكلام لإنسان ما فربّما عبس في وجهي!
آه لو قلت هذا الكلام هنا فيمكن أن يحدث كذا!
فهذه الآهات لا وجود لها في عزّة الله، إنّها عند هؤلاء الذين﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَل﴾.٢ لذلك فهم يلتفتون أن لا تصدر منهم لا سمح الله كلمة تنفّر رفيقهم فينقص رفاقه واحدًا، فهو يراعي رفيقه كيلا ينقص ذلك الجمع ولتبقى هذه القوّة. إنّه يلتفت أن لا يقول كلمة تؤذي غيره فيقول عنه شيئًا، يلتفت أن لا يقول هذا لزوجته أو أن تقوله لزوجها، أو أن يقوله لولده، أو أن يقوله لفلان… لذلك فإنّ "لا سمح الله هذه" هي العزّة الخاوية والفارغة التي عند المنافقين.
في عزّة الله ليس لدينا "لا سمح الله". نعم على الإنسان أن يعمل بتكليفه وليس من الواجب أن يصرخ ويضرب ويشتم ويحقّر دائمًا، بل لكلّ مقام مقال، ولكن ليس لديه "لا سمح الله"، النقطة المهمّة في الأمر هي هذه.
ما أقوله من أنّ علينا أيّها الرفقاء أن لا نتّخذ الأمر هزوً ولعبًا إنّما هو لأنّهم لا يعاملوننا بالهزو واللعب. فالنقطة المهمّة في الأمر هي أنّه ليس في العزّة الإلهيّة "لا سمح الله"، بل هناك عمل بالتكليف. فأحيانًا يكون التكليف هو الضرب، وأحيانًا يكون التكليف هو الضحك، وعلينا أن نرى ما هو التكليف. أمّا أن ألاحظ أنّي لو قلت هذا الآن لسبّب لي مشكلة غدًا، فهذا ما يفسد الأمر ولا فائدة منه. إذا تصرّفت بهذه الطريقة الآن فربّما ظهرت لديّ نقطة ضعف غدًا. فهذا نفاق. في العزّة الإلهيّة لا يبقى إلا الله فحسب! فلو فسدت الأحوال غدًا فليس مهمًّا! ولو ذهبت مصالح حياتي غدًا فليس مهمًّا! أفهل يجب أن تكون مصالح حياة الإنسان دائمًا على ما يرام؟! من الذي قال إنّ على الإنسان أن يخسر دنياه وآخرته لأجل حفظ مصالح حياته؟! من الذي قال إنّ على الإنسان أن يقدّم الجنّة من أجل مصالح حياته؟! هل قال الله إنّ على الإنسان أن يخسر سعادته من أجل حفظ مصالحه؟! اللعنة على تلك المصالح التي تسلب جنّة الإنسان وتكامله ورقيّه!
جميع الأئمّة وقعوا في قعور السجون والزنازين المظلمة من أجل هذا. والذي أدّى إلى شهادة الإمام الرضا هو هذا الأمر. والذي أوقع موسى بن جعفر لثمان سنوات في سجن هارون هو هذا الأمر. وهذا الأمر هو الذي أوصل الإمام الحسين إلى تلك الأحوال والأوضاع والأسر و… كلّ ذلك كان من هنا.
لو أنّ الأئمّة كانوا يريدون الراحة في هذه الدنيا لكان يزيد يجلس الإمام الحسين إلى جانبه على العرش، فأنا أجلس في هذا الجانب وأنت تجلس في ذاك، ولا شأن لي بك! ولا شأن لك بي، وأنا أعطيك كامل حكومة الحجاز والجزيرة واليمن. نعم كان يعطيه ذلك! ولماذا لا يعطيه؟! فمن يكون أفضل من الإمام الحسين بالنسبة إلى يزيد؟! إنّه ابن النبيّ فيجلسان معًا ويتسامران ويضحكان ويقتسمان الحكومة بينهما! ولكنّ الإمام الحسين قال: كلاّ! لو قطّعتني إربًا إربًا لن أتراجع عن ذلك المسار وتلك العقيدة! لو قطّعتني إربًا إربًا لن أترك طريقي ومنهجي!
قالوا: نقتلك!
فقال الإمام: اقتلوني!
قالوا: نسبي عيالك وأطفالك!
فقال الإمام: اسبوهم!
قالوا: نصنع بطفلك كذا وكذا!
فال: اصنعوا!
لقد جاء عمر بن سعد ليلة عاشوراء إلى الإمام الحسين ونصحه: يا ابن رسول الله هيّا لنحلّ المشكلة!
فقال الإمام: لقد عشت عشرات السنين بانتظار هذا اليوم! ثمّ تأتي أنت الآن لتقول لي: هيّا لنبايع هذا الملاعب للكلاب والقردة ولاعب القمار وابن الزنا ـ لأنّ يزيد كان ابن زنا ولم يكن نسبه معلومًا أصلاً!۱ ـ أنا ابن النبيّ أبايع هذا اللاعب بالكلاب؟!٢ ألا تخجل؟!
سنقتلك!
اقتلوني!
غاية ما يمكن أن تقولوه: يا ابن رسول الله إن لم تبايع قضينا على حياتك!
فلتقضوا عليها، لا يهمّني ذلك!
وطبعًا أنا أقول هذا والإمام لم يقله.
أفهل علينا أن نجعل حياتنا وعلاقاتنا وذهابنا وإيابنا على أساس هذه التخيّلات وهذه المعايير؟! هذا المعيار هو معيار معاوية! هذا المعيار هو معيار يزيد! هذه المعايير هي معايير خلفاء الزمان والذين يحكمون الدنيا الآن! معيارهم هو أن أغلب أنا وأطرح خصمي أرضًا، وليكن ما يكون! هل هناك سوى ذلك؟! المهمّ أن يأتي حزبي إلى السلطة وأطيح بحزبه! أن يستلم زمام الأمور جماعتي وأنحّي جماعته جانبًا! هذا هو كلّ معيارهم.
فَإن یَکُنِ الزّمانُ أتیٰ عَلَینا | *** | بِقَتلِ التُّرك و المَوِت الوَحیّ |
فَقَد قَتَلَ الدَّعیُّ و عَبدُ کَلبٍ | *** | بِأرضِ الطَّفِّ أولادَ النَّبيّ |
هذه المسألة متناقضة مع العزّة الإلهيّة. علينا إمّا أن نقبل بعزّة معاوية وأن نقبل بهذه الآهات، أو نقبل بعزّة الإمام الحسين ثمّ ليحدث ما يحدث. هذه هي المسألة. إنّ عزّة سيّد الشهداء تعني أن تدوس على جميع التخيّلات والوهّمات، أن تدوس على جميع الأباطيل. هذه هي العزّة لا غير! ومعها يكون الإنسان مرتاحًا ليس لديه قلق وفكره وباله في راحة.
لا بدّ من الصراحة: كلّ إنسان يواجه في حياته أمورًا كهذه، في مصالحه، في أصدقائه، في جيرانه، في شركائه، في الآخرين و…
ولحسن الحظّ قبل أيّام واجهت أمرًا فقلت: الحقّ هو هكذا وإن كنّا نحن أتباع هذه المدرسة فلا بدّ أن نعمل بهذه الطريقة.
كانوا يقولون: إن أردت أن تعمل بهذا الأمر فربّما لن يحتمل فلان ويقطع علاقته بك.
قلت: في أمان الله وحفظه! فليتفضّل من الآن! وهذا ما حصل أيضًا. فليس مهمًّا، فليكن! هل أتينا نحن لأجل الأمور المتعارفة والظاهريّة الدنيويّة؟ فكم سنعمّر نحن؟ كم يومًا سنعيش؟ هل علينا أن نتخلّى عن أهدافنا؟
وظيفة أهل العلم والعزّة في إحقاق الحقّ
هذه العزّة هي عزّة لم يدفع مقابلها القليل، لقد أريقت من أجل هذه العزّة الدماء، لقد حصل من أجلها التشريد والأزمات، ووقع الأولياء في مشقّات لكي يصونوا هذه العزّة. هذه العزّة لا بدّ أن تكون مهمّة لدى جميع الناس فردًا فردًا، وخصوصًا لطائفة أهل العلم المنادين بالعزّة لا بدّ أن تكون أهمّ.
إنّ الأصدقاء والرفقاء الذين سيلبسون لباس المعنويّة ولباس أهل العلم ولباس الأنبياء ولباس الملائكة ـ لأنّ لبس العمامة تزيّ بزيّ الملائكة، لأنّ الملائكة معمّمون، أي إنّ صورهم البرزخيّة التي تتجسّد في عالم البرزخ تكون بعمامة ـ فلا بدّ أن يعلموا أنّ النقطة الأولى والأخيرة التي لا بدّ أن تكون في أذهاننا هي أن نعلم أين نحن وفي أيّ واد سلكنا وأيّ مسؤوليّة حملنا؟! هل هذه المسؤوليّة التي حملناها الآن مثل سائر المسؤوليّات الدنيويّة وسائر الأشغال وسائر التخصّصات والتي هدفها تحصيل الدنيا والخبز والماء لتأمين العيش؟ أم لا، بل التلبّس بلباس أهل العلم دخول في مدرسة الحياة والعزة ومدرسة المعنويّة وفي مدرسة الحريّة، أي إنّنا نريد بواسطة ذلك أن نختار ورود أنفسنا جبرًا واضطرارًا في هذه الدائرة والمحيط اللذين نكون فيهما أتباع الحقّ فحسب، لا أتباع الأفراد والشخصيّات! نحن أتباع الحقّ، لا أتباع الشأن والشخصيّة! المهمّ بالنسبة إلينا هو المدرسة فحسب، الشخص ليس مهمًّا عندنا، إذا ما لم يعجب فلانًا أو فلانًا فهذا ليس مهمًّا بالنسبة إليها، وهذا ليس بشيء.
نعم، قد يخطئ الإنسان أحيانًا، والجميع يخطئون ولا أحد يدّعي أنّ من دخل في هذا المجال وهذه المدرسة سيكون محفوظًا من الخطأ ومعصومًا. المعصوم الآن هو إمام الزمان فحسب! وكلّ من يدّعي العصمة فقد أخطأ، فالمعصوم هو واحد فقط وهو إمام العصر لا غير! والآخرون كلّهم يخطئون، ولكن هناك فرق بين من هو في الطريق ويخطئ وبين من يسير على غير هدى ويخطئ، والفرق بينهما ما بين السماء والأرض.
علينا أن نعلم نحن مسؤولون عن أيّ هدف وأيّة غاية، هدفنا وغايتنا إحقاق الحقّ، بيان الحقّ، معرفة الحقّ، فهم الحقّ والعمل به، هذا لا غير، ويجب أن لا يكون هدفنا هو الأشخاص.
تحليل قصّة الاعتراض على حواشي العلامة الطباطبائي على بحار الأنوار
لقد كان العلاّمة الطباطبائي يعاني في هذه الحوزة من هذه المشاكل لأنّه كان يقول: نحن نريد أن نكون أتباع الحقّ وأتباع المدرسة.
كانوا يقولون: لا أنت إذ تكتب حاشية على البحار توهن من شأن العلاّمة المجلسي، وإشكالك على العلاّمة المجلسي يجعل هذه الشخصيّة موضع تشكيك!
لا مشكلة، فلتكن موضع تشكيك. فمن هو العلاّمة المجلسي؟ أوّلاً هو جدّي.۱ وفي أغلب الأوقات التي كنت أزور فيها أصفهان كنت أزور قبره وكذلك قبر الملاّ محمّد تقي والده ذلك الرجل الجليل جدًّا والذي هو من أهل العرفان والأعاظم وهو من الناحية العلميّة والفقهيّة إن لم يكن أعلى من المجلسي الابن لم يكن أقلّ منه. فإذا طالع الأصدقاء والرفقاء كتبه وشرحه للروايات سيلتفتون إلى تضلّعه وكيفيّة فهمه. كنّا نذهب ونقرأ الفاتحة، ولكن فقط نقرأ له الفاتحة، ولكنّ مقتدانا ليس هو العلاّمة المجلسي، قائدنا ليس العلاّمة المجلسي، أسوتنا ليس العلاّمة المجلسي، بل مقتدانا هو الإمام الصادق عليه السلام لا سواه!
وطبعًا إنّما أقول الإمام الصادق من حيث إنّ علينا أن نعرف الفقه، وإلا فلا فرق أبدًا، أي إنّ مقتدانا فقط هو الإمام لا سواه! ومقتدانا الآن هو إمام الزمان لا سواه! أسوتنا هو إمام الزمان لا سواه! إمامنا وقائدنا هو إمام الزمان لا سواه! ولتقولوا "لا سواه" هذه بقوّة! لأنّه وحده هو المعصوم "لا سواه"!
ولحسن الحظّ فإنّ للمرحوم العلاّمة قصيدة تنتهي جميع أبياتها بكلمة "لا سواه" الحسين لا سواه۱، فكلمة "لا سواه" هذه التي قالها في نهاية شعره ليست عبثًا، بل كلّها لها حسابها، وقد قالها لنا نحن لبيان هذه الحقائق.
لقد اعترضوا على العلاّمة الطباطبائي: إنّك إذ تعلّق على بحار الأنوار تجعل شخصيّة المجلسي موضع تشكيك.
فقال: هل المجلسي أرفع أم الإمام الصادق؟! أيّهما أرفع؟!
هل تعرفون ما هو أكثر منطقيّة وحكمة وثباتًا من هذا الكلام وهو أنّه عند المقايسة بين المجلسي رحمة الله عليه والإمام الصادق أيّهما علينا أن نأخذ؟! هل علينا أن نحتفظ بالروايات هكذا ونعترض على الإمام الصادق ـ وللأسف الآن يعترضون ـ أو أن نقول إنّه لهذا الدليل وهذا الدليل فقد أخطأ المجلسي وفهم الأمر بنحو آخر والحقّ إلى جانب الإمام الصادق؟!
ولكنّهم لم يقبلوا كلام العلاّمة وأجبروه على ترك هذه الحواشي.٢ فهذا يصبح نفاقًا!
ما هو جيش يزيد؟
نحن دائمًا نضرب على رؤوسنا ونقول معاوية ويزيد والإمام الحسين وعمر بن سعد، ولكن نحن أنفسنا مبتلون! لماذا نذهب إلى معاوية ويزيد؟! لماذا دائمًا نلقي بالمسؤوليّة على هذا البلد وذاك؟ لماذا علينا دائمًا أن نطرح قضايا وأحداث كربلاء لأجل التبرير لأنفسنا وخداع الناس؟ إنّ كربلاء موجودة الآن! في هذا اليوم الخامس عشر من شعبان ۱٤٢٩ هـ، في هذا اليوم بعينه قضيّة كربلاء متحقّقة! هذا اليوم بعينه! أصلاً لا حاجة إلى هذا الكلام؛ لأنّ الولاية حيّة دائمًا. لقد استشهد الإمام الحسين قبل ۱٤۰۰ سنة، ولكن ولاية الإمام الحسين لم تستشهد، بل هي حيّة! بل إنّ ولاية الإمام الحسين ونفسه وروحه صارت أكثر حياة! وكلّ يوم ينقضي تزداد حياة! فاجتماعكم أنتم الآن هنا إنّما صنعه ذلك الذي استشهد قبل ۱٤۰۰ سنة! فنفسه الآن قد جمعت الناس وهو نفسه يقول إنّ ولايتي الآن موجودة! وهو نفسه يقول: التفتوا ولا تدخلوا في جيش يزيد! في هذه اللحظة هو يقول ذلك. لا تتخيّلوا أنّ جيش يزيد كان فقط حينما قتلني، بل الآن جيش يزيد موجود أيضًا. إنّ جيش يزيد الآن هو أوهامك وخيالاتك هذه وتفكيرك في مصالحك الشخصيّة. فهذه الأوهام هي جيش يزيد وهذه الأوهام هي التي جعلت هذين الجيشين أحدهما مقابل الآخر قبل ۱٤۰۰ عام، والآن هي كذلك! لقد أجبر هذا النفاق بعينه العلاّمة الطباطبائي على ترك ذلك الطريق الذي كان قد سلكه. فلماذا نبحث عن معاوية ويزيد نحن؟! علينا أن نفكّر في أنفسنا! لماذا نضرب على رؤوسنا؟ علينا أن نضرب على رؤوسنا لأجل تعاستنا نحن ونصنع لأنفسنا شيئًا ما.
قصّة الاعتراض على كتاب أسرار الملكوت
العجيب هنا أنّي عندما كتبت الجزء الثاني من أسرار الملكوت أصابني شكّ في أنّي كيف أجعل سير هذا الكتاب؟ وأقول هذا بيني وبين الله، فقلت في نفسي: أنا أترك الأمر، وما يأتي به الله يكون هو المطلوب. فلمّا بدأت بكتابة بعض الأبحاث وردت أسماء بعض الشخصيّات واعترض على طريقتهم وأفكارهم ببعض الاعتراضات. فثقل هذا الأمر على كثيرين وسمعت أنّه جرى هناك كلام حول ذلك وأنّه لماذا أورد إشكال؟ ألم يكن هناك كلام آخر؟ وأمثال هذه الأمور. وجاءني أحدهم برسالة من شخصيّة أن ماذا كان غرضك من بيان أبحاث هذا الكتاب؟ والعجيب هنا أنّ هذا الرجل بعينه كان يعترض في أحد المجالس بشدّة على تصرّفهم مع العلاّمة الطباطبائي!
فقلت في الجواب: اذهب إليه فقل له: أليس اعتراضك عليّ شبيهًا باعتراض الناس على العلاّمة الطباطبائي؟!
فذهب ذلك الرجل وعندما قال له ذلك احمرّ لونه ولم ينبس ببنت شفة!
لماذا علينا أن نكون هكذا؟! لماذا نحن إذا كان هذا الأمر يتعارض من ناحية ما مع منافعنا الخاصّة نعترض بنفس الإشكال الذي ننكره على الآخرين؟!
علينا أن نعلم أن تقدير الله ومشيئته سيأتياننا جميعًا بالاختبار. فلا نكن إذا ما وقع الاختبار للآخرين ينطلق لساننا فرسخًا ونبدأ بالاعتراض بكذا وأنّه يجب كذا و…؛ لأنّ هذا الاختبار بعينه سيأتينا وهذا الأمر بعينه سيواجهنا.
ما أريد قوله هو هذا: إن كان لديك اعتراض على البحث فلتتفضّل به، لماذا تعترض من أجل الشخصيّات؟! نحن أمام أبحاث، فيمكنك أن تعترض على البحث وأنّ هذا الكلام الذي تقوله كذب، أو هذا الكلام الذي تقوله خطأ بدليل كذا. حسنًا، لا إشكال في ذلك، فالإنسان يخطئ ويفهم بشكل خاطئ ولكنّه يصحّح بعد ذلك، فلا إشكال في ذلك. ولكنّ ذلك الرجل كان يقول: "لماذا تتكلّم بهذا الكلام عن فلان؟!"
إنّ مشكلة هذا الكلام هي عين مشكلة الكلام الذي كان يقال للعلاّمة الطباطبائي: "لماذا تقول هذا عن المجلسي؟" بماذا يختلفان؟ فهؤلاء لم يقولوا للعلاّمة الطباطبائي: إنّ كلامك خاطئ. لأنّ كلامه كان صحيحًا، ولو استطاعوا لردّوا كلام العلاّمة ولما لجؤوا إلى الكلام عن شخصيّة المجلسي.
قصّة التعليق على كتاب صلاة الجمعة للمرحوم العلاّمة
الرفقاء يعلمون أنّنا في الأبحاث التي لدينا، رغم ما نكنّه للأعاظم من التعظيم والخضوع نحقّق في المسألة من منظار بشريّ، وربّما تكون لدينا اعتراضات، وهذه الاعتراضات قد تكون تامّة وقد تكون غير تامّة، وبعد ذلك نلتفت إلى أنّنا أخطأنا، ولكنّا ما لم نلتفت إلى أنّنا نقع في خطأ فإنّنا نعترض. هذه هي المسألة.
لقد حدث هذا الأمر معي شخصيًّا وأنقله إليكم لكي أقدّم هذا الأمر للرفقاء على هيئة مسألة حيّة. لقد رأيت أنّ كتاب المرحوم العلاّمة لا بدّ أن يخضع للبحث. والرفقاء سمعوا ولديهم علم بأنّ مقام المرحوم العلاّمة أيّ مقام هو، وفكرتي عنه بأيّ نحو هي، وكيفيّة علاقتي به من أيّ نوع هي. لقد كتبت حاشية على كتاب صلاة الجمعة للمرحوم العلاّمة ونظرت فرأيت أنّ بعض الأمور المطروحة فيه هي محلّ إشكال من وجهة نظري، وذلك لأنّه كان قد كتبها في سابق الزمان في النجف، فلا بدّ من توضيحها وبحثها. وأهل العلم والأصدقاء والفضلاء الذين قرأوها يعلمون أنّي لم أراع أبدًا أثناء بحثي وتقريري أو نقدي، حتّى إنّ بعض الرفقاء قال: هل ستطبع هذه الحاشية بهذا الشكل؟! فقلت: نحن فقط مع الإمام الصادق وعلينا أن نكون مسؤولين أمام الإمام الصادق. لقد كان هذا جوابي فقط. والمرحوم الوالد هو من جعلنا في هذا الطريق أيضًا. هو لم يقل اختلق منّي شخصيّة! لم يقل زيّني واعرضني أمام المجتمع! لم يقل اصنع منّي موجودًا معصومًا بحيث أنّي حتّى إذا [أخطأت أمض خطئي]! لقد كان يؤلّف الكتب وكنت أنا أصحّح كتبه. فما الإشكال في ذلك؟! هناك إنسان يكتب فتصدر منه زلّة قلم ويمشي ويخطئ.
من المصائب التي كانت لنا بعد المرحوم العلاّمة أنّ جماعة من الجهلاء جاؤوا وقالوا: "كلّ ما قاله هو صحيح!" فمثلاً الإنسان لديه سبعة أضلاع، ولكن مثلاً هو كتب في موضع ما أنّ للإنسان تسعة أضلاع. فنقول: هذه الأضلاع نحن نعدّها الآن: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستّة، سبعة أضلاع. فالثامن والتاسع ليسا أضلاعًا إنّهما أمعاء! لذلك فهو مخطئ إذ يقول إنّها أضلاع أو شيئ آخر! يقولون: كلاّ! لأنّه هو قال تسعة، فإذن نحن لدينا تسعة! ولا شكّ أنّ ذينك الضلعين الآخرين لا يراهما إلا أبناء الحلال! فهل تلتفتون؟! نقول: عزيزي اغسل وجهك بالماء واستيقظ من غفلتك! فالجميع يعلمون أنّ لدينا هذا العدد من الأضلاع، فإذن هو مخطئ إذ قال مثلاً إنّ لدينا تسعة أضلاع أو عشرة. لذلك لا بدّ من تصحيح ذلك، وإن لم نصحّح فإنّ الناس سيهزؤون من هذا الكاتب وقلمه! ولكنّهم يقولون: كلاّ أنتم عليكم أن لا تتدخّلوا! فيا لها من مشكلة وقعنا بها! ثمّ إنّ هؤلاء أنفسهم أحدثوا انحرافًا بعد المرحوم العلاّمة، لأنّ التفكير على طريقة السفهاء والجهلاء يؤدّي بالإنسان إلى هنا. ولكن أنا قلت: كلا، لا بدّ من تصحيح الكلام؛ لأنّ عملنا هو مع مضمون الكلام فلا بدّ أن يصحّح، وهكذا كان منهجه هو أيضًا. وفي أيّام حياته قال للآخرين مرارًا: تعلّموا من هذا، تعلّموا من هذا، تعلّموا من هذا.۱ هذه المدرسة مدرسة الحريّة ومدرسة العزّة والاحترام والمدرسة التي ليس فيها آهات الندم.
عندما كتبت كتاب صلاة الجمعة وحواشيه ـ ولو لم أكتب هذه الحواشي على هذا الكتاب لحدثت أمور ومشاكل ـ سمعت كلامًا أن عجبًا فلان اعترض على والده وانتقده. وقد صدر هذا الكلام من أولئك الذين أحدثوا انحرافات! ماذا تريدون أن أصنع؟ إن كنت قد أخطأت فلتصحّحوا ولتقولوا إنّ هذا الكلام خاطئ. فأنا لم أفرّ بعد أن كتبت الكتاب، أنا جالس في مكاني! فلتكتبوا رسالة في أنّ هذا النقد الذي وجّهته خاطئ، لأنّ هناك رواية تقول هذا وفتوى تقول هذا. وأنا بدوري أقول: حسنًا، إن كان الأمر هكذا فسأعدّله. إذا ثبت لديّ الأمر والتفتّ أنّ ما صنعته والحاشية التي كتبتها والكلام الذي أضفته كان خاطئًا ومع ذلك لم أصحّحه حينها سأكون من جيش يزيد ومن تلك الطائفة ومن ذلك الجانب.
إنّ طالب العلم جنديّ لإمام الزمان، ولا بدّ أن يكون عمله منصبًّا على مضمون الكلام لا على الشخصّ والشخصيّة.۱ هذه هي المسألة. لا بدّ أن يكون اهتمامه بالمضمون وذلك الذي وصله من المعصوم أيضًا، ومن آيات القرآن، ومن الحقائق المدوّنة والمسلّمة، لا بدّ أن يجعله وحده نصب عينه دون غيره. هذه العقيدة تصبح عقيدة الحريّة.
لقد ولد إمام الزمان عليه السلام اليوم ليقول للدنيا إنّ الله جاء بي ليعلن لهم أنّه إذا أرادني الناس فلا بدّ أن يتركوا جانبًا كافّة التخيّلات والأوهام التي كانت حاكمة على عقولهم حتّى الآن بحيث إنّهم اليوم يتّبعون فلانًا وغدًا يتّبعون فلانًا وبعد غد يتّبعون ثالثًا.
قصّة في المسجد الحرام
كنت جالسًا يومًا ما في المسجد الحرام وكان هناك أيضًا عدد من الإيرانيين جالسين بالقرب منّي في المسجد، فبدأوا بالحديث عن مسائل إيران، فنظرت إليهم وقلت: أيّها الأعزّاء هذا المسجد الحرام! وهذا الكلام الذي تقولونه يمكن أن يقال في مكان آخر أيضًا! فلا تخسروا هذا التوفيق الذي وفّقكم الله له، فربّما لا يوفّقكم الله مرّة أخرى! فاغتنموا هذا المكان واهتمّوا به! فهذا المكان له آداب في النهاية! فلماذا تتكلّمون بهذا الكلام في هذا المكان الذي جاءه الأنبياء والأئمّة وطافوا فيه؟! فهذا المكان الذي تجلسون فيه الآن ربّما كان الإمام قد جلس فيه يومًا ما! ثمّ بعد ذلك بدأوا بالحديث عن رجل وأنّه فعل كذا وفعل كذا و… وكانوا ينالون منه. فيئست من الكلام معهم، وبعد عشر دقائق فجأة دخل ذلك الرجل الذي كانوا يتحدّثون عنه برفقة عدد من الناس! انظروا كيف يمتحن الله الإنسان! فإذا الذين كانوا ينالون منه قاموا فجأة وقالوا: عجيب لقد جاء فلان! وقاموا على الفور ووقفوا إلى جانبه والتقطوا لأنفسهم الصور والأفلام. فقلت: بالله عليك هؤلاء هم الذي يتّبعون إمام الزمان؟! فهذا كان الآن جالسًا ويسبّ ذاك الرجل، وما إن وقعت عينه عليه حتّى نسي كلّ ذلك السباب والشتم وقال: فلنذهب إليه ونلتقط صورة، هيّا لنمشي برفقته! أيّها الأحمق لأجل هذا لا يأتي إمام الزمان! فهل أنت إنسان حقًّا؟ ففي النهاية لا كلامك صحيح، ولا فكرك صحيح، ولا سجيّتك صحيحة، ولا عقيدتك صحيحة، ولا شيء لديك صحيح! إن أنتم إلا عدد من الهمج الرعاع تميلون مع كلّ ريح! إن كنتم تعترضون فلتقفوا عند اعتراضكم، وإن لم تقفوا عنده فلا تعترضوا! فأيّ نحو هذا من الخصال؟! وأيّ نحو هذا من السلوك، فلو فرضنا أنّ إمام الزمان قد ظهر الآن فماذا سيصنع لهؤلاء الناس؟ وواقعًا ما هي فائدة هؤلاء الناس للإمام؟!
لاعب الكرة خير من العالم التقيّ!
كان أحد الرفقاء ينقل أنّه:
ذات يوم أردت أن أزور أحد العلماء البارزين والأتقياء في قم، والذي كان معروفًا بالزهد والتقوى، وواقعًا هو كذلك، وتُسمع عنه بعض الأمور. ويبدو أنّ الليلة كانت ليلة الأربعاء أو مناسبة أخرى. فكنت ذاهبًا للقائه فرأيت عددًا كبيرًا من الناس قد جاء حتّى إذا ما خرج من منزله أو المسجد أو الشارع يرونه ويتبرّكون به.
بمجرّد أن وقفنا وكان الجميع منتظرين رؤيته فجأة جاء أحد لاعبي كرة القدم من هؤلاء الذين يلعبون بالكرة ويجرّون خلفهم سبعين مليون نسمة إلى هذه الناحية وتلك. وما إن وقعت أعين الناس على هذا اللاعب نسوا ذلك العالِم! وبدأوا برفع الصلوات وأخرجوا آلات التصوير وبدلاً من تصوير ذلك العالم، بدأوا بتصوير هذا اللاعب وهم يقولون: انظروا لقد جاء اللاعب فلان!
فقلت: ما شاء الله! المجتمع الذي يتساوى لديه العالم واللاعب أعتقد أنّه لا بدّ من تغيير أصله ونسبه شيئًا ما لنعرف من أين جاء، فهل هذه ثقافة حقًّا؟! أقولها بحقّ هل هذه هي طريقة التفكير والمطالب والالتزام بالقيم التي يجب أن تكون؟! ففي النهاية على الإنسان أن يعي ويدرك!
ما هي مسؤوليّة طالب العلم؟
وعلى كلّ حال، علينا أنّ نجعل هذا الأمر دائمًا نصب أعيننا، وعلى جميع الناس وخصوصًا الرفقاء والأصدقاء المتشرّفين بلباس العلم ولباس الحياة ولباس الحريّة والتحرّر ولباس الإيمان ولباس النور والبهاء والبهجة أن يعرفوا قدر أنفسهم قليلاً! فهذا أمر مهمّ جدًّا! وما أقوله ليس لكي نستعلي على الناس، على طالب العلوم الدينيّة أن يعدّ نفسه كالآخرين، وإن كان على الآخرين أن يحسبوا له حسابًا آخر، فهذه وظيفة الآخرين، أما هو نفسه فعليه أن يعدّ نفسه مساويًا للآخرين.
نحن علينا أن نلتفت إلى هذا الأمر وهو أنّنا في أيّ طريق نسير وما هي المسؤوليّة التي على عهدتنا. يجب أن لا نتأثّر ونغتمّ بسبب أنّ المعمّمين الآخرين في أيّ طريق يسيرون، بل علينا أن نقبل ذلك الطريق الذي فتحه لنا الأعاظم وعيّنوه. علينا أن ندرك ذلك الهمّ الذي كان يحمله الأعاظم. أن نستحضر ذلك الإحساس الذي كان لدى الأعاظم، علينا أن ندرك ما هو الأمر الذي كان يجهد من أجله الأعاظم وأولياء الله ويتحمّولون المشقّات، وهو عبارة عن قوله تعالى: ﴿وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖ﴾۱ لا يخافون أحدًا في حركتهم في طريق الحقّ ولا يخافون شيئًا ولا ينظرون إلاّ إلى الله. فإن كان الأمر هكذا، فإنّ إمام الزمان أيضًا سيلقي أمامنا ما يجب، وسيدخل إلى أذهاننا وقلوبنا ما هو خير لنا، وإلاّ إذا أردنا أن نرفع آهات الحسرة وليتنا ولينتا فسيختار لنا الإمام طريقًا آخر ومسيرًا آخر، فانظر الآن إلى أين يمكنك أن تذهب! لأنّك أنت بنفسك اخترت هذا وقبلته فأنا لا أحمل مسؤوليّتك بعد الآن.
يقول الإمام في التوقيع الوارد منه إلى الشيخ المفيد:
نَحْنُ وَ إِنْ كُنَّا ثَاوِينَ بِمَكَانِنَا اَلنَّائِي عَنْ مَسَاكِنِ اَلظَّالِمِينَ حَسَبَ اَلَّذِي أَرَانَاهُ اَللَّهُ لَنَا مِنَ اَلصَّلاَحِ وَ لِشِيعَتِنَا اَلْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ مَا دَامَتْ دَوْلَةُ اَلدُّنْيَا لِلْفَاسِقِينَ فَإِنَّا نُحِيطُ عِلْماً بِأَنْبَائِكُمْ وَ لاَ يَعْزُبُ عَنَّا شَيْءٌ مِنْ أَخْبَارِكُمْ [وَ مَعْرِفَتُنَا بِالذُّلِّ اَلَّذِي أَصَابَكُمْ مُذْ جَنَحَ كَثِيرٌ مِنْكُمْ إِلَى مَا كَانَ اَلسَّلَفُ اَلصَّالِحُ عَنْهُ شَاسِعاً وَ نَبَذُوا اَلْعَهْدَ اَلْمَأْخُوذَ وَرٰاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ] وَ إِنَّا غَيْرُ مُهْمَلِينَ لِمُرَاعَاتِكُمْ وَ لاَ نَاسِينَ لِذِكْرِكُمْ وَ لَوْ لاَ ذَلِكَ لَنَزَلَ بِكُمُ اَللَّأْوَاءُ وَ اِصْطَلَمَكُمُ اَلْأَعْدَاءُ۱
لأنّكم أنتم شوكة في طريق الأعداء وهم يريدون أن يزيلوا هذه الشوكة وهذا المانع لذلك فهم يريدون فيما يريدون من أهدافهم وأغراضهم أن يدوسوكم تحت أقدامهم!
هذا كلام الإمام نفسه، والإمام هو الذي يقول ذلك.
فإذن وظيفتنا جميعًا وخصوصًا طبقة العلماء وأهل العلم هي أنّا إذا قمنا من نومنا صباحًا لا يكون أمام أعيننا إلا الإمام، وعلينا أن نعلم لماذا اليوم نخرج من منازلنا ولماذا ندرس. فالدرس الذي ندرسه ليكن من البداية في هدفنا أن نفهمه كما قاله الإمام، لا كما يفسّرونه لنا ولا كما يعيّنون لنا مصداقه. علينا أن نعرف ماذا كان مراد الإمام، أمّا أنّه هل له في الوقت الحاضر مصداق أم لا فلا علاقة لنا بذلك. من الذي قال إنّ علينا أن نعيّن مصداقًا ونختلق شخصيّة لكلام الإمام الصادق؟! علينا نحن أن نفهم كلام الإمام. علينا أن نفهم جيّدًا كلام الإمام حين قال: ما لم تستيقن فلا تمش.٢ علينا أن نفهم جيّدًا كلام الإمام حين قال: أنت مسؤول عن نفسك وعن المحيطين بك! ولا نقول ما علاقتنا بهم بل علينا أن نقوم بما علينا، أمّا أنّ مشيئة الله ماذا تقتضي فهذا ما يعلمه الله نفسه.
إن شاء الله نأمل من الله أن يوفّقنا جميعًا لأن نكون أتباعًا لمنهج ومدرسة الإمام عليه السلام، ولا يكون أمام أعيننا غيرها، وأن نخرج سائر الأوهام والخيالات من أنفسنا، ونجعل أفكارنا منحصرة ومتمحّضة ومتركّزة في ذلك الشيء الذي يريده الإمام، وأن نجعل منهج الأعاظم قدوة لنا! علينا أن نعلم أنّ على كلّ فعل من أفعالنا حساب وكتاب، وعلى كلّ كلام لنا جزاء وعلى كلّ خصلة لا بدّ من سؤال.
ترغيب الإمام الصادق بطلب علوم أهل البيت
علينا أن نطلب من الله التوفيق، وخصوصًا للرفقاء والأحبّاء والأصدقاء الروحانيّين الذين يلبسون اليوم لباس الملائكة، علينا أن نطلب من الله التوفيق لأن يشملهم بعناياته الخاصّة ويجعلهم على ذلك الطريق الذي يتوقّعه الإمام الصادق: «لَوَدِدتُ أنَّ أصحابی ضُرِبَت رُءوسُهُم بِالسّیاطِ حَتّیٰ یَتَفَقَّهوا!»۱ فاعلموا أنّنا وضعنا أرجلنا في مكان يقول عنه أول معصوم في العالم: ليتني كنت قادرًا أن أضرب رؤوس أصحابي بالسياط حتّى يدخلوا في هذه الطائفة وفي مدرسة العلم هذه. فلم يقل الإمام: أضرب رؤوس أصحابي بالسياط حتّى يكونوا تجّارًا، أضرب رؤوس الناس ليكونوا كسبة وعمّالاً، ليكونوا مهندسين وأطبّاء، بل قال: أضرب رؤوس أصحابي ليختاروا طريق العلم ومنهاجه. هذا ما قاله الإمام الصادق! فالكسب وسائر الأمور متحقّقة لجميع الناس، ولكن هذه المدرسة وهذا المنهج منهج يحتاج إلى توفيق خاصّ، وفي المقابل فإنّ بركاته بركات يقول عمّن دخل في طريقها ومدرستها النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله…٢
معنى اطلبوا العلم ولو بالصين
وقد كنت يومًا ما أستمع إلى الراديو، فسمعت أحد العلماء المعاصرين الموجودين في قم هذه يتحدّث ويقول:
المراد من "طلب العلم" علوم التجارة والتكنولوجيا والنجارة والحدادة! وهذه واجبة على كلّ مسلم، لأنّ النبيّ قال: اطلبوا العلم ولو بالصين.٣ وقد كانت الصين آنذاك معروفة بين الناس بالصناعة.
ويجب أن يقال له: إنّي أتأسّف كثيرًا على علمك وأنت في السبعين أو الثمانين من عمرك! وليتك أنت أيضًا كنت قد ذهبت إلى الصين وتعلّمت النجارة والصباغة ولم تخرّب هذه الروايات ومدرسة الإمام الصادق هكذا! هل قال النبيّ اذهبوا إلى الصين لأجل الصباغة؟! النبيّ يقول إنّ هذا العلم علم يستحقّ أن تذهب إلى الصين لتستقرّ في روحك معرفة من المعارف الإلهيّة.٤ والنبيّ نفسه فسّر العلم.٥ فلماذا نسيت تلك الرواية؟! لماذا لا تقول إلا هذه؟!٦
استفادة طلاّب العلوم الدينيّة من أعظم النعم وأشرفها
أحيانًا عندما أجلس وأتحدّث مع بعض أصدقائي وخلاّني أقول: أريد أن أسألك سؤالاً، فلا تجيبني بطريقة ما لأنّك أمامي، بل أنت فكّر في نفسك: الذين يريدون الدنيا لأجل اللذة والاستمتاع… لو أنّ هذه المعرفة التي حصلت لديك وهذا العلم الذي حصّلته في هذه السنوات أخذ منك وأعطيت بدلاً منه جواهر تصنع بها ما شئت حتّى نهاية عمرك، تكون لها قيمة تؤمّن من خلالها كلّ حياتك وكلّ شيء، فماذا تصنع؟ هل تتنازل عنها أم لا؟ ـ الرفقاء يضحكون! ـ نتنازل عنها لأجل ماذا؟! لقد حصلنا عليها للتوّ!
عندما تعرّف المرحوم العلاّمة على السيّد الحدّاد قال له السيّد الحدّاد: عليك أن ترجع إلى إيران!
فقال المرحوم العلاّمة: بعد هذا العمر وصلت إليك للتوّ، وتقول لي الآن اذهب إلى إيران؟!
فقال له في الجواب: أينما حللت في العالم فنحن معك!۱ وقد نقل المرحوم العلاّمة هذه القصّة لي بهذا الشكل، وذكرها في الكتاب تقريبًا هكذا أيضًا، ولكنّ عبارته الدقيقة كانت هكذا: لقد وصلت إليك للتوّ.
ونحن أيضًا وصلنا للتوّ إلى كلام الإمام الصادق عليه السلام! نريد أن نقرأ رواية الإمام الصادق ونفهمها. وأنا أحيانًا أطالع الكافي حسب الدراسات والمتابعات فأصل إلى رواية عن الإمام الصادق فتصيبني حالة يمكنني أن أقسم يمينًا أنّي لو أعطيت بدلاً منها الدنيا لن أتنازل عنها وعن ذلك الفهم! فهذا ما يمكنني أن أقسم عليه! لأنّه كلام الإمام الصادق لا كلام باستور وسائر الناس! إنّه كلام الإمام الباقر وكلام الإمام الصادق وكلام الإمام الرضا وكلام الإمام السجّاد عليهم السلام! فلو أنّا فهمنا دعاء من الصحيفة السجّاديّة فإنّي يمكنني أن أقسم أنّهم لو أعطوني الدنيا ثمنًا لهذا الفهم فلن أقبل!
ما هي معجزة الأئمّة الحقيقيّة؟
وقد قلت للرفقاء إنّ معجزة الأئمّة ليست في هذه المعجزات والكرامات، بل معجزة الأئمّة هي الأمور التي نقلت عنهم وغيّرت حياتنا. فأنت تقرأ رواية عن الإمام الصادق فتتغيّر حياتك من هذه الناحية إلى تلك، هذه هي المعجزة.٢ أمّا أنّ ذئبًا في الصحراء تكلّم مع الإمام الصادق، فحسنًا، لقد تكلّم ولكن ما صلته بي أنا؟! إنّه إمام والحيوانات تعرف الإمام، تعرف الولاية، تتكلّم مع الإمام، والإمام يجيبها ويلبّي طلباتها. فما علاقتي أنا بذلك؟! ما يرتبط بي أنا ليس جواب الإمام الصادق للذئب، أو جعل صورة الأسد التي على الستارة حيوانًا مفترسًا وتقطيعه للمشعوذ وأكله إيّاه بأمر من الإمام الرضا.٣ نعم الإمام الرضا فعل ذلك، فماذا أفعل أنا الآن؟! ما ينفع الآن من الإمام الرضا هو تلك الكلمات والروايات والحقائق التي وصلتنا عنه، فهذه بالنسبة إليّ معجزة، وهذه هي التي تنفع الآن. نعم كانت هناك معجزات أخرى أيضًا ولها أهميّتها ومن الجيّد أن نعرفها. ففي النهاية كان لأئمّتنا معجزات من هذا القبيل ليقف الجميع عند حدودهم ويلتفتوا جيّدًا. ولكن ما يغيّرني أنا ليس أن أرتقي المنبر وأتحدّث عن هذه الأمور وأنّ الإمام يأتي بالقمر، فالإمام كان يفعل ذلك و… ولكن تلك المطالب التي تغيّر حياتي هي روايات الأئمّة وهي التي عليّ أن أتحدّث حولها.
يقول الإمام الصادق لو علمتم ماذا سيجلب لكم الدخول في هذا الطريق والبحث عن علومنا وفهم كلماتنا نحن الأئمّة لكنتم مستعدّين لأن تضربوا بالسياط على رؤوسكم! هذا ليس كلامي، فهذا ما يقوله الإمام!
فعلينا أن نعلم ونقدّر النعمة التي كانت من نصيبنا ولا نخسرها بالمجّان. هذا التوفيق الذي وفّقكم الله له حيث تريدون في هذا اليوم أن تلبسوا لباس أهل العلم، هذا التوفيق ليس مجّانيًّا، عليكم أن تعلموا أنّ الله اختاركم من بين ملايين الناس لتضعوا العمائم على رؤوسكم في هذا اليوم! لذا علينا أن لا نتهاون في التعاطي مع هذا الأمر.
يخيّل إلينا أنّه في النهاية هناك هذا الاختصاص وذاك الاختصاص وذاك أيضًا، ومثلاً هذا يضع على رأسه عمامة وذاك يضع قبّعة، ولكن كلاّ بل هناك حساب دقيق لذلك! فقد جاءت الملائكة وبذلت جهدًا عظيمًا لكي يكون هذا التوفيق حليفكم! لقد جاءت بالتقدير الإلهيّ من ذلك العالم وخصّتكم به. فالأمر ليس مزاحًا! لماذا لم يحصل الآخرون على توفيق كهذا؟! الأمر مهمّ جدًّا.
لذلك علينا أن لا نخسر هذه الجوهرة. علينا أن لا نعوّض التتلمذ في مدرسة الإمام الصادق بالخزف، أن لا نعوّضها بالأوهام الدنيويّة والخيالات، وأن لا نعوّضها بإرضاء هذا وذاك، ولا باقتراحات هذا المنصب والمقام، ولا بالوصول إلى هذا المركز وتلك المكانة. هذه هي المسألة!
سخن سربسته گفتی با حریفان | *** | خدا را زین معما پرده بردار! ۱ |
يقول:
سُقتَ الكلام مجملًا للخصوم *** كشف الله الستر عن هذي العلوم
ولم يكن عبثًا أنّي في الجلسات الثلاث التي التقيت خلالها بالسيّد الحدّاد عندما كنت في السابعة عشرة من عمري قال لي في كلّ من هذه الجلسات: أتقن دروسك ما استطعت! يعني ادرس دروسك جيّدًا باذلاً قصارى جهدك، كيلا تخسر هذا الجوهر الذي خسرته.
لذلك علينا أن نغتنم الفرصة٢ فلا نضيّع وقتنا عبثًا، ولا نذهب إلى هنا وهناك ولا نقضي مجالسنا بالكلام ونقل الكلام، لأنّ هذا العمر لن يرجع مرّة أخرى. وإذا ما خسرنا الفرصة الآن فستتغيّر الظروف وستأتي ظروف جديدة وستتطلّب منّا أمورًا أخرى. فما دمنا في مثل هذه الحالة والعمر وفراغ البال فلنستفد من الفرصة، وإن شاء الله تشملنا العنايات الخاصّة من قبل وليّ العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف بحيث لا نعرف غيره، فيكون ذكرنا هو، وهدفنا هو، ونغمض أعيننا عن هذا الجانب وذاك. في المرحلة الأولى يكون وصولنا نحن إلى الهدف، وفي المرحلة الثانية وفي مقام التبليغ نبلّغ الأمر للنّاس كما هو في الواقع.
اللهم صل على محمد وآل محمد