93

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

7372
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالإنفاق و الإيثار

التاريخ 1424/07/16

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

تحدّثت هذه المحاضرة عن موضوعين:
الأوّل: ما الفرق بين العزّة الكاذبة الموهومة والعزّة الحقيقيّة؟ وما هي أسباب كلّ منهما؟ وكيف يمكن للإنسان أن يحافظ على العزّة الحقيقيّة المودعة في نفسه ويمنع تحوّلها إلى عزّة كاذبة؟
الثاني: ما هي حقيقة المصائب من وجهة نظر علم النفس الإسلاميّ؟ وكيف ينبغي أن تواجه؟
وقد تناولت الموضوع الأوّل من خلال تفسير آية وللّه العزة ولرسوله والمؤمنين مع بيان مواقف العزّة في سيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأعاظم من أولياء الله والعلماء كالعلامة الطهراني والسيّد البروجردي رضوان الله عليهما.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

  •  

  • شرح حديث عنوان البصريّ -٩٣

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربِّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد

  • (اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد)

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام في تتمّة حديثه الشريف مع عنوان البصريّ: «وَ إذَا فَوَّضَ العَبدُ تَدبِيرَ نَفسِهِ عَلَى مُدَبِّرِهِ هَانَ عَلَيهِ مَصَآئِبُ الدُّنيا».

  • كنت عازمًا اليوم ولا زلت أن أبدأ بهذه الفقرة، ولكن حيث كان الحديث في الجلسة السابقة حول كيفيّة ظهور النفس وبروزها وتقوية الشخصيّة الاعتباريّة، وأنّ على الإنسان أن يكون مراقبًا على الدوام حتّى لا يقوم الشيطان لا قدّر الله بواسطة طرق النفوذ بتقوية الشخصيّة الكاذبة والنفسانيّات في مقابل الحقائق وخسارة الاعتباريّات، وقد كان للرفقاء في هذا المجال بعض الأسئلة. ورغم أنّه طرح في الجلسة السابقة بعض الأمور حول ذلك، ولكن يبدو أنّه يحتاج قليلاً إلى مزيد من التوضيح. وإن شاء الله بانتهاء هذه المسألة نبحث في الفقرة التالية التي هي كيفيّة التعامل مع أحداث الدنيا. 

  • ما الفرق بين العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة؟

  • إن كان الرفقاء يذكرون، فقد تحدّثنا في الجلسة السابقة حول أنّه يجب على الإنسان أن تكون له مراقبات خاصّة لشأنه ومكانته أمام المجتمع أو أمام الأسرة أو أمام نفسه وهو أهمّ من الجميع، وكيفيّة التعامل مع شؤونه النفسيّة، وإذا ما قصّر في الاهتمام بهذا الجانب فإنّ حيثيّة اللطف الروحيّ وتعلّق النفس بمبدئها وبذات الله تتحوّل شيئًا فشيئًا إلى شخصيّة كاذبة واعتباريّة وإلى مانع كبير من حركة الإنسان إلى عوالم الربوبيّة. وهذه آفة تهدّد الجميع في مراتب مختلفة، ويمكن القول إنّ هذه المسألة تسبّب أعظم وأخطر مشلكة، وقد سبّبت بتوقّف كثيرين عن الحركة إلى كمالهم والتخلّص من الموانع والعبور من العوالم وأوقفتهم أو أسقطتهم في هذه الورطة.

  • إنّ الابتلاء بالشخصيّة ذات العزّة الكاذبة والمصطنعة التي لم يعطها الله تعالى للإنسان [هو أعظم مشكلة] فما أعطاه الله تعالى للإنسان هو تعلّق النفس وتعلّق القلب بذاته هو فقط لا غير: {وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‌} ۱ على المؤمنين أن يتوكّلوا على الله وحده، على المؤمنين أن يعتمدوا في جميع أمورهم على الله وحده، عليهم أن يعتمدوا على الله وحده في جميع شؤونهم وجميع ذرّات نشاطهم وجميع شراشر وجودهم. 

    1. سورة آل ‌عمران، الآية ۱٢٢.

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

3
  • ولا أدري هل ذكرت هذا الأمر سابقًا للرفقاء أم لا؟ فقد خطر في بالي الآن، فإن كنت ذكرته سابقًا فإعادته لا تخلو من لطف. 

  • عزّة نفس المرحوم العلاّمة ورفضه التوسّل إلى المسؤولين لطباعة كتبه

  • أذكر أنّه في أواخر حياة المرحوم العلاّمة واجه نشرُ بعض كتبه بعضَ الموانع، وإن أسعفتني الذاكرة فإنّ الجزء العاشر أو التاسع من معرفة الإمام كان قد واجه بعض الموانع من نشره وكان المحيطون يريدون أن يتخلّصوا من هذه الموانع بطريقة ما ـ وقد كنت مطّلعًا على طريقة تفكيرهم ـ فاقترح بعضهم في إحدى الجلسات أن تُكتب من قبله رسالة إلى المسؤولين عن الأمر لكي ترتفع الموانع من أمام هذا الكتاب وغيره من الكتب. 

  • وقد عارضت هذا الأمر بشدّة وكنت أراه منافيًا لروح العزّة والكرامة والصلابة التي يتّصف بها، نظرًا إلى أنّه لم يكن له أيّ مردود مادّي من كتبه ومؤلّفاته، فلم يعد إليه حتّى ريال واحد من مؤلّفاته التي تبلغ حوالي سبعين مجلّدًا، وذلك طيلة المدّة التي أذكرها، بل كان يقول: أنا دفعت تكاليف بعضها من جيبي، فبعض الكتب التي ألّفت ومنعوا من نشرها كنت أرسلها إلى بعض الناس، فلم تكن معروضة للبيع. إنّ الحديث عن هذه الأمور بالنسبة إليه يعدّ إهانة، فأصلاً يجب أن لا نفكّر في هذا الأمر حوله، فقد كان في أفق وفي موقع نحن فقط سمعنا عنه سماعًا ونسمع ولا ندري ما حقيقة الأمر فيه. 

  • ونظرًا إلى ذلك، كنت أعتقد أنّ هذا الأمر ـ الذي هو طلب إلهيّ وليس دنيويًّا ولا يعود منه على المؤلّف شيء، بل طلب لأجل نشر المعارف الإلهيّة ورفع موانع ذلك ـ يتنافى مع تلك العزّة والإباء التي كنت أعهدها منه، وهذا ما كان يمنعني عن السماح بذلك. إلى أن أصرّ جماعة أن نوكل الأمر إليه ونسأله. فجئت من الصالة الخارجيّة إلى داخل المنزل حيث كان يريد أن يستريح وكان ذلك عند الساعة الثانية بعد الظهر، وكان مستلقيًا على الفراش ولم يكن قد غفا بعد، ففتحت الباب ورأيته مستيقظًا، فقلت له: هناك أمر من هذا القبيل حيث يقول البعض: لأجل رفع الموانع حبّذا لو تكتبون رسالة... فما إن قلت كلمة رسالة قال: كلاّ! لم يصبر حتّى أنهي كلامي. ثمّ كان كلامه هكذا: نحن لا نلقي بأنفسنا إلى الآخرين حتّى لأجل العمل الإلهيّ. 

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

4
  • العزّة الإلهيّة موجودة عند كلّ إنسان ولكن...

  • فانظروا ما هذا؟ هذا هو ما أعطاه الله. ما أعطاه الله لنا ولكم وللجميع والجميع غافلون عنه هو هذه الحالة، حالة التعلّق بالله. فنفس الإنسان عزيزة إلى حدّ... ومنيعة إلى حدّ... ورفيعة إلى حدّ... فالأمر لا يختصّ به رضوان الله عليه، فنحن أيضًا هكذا والأمر لا يختصّ به، غاية الأمر أنّنا نحن غفلنا عن هذا الأمر، نسيناه، نحن محوناه من الذاكرة، ونسينا مكانتنا، واستبدلنا ذلك الإكسير الذي جعله الله في وجودنا وذلك الدرّ النادر، وذلك الجوهر الفريد بالخزف والخرز، أخذنا الخزف والخرز وجعلناهما في جيبنا بدلاً منه! وإلا فهو موجود عند الجميع. فهو إنسان، ونحن أيضًا أناس فما الفرق؟! ففي النهاية هذا الجانب هو جانب الإيمان: {وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‌}۱ فالعزّة لله ومختصّة به وليس هناك عزيز في هذه الدنيا، ليس هناك سلطان في هذه الدنيا، ليس هناك حاكم في هذه الدنيا، ليس هناك آمر في هذه الدنيا، ليس هناك متولّ في الدنيا، فالعزّة وحيثيّة الشأن عند الإنسان مختصّة بالله. 

  • لذلك فإنّا نشاهد في آيات القرآن الكريم {هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}٢ فالعزير يطلق على من يغلق طريق نفوذ الأغيار، لا يسمح لأحد أن يتدخّل في حريمه الخاص، وأن ينفذ إلى دائرته وأن يقرّر بدلاً عنه وأن يعيّن له الطريق والمسار، وأن يملي عليه الأمور، وأن يحدّد له المسير وعلاماته، فهذا يدعى عزيزًا. العزيز هو الذي يوجد حول نفسه حريمًا ويغلق الباب أمام نفوذ الأجانب والمنحرفين والمخالفين إلى قلبه الذي هو حرم الله، فهذا هو الذي يسمّى عزيزًا. 

  • هذه العزّة مختصّة بالله، وهي موجودة في كلّ مكان فيه أثر للّه، وكلّ مكان لا يعرف الله فيه ففيه الذلّة، والحقارة والوضاعة والخفّة والشقاء والمسكنة والفقرة والخسارة، في أيّ مكان ومهما وصل الإنسان. ولهذا الأمر شواهد عديدة في حياة العلاّمة رضوان الله عليه، فقد ذكرت واحدًا منها فقط الآن. 

  • رفض العلاّمة التوسّل إلى المسؤولين لإصدار جواز سفر للزيارة

  • وممّا أذكره عنه في ذلك أنّه كان يريد أن يسافر إلى كربلاء، فقد كانت قد مضت سنتان ولم يلتق بالسيّد الحدّاد فاشتاق إلى لقائه ـ وما أقوله لكم هو في سياق ذلك الأمر الذي ذكرته قبل شهر أو شهرين في هذا المجلس إن كان الرفقاء يذكرون، فهذه أمثلة، فقد كان الأصدقاء يقولون كيف نصل إلى هذا الأمر وكيف السبيل للوصول إلى ذلك؟ فقلت سأذكر بعض الأمثلة هنا لكي تتّضح المسألة أكثر شيئًا ما ـ فكان قد مضى ما يقارب السنتين، حتمًا أكثر من سنتين، ولم يكن قد رأى أستاذه، وشدّة تعلّقه بأستاذه أنا أعرفها، فعندما كان يذكر اسم أستاذه كانت عينه تفيض من الدمع، فقد كان الأمر عجيبًا جدًّا، وكان لونه يميل إلى الحمرة ويتلألأ، وكان إذا رأى صورته تصيبه حالة غريبة، فقد كانت له أوضاع عجيبة. وطبعًا كان هذا عندما كان في طهران، أمّا بعد أن تشرّف بالمجيء إلى مشهد، فقد تغيّر الأمر، فقد كانت هذه الأمور في مرحلة من أحواله وسيره. 

    1. سورة المنافقون، الآية ۸ .
    2. سورة آل‌عمران، الآية ٦

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

5
  • مرّت سنتان ولم يكن قد رآه، إلى أن حدثت بعض الموانع، ويبدو أنّه حصلت بين الدولتين بعض المشاكل، ومهما كان الأمر فقد حصلت موانع ولم يتمكّن من السفر إلى العراق، ويزور السيّد الحدّاد، إلى أن ارتفعت الموانع. وواجه جواز سفره مشكلة وأدّى إلى تأخيره أيضًا مدّة ما لكي تحلّ المشكلة. أذكر أنّه كان في ذلك الوقت أحد مسؤولي دائرة الجوازات يدعى سروان جواني، وكان رجلاً مؤدّبًا جدًّا ومخلصًا، وكانت له مودّة للمرحوم العلاّمة، وقد سمعت لاحقًا أنّه استلم مسؤوليّة أيضًا في مرحلة الحكومة الإسلاميّة. 

  • وكنت قد ذهبت حينها لأتابع أمر جواز السفر، فلمّا رآني قال: يجب أن يكتب رسالة وطلبًا يتوجّه فيه إلى الوزير أو المدير العام لدائرة الجوازات ويتلطّف في طلبه حتى يسير الأمر بنحو أسرع، فإذا كتب رسالة أنا أتابعها وأحلّ المشكلة وينتهي الأمر. ويبدو أنّ المخابرات كانت تسبّب ذلك عمدًا بوسائل مختلفة. 

  • فجئت إليه وقلت له ذلك. فقال: اذهب إليه وقل له: رغم أنّ زيارة العتبات والأئمّة عليهم السلام لها قيمة عظيمة جدًّا ولها ما لها، ورغم أنّي لم أوفّق منذ سنتين لزيارة العتبات، ولكنّي لا أرضى أن أطلب لأجل ذلك وأنا حاضر أن لا أذهب مدى العمر ولا أستجدي الظلمة. فانظروا هذا هو الذي يقال له: زائر الإمام الحسين. في حين أنّ من الواضح أنّ هذه المسألة بسيطة جدًّا وهناك ما هو أرفع منها ويقومون بتوجيهه وتأويله وتصحيحه، ويقولون: ما المشكلة ولماذا ؟ وأمثال ذلك.

  • مرّت سنتان أو أكثر لم ير فيهما الأستاذ، وأيّ شوق لرؤيته لديه؟! ولكن كلّ ذلك ماذا؟ الله يفعله. علينا أن لا نغفل عن هذه النقطة وهي أنّ الله تعالى هو الذي يبتلي بذلك، وربّما لو كتب هذه الرسالة لحلّت المشكلة خلال بضعة أيّام، ولكنّ الله يوجد هذا المانع ليمتحن هل يريد عبده أن يذهب لأجل هوى النفس أو لأجله هو، إن كان يريد أن يذهب لأجله هو فأنت الآن آية الله، أنت الآن من أهل العلم، أنت الآن صاحب هذا الوضع، أليس كذلك؟ فعليك لأجل الذهاب إلى كربلاء وإلى الزيارة أن تسير في طريق الظالمين، عليك أن تكتب رسالة وتطلب منهم ذلك. فهل تفعل أم لا؟ كلاّ لا أفعل. فهؤلاء منتظرون، وهؤلاء عمدًا عقّدوا الأمر لكي يحلّوه بواسطة ذلك، فالمشكلة بأيديهم، فليس هناك أحد غيرهم في البين، هم يعقّدون لكي يكون حلّها بأيديهم، وفي الأثناء يسيؤون الاستفادة كما يريدون. 

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

6
  • لذلك يقول: كلاّ لا أذهب. 

  • وقد أثّر كلامي في ذلك الرجل إلى حدّ جعله يقول: سأحلّ المشكلة بنفسي بأيّ طريق من الطرق. وخلال أسبوع واحد حلّها. فالله يهيّئ الأمور بنفسه أيضًا. فجاء وأخبرنا أنّ المسألة قد حلّت والموانع قد ارتفعت. فلو أنّه كان قد فعل ذلك ماذا كان سيحدث لتلك العزّة الإلهيّة؟ لزالت. إنّ العزّة الإلهيّة هي التي تمنعه من الإقدام على ذلك. فإذا زالت تلك العزّة تهيّأ الأمر للخطوات اللاحقة، وفي مكان آخر أيضًا تزول العزّة، وفي مكان آخر أيضًا تزول، وفي آخر أيضًا تزول، وفجأة تتحوّل تلك الشخصيّة الإلهيّة العزيزة إلى شخصيّة مبرِّرة ومأوِّلة ومساعدة ومرافقة ومعدّة للظالمين. فالأمر لا يحدث دفعة واحدة. بل شيئًا فشيئًا لذلك على الإنسان أن يكون مراقبًا بشكل دقيق. 

  • رفض العلاّمة العلاج في الدول غير الإسلاميّة

  • ومن الأمور التي كانت تمثّل له أمرًا حسّاسًا جدًّا ما كان يقوله من أنّه: لماذا نمدّ أيدينا إلى الكفّار؟ لماذا يكون الأمر هكذا؟ لماذا علينا أن نستفيد منهم لأجل دنيانا ولأجل منافعنا الدنيويّة؟ لماذا علينا أن نعمل في كلامنا وفي علاقاتنا بطريقة ما، ولكن إذا ما وصل الأمر إلى سلامتنا وصحّتنا وعرض لنا مرض نمدّ إليهم يد الحاجة؟! لماذا نكون هكذا؟! فقد كان يتأذّى كثيرًا من ذهاب بعض الناس وبعض العلماء إلى الخارج لأجل العلاج، وكان قلقًا جدًّا لهذا الأمر. 

  • تارة لا يكون هناك مجال للعلاج هنا، حينها يمكن للإنسان أن يجد مبرّرًا من باب التكليف الشرعيّ وأنّه إذا لم يجد العلاج في مكان بحث عنه في مكان آخر، لا أنّه لأجل كسر عظم يمكن لطبيب الحيّ أن يعالجه يقوم الإنسان بالسفر إلى البلد الذي بقي طوال عمره يتحدّث عنه وعن شعبه بألف نوع من الكلام! فكيف سيتعاطى الناس مع هذا الأمر؟ وما هو الانطباع الذي سيتكوّن لديهم عن علماء الدين سوى الفراغ والخواء وعدم اعتماد المباني على أساس متين وركن شديد؟ إن كنت تشتم هذا البلد فلماذا جئت إليه؟ إن كنت تثير الضوضاء فلماذا جئت إلى هنا؟ ما دمت سليمًا معافى فلا بدّ من الشتائم؟! وما لم يعرض لك عارض فلا بدّ من ذلك؟! والحال أنّه يمكن علاج الأمر في أبسط مستشفى في هذا البلد، أبسط مستشفى فالأمر لا يحتاج إلى تخصّص. 

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

7
  • لقد كان حسّاسًا جدًّا تجاه هذه المسائل، فمن أين تنشأ هذه الحساسيّة؟ من تلك العزّة الإلهيّة التي وصل إليها هذا الرجل العارف ولم نصل إليها نحن، نحن علقنا في الألفاظ، والأمر ليس فيه مزاح، والله يعاقبنا على ذلك. وحول الجلطة التي أصابته قيل له: سافر إلى الخارج. فقال: لو قطّعوا بدني إربًا إربًا لن أخرج من إيران ومن مشهد. فبماذا سأجيب الله؟! يقولون: هذا العالم الديني الذي تحدّث العمر كلّه عن عزّة الإسلام وعزّة المسلمين... فهذا ليس مزاحًا يا عزيزي! فهذا ما يفهمه ويدركه من كان لديه مقدار من روح الإيمان تلك ولا أقول بمقداره هو، فالأمر أرفع من هذا الكلام، يكفي أن يفهم مقدارًا يكفي أن يدرك قليلاً ليفهم هذا الأمر. 

  • كان يقول: ما دام لدينا في إيران هؤلاء المسلمون هؤلاء الأبناء المسلمون هؤلاء المصلّون ويمكنهم أن يقوموا بالعمليّة بهذا الإتقان وبسهولة فلماذا نمدّ يد الحاجة إلى شاربي الخمور والمرتكبين لأنواع الفواحش؟! لماذا؟! استنادًا إلى أيّ شيء؟! ومع غضّ النظر عنه هو، حتّى الآخرون لماذا يقومون بذلك؟! ما دام في هذا البلد ألف طبيب مسلم مصلٍّ مؤمن متديّن، وهو جرّاح جيّد وطبيب جيّد ومتخصّص جيّد في أيّ فرع من الفروع فلماذا وما السبب وبأي دافع نقدّم أموال هذا البلد ورأسمال هذا الشعب ونجعله في جيوب جماعة من شاربي الخمور ليحوّلوها إلى أسلحة مدمّرة ويحاربونا بها؟! لماذا نفعل ذلك؟! أليس هذا حرامًا؟! إنّه حرام في النهاية يا عزيزي! ليس في الأمر مزاح، نقولها بكلّ بساطة: حرام. قلت إنّه تارة يكون الأمر منحصرًا في ذلك فحينها يختلف الحكم، ولكن بيننا وبين الله كم هي نسبة الحاضرين هنا المشمولين لهذا الاستثناء؟! كم هي نسبتهم؟! إن كانوا اثنين في المائة فما هذا؟ إنّه الوصول إلى حقيقة الأمر. 

  • عزّة رسول الله أمام قريش

  • {وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ} ۱ يجب أن تكون العزّة مختصّة بالله ومختصّة بربّ العالمين، وما دامت العزّة للّه فإنّها هي التي تأتي لا عزّة أخرى، {وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ} تلك العزّة تسري إلى رسول الله، فالرسول أيضًا عزيز، الرسول لا يعطي ضريبة لأحد ولا ينكّس رأسه لأحد، ولا يخضع لأحد. يأتون إليه ويقولون: نعطيك ما تريد فيقول: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يسارى على أن أترك هذا الامر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته.٢ لماذا؟ يضحك، فتلك العزّة جاءت واستقرّت في قلبه، فصار عزيزًا. فإذا صار الإنسان عزيزًا فإنّ الدنيا كلّها لا تساوي عنده قشّة تبن، فلا يمكن لأحد أن يتصرّف في حيطة عزّة الإنسان، لا يمكن لأحد أن يملي عليه، لا يمكن لأحد، لا يمكن!

    1. سورة المنافقون، الآية ۸.
    2. سورة المنافقون، الآية ۸.

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

8
  • كيف نوفّق بين موقف أمير المؤمنين من أبي سفيان وموقفه من الأنصار؟

  • بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عندما أخذوا الخلافة من يد أمير المؤمنين جاءه رجلان: أحدهما العبّاس عمّه وعمّ رسول الله، والآخر أبو سفيان. قال العبّاس يا عليّ ابسط يدك أبايعك وأعمل لصالحك، حينها سترى أنّه لن يتمكّن أحد من الوقوف أمامك۱. وقال أبو سفيان: أما والله لو شئتم لأملأنها عليهم خيلاً ورجلاً. فقال أمير المؤمنين للعبّاس إنّه قد انتهى الأمر وقال لأبي سفيان إنّ كافّة الفتن هي منك أتظنّني غير ملتفت؟! ٢

  • أمير المؤمنين نفسه الذي قام ليلاً يطرق أبواب أهل المدينة ويقف على الباب أو يدخل وأحيانًا يصطحب السيّدة الزهراء عليها السلام، كان يقصد الوجهاء لا أيّ إنسان، وجهاء المدينة، الوجهاء الذين بايعوا ويقول: هل نسيتم ما جرى قبل شهرين؟! لقد كنت أنت شاهدًا يوم الغدير. فأمير المؤمنين هذا الذي يذهب هكذا ليتمّ الحجّة، عندما يأتي أبو سفيان ويقول له: لو شئت لأملأنّ المدينة عليهم خيلاً ورجلاً فإنّه يطرده. 

  • فما هذا الأمر؟! وكيف نجمع بين هذين الموقفين؟! 

  • من المعلوم أنّ أمير المؤمنين في الوقت الذي يرى نفسه مكلّفًا بالوصول إلى الخلافة، فإنّه لا يريد هذا الوصول بأيّ نحو كان، الوصول الذي فيه عزّة، الوصول الذي تحفظ فيه العزّة الإلهيّة، ذلك الوصول لا بأيّ طريقة حتّى وإن كانت جنازة النبيّ على الأرض، فيذهب ويطالب بالخلافة وينازعهم عليها، هذا يصبح خداعًا! يذهبون إلى السقيفة ومن يجعلون خليفة الآن؟! ومن نختار للخلافة الآن؟ لقد مات النبيّ ولا يزال الأمر في حالة فوضى فنجعل عليًّا وأصحابه تحت الأمر الواقع، فهذا خداع واحتيال، فالخداع هو عمل أهل السياسة! 

  • أما إذا كان الإنسان يعمل لأجل رضا الله، فإنّه يلاحظ دائمًا العزّة، لا أن يتكلّم اليوم بكلام ثمّ يتراجع عنه غدًا، اليوم يقول شيئًا وغدًا يقول شيئًا آخر، اليوم تقتضي المصلحة هذا وغدًا تقتضي غيره. 

  • عزّة المؤمنين بالله لا بالعزّة الشخصيّة

  • {وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ}‌ تلك العزّة تأتي وتسري إلى المؤمنين، فالمؤمنون أيضًا أعزّاء بالعزّة الإلهيّة لا بالعزّة الشخصيّة لهم، كلاّ! فتلك العزّة الإلهيّة هذه الموهبة التي وهبها الله لكلّ واحد منّا وعلينا أن نحافظ عليها. علينا من الآن، صحيح أنّه تأخّرنا ولكن لنبدأ من الآن ونحافظ عليها، ولنعلم أنّنا لسنا لأنفسنا فقط بل هناك طرف آخر في المسألة هو الله. ففي يوم القيامة يأتي الله ويسأل: هذه العزّة التي أعطيتك ماذا صنعت بها؟ واقعًا عندما أفكّر أحيانًا يقشعّر بدني، واقعًا عندما أفكّر في هذه المسألة وأنّي في علاقتي مع الناس لست مختصًّا بنفسي ولا يمكن أن أكون مسؤولاً عن نفسي فقط، ولا يمكن أن أتحدّث عن نفسي فقط، ولا يمكن... كلا! سواء شئت أم أبيت فإنّ الأمر خرج عن دائرتي الشخصيّة، وهو يرتبط بأناس آخرين.

    1. الإمامة والسياسة، ص ۱٢: أبسط يدك أبايعك ، فيقال : عم رسول الله بايع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويبايعك أهل بيتك ، فإن هذا الأمر إذا كان لم يقل ( ٢ ) ، فقال له علي كرم الله وجهه : ومن يطلب هذا الأمر غيرنا ؟ وقد كان العباس رضي الله عنه لقي أبا بكر فقال : هل أوصاك رسول الله بشئ ؟ قال : لا . ولقى العباس أيضا عمر ، فقال له مثل ذلك . فقال عمر : لا . فقال العباس لعلي رضي الله عنه : ابسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتك .
    2. الإرشاد، ج۱، ص ٢٩۰: يا بني هاشم ، يا بني عبد مناف ، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل بن الرذل ، أما والله لئن شئتم لأملأنها خيلا ورجلا . فناداه أمير المؤمنين عليه السلام : ارجع يا أبا سفيان ، فوالله ما تريد الله بما قول ، وما زلت تكيد الإسلام وأهله.

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

9
  • في الجلسة السابقة قلت: إنّ أهمّ آفات بناء النفس على أساس الرغبات الخاصّة وبدون الالتفات إلى الملاكات ماذا كان؟ إن كان الرفقاء يذكرون فإنّي أسألهم! لقد ذكرت عدّة مسائل حينها منها الأثر الاجتماعيّ السيّئ الذي يسبّبه هؤلاء الناس عنه، والآثار السيّئة التي يسبّبها هذا المنهج التربويّ في المجتمع. أي الآثار التي يمكن أن يسبّبها الإنسان بواسطة الأعمال التي هي من عنده لأجل العبور عن هذه المرتبة إذا ما اعتمدنا على أنفسنا فقط. ولكن يمكن للإنسان أن يحقّق هذا الأمر في وجوده شيئًا فشيئًا بطريقة معتدلة، وقد بيّنت بعض الأمثلة لذلك، فهل تذكرون المثال؟ فقد كان من دأب المرحوم العلاّمة أن يأمر أحيانًا بعض المعتدّين بأنفسهم برفع الأذان عند المغرب أمام مائة من الحاضرين أو مائتين. فهذا لم يؤذّن حتّى لأسرته، فيقول له: قم وأذّن. فكان الأمر صعبًا جدًّا عليه، ولكن كان عليه أن يمتثل. وفي المرّة الثانية كان الأمر أسهل، وفي الثالثة أسهل وبذلك يتجاوز عن هذه العقبة. مشكلته كانت في المرّة الأولى، وليس هناك أيّ أمر مخالف للشرع، وليس هناك أيّ أمر ذي بال. فرفع الأذان خير فعل وخير عبادة، ومن الشعائر الدينيّة، والأعاظم والأئمّة أنفسهم كانوا يؤذّنون. كانوا يؤذّنون عند الصبح، ويؤذّنون عند الظهر، والمرحوم العلاّمة نفسه كان حتّى أواخر عمره يؤذّن عند طلوع الفجر، وجميع أهل الحيّ والجيران لا يزالون حتّى الآن يذكرون صوت أذانه. فهذه واحدة من الأمور التي ينبغي أن يلتفت إليها. 

  • كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز عن شخصيّته الكاذبة؟

  • أمّا أنّه كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز هذا الأمر؟ 

  • فعليه أن يكون مراقبًا جدًّا ومهتمًّا، فهذه المسألة تحدث بالتدريج لا دفعة واحدة. ففي البداية تكون لدى الإنسان تلك العزّة الإلهيّة، فإذا أراد أن يواجه أمورًا كهذه بواسطة تلك العزّة الإلهيّة فإنّه يشعر في نفسه بالانكسار، ألم يحدث لنا مثل ذلك؟ الشعور بالانكسار، الآن عليك أن تلتفت إلى هذا، والآن عليك أن تقوم بهذا العمل، والآن كذا. وهذا الإحساس من الانكسار هو لأنّ تلك العزّة الإلهيّة لا تزال في نفوسنا، إذا ما حافظنا على هذه العزّة الإلهيّة هكذا ورتّبنا عليها الآثار وحافظنا عليها ولم نتجاوز عنها ولم نغضّ الطرف فإنّ هذه العزّة الإلهيّة ستقوى وتكبر شيئًا فشيئًا إلى أن تصل إلى مرتبة من الثبات. إذا قلنا نقوم الآن بهذا الأمر لآخر مرّة ولا نخطئ بعده، الآن نيسّر أمورنا وفي المرّات اللاحقة نلتفت، لنتخلّص الآن من هذه المشكلة ولنرض الآن بهذا الحلّ لما نحن فيه، وليتحقّق مطلبنا هذه المرّة، فهذه النفس بخسارتها لتلك العزّة شيئًا فشيئًا تصل إلى ذلّة شخصيّة شيطانيّة. لماذا شيئًا فشيئًا؟ 

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

10
  • لأنّه إذا ذهبت الشياطين جاءت الملائكة وعكس ذلك صحيح أيضًا، فإذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين، وكلّما ازداد حضور الملائكة قلّ حضور الشياطين، وكلّما ازداد حضور الشياطين قلّ حضور الملائكة، فهذان لا يجتمعان في مكان واحد، وكما ذكرت فإنّ ذلك يحدث بالتدريج لا دفعة واحدة، وقد كان المرحوم العلاّمة والأعاظم يهتمّون بذلك كثيرًا، ويؤكّدون أنّ هذا الأمر يحدث بشكل أفضل وأكثر عند السالك ومن يريد أن يطوي طريق الله.

  • قصّة الميرزا علي الشيرازي وتركه الخطابة في أحد المجالس فجأة

  • وقد خطرت في بالي الآن حول هذا الأمر قصّة: أذكر أنّي قرأت هذه القصّة كمنقبة في كتاب من كتب المرحوم مطهّري، وهي أنّ أحد الأعاظم ويدعى الميرزا علي الشيرازي، وقد كان واقعًا من الأعاظم ولا شكّ في ذلك، فقد كان شديد التقوى، وكان فاضلاً وكان كلامه مؤثّرًا جدًّا وكانت موضوعاته مؤثّرة كثيرًا، وكان الجميع معترفين بذلك. يقول المرحوم مطهّري: في إحدى السنوات دعاه السيد البروجردي إلى منزله في العشرة الأخيرة من صفر، وكان عدد كبير من الناس يحضرون، وكان الكثير من الفضلاء يحضرون وجميع الطلاب يحضرون، وكان منبره وحديثه مؤثّرًا جدًّا، وكان صوته جذّابًا جدًّا للجميع. فبدأ بالمحاضرات في اليوم الأوّل والثاني والثالث إلى اليوم الثامن أو التاسع، وفجأة في إحدى الليالي رأوا أنّهم لم يأت. ومهما انتظروا لم يأت ولم يأت ولم يأت، ثمّ علموا أنّه رجع دون أن يخبر أحدًا إلى أصفهان. 

  • لقد كان الأمر في نظر الناس مستغربًا وغير مترقّب أن كيف فعل ذلك وبدون إخبار! فسألوه فقال لبعض الناس: في هذه الليالي التي كنت آتي فيها وأتكلّم فإنّ هذا الازدحام وتقبّل الناس لكلامي قد جرّني شيئًا فشيئًا وجعل الأمر في نفسي بصورة مختلفة عمّا ينبغي، ورأيت نفسي جميلة جدًّا أمام الناس ولها أهميّة، إلى أن رأيت في السابع والعشرين أو الثامن والعشرين أنّ الأمر قد بلغ أوجه، فعندما أرى هذا الحضور وهذا الوضع تتغيّر حالتي، ولم يكن هذا الأمر في اليومين الأوّل والثاني ـ فانظروا كيف يأتي الشيطان شيئًا فشيئًا وبهدوء ـ وعندما رأيت أنّ الأمر هكذا تركت الأمر. فقلت لن أحضر في الليلة الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين ولكي أقضي على نفسي وأؤدّبها وأخرجها عن هذا الغلط تركت المجلس. 

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

11
  • هذا العمل الذي قام به ـ وطبعًا على أساس فكره الخاص ـ والطريق الذي سلكه كان جيّدًا وجميلاً جدًّا، ولا أحد يفعل ذلك، وقليلون هم الذين يفعلون ذلك. ولكنّ النقطة اللطيفة التي أريد أن أتعرّض لها هنا هي هذه: لو كان تحت تكفّل أستاذ لقال له: افعل ذلك ولكن بطريقة أخرى. لقال له: أولاً أخبر السيّد البروجردي والناس أنّي لن أحضر الليلة لأنّه حصل لديّ مانع ولايمكنني أن آتي وبيّن سببًا ما، عرض لي مرض ما، أو حدثت لي مشكلة، ليكونوا على اطّلاع، لأنّك أنت إذا أردت أن تؤدّب نفسك فأدبّها في باطنها وأمّا في العمل الذي تريد أن تقوم به في المجتمع فانظر ما هو الأفضل. أمّا ترك الأمر دفعة واحدة من دون إخبار أحد فليس صحيحًا.

  • تريد أن تؤدّبها فهذا جيّد! أنت تقوم بعمل جيّد جدًّا وستحصل على فائدته. وهذا يدلّ على حسن نفسه وصفاء خاطره وإشراق طريقه ومراقبته فكم هو إنسان مراقب وملتفت، يرى أنّ الشيطان يأتي والمجالس تخرج عن كونها مجالس الإمام الحسين وتتحوّل إلى مجالس للنفس، لقد سررت بهذا الحضور وبهذا الرواج. 

  • لو أنّ هذا المسكين التفت، ونحن جميعًا لو التفتنا إلى هذا الأمر وأنّ ما يحصل ينشأ من مكان آخر، وقد نسينا ذلك المكان الآخر وننسب الأمر إلى أنفسنا، هذا المقدار صحيح، أمّا تلك الآثار التي تحدّثت عنها وهي أمور لطيفة ودقيقة فلا بدّ من الاهتمام، وهي في مدرسة ومنهج الأولياء وأساتذة الطريق ما يلي: 

  • يريد أن يحقّق هذا الأمر فليكن ولكن كيف؟ يجب أن لا يكون له أثر اجتماعيّ ومخالفة، وكلّ ما يحدث يحدث في الباطن ويحصل التغيير هناك. فهذا أمر يحتاج إلى دقّة عالية ومراقبة. وخصوصًا المبتلون بذلك لا بدّ أن يلتفتوا إلى هذه النقاط اللطيفة كي يكون الأمر كما ينبغي، وإلا إن لم يقوموا بذلك فسيأتي الشيطان بهدوء وبدوافع مختلفة وبالطرق التي لديه فيسلب الإنسان هذا الاستعداد، فتتغيّر نظرة الإنسان إلى الأمور وارتباطه بها.

  • كيفيّة زيارة السيّد البروجردي للإمام الرضا عليه السلام

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

12
  • ينقل المرحوح العلاّمة عن السيّد البروجردي أنّه كان يقول: عندما جئت من بروجرد إلى قم، كنت مشتاقًا كثيرًا لزيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، ولكن لم أكن أستطيع ولم تكن الظروف تسمح لي بالتشرّف إلى مشهد، ومضى على ذلك بضع سنوات ـ وكانت قد بدأت مكانته وموقعيّته تستقرّ، وكانت شهرته تتّسع فكان يقول: ـ فقرّرت في أيّام الصيف من إحدى السنوات أن أزور مدينة مشهد مهما حصل ولا أؤخّر الأمر، وما إن اطّلع بعض الناس جاؤوا وقالوا لي: يا سيّد إذا أردت أن تذهب لزيارة عليّ بن موسى الرضا فلا تذهب الآن! انتظر بضع سنوات أخر حتّى يذيع صيتك أكثر ويعدّك الجميع مرجعًا بحيث إذا ذهبت إلى مشهد تواجه استقبالاً يليق بمرجع تقليد ومرجع كبير، هكذا فلتذهب إلى الزيّارة! أمّا لو ذهبت الآن فلن يطّلع أحد سوى عشرة أو عشرون أو مائة فيأتون لاستقبالك. 

  • فتأثّر كثيرًا وعنّف ذلك الرجل وقال له: أأخسر زيارة عليّ بن موسى الرضا بسبب استقبال الناس وأحرم نفسي من هذا التوفيق لأجل أنّ الناس يستقبلونني أو لا يستقبلونني؟! 

  • واقعًا عجيبة هي الحيل والوسائل التي تعتمدها الشياطين، وكيف تأتي ومن نافذة الإسلام وطريق الإسلام التي هي عبارة عن شعائر الدين واستقبال مرجع كواحدة من شعائر الدين والشعائر الإسلاميّة وتستعملها ضدّ الإسلام وضدّ الدين وحقيقة الدين كلّه التي هي عبارة عن الإمام الرضا عليه السلام، فعليّ بن موسى الرضا هو الدين كلّه، فلو سلبوا منّا عليّ بن موسى الرضا فإنّا لن نختلف عن الأنعام والحيوانات، لن نختلف أبدًا. فالشيطان يأتي ويقف أمام كامل حقيقة الدين، ويأتي من نافذة الدين نفسه والإسلام نفسه فيسدّ طريقهما. وهنا على الإنسان أن يبقى مترقّبًا دائمًا، وهنا على الإنسان أن يلتفت لكي يعرف، يعرف الفوارق، ويعرف الطرق، وهذا الأمر كان موجودًا دائمًا. 

  • موقف السيّد البروجردي من الذي قرن اسمه باسم صاحب الزمان عليه السلام

  • نقل المرحوم العلاّمة ذات مرّة أنّه في أيّام محرّم وصفر حيث كانت تأتي المواكب من طهران إلى قم، جاء أحد المواكب إلى منزل السيّد البروجردي وجلس في وسط منزله، فلمّا دخلوا قال واحد من موجّهي هذا الموكب ومن هؤلاء الذين يسيّرون الناس ويجرّونهم إلى طريقهم الخاص! قال من الباحة بصوت عال: لأجل سلامة سماحة آية الله العظمى السيّد البروجردي وإمام الزمان صلّوا على محمّد وآل محمّد. لقد كان إنسانًا عديم التربية والإحساس والفهم. وفجأة فتح السيّد البروجردي النافذة التي سمع بواسطتها الصوت والمطلّة على الباحة وقال: من هو عديم الفهم الذي قال هذا الكلام؟! فليخرج فليخرج! أنا لا آتي إلى مجلس العزاء هذا ولا أشارك فيه!

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

13
  • أحسنت! جميل جدًّا! هكذا يجب أن يقال. يأتون إليك ويسقطون إمام الزمان عندك، اللعنة على تلك الحالة التي يحصل فيها ذلك. يهينون أمام أحد المراجع الركن الوحيد للتشيّع الذي هو الإمام المعصوم عليه السلام! لقد قام سماحته هنا بعمل رائع وقام بشكل قاطع بغير مجاملة برفض ذلك وقال: كلاّ أنا لست كذلك. أنا لا أستحقّ ذلك، المعذرة، هذا الكلام ليس لنا، نحن لدينا الكثير من المشكلات، فماذا لدينا من أمثال هذا الكلام؟! كلا يا عزيزي اخرج واغرب عن وجهي فيطرد إلى الخارج ويضربه ضربتين على رأسه حتّى لا يكرّر هذا العمل غيره. 

  • هكذا كان المرحوم العلاّمة عندما كان يصل إلى بعض الأمور التي توجب ذلك، فقد كان يتصرّف بطريقة تجعل الإنسان المقابل ينسى ما هو فيه. هكذا كان الأمر، وإلا فلو أنّ الإنسان تراخى وتراخى وتراخى فإنّ النفس ستتراجع وتتراجع وتتراجع وتؤجّل وتؤجّل وتؤجّل، فيأتي الشيطان ويملأ المكان. ولأمثّل بمثال معروف: يقولون إنّ الآلام التي تظهر عند الإنسان هي نِعَم بحدّ نفسها، وهي تخبر عن المرض الذي يبتلى به ذلك العضو. ولكنّ هناك بعض الآلام لا تظهر في البداية مثل بعض الأمراض كالسرطان أو تسوّس الأسنان، فإذا جاء المرض يبدأ الجسد بالتراجع من أمامه، فإذا حصل التسوّس في الأسنان لا يحصل الألم في البداية، فيبدأ التسوّس ثمّ يتحوّل إلى تشقّق وهو يتراجع ويتراجع، فإذا وصل إلى العصب يكون الأمر قد انتهى، عندها يعلو الصراخ للتوّ. أو السرطان إذا ما جاء وسيطر على القفص الصدري كلّه ووصل إلى العصب يبدأ الإنسان بالصراخ فيرى أنّه فات الأوان ولا يمكن أن يصنع شيئًا. 

  • وهذا أيضًا يحصل بهدوء ويستقرّ في باطن الإنسان بهدوء، ويجبر الإنسان على التراجع يومًا بعد يوم، فيتراجع حتّى لا يبقى مجال أبدًا، يسيطر التبرير على كامل القلب، تسيطر المذلّة على كامل القلب، وتلك العزّة التي كانت لديه في البداية وتلك الموهبة الإلهيّة تتحوّل إلى ذلّة، تتحوّل إلى خضوع، إلى هوان، كلّ ما يقال له يقبله، لقد كان في البداية يعترض باعتراض، والآن ليس فقط لم يعد يعترض بل صار يبدي الاحترام والتعظيم: نعم حاضر سيّدي! فماذا جرى حتّى حدث هذا التغيير؟ ماذا جرى؟ تلك العزّة الإلهيّة استبدلت بالذلّة الشيطانيّة، أمّا متى يخرج من هذه الحالة؟ الله يعلم. 

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

14
  • على الإنسان من البداية أن يمنع ذلك، ولا يسمح أن يصل الأمر إلى هنا، ولا يسمح أن يفتقد ذلك الجانب من الإباء لتحلّ مكانها الذلّة، وعليه أن يعلم أنّه مع وجود هذه الذلّة لا يمكن أن يتأتّى من الإنسان أيّ عمل، ولا يعود هناك أيّ أمل. وباستطاعة الإنسان أن يضع نفسه في هذه المواضع ويمتحنها، وإذا شعر أنّه يمكن أن تنفذ هذه الحالة فيه فليحذر بشكل جادّ وليعمل على خلاف ذلك. ولا يسمح لهذه الحالة أن تقوى، لا يسمح لها أن تقوى، وطبعًا هناك طرق ويمكن لكلّ إنسان بالالتفات إلى مرتكزاته ومبادئه التي اكتسبها لنفسه أن يقوم بذلك في المواضع المختلفة. 

  • يبدو أنّ الأمر اليوم قد اتّضح فيما يرتبط بهذا الموضوع، وأنّه لا يمكن لأيّ شيء أن يعوّض عن تلك الموهبة الإلهيّة التي هي تعلّق الإنسان بذات الله، ولدينا في الآيات الشريفة أيضًا: {وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}‌ ۱، {وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}٢{وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‌} ٣، {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ}فهذه الآيات التي تحكي جميعها عن جانب الإيمان وجانب العزّة والإباء تفيد أنّ الإنسان لا يمكن أن يخضع بأي شكل من الأشكال لأيّ إنسان آخر. ويبدو أنّ بيان أمثلة أخرى سيكون تطويلاً للمجلس والمأمول أن يكون الأصدقاء قد فهموا الأمر كما يستحقّ إن شاء الله. 

  • هوان مصائب الدنيا بتفويض الأمر إلى الله

  • وأمّا الفقرة التي كنّا ننوي الحديث عنها اليوم فسنتحدّث عنها قليلاً ونتابع في الجلسات القادمة، وهي عبارة عن قوله عليه السلام: إذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره هان عليه مصائب الدنيا. هانت عليه مصائب الدينا. 

  • فأولاً: علينا أن نتحدّث عن هذه النقطة وهي أنّه هل الدنيا تسبّب المصيبة للإنسان، وهل يمكن أن تكون لدينا دنيا من دون مصيبة أم لا؟

  • وثانيًا: ما هي علّة المصائب التي قدّرها الله تعالى في حياة الإنسان؟ ولماذا تحدث المصائب والمشاكل للإنسان؟ لماذا تحدث للإنسان المشاكل على مختلف أنواعها؟ سواء المشكلات الروحيّة والتعلّقات فإنّ كثيرًا منها يعود إلى قطع التعلّقات، إلى الأمور الجانبيّة للإنسان، أو المشكلات التي ترجع إلى الصحّة والمرض والآفات التي تصيبه في هذا المجال فما هي علّتها؟

    1. سورة إبراهيم، الآية ۱٢
    2. ‌سورة آل‌عمران، الآية۱٦۰
    3. سورة المنافقون، الآية ۸

العزّة الكاذبة والعزّة الحقيقيّة

15
  • والأمر الآخر الذي ينبغي أن يتعرّض له والذي هو مقصود الإمام عليه السلام هنا هو أنّه ماذا علينا أن نفعل لكي نتخلّص من هذه المصائب؟ إن كان لا بدّ أن تكون دنيانا قرينة للمصائب والأحداث المؤلمة فهل هناك طريق ليعبر الإنسان بسلام؟ أم لا بل يمكن أن يغرق في هذه المشكلة ويتوقّف عندها ولا يتمكّن بعدها من الخروج؟ 

  • يتعرّض الإمام عليه السلام هنا لهذا الأمر فيقول: إذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره هان عليه مصائب الدنيا. 

  • رؤية علم النفس الإسلاميّ إلى المصائب

  • طبعًا الخوض في هذا الأمر يحتاج إلى مقدّمة وهي أنّه كيف يتلقّى الإنسان المصائب؟ ومن وجهة نظر علم النفس المعاصر فضلاً عن علم النفس الإسلاميّ ماذا يقترح على الإنسان عند هذه المصائب في نظر هؤلاء، وفي المقابل ماذا يقترح في علم النفس الإسلاميّ؟ ما يقترح واضح وقد ذكرناه الآن، فالإمام عليه السلام يقترح للسالك ولمن يسير في طريق الله أنّ يفوّض أموره إلى الله. ما معنى تفويض الأمر إلى الله؟ وما هي الآثار المرتّبة على ذلك؟ وما هي الآفات التي تطرحها المدارس الأخرى في هذا الموضوع؟ 

  • يبدو أنّه إذا أردنا أن نخوض في هذه الجلسة في هذه الأمور ربّما لا يكون هناك استعداد لتلقّي الموضوع بعد ما تقدّم من كلام. وإن شاء الله في الجلسة القادمة سنتحدّث عن ذلك بعد أن أنهينا الفقرة السابقة. وليفكّر الرفقاء في الأمر وينظروا ما ينتهي إليه تفكيرهم حول ما يريده الإمام من هذه الفقرة وما هي الرؤية التي يريد أن يقدّمها. وبالالتفات إلى هذه الرؤية التي يقدّمها الإمام للإنسان هل ستبقى المصيبة مصيبة؟ أم أنّ ماهيّتها ستتغيّر إلى ماهيّة أخرى ربّما يقصدها الإنسان بنفسه، فالمسألة تتحوّل من رؤية ترتبط بعلم النفس المعاصر إلى رؤية ترتبط بالرؤية الروحيّة والمعنويّة والمختلفة تمامًا عن سابقتها اختلافًا فاحشًا.

  • نكتفي في هذه الجلسة بهذا المقدار ونسأل الله التوفيق للرفقاء والأصدقاء حتّى الجلسة السابقة. 

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد