المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةأبحاث فقهية
التوضيح
ما هو تعريف الضمان؟ وما هي أركانه؟ هل يجوز فسخ العقد الضمان؟ وما هي شروط تحقّق هذا العقد؟ ما هي أحكام كلّ من الضمانين الإذنيّ والتبرّعي، والضمانين الحالّ والمؤجّل؟ هل يجوز للضامن أخذ مبلغ أزيد ممّا سدّده؟ ما هو حكم الضمانات التالية: الضمان المتعاقب، الضمان بالاشتراك، ضمان العين الخارجيّة، الضمان المصحوب برهن ووثيقة؟ هي أسئلة في ضمن أسئلة أخرى سعى سماحة آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه للإجابة عنها في هذا المجلس الذي عقده بمسجد القائم بطهران للحديث عن أحكام الضمان.
هو العليم
أحكام الضمان
أبحاث فقهيّة ـ المجلس الخامس
محاضرات ألقاها
سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطاهِرينَ
ولَعنَةُ اللهِ على أعدائِهم أجمَعين
سنسعى إن شاء الله تعالى لاستعراض بعض المسائل المتعلّقة بالضمان.
تعريف الضمان وأركانه
فالمراد من الضمان هنا: أن يصير الإنسان ضامنًا لأحد آخر، حيث يتعيّن علينا في هذه الحالة أن نرى: أوّلاً، ما هي الأمور التي يصحّ أو يبطل فيها الضمان؟ وثانيًا: ما هي موارد تحقّق هذا الضمان؟ وما هي شروط وموانع تحقّق الضمان في كلّ مورد؟
فعقد الضمان من الأمور المستقلّة التي وردت في الشريعة الإسلاميّة المقدّسة، ويجب أن يجري في مالٍ ثبت في الذمّة؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد مطلوبًا بمال من قبل آخر، فجاء رجل، وضمنه، فإنّ هذا يصحّ؛ لكن، إن كان لأحد حقًّا في ذمّة آخر، بحيث يتعيّن عليه الخروج عن عهدته، أو كان هذا الأخير يُطالبه بمنفعة يلزمه أداؤها إليه، كأن يؤجّره بيتًا، فتكون منفعته على عهدة هذا المؤجّر الذي يجب عليه إيصالها لذلك المستأجر؛ ففي هذه الحالة، لن يصحّ الضمان؛ لأنّ الضمان لا يتعلّق بالحقّ والمنفعة، بل لا بدّ أن يكون متعلّقًا بالمال.
والضمان من العقود اللازمة؛ أي: كلّ من يكون ضامنًا في أمر ما، لا يُمكنه الرجوع عن ضمانه.
ويتألّف الضمان من أركان ثلاثة:
الأوّل: الشخص الذي يضمن، ويُسمّى: الضامن؛
الثاني: الشخص الذي يُضمن نيابةً عنه، ويُقال له: المضمون عنه؛
الثالث: الشخص الذي يُضمن له، ويُسمّى: المضمون له.
فمن باب المثال، إذا كان أحدٌ يدين بمال لآخر، فلجأتَ إلى ضمان المدين، يصير الدائن: مضمونًا له، أي أنّك ضمنت له [المال]، والمدين: مضمونًا عنه، أي أنّك ضمنت نيابةً عنه؛ وأنت الذي ضمنت: ضامنًا.
وفي عقد الضمان، ينبغي أن يكون الضامن والمضمون له بالِغَين وعاقلين ومختارين ورشيدين.
ويُراد من البلوغ هنا ألاّ يكونا طفلين؛ لأنّ ضمان الأطفال باطل، ويُراد من العقل ألاّ يكونا مجنونين، ومن الاختيار ألاّ يتحقّق الضمان بجبر جابر أو إكراه مُكره، بل عن رغبة واختيار، وذلك بأن يُريد الإنسان بنفسه أن يضمن، كما ينبغي أن يكون "المضمون له" راضٍ بذلك؛ ويُقصد بالرشد هنا أن يكون لفكر الضامن والمضمون له القدرةُ على إدراك هذا العقد، ولا يكون تفكيرهما ضعيفًا يبلغ مستوى تفكير بعض السفهاء الذين يفتقرون للرشد العقليّ؛ إذ لو لجأ مثل هؤلاء للضمان، لبطل ضمانهم.
ومن هنا، يلزم في عقد الضمان ـ الذي قلنا بتوفّره على ثلاثة أركان ـ أن تتحقّق هذه الشروط في كلّ من الضامن والمضمون له.
وأمّا بالنسبة للمضمون عنه (الذي يُضمن نيابةً عنه)، فلا يجب أن تتحقّق فيه هذه الشروط؛ وبالتالي، لا يوجد أيّ ضير في ضمانه، ولو كان طفلاً، أو مجنونًا، أو غير مختار، أو مفتقرًا للرشد العقليّ.
فإذا كان المدين غير بالغ أو غير عاقل أو غير رشيد؛ كأن يكون لأحدٍ مالٌ في عنق طفل غير بالغ أو رجل مجنون، فبوسع الإنسان أن يضمن هذا المال نيابةً عنه، وبمقدور الدائن أن يقبل، فيصير هذا الإنسان ضامنًا؛ وعليه، لا إشكال في عدم توفّر المضمون عنه ـ الذي يضمن الإنسان نيابةً عنه ـ لشرطي الرشد والعقل.
ما يهمّ في عقد الضمان هو وجود طرفين؛ أي الضامن والمضمون له، وأمّا إذا لم يطّلع المضمون عنه على هذا الضمان، فلا ضير في ذلك؛ وكمثال على هذا الأمر، أن أضمن لك مالاً تطلبه من زيد؛ ففي هذه الحالة، لن يوجد أيّ إشكال إذا لم يطّلع زيد على ذلك؛ لأنّ الضامن والمضمون له هما اللذان يُحتاج إليهما من أجل إبرام العقد.
فالضامن يوقع الصيغة بأيّ لغة يُريد، ويقول: «أنا أضمن المقدار الفلاني الذي لك في ذمّة زيد، وأتعهّد به، وأجعله في عنقي»، أو يذكر أيّ لفظ آخر يُفيد معنى الضمان؛ ويقول المضمون له أيضًا: «قبلت»، فيتمّ الأمر.
لزوم عقد الضمان وأسباب جواز فسخه
ويتحقّق عقد الضمان بهذه الطريقة، وحينئذ، لن يعود بإمكان الطرفين التراجع عنه؛ لأنّه عقد لازم، شأنه شأن عقد البيع وعقد الإجارة، وليس كالهبة والوقف اللذين يُمكن للإنسان التراجع عنهما ما لم تتحقّق كافّة شروطهما، حيث بوسعه الرجوع في الهبة؛ وكذلك في الوقف ما لم يُقبض المتولّي ذلك المال؛ وأمّا بالنسبة للضمان، فما إن يتمّ إبرام العقد، حتّى يصير لازمًا، ولا تعود هناك أيّة فائدة من ندم الطرفين.
لكن، هناك حالة يجوز فيها الفسخ من قبل المضمون له، ويحقّ له فيها ذلك؛ وهي أن يكون الضامن الذي ضمنه مُعسِرًا؛ أي غير قادر على أداء المضمون به، ويكون المضمون له جاهلاً بإعساره؛ فيأتي الضامن عنده، ويقول: «هل تقبل بتعهّدي بما لك في ذمّة زيد؟»، مع أنّه لا يملكه، ولا يُمكنه أداؤه؛ فيقول المضمون له: «قبلت»، لكن، من دون أن يعلم بأنّه لا يملكه؛ ففي هذه الحالة، يحقّ لهذا المضمون له أن يفسخ العقد، ويقول: «لقد فسخت عقد الضمان؛ لأنّني لم أكن أعلم بأنّك معسر»، حيث يُراد من المـُعسر: الذي لا يملك [المال المضمون به]، ولا يستطيع النهوض بأعبائه؛ فهذه حالة من الحالات.
والحالة الأخرى أن يجعل المضمون له، أو الضامن، أو كلاهما حقّ الفسخ في ضمن العقد؛ فيقول الضامن للمضمون له مثلاً: «ضمنت لك ما لك على زيد، لكنّني أجعل لنفسي أيضًا حقّ الفسخ، بحيث يجوز لي فسخ هذا الضمان متى شئت، أو من الآن إلى يومين، أو إلى شهر»؛ أو أن يجعل المضمون له لنفسه حقّ الفسخ مطلقًا، أو محدودًا بمدّة معيّنة؛ أو يجعل كلاهما هذا الحقّ لنفسيهما؛ ففي جميع هذه الموارد، يُمكنهما وضع حقّ الفسخ من دون أيّ إشكال.
شروط تحقّق عقد الضمان
وحينما يأتي الطرفان، ويقرآن الصيغة، ويتحقّق عقد الضمان، يكون تحقّق هذا العقد متوقّفًا على ثلاثة شروط:
الشرط الأوّل: أن يكون عقد الضمان ثابتًا ومستقرًّا، أو بعبارة فنّية: منجّزًا وغير معلّق؛ أي أن يقول الضامن للمضمون له: «تعهّدت بسداد دينك»؛ حيث يكون هنا منجّزًا؛ وأمّا إذا كان العقد معلّقًا على شرط، كأن يقول مثلاً: «أتعهّد بسداد دينك إذا لم يتمكّن المدين من أدائه»، فإنّه يكون باطلاً؛ أو يقول: «أتعهّد بسداد هذا الدين إذا لم يتمكّن المدين من أدائه في مدّة شهر واحد»، فإنّه يكون معلّقًا وباطلاً؛ أو يقول: «أتعهّد بسداد دينك إذا أذِن لي والدي»، فإنّنا نجده هنا أيضًا يبطل؛ لأنّه اشتمل على كلمة «إذا»؛ أو يقول: «أتعهّد بسداد دينك إلى أن أصل في سفري إلى المدينة الفلانية»؛ أو: «أتعهّد بسداد دينك إذا تحقّق الشرط الكذائي».
فكلّ قيد جعله الإنسان في عقد الضمان على نحو التعليق يوجب بطلان هذا الضمان، بحيث يكون العقد باطلاً في الأساس؛ ولهذا، ينبغي أن يكون العقد منجّزًا، فيقول [الضامن]: «أتعهّد بسداده من دون أيّ شرط».
الشرط الثاني: أن يكون المال الذي يضمنه الإنسان ثابتًا في ذمّة المضمون عنه في ذلك الحين وأثناء الضمان؛ كأن يكون للمضمون له دين في ذمّة المضمون عنه، فيضمنه هذا الإنسان؛ وهذا نظير بيع النسيئة، حيث يكون البائع مستحقًّا للثمن، ويكون الثمن آنذاك في ذمّة المشتري، فيأتي الإنسان ويضمنه.
أو نظير أن يبيع أحدهم مالاً، لكنّ هذا البائع لم يُسلّم المبيع بعدُ إلى المشتري، حيث يقع على عاتق البائع تسليمه، من دون فرق بين أن يكون البيع بالنقد أو بالسلم؛ فإذا لجأ الإنسان هنا إلى الضمان، فلن يوجد أيّ إشكال.
أو نظير أن يتحقّق بيع، لكن، يكون المِلك فيه غير مستقرّ، بل قابلاً للرجوع؛ مثل البيع الخياريّ الذي يُجريه الإنسان، ويجعل لنفسه فيه حقّ الخيار،۱ ليتسنّى له الرجوع فيه؛ لكن، بسبب تحقّق النقل والانتقال عن طريق هذا البيع، يكون بوسع الإنسان هنا أن يضمن أيضًا.
وهكذا أيضًا بالنسبة للمهر الذي يجب في ذمّة الرجل، ويتعيّن عليه أداؤه؛ فحينما يتحقّق العقد، ويقع على عهدة الرجل أداء المهر، لا يوجد هنا أيّ ضير في الضمان؛ ولو أنّ هذا المهر يكون نصفُه قبل الدخول معلَّقًا وقابلاً للرجوع؛ لأنّ الرجل إذا طلّق المرأة قبل أن يدخل بها، وجب عليها أن تُرجع إليه نصف المهر؛٢ لكن، بما أنّ العقد قد تحقّق في ذلك الحين، ولم يُلجأ بعدُ إلى الطلاق، فإنّ المرأة تكون مالكة آنذاك لكلّ المهر، ويكون بوسع الإنسان هنا أن يضمن أيضًا.
وأمّا إذا ضمن الإنسان مالاً لا يجب في ذمّة أيّ أحد، بل سيجب في ذمّة أحدهم لاحقًا، فإنّ هذا الضمان باطل؛ كأن تقول لصديقك مثلاً: «اقرض فلانًا مائة تومان على ذمّتي»، حيث يكون هذا الضمان باطلاً؛ لأنّه لم يُقرضه بعدُ، حتّى تشتغل ذمّته، بل ينبغي أن يُقرضه أوّلاً، فتصير ذمّته مشغولة؛ وآنذاك، يُمكنك ضمانه؛ وأمّا قبل الإقراض، فلا يوجد على عهدة الطرف المقابل أيّ مال؛ وبالتالي، يكون الضمان هنا باطلاً.
أو تقول لصديقك: «بِعهُ هذا المال، وثمنه على ذمّتي»، حيث لا يكون هذا الكلام سببًا لتعهّدك له، ولا يتحقّق هنا عقد الضمان؛ لأنّ المال لم يُبع بعدُ، حتّى تصير مديونًا للمالك بثمنه، بل قلت فقط: «بعه!».
فهذه هي موارد ضمان ما لم يجِب؛ أي ضمان [شيء لم يجب بعدُ في الذمّة، وهو باطل.
الشرط الثالث: أن يكون المال المضمون به معيّنًا ومحدّدًا].
بعدما انتهينا من بيان بعض المسائل المتعلّقة بهذا العقد، سنسعى فيما يلي لاستعراض مسائل أخرى تختصّ به:
الضمان انتقال ذمّة إلى ذمّة
المسألة الأولى أنّه: بمجرّد تحقّق عقد الضمان، تفرغ ذمّة المضمون عنه، وتصير ذمّة الضامن مشغولة للمضمون له؛ وعلى سبيل المثال، إذا كان زيد يُطالب عمروًا بعشرة آلاف تومان، وضمنتَ عمروًا، فقبِل زيد الدائن هذا الضمان؛ فبمجرّد قبوله، لن يعود عمروًا مدينًا له، بل تصير أنت الضامن مدينًا له؛ وعليه، بعدما يتحقّق الضمان، لا يصحّ القول: «إنّ ذلك المدين [أي المضمون عنه] يبقى مدينًا، والضامن أيضًا يتعهّد بسداد الدين حينما يرجع الدائن إليه»، بل بمجرّد تحقّق عقد الضمان، تفرغ ذمّة المدين، ولا يعود بعد ذلك مدينًا، وتصير ذمّة الضامن فقط هي المشغولة بأن يدفع للدائن ما ضمنه وتعهّد به؛ فهذه مسألة.
الضمان الإذنيّ والضمان التبرّعي
والمسألة الأخرى أنّ الضمان الذي يتحقّق من قبل الضامن، إمّا أن يكون بإذن المدين، وإمّا بأمره، وإمّا من دونهما، بل يأتي الضامن ، ويلجأ إلى الضمان من نفسه.
فإذا جاء الضامن من تلقاء ذاته، وقام بالضمان، فإنّ ذمّته تصير مشغولة للدائن؛ أي على الدائن أن يُطالب الضامن [بسداد الدين]، ولا يعود له الحقّ في مطالبة المدين به؛ وعلاوة على ذلك، بعدما يُسدّد الضامن الدين للدائن، لا يحقّ له أن يرجع على المدين المضمون عنه، ويقول له: «لقد ضمنتك، وسدّدت عنك عشرة آلاف تومان، فعليك الآن أن تُرجعها إليّ»؛ لأنّ هذا الضمان لم يكن بإذن هذا المدين وإجازته.
لكن، قد يكون الضمان بإذن المدين أو أمره؛ كأن يُقرض أحدهم مالاً لآخر، فيقول لك المدين: «يا سيّدي، تعال، واضمنّي»، أو أن تستأذنه أنت، وتقول: «هل تأذن لي في أن أضمنك؟»، فيقول: «نعم»؛ فحينما تضمنه، تصير ذمّته هنا أيضًا فارغة؛ لكن، متى ما سدّدت للدائن ما ضمنته وتعهّدت به، يحقّ لك أن ترجع على المدين، وتقول له: «ضمان هذا المبلغ كان بأمرك وإذنك، وقد سدّدتُه، فعليك الآن أن تدفع إليّ ما يُعادله»، ويكون هو ملزمًا بدفعه.
الضمان الحالّ والضمان المؤجّل
والمسألة الأخرى أنّ الضمان يُمكن أن يكون حالاًّ، ويُمكن أن يكون مؤجّلاً؛ فإذا كان لأحد دينٌ حالٌّ في عنق آخر، فإنّ ذلك يعني أنّ هذا الدين فعليّ، وهو يُطالبه به الآن؛ وأمّا إذا كان يُطالبه به بعد مرور شهر، فإنّه يُقال لهذا الدين: دين مؤجّل ومحدود بأمد؛ لكن، في كلتا الحالتين، بوسع الإنسان الضمان بالطريقة ذاتها، أو بغيرها.
وعلى سبيل المثال، إذا كان لأحد دين حالّ وفعليّ في ذمّة آخر، فبوسع الإنسان أن يضمن سداد هذا الدين فعلاً وفي الزمان الحاليّ، مثلما يُمكنه أيضًا أن يضمنه مؤجّلاً؛ فهنا، نجد أنّ الدائن يُطالب المدينَ بدفع الدين في الحال، لكنّ الضامن قد يضمن سداده بعد عشرة أيّام أو شهر، حيث لا يوجد أيّ إشكال في هذا الأمر؛ فمتى ما قبِل الدائن باسترداد دينه الحالّ ـ بناءً على ضمان الضامن ـ بعد شهر واحد، عليه أن يستردّه بعد مرور هذا الشهر، ولا يحقّ له الرجوع على المدين، واسترداده منه، مثلما لا يحقّ له أيضًا الرجوع على الضامن، واسترداد الدين في الحال.
وأمّا أنّه لا يحقّ له الرجوع على المدين، فلأنّنا قلنا سابقًا أنّ ذمّة المدين تصير بعد عقد الضمان فارغة، ولا يبقى في ذمّته أيّ دين، بل إنّ ذمّة الضامن هي التي تُصبح مشغولة، ويصير الضامن في عقد الضمان متعهّدًا بسداد هذا الدين بعد مرور شهر واحد؛ ولهذا، لا يحقّ للدائن الرجوع على الضامن قبل انقضاء الشهر، واسترداد الدين منه.
وعكس هذه المسألة أن يُطالب أحد آخر بسداد دين بعد مرور شهر واحد، حيث بوسع الإنسان أن يضمنه في الحال، ويقول: «سأسدّد الدين الآن»، ويقبل الدائن؛ وهنا، بمجرّد تحقّق عقد الضمان، تفرغ تمامًا ذمّة المدين التي كانت مشغولة بأداء الدين بعد مرور الشهر، ولم تعد الآن مشغولة به، وتصير ذمّة الضامن مشغولة بسداد هذا الدين في الحال؛ لأنّه ضمن دفعه الآن.
كما أنّ الضامن بوسعه الضمان طبقًا للأجل والمدّة التي يُطالب فيها الدائن بدينه، وذلك بأن يُسدّد هذا الدين بعد مرور تلك المدّة؛ وكمثال على ذلك، أن يُطالب الدائن المدين بمبلغ يجب عليه أداؤه بعد مرور شهر واحد، فيضمن آخر سداد الدين بعد انقضاء هذا الشهر، حيث لا يوجد أيّ إشكال في هذا الأمر؛ إذ بمجرّد تحقّق عقد الضمان، تفرغ ذمّة المدين، وتشتغل ذمّة الضامن بالسداد بعد شهر، من دون أن يُجبر على الدفع قبل ذلك.
كما أنّه يُمكن تعلّق الضمان بأجل أكبر ومدّة أطول؛ كأن يُطالب الدائن المدين بدينٍ بعد مرور شهر واحد، لكنّ الضامن يأتي، ويضمن سداده بعد مرور شهرين، ويقبل الدائن؛ فبعدما يقبل هذا الدائن، يكون ملزمًا باسترداد دينه من الضامن بعد انقضاء هذين الشهرين، ولا يحقّ المطالبة به قبل ذلك؛ كما لا يجوز له أيضًا الرجوع على المدين، وأخذ شيء منه؛ لأنّ عقد الضمان تحقّق، وانتقلت ذمّة المدين إلى الضامن، وفرغت ذمّته هو، ولم يعُد مطالبًا بأيّ دين؛ وحتّى لو توفّي هذا المدين، فإنّ المبلغ الذي كان في عنقه للدائن لا يُحسب من ديونه؛ لأنّ هذا المبلغ كان داخلاً في ديونه قبل تحقّق عقد الضمان؛ لكن، حينما جاء أحدهم، وضمنه، ونقل ذمّته إلى ذمّته، فإنّ هذا الضامن يصير هو المدين، وتفرغ ذمّة ذلك المدين؛ وهنا، نجد أنّ الضامن تعهّد بأن يدفع للدائن الدين الذي كان مؤجّلاً لشهر، لكنّ الدفع يكون بعد مرور شهرين، وقبل الدائن؛ ولهذا، يجب عليه سداده بعد انقضاء هذين الشهرين، ولا يحقّ للدائن الرجوع على الضامن قبل ذلك.
ذكرنا آنفًا أنّه: إذا تحقّق الضمان بإذن المدين أو أمره، فبوسع الضامن أن يرجع ـ بعد الوفاء بتعهّده ـ على المدين المضمون عنه، واسترداد ما دفعه؛ لكن، توجد هنا مسألة مفادها أنّه: في هذه الموارد التي يكون فيها الضمان بإذن المدين أو أمره، إذا قام الضامن بسداد الدين قبل حلول الأجل؛ هل يُمكنه أن يرجع على المدين، ويقول: «بما أنّني سدّدتُ دينك في وقت مبكّر، فعليك أن تُرجع إليّ ما دفعته عنك»؟ فإذا كان أجل الدين الذي للدائن في عنق المدين قد حلّ، يستطيع الضامن الرجوع على هذا المدين، واسترداده منه؛ وإلاّ، عليه أن يصبر إلى أن يحلّ ذلك الأجل.
لكن، افرضوا أنّ الدائن يُطالِب المدينَ بدين نقدًا، فيأتي أحد، ويضمنه بقوله: «سأسدّده لك بعد شهر واحد»، ويقبل الدائن؛ فهنا، ما دام الضامن لم يدفع هذا المال، لا يُمكنه الرجوع على المدين، ويقول: «لقد ضمنتك، فتعال الآن، وادفع لي مقدار ما ضمنتك به»، بل عليه أن يرجع عليه بعد الأداء؛ هذا أوّلاً، وثانيًا، أنّ الضامن تعهّد بسداد دين المدين بعد مرور شهر واحد؛ فإذا أدّاه قبل انقضاء الشهر ـ كأن يُؤدّيه بعد خمسة أو عشرة أيّام ـ ، هل بوسعه أن يرجع على المدين في اللحظة ذاتها، ويقول له: «لقد سدّدت ما كان بعهدتي، فأرجع إليّ مالي»؟ نعم، ولا إشكال في ذلك؛ لأنّ الدين الذي للدائن في ذمّة المدين حالٌّ، ويتوجّب على المدين سداده في الحين؛ غاية الأمر أنّ الضامن تعهّد بأدائه بعد شهر؛ لكن، بما أنّ هذا الضامن أدّى ذلك الدين الحالّ والفعليّ بعد عشرة أيّام، فبوسعه الرجوع فيه، واسترداده في الحال.
وأمّا عكس هذه المسألة، فلا يصحّ؛ كأن يُطالب الدائنُ المدين بدين مؤجّل إلى شهر، فيأتي الضامن، ويضمنه بقوله: «سأسدّد الآن وفي الحين دينه الذي سيحلّ بعد شهر»، فيُبرَم عقد الضمان، ويُسدِّد الضامنُ فعلاً ما تعهّد به؛ ففي هذه الحالة، لا يستطيع هذا الضامن أن يرجع على المدين، ويقول له: «لقد أدّيت الدين الآن، فعليك أنت أيضًا أن تُسدّده الآن»؛ لأنّ الدين الذي للدائن في ذمّته لن يحلّ أجله إلاّ بعد شهر واحد؛ وحينئذ، بما أنّه ضمنه، وأدّى ما تعهّد به في وقت أبكر، فعليه أن يصبر إلى أن يمرّ الشهر، وآنذاك، يستردّ من المدين ذلك المبلغ الذي تعهّد به، وسدّده.
وأمّا إذا كان الدائن يُطالب المدين بدين مؤجّل إلى شهر، فضمنتَ أن تُسدّد دينه بعد مرور شهرين؛ فإذا أدّيت دينه بعد مرور شهر، وقبل أن ينقضي الشهران، هل يكون بوسعك الرجوع عليه؟ أجل، يُمكنك ذلك؛ لأنّ دينه كان مؤجّلاً لشهر واحد، وقد سدّدت دينه بعد مرور هذا الشهر؛ لكنّك لا تستطيع الرجوع عليه قبل انقضاء هذا الشهر، ولو بيوم واحد؛ لأنّ تعهّده تعلّق بشهر واحد، وأنت دفعت الدين مبكّرًا؛ ولهذا، عليك أن تصبر إلى أن يحلّ الأجل؛ وحينئذ، ترجع على المدين، وتستردّ منه المبلغ.
عدم جواز استرجاع الضامن مبلغًا أزيد ممّا سدّده
والمسألة الأخرى تتمثّل في أنّ الضامن يُمكنه أن يسترجع من المدين نفس المبلغ الذي سدّده، من دون أيّة زيادة؛ إذ من الممكن بعد الضمان أن يُبرئ الدائنُ جزءًا من ذمّة الضامن؛ وكمثال على ذلك، أن يكون للدائن في ذمّة المدين عشرة آلاف تومان، فتضمنه أنت بقولك: «سأدفع عنك هذه العشرة آلاف تومان»، فتصير ذمّتك مشغولة بها؛ وبعد ذلك، يقول لك الدائن: «أيّها السيّد، لقد أسقطت عنك خمسة آلاف من هذه العشرة آلاف تومان، وأبرأت ذمّتك منها»؛ ففي هذه الحالة، يتوجّب عليك أن تدفع للدائن خمسة آلاف تومان، ولا تستردّ من المدين، إلاّ هذه الخمسة آلاف تومان، ولا يسعك أن تقول له: «لقد ضمنت عنك عشرة آلاف تومان، وأنا الذي سامحني الدائن في هذه الخمسة آلاف تومان؛ ولهذا، عليك أن تُرجع إليّ عشرة آلاف تومان!»، بل عليك أن تسترجع منه نفس المبلغ الذي دفعته.
وكذلك أيضًا، قد يكون للدائن عشرة آلاف تومان في عنق المدين، لكنّك تتصالح معه في عقد الضمان على خمسة آلاف تومان، وتقول له: «أيّها السيّد، إنّ لك في عنق فلان عشرة آلاف تومان، وأنا أضمن كلّ هذه العشرة آلاف تومان بخمسة آلاف تومان، فهل تقبل أو لا؟»، فيقول: «أقبل»؛ وهنا، حينما يُبرم العقد، تصير مدينًا للدائن بخمسة آلاف تومان؛ ومتى ما سدّدتها، يلزمك الرجوع على المدين (المضمون عنه) بخمسة آلاف تومان فقط، لا أكثر!
وعليه، إذا جرى تخفيض الدين المضمون في عقد الضمان بمقدار معيّن ـ سواءً على وجه المصالحة أو إبراء الذمّة ـ لا يُمكن للضامن الرجوع بهذا المقدار على المدين، وأخذه منه.
حكم الضمان في الديون الحالّة والمؤجّلة عند وفاة الضامن
وهنا، تُطرح مسألة يُبتلى بها جميع الناس، ولا يعلمها مُعظمهم:
فهناك أفراد يتعاملون بالصكوك والكمبيالات، وتكون لهم وعليهم ديون مؤجّلة، حيث يُراد من الدين المؤجّل: أنّني أتعهّد بدفع مبلغ معيّن عند حلول الأجل، ولا يحقّ للدائن مطالبتي به، واسترداده منّي قبل ذلك؛ هذا إذا كان الدين في ذمّة الإنسان؛ والأمر بذاته ينطبق على الدين المؤجّل الذي للإنسان في ذمّة الآخرين؛ إذ لا يجوز له مطالبتهم بسداده قبل حلول الأجل، بل عليه أن ينتظر إلى أن يحلّ هذا الأجل، ليُمكنه الذهاب عند المدين، ومطالبته بأداء دينه؛ وفي هذه الحالة، إذا كانت على الإنسان ديون مؤجّلة، وارتحل عن هذا العالم، فإنّ كافّة هذه الديون ستصير حالّة؛ أي: بوسع جميع الدائنين استرداد ديونهم في الحين؛ وكمثال على ذلك، أن يكون في ذمّة أحد لآخر عشرة آلاف تومان مؤجّلة إلى ستّة أشهر، أو خمسة آلاف تومان مؤجّلة إلى سنتين، أو ثلاثة آلاف تومان مؤجّلة إلى خمسة عشر يومًا، أو مائة ألف تومان مؤجّلة إلى عشر سنوات، ومات الآن، حيث إنّ جميع هذه الدنيا تصير حالّة؛ بمعنى أنّه لن يتسنّى تقسيم أمواله على الورثة، إلاّ بعد أن تُسدّد في الحين كافّة ديونه المؤجّلة.
لكنّ عكس ذلك غير صحيح؛ أي: إذا توفّي الإنسان، فإنّ الدين الذي له لا يصير حالاًّ، بل على الوصيّ (أو القيّم) أن يصبر، إلى أن يحلّ الأجل، فيُطالب المدينَ بتسديده؛ وحينما يستردّه، يضمّه إلى ما ترك، ثمّ يُقسّم المجموع، ويُوزّع على الورثة بحسب سهم كلّ واحد منهم.
وهنا، نأتي إلى مسألة الضمان فيما إذا كان لأحد دين حالّ على آخر؛ كأن يُطالبك أحدهم مثلاً بعشرة آلاف تومان في الحين، ويضمنك ضامنٌ بأن يدفع عنك بعد مرور شهر واحد؛ ففي هذه الحالة، يصير الضامن مدينًا بعد حلول هذا الشهر، غير أنّه لا يكون مدينًا الآن؛ لكن، إن مات هذا الضامن بعد عشرة أيّام، وجب في الحين أداء العشرة آلاف تومان التي تعهّد بدفعها بعد مرور شهر؛ لأنّه مات، وكان هذا الدين سيصير حالاًّ بعد مرور عشرين يومًا؛ ولهذا، على الوصيّ والقيّم أن يُسدّد للدائن هذا الدين في الحال، كما أنّه بوسع ورثة الضامن الرجوع في الحين على المضمون عنه، واسترداد المبلغ منه؛ لأنّ أصل الدين كان حالاًّ وغير مؤجّل.
وأمّا إذا حصل عكس الأمر؛ أي أن يكون للدائن على المدين دين مؤجّل إلى شهر، فيضمن أحدٌ سداد الدين بعد مرور هذا الشهر، إلاّ أنّ الضامن يموت بعد عشرة أيّام؛ ففي هذه الحالة، يصير تعهّده الذي بقي على انقضائه عشرون يومًا حالاًّ، ويتعيّن على وصيّه أداؤه للدائن في الحين، غير أنّ ورثة الضامن لا يستطيعون الرجوع على المضمون عنه، واسترداد المبلغ في الحال؛ لأنّ الدين كان مؤجّلاً إلى مدّة شهر، وبقي عشرون يومًا على انقضاء هذه المدّة؛ ولهذا، عليهم أن يصبروا إلى يمرّ عشرون يومًا، من أجل استرجاع المبلغ الذي تعهّد به الضامن، وسدّده.
آثار انتقال ذمّة المضمون عنه إلى الضامن
والمسألة الأخرى أنّ الضمان ـ كما أسلفنا الذكر ـ عبارة عن انتقال للذمّة، لا ضمُّ ذمّةٍ إلى ذمّةٍ؛ أي: حينما يضمن الإنسان شخصًا عليه دين، فإنّ ذمّته تصير مشغولة؛ وبمجرّد حصول هذا الضمان، تفرغ ذمّة المدين، ولا يعُد للدائن في عنقه أيّ دين، بل يصير هذا الدين في عنق الضامن؛ ولهذا، يُقال: «الضمان نقل ذمّة»، وليس ضمّ ذمّة إلى ذمّة؛ أي أنّ الضامن ينقل ذمّة غيره إلى ذمّته، لا أنّه يُضيف ذمّةً إلى ذمّته.
فإذا كان لأحد دين على آخر، وضمنه ثالث، فذلك لا يعني أنّ الضامن يتعهّد بأداء الدين في حالة ما لم يُؤدّه المدين، أو أن يكون للدائن الخيار في الرجوع على المدين أو الضامن، بل بعدما يتحقّق الضمان، لا يعود للدائن أيّ حقّ في الرجوع على المدين، وينبغي عليه الرجوع على الضامن وحسب؛ إذ لا توجد لدينا هنا ذمّتان، بل توجد ذمّة واحدة فقط؛ وقد كانت سابقًا متعلّقة بالمدين؛ وبسبب الضمان، صارت الآن متعلّقة بالضامن؛ لكن، إن جاء المدين من تلقاء نفسه، ودفع للدائن المبلغ الذي كان عليه، فإنّ ذمّة الضامن حينئذ ستسقط، ولن يعود للدائن أيّ حقّ في الرجوع على الضامن.
حكم الضمانات المتعاقبة
والمسألة الأخرى أنّه ممن الممكن أن تقع عدّة ضمانات متعاقبة ومتوالية في أمر واحد؛ كأن يكون زيد مثلاً مدينًا لأحدٍ بعشرة آلاف تومان، ويأتي آخر، ويضمنه؛ فيُفضي ذلك إلى انتقال ذمّة زيد إلى الضامن؛ ثمّ يأتي أحد آخر، ويضمن هذا الضامن، فتنتقل ذمّة الضامن إليه، ويأتي آخر، ويضمنه، فتنتقل ذمّته إليه؛ وبالتالي، تكون ذمّة هذا الضامن الأخير مشغولة الآن للدائن، وتفرغ ذمم الضامنين السابقين، وكذلك ذمّة المدين الأوّل.
وأشرنا آنفًا إلى أنّه: إذا كان الضمان بأمرٍ من المدين أو إذنه، فبوسع الضامن الرجوعُ على هذا المدين بعدما يُسدّد الدين؛ وأمّا إذا لم يكن بأمره ولا إذنه، فلا يُمكنه ذلك؛ وحينئذ، إمّا أن تكون تلك الضمانات المتتالية والمترتّبة بإذن المدين السابق، أو لا؛ كأن يكون زيد مثلاً مدينًا بعشرة آلاف تومان، ويضمنه عمرو، فتنتقل ذمّة زيد إليه إمّا بإذنه أو بأمره؛ ثمّ يأتي آخر، ويضمن عمروًا، فتنتقل ذمّته إليه بإذنه؛ ويأتي آخر، ويضمنه، فتنتقل أيضًا ذمّته إليه بإذنه؛ ويأتي الدائن عند هذا الضامن الأخير، ويستردّ منه الدين؛ فيقوم هذا الضامن الأخير بالرجوع على الذي ضمنه، ويأخذ منه ذلك المبلغ بعدما يكون قد سدّده؛ لأنّ الضمان كان بإذنه؛ كما أنّ هذا الشخص يرجع على الشخص الذي يقع قبله [في سلسلة الضمان]، ويأخذ منه المبلغ؛ وهو بدوره يرجع على المدين [الأصليّ]، ويستردّه منه؛ وذلك لأنّ جميع هذه الضمانات كانت بإذنٍ وطلبٍ من الدائن والضامن.
وأمّا إذا كانت الضمانات بغير أمر الدائن أو الضامن، فلا يحقّ الرجوع على الضامن أو المدين الأوّل؛ ففي المثال السابق، إذا كان زيد مدينًا بعشرة آلاف تومان، فيأتي عمرو، ويضمنه من تلقاء ذاته، ويأتي آخر، ويضمن عمروًا، ويدفع الضمان؛ ففي هذه الحالة، لا يحقّ لضامن عمرو أن يرجع عليه، كما أنّ عمروًا لا يجوز له الرجوع على زيد؛ لأنّ الضمان لم يكن بطلب منهما.
وقد تقع بعض هذه الضمانات المتتالية عن طلب [من المضمون عنه]، وبعضها الآخر لا عن طلب منه؛ فحينما يرجع الدائن على الضامن الأخير، ويستردّ منه ما في عهدته، فإذا كان ضمان هذا الضامن الأخير بأمرٍ من الذي ضمنه، فإنّه يرجع عليه، وإلاّ، فلا يُمكنه الرجوع عليه بتاتًا؛ وحينئذ، إذا رجع الضامن الأخير على الذي يقع قبله [في سلسلة الضمان]، فإن كان هذا الشخص قد ضمن الذي قبله بأمره، فبوسعه الرجوع عليه، وإلاّ، فلا.
ومن هنا، فإنّ القاعدة العامّة هي: متى ما ضمن الإنسانُ أحدَهم، فإن كان هذا الضمان بأمرٍ من الضامن السابق، أو من المدين۱، فبوسعه الرجوع على هذا الضامن أو المدين.
حكم الضمان بالاشتراك
والمسألة الأخرى أنّه بوسع عدّة أفراد الاشتراكُ في ضمان دين فرد آخر؛ وكمثال على ذلك أن يكون أحدهم مدينًا بعشرة آلاف تومان؛ فهنا، يُمكن لشخصين أن يضمناه؛ وبالتالي، تصير في عهدة كلّ واحد منهما خمسة آلاف تومان، أو يُمكن لأربعة أشخاص أن يضمنوه، بحيث تكون في عهدة كلّ واحدة منهم ألفان وخمسمائة تومان؛ كما بوسعهم أيضًا أن يضمنوه بنسب مختلفة وغير متساوية؛ كأن يضمنه أحدُ هؤلاء الأربعة في ألف تومان، والثاني في ألفي تومان، والثالث في ثلاثة آلاف تومان، والرابع في أربعة آلاف تومان؛ فنرى هنا أنّ أربعة أشخاص ضمنوا هذا المدين، بحيث يكون مقدار ضمان كلّ واحد منهم مختلف عن الآخر، من دون أن يوجد أيّ إشكال.
وأيضًا، إذا كان الضمان بطلبٍ من المدين، فيُمكن للضامنين الرجوع عليه، وإلاّ، فلا.
وهنا، قد يكون ضمان بعض هؤلاء عن أمرٍ من المدين، وبعضهم الآخر لا عن أمره؛ ففي هذه الحالة، يستطيع الذي ضمن هذا المدين بأمرٍ منه الرجوعَ عليه، بينما لا يمتلك الذي ضمنه بغير أمره هذا الحقّ.
حينما يشترك مجموعة من الأفراد في الضمان، يكون بوسع المضمون له إبراء عهدتهم جميعًا بقوله: «أبرأت ذمّتكم جميعًا»، كما بمقدوره إبراء ذمّة البعض دون الآخر؛ كأن يقول مثلاً للذي ضمن ألف تومان: «أيّها السيّد، لقد أبرأت ذمّتك، فلم تعُد هذه الذمّة مشغولة لي بشيء»، ويقول للذي ضمن ألفي تومان: «ذمّتك مشغولة لي»؛ وبالتالي، لا يُلزم بالتعامل مع الجميع بطريقة واحدة، بل ذلك راجع لرغبته هو.
وأيضًا، في المثال المذكور، يُمكن للذي يُريد أن يضمن المدين في ألف تومان أن يقول للدائن المضمون له: «أيّها السيّد، أصالحك في هذه الألف تومان ـ التي أريد أن أضمن فيها المدين ـ على خمسمائة تومان»، فيقبل الدائن؛ وقد أشرنا سابقًا إلى أنّه: إذا كان الضمان بأمر من المدين، يحقّ للضامن الرجوع عليه، واسترداد خمسمائة تومان، لا أزيد؛ وفي هذه الحالة، يجوز لبعض أولئك الأفراد المشتركين في الضمان المصالحة مع المضمون له على مبلغ أقلّ، كما يحقّ لبعضهم الآخر ضمان نفس المبلغ الذي يقع في ذمّة المضمون عنه.
وخلاصة القول، في الموارد التي يتحقّق فيها الضمان بالاشتراك، يكون لكلّ واحد من الضامنين حكم مستقلّ، بحيث يستطيع الدائن التعامل معه بطريقة تختلف عن الآخر؛ فيُبرأ ذمّة الأوّل، ويُصالح الثاني، ولا يُصالح الثالث، أو يقبل بضمان أحدهم للدين مؤجّلاً؛ كأن يكون الدين حالاًّ مثلاً، ويتعيّن على المدين تسديد عشرة آلاف تومان، فيقول أحد الضامنين: «أنا أدفع منها ألف تومان في الحين»، ويقول الثاني: «أنا أضمن منها ألفي تومان مؤجّلة إلى شهر واحد»، ويقول الثالث: «أنا أضمن منها ثلاثة آلاف تومان مؤجّلة إلى خمسة عشر يومًا»، ويقول الرابع: «أنا أضمنه إلى ستّة أشهر»؛ وحينئذ، إذا قبل الدائن، لن يوجد أيّ إشكال؛ وبعدما يجري إبرام العقد، يصير لازمًا، ولا يعُد بالإمكان تغييره.
لكن، لا يُمكن لشخصين أن يضمنا شخصًا آخر بالاستقلال؛ كأن يكون على أحد الناس دينٌ بقيمة عشرة آلاف تومان، فيأتي آخر، ويضمنه في هذه العشرة آلاف تومان، ويتمّ إبرام العقد؛ ثمّ يأتي آخر، ويضمنه أيضًا في العشرة آلاف تومان بعينها؛ ففي هذه الحالة، يبطل ضمان الثاني؛ لأنّنا قلنا آنفًا إنّ ذمّة المدين تصير ـ بواسطة عقد الضمان ـ فارغة؛ فحينما جاء الأوّل، وضمن تلك العشرة آلاف تومان، فإنّ معنى ذلك أنّ المضمون عنه لم يعُد مدينًا، بل الضامن هو الذي صار مدينًا؛ أي أنّ ذمّة المدين انتقلت إليه، وأصبح بنفسه مدينًا؛ وبالتالي، بعدما تحقّق الضمان من الضامن الأوّل، لم يعُد ذلك المدين مدينًا، حتّى يأتي آخر، ويضمنه؛ ومن هنا، إذا كان عندنا شخصان أو ثلاثة أو عشرة أشخاص، فلا يُمكن لكلّ واحد منهم أن يضمن ـ بنحو مستقلّ ـ مالاً واحدًا يقع في ذمّة أحد الناس.
أجل، إذا تحقّق عقدان للضمان في آن واحد، فلن يوجد في هذه الحالة أيّ إشكال؛ بمعنى أنّه لم يكن هناك ضمان سابق، حتّى نقول: «إنّ هذا الضمان أسقط ذمّة المدين»؛ وكمثال على ذلك، أن يختار المدين رجلين ليضمناه، فيقوم هذان الرجلان ـ اللذان يُريدان ضمان المال بأجمعه ـ باختيار وكيل ينوب عنهما، فيُجري هذا الوكيل في آن واحد صيغة الضمان نيابةً عنهما، ويقبل الدائن؛ ففي هذه الحالة، يتعلّق الضمان بكلّ واحد منهما على نحو الاستقلال، ويكون للدائن الخيار في الرجوع على أيّ واحد من هذين الضامنين اللذين وقع ضمانهما في عرض ـ وليس في طول ـ بعضهما، ويتعيّن على هذا الضامن الخروج عن عهدة هذا الضمان.
لزوم تعلّق الضمان بالذمّة والنتائج المترتّبة على ذلك
المسألة الأخرى التي تختصّ بالضمان، وأشرنا إليها آنفًا تتمثّل في أنّ: الضمان يجب أن يتعلّق بالذمّة؛ وعليه، إذا كانت ذمّة أحد مشغولة لآخر، فبوسع الإنسان هنا أن يضمن، من دون فارق بين أن تكون هذه الذمّة مشغولة بمال، أو منفعة وعمل؛ وكمثال على ذلك، أن يكون زيد مدينًا بعشرة آلاف تومان، فيتعلّق مالٌ بذمّته، ويكون بمقدور الإنسان أن يضمنه؛ لكن، قد لا تكون ذمّة زيد مشغولة بمالٍ، بل لكونه خيّاطًا، فإنّ ذمّته تشتغل بخياطة لباس، وذلك بأن يأتي عنده مشترٍ، ويقول له: «خِط لي لباسًا بالثمن الفلانيّ»، فيقبل؛ فحينما يقبل بهذا الأمر، تصير ذمّته مشتغلة بخياطة ذلك اللباس.
وتُطرح علينا في هذه المسألة حالتان: فتارةً، يشترط المشتري على الخيّاط أن يخيط له اللباس بنفسه وبالمباشرة؛ ففي هذه الحالة، لا يجوز لأيّ أحد أن يضمنه، وتتحتّم عليه خياطة اللباس بنفسه؛ لكن، تارةً أخرى، قد يقول له: «استأجرتك لكي تخيط لي لباسًا، وتُسلّمي إليّ، ولا يهمّني أن تخيطه أنت بنفسك، أو يخيطه أحد آخر، لكنّ هذا الأمر في عهدتك، وعليك أن تُسلّم اللباس إليّ أنت»؛ ففي هذه الحالة، يُمكن للإنسان أن يضمن زيدًا الخيّاط؛ فيخرج حينئذ من ذلك التعهّد، ولا يعُد ملزمًا بأن يخيط اللباس بنفسه، بل يصير في عهدة الضامن أن يخيط اللباس الذي طُلب منه، ويُسلّمه إليه؛ وعليه، حينما يكون الضمان متعلّقًا بالذمّة، فلن يوجد أيّ فارق في هذا المجال بين العمل أو المنفعة أو المال.
وكمثال على ذلك، أن يأتي أحد، ويتعاقد مع آخر على بناء عمارة؛ فتارةً، يتعاقد هو بنفسه، ويشترط عليه صاحب العمارة أن يتصدّى بنفسه للبناء، والمراقبة، والتخطيط، والإشراف على العمّال والبنّائين؛ ففي هذه الحالة، لا يُمكن لغيره أن يضمنه، ويتعهّد بهذا البناء؛ لكن، إذا تعاقد مع صاحب العمارة على تسليمها بمواصفات معيّنة، من دون أن يشترط عليه بالضرورة مباشرة العمل بنفسه، فإنّه بوسع أحد آخر أن يأتي، ويضمنه؛ وبمجرّد الضمان، تصير ذمّة هذا الشخص فارغة عن بناء العمارة وتسليمها، ويدخل ذلك في عهدة الضامن الذي يُصبح ملزمًا بتسليم هذه العمارة.
ومن المسائل المتعلّقة بالضمان أنّ الضامن يستطيع ضمان أمر مغاير للبضاعة التي يدين بها المضمون عنه للدائن.
وعلى سبيل المثال، أن يكون لأحدٍ فرسٌ في ذمّة آخر؛ سواءً اقترض المدين هذا الفرس من الدائن، أو أنّ الفرس كان ثمنًا في بيع، فبقي في ذمّته؛ فيأتي الضامن، ويجعل هذا الفرس في عهدته، ويضمنه بسجّاد مشخّص ومعيّن؛ فهذا لا إشكال فيه؛ أو يكون للدائن مثلاً ألف دينار من الذهب في ذمّة المدين، فيأتي الضامن، ويضمن هذا المدين بمقدار محدّد من الفضّة، ويقول للدائن: «سأدفع لك المقدار الفلاني من الفضّة، وأضمن دينه بهذا المقدار»؛ فهنا أيضًا، لا يوجد أيّ إشكال؛ أو يكون لأحد في ذمّة آخر مبلغًا معيّنًا من هذه الأموال المتداولة، فيأتي الضامن، ويضمن هذا المبلغ بقنطار من القمح أو الشعير أو غير ذلك؛ أو يكون الدائن أقرض المدين بقنطار من القمح، فيأتي الضامن، ويضمنه بمائة أو مائتي تومان، حيث لن يكون هناك أيضًا أيّ إشكال.
حكم ضمان العين الخارجيّة
والمسألة المهمّة الأخرى التي تحدّثنا عنها آنفًا هي أنّ الضمان ينبغي أن يتعلّق بموضوعات لها ماليّة، وتقبل الدخول في الذمّة؛ لأنّ الضمان هو ضمان للذمّة، لا ضمان للعين الخارجيّة.
فإذا كان لأحد دينٌ بمبلغ على آخر؛ أي أنّ ذمّة هذا الأخير مشغولة بأداء ذلك المبلغ له، فهنا لا يوجد أيّ إشكال في الضمان؛ سواء تعلّقت الذمّة بعين خارجيّة، كأن يُطالب أحدٌ آخر مثلاً بأن يُسلّمه سجّادًا؛ غاية الأمر أنّه يلزم ألاّ يكون سجّادًا خارجيًّا، بل يكون سجّادًا كلّيًا في ذمّته، أو يكون فرسًا في ذمّته، أو تكون ألف دينار في ذمّته؛ وسواءً تعلقّت هذه الذمّة ببعض المنافع والأعمال؛ كأن يستأجر أحدٌ منزلاً لمدّة سنة واحدة؛ فبمجرّد حصول الإجارة، يصير المستأجر مالكًا لمنفعة البيت، ويملك المؤجّر المبلغ الواجب على المستأجر تأديتُه في مقابل الإجارة؛ ففي هذه الموارد، يجوز للإنسان أن يُصبح ضامنًا.
وتنقسم الإجارة هنا إلى قسمين:
فتارةً، يتمّ استئجار منزل مشخّص ومعلوم ومحدّد؛ ففي هذه الحالة، بمجرّد انعقاد الإجارة، يتعيّن على المؤجّر تسليم هذا المنزل للمستأجر الذي تلزمه الاستفادة من المنزل بعينه؛ وعليه، فإنّ الأمر الذي تعلّق به عقد الإجارة هو عين خارجيّة ممثّلة في ذلك البيت الخارجيّ؛ وهنا، لا يُمكن للإنسان أن يضمن منفعة هذا المنزل؛ لأنّها منفعة خارجيّة، وليست منفعة في الذمّة.
هذا، وقد يستأجر أحدهم بيتًا كلّيًا؛ كأن يقول مثلاً: «أحتاج إلى منزل مساحتُه كذا، له أربع غرف، ويتوفّر على المواصفات الفلانية»، فيُؤجّره المؤجّرُ منزلاً كلّيًا يمتلك هذه المواصفات التي يحتاجها، لكن من دون أن يُعيّن له بيتًا خارجيًّا؛ مع أنّه من الممكن وجود ألف مصداق لهذا المنزل الكلّي في الخارج، يكون لها عين تلك المواصفات، بل وقد يكون للمؤجِّر ألف بيت أيضًا؛ كأن يكون وكيلاً لأناس يضعون مثل هذه البيوت تحت تصرّفه؛ ففي هذه الحالة، بمجرّد تحقّق عقد الإجارة، فإنّ الذي يدخل في هذا الإيجار هو بيت كلّي، لا شخصيّ، بحيث يتعهّد المؤجِّر، ويجعل في ذمّته تسليم مثل هذا البيت للمستأجر؛ وبما أنّه جعل في ذمّته وعهدته وضعَ منفعة البيت تحت تصرّف هذا المستأجر، فإنّ الضمان في هذه الحالة ممكن؛ وهذا نظير أن يأتي أحد، ويضمن المؤجّر، ويقول: «أنا أتحمّل كلّ ما جعله فلان في عهدته وذمّته، وأضمنه»؛ وحينئذ، بمجرّد تحقّق عقد الضمان، فإنّ كلّ ذلك سيخرج عن مسؤوليّة المؤجّر وعهدته وذمّته، وتُلقى عهدته على عاتق الضامن.
وقد تتعلّق الإجارة بالأعمال، كالخياطة والنجارة، والحدادة، وبقيّة الأعمال الحِرفيّة التي يُمارسها الإنسان ببدنه [ويده]؛ فيستأجر أحدٌ آخر لعملٍ بمائة تومان يوميًّا، ويقول له: «أريدك أن تعمل لديّ بمقدار عدد معيّن من الساعات يوميًّا»، حيث تنقسم هذه الحالة إلى قسمين:
فتارةً، يستأجره على أن يعمل بيده وبالمباشرة، ليخيط له لباسًا، أو يصنع له بابًا، أو ينسج له قماشًا، وأمثال ذلك؛ وفي هذه الحالة، يكون هذا العمل الخارجيّ والمحدّد هو الداخل في عقد الإجارة؛ وبالتالي، لا يستطيع الإنسان أن يضمنه؛ لأنّه عمل خارجيّ ومحدّد؛ وحينئذ، هل بوسع الإنسان أن يجعل في عهدته عملاً يجب على ذلك العامل أداؤه بنفسه؟!
وأمّا إذا استأجر العاملَ على أن يقوم بهكذا عمل، من دون فارق بين أن يكون بالمباشرة أو التوسيط؛ أي أن يقول له: «أنا أريد منك هذا العمل؛ سواء قام به آخر، أو قمتم به أنتم كمجموعة أفراد»؛ كأن يذهب أحدٌ عند نجّار، ويقول له: «أريد منك بابًا بالمواصفات الكذائيّة»، فيجيبه بقوله: «قبلت، وسأسّلمك بابًا بهذه المواصفات»، لكنّه لا يشترط على النجّار مزاولة العمل بنفسه وبالمباشرة؛ وهنا، يكون بوسع النجّار أن يذهب عند آخر، لكي يصنع له الباب، أو أن يصنعه له مُساعدُه تحت إشرافه هو؛ لأنّ عمل هذا النجّار لم يدخل بعينه في الإجارة، بل هو تَعهّدَ بصناعة هذا الباب، أعمّ من أن يتمّ ذلك بواسطته هو، أو بواسطة أحد آخر؛ وبالتالي، فإنّ هذا النجّار لم يُؤجّر يده وفعله، بل قام بشغل ذمّته، وقال: «شغلتُ ذمّتي بتنفيذ طلبك، وتعهّدت بتسليمك ما تُريده».
وعليه، فقد تعلّقت الإجارة هنا بعمل كلّي؛ ولهذا، لا يوجد أيّ إشكال في الضمان، بحيث يكون بوسع الضامن أن يضمن النجّار الذي اشتغلت ذمّته بتسليم الباب؛ وبمجرّد تحقّق الضمان، تصير ذمّة هذا النجّار فارغة، وذمّة الضامن مشغولة؛ لكن، إذا كان المفروض أن يصنع النجّار بنفسه هذا الباب، فلن يكون بمقدور أيّ أحد ضمانه، ويتعيّن عليه بالضرورة الخروجُ عن عهدة هذا الأمر بذاته.
وعليه، فإنّ الضمان المتعلّق بالعين الخارجيّة باطل؛ كأن يكون لدينا مثلاً بساط خارجيّ، أو منزل خارجيّ، أو سيّارة خارجيّة ومحدّدة، أو فرسًا معيّنًا؛ ففي هذه الحالة، إذا جاء أحدهم، وضمن آخر، فإنّ هذا الضمان باطل؛ وكمثال على ذلك أن يأتي غاصب، ويغصب بساط رجل آخر، ويذهب به؛ أو يجيء سارق، ويسطو على سجّاد، ويذهب به؛ وهنا، بما أنّ الغاصب غصب أرضًا محدّدة، والسارق سطا على سجّاد معيّن، فإنّ هذا الغصب تعلّق بعين خارجيّة؛ وحينئذ، إذا قام رجل آخر بضمان هذا السجّاد أو هذا البيت أو هذه السيّارة، فإنّ ضمانه باطل؛ لأنّه ضمِن عينًا خارجيّة، وضمان العين الخارجيّة باطل.
وقد تقع معاملةٌ مثلاً بين بائع ومشتر، فيُسلّم البائع المبيع [للمشتري]، ويدفع المشتري الثمن للبائع؛ لكن، يتبيّن بعد ذلك أنّ هذه المعاملة كانت باطلة في الأساس؛ ممّا يعني أنّها لم تنعقد؛ وبالتالي، يكون الثمن الذي أصبح الآن في يد البائع مملوكًا للمشتري، والمبيع الذي انتقل من البائع إلى المشتري مملوكًا لهذا البائع، بحيث يتعيّن على كلّ واحد منهما إرجاع ما في يده للآخر. وفي هذه الحالة التي يكون فيها مال كلّ واحد في يد الآخر، إذا أراد أحد أن يضمن [الثمن]، ويقول: «هذه المعاملة فاسدة، والثمن موجود الآن في يد البائع، وأنا أضمن هذا الثمن»، فإنّ هذا الضمان باطل؛ لأنّ الثمن عبارة عن عين خارجيّة.
أجل، لو كان الثمن كلّيًا، لما وُجد أيّ إشكال [في الضمان]؛ لكن، بما أنّه هنا خارجيّ، فإنّ الضمان محلّ إشكال بسبب عدم تعلّق الضمان بالعين الخارجيّة.
أجل، إذا أراد أحد أن يتعهّد، ويضمن بقوله: «في هذه المعاملة التي يُراد إجراؤها، إذا تبيّن أنّ المبيع مملوك للغير، فإنّي ضامن»، فلن توجد أيّ حزازة في هذا الضمان؛ كأن يرغب أحد مثلاً في شراء أرض أو بستان، ويكون كلّ من المشتري والبائع حاضرين، فيقول المشتري: «اشتريت منك هذا البستان بالمبلغ الفلاني»، ويُسلّم ثمنه للبائع أثناء المعاملة؛ لكن، يُحتمل أن تكون الأرض مملوكةً لغير البائع، فيحصل تردّد للمشتري بخصوص الإقدام على هذا البيع؛ إذ من الممكن أن تكون هذه الأرض مملوكةً للغير؛ وحينئذ، متى ما اطّلع المالك على هذا الأمر، فإنّه سيأتي، ويستردّها، بل حتّى لو لم يحصل لديه اطّلاع، فلن يحقّ للمشتري التصرّف في هذه الأرض بعدما ثبت له أنّها لم تكن مملوكةً للبائع؛ لأنّه سيكون تصرّفًا في ملك الغير؛ وفي هذه الحالة، إذا جاء أحد، وضمن البائع بقوله: «إذا تبيّن أنّ هذه الأرض مستحقّة للغير، فإنّنا أتعهّد بها، وأضمنها»، فلن يوجد أيّ إشكال.
لزوم الضمان في مقابل أمر محقّق
ويُشترط في صحّة الضمان أن تنعقد المعاملة؛ وإلاّ، لو لجأ الإنسان إلى الضمان قبل انعقادها، لبطل هذا الضمان؛ إذ يجب أن يحصل الضمان في مقابل أمر محقّق، وليس في مقابل أمر يُمكن وقوعه لاحقًا؛ فإذا كانت المعاملة لازالت لم تتحقّق، ولم يكن تسليم المبيع للمشتري قد دخل بعدُ في عهدة البائع، فأي شيء سيضمنه الضامن حينئذ؟! فإذا أُبرم البيع، وصار في ذمّة البائع أن يُسلّم المبيع للمشتري، وفي ذمّة المشتري أن يدفع الثمن للبائع، وجاء بعد ذلك أحدٌ، وضمن البائع في هذا المال بقوله: «إذا تبيّن أنّ هذه الأرض أو هذا البستان الذي اشتريتَه مستحَقَّين للغير، فإنّني سأكون ضامنًا»، فإنّ هذا الضمان صحيح.
وحينما يتحقّق الضمان، إذا اتّضح أنّ المال غير مستحَقّ للغير، فلا شيء هنا [على الضامن]؛ وأمّا إذا تبيّن أنّه مستحَقّ للغير، فإنّ الضامن يستطيع أن يأخذ من البائع الثمن الذي استلمه بعينه، ويُرجعه إلى المشتري؛ لأنّه هو الذي تعهّد بثمن هذه المعاملة؛ وإذا لم يتمكّن من ذلك، لزمه أن يُسدّد للمشتري مِثل هذا الثمن، إن كان مِثليًّا كالقمح والشعير والأرزّ؛ أو قيمته، إن كان قيميًّا كالإبل والأبقار والأغنام؛ وهنا، لا يوجد أيّ إشكال في الضمان.
ولا يخفى أنّ الإنسان لا يُمكنه ضمان إلاّ أصل الثمن الذي دفعه المشتري للبائع، وأصل المِلك الذي اشتراه المشتري في مقابل هذا الثمن؛ أي أصل المال الذي جرى دفعه، أو شراؤه؛ وأمّا ضمان الخسائر التي تكبّدها المشتري في هذا المِلك، فمحلّ إشكال. وكمثال على ذلك، أن يعمد المشتري إلى حفر بئر في المِلك الذي اشتراه، ويبني فيه غرفة، ويزرع فيه شجرة؛ ثمّ يتّضح بعد ذلك أنّ هذا الملك متعلّق بشخص آخر؛ فيكون المشتري قد قام ـ في الحقيقة ـ بكافّة تلك التصرّفات في مِلك الغير؛ وحينما يطّلع المالك على هذا الأمر، فإنّه سيأتي، ويستردّ ملكه؛ ورغم ذلك، يستطيع المشتري أخذ الأشياء التي استحدثها في هذه الأرض؛ فيأخذ مثلاً آلاته، ويقلع أشجاره، ويحمل اللبنات والأعمدة الحديديّة التي استعملها في البناء؛ لكن، ستلحقه هنا بعض الأضرار؛ لأنّه لا يقدر على حمل البئر التي حفرها؛ ومع أنّه قد يتمكّن من أخذ أثاث البيت الذي بناه، إلاّ أنّه سيتضرّر؛ لأنّ نفس بناء البيت احتاج إلى تكلفة! وهنا، لا يُمكن لأيّ أحد أن يضمن، ويقول للمشتري: «إذا اتّضح أنّ هذا المِلك مستحَقٌّ للغير، فإنّني سأضمن الأضرار التي ستتسبّب فيها أنت لاحقًا بإرادتك»، بل يستطيع الإنسان أن يضمن فقط أصل المِلك، إن ظهر أنّه مستحَقّ للغير.
حكم ضمان الدين المصحوب برهن ووثيقة
والمسألة الأخرى المتعلّقة بالضمان هي فيما إذا أقرض أحدٌ آخر، وأخذ منه في المقابل وثيقة، حيث يُراد من الوثيقة الشرعيّة: الرهينة، ومعناها: «أُقرضكَ هذا المال إلى أجل معيّن، وإذا تخلّفتَ عن الأداء حين حلول الأجل، فإنّني سآخذ المال الذي أخذته منك كوثيقة، وأبيعه، وأقتطع منه ديني، وأرجع إليك الباقي»؛ فهذا الذي يُقال له: وثيقة وضمان شرعيّان، حيث لا يحقّ للدائن التصرّف في هذه الوثيقة، وإلاّ، سيكون قد ارتكب الحرام.
وكمثال على ذلك، أن يُقرض أحدهم آخر بمائة تومان، فيضع هذا الأخير عنده رداءً أو عباءةً أو شيئًا آخر باعتباره وثيقة؛ فيصير هذا الشيء رهينة ووثيقة؛ وهنا، إذا ضمن أحدهم هذا المدين، وقال: «أضمنه بشرط أن تبطل تلك الوثيقة، ويتمّ فسخها»، فلن يوجد أيّ إشكال، ويكون الضمان صحيحًا؛ وبمجرّد انعقاد هذا الضمان، يتعيّن على الدائن أن يرجع للمدين في الحين تلك العباءة التي أخذها كوثيقة.
لكن، إذا لجأ أحدهم للضمان، ولم يشترط في العقد بطلان الوثيقة وفسخها، فإنّ هذه الوثيقة ستظلّ على حالها؛ ففي المثال السابق، نفترض أنّ أحدًا ضمن زيدًا المدين بمائة تومان؛ فهنا، ستبقى تلك الوثيقة على حالها بالنسبة لعمرو [الدائن]؛ وحينئذ، إن سدّد الضامن ما ضمنه، أمكن لزيد استرداد عباءته من عمرو؛ وإلاّ، ستبقى الوثيقة على حالها، بحيث إذا حلّ الأجل، ولم يتمكّن زيد من أداء قرضه، ولم ينُفّذ الضامن وعده بالأداء، يستطيع الدائن أن يبيع العباءة، ويقتطع منها مقدار دينه.
حكم أداء الدين عن الغير من دون ضمان
وتوجد مسألة أخرى تتعلّق بما إذا كان على أحد دينٌ، وقال لآخر: «أيّها السيّد، أدّ عنّي هذا الدين»؛ فإلى حدّ الآن كان حديثنا ينصبّ على الضمان، حيث بوسع هذا المدين أن يقول لشخص آخر: «اضمن هذا الدين بدلاً عنّي»؛ فإذا قبل الضمان، سيتحمّل الضامن كافّة الأحكام التي استعرضناها سابقًا؛ لكنّ المفروض في هذه المسألة عدم وجود ضمان، بل إنّ المدين يطلب أداء دينه وحسب؛ كأن يكون أحدهم مديونًا بمائة تومان، فيقول لصديقه: «أدّ عنّي هذه المائة تومان»؛ وحينما يدفعها هذا الصديق، يرجع على المدين، ويستردّها منه.
فهذا الأداء ليس بالمجّان، حتّى يُمكننا القول: «إنّ صديقه طلب منه أداء دينه، فأدّاه عنه؛ وبالتالي، لا يحقّ لهذا الصديق الرجوع عليه، واسترداد المبلغ»، بل يُمكن للصديق الرجوع على المدين بعد أداء الدين، واستعادة المائة تومان التي أدّاها عنه.۱
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد