المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةرياضة النفس
التاريخ 1429/08/14
التوضيح
قال سماحته فيما قال: لمّا كان الله قد جعل نظام الوجود بكلّ ما فيه وعليه، مبنيًّا على ظهور صفتي الجمال والجلال، فالدين الّذي يخلو مِن أيّهما هو دين ناقص. فهما جناحا الإنسان في حركته. وقال أنّ الأصل والمطلوب أوّلًا وبالذات هو الجمال، أمّا الجلال فهو لأجل الجمال، فكان محور الإسلام هو الجمال. ومِن موارد الجمال الّتي بيّنها: الزينة والفطرة والإنسانيّة وحسن الخلق والتجمُّل. ومِن موارد الجلال: التذكير والإنذار وقوانين حفظ الحدود الفرديّة والجماعيّة. وفي السياق نفسه تكلّم عن: فدك، وقصّة النبيّ مع أطفال الجوز، ومعجزة أمير المؤمنين في حرب صفّين وهدفه منها، وقصّة سلمان المحمديّ مع أهل المدائن، وكيفيّة الاستفادة مِن خصائص شهر رمضان.
هو العليم
الجمال والجلال الإلهيّين محورا نظام الوجود
شرح حديث عنوان البصريّ -۱٥۸
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد
(اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد)
وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
تقدّم الحديث في المجلس السابق حول مقولة الإمام الصادق (عليه السلام) في رياضة النفس، حيث جعل الإمام (عليه السلام) مسألة تناول الطعام جزءًا مِن الرياضة النفسيّة، وهذا يعكس حقيقة الميول النفسيّة للإنسان تجاه هذه المسألة، وهو أمر طبيعيّ، فالإنسان يقوم باختيار الطعام الّذي يأكله بناءً على هذا الميل؛ فهو يتناول الطعام الأكثر تناسبًا مع ذوقه، والّذي يسدّ حاجته بشكل أفضل، والطعام الّذي يستطيع أن يزيل عنه الوهن والضعف حتّى يتمكّن مِنَ القيام بنشاطاته اليوميّة. هذه هي الدوافع الّتي تدعو بمجموعها الإنسان إلى اختيار نوع الطعام الّذي يتناوله عادةً. غير أنّنا نرى أنّ الإمام يريد هنا أن يبحث الموضوع مِن وجهةٍ ثانيةٍ، فهو عليه السلام يدعو إلى إدراج هذا الأمر تحت إطارٍ سلوكيٍّ، منطقيٍّ وعقلائيٍّ، لا أن يتأطّر بإطار المشتهيات النفسيّة.
سيتمّ بحث هذا الموضوع مفصّلًا إن شاء الله، ولن ينحصر بحثنا – كما قلت لكم سابقًا – في موضوع الطعام فقط، بل ستتوسع دائرته لتشمل الرعاية الصحيّة للجسم وما يحتاج إليه مِنَ الراحة، ولتشمل علاقات المرء مع الآخرين وبقيّة أموره الشخصيّة كذلك. نعم، إنَّنا نستطيع أن نتوسّع فنبحث في جميع هذه الجوانب، على أنَّ الإمام تناول جانبًا واحدًا وهو الجانب المهمّ الّذي يحيط ببقيّة الجوانب، ولهذا السبب ركّز الإمام عليه. فنحن نستطيع أن نستخرج مِن طيّات كلمات الإمام الأخرى ما يدلّ على هذه الجوانب الأخرى أيضًا.
الزينة الظاهريّة هي إحدى تجلّيات الجمال الإلهيّ
كنتُ قد تلوت عليكم هذه الآية الشريفة في المجلس السابق {يا بَني آدَمَ خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفينَ}۱، أي عليكم مراعاة الزينة الظاهريّة عند ذهابكم إلى المساجد. والزينة هي كلّ ما مِن شأنه أن يُظهر الإنسان بمظهرٍ حسنٍ؛ والتعطّر أحد مصاديق هذه الزينة. كان رسول الله والأئمّة يراعون هذه المسألة عند خروجهم مِنَ البيت أو عندما يقصدون حضور مناسبةٍ معينةٍ.
فمِنَ الطبيعيّ أن ينظّف الإنسان نفسه بشكل مستمرّ وأن يهتمّ بأموره الصحيّة وأن يتعطّر، وذلك بسبب [تعرّق] جسمه عند قيامه بنشاطات حياته اليوميّة. ومِنَ المُلاحظ هو غفلة الكثير مِنَ الناس عن رعاية هذا الأمر وعدم اهتمامهم به، على الرغم مِن كونه أمرًا حسّاسًا ومهمًّا جدًّا. فعلى كلّ واحدٍ منّا أن يَظهر بمظهرٍ حسنٍ وجذّابٍ عند حضوره في الملأ العام وبين أصدقائه، بل حتّى بين أفراد أسرته، فلا ينبغي له أن يظهر بمظهرٍ يثير اشمئزاز الآخرين.
على أنّ هذا الأمر هو أمر فطريّ لا بدّ مِن مراعاته، حتّى لو فرضنا أنّه لم يُسنّ في الدين الإسلاميّ، فالفطرة الإنسانيّة هي الّتي تدفع الإنسان للميل نحو هذه الأمور الفطريّة. فالرجل الّذي يستسيغ الروائح الكريهة لا يمكن أن يوصف بأنّه رجل سليم الفطرة، إلّا اللهمّ إن كان مجنونًا أو أنّ فطرته قد تبدّلت بفطرة ثانويّة، حيث يُقال أنّ فطرة البعض وبفعل ما يحصل لهم مِن تبدّل في القِيَم تأخذ بالانجذاب نحو ما يُخالف القِيَم والأعراف الفطريّة، وتُعتبر هذه المسألة واحدة منها، فأمر هؤلاء مختلف ولا يمكن لنا أن نُدخلهم ضمن إطار الدائرة الإنسانيّة.
كنت قد ذكرت لكم سابقًا كيف يخرج البعض مِنَ الدائرة الإنسانيّة نتيجة عدم مراعاة الأمور الأخلاقيّة، فهو – والحال هذه – يعتبر بحكم الحيوان. فتلك المرأة الّتي تظهر أمام الآخرين مِن دون أن تغطي جسدها – بل تفتخر بما تفعل – فهي بمثابة الحمار وموضعها هو خارج إطار الدائرة الإنسانيّة، {أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}۱. فالله هو الّذي جعل الحيوان على الشاكلة الّتي هو عليها، أمّا بالنسبة للإنسان الّذي وهبه الله العقل والفطرة، فتُعتبر رعاية الموازين الأخلاقيّة جزءًا مِنَ الفطرة الّتي فطره الله عليها، فإن تأثّر بمحيطه الّذي شجّعه ولقّنه وحفّزه على الخروج عن القِيَم الإنسانيّة وعلى التحلّل الأخلاقيّ والطيش وإطلاق العنان لنزواته، فسوف يصل به المطاف إلى ذلك الحدّ الّذي بلغه البعض بالفعل.
لماذا حرّم الإسلام شرب الخمر والسُكْر؟ حرّمه لأنّ السكران يخرج عن حدود فطرته الإنسانيّة ويتبدّل إلى حيوانٍ، فيصبح غير مهتمّ بالقِيم الّتي كان يؤمن بها قبل أن يصل به الأمر إلى حالة السُكر. فتراه حينها يخرج إلى الشارع بأيّة كيفيّة كانت، وهو لا يرى الأمر قبيحًا إن رآه أحدهم على تلك الحالة، بل يرى القِيم تتمثّل في كلّ ما مِن شأنه أن يُديم له حالة الانتعاش الّتي يعيشها. وهو لا يقيم وزنًا لأيّة قِيَمٍ أو موازين أخرى. فلمّا كان الأمر كذلك، كان مِنَ الطبيعيّ أن يُحرَّم الخمر ويُمنَع شُربه، ويجب أن يحدّ القانون مِن هذا الأمر، وأن لا يسمح بأن يُصاب المجتمع بهذا الداء الناجم عن إطلاق العنان للشهوات وعن الطيش واللامبالاة، فهذا ممّا يجب أن يفعله القانون.
غير أنّنا نرى خلاف ذلك في بعض البلدان، بل وصل بهم الأمر في عدم رعاية الموازين الأخلاقيّة إلى الحدّ الّذي سنّوا فيه قوانين تسمح للناس أن يتنصّلوا مِنَ القِيم الأخلاقيّة، وأن يتوغّلوا في المشتهيات بلا حدود، وإنَّه لأمر عجيب حقًّا!
كنتُ قد تحدّثت عن هذا الموضوع سابقًا، وقلتُ لكم حينها أن لا نعجب مِن أفعال أولئك الناس، فهم بحكم الحيوانات، ولكنّنا نعجب ممّن سنّ تلك القوانين الّتي تسمح للآخرين بالقيام بتلك الأعمال، فهذا أمر مُضحك حقًّا، وهو باعث على الأسف الشديد على الحالة الفكريّة الّتي وصل إليها هؤلاء الّذين يرسمون للعالَم مصيره.
نعم، لا بدّ مِن مراعاة كيفيّة الظهور بين الناس، فيجب أن يكون بالشكل الّذي لا يبعث على نفور الناس واشمئزازهم منه وابتعادهم عنه عندما يتكلّم معهم، وتأذّيهم منه عند جلوسه إلى جانبهم، بل يجب أن يظهر بمظهر يجعل الآخرين ينجذبون إليه ويحبّونه ويودّون التقرّب منه. أترون كيف هي المباني الإسلاميّة .. فإنّ عزمتَ على الخروج مِنَ المنزل، فعليك أن تقوم بتمشيط شعرك، فقد كان النبيّ يمشّط شعر رأسه ولحيته وينظر في المرآة قبل خروجه مِنَ المنزل. نعم هكذا كان رسول الله، وهو صاحب تلك المقامات. فليس صحيح أنّ على سالك الطريق أن يترك مراعاة جميع هذه الأمور الظاهريّة، بل على العكس مِن ذلك، لا بدّ له مِن رعايتها أكثر مِنَ الأخرين.
لم أرَ والدي يخرج مِنَ البيت دون أن يمشّط لحيته ويرتّب لباسه ويتعطّر وينظر إلى نفسه في المرآة، هذا في الوقت الّذي لا نهتمّ فيه كثيرًا بهذه الأمور. ينقل الجميع أنَّ النبيّ كان ينظر إلى نفسه في المرآة قبل خروجه مِن بيته، وكان يتعطّر ويمشّط شعره ويتفحّص لباسه مِنَ الأوساخ. فهل يتنافى هذا التصرّف مع سلوك طريق الله والتقرّب إليه، ومع الإعراض عن الدنيا؟ فهل الاهتمام بالمظهر الخارجيّ نوع مِنَ الإقبال على الدنيا؟ كلّا، لا يعتبر هذا الأمر إقبالًا على الدنيا أبدًا .. لماذا؟ لأنّ الأصل الأوليّ والأساس، الّذي تُبنى عليه العبادات ومسائل الإنسان الشخصيّة وعلاقاته مع الآخرين، هو صفتي الجمال والجلال الإلهيّين.
القوانين الضابطة هي إحدى تجليّات الجلال الإلهيّ
أمّا الجانب الجلاليّ، فيشمل مسائل مِن قبيل التنبيه والتذكير والإنذار. فعلى الإنسان مسؤوليّة وتكليف تجاه الآخرين في هذا الجانب؛ فإن رأى منكرًا فعليه أن ينهى عنه، على أنّ لهذا النهي درجات متفاوتة.
فإن تُرك هذا الجانب الجلاليّ ستصل الأمور بالمجتمع إلى ما وصلت إليه في الوقت الحاضر؛ فها نحن نرى كيف يظهر الناس في الساحات العامّة بأيّ وضع وكيفيّة يريدونها، دون مراعاة الموازين الأخلاقيّة. إنّ هذا الأمر يحصل بسبب عدم الالتزام بالقوانين الجلاليّة الّتي تضع حدودًا وموازين لكلّ شيء؛ تلك الحدود الّتي تجعل كلّ واحد مِنَ الناس يعرف ما عليه تجنّبه. وعلى المرء أن يتعرّف على تلك الخطوط الحمراء الّتي تعمل على تنظيم علاقات الناس بعضها ببعض، وتُلزمهم بعدم تجاوزها.
فلا يمكن لأحد – والحال هذه – أن يقوم بالتعدّي على جاره، ولا يمكنه أن يبني بيته بشكل يبعث على إزعاج الجيران وسلب حريّاتهم، فلا يجوز له مثلًا أن يجعل نوافذ الغرفة مشرفة على ساحة بيت جاره، فهذا العمل يُعدُّ عملًا مُحرّمًا، فهو يمسّ باطمئنان وراحة أسرة جاره، ولا يوجد ما يسوّغ له التصرّف بهذا الشكل، ولا يوجد قانون يسمح له بذلك.
إلّا أنّ البعض يعمل هذه الأيّام [عند بنائه لمنزله] على فتح نافذةٍ تطلُّ على ساحة بيت جاره، ويبرّر عمله هذا بأنّ المساحة الّتي تركها [عند البناء] تعود إلى بيته، فبذلك يكون غير متجاوز لأرض جاره!! نعم، هكذا يلجؤون إلى مثل هذه الحِيل الشرعيّة، والحال أنّ هذا العمل محرّم، غير أنّ القوانين الوضعيّة تسمح لهم بذلك، وبهذا تكون تلك القوانين هي الأخرى غير شرعيّة ومحرّمة، فيكون كلّ ما يقومون به حرامًا في حرامٍ في حرام. وإن أنجز أحدهم مثل هذا العمل، بإعطاء رشوة إلى الجهات المختصّة، سترتفع بذلك شدّة الحرمة درجات. نعم، إنَّ جميع هذه الأمور مُحرّمة، فلا يجوز أن تُجعل النوافذ في مواضع تطلّ فيه على ساحات بيوت الآخرين، الأمر الّذي يمسّ بحريّة وراحة عوائلهم.
أيّ نوع مِنَ القوانين هذه؟ إنَّها القوانين الجلاليّة، ومنها ضرورة خفض الصوت عند التكلّم، فلا يجوز لأحدٍ أن يدعو أصدقاءه، فيجلسون إلى ساعة متأخرة مِنَ الليل وأصوات الضحك والقهقهة ترتفع منهم، ممّا يؤدّي إلى إلحاق الأذى بزوجة جاره المريضة أو ابنه. فمثل هذا العمل محرّم، حتّى إن كان هذا المجلس تحت مسمّى دينيّ، إلّا أنّه حرام هو الآخر، فلا فرق بينه وبين بقيّة المجالس الّتي تُعقد على هذه الشاكلة.
إنّ بيت الجار بمثابة بيتك دون أيّ فرق؛ فإن كان في بيتك مريض، ودخل أحدهم ورفع صوته، أَمَا كنت ستطلب منه أن يُخفض صوته، لأنّ أحد أطفالك نائم أو لأنَّ هناك مريضًا؟ فلماذا عندما يتعلّق الأمر بجارك نراك تقول: ما الّذي يهمّني مِن أمره، فليذهب إلى الجحيم! كلّا، إنَّ مثل هذا الكلام غير صحيح، بل يترتّب للجار عليك مِن حقِّ رعايةِ القوانين والأخلاق ما يترتّب عليك لبيتك.
إنَّ رفع الصوت [الموجب لأذيّة الآخرين] هو عمل محرّم، كما أنّ عقد مجالس العزاء وقراءة دعاء كميل في ليالي الجمعة على مكبّرات الصوت الخارجيّة هو حرام أيضًا. إنّ الملائكة تَلعن الّذي يقرأ دعاء كميل وهو يردّد يا ربِّ يا ربِّ [على مكبّرات صوت بحيث يؤذي الآخرين]. إن أردت أن تقرأ دعاء كميل، فادخل المسجد أو الحسينيّة أو بيتك واغلق عليك الباب وأقرأ الدعاء بالشكل الّذي لا يصل فيه صوتك إلى الخارج، فلا مانع مِن قراءة الدعاء بهذا الشكل. أمّا إن وصل صوت القارئ إلى الخارج وأدَّى إلى إزعاج أحد الجيران، حتّى لو لم يكن الجار مسلمًا، بأن كان مسيحيّا أو يهوديّا أو حتّى لو كان لا يؤمن بأيّ دينٍ، سيكون ذلك الصوت المقروء به والّذي تسبّب في إيذائهم محرّم، وستجد هذا العمل المُحرّم مُسجّلًا في صحيفة أعمالك.
فمَن يصيح بأعلى صوته باسم الإمام الحسين، ويُلصق الميكروفون بفمه ليعلو صوته أكثر [بحيث يؤذي صوته الآخرين] فإنّ الإمام الحسين نفسه يلعنه في تلك اللحظة. كما أنّ الاسم الّذي يُناديه هذا الرجل ليس هو الإمام الحسين [حقيقة]، بل هو يُنادي باسم الشيطان في تلك اللحظة.
مِنَ المؤسف أن لا تُراعى هذه الأمور في بلداننا .. لا يجوز رفع الأذان بواسطة مكبّرات الصوت إلّا أذان المغرب. نعم لا بأس برفع أذان المغرب بالمكبّرات، أمّا بالنسبة لأذان الصبح، فيمكن للمؤذّن أن يقف في ساحة المسجد أو على سطحه ويرفع الأذان بدون مكبّر الصوت، فهذا هو المقدار الّذي يسمح لنا به الشارع، لا أكثر. لم يكن في عهد النبيّ مكبّرات يتجاوز مداها الحيّ الّذي فيه المسجد، ليصل صوتها إلى الأحياء الأخرى، بل كان المؤذّن يصعد عند طلوع الفجر إلى سطح المسجد ويرفع صوته بالأذان، فهذا هو المقدار المسموح لنا به، ولم يُسمح لنا بتجاوزه. نعم إنّ ذلك غير مسموح لأحد، أيًّا تكُن العائلة أو المدرسة الّتي ينتمي إليها. وخلاصة الكلام إنّ استعمال مكبّر الصوت يُعتبر عملًا محرّمًا.
تذكّرت حكاية الآن لأحكيها لكم: عندما كنّا في مشهد، وفي إحدى الأيّام المصادفة لوفاة أو ميلاد أحد المعصومين، جاء صديق قديم للمرحوم العلّامة، وهو (رحمه الله) رجل صالح ومخلص في عمله، يعمل لوجه الله فقط، وهو المرحوم الحاجّ الشيخ الميرزا حسن النوري. كان هذا الشيخ يسكن في نفس الغرفة مع المرحوم العلّامة عندما كان يدرس في المدرسة الحجّتية، وكان زميلًا له في الدراسة. لقد كان رجلًا صالحًا للغاية، يسافر إلى هنا وهناك للوعظ، حتّى وافته المنيّة في حادث سير وهو في طريق ذهابه للوعظ مِن مدينة قمّ إلى مكان آخر، رحمه الله. كان المرحوم العلّامة يدعوه للوعظ أحيانًا في المجالس. وكان يزور المرحوم العلاّمة عندما يأتي إلى مدينة مشهد. وكنتُ بدوري أشكر الله عندما كان يأتي في المناسبات وأقول: الحمد لله ها قد جاء [ليرفع عنّي عبء ارتقاء المنبر].
ففي إحدى المناسبات الّتي كان مِنَ المقرر أن أكون الخطيب فيها، جاء هذا الرجل فطلبتُ منه أن يكون هو الخطيب، فقلتُ له: إنّ الحاضرين يريدون ذلك – وقد حصل هذا الحديث خارج المجلس حيث لم يسمعنا المرحوم العلّامة – فقال: لا أستطيع ذلك لأنّني مريض. فقلتُ له: كيف يمكنني أن أرتقي المنبر مع وجودكم .. فألقيتُ بالأمر على عاتقه.
وبعد أن دخل المجلس وجلس، التفت إلى المرحوم العلّامة وقال له: يبدو أنّني أنا الّذي سأرتقي المنبر. فقال له المرحوم العلّامة: نعم، تفضّلوا .. رحم الله الرجل، فقد كان حَسن الحديث، وكانت خطبه ممتعةً جدًّا، فقد كان مِن أهل المطالعة والتتبّع، فلم يكن مِن الّذين يرتقون المنبر ولا يعلمون كيف يبدؤون الحديث وكيف يختمونه، ويأخذون بنقل ما قرؤوه في الصحف والمجلات ثمّ ينزلون عن المنبر، بل كان المرحوم النوري يُحضّر لمجالسه ويراجع الكتب التأريخيّة وينقل القصص الّتي فيها عِبر والروايات وما شابه ذلك، رحمه الله، لا يوجد اليوم عوض عن أمثال هؤلاء الناس.
وبعد نزوله عن المنبر، جلس إلى جنب المرحوم العلّامة، وكنتُ أجلس على مقربة منهما، فتحدّث مع المرحوم العلّامة وقال ضمن حديثه: في الآونة الأخيرة خطبتُ لمدّة عشرة أيّام في حسينيّة السيّد المرعشي النجفيّ في مدينة قُم، وكان حديثي يدور حول موضوع فدك.
كانت تُثار بعض الشبهات حول موضوع فدك في تلك الأيّام، مِن قِبل بعض السادة الّذين لا يزالون على قيد الحياة، فكانوا قد نشروا مقالات وأحاديثَ أنكروا فيها ملكيّة السيّدة فاطمة الزهراء لفدك، وكانوا يقولون: إنَّها كانت مُلكًا للدولة الإسلاميّة، فيجب أن تكون بيد مَن يأتي بعد وفاة النبيّ؛ مِنَ الصحيح أن نقول هنا ( شهادة النبيّ) لا أن نقول (وفاة النبيّ)، لأنَّ النبيّ لم يمُت موتًا طبيعيًّا، بل قد دسّت عائشة وحفصة له السُمّ، وهذه حقيقة عليكم أن تعرفوها أيّها الأخوة، لقد قال الإمام الصادق عليه السلام في رواية جاءت في بحار الأنوار: والله لقد سمّتاه۱. فكانتا قد سَمّتاه بسُمٍّ جيء به مِنَ الخارج. [لاحظوا]فهؤلاء هنَّ أمّهات المؤمنين، وهذا ليس بأمر غريب، فقد حصل لأئمّتنا الشيء نفسه – كم هم مظلومون أئمّتنا – فالإمام الحسن والإمام الجواد سُمّا على يد زوجتيهما .. حفظنا الله ولا قدّر الله أن يحصل لأحدنا مثل ذلك، وهذا ممّا يحصل بين الحين والآخر [هذا مزاح مِن سماحة السيّد] .. هذا مع أنَّنا لم نسمع عن رجلٍ قد سمّ امرأته، أو لعلّه حصل أيضًا وأنا الّذي لا أعلم به لقلّة معلوماتي .. على أيّة حال، فقد سمّتْ هاتان المرأتان النبيَّ.
عندما ارتحل النبيّ عن الدنيا، فمِنَ المسلّم [بنظر أولئك] أنَّ الحكومة الّتي جاءت مِن بعده كانت عادلة، وهذا ما يُقال عن حكومة أبي بكرٍ هذه الأيّام [مِن قِبل البعض]، فهم يدّعون أنَّها كانت أفضل وأعدل حكومة، ويقولون أنّ السقيفة مِن مفاخر الإسلام، نحمد الله على هذه الأباطيل والخزعبلات الّتي تنتشر بيننا!! فعندما تسلّم أولئك القوم الحكم رأوا أنّ أحد الركائز الاقتصاديّة موجودة في يد أهل البيت، وسوف لن يستقيم لهم الأمر مع وجود هذه الركيزة في أيدي أهل البيت، فانتزعوها منهم؛ إذ إنّ العامل الاقتصاديّ يُعتبر مِن أهمّ العوامل [الّتي تساعدهم في إحكام سلطتهم]، فقاموا بغصب فدك الّتي كانت ملكًا للسيّدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، ثمّ تطوّر الأمر إلى ما لا حاجة إلى تكراره. فقال ذلك الرجل أنّ فدكًا كانت ملكًا للدولة ولعامّة الناس، وهي تعتبر مِنَ الأموال العامّة، لذا قام أبو بكرٍ بإعادتها إلى بيت المال، فهو لم يرتكب محرّمًا بفعلته هذه، بل كان قد أحسن صُنعًا [حسب ادّعاء ذلك الرجل]، وهذا ليس سوى غيض مِن فيض:
هر دم از اين باغ بري ميرسد | *** | تازه تر از تازه تري ميرسد۱ |
(يقول: ما إن يمضي علينا يومٌ، حتّى تُجلب لنا فاكهة جديدة مِن ذلك البستان، ويصلنا في كلّ لحظة كلّ ما استجدّ منها)
فقال الشيخ النوريّ: تحدّثتُ عن موضوع فدك في حسينيّة المرحوم السيّد المرعشيّ النجفيّ لمدّة عشرة أيّام، وكان هناك جمع غفير يحضرون المجلس، إلى درجة أنّه تمّ وضع مكبّرات الصوت [خارج مبنى الحسينيّة] لأجل أن يصل الصوت إلى أبعد رجلٍ فيهم. فما إن قال الشيخ النوريّ هذا الكلام حتّى قاطعه المرحوم العلّامة قائلًا: مَن الّذي أجاز لكم استعمال مكبّرات الصوت؟ فبُهت الرجل، ثمّ قال المرحوم العلّامة: ألم تحتملوا أن يكون في المنازل المجاورة مَن يحتاج إلى النوم والراحة، فيتأذّى مِن هذا الصوت. [أقول:] ألم يخطر ذلك في بال عبد الله هذا حتّى تلك اللحظة، فبقي ساكتًا لا يُجيب. ثمّ أردف المرحوم العلّامة قائلًا: قُل لهم أن لا يرفعوا مِنَ الآن وصاعدًا الأصوات، وليكتفوا بإيصال الصوت إلى المتواجدين داخل الحسينيّة فقط.
أترون درجة المراقبة الّتي عليها أولياء الله! فهو يقول له: إنّ الموضوع الّذي تناولتَه في بحثك، هو موضوع إلهيّ ومتعلّق بالولاية والولاء وهو يخصّ أهل البيت، فهي قضيّة فدك، ولقد دافعت عن موقف أهل البيت في بحثك، وقمت بطرح المباني التأريخيّة المسلّمة، فكلّ ذلك في محلّه، غير أنّ ذلك لا يمثّل كلّ القضيّة، إذ كان عليك أن تنتبه إلى مسائل أخرى لا بدّ لنا مِن رعايتها، فإن تمّت رعايتها ستصل ببحثك إلى ثمره، وإلّا سيفسد الموضوع ولا يبقى منه سوى جانبه العلميّ الظاهريّ الجافّ.
يجب علينا أن ننتبه إلى هذه الملاحظة في جميع الموارد وهي: إن قام أحدكم بإيقاف سيّارته أمام أحد المنازل المجاورة، وذهب لأداء فريضة الصلاة، أو للاشتراك في مجلس عزاء، فإنَّه يكون قد أتى بعملٍ محرّمٍ، فحضور المجلس الّذي يُقصد منه تحصيل رضا الله يجب أن يقترن بعدم إلحاق الأذى بالآخرين. فهل أمرنا الله أو نبيّه بأن نحضر هذه المجالس بأيّ شكلٍ كان، أم أنّ رضا الله لا يتحصّل إلّا بمراعاة جميع ما ينبغي مراعاته؟ فعندما يريد أحدهم أن يحضر مجلسًا عليه – قبل أن يفكّر في المجلس وفي رغبته بحضوره – أن يضع المسائل الأخرى وحقوق الآخرين نصب عينيه، فلا معنى أن يقوم المرء بعمل على حساب التفريط بجوانبه الأخرى. وعليه يجب أن تُعطى هذه المواضيع أهميّتها المطلوبة.
ما تقدّم يتعلّق بالجانب الجلاليّ للموضوع، وهو الجانب المتعلّق بالحدود الّتي لا يجوز للمرء أن يتجاوزها، فلا يجوز أن تجري العلاقات الاجتماعيّة على حساب تجاوز حقوق الغير.
ومنها أنّه إن كانت دعوة الآخرين إلى المنزل يزعج عائلة الرجل، وكانت حالة زوجته بحيث لا تستطيع القيام بواجب الضيافة، ففي هذه الدعوة إشكال، وهذا يُعتبر عملًا باطلًا. فلا ينبغي لأحدنا، ومِن أجل أن يراعي علاقته بصديقه، أن يُحمّل عائلته عبء ومشقّة القيام بواجب الضيافة، فما هو الذنب الّذي ارتكبته العائلة لكي تتحمّل هذه المشقّة؟! فإن كنت تريد أن تدعو أحد أصدقائك إلى بيتك، فعليك أن تقوم بواجب الضيافة بنفسك، ولا يجوز لك أن تفرّط في حقّ زوجتك وفي حاجتها للراحة.
وإن كان سيأتيك ضيف في وقت متأخّر مِنَ الليل، فمِنَ الخطأ أن تؤخّر تناول العشاء إلى ذلك الوقت، بل لا بدَّ مِن تناوله في الساعة التاسعة، دون أن يؤخّره إلى وقت حضور الضيف في الساعة الحادية عشر أو الثانية عشر ليلًا، وذلك لكي يتمكن الإنسان مِنَ النوم مبكرًا. فإن رأيت الوقت قد تأخّر، عليك أن تطلب مِن زوجتك الذهاب إلى الفراش، ثمّ تقوم بواجب الضيافة بنفسك، فما المانع مِنَ القيام بمثل هذا العمل؟ نعم، لا ينبغي لنا تحميل مشقّةٍ للغير.
فإن كانت المرأة مريضة، فلا يجوز للزوج إجبارها على تهيئة الشاي، فهذا عمل محرّم. وإن كانت الزوجة مُتعَبة وهي بحاجة إلى الراحة، فلا يجوز له أن يكلّفها بعمل خارج عن المعتاد والمتعارف [بالنسبة] لها، بل عليه القيام بتلك المهام بنفسه.
عندما كان يتّفق أن يزور المرحوم العلّامة أحد أصدقائه في وقت متأخّر مِنَ الليل، كان يطلب مِن صديقه ألّا يكلّف زوجته مهمّة إعداد الطعام، ويطلب منه أن يقوم بنفسه بتهيئة طعام بسيط، كأن يكون بيضًا وخبزًا أو جبنًا عند عدم توفر البيض.
وسأبيّن لكم المزيد عن هذا الموضوع في المجالس القادمة إن شاء الله، وسأبيّن لكم أيّة آثارٍ سيئةٍ تتركها اللقمة، إن كان مَن يُعدّها مُكرهًا على ذلك، فتلك آثار قد تدوم لأيّامٍ وأسابيع، وتسلب مِنَ السالك حالته المعنويّة. نعم، إنَّ الأمر في غاية الأهميّة، فلا ينبغي لأحدنا أن يؤذي زوجته بمثل هذه الأمور، بل عليه القيام بالعمل بنفسه، فإن زاره أحد إخوته يستطيع أن يفتح باب الثلّاجة ويستخرج منها الخبز وغيره ليتناولوه معًا.
علينا أن نتعلّم السلوك الصحيح مِنَ العظماء، فعلينا ألّا نتّبع الأسلوب الّذي يبعث على نفور واشمئزاز عوائلنا مِن طريق السلوك، فهذه التصرفات بدلَ أن تجذبهم إلى طريق السلوك وتشجّعهم على سلوكه ستجعلهم يقولون: أيّ دينٍ وسلوكٍ هذا وأيّة مدرسةٍ هذه، فلا موازين ولا مراعاة لحال الآخرين فيها، بل كلّ ما يهمّهم هو أنفسهم، فهم لا يقيمون اعتبارًا لغيرهم.
إنَّ مثل هذه التصرّفات تترك آثارًا مستقبليّة على الأسرة، فهي آثار سترسم لهم مستقبلهم، وسنتحمّل نحن أوزارها يوم القيامة. فسترى الابن في المستقبل يقول: لو لم يتصرّف أبي تلك التصرفات، لَمَا وصل بي الحال إلى ما وصل إليه! وسنُسأل نحن عن ذلك [في يوم القيامة]. وترى الزوجة تقول: لو لم يتصرّف زوجي بذلك الشكل، لَمَا ابتعدت عن هذا الطريق! أرأيتم كم هو أمر مهمّ، فإنَّها تقول: لو لم يكن زوجي يتعامل معي بذلك الشكل، وكان يعاملني بهدوءٍ ولطفٍ، لَمَا أصبحت على ما أنا عليه الآن.
قصّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع أطفال الجوز
ما الّذي يصوغ أفكارنا؟ إنّ الّذي يصوغها هو كيفيّة تعاملنا وطبيعة ردود أفعالنا مع الغير. فلماذا تمّ كلّ ذلك التأكيد على ضرورة التحلّي بالأخلاق الحسنة في الإسلام؟ ولماذا كان الأطفال يجتمعون حول رسول الله ويتسلّقون أكتافه عندما كان يمرّ في الأزقّة؟ ولماذا لم يفعلوا ذلك مع غيره؟ إنّ السبب في ذلك لا يعود فقط إلى تلك الجاذبيّة الروحيّة والمعنويّة للرسول، الّتي كانت تجذب الآخرين إليه، بل إنّ السبب الأهمّ كان حسن أخلاق الرسول. فلم يكن الرسول يضرب الأطفال وينهرهم عندما يراهم في طريقه، بل كان يحترم الأطفال الصغار بنفس المقدار الّذي يحترم به الكبار، في سنّ الأربعين أو الخمسين عامًا. لماذا كان النبيّ يتصرّف بذلك الشكل؟ لأنّه كان يرى ما لا نراه، فقد كان ينظر إلى شخصيّة الطفل الحاليّة والمستقبليّة معًا، فيربط بينهما، فيحترمهم على هذا الأساس. وما الّذي سيفعله الطفل عندما يرى مِن أحد هذه الأخلاق؟ إنّه سيحبّه ويتعلّق به، ومِنَ الطبيعيّ حينئذ أن يتسلّق أكتافه عندما يراه.
تأخّر النبيّ عن صلاة الظهر يومًا، فذهب الصحابة وراءه فرأوا الأطفال آخذين بثياب النبيّ يطلبون منه الجوز .. فقد كان النبيّ قد مرّ مِن نفس هذا الطريق في اليوم السابق، وكان يحمل في جيبه بعض الجوز فوزّعه عليهم، فأخبر الأطفال بعضهم البعض بالأمر، فاجتمع في اليوم التالي خمسون منهم – بعد أن كانوا خمسًا بالأمس – وأخذوا بثياب النبيّ يريدون منه جوزًا. فما الّذي سيفعله النبيّ في مثل هذه الحالة؟ فهل كان سيتركهم ويمضي وهو يقول لهم: لا بدّ لي مِنَ الذهاب إلى المسجد، فالمؤمنون – نعم أولئك المؤمنون – قد اصطفّوا للصلاة ينتظرون قدومي؟! إنّ النبيّ لا ينظر هنا إلى المسلمين المنتظرين في المسجد، بل ينظر الآن إلى حال الأطفال وكيف عليه مداراتهم.
معجزة أمير المؤمنين في حرب صفّين وهدفه منها
هل أمعن الأخوة النظر في ذلك الموضوع الدقيق الّذي طرحته عليهم في المجلس السابق، ألا وهو الحادثة الّتي حصلت في معركة صفّين؟ فقد قلت حينها: ما كان هدف أمير المؤمنين مِن قتاله معاوية، فهل كان هدفه استلام زمام الحكم في الشام؟! فلو عاد الأمر إلينا فسيتركّز تفكيرنا – طبعًا – على كيفيّة فتح هذا البلد أو ذاك، وعلى فتح آسيا ثمّ أفريقيا وأمريكا، فإن تمكنّا مِن ذلك سنتحرك نحو أوروبا لفتحها، ثمّ ننتقل منها إلى أماكن أخرى، حتّى إذا ما تمكنَّا مِنَ السيطرة على الكرة الأرضيّة، ننطلق إلى بقيّة الكواكب للسيطرة عليها .. هذا هو الوضع الّذي نحن عليه، ولكن ماذا عن أمير المؤمنين، فهل كان يهدف إلى فتح البلدان ليقول: ها قد استوليت عليها وأنجزت الوعد الّذي قطعته على نفسي، أرأيتم كيف أصررتُ على موقفي حتّى تمكّنت في النهاية مِن تنفيذه؟ أهكذا كان أمير المؤمنين، أم أنّه أراد إقامة حكومة العدل الإلهيّ في الشام، على غرار ما قام به في المدينة والكوفة – ما نقوله هنا هو على قدر معرفتنا وهو الحدّ الأدنى الظاهر مِنَ الأمر – وأراد الحدّ مِنَ الظلم والتجاوزات، وأراد تهيئة الأرضيّة الملائمة لتكامل جميع أفراد المجتمع الغنيّ منهم إلى أضعف وأفقر فرد فيهم. نعم، إنّه يريد أن يُهيّأ الأرضيّة لجميع أفراد المجتمع بشكل متساوٍ، ليصل بهم إلى الكمال في جميع المجالات الروحيّة منها والنفسيّة والاجتماعيّة. فهذا أقلّ ما يمكن أن يُقال في هذا المجال. وكذلك هَدَفَ الإمام إلى فرض الأمن وبَعْث روح النشاط في المجتمع، وهدف إلى القضاء على الفقر وتوفير الحياة المرفّهة والرغيدة لهم. نعم، كان يريد أن يستتبّ الأمن، ويسود الناس حالة الاطمئنان بدرجة تستطيع فيه الفتاة أن تسافر ليلًا مِن دون أن يعترض سبيلها أحدٌ، وبدرجة يترك فيها الناس بضائعهم في الشوارع دون أن يتجرّأ أحدٌ على لمسها.
كنت قد نقلتُ لكم حكاية سلمان يومًا، حين تولّى فترة مِنَ الزمن [ولاية المدائن]، فهو قد حكم كما حكم غيره أيضًا. ففي اليوم الأوّل مِن وصوله المدائن، أمر بترك أبواب المحلّات التجاريّة مفتوحة، فقالوا له: ما الّذي تقوله يا سلمان، فمع أنّنا نقفل أبوابها، نجد اللصوص قد حفروا الجدار ودخلوا وسرقوها، فكيف نترك أبوابها مفتوحة؟! [فتهامسوا قائلين:] يبدو أنَّه جاء إلى هنا عن طريق الخطأ، ولا ندري ما كانت حالة الخليفة عندما أرسل إلينا هكذا رجل! فنظر سلمان إليهم نظرة وقال: مَن شاء فليترك باب محلّه مفتوحًا، ومَن لم يشأ فلا يفعل. فقالوا: سنتركها مفتوحة ما دام الحاكم قد تعهّد بحمايتها – وما دامت شركات التأمين ستدفع الخسائر، طبعًا لم يكن هناك وجود لشركات تأمين في ذلك الوقت – وعندما غادروا المكان نادى سلمان على رجلٍ وقال له: اذهب إلى الخربة الواقعة في المكان كذا، ستجد فيها مجموعة مِنَ الكلاب تتقاتل، فاقصد الكلب الأسود اللون، الّذي هو رئيس تلك المجموعة، واهمس في أذنه أنّ سلمان كلّفك حراسة المدائن هذه الليلة. فذهب الرجل وأدَّى مهمّته. وعندما سمع لصوص المدينة ما أوصى به سلمان أصحاب المحلات، مِن ترك أبوابها مفتوحة، فرحوا كثيرًا وقالوا: يا له مِن حاكمٍ، يبدو أنّه لصّ مثلنا، فلعلّنا نتفق معه على نسبة مِن الأموال الّتي نسرقها، فنعطيه الثلث أو النصف، وسوف يروق لنا الأمر مِنَ الآن وصاعدًا. وبينما كان الناس نيامًا ليلًا، خرج اللصوص وهم يقولون: سنقيم هذه الليلة احتفالًا. وفي صباح اليوم التالي خرج الناس إلى أعمالهم، وإذا بهم يرون جثّةً ملقاةً في هذا الجانب، ورجلًا يئنُّ مِنَ الألم، وآخر مجروحًا، وثالثًا قد عضّ الكلب أذنه، كما رأوا الكلاب منتشرة في كافّة أنحاء السوق، فعرفوا حينها أنّ أمر سلمان يختلف عن غيره، فأصبحوا بعد ذلك يتركون أبوابهم مفتوحة ليلًا.
نسأل الله أن يوفّر لنا مثل هذه البيئة الآمنة في هذه الدنيا، إذ لا وجود للبيع والشراء في العالَم الآخر، [فلا نستطيع أن نقول في هذا المورد] بما أنّنا لم نرَ ذلك في هذه الدنيا فعسانا نراه في الآخرة.
إنّ هذا الأمر مهمّ للغاية، فيجب أن يكون المجتمع في حالة بحيث يعيش فيه الإنسان في راحة بال دون أن يتعرّض للاضطراب، وحينئذ لن يكون له همّ سوى التفكير في التكامل والرقيّ. وهذا ما كان أمير المؤمنين يريد أن يفعله، فقد كان يسعى ليتمكّن أفراد المجتمع مِن طيّ معارج الكمال، والوصول إلى الدرجات العليا مِنَ العِلم والمعرفة، وأن يغادر الشيطان المجتمع، ولا يبقى فيه حضور لغير الله. فهل هناك هدف أسمى وأرقى وأكثر قيمة مِن هذا الهدف، وهو الهدف الّذي يسعى لتحقيقه إمام معصوم كأمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فهل يمكن أن يُتصوّر هدف أسمى مِن هذا الهدف؟ أتلاحظون أهميّة الموضوع؟ فبينما كان أمير المؤمنين يسعى للنهوض بالمجتمع وسوقه في ذلك الاتّجاه، وإذا به يواجه ذلك الموقف في معركة صفّين، حين سيطر جيش معاوية على شريعة الفرات، فقام معاوية بعمل باطل وهو منْع الماء عن جيش أمير المؤمنين، ممّا دفع أمير المؤمنين إلى إرسال جيشٍ لإزاحة أهل الشام عن الشريعة.
لمّا قام جيش معاوية بفعلته تلك، لم يكن هناك أيّ إشكال بأن يُعامَلوا بالمثل، فتُغلق الشريعة بوجههم أيضًا، فقد كانوا هم البادئين بذلك، ولا بدّ أن يدفعوا ثمن ما ارتكبوه، بل [إنّ منعَهم مِنَ الماء] سيسرّع في هزيمتهم وفي تحقيق الهدف الّذي كان ينشده أمير المؤمنين. ولم يكن هدف أمير المؤمنين هو إبادة أهل الشام أو اغتنام أموالهم والاستفادة منها، بل كان هدفه هو تبديل ذلك المجتمع بمجتمعٍ إلهيٍّ. وبالرغم من هذا كلّه نرى أمير المؤمنين يقول: لا يستحقّ إنجاز جميع تلك الأهداف، أن يكون على حساب عمل مخالف للمروءة، وإن لم يكن حرامًا. يكاد لبّ الإنسان يطير عندما يسمع بمثل هذا، فيشعر المرء أنّه يرى معجزة تأريخيّة.
لا نستطيع أن نعدّ شقّ القمر معجزة، إذ يستطيع الإنسان أن يبلغ درجة مِنَ السموّ الروحيّ بحيث يشقّ القمر ويردّ الشمس. وقد قام أمير المؤمنين في حياته بردّ الشمس مرتين، وأنا لا أنظر إلى ذلك العمل على أنّه معجزة، بل تتمثّل المعجزة في تصرّف أمير المؤمنين في ذلك الموقف [في صفيّن]. نعم إنّ معجزة أمير المؤمنين تتمثّل في تحريكه جيشًا مِن تسعين ألف مقاتل، كان قد جمعهم مِنَ الكوفة والمدينة وأماكن أخرى، وهو يعلم ما الّذي سيؤول إليه مصير تلك الحرب، وليس ذلك فحسب، بل هو عالِم بكلّ ذرّة مِن ذرّات هذا العالَم.
كان أبو ذرٍّ يسير مع أمير المؤمنين يومًا، فمرّوا بوادي النمل، فقال أبو ذرّ: ما أكثر هذا النمل، جلّ محصيه. فقال له أمير المؤمنين: لا تقل ذلك يا أبا ذرّ، بل قُل جلّ بارؤه، إذ السائر إلى جنبك الآن يعلم عدده ويعلم ذَكَره مِن أنثاه۱. وبالرغم مِن هذا يأتي مَن يقول: لم يكن لأمير المؤمنين معرفة إلّا بالعلوم المتداولة في تلك الأيّام، أمّا بالنسبة إلى العلوم الحديثة فليس له علم بها. إنّ هؤلاء الحمقى لا يعلمون مَن يكون الإمام وكيف هو علمه.
ألم يكن أمير المؤمنين هو القائل: أنا أعلم ذَكَر هذا النمل مِن أنثاه. ألم يكن يعلم كيف ستنتهي تلك الحرب، وكم يوم ستدوم، وما الّذي سيجري بعد ذلك؟! نعم إنّه كان يعلم كلّ شيء .. فمَن يريد أن يتكلّم، فعليه أن يتكلّم بمقدار ما لديه مِن علوم، وأن لا يضع نفسه مكان أمير المؤمنين .. نعم، كان أمير المؤمنين يعلم بجميع التفاصيل الّتي ستحصل؛ فهو يعلم المشقّات الّتي ستواجههم، والجراح، وعدد الأسهم الّتي سيرمونها، وكان يعلم أنّ أويس القرنيّ سيُقتل، وكذلك عمّار بن ياسر وعددًا مِن أصحاب النبيّ. وهو يعلم كم إمرأة ستُرمّل، وكم طفل سيصبح يتيمًا. نعم، إنّه كان على علم بجميع هذه التفاصيل، ومع كلّ هذا فهو يقول: إن اجتناب كل هذا، لا يسوّغ لي القيام بعمل واحد مخالف للمروءة في قتالي أعدائي.
وأيّ أعداء كانوا؟! كانوا لا يعرفون الله ولا رسوله، ولم يكن لهم دين، فلم يكن لمعاوية دين، ولم يكن يبالي بأيّ شيءٍ. وبالرغم مِن ذلك يقول أمير المؤمنين: لا يهمّني مَن يكون الطرف المقابل، [سنيًّا] كان أم شيعيًّا أم غير ذلك، فأنا لا أستطيع أن أقوم بعمل يتنافى مع الرجولة والمروءة والشهامة، وبعمل يقبح صدوره عن رجل، حتّى لو لم يكن ذلك العمل محرّمًا. فهو يقول: إنّ تلافي جميع ما سبق ذكره، لا يستحقّ أن أُقْدم على عملٍ كهذا.
إنَّ المعجزة هي موقف أمير المؤمنين هذا، لا قضيّة ردّ الشمس. وبعد كلّ هذا، ترانا لا نعرف مِنَ الإمام سوى لفظ (الإمام) .. إنّ الإمام لا يصل إلى مقام الإمامة، إلّا بعد اللّتيّا والّتي، فهو لا يصبح إمامًا بمطالعة صفحيتن مِن كتاب أو قراءة ثلاث مقالات، حتّى يأتي ذلك القائل ليقول: لا يوجد أيّ تفاوتٍ بين علمِي وعلم الإمام!! كلّا، ليس الأمر كذلك، فكلّ شيء مبنيّ على حساب دقيق.
عودة إلى قصّة النبيّ مع أطفال الجوز
[لِنعُد إلى قصّة النبيّ مع أطفال المدينة:] فعندما جاء المسلمون [بحثًا عن النبيّ] ورأوا الأطفال قد أحاطوا به، يطلبون منه أن يعطيهم الجوز كما أعطاهم بالأمس، [أرادوا تفريق الأطفال]، فقال لهم النبيّ: لا تضربوا الأطفال، فإن تريدوا قدومي للصلاة في المسجد مِن أجل أن تنالوا فيض صلاة الجماعة، الّتي حضرْتم مِن أجلها وفرشتم سجّادة الصلاة استعدادًا لها يا مَن ستصلّون غدًا خلف أبي بكرٍ – أنا الّذي أقول هذا الكلام – اذهبوا واجلبوا لي جوزًا لأوزّعه بين الأطفال لينصرفوا. فذهبوا وجلبوا للنبيّ جوزًا، فقام بإعطائها للأطفال، فتفرّق الأطفال، وذهب النبيّ لإمامة أولئك المؤمنين في الصلاة، نعم أولئك المؤمنون!
هكذا يتصرّف الأنبياء، فلم تكن علاقتهم بالآخرين مبنيّةً على مصلحة، بل كانت مبنيّةً على القِيم. وكنَّا نشاهد نظير هذه التصرّفات مِنَ المرحوم العلّامة، فلم يكن المرحوم العلّامة يغلق الباب بوجه الأطفال ويطردهم، بل كان يقف معهم ويسألهم عن أحوالهم، ويتلاطف معهم ثمّ يقبّلهم ويعطيهم بعض الحلوى، فكانوا ينصرفون وهم فرحون. وهو لم يفعل ذلك مع أقربائه فقط، بل مع الجميع، سواء مع أطفال أصدقائه وأطفال الآخرين. نعم، إنّه كان يتصرّف بنفس النحو الّذي كان يتصرّفه النبيّ. وكيف ذلك؟ ذلك لأنّه متّصل بنفس الينبوع، فالمصدر الّذي يُوحي إلى رسول الله، هو نفسه الّذي يُبيّن للمرحوم العلّامة هذه الحقائق. فعندما يكون الإنسان متّصلًا بالمصدر، سوف تصدر منه نفس تلك التصرفات.
الجمال والجلال الإلهيّين جناحا النجاة إلّا أنّ الأصالة للأوّل
هذا فيما يتعلّق بالجانب الجلاليّ، أمّا فيما يتعلّق بالجانب الجماليّ: فإنّ الأحكام الإسلاميّة وُضعت على أساس الجمال والانجذاب. فلماذا نُؤمر بحُسن الخُلق؟ إنّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ الإسلام يدور حول محور الجمال، فحتّى ذلك الجلال الّذي يتضمّن التنبيه والضرب والحبس، فهو إنّما يكون لأجل الجمال، وإلّا فالجلال بحدّ ذاته غير مطلوب، وليس له أيّة أصالة. فالجمال هو الّذي يجبر الأب على حقن ابنه بالإبر حين مرضه، وهو الّذي يجبر الطبيب على إجراء عمليّة جراحيّة لمعالجة مريضه إن استلزم الأمر.
فقد يقول أحدهم: يا له مِن طبيب قاسٍ. فيقول الطبيب: كنتَ ستموت لو لم أُجرِ لك العمليّة الجراحيّة، فقد أجريتها لك لتستمر حياتك، فما الّذي يمكنني أن أفعله إن كان شفاؤك لا يتمّ بواسطة الأدوية، ولا بواسطة مأكولات معيّنة، فلم يكن أمامي طريق سوى إجراء عمليّةٍ جراحيّةٍ لك. فالعمليّة الجراحيّة الّتي تُجرى للمريض، تتمّ عن طريق الجمال أيضًا. إذًا فالأحكام الإسلاميّة قد وُضِعت على أساس الجمال.
لمّا كان الله قد جعل نظام الوجود، في مراحل الخلق والرجوع والسير الطبيعيّ والتربيّة النفسانيّة، مبنيّا على ظهور صفتي الجمال والجلال، فالدين الّذي يخلو مِنَ الجلال هو دين ناقص، وكذا الأمر بالنسبة إلى الدين الّذي يخلو مِنَ الجمال. فلا بدّ مِن وجود هذين الجناحين لكي يتمكّن الإنسان مِنَ الطيران والحركة بواسطتهما.
مِن تجلّيات الجمال الإلهيّ؛ حُسن الخُلُق والتجمُّل وغيرهما
لقد تمّ التأكيد الشديد على ضرورة التمتّع بحسن الخلق الّذي يتمّ بناءً على الجمال. فمِنَ الطبيعيّ أن يبتعد وينفر الآخرون مِن المغترّ بنفسه. يقول، على ما يبدون أنّه الإمام الحسن العسكريّ، في هذا المجال «مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَيْهِ»۱. فرِضى المرء عن نفسه سيؤدّي إلى ابتعاد الآخرين عنه. أترون كيف يُقال عن البعض: انظروا إلى فلان، كم هو راضٍ عن نفسه، فهو لا يعير أيّ اهتمامٍ لما يُقال له، وهو يريد مِنَ الآخرين أن يُعظّموه ويقوموا إجلالًا له، وأن ينحنوا أمامه ويقبّلوا يديه، وتراه يتّخذ موقفًا سلبيًّا مِن فلان إن دخل مجلسًا ولم ينهض له. ما الّذي يعكسه مثل هذا التصرّف؟ إنَّه نموذج عن الرضا عن النفس. ما هذا التصرّف يا هذا!! فليس لدينا في الإسلام شيء مِن هذا القبيل، فإنّك واحد كبقيّة أفراد المجتمع وأنت لا تختلف عنهم في شيء.
يقول الإمام: «كَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَيْهِ». إنّ معنى (السخط) هنا هو النفور، أي ستنفر الناس منه. أمّا إن ائتلف مع الآخرين وتحابّ وانسجم معهم، فسينجذب الآخرون نحوه. ولهذا نرى التأكيد على حسن الخلق ومحبّة البشر، وعلى ضرورة تقديم المساعدة لهم. وذلك يُبنى على الجمال، فلهذا كان الإسلام يتمحور حول الجمال.
وأيضًا، لِمَ تمّ التأكيد على صلة الرحم؟ إنّه بسبب الجمال .. ولِمَ تمّ التأكيد على مدّ يد العون للفقراء؟ ذلك مِن أجل تركيز الجمال في النفوس .. ولِمَ تمّ التأكيد على التآلف بين أفراد العائلة والأقرباء؟ إنّه للجمال .. فكلّ ذلك يجري مِن أجل الجمال.
نعم، كم تمّ التأكيد على الظهور بمظهرٍ جميلٍ في المجتمع؟ فعندما يتواجد الإنسان بين أفراد المجتمع وعندما يزور صديقًا له، يجب عليه أن يظهر بمظهرٍ نظيفٍ وعَطِرٍ. فلا يصحّ أن يذهب إلى مجلسٍ معيّنٍ، أو إلى زيارة صديقٍ له بملابس ما زال يرتديها منذ عدّة أيّام، بل عليه أن يستحمّ وينظّف نفسه.
نعم، على الجميع أن يراعوا هذا الأمر. فلعلّ أحدنا قد اعتاد على الوضع [الخطأ] الّذي هو عليه، ولم يعد ينتبه إلى حاله، ولكنّ الآخرين سيلاحظون حالته تلك. على أنّ هذا الأمر يتفاوت – طبعًا – بحسب فصول السنة.
فعلى كلّ واحد منّا أن يستحمّ ويلبس لباسًا نظيفًا ويتعطّر، قبل أن يخرج مِنَ البيت. فيذهب لزيارة الآخرين وهو على هذه الهيئة [الحسنة]. هكذا يجب أن يظهر في المجتمع وفي بيته أيضًا، فلا يجوز للإنسان أن يظهر بأيّ شكلٍ كان في بيته. نعم، إن كان وحيدًا في البيت فلا شيء عليه طبعًا، فله أن يظهر كيفما شاء. أمّا إن كان بين أفراد أسرته، فللأسرة حقٌّ عليه؛ فالزوجة والأبناء والوالدان والأخوة ومَن يتواجد معه في البيت، هم بحكم المجتمع المصغّر. فلا يجوز لأحدنا أن يتجوّل في البيت بأيّ نحوٍ كان، بل عليه [في المنزل] أن يراعي الأمور الّتي عليه مراعاتها وهو في المجتمع. نعم، نحن لا نقول بضرورة ارتدائه القباء والعباءة والعمامة في المنزل أيضًا، وإلّا لانطبق عليه المثل القائل: تساوى ظهورك في بيتك وفي الشارع. بل نقول، يجب ارتداء الملابس النظيفة في البيت، فلا يفترض أن تكون ملابس أحدنا وسخة ورَثّة، ولا ينبغي أن ترى الزوجة زوجها بملابس وسخة، فهي تحبّ أن تراه كما يحبّ هو أن يراها، فهي تحبّ أن تراه بمظهرٍ حسنٍ، فلا يصحّ له أن يقول: ما دمنا زوجين، [فلا حرج إن ظهرت بأيّ شكلٍ كان]. كلّا، إنّ مثل هذا الكلام خاطئ، بل يجب أن يعيش الزوج وزوجته بحيث يكون لكلّ يوم بينهما طراوته الخاصّة.
وليس مِنَ الصحيح أن يدخل المرء مِنَ الخارج حيث الجوّ الحارّ، فيخلع ملابسه ويجلس على المائدة، بل عليه أن يستحمّ ويبدّل ملابسه بأخرى نظيفة. هذا ممّا كان العظماء يؤكّدون عليه. هذا في الوقت الّذي ترى البعض يقول: دعك مِن هذا يا رجل، فأنت كثير المؤاخذات!
وترون البعض أيضًا يكون في بيته على ذلك الوضع [الرديء]، فإن جاءه ضيف خلع تلك الملابس وارتدى ملابس نظيفة، فهل ارتداء الملابس النظيفة خاصّ بالضيوف فقط؟!
وكما يجب على الرجل مراعاة هذه الأمور، فكذلك هو واجب على المرأة وأزيد منه. فعليها أن تتزّين لزوجها في بيتها، [وأن تكون بمظهر لائق] عندما تحضر إحدى المجالس. فكم أكّد الإسلام على ضرورة مراعاة الأمور الّتي مِن شأنها أن تبني العلاقات وتديم الحياة المرفّهة، وقد أكّد الإسلام على ضرورة رعايتها في البيت أوّلًا، ومِن ثَمّ في الخارج.
كم لدينا مِنَ الروايات عن الإمام الصادق والإمام الرضا في هذا الشأن. وهي روايات لا يُنقل منها إلى الناس إلّا القليل. وها أنا الآن – خلال ذكري لهذا الموضوع – أشاهد علامات التعجّب تظهر على وجوه الكثير مِنَ الإخوة، وذلك لأنّ الآخرين لم ينقلوا هذه الأمور للناس مِن قَبل. نعم، إنّ الإسلام يُعطي الأولويّة للبيت، وذلك لأنّ معظم المشاكل تنشأ منه، فالمشاكل تنشأ بسبب عدم رعاية هذه الأمور. فترى الرجل يدخل بيته بأيّ شكلٍ كان، وتجلس المرأة مع زوجها بملابس كانت ترتديها وهي تعمل في المطبخ وأثناء قيامها بأعمالها الأخرى، فمِنَ الطبيعيّ حينئذٍ أن يدير الزوج رأسه إلى الجدار ويقول في نفسه: الجدار أجمل منكِ. أو يقول: كان الأجدر بكِ وأنت في هذه الملابس أن تغسّلي الموتى بدلًا مِن حضورك بها أمامي، فأيّة ملابس هذه!
ذهبتُ يومًا إلى مكان، وعلمتُ أنَّه قد قيل للنساء هناك أنّ المرأة يجب أن تتحجّب في بيتها، وذلك لأنّ جبرائيل لن يدخل البيت الّذي لا يراعي هذا الأمر. [أقول:] لا حاجة لجبرائيل في بيتك أيّتها المرأة، فلديك زوج في بيتك، ومعه لا حاجة إلى جبرائيل، وإن لم يأتِ [جبرائيل] بنفسه فسيُرسل ملائكةً عاملين تحت إمرته، فلا داعي لأن تقلقي مِن هذه الناحية. فكانت جميع النساء في ذلك المكان يرتدين الملابس البيضاء، فقلتُ لهنّ: هل أنتنّ في زيارة مقبرة، هل بيوتكنّ مقابر، فما هذا التصرّف؟! إنّ عليكنّ أن تلبسنَ الملابس الملوّنة وتتزينَّ وتتعطّرنَ فتجعلن بذلك جوّ البيت جذّابًا، فلا يتنفّر أزواجكنَّ منكنَّ عند دخولهم البيت، ولا يقولون: سنذهب إلى الطابق العلويّ لمواصلة أعمالنا، فهو أفضل لنا مِن هذا الوضع. فإنّ هذا ما يجعل جوّ البيت – بمرور الزمان – جوًّا جافًّا ومتشنّجًا وعلى رتابةٍ واحدة، إذ لا وجود للحيويّة فيه، وهو ما يؤدّي إلى بروز الأمراض والمشاكل، وكلّ ذلك بسبب عدم اشتغالنا بالتكاليف المتوجّبة علينا، وبسبب اهتمامنا فقط بالصلاة والأذكار والسجود دون بقيّة التكاليف. إنّ ما تفعلونه غير صحيح أيّها الناس، فتلك الأعمال هي جزء مِنَ البرنامج السلوكيّ، ولا بدَّ لكم أن تلتزموا بها أيضًا، فإن عملتم بها سترون بأنفسكم الثمار الّتي ستجنونها، وسترون كيف ستتبدّل حياتكم، وكيف سيعود الهدوء إليها.
كان النبيّ الأكرم يتزيّن في محيطه العائليّ، فبِمَن يجب أن نقتدي؟ فها هو النبيّ نفسه يفعل ذلك .. رأى أحدهم الإمام الصادق (عليه السلام) يرتدي لباسًا نظيفًا، وكان متعطّرًا، فقال له: أأنت تفعل هذا يا بن رسول الله؟ فقال له الإمام: ولم لا أفعله؟ أفلا تمتلك زوجتي قلبًا وعينًا ونفسًا، ألا تمتلك صفاتًا وغرائز بشريّة، فأنا لم أتزوج جبرائيل لكي أظهر بأيّ شكلٍ كان أمامه! بل أنا متزوّج واحدةً مِن بني البشر، ولديها مِنَ الصفات والغرائز البشريّة ما لغيرها مِنَ النساء. وحتّى لو كنت متزوّجًا مِن جبرائيل، سوف لن ينظر جبرائيل إلى ذلك المظهر غير اللائق، لأنّه جميل يحب النظافة والبيئة الصحيّة السليمة، فالملائكة لا تدخل مكانًا ذا رائحةٍ كريهةٍ، ولا تدخل مكانًا ظلمانيًّا، ولا مكانًا فيه صور للكلاب، وغرفًا ألوان جدرانها قاتمة ومعتمة. انظروا إلى هذا المكان الّذي نحن فيه الآن، كم هو مضيئ ومُبهج. نعم، يجب أن يكون المكان الّذي يعيش فيه المرء منوّرًا، وألوان جدرانه فاتحة وباعثة على البهجة والنشاط. غير أنّنا نرى كيف يصنع البعض، فيبدو أنّ الأذواق قد انحطّت والناس قد تبدّلت.
علينا أن نعلم هنا أنّ الملائكة تستسيغ الروائح الطيّبة أيضًا. وقلت لكم في أحد الأيّام أنّ رائحة البخور العطرة كانت تفوح مِن خيمة سيّد الشهداء (عليه السلام) في سفره مِن مكّة إلى كربلاء، فكانت القوافل المسافرة تعرف خيمة الإمام مِن خلال الرائحة الزكيّة المنبعثة منها. إنّ مسألة التعطّر مِنَ الأهميّة بحيث أنّ قيمة العطور الّتي كان يشتريها النبيّ – بحسب ما نقرأ في كُتب السيرة – تعادل ثلث المصاريف الّتي كان يصرفها. أمّا نحن فكم نخصّص مِن مصاريفنا لهذا الأمر، بل هل نلتفت له أصلًا؟! يجب أن لا ينصبّ جميع اهتمامنا على المأكل والمشرب والمسكن فقط، بل يجب أن نهتمّ بهذه الأمور أيضًا.
نقولها هنا بكلّ صراحة، إنّ علاقة العبد بالله يجب أن تكون مبنيّة على أساس مراعاة الجوانب الجماليّة والجلاليّة. فإن صلّيت بنفس الملابس الّتي ترتديها وأنت خارج البيت، فستكون تلك الصلاة فاقدة للروح .. وإن سجدّت وأنت ترتدي لباسًا غير مناسبٍ، فلا فائدة تُرجى مِن مثل هذا السجود .. لِمَ ذلك؟ لأنّ السجدة الّتي توجِد تغييرًا وتبدّلًا في حالتك هي السجدة الّتي تكون الملائكة فيها معك، فإن لاحظت تبدّلًا في حالتك عند السجود أو في صلاتك، فاعلم أنّ ذلك حصل بواسطة الملائكة الّتي تصاحبك. فمصاحبة الملائكة للإنسان هي الّتي تبعث على التبدّل، وهذه المصاحبة هي الّتي ترفع روح الصلاة إلى السماء، كما أنّ حالة التجرّد الروحيّ توجِب تغيير النفس. فإن لم تصاحبنا الملائكة في صلاتنا، فأين ستذهب تلك الصلاة، ومِن خلال أيّ نافذة ستنفذ إلى الأعلى؟!
إنّ الملائكة لا تحضر المكان الّذي تنبعث منه الروائح الكريهة، ولا المكان الّذي يحتوي على صور ذوات أرواح، وعلى الأخصّ صور الكلاب منها. فكيف والحال كما هو اليوم، حيث تعيش الكلاب مع الناس في غرفهم الّتي يسكنون فيها. كما أنّ الملائكة لا تدخل أماكن غير مناسبة كالّتي يوجد فيها آلات موسيقيّة وآلات لهو ولعب، ولا الأماكن الّتي يصدر منها صوت الموسيقى أو يُلعب فيها القمار أو الشطرنج، ولا الأماكن الّتي يُشرب فيها الخمر، بل حتّى المكان الّذي يوجد فيه الخمر وإن لم يُشرب فيه. فالملائكة لا تدخل جميع هذه الأماكن، ولا تضع أقدامها هناك. فلا فائدة تُرجى إن صلّى الإنسان في هذه الأماكن أو صام أو أتى بالأذكار فيها، فلا بدّ مِن تهيئة الأمور المناسبة لتلك الأعمال قَبل الإتيان بها.
آيينه شو و جمال پري طلعتان طلب | *** | جاروب زن خانه و پس ميهمان طلب |
[يقول: فليكن قلبك صافيًا كالمرآة قبل أن تطلب رؤية جمال الملائكة، فقم بكنس بيتك وتنظيفه مِنَ الأوساخ أوّلًا، وبعد ذلك تدعو ضيفك].
إنَّ الناس لا تدعوا الضيف للجلوس في غرفة وسخة، بل يقومون بكنس الغرفة وتنظيفها مِنَ الأوساخ أوّلًا، وبعد ذلك يدعون الضيف للقدوم إليهم.
ها قد مضى الوقت، وقد كان في نيّتي أن أذكر لكم بعض الأمور الأخرى تتميمًا لمقدمة الدخول إلى صلب الموضوع، غير أنّني لم أتمكّن مِن ذلك، فإن مَنَّ الله علينا بالتوفيق سنتحدّث عنها بعد انتهاء شهر رمضان.
كيفيّة الاستفادة مِن خصائص شهر رمضان
وها هو شهر رمضان على الأبواب، ومِنَ المحتمل أن لا تنعقد مجالسَ أخرى قبل حلول الشهر، فلنتحدّث الآن عن بعض خصائص هذا الشهر، بالرغم مِن أنّ الأخوة يعلمونها، وهم قد تهيّؤوا – طبعًا – لاستقبال هذا الشهر.
نستطيع أن نقول هنا أنّ شهر رمضان يُعتبر واحدًا مِن أعظم الهبات الّتي منحنا الله إيّاها. نعم، إنّ شهر رمضان في الواقع هو هبة مِن هبات الله، ويجب علينا أن ننظر إليه على أنّه مِنَّة إلهيّة.
كنتُ في المدينة المنوّرة في إحدى أسفاري إلى الحجّ، ولم يكن قد مضى الكثير مِنَ الوقت على ورودنا المدينة حينها، فرأيتُ عددًا مِنَ الحجّاج مجتمعين حول بعضهم يتجاذبون أطراف الحديث، فقال أحدهم للآخر: ألم تشتق لزوجتك وأطفالك. فأجابه قائلًا: وكيف لا. فردّ عليه قائلًا: ليس أمامنا سوى القليل مِنَ الأيّام، وستمضي سريعًا، فنعود إلى ديارنا، وما عليكم إلّا أن تصبروا حتّى تنقضي هذه الأيّام. فقلتُ في نفسي: إلى أيّ حدّ هبطتْ ثقافتنا الدينيّة، ممّا جعلنا نريد التخلّص مِن هذا السفر، ولا نعرف كيف نتجاوزه!!كيف يمكننا أن نعبّر عن هذا السفر، فهو السفر الّذي سيحدّد المصير الأبديّ للإنسان وسعادته الأخرويّة، هذا إذا أدّاه المرء كما يؤدّيه الأنبياء – إنّ الحجّ لم يكن واجبًا على نبيّنا فقط، بل كان سائر الأنبياء يؤدّونه أيضًا – وكما كان الأئمّة والأولياء يؤدّونه. فإن تمّ تأدية الحجّ بهذا الشكل، فسيعمل هذا الحجّ على نقل الإنسان مِن عالمٍ إلى عالمٍ آخر، وإنّه لأمر عجيب حقّا .. فكيف سيكون طوافه حينئذٍ، ووقوفه في عرفات، تلك الوقفة الّتي يجب أن تكون بقصد التوبة لا غير؟
فمَن يَرِد حَرم الله، عليه أن لا يلتفت إلى أيّ شيءٍ آخر، بل عليه أن يختلي بنفسه وينشغل بتأدية أعماله فقط، وعليه أن يعتزل الضجيج والصياح ويمتنع عن تجاذب أطراف الحديث، حيث يجلس الناس في عرفات يتبادلون الحديث ويمضون أوقاتهم بالأمور الباطلة والتقاط الصور.
كنَّا في عرفات في إحدى المرات، ولم يبدُر مِنَ عامّة الناس شيئ غريب حينها، وإذا بإمام الجماعة يطلب مِن أحدهم أن يصوّر الصلاة بالفيديو. [أقول:] هل تُعتبر وقفة هذا الرجل في عرفات وقفة حقًّا، فأيّة صلاة تلك وأيّ توجّه وحضور قلب هذا؟! فهل كانت وقفة الأئمّة في عرفات على هذا النحو؟! وهل كان حضورهم في مِنى بهذا الشكل؟! وهل كان رميهم للجمرات وطوافهم يجري على هذا المنوال أيضًا؟!
إنّ موضوع الحجّ موضوع عجيب حقًّا! فكيف يجب أن يتوجّه الإنسان إلى الله ابتداءً مِن وقت إحرامه .. وبالرغم مِن ذلك نرى أحدهم يقول للآخر: ما هي إلّا بضعة أيّام وتعود بعدها إلى أهلك وديارك.
وما يحصل في شهر رمضانٍ هو مِن هذا القبيل أيضًا، فنحن نرى الحالة الروحيّة الّتي يستقبل بها الناس شهر رمضان، فعندما يقترب الشهر نرى الناس يقولون: يا للهول! ها قد جاءنا شهر رمضان مرّة أخرى، فلا بدّ أن نصبر مدّة شهر حتّى ينقضي. أرأيتم ما يقوله الناس في الأيّام الأخيرة مِن شهر رمضان، أعني الأيّام الّتي تلي العشرين منه، إنَّهم يقولون [بابتهاج]: ها قد عاد القمر هلالًا، وها هو الشهر على وشك أن ينتهي!
أمّا أولياء الله فقد كانوا ينتظرون قدومه قَبل أسابيع مِن حلوله. إنّ المهتمّين بأنفسهم والّذين يحسبون لأعمارهم حسابًا، وهم مِن أهل السرّ، يعتبرون شهر رمضان مِنَّة إلهيّة ويعتبرونه فرصة للابتعاد عن الخوض في الأحاديث المختلفة والمسائل الاعتباريّة والمشتهيات النفسانيّة.
إنّ الأكثر كسبًا في هذا الشهر هو الأكثر مراقبةً لنفسه والأكثر توجّهًا إلى الله. فإن قلّلتم الكلام وأكثرتم مِنَ السكوت ستحصلون على أكثر ممّا سيحصل عليه غيركم. إنّ هذا الكلام لا يعني أن يمتنع الإنسان عن الكلام حتّى في المسائل الضروريّة، بل هو يعني ضرورة الامتناع عن فضول الكلام. سيكون لنا حديثٌ آخر عن موضوع السكوت، ولكن علينا أن نعرف هنا أنّ لكثرة الكلام تأثير ضارّ إن كان في الأمور العاديّة، لأنّ هذا الكلام سيُفقد الإنسان ما اكتسبه مِنَ المراقبة؛ فمَن يتكلّم لمدّة دقيقتين سيفقد شيئًا ممّا امتلك، ومَن يتكلّم لمدّة خمسة دقائق سيفقد أكثر، أمّا مَن يتكلّم لمدّة ساعة مِنَ الزمن فستكون خسارته أكبر. إنّ الحالات الّتي يحصل عليها الإنسان بواسطة الصلاة والعبادة والذِّكْر، يتمّ تثبيتها في النفس عن طريق السكوت، وهو الّذي يُفسح لها مكانًا في النفس، أمّا الإكثار مِنَ الكلام سيعمل على إتلاف ما حصل عليه في ليلته الماضية.
لسنا مضطرّين للحديث حول القضايا غير الضروريّة وهي كثيرة، أمثال: غلاء ورخص السلع التجاريّة، وحصول زلزالٍ أو حربٍ في المكان الفلاني مِنَ العالَم. فما هي علاقتنا بهذه الأمور؟! فإن أراد الإنسان أن يتكلّم، فينبغي أن يكون موضوع كلامه مفيدًا، وأن يتكلّم عن شيء ينفعه.
كان العظماء وبالأخصّ المرحوم العلّامة، يؤكّدون كثيرًا على ضرورة مراعاة مسألة السكوت في شهر رمضان، كما ويؤكّدون على ضرورة رفع سوء التفاهم بين الأخوة وطلب السماح منهم واسترضائهم. لأنّ هذه الأمور لها تأثير كبير على حال الصائم، فإن كانت هناك خصومة بين أحد وصديقه، فهو يشعر بمقدار أثر تلك الخصومة على صيامه، وهو يلمس أنّ تلك الخصومة تحول دون ظهور آثار الصوم عليه. لذا تمّ التأكيد على ضرورة رفع الخصومة بين المرء وبين أخوته في الإيمان وأخوته الروحيّين عن طريق زيارتهم واللقاء بهم.
ومِنَ الأمور الّتي كان العظماء يؤكِّدون عليها، هي ضرورة استغلال الوقت واغتنام الفرص في ليالي شهر رمضان، كانوا يقولون: إنّ آثار صيام النهار تظهر في الليل، لذا لا بدّ مِن استغلال الليل بالشكل الّذي لا تَضيع معه آثار الصوم. فيجب مراعاة مسائل الطعام والكلام والتعامل، بالشكل الّذي يتماشى مع متطلبات هذا الشهر؛ فلا يصحّ الإكثار مِنَ الطعام عند الإفطار، بل يجب أن يأكل نوع الطعام الّذي يمنحه النشاط اللازم حتّى صباح اليوم التالي. ولا ينبغي له أن يأكل الأطعمة الّتي تُضعف جسمه. كما لا ينبغي له أن يملأ معدته بالطعام عند الإفطار، لأنّ ذلك يُضيّع آثار الصيام. فإن تناول أحدنا المقدار اللازم مِنَ الطعام، سيحفظ بذلك الحالة الروحيّة الّتي اكتسبها مِن صومه في النهار، وسيلمس تلك الآثار بنفسه، وسوف تستمرّ تلك الحالة الروحيّة معه حتّى السَّحر.
مِنَ الأفضل أن يقلّل الإنسان مِن نومه في ليالي شهر رمضان، وبالأخصّ في الليالي العشر الأخيرة منه، فقد دأب أولياء الله على إحيائها. وقد صادف في إحدى السنوات أنّ بداية شهر رمضان كانت مشكوكة، وكانت المساجد تعمل وفق ما تعلنه الحكومة في عهد ملك إيران السابق، أمّا المرحوم العلّامة فكان يعمل طبق ما يتيقّن منه، [فتأخّر عنهم مثلًا يومًا واحدًا] لذا كان البعض يعترض عندما تُقرأ أدعية أيّام شهر رمضان الموجودة في كتاب مفاتيح الجنان، فيقولون: ها قد قرأتم دعاء اليوم الثاني عشر – مثلًا – والحال أنّ اليوم هو الثالث عشر منه.
ما دمتُ قد ذكرتُ هذه الأدعية في كلامي، فلا بدّ أن أوضّح أمرًا بشأنها، وهو أنّه: لا أصل ولا أساس ولا سند للأدعية الّتي هي بعدد أيّام شهر رمضان، وهي أدعية اليوم الأوّل واليوم الثاني والثالث وهكذا .. بل هي أدعية موضوعة، ومِنَ المعلوم أنّ واضعها رجل مبتدئ جدًّا لا عِلم له بالعلوم الأدبيّة البتّة، فكان يُلصق المقاطع لتنتظم قوافيها، كأن تنتهي المقاطع بحرف النون مثلًا، ولم يكترث بانتظام قوافي الكلمات الوسطيّة. نعم، لا أصل ولا سند لهذه الأدعية أبدًا. على أنّنا نمتلك العديد مِنَ الأدعية الصحيحة الخاصّة بشهر رمضان، مثل دعاء (يا عَلِيّ يا عظيم)، ودعاء الافتتاح ودعاء أبي حمزة [الثماليّ]، وهي أدعيةٌ كلُّ فقرة منها تستلزم شهرًا كاملًا مِنَ التفكّر.
ولمّا حلّت ليالي الإحياء، أعني ليالي التاسع عشر والحادي والعشرين والثالث والعشرين مِن شهر رمضان، أتذكّر أنّ المرحوم العلّامة في تلك السنة أحياها في ستّ ليالٍ، يعني ليلتين بعنوان التاسع عشر، وليلتين للحادي والعشرين، وليلتين للثالث والعشرين منه، وذلك لأنّ بداية الشهر كانت مشكوكة، فيُحتمل أن تكون أيّة واحدة مِن تلكما الليلتين هي مِن ليالي القدر. لذا أحيا في مسجد القائم ليلتين على أنّهما ليلة التاسع عشر، وهكذا بالنسبة إلى ليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين منه. فبلغ مجموع ليالي الإحياء في تلك السنة ستّ ليالٍ. وعندما سُئل عن ذلك قال: بل علينا إحياء جميع ليالي العشر الأخيرة، فليس إحياء ستّ ليال – حينئذ – بأمر يُتوقّف عنده، فما الّذي سيحصل لنا إن قمنا بإحياء عدّة ليالٍ إضافيّة.
إنّ إحياء ليالي شهر رمضان، يُعتبر بالنسبة إلينا، عملًا ذا أهميّة فائقة. ففي حالتنا نتخيّل أنّنا إن أحيينا ليلة إلى الصباح، وكأنَّنا قد أتينا بمعجزة كمعجزة شقّ القمر، ونتوقّع على إثرها أن تُفتح لنا أبواب السماء! هذا في الوقت الّذي كان العظماء يحيون جميع ليالي شهر رمضان، فما الّذي يعنيه إحياء الليالي العشر الأخيرة منه فقط والحال هذه؛ يعني إنّ إحياء الليالي العشر الأخيرة منه، يُعتبر أمرًا عاديّا [بالنسبة إليهم، مقارنة مع إحياء ليالي شهر رمضان كلّها]، فتراهم لا يتكلّفون في الاستعداد لإحيائها بل إنّ إحياءها لهو أمر عاديّ بالنسبة لهم.
كان المرحوم العلاّمة يتناول طعام السحور وينام لساعة أو ساعتين [بعد طلوع الشمس] أو يُأخّر نومه إلى ما بعد الظهر فينام لساعتين أو ثلاث ساعات حينها. على أيّة حال، فإنّ إحياء ليالي شهر رمضان، وخصوصًا الليالي العشر الأخيرة منه، ذو أهميّةٍ كبيرةٍ جدًّا، وأولياء الله كانوا يُفصِحون لبعض الخواصّ بشكل مُجمل عن شيء مِن آثار إحياء الليالي الأخيرة مِن شهر [رمضان]. فيستطيع كلّ واحدٍ منّا أن يستغلّ هذا الوقت في المطالعة وقراءة الأدعية، أو حتّى بدون أن يقوم بشيءٍ مِن ذلك، شريطة أن لا يُتلف الوقت في اللهو واللعب وغيرها ممّا يزيل آثار الصوم. كما أنّ مشاهدة بعض الأمور الّتي لا قيمة لها مِن شأنها أن تسلب الإنسان تلك الفيوضات وما كان قد حصّله مِن ذخيرة. نعم، على كلّ واحدٍ منّا أن يكون يقظًا لئلّا يخسر تلك النِعم الإلهيّة.
كما علينا أن لا نفوّت على أنفسنا سنّة دعوة الآخرين إلى الإفطار. فعلى الأخوة العمل بهذه السنّة المباركة، شريطة ألّا يُسبّب ذلك أذيّة لأفراد أسرته، فيستطيع أن يدعو واحدًا أو اثنين مِن أخوته، ليتناول الفطور معه، ممّا كان قد أُعدَّ للإفطار فعلًا. فبإمكان العائلة أن تزيد مِن مقدار الحساء قليلًا، وعدد أقراص الخبز. ولكن لا ينبغي لمسألة دعوة الآخرين إلى الإفطار أن تغلب على أصل الموضوع، بل يجب أن يتمّ هذا الأمر بالشكل الّذي يتلاءم مع ذلك البرنامج [السلوكيّ الموصى به].
ومِنَ الأمور البالغة الأهميّة والّتي يجب مراعاتها، هو حماية الذهن مِن ورود الخواطر المختلفة. فكلّ بلاءٍ ينزل على رأس الإنسان إنَّما يأتي مِن هذه الخواطر. إنّ نوع المراقبة الّتي يُراعيها العظماء في شهر رمضان هي أن لا يسمحوا لأيّة خاطرة أن تخطر على بالهم. هذا فيما يتعلّق بالخواطر وما يمكن أن تسببه مِن أخطار، فما بالك بالعمل الباطل الّذي قد يصدر عن الإنسان. فعلينا أن لا نسمح بورود الخيالات والأفكار الّتي تشتّت الذهن، لأنّها ستترك آثارًا سيّئةً على الجانب المثاليّ والبرزخيّ للإنسان.
إنّ مقدار أهميّة هذا الشهر، ومقدار الرحمة النازلة فيه، بالغ في عِظَمه ما جعل النبيّ يقول في حقّه كلامًا عجيبًا، وذلك في خطبته قبل حلول شهر رمضان حيث قال «فإنَّ الشقيَّ مَنْ حُرِم غفران الله في هذا الشَّهر العظيم»۱. فكم هو مقدار أهميّة هذا الشهر حتّى يقول عنه النبيّ أنَّ رحمة الله في هذا الشهر ستكون في سعتها كالمطر الغزير النازل على الأرض. فكم هو مقدار الشقاوة والقسوة، وكم هو ذو قلب ميّت هذا الّذي ينزل عليه كلّ هذا المطر ولا يمكن إرواؤه مِن تلك الرحمة. فلا يُحرَم مِن الرحمة الّتي تنزل في هذا الشهر ومِن رضوان الله إلّا الشقيّ. وخلاصة الأمر إنَّ أنواع الموائد ستكون مُعدّةً، وكلّ شيء سيكون مهيّأً، وما على المرء إلّا أن يستفيد منها، ولهذا يُوصي العظماء بالصوم قبل أيّامٍ مِن بدء شهر رمضان، فلا ينتظر حلول الشهر حتّى يبدأ صيامه. وهذا الصوم يكون بمثابة الاستعداد لشهر رمضان، وبهذا الاستعداد يستطيع أن ينفض عن نفسه غبار الظلمة والحشو والزوائد الفارغة.
ومع أيّام صيامه في شهر رجب وشعبان ومواظبته على المراقبة والتوجّه، عليه أن يزيد مِن مقدار المراقبة دقةً وإحكامًا قبل الورود في شهر رمضان. وعليه [كما قلنا] أن يبدأ الصيام قبل أيّامٍ مِن حلول شهر رمضان، فيصلها بشهر رمضان.
وقد جاء في الروايات أنّ مَن حُرِم الشفاعة والرحمة والرضوان الإلهيّ في هذا الشهر، فليس أمامه فرصة إلّا وقفة عرفة، لتعود وتشمله الرحمة الإلهيّة فيها. فهذا يعني أنّ مسألة الرحمة الإلهيّة النازلة في شهر رمضان مِنَ الأهميّة بحيث لا يمكن تعويضها بشيء آخر. ما الّذي يعكسه كلّ هذا؟ إنّ هذا يعكس مقدار لطف الله بنا.
أيُعقل أن يكون الله قد أوجب علينا الصوم لحاجته له!! ما هي حاجة الله خالق السماوات والأرض إلى صيامنا وإلى ما نتحمّله مِن جوعِ عدّةِ ساعاتٍ!! ثمّ أيّ جوع هذا الّذي [يُحكى عنه]، والحال أنّه ما إن تمرّ علينا ساعات معدودة حتّى نرى الليل قد حلّ؟! كلّا، إنّ الله ليس بحاجةٍ إلى صيامنا وجوعنا، غير أنّه يريد أن تشملنا رحمته ولو بالإجبار، لذا نراه يوجب علينا صيام شهر رمضان ولم يجعله مستحبًّا.
لو كان [الله قد جعل صوم شهر رمضان] مستحبًّا، فكم رجل سيصوم حينئذٍ؟ فلنفرض الآن أنّ إمام الزمان قد جعله مستحبًّا – غير أنّ إمام الزمان إمامٌ فلا يمكن أن يفعل ذلك أبدًا، أمّا نحن فمِنّا مَن يقوم بذلك فتراه يحرّم الحلال ويحلّل الحرام – فإن قامت الشريعة برفع الوجوب وتحويله إلى عملٍ مستحبٍّ، أتعلمون أيّ نوع مِنَ الاحتفال سيقيمه الناس! نعم، إنّهم سيقولون عندها: ها قد ارتحنا منه! أمّا بالنسبة إلى أهل السّر، والّذين علموا عن شهر رمضان شيئًا، لن يتفاوت الأمر بالنسبة إليهم أبدًا، بل تراهم يقولون: إلهي، حتّى وإن لم توجبه علينا ولم تجعله حتّى مستحبًّا، فإنّنا سنصومه.
لماذا تراهم يقولون ذلك؟ لأنّهم قد علِموا أيّة آثار ستترتّب على صيام هذا الشهر، فهم يعلمون السّر في صيامه، ويعلمون ما يخفى وراء الستار. نعم، إنّهم يعلمون أنّ ما يجنونه مِن صيامه يستحقّ أن يُصام لأجله ثلاثمائة وخمسة وستين يومًا، إلّا أنّ الله أوجب على عباده صيام شهرٍ واحدٍ فقط، وذلك حبًّا منه لعباده، فهو يقول: أتعلمون كم أحبّكم، وكم أحبّ أن تتربّوا وتتزكّوا وتتكامل نفوسكم؟ ففيما أنتم منشغولون أيّها المساكين، إنّني أريدكم أن تقتربوا خطوةً واحدةً مِنّي، ومِن أجل ذلك لم أجد سبيلًا سوى أن أفرض عليكم صيام شهرٍ واحدٍ، وإلّا [فالأمر يستحقّ] أن أفرض عليكم صيام شهر شعبان أيضًا، ولكن ما الّذي أستطيع فعله، فعبادي لن يتحمّلوا ذلك وسيعترضون قائلين: أعلينا أن نصوم شهرين متواليين؟! بل لو كان هنالك مجال لأوجبت عليكم صيام أشهر رجب وشعبان ورمضان.
عندما كان هلال شهر رجب يهلُّ، كان رسول الله يواصل الصيام حتّى ظهور هلال شهر شوال، فكان يصوم مِن أوّل شهر رجب حتّى الثلاثين مِن شهر رمضان. لماذا كان الرسول والأئمّة يفعلون ذلك؟ ذلك لأنّهم عرفوا شيئًا عن ذلك. نعم، لم يكن الله قد أوجب صيام هذين الشهرين [أي رجب وشعبان] عليهم، فلِمَ يصومونهما .. هذا بالنسبة لهم، أمّا فيما يتعلّق بنا، فنراهم يقولون لنا: ليس عليكم أن تصوموا جميع أيّام شهر رجب، بل صوموا منه ما استطعتم، وصوموا عدّة أيّام أُخر مِن شهر شعبان أيضًا.
كان العظماء [يصومون الأشهر الثلاثة] لعظمتهم، فلنسعى نحن للاقتراب مِنهم قليلًا، فإن لم يحصل لنا القرب فلنرفع أصواتنا حينئذ معترضين، [بل سيحصل التقرّب] ولهذا تمّت توصية الإنسان وبشكل مؤكّد على احترام وتعظيم هذا الشهر.
إن كانت لدينا همّة سيُلقينا الله في بحره
نسأل الله أن يمنَّ علينا بالتوفيق لإدراك صوم الخواصّ. كنتُ قد تحدّثت إليكم مرّة عن صوم خواصّ الخواصّ، وهو صيام الأنبياء والأئمّة والأولياء، أصحاب السرّ الّذي لا يضطرب، فليس عندهم ما يسمى بورود الخواطر، وذلك لأنّهم تجاوزوا مرحلة طرد الخواطر الّذي نُبتلى به نحن، نعم إنّهم تجاوزوها بالفعل، وهم متّصلون ومتّحدون بالمبدأ بحيث لا يمكن معه أن تضطرب خواطرهم أبدًا. وهذا ليس عسيرًا على الله، فإن طلبنا منه ذلك سيعطينا إيّاه، فهل يعظم هذا الأمر على الله [حتّى لا يهبنا إيّاه]؟! أو هل يوجد مانع مِن أن يسقينا ويروينا مِنَ الكأس الّذي سقى منه أولياءه ورواهم؟! كلّا، بل نحن الّذين لا نريد ذلك، أمّا الله؛ فلو طلبنا منه قدحًا صغيرًا وقلنا له أنّنا نكتفي بهذا القدح، فسيقول لنا: لك ما تريد .. وإن طلبنا منه قدحًا أكبر، فسيقول لنا: تفضلوا .. وإن طلبنا منه جرّةً أو بحرًا لأعطانا. فلا يصحّ لنا أن نقول أنَّ البحر خاصٌّ بالأنبياء والأئمّة، كلّا، فإنّ الله سيُلقينا في هذا البحر والمحيط [إن طلبنا منه ذلك]، غير أنَّ كلّ ذلك مقرون بالهمّة، وكما قال الشيخ الشيرازيّ قَدّس الله سرّه ورضوان الله ورحمته عليه:
بر سر تربت ما چون گذري همت خواه | *** | ۱ |
[يقول: إن مررت بترابي فاطلب مِنَ الله أن يمنحك الهمّة]
فأهمّ شيء هنا هو الهمّة، فمَن لا يمتلك الهمّة لن يرتقي ولو بمقدار سنتيمتر واحد. لماذا الأمر بهذا الشكل؟ ذلك بسبب قناعة المرء ورضاه بما هو فيه، فتراه يقول: إنّ هذا المقدار يكفيني. فإن قيل له: تعال، فهناك إبريق ممتلئ بالماء. سيكرّر قوله: كلّا، لا أريد، فما حصلت عليه يكفيني.
لم يقل الشيخ حافظ أن أَكثِرْ مِنَ العبادة أو مِن طلب الرزق الحلال إن مررت بترابي، بل يقول: اطلب علوّ الهمّة، فإن كانت لدينا همّة كافية فسيصلح أمرنا بتمامه. [يقول الشيخ في عجز البيت:]
كه زيارت گه رندان جهان خواهي شد | *** | ٢ |
[يقول: لأنّك ستصبح مزارًا للفطنين في العالَم]
وهذا ما أصبح عليه ضريح الشيخ نفسه، فهو اليوم مزار لأصحاب الفِطْنة، وليس مكانًا يذهب إليه كلّ مَن هبّ ودبّ.
نسأل الله ببركات أنفاس أوليائه، والأطايب الحالِّين بفنائه، أن يرزقنا الصيام الّذي خصّ به عباده المقرّبين.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد