المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسممباني الإسلام
التوضيح
أهم محتويات المقالة:
- الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون بإذن الله؛
- أمر الإمام الصادق هشام بن الحكم بالكلام ونهي الإمام الكاظم إياه؛
- مواجهة الأئمة للظالمين كان بأمر الله؛
- إذن الإمام وأثره في صحة العمل؛
- كون الحرب والسلم بإذن الإمام؛
- نهي الإمام الباقر زيداً عن الثورة؛
- و...
هو العليم
الدعوة إلى اللَه بإذنه
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا نبيّنا محمّد وعلى آله الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون بإذن الله
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنيراً}۱ في الليلة الماضية وبعد أن ذكرت بعض المطالب للإخوة، تردّدت في الموضوع الذي ينبغي أن أطرحه كمقدّمة لأسئلتهم، والتي حتّى الآن لم يصلني منها سوى سؤال واحد.. ولعلّهم لا يريدون أن يحرجوني في جهلي بالمطالب التي يطرحونها، وعلى كلّ حال هم يعلمون أنّا لسنا في مقام التعليم والتعلّم، ولكن جئنا وقمنا بزيارة الإخوان ونريد أن نستفيد منهم ونتحدّث معهم ونجيبهم. فسواء طرح حديث وموضوع أو لم يطرح فليس مهمّاً، بل المهمّ هو زيارة الإخوان والأصدقاء، وإلى جانب ذلك إن كان هناك مسألة مفيدة فما أجمل أن نطّلع عليها جميعاً. وقد رأيت أنّ الأفضل هو أن نستمرّ في بيان ما بدأنا به الليلة الماضية، ونفصّل في بعض المسائل التي كثر السؤال حولها، والموضوعات التي تدور حولها الرسائل والأسئلة في مواقع الإنترنت، والمسائل التي تختلج في الذهن؛ سواء خرجت على اللسان أو تمّ التلميح إليها بكلّ مؤدّب وفي كامل احترام، فعلى قدر ما تتّضح هذه المسائل فإنّ طريقنا وممشانا وطريقة تفكيرنا وسلوكنا يمكن أن تتبلور بشكل أفضل وتبتعد عن الآفات.
يقول الله في هذه الآية يا رسولنا نحن أرسلناك شاهداً على أعمال الأمّة، ومبشّراً بالرحمة الإلهيّة، ومنذراً من نتيجة الأعمال السيئة. ثمّ ما هي الوظائف الأخرى التي كلّفتَ بها أيها النبي؟ {وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنيراً}. وينبغي التدقيق في كلّ كلمة كلمة من هذه الآية، فالدعوة ينبغي أن تكون بإذن الله، لا من قبل الداعي ومن تلقاء نفسه متذرّعاً بأنّي أحسست بالتكليف، وشعرت بالمسؤوليّة، وخطر في ذهني أن أفعل كذا، ولو لم أفعل لأطبقت السماء على الأرض وما شابه ذلك... فهذه هي المسائل التي يتذرّع الإنسان بها عادة، وهي لا تداوي لنا داءً، ولا تبيّن لنا طريقاً. ينبغي أن تكون الدعوة مرتكزة إلى إذن، كان قد انقضى على عمر رسول الله أربعون سنة ولم يكن دعا أحداً، كان يذهب بنفسه إلى غار حراء.. وقد ذهبت ذات يوم إلى غار حراء قبل عدّة سنوات، وكنت وحدي، وقد اخترت الذهاب وحدي ولم أخبر أحداً حين خروجي، واتفاقاً لم يكن في جيبي من المال شيء كثير، ربمّا كان يكفي لأجرة الذهاب والإياب لا أكثر، فذهبت إلى الغار، وجلست هناك في مقابل مكّة، وعدتُ بنفسي إلى ألف وأربعمائة عام مضت، حيث كان رسول صلّى الله عليه وآله يقضي في هذا الغار الأيام والأسابيع دون ارتباط بأحد، فماذا كان يريد وعمّا كان يبحث؟ ولمَ اعتزل مكّة والناس المرتبطين به؟ وفي ذلك الكثير من الأخبار، وإحدى المسائل التي خطرت في ذهني أنّ السيّدة خديجة سلام الله عليها لم تخاطب النبيّ يوماً وتسأله: إلى أين أنت ذاهب؟ ألست بزوجي ونعيش تحت سقف واحد؟ لقد كان يقضي الأسابيع هناك بغير ماء ولا طعام، وأنا لا يمكنني أن أتخلّى عنك، لا بدّ أن أحضر لك الطعام والشراب، وربّما مرضت فلا بدّ أن آتي لك بالدواء، فكان يأتي وربّما يبقى أربعين يوماً، وهذه الإقامة كانت تطول عادة لأسابيع، ورغم ذلك لم تنبس هذه المرأة ببنت شفة اعتراضاً عليه، بل كانت في خدمته، وكانت تأتي إلى الغار أحياناً حافية، وبينما كنت أفكّر في ذلك وفي بعد المسافة الفاصلة بين الغار ومكّة إذ جاء رجل إلى الغار وكان فقيراً فقلت في نفسي: يبدو أنّ عليّ الآن أن أدفع له ما تبقّى في جيبي لأرجع ماشياً!! فأعطيته ما كان في الجيب، وربما لم يكن ليتجاوز العشرة ريالات، فرجعت ماشياً، وقال لي الله اقطع هذه المسافات واجتز هذا الشارع ثمّ هذا ثمّ ذاك لتدرك كيف كانت تأتي أمّك؟ وكيف كانت تطوي هذا المسير، فلم تكن لتأتي راكبة دائماً، نعم أحياناً كانت تركب، لكن غالباً ما كانت تأتي ماشية، وفي ذلك كلّه أسرار ولماذا كان يحدث؟ فقد مشيت ومشيت حتّى تعبت، وقد جلست للاستراحة في أماكن عدّة، إلى أن وصلت إلى المنزل والذي كان قريباً من المسجد الحرام ولم يكن بعيداً. حسناً فماذا كان النبيّ يصنع خلال هذه الأربعين سنة؟ لماذا لم يقم بإنذار الناس؟ ألم يكن مأموراً بالتوحيد وبالشريعة؟ فلماذا لم يقم بذلك؟ لأنّه لم يأته إذن بعد؟ وهذه مسألة عجيبة جدّاً، نحن نظنّ أنّ الدين متوقّف علينا، فلو رفعنا أيدينا ووقفنا جانباً فسوف تهبط المنظومة الشمسيّة على الأرض، لا يا عزيزي! الدين ليس متوقّفاً علينا، فنحن جزء من ملايين ملايين الوسائط الذين يضعون بعض المطالب بين أيدي الناس، نقوم بذلك مستعينين بما عندنا من معلومات ومسائل جمعناها، هذه هي حالنا لا أكثر من ذلك. فالنبيّ صلّى الله عليه وآله لم يكن يخطر في باله أن يأتي ويقول للناس ما يعرف ليخرجهم من الوثنيّة، لم يكن يفكّر في ذلك، وأنّ هؤلاء يعبدون الأصنام ويعيشون في الجهل، فمن يقوم بأعباء مسؤوليّتهم وإلى من يترَكون؟ لماذا نتركهم يعبدون الأصنام؟ فلأنهض ولأطرح الرسالة بعد عشر سنوات أو بعد خمس عشرة سنة أو عشرين سنة لا بعد أربعين سنة، فنحن الآن هكذا نفكّر والنبيّ كان صاحب فكر مثلنا، فلماذا لم يقم بالدعوة مع علمه بهذه المسائل؟ ولماذا لم يمنع عن عبادة الأصنام؟ فهؤلاء الناس من حوله يعبدونها، كان عليه أن يقول لهم: اتركوها وتعالوا إلى التوحيد، لماذا لم يفعل ذلك؟ لأنّه لم يكن مأموراً، الناس يعبدون الأصنام فليعبدوها وما علاقة ذلك بشخصي أنا النبيّ، فليعبدوها! لهم ربّ ولهم عقول، وهم ليسوا مجانين، فأبو سفيان وأبو جهل اللذان كانا يعبدان الأصنام، هل كان أحد يجبرهم على فعلهم هذا؟ أيصنع الإنسان صنماً من التمر حتّى إذا ما جاع أكله؟ فعند وفرة التمر كانوا يصنعون منه أصناماً، حتّى إذا ما حصل قحط وجوع قاموا وحملوا عليه؛ فمنهم من يأكل رأسه، ومنهم من يأكل يده، ومنهم من يأكل رجله، ومنهم من يأكل أعضاء أخرى كلّ بحسب ما يصله وبحسب قسمته ونصيبه... فيأكلون الصنم الذي صنعوه بأيديهم ولا يتركون منه شيئاً، ألم يكن النبيّ يرى ذلك؟ بل كان يراه، وبما أنّه كان يراه فلماذا لم يكن يقدم على فعل أيّ شيء من أجل هداية الناس؟ كونه غير مأمور بالتبليغ لا يجعله غير مدرك لخطأ هذه الأعمال، فقد كان يعرف وحدانيّة الله، وكان يعرف المعاد، وكان يعرف الصلاة، فنفس تلك الصلاة التي كان يصلّيها في غار حراء هي التي كان يصليها بعد البعثة، لا أنّ الصلاة فرضت على النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد البعثة، بل كان النبيّ يصلّي صلاة الصبح في غار حراء ركعتين اثنتين، وصلاة الظهر أربع ركعات وهكذا سائر الصلوات، ولم يحدث أيّ تغيير فيها، كلّ ما تغيّر هو القبلة فقط، حيث كانت إلى بيت المقدس وصارت إلى الكعبة، ما هو المطلب الذي يمكن أن نستفيده من هنا؟ نستفيد أنّ الناس ودينهم وممشاهم ليس موقوفاً على أحد، ففلان يقوم بعمل قبيح مثلاً ما هو ربطه بالآخرين! يقوم بعمل حسن، لا ربط له بالآخرين أيضاً! ما ينبغي النظر إليه هو: هل أنا موظّف من قبل الله المشرّع الأوحد بأن أدعو الناس إلى ما أعرف أم لست مكلّفاً؟ هذا هو المهمّ، إن لم أكن مكلّفاً فليفعل الناس ما يحلو لهم، ولا ربط لي بذلك، إن كنت مكلّفاً فلا بدّ أن أقوم بتكليفي، الوصول إلى هذه القاعدة يوضّح الكثير من المطالب، ويكشف له الأسرار، ويحدّد للإنسان تكليفه. ففي بعض الموارد يقال للإنسان: تكلّم بهذا الكلام ـ كما ذكرنا بالأمس ـ وفي مورد آخر يقال له: لا تتكلّم به.
أمر الإمام الصادق هشام بن الحكم بالكلام ونهي الإمام الكاظم إياه
ففي وقت من الأوقات كان الإمام الصادق عليه السلام يحثّ هشام بن الحكم على الكلام وكان يمجّده على مرأى الناس بعد أن ذهب إلى البصرة وحاجّ ذلك المتكلّم، فجاء إلى المدينة وصار ينقل تلك المطالب، ويتحدّث مع الناس، فقد كان هشام قويّاً في الكلام، وكان الإمام يجلسه إلى جانبه ويرفع من شأنه بين سائر الناس، وكان يدعو له. جيّد إلى هذا الوقت، ثمّ بعد ذلك تغيّرت الظروف وصارت الحكومة حساسة من تصرّفات الإمام، وكان هارون الرشيد يدقّق في كل ما يجري، وكان يخاف أن يجتمع الناس حول موسى بن جعفر عليه السلام، ويلتفّوا حوله طائفة تلو أخرى، ومن جملة ما كان يوجب هذه الحساسيّة أصحاب الإمام وتلامذته الذين يبلّغون الولاية، ففي هذا الحال نهى الإمام موسى بن جعفر هشاماً عن الكلام، وقال له: لا تتكلّم! لقد كان ذاك الكلام في زمان أبي وكانت الظروف تختلف وقد تكلّمت وقمت بوظيفتك، والآن يجب أن تصمت، فكلامك يؤدّي إلى تحريك السلطة فيضيّقون علينا ويأخذونك ويأخذونني ويأخذون شيعتي، كلّ ذلك بسبب كلام كان يجب أن لا تتكلّم به.
وقد أحضر الفضلُ بن يحيى البرمكي هارون يوماً متخفياً قرب أحد مجالس هشام بن الحكم التي كان يكلّم الناس فيها وينفي خلافة هارون ويثبت ولاية الإمام عليه السلام، فعندما سمع هارون كلامه قال: إن لسان هذا الرجل هو أخطر من ستين ألف سيف، فلسانه أشدّ أثراً وأبلغ وقعاً من ستين ألف مقاتل يضرب بالسيف. لقد كان هذا الكلام بدون إذن، أنت أيّها المتكلّم من أجل الولاية، نفس الولاية تقول لك لا تتكلّم! فهل يكون الإنسان ملوكياً أكثر من الملك؟! فنفس الولاية تقول الآن يجب السكوت.
المعلّى بن الخنيس أهلك نفسه بسبب هذه المسألة، فكم مرة أمره الإمام جعفر الصادق عليه السلام أن لا يتكلّم؟ وأنّ لكلّ مقام مقالاً، فأخذ المعلّى وقتل.
مواجهة الأئمة للظالمين كان بأمر الله
وما يشاع من أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا دائماً في مقام محاربة الظلم؛ بمعنى إعداد العدّة من أجل مواجهة الخلفاء فليس صحيحاً، فأين كان ذلك؟ نعم كان للإمام عليه السلام تكليف في بيان الحقّ بما يناسب الظروف المختلفة، وطبعاً إذا تبيّن الحقّ فإنّ هذه الحكومة الجائرة الظالمة المخادعة لا يمكنها أن تنسجم مع هذه المطالب الحقّة، لا أنّ الإمام كان يقوم بتحريك الناس وتعبئتهم وترغيبهم وإعدادهم للقيام بمواجهة الحكومة، فهذا خطأ لا وجود له في الواقع وهو تحريف للتاريخ.
هذه المسألة مسألة مهمّة، فالفكرة التي راجت الآن في الأذهان اشتباهاً من تفسير كلّ الظواهر على أساس سياسي هي فكرة خاطئة، والصحيح هو ضرورة تفسيرها على أساس إذن الله تعالى، هذا هو الصحيح، فتارة يأذن الله تعالى للإنسان أن يقوم بفعل ـ سواء كان سياسياً أو غير سياسيّ ـ وتارة لا يأذن، وعدم إذنه لا يعني أن هناك أيضاً أمر سياسيّ وأنّ لونه قد اختلف، فالمهمّ هو أن يكون عمل الإنسان مرتكزاً إلى الإذن والإجازة والترخيص من قبل المولى. فسيّد الشهداء عليه السلام حينما خرج على يزيد هل كان خروجه لأجل استلام الحكومة فقط؟ لا بل بقي قاعداً في زمان معاوية مدّة عشر سنوات، أين هي تلك الروحيّة الحسينيّة؟ أين هي تلك روحيّة الشهامة؟ فلماذا لم يقل شيئاً لمعاوية مدّة عشر سنوات؟ لأنّ أفكاره تختلف عن أفكارنا "قليلاً"!! فقط كالفارق ما بين الأرض والسماء، ما بين الأرض وعرش الله، الفرق بين أفكار الإمام المعصوم وبين أفكار غيره من الناس كالفرق بين الأرض وعرش الله، ورغم أنّ هذا المثال خاطئ في نفسه، لأنّ ذلك هو العالم الربوبيّ وعالم الغيب وهذا عالم الظاهر، ولكن نقول ذلك من باب التمثيل، فالفارق بين أفكاري أنا وأمثالي وبين أفكار المعصوم عليه السلام هو كالفارق بين الأرض وعرش الله، الإمام عليه السلام عندما يستلم الخلافة ويرى أنّ أخاه كان قد عقد صلحاً مع معاوية، فهل يصحّ منه أن يقول لا ربط لي بهذا الصلح، فأخي كان قد قام بتكليفه الخاص في زمانه، وأنا إمام آخر لا ربط لي بذلك، فلو كان الإمام الحسن قد عمّر مائة سنة لكان عليه أن يلتزم، أما أنا فلست الإمام الحسن، فأنا الحسين، والحسين يختلف عن الحسن، ولكلّ منّا روحيّة متفاوتة، فهو كان قد أمضى، ولا بأس لأنّ ذلك كان موافقاً لتكليفه، وعليه أن يلتزم بهذا التكليف والتعهّد، إلى أن يموت معاوية، والآن قتل معاويةُ أخي، وأنا وصلت إلى مقام الإمامة والخلافة، وأنا لم أعقد صلحاً بل هو الذي عقده. هذه الأفكار هي أفكارنا نحن، وهي أفكارنا المحدودة بتصوّراتنا وتخيّلاتنا وتوهماتنا التي نعدّها أصلاً وواقعاً ومطابقة للحقّ، والحال أنّها مجرّد أوهام، فالإمام عليه السلام عندما يصل إلى الإمامة فإنّه لا يرى أمامه سوى خطّاً واحداً وحركة واحدة ومسيراً واحداً، وهو المسير الذي ابتدأ من رسول الله ثمّ أمير المؤمنين ثمّ أخيه الحسن المجتبى والذي انتهى إليه الآن، فنحن ليس لدينا إمامان أو ثلاثة أئمّة، لدينا خطّ واحد للإمامة في هذا المقطع منه أمير المؤمنين، وفي ذاك الإمام الرضا، وفي غيره الإمام الهادي، كلّهم خط واحد، لا أنّهم عبارة عن خطوط مختلفة وخيوط ينبغي أن يجتمعوا كي يؤلّفوا خطاً واحداً، بل هم خط واحد وخيط واحد وحبل واحد، أحد طرفيه النبي الأكرم وطرفه الآخر إمام الزمان عليه السلام، هذه هي المسألة، فهم من أصل واحد؛ فإن كان بداية الخيط من الكتان كانت نهايته من الكتان، وإن كانت بدايته من الصوف فآخره صوف، لا أنّ أوله كتان وسطه حرير وآخره نايلون، فلا اختلاف بين أي قطعة من هذه المقاطع مع القطعة الأخرى، لا من حيث اللون ولا من حيث المادة ولا من جهة استحكامه، بل الجميع واحد لا فرق بينها، فعندما يكون الأمر كذلك.
إذن الإمام وأثره في صحة العمل
كيف يمكن للإمام الحسين عليه السلام أن لا يعتني بالتعهّد الذي أمضاه أخوه، فذاك التعهّد يراه تعهداً منه، ويرى ذاك الإمضاء إمضاءه، ويرى ذاك الالتزام التزامه هو، لذا فقد جلس عشر سنوات في عهد معاوية. نعم، كانت لديه وظائف أخرى، لا أنّه كان جالساً لا يقوم بشيء، فقد جلس ولم يخرج على السلطة ولم يشجع أحداً على ذلك، لكن عندما هلك معاوية ووصل الأمر إلى يزيد عند ذلك انتهت المسألة، لماذا اخترت يزيد للخلافة؟ إذاً انتهى الأمر، لقد انتهت خلافتك وينبغي أن تعود الخلافة إلى أصلها، هنا نرى أن سيد الشهداء قام، لذا قال سيد الشهداء في يوم عاشوراء: "إنّ الله قد أذن لكم"، فحتى الآن لم يكن هناك إذن، فلو كنت قد ذهبت وقاتلت في يوم تاسوعاء دون أن يأذن لك الإمام عليه السلام وقُتلت، لما كنت من أصحاب الإمام، لأنّك ذهبت من تلقاء نفسك. في حرب الجمل، عندما اعتزل الزبير جيش عائشة.. فعندما ذكّره الإمام عليه السلام بأمر كان بينهما ابتعد الزبير عن الجيش واعتزلهم، وقال أنا لست مع أصحاب الجمل ولا مع علي، بل أذهب وحدي، وبالفعل فقد ذهب وجلس يستريح تحت شجرة بعيداً، فأتى إليه أحد الرجال الذين كانوا مع أمير المؤمنين وشاهده نائماً فقتله وأتى إلى أمير المؤمنين، فقال له الإمام لماذا قتلته؟ ومن الذي أذن لك بذلك؟ من الذي أجاز لك قتله؟ فقال يا علي هذا عدوّك، فأجابه علي فليكن عدوي، فهل يجب قتل أعدائي جميعاً؟ أعدائي هؤلاء الذين أمامي، ولكن إذا لم يقوموا بشيء فلا نفعل معهم شيئاً، هم الذين أتوا إلى قتالنا، وعندما شرعوا برمي النبال، عند ذلك أمر أمير المؤمنين بالقتال لدفعهم.. فلماذا ذهبت بدون إجازتي وقتلت الزبير الذي اعتزل القوم جانباً؟ فهل ينبغي قتل المعتزلين للقتال؟ وهل يجب قتل المخالف والمعترض؟ إذاً لا يبقى أحد، كلا! إذا كان من المفترض أن تكون في جيش علي فعليك أن تتحرك بأمر علي وتتوقف بأمر علي، إذا قبلت بذلك فبها، وإلا فاذهب وابحث عن جيش آخر. الانتساب إلى جيش علي له حساب مختلف، وبرنامج آخر، لأن التحرك في جيش علي ينسب إلى علي عليه السلام، ولو لم يكن أمير المؤمنين عاتبه وطالبه فماذا سنقول نحن الآن.. الآن ليلة الثلاثاء ونحن في دار المؤمنين في كرمان نبحث ونتدارس هذا الأمر، فالله تعالى أعطانا عقلاً وفهماً لنقرأ التاريخ ونعتبر به ونرى ماذا علينا أن نفعل، نقرأ بأن شخصاً باسم الزبير أتى وعبّأ الجيش على أمير المؤمنين، لكنه بعد ذلك اعتزل الجيش وجلس جانباً وقال أنا لست مع هذا ولا مع ذاك، ولا علاقة لي بأحد أبداً. فأتاه شخص من أصحاب أمير المؤمنين وقتله، إذا قرأنا ذلك فبماذا تحكمون أنتم؟ ألا نقول لماذا ارتكب هذا الخطأ؟ نقول ذلك! وإذا لم نقل ذلك، لا أقل نقول: ألم يكن ينبغي عليه أن يأخذ الإذن من أمير المؤمنين في قتله؟ فعلى الأقل ينبغي أن يكون الأمر كذلك مع علي الذي منع معاويةُ وأصحابُه عليه الماء في صفين، وعندما غلب على الماء قال لأصحابه اسقوهم من الماء، هذا هو علي. وعندما كشف عمرو بن العاص عن سوأته غضّ طرفه وانصرف عن قتله، هكذا عرفنا علياً عليه السلام، فإذا كنا نعرف علياً كذلك وقلنا لقاتل الزبير حسناً فعلت، ألم يكن الزبير مخالفاً لنا ومعترضاً علينا وعلى نظامنا؟ فحتى لو اعتزل وكان نائماً تحت الشجرة، فلنذهب ونقتله، إذ قد يخرج علينا غداً ويقلّب الأمور، فلنجتث أمر مكره من الآن وننتهي منه، لو كان هذا الأمر هو الذي حصل فماذا كنا سنقول الآن؟ كنا سنشك، هل ما حصل هو فعل صحيح، أم خطأ؟ لذا قال أمير المؤمنين بأي حق قتلت الزبير؟ عندما أقول لك أقدم وقاتل لدفع جيش عائشة الذي قام لقتال الخليفة بالحق وقتال خليفة رسول الله، وفعلت ذلك، لكان ذلك بأمر مني، لكن لماذا ذهبت وفعلت ذلك الأمر من تلقاء نفسك؟ هنا ينبغي على الإنسان أن يستفيد العديد من المسائل، وعليه أن يفهم الكثير من الأمور، وعليه أن يعلم بأن الكلام الفارغ وعمل الإنسان من تلقاء نفسه والقيام بأي فعل كيفما كان...
والآن أسمع بأن بعض الرفقاء والإخوان يأتون وينقلون بعض المطالب إلى بعض الأشخاص، والحال أن روحي تشمئز من هذا الكلام، وهو يعتقد أنّه قام بعمل حسن، كلا بل قمت بعمل خطأ. هل تعلم أنت أن هذا الكلام الذي تنقله الآن هو موضع رضا الحقير أم لا؟ فإن كنت لا تعلم لماذا تتفوّه به؟ ألا ينبغي أن تسكت فيه، على الأقل عليك أن تتوقف في موارد الشك، فجميع هذه الروايات التي لدينا عن الإمام الصادق وسائر الأئمة عليهم السلام بأنه ينبغي التوقف عند وجود الشك والشبهة، لا تتكلم، لا تقم بأي عمل، لا أقل ينبغي أن لا نسبب الضرر للآخرين! هذا هو الحد الأقل. أو مثلاً الكلام الذي يقوله أحدهم لشخص ما فيأتي ويزيد عليه جملة من عنده، لماذا أضفت هذه الجملة من عندك؟ لقد قلت هذا الكلام فقط، والمسألة التي قلتها هي هذه فقط، والجملة التالية التي تأتي بها تقضي على الجملة السابقة دون أن تشعر؛ لأن المطلب الذي يقال إنما يقال مع ملاحظة الخصوصيات الشخصية والجانبية لهذا الرجل، لماذا تأتي وتضيف أو تنقص من نفسك؟ تلك الزيادة والنقصان يرجع وزرها ووبالها على الإنسان، فوجع الرأس الذي يسبّبه ذلك يرجع إلى الإنسان، والتبعات ترجع على الإنسان، فهو تكلم بهذا الكلام وذهب، وبقيت تبعات كلامه والقلق الذي سبّبه له، تعال الآن وأصلح الأمور، فأقول أنا لم أقل هذا الكلام، بل قلت كذا وكذا، وهو زاد من عنده ذاك الكلام الآخر، فيقال لك: هذا الرجل مرسل من قبلك، ويتكلم بلسانك.. هل التفتم كم هي المسألة هامة جداً؟ وأحياناً قد تكون كلمة واحدة من شخص موجبة لسد الطريق أمام شخص آخر، وتجعل له سداً.
كون الحرب والسلم بإذن الإمام
أمير المؤمنين عليه السلام يقول تعالوا والتحقوا بهذا الجيش وقوموا بهذا العمل، يقول لمالك افعل هذا ولا تفعل ذاك، ادفع الفتنة واذهب إلى خيمة معاوية وأتمم الأمر، فجأة يأتي أمر آخر يقول له لا تتقدم، ارجع، فيجيب مالك يا علي لم يبق أمامي إلا ساعة وينتهي كل شيء، وها هي خيمته أراها أمامي، لقد ضحينا بكل هذه التضحيات ولم يبق أمامنا إلا ساعة واحدة، يا أخي هذه هي الحرب، هل تعتقد أن الحرب يوزع فيها الحلوى؟ كلا بل في الحرب السيوف والسهام والرماح والدماء والجراح وتطاير الأعضاء، فهل تظن أنّ مالك الأشتر كان يدخل في المعركة وتأتي الملائكة وتحيط به تحميه حتى من الحجارة، كلا بل كانت السهام تصيب بطنه ووجهه ورقبته وكان يصاب بالسيف ويطعن بالرمح، هكذا كانت المسألة، فعندما كان يتقدم، يأتيه الأمر، فيقول لقد بقينا في صفين ثمانية عشر شهراً نحارب ولم يبق أمامنا سوى ساعة واحدة حتى نقطف نتيجة تلك الأشهر الثمانية عشر، دعوني أقضي الآن عليه وننهي الأمر، لكن يأتي الأمر إلى مالك ويقول له عد، فيشعر مالك أن السماء أطبقت على رأسه نتيجة ذلك، وفعلاً توقف. لكن لو كنا نحن مكانه لقلنا دعنا نتقدم وننهي المسألة. علينا أن نفكر في هذه المسألة فقد حصلت هذه المسألة فعلاً، وقد تحصل للإنسان في حياته أمور شبيهة بها، فعندما يريد الإنسان أن يقطف نتيجة عمله فجأة تختلف الأمور دفعة واحدة، حسناً، ماذا ينبغي على مالك أن يفعل في هذه الحالة ـ طبعاً نحن الآن جالسون هنا ونحلل الأمور لكن المسألة مهمة جداً، ونحن لا يمكن أن نصل إلى تراب أقدام مالك، فأين مالك وأين نحن، فمالك يشفع لآلاف الأشخاص أمثالنا يوم القيامة، هنيئاً له هذا المقام وهذه الوضعية التي كان عليها ـ لكن مالك قال لأمير المؤمنين: يا علي أعطني فرصة ساعة واحدة فقط، لو كان أويس مكان مالك لما أجاب علياً بهذا الكلام، بل كان يرجع سريعاً، وكان الإمام قد قال لمالك: إذا أردت أن تراني حياً فارجع، حيث كان عشرة آلاف شخص حاصروا خمية أمير المؤمنين، وقالوا له: يا علي إما أن يعود مالك أو نقطعك إرباً، هؤلاء أصحاب علي عليه السلام، هؤلاء أصحابه الذين تقدّم بهم للحرب مع معاوية، فهنا رأى مالك أنّه لصالح من يحارب؟ فقد أرسل إليه أمير المؤمنين بأنّك إذا أردت أن تراني حياً فارجع، لكن الآن نقول: بأن مالك حتى لو لم يسأل هذا السؤال، فما إن وصل أمر أمير المؤمنين إليه حتى توقف عن القتال، بل أنا أقول أكثر من ذلك، حتى لو كان مالك قد وصل إلى خيمة معاوية، ورفع سيفه فوق رأس معاوية ولم يبق أمامه إلا أن يهوي به على رقبته، يعني بقي أمامه ثانيتان فقط لا ساعة، أو عشرة ثوان حتى يصل إلى النصر يأتيه النداء: يا مالك توقف، فماذا على مالك أن يفعل في هذه الحالة؟ هل يضرب عنقه أم لا؟ المسألة مشكلة جداً، علينا أن ندخل في أدق تفاصيل المسألة حتى نفهمها، وهذه المسألة تحصل مع الإنسان في حياته كثيراً، فكثيراً ما يبتلى الإنسان بمثل هذه المواقف، لا بهذا الشكل لكن بما يشابه هذا الموقف، ففي الوقت الذي كان يريد أن يضرب عنقه، يرسل له علي من يقول له لا تضرب، هكذا عليك أن توقف السيف قبل رقبته بعشر سانتيمترات، فينظر ليرى أن المخبر رجل موثوق، وهو معروف ويعتمد عليه أمير المؤمنين، وينقل له أمر أمير المؤمين: عليك أن تتوقف.. نحن بأمر من نحارب، بأمر علي، إلى هذا الحد كان هناك إذن في الحرب، أما من الآن فصاعداً لم يعد هناك إذن، من هو الذي يقف أمامي؟ معاوية، ليكن معاوية، فهل يجب أن يقتل معاوية الآن؟ من قال ذلك؟ من قال ينبغي أن يقتل يزيد؟ معاوية ينبغي أن يقتل بإذن الله لا بإذننا نحن، ينبغي أن تضرب عنق معاوية بإذن علي، لا بأن يعمل الإنسان سليقته وفكره وتشخيصه، يزيد ينبغي أن تضرب عنقه بإذن الإمام السجاد، لا كيفما اتفق وبأي سليقة شخصية، فلعل رأي الإمام السجاد خلاف ذلك، من هو إمامنا؟ إمامنا الإمام السجاد فقط، يقول لا ينبغي أن تقتل قاتل والدي، حسناً، ما شأني أنا من ذلك؟ فهو الذي قال ذلك وهو أعلم بما ينبغي، أهل يجب أن يقتل قاتل الإمام الحسين حتماً؟ لعل الله تعالى قدر أن يبقى في الدنيا على أن يكون عقابه يوم القيامة، من قال يجب أن يقتل؟ هنا علينا أن نطبق كل فعل من أفعالنا على رضا الله والدستور الإلهي، لا أن نقوم بكل ما نريد وكأن أمراً لم يكن.
نهي الإمام الباقر زيداً عن الثورة
{وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ}، فدعوة رسول الله كانت بإذن الله تعالى وبأمر الله، فقد جاءه الأمر بالدعوة، لذا نرى أنّه في بعض الأوقات لا تعطى إجازة، فالإمام الباقر عليه السلام نهى أخاه زيد عن الثورة على النظام الحاكم، وقال له لا تتحرك ولا تقم، فحركتك هذه لن تصل إلى نتيجة. زيد كان ابن الإمام السجاد وكان رجلاً عظيماً جداً، لكن في بعض المسائل لا تكفي الإنسان أن يكون عظيماً فقط حتى يصل إلى المطلوب، بل بحاجة إلى أمر آخر غير العظمة، وأعلى منها، وهناك أمور أعلى من العلم والتقوى أيضاً، وهناك أمور أعلى من المعرفة وعلو المقام ودرجة القدس والتقوى والزهد.. وذاك الأمر الأعلى من هذه الأمور هو الإمام، الإمام هو الذي فوق وهو الأعلى وهو الذي لا أحد يؤمّر عليه وهو من يعرف بالمصالح ويشرف على بواطن الأمور، فزيد لم يكن لديه إشراف ولم يكن يعرف ما وراء هذا الحائط، تلك الأمور يعلمها الإمام الباقر، لذا قال له لا تقدم على ذلك, وإذا أقدمت على ذلك أخاف عليك أن تعلق في محلة الكناسة في الكوفة، لا تريد أن تسمع وتطيع؟ ستذهب وستبتلى، سيأتي إليك الناس ويخدعوك ويمنوك ويقولون نحن معك، لكنهم عند الجد يفرّون جميعاً. ماذا حصل لمسلم بن عقيل؟ ما إن انتهى من صلاة العشاء حتى نظر خلفه فلم يجد أحداً، أين ذهب أولئك الرجال؟ مسلم كان يعمل بدستور الإمام وأتى وبقي إلى الأخير، لذا كان عمله صحيحاً من الأساس، لكن ماذا بالنسبة لجناب زيد، هل كان عملك بإذن الإمام الباقر؟ أروني ولو عبارة واحدة تشير إلى أنه كان بأمر الإمام الباقر، أنا حتى الآن لم أر شيئاً في ذلك، أين لدينا أن الإمام الباقر أشار ولو إشارة أو كناية أو تصريحاً أو تلويحاً لزيد تفيد إجازة الثورة والقيام وأنه يؤيده في ذلك، وأنه إذا قتل فهو شهيد ولا مشكلة في ذلك؟ إذا كان هناك كتب أخرى غير موجودة عندي أو كتب توحى إلى بعض الأشخاص فقط، فحتى الآن لم يوح إليّ شيء، بل ما نراه في الكتب الآن هو أن قيام زيد كان مخالفاً لدستور الإمام، وهناك روايات أشد صراحة مروية عن الإمام الصادق لا مجال لذكرها الآن, فلو لم يذهب زيد ولم يقاتل ولم يستشهد ولم تحصل هذه الأمور، بل بقي في خدمة أخيه الإمام الباقر، ألم يكن يصل إلى مقامات أعلى ودرجات أعلى مما حصل عليه؟ يحتمل كثيراً أن يكون كذلك، فلو كان قد أتى إلى الإمام الباقر عليه السلام وتربى على يديه وزكى نفسه وأصلح ذاته، فعند ذلك سوف تتفتح فيه تلك الاستعدادات وستصل إلى فعليتها وسيصير من الأفراد المثاليين الذين ذكروا في التاريخ الإسلامي كأفراد مميزين، لكنه أتى وترك استعداده في حدوده ولم يستطع أن يحصل على فعليته.
وظيفة النبي والأئمة والأولياء هي وصف الدواء
هذه الرسالة هي رسالة النبي، فرسالة النبي تعمل وفق الدستور الإلهي والإذن الإلهي وتدعو الناس نحو هذا الطريق وهذا المسير، فهل هناك شيء آخر غير هذا أيضاً؟ ـ وهنا نصل إلى المطلب الذي نريده ـ رسول بدعوته إلى السير وفق هذا المسير هل عليه أن يقوم بفعل آخر؟ أو أن الدعوة دعوة لا اختلاف فيها، فهل يجب على رسول الله بالإضافة إلى وصفه للدواء أن يضع الدواء في فمنا؟ أو أنه يعطي وصفة العلاج فقط، فيقول: هذا الدواء لعلاج الرأس وهذا لوجع الرجل وهذا للزكام و...، ثم نذهب ونشتري الدواء من الصيدلية، فالطبيب لا يمشي وراء المريض ويشتري له الدواء ويضعه في فمه، هل كان رسول الله يفعل ذلك؟ أو لا {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذيراً} فالناس ينظرون إليك ينظرون إلى تصرفاتك وكلامك، ويعملون على ضوء هذه التصرفات والكلام الذي صدر منك أيها النبي، لا أنه يجب عليه أن يأخذ الناس من أعناقهم ويأتي بهم في الوقت ويوقفهم باتجاه القبلة ويأمرهم بالصلاة، هل هكذا فعل رسول الله؟ كلا، لم يفعل ذلك، بل قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، فإذا كبرت كبّروا، وإذا قرأت الحمد اقرءوا الحمد، وكذا الركوع والسجود، وهكذا صلاة الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، هكذا صلاتي، وهكذا أتوضأ وهكذا أغتسل وهكذا أقف باتجاه الكعبة، أسجد على تربة، وهكذا أتصرف وأفعل، فإذا كنتم تريدون أن تأتوا معي وتتخلصوا من الكثرات وتوصلوا استعداداتكم إلى فعليتها، فعليكم أن تقوموا بما قمت به أنا، فالنبي لم يأت بالسلاسل والأغلال ليجبر الناس على القيام بالأعمال المطلوبة منهم، متى فعل هذا، ومع من تصرف هكذا؟ حتى مع أمير المؤمنين لم يفعل ذلك، بل كان يقول له: قم يا علي وافعل هذا الأمر، وكان علي بنفسه يقوم ويأتي بما يأمره به النبي، هو بنفسه الذي كان يذهب ويفعل. لا علاقة لنا بما كان يجري في الباطن، نحن نبحث المسألة من جهة الظاهر فقط، ونحن علينا بفعل النبي الظاهري وعمل الأئمة الظاهري، ماذا كان يقول الأئمة، كانوا يقولون: قم بهذا العمل.. لا تغشّ في المعاملات التجارية، لا تأكل الربا، لا تكذب على الناس، لا تفتري على أحد، لا ترائي ولا تنافق، لا تزوّر ولا تسرق، لا تفعل هذه الأمور، ومن جهة أخرى عليك بالصدق والصلاة وصلة الرحم والعطف على الأيتام... وافعل ما فيه صلاح الناس والمجتمع حتى تخرج من مرتبة التعلق وتصل إلى مرتبة اللا تعلق، وتخرج من النفس، فعندما تخرج من النفس تصل إلى مرتبة الوحدة والتوحيد، هذا هو الطريق، وهذا الدواء وهذه وصفة الدواء، عليك الوقاية من هذه الأمور، وهذه المعدات متاحة أمامك. بأي الطريقين كان الأنبياء والأئمة يعملون؟ من المسلم أنهم كانوا يعملون وفق الطريق الأول، لا الثاني؛ مثل الأم التي تأتي بطفلها الصغير وتفتح فمه لتضع فيه الدواء، فالطفل ذو السنتين لا يأخذ الدواء وحده ولا يشرب العقاقير، النبي كان كالطبيب؛ إذا أخذت من هذا الدواء تصح، وإن لم تأخذ تموت. الأولياء الإلهيين هكذا أيضاً، فهؤلاء لم يأتوا ولن يأتوا ولا يفعلون ذلك، بأن يأتوا بشخص ويضعوه في أمر واقعي، بل يقولون له افعل هذا الفعل، إذا فعلت ذلك نجوت وإن لم تفعل متّ.
في ليلة من الليالي في عهد الشاه، كانت ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان، أتى بعض الرفقاء إلى منزلنا القديم الذي كان بعيداً عن المسجد في طهران في محلة أحمدية، فالمرحوم العلامة لم يكن يقبل أن يلتقي بأحد في ليالي شهر رمضان، بل كان يهيئ نفسه للإحياء، ولم يكن قد ذهب بعد إلى المسجد، فأتى بعض الرفقاء إلى المنزل، وقالوا نريد أن نرى السيد ـ وكان عدد الرفقاء في ذلك الوقت قليلاً، ولعل عددهم لم يكن يصل إلى عشر أو اثني عشر شخصاً، وكان أكثرهم من الأشخاص العاديين والمرتبطين بالمسجد ـ فقلت للمرحوم العلامة بأنّه أتى بعض الأشخاص، وكان يريد الدخول إلى الحمام للاتيان بغسل ليلة القدر، ففي الليلة الثالثة والعشرين هناك غسلان غسل أول الليل وغسل ثاني أخر الليل، بينما في الليلتين الأخريين فيها غسل واحد فقط أول الليل. وكان يريد الغسل، فقال اذهب وقل لهم ليس لدينا ملاقاة الآن، فذهبت وأخبرتهم بذلك، فقام ثلاثة منهم وذهبوا وبقي واحد منهم، وقال: حتى لو قال السيد اذهبوا فأنا هنا لن أذهب، أريد أن ألتقي به، فعندما خرج من الحمام وجد هذا الشخص جالساً، لم يتكلم معه بشيء أبداً، ولم يطالبه لماذا لم تذهب، ولماذا لم تمتثل؟ بل جلس جانباً وأخذ يقرأ في المقتل والتاريخ وكانت ليلة الثالث والعشرين، ثم تهيأ للذهاب وخرج وخرج معه ذاك الشخص إلى المسجد، وبعد أن مضى عدة أشهر على هذه الحادثة، أربعة خمسة أشهر، إذ لا يصح أن يطالبه في الليلة الأولى بل ينبغي أن يمضي مدة من الزمن، ستة سبعة أشهر بدأت الشكوك تتسلل إليه فصار يرى أنه يتحدث بشكل آخر ولحن كلامه بدأ يختلف، فبدأ حديثه يشبه الاعتراض، لماذا فعل السيد هذا الفعل، أليس من الأفضل أن يفعل ذلك؟ قبل الآن لم يكن يتكلم بهذا الكلام، لكنه شيئاً فشيئاً بدأ لحن كلامه يشتد ويشتد إلى أن وصل به الأمر إلى الشك في أن هذا السيد هل عمله صحيح من الأساس أم لا؟ بدأ يقول: لا نحن لا نرضى بهذا الأمر، ولا بهذا الفعل، وليس لدينا هذا ولا ذاك و...، إذا لم يكن لدينا هذا فتفضل بالذهاب، إذا كنت لا تقبل بهذه الأمور التي تطرح فلماذا تأتي وتستمع إليها؟ بل اذهب في سبيل حياتك أو في أي طريق آخر تختاره، فكل إنسان له اختيار الطريق الذي يناسبه. وفي أحد الأيام كان أولئك الأشخاص الثلاثة الذين امتثلوا وأطاعوا الأمر وخرجوا في تلك الليلة يجلسون حول المدفأة، فأتى الكلام على ذلك الشخص ـ وكنت في تلك الأيام صغيراً، بحدود اثني عشر أو ثلاث عشر سنة ـ فقالوا للمرحوم العلامة: ألا ترى أنّ ذاك الشخص لم يعد يأتي وقطع علاقته بنا، لماذا حصل ذلك، فنحن لم نر منه شيئاً؟ فقال لهم العلامة: أتذكرون منذ عدة أشهر عندما أتيتم إلى المنزل ليلة الثالث والعشرين وقلت لفلان ـ وأشار إلي ـ اذهب وقل لهم لا وقت لدي، أنتم أطعتم، أما هو فلم يسمع، بل قال أبقى وألتقي بالسيد، هذا الفعل هو الذي أسقطه، ومن ذلك الوقت بدأت حركة التراجع له. حسناً، من الذي يكتب وصفة الدواء، ولمن يكتبها؟ يكتب وصفة واحدة للجميع، أنت وأنت وأنت اذهبوا، ثلاثة عملوا بالوصفة، واحد لم يعمل بها، الذي لم يعمل بها لماذا لم يعمل؟ لأنّه قال الليلة ليلة الثالث والعشرين وينبغي أن أرى السيد، فهل فعل شيئاً قبيحاً؟ كلا! أهل اللقاء بالسيد أمر سيئ؟ كلا ليس سيئاً، لكن عندما يقول السيد لا، يصير سيئاً، عندما يقول لا تلتقوا بي يصير أمراً سيئاً، فرؤية السيد ليست أمراً قبيحاً، فهو سيد جليل عالم ومن العظماء، كل هذه الأمور في محلها، لكن إنما تعطي نتائج مفيدة وجيدة إذا كان هناك إذن، تعال والتق بي فأنا أجلس صباحاً من الساعة الثامنة إلى التاسعة، كل من يريد اللقاء فليأت في هذا الوقت، هنا يوجد إذن، لكن أحياناً يقول لا تأت، فيقوم الإنسان بالاتصال بالهاتف والاتصال.. لماذا تتصل؟ لأني أريد أن ألتقي بك، لقد جئت من المدينة الفلانية، أتريد أن تراه؟ لقد رأيته، لكن من الآن فصاعداً اذهب ولن تراه أبداً، أنت الذي أردت ذلك، بينما لو لم تره لكان عملك صحيحاً، لا تصح جميع الأمور بالرؤية، لا تصح جميع الأمور بالكلام والتحدث، فالشريط المسجل يتكلم أفضل منا، يمكنه أن يتكلم أربعاً وعشرين ساعة، لكن لا نتيجة منه، لأنه لا يوجد عمل. هناك تصور وهذا التصور خاطئ، وكان هذا التصور موجوداً في زمن المرحوم العلامة، وكنت أسمعه من الأشخاص والآن أسمعه أيضاً، والمسألة الآن لا ترتبط بزمن المرحوم العلامة، ففي ذلك الزمان كان المرحوم العلامة أستاذاً وكان ولياً لله وعارفاً كاملاً، بينما الآن لا أعرف من هو في هذه المرتبة من الناس، ونحن أيضاً ليس لدينا منها شيء، ماذا نقول؟ علينا أن ننوح ونتأسف ونضع يداً على رأسنا واليد الأخرى على صدرنا، وعلينا أن ننوح على أنفسنا لما لها من ألف مصيبة ومشكلة، لذا علينا أن نعدد الوليات علينا جميعاً ونرى ماذا علينا أن نفعل، لكن بما أن طريق العظماء وسبيلهم مشخص فنحن أيضاً نستمر على تلك الوضعية التي شرعوا بها وأمرونا بها، حتى نرى ماذا قدر الله لنا، فماذا نفعل غير هذا؟ ما أقوله لكم من هذه المسائل إنما تطرح من ذاك الأفق، حتى لا يحصل لا قدر الله سوء تفاهم، ولا يحصل خلط بين المسائل والمراتب، هذه القضية مرتبطة بالعظماء والأولياء والأساتذة، ولا علاقة لها بالموقعية المتوهمة، وعلى كل حال أصل الإشكال موجود، يعني ذاك الإشكال الذي أسمعه الآن هو عين المطلب الذي كان في زمن المرحوم العلامة، وهو أنه يتصور بأن أي شخص يضع نفسه في المسير والسلوك إلى الله، فينبغي حتماً أن يكون موقعه كالطفل الصغير الذي تتكفل أمه بجميع أموره ومسائله، يعني أن الأم هي التي تأخذه إلى الطبيب، وهي التي تحمله وتأخذه، وتضعه في المهد وتهزه له حتى ينام، وهي التي توقظه في الوقت المحدد وتفتح له فمه لتعطيه الدواء في موعده، لا ليست المسألة من هذا القبيل، وظيفة أولياء الله الأساسية هي أن يبين الطريق، فإن مشيت نجوت، وإن مشيت على الطريق الخاطئ هلكت، هذه هي المسألة. نعم أحياناً يقوم بعض الأشخاص بأمر فهذه قضية مختلفة، فلا نحن يمكننا أن نصل إلى أسراره، ولا يمكننا أن نقيس الأمر على ذلك ونقول بأنه لا بد من العمل على أساس ذلك. فلو كان الأمر كذلك فلماذا نرى هذا الانحراف الموجود في الأشخاص المرتبطين بالعظماء، فمن أين جاء هذا الانحراف؟ هؤلاء العظماء ليسوا أفضل من النبي والأئمة، فالذين كانوا مع النبي من هم؟ هم عبد الرحمن بن عوف وعمر وعثمان وخالد بن الوليد وأمثال هؤلاء، هؤلاء الأشخاص كانوا حول النبي، أمير المؤمنين كان كذلك، والجميع كان هكذا، عمل الأئمة والأنبياء والأولياء هو تبيين الطريق فقط، {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذيراً} فقط، فأنت مبشر فقط، إذا فعلت هذا الأمر صار لك هذا، {وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنيراً} فأنت نور ومصباح هداية، نعم، وظيفة الأولياء الإلهيين هي أن ما يرونه مفسدة للأشخاص عليهم أن يبينوا لهم ذلك، وما يرونه مصلحة سلوكية لهم عليهم أن يبينوه لهم، عليهم أن يفعلوا هذا الأمر فقط، وأما بقية المسألة وترتيب الأثر على هذا الأمر أو عدم ترتيب الأثر عليه فهذا لا يدخل في عهدتهم.
التغير يبدأ من نفس الإنسان بامتثاله الأمر
لذا نرى أن المرحوم السيد كان يتحدث في المجالس وكان الجميع يأتي ويستمع إليه، لكن ما إن ينتهي من كلامه، ولم يكن الناس قد خرجوا من المجلس كانوا ينقلون خلاف ما ذكره، ما الذي حصل؟ حتى الآن لم يخرجوا من المجلس، لماذا؟ لأن ذاك الذي أتى ليستمع لديه نفس، ولديه غرض، فليس لدى الجميع صفاء، هذا الرجل لديه غرض، يجلس وينتظر السيد متى يتحدّث بما ينفعه ليأخذ به، فنحن نرى هؤلاء الأشخاص، وإذا رأى أن الكلام لا ينسجم معه يتغير لون وجهه فوراً، لم أصل إلى المطلوب، في الجملة الثانية لم يحصل على مطلوبه، فإذا لم يحصل على مطلوبه، يبدأ يفكر كيف يمكنه أن يواجه الأشخاص المخالفين له بكلام السيد، فيجلس ويبدأ بالتوجيه والتبرير، ونحن نرى ما يختلج في فكره، يا أخي دع هذا الأمر وأرح نفسك منه، لماذا لا تتركه؟ لماذا تبلي نفسك بذلك؟ قل إني أخطأت، وانتهت المسألة عند هذا الحد، قل لقد اشتبهت هنا، ما الذي يحصل؟ فلو قلت أنا الذي اشتبهت ماذا سيحصل؟ وكم سينقص منك؟ يمكن أن يأتي بعض الأشخاص ويقول لك أرأيت أنك أخطأت، فقل له نعم لقد أخطأت، بل أفتخر بأني أخطأت، فهل ينبغي أن يفعل الإنسان الصواب دائماً، فهل نحن معصومون وأئمة؟ هل وصلنا إلى الطهارة المطلقة؟ هذه الأوصاف مختصة بالمعصومين الأربعة عشر وبالأولياء الإلهيين، أما سائر الناس فلا، وإلا فلمن جعل الله التوبة؟ هل جعل الله التوبة لإمام الزمان؟ أو أنه جعلها لي أنا وأمثالي؟ وما دمت لا أشتبه ولا أخطئ فمن الذي يأتي ويطلب من الله العفو والتوبة ويقول له لقد أخطأت؟ إذاً علينا أن نفتخر بأننا أخطأنا، فماذا تقول؟ حتماً لا شيء، بل سيصير مديناً لهذا أيضاً، فهو الذي أتى واعترف بأنه أخطأ، أي مشكلة نحن فيها وهي أننا نتصور دائماً بأن أعمالنا ينبغي أن تكون موجّهة أمام الآخرين، أي مشكلة هذه؟ وما هو السبب في أنّه ينبغي أن نتصور بأن عملنا دائماً صحيح، وكلامنا الذي نتكلم به صحيح، نتصور دائماً أن عملنا لا عيب فيه، ونتصور أنه لا يوجد شخص أعلى منا، كلا المسألة ليست كذلك، فهذا خطأ وهذا ابتلاء وهذا الأمر من النفس، وهو عين الأنانية والانغماس في النفس والنفسانيات، الأولياء لم يكونوا كذلك كي يصلوا إلى ما وصلوا إليه.
انظروا إلى كلام الأئمة وأدعيتهم، أنظروا إلى مناجاة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في مسجد الكوفة، واقعاً يطأطئ الإنسان رأسه خجلاً منها، وكذا فقرات دعاء أبي حمزة الثمالي للإمام السجاد، ماذا يقول الإمام عليه السلام فيها؟ لا شك أن الإخوة سمعوا كلامنا في شهر رمضان الماضي حول كيفية مقام الفقر للإمام السجاد عليه السلام، حيث يبين ويوضح هذا المقام ببيان جميل، يقول الإمام إلهي لو لم تأخذ بيدي لكنت كسائر الناس الأشرار والمذنبين، كيف يأتي ويبين هذه المسألة، كيف يبين حالة البعد عن الله تعالى، وأن كل شيء يرجع في الواقع إليه.. ها نحن يا إلهي فخذ بأيدينا وقد أخطأنا ونحن نقر بخطأنا، نعم نقر بأنا أخطأنا، فهل تندك السماء على الأرض عندما نعترف بذلك؟ وعليه فعلينا أن نعرف هذه المسألة، ولا بد أن الإخوة قد استمعوا لتسجيلات المرحوم العلامة؛ حيث يقول أنا لا أستطيع أن أحمل ثقل أحد من الإخوة، فأنا لي حمل، هل فكرتم ما يعني ذلك؟ يعني نحن نبين المسألة فقط وأما حمل كل شخص فهو على عهدته. يقول أحد الإخوة أنه عندما يمرض أحد الأشخاص وترتفع حرارته، يأتي الأستاذ ويغسل قدمه، يا عزيزي عليك أن تعطي قدمك حتى يغسلها هو لك، فعندما يريد أن يغسل قدمك وأنت تسحبها فكيف يمكنه أن يغسلها؟ وأي قدم يغسل؟ عندما يقول عليك أن تفعل هكذا، وأنت تقول لا بل أفعل هكذا، فهذا يعني أنك تسحب قدمك، والنتيجة هي أنك تبقى في الأفق الذي أنت فيه، دون أن تتقدم إلى الأمام. أما إذا جعلت نفسك تحت تصرف الأستاذ، وعندما يقول لك تصرف هكذا مع هذا الشخص، مع أقاربك، وتمتثل، عند ذلك تكون قد عبرت، وهذا معنى غسل القدم. ما هو موجود عندما هو هذا، وهكذا كانت طرق تربية الأنبياء وسيرهم وهكذا كانت عند الأئمة وكذلك هي عند العرفاء، حسناً المسألة دقيقة ومهمة جداً، ونحن وإن أطلنا الكلام في ذلك، لكن الإخوة يسامحونا على ذلك.
اطلاع الولي على ما يصلح تلميذه
أحد الإخوة طرح بعض الأسئلة، وأظن أنها مرتبطة، سأقرؤها وأجيب عليها بإجمال:
تفضلتم في جلسة النساء أن الأولياء الإلهيين يمكنهم أن يطلعوا على أحوال تلاميذهم إذا أرادوا، وهم في أكثر الأوقات لا يميلون إلى ذلك، وأن علاقة التلميذ والأستاذ تتأثر في قوتها وضعفها بأعماله الحسنة والسيئة، حتى لو لم يرد الأستاذ أن يطلع على أحوال تلميذه، والسؤال في المقام هو أنه في موارد الاضطرار والحاجة كيف يمكن للأستاذ أن يساعد تلميذه والحال أنه قد لا يكون مطلعا على أحواله؟
هذا السؤال سؤال جيد وينبغي أن نبينه بشكل وافي.
والسؤال الآخر هو أن أساس السلوك إلى الله هو الفهم والوعي السلوكي الذي يجعل الشخص عند مفترق الطرق أن يختار المسير الصحيح، ولا يدير أذنه لسائر الأشخاص، وإني أشعر أن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص الذين لديهم هذا الفهم وغيروا مسيرهم، وهم يعرفون أحقية هذه المدرسة، لكن هذا الفهم لم يجعلهم مصونين عن ارتكاب بعض المحرمات، والسؤال هو هل أن الشخص الذي يصرف تمام عمره في هذه المدرسة وهذا المسير إلى الله دون أن يغير من مساره، هل يكفيه ذلك؟ وإذا لم يكن كذلك، فلماذا لم يساعده هذا الفهم عن ترك المحرمات وفعل الواجبات بشكل مطلق؟ والحال أننا نعرف أن مقدمة الوصول إلى الله هو الإتيان بالواجبات وترك المحرمات، فكيف يمكن أن يحصل الفهم الواقعي؟
لدينا مطلبان، وأتصور أننا أجبنا بعض الشيء عن هذه المسألة أثناء كلامنا، لكن السؤال الأول وهو أن الأولياء الإلهيين يستطيعون أن يستحضروا حالات تلاميذهم، فقد ذكرت في تلك المحاضرة أني أوضحت هذه المسألة في كتاب أفق وحي في قسم علم النبي أو علم الإمام، وكيفية إحضار الصور العلمية في النفس من سقع السر وقلب الولي إلى مرتبة النفس المتعلقة بالظاهر، وذكرت هناك توضيحاً مفصلاً، لكن فيه بعض الصعوبة ومطروح بشكل علمي، لكن إذا قرأه الإخوة فقد يصلوا إلى بعض الأمور. وما ذكرته هناك هو أن ما يمكن أن يكون في صالح الأشخاص فحتماً له إشراف عليها، لا كل شيء، فالعلاقة بين التلميذ والأستاذ كمثلث ـ وقد أوضحت هذا الأمر في تلك الجلسة ـ فرأس المثلث هو ذات الله تعالى وأحد طرفه الآخرين الأستاذ والطرف الثالث هو التلميذ، فكل ما يمكن أن يكون صالحاً للتلميذ ومرتبط بما هو في صالحه وتكامله، فهو يأتي إلى نفس الأستاذ بشكل تلقائي دون أن يطلبه أو يلاحقه، سواء طلبه أم لم يطلبه، هذا إذا كان هناك ارتباط وعلاقة بينهما، يعني أن إحدى زاويتي قاعدة هذا المثلث هي الأستاذ تأتيه جميع الصور العلمية من زاوية الرأس أي من قبل الله تعالى، وكل ما هو لازم له وضروري يأتيه. وما ذكرته هو أن المسائل التي لا ضرورة لتوجه الأستاذ إليها ولا تفيد التلميذ؛ فمثلا مسألة شرب الماء، أو أكل الخبز، بل ما فيه صلاح هذا الإنسان وفساده في حياته وطريقه ومصيره وفيه جهة حياتية له، فلا يمكن أن لا يكون الأستاذ مطلعاً عليه، ويحذّره من هذه المفسدة الموجودة أمامه، لكن أحياناً قد يكون التنبيه بلا واسطة، وأحياناً يكون بشكل مباشر من قبل الله يلقى في نفسه، أو أن تأتي واسطة وتوصل الأمر إليه بشكل معين. فهناك أنحاء مختلفة لإيصال المطلب لا يمكن عدّها أصلاً، لذا ينبغي أن يكون الإنسان واعياً وفطناً وأن يفهم المسألة بسرعة ولا يضع رأسه في التراب، ولا يتصور أنه لا يوجد شيء، بل ما يجب أن يصله فسوف يصله.
هل الفهم هو المعيار في التكامل أو العمل
والمطلب الآخر وهو أنه كيف يمكن أن يكون لبعض الأشخاص فهم، ومع ذلك يقومون بأعمال غير صحيحة؟ جميع المحرمات من هذا القبيل، فنحن لسنا أفضل من الأشخاص الذين كانوا في عصر الرسول، فكان الرسول يقول لهم افعلوا هذا الأمر، لم يكونوا يمتثلون أمره، ألم يكن لديهم فهم ومعرفة بأن هذا هو النبي؟ ماذا تفعل النفس وماذا تفعل الدنيا؟ هذا فعلها. ما كنت أشير إليه في كلامي هو حول هذا الموضوع، فرسول الله عندما يقول هذا الكلام، والإمام عندما يقول كلامه، لا يكون جميع كلامه موافقاً لطبع الإنسان، بل الكثير من كلامه مخالف لطبع الإنسان، فعندما يسمع الإنسان كلاماً في الإتيان بعمل أو عدم الإتيان به، يرى نفسه مخيراً بين الفعل والترك، ماذا يفعل؟ فإن فعل فهو مضر له، وإن لم يفعل... في السابق عندما كنت واسطة في الكثير من الأحيان بين المرحوم العلامة وبين بعض تلاميذه، كنت أنقل كلاماً لبعض الأشخاص وكانوا يعملون بشكل آخر، لماذا؟ لأن هذا الدستور مخالف لجهته النفسانية وللأعمال التي قام بها وللشخصية التي يبرزها، لذا كان يغيّره ويمحوره في حين أنه يعلم. المحرمات عندما نطلق المحرمات يراد بها المحرمات مع العلم أما إذا لم يعلم أنها حرام فليست حراماً بالنسبة له، لا يعلم، لا يعلم بأن شرب الخمر حرام.. ونحن نرى جميع هؤلاء النصارى واليهود و... يشربون الخمر، فهل يقومون بفعل محرم؟ لا بل يشعرون أنّ دينهم لا يرى أي إشكال في شرب الخمر، بالنسبة إلينا ماذا؟ فهل نحن مثلهم في ذلك؟ هم يظنون أنه لا إشكال في أكل لحم الخنزير، فيأكلون لحم الخنزير بلا تحفظ، والإنسان يعجب من ذلك.. كنت في مدريد وكنت أريد أن أجلس في مكان، فكلما ذهبت إلى مكان كنت أرى أن الناس يقفون صفوفاً لأكل لحم الخنزير، وكانوا بشكل وكأنهم يأكلون طعاماً لذيذاً، أما أنا فقد اشمأزت نفسي من ذلك، بينما كانوا يفرحون بنيلهم هذا الطعام، فهل هذا حرام بالنسبة إليهم؟ كلا، لأنهم لا يرونه حراماً، بل يظنون أن لحم الخنزير وشرب الخمر محلل كما أخبرهم بذلك علماء دينهم.. بل كانوا يقدّمون ذلك لي ويدعونني إلى الأكل معهم، فكنت أقول هنيئاً مريئاً. وذهبت إلى مكان وكان أحدهم في الخارج فقدم لي كوباً وقال تفضل، فقلت له إني مريض ولست على ما يرام، وكان ينزعج من أني رفضت له دعوته. فالحرام هو عندما أكون عالماً بأن ما أقوم به حرام، بينما ذاك الذي يشرب الخمر وهو يظن أنه محلل، فليس حراماً في حقه، وإذا صار بعد ذلك مسلماً وتاب وقال إلهي لقد أخطأت ولم أكن أعرف، سيقول الله له لا بأس عليك. فالحرام هو عندما يكون على علم واطلاع ومعرفة على تلك المفسدة ومع ذلك يقدم عليها، هذا هو الحرام، وهذا يرجع إلى ميزان اهتمام الإنسان بالمفاسد وعدم اهتمامه بها.
كنت في الليلة الماضية أفكر في قصة النبي يوسف على نبينا وآله وعليه السلام ـ وهي المسألة عجيبة جداً فحينما نقرأ القرآن علينا أن نفكر في آياته، فهذه الآيات ليس قصة فالله لم يذكرها من باب القصص، فالقصص موجودة بكثرة في الكتب بل هذه الآيات تحكي كل لحظة من حياتنا ـ {وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّه}، كان قريباً، فزليخا أتت وكان قصدها الخيانة والمعصية، وهمّ بها فهو بشر أيضاً وكان شاباً في عنفوان شبابه وفي قمّة بروز وظهور الغرائز، فالنبي يوسف لم يكن من حجر وجماد، كان إنساناً وكان بهذا المظهر والجمال، لماذا لم يقع في المعصية ولم يقدم على المعصية، لأنّه رأى برهان ربه، فالذي أتى ونجّا النبي يوسف من تلك الحالة من هو؟ هو الظلمة والكدورة المتربتة على هذا الفعل، فقد بيّن الله له هذا الأمر، فهذا العمل عمل محرم وهذه المرأة لها زوج، وهذا العمل الحرام ينتج الظلمة والكدورة، حسناً، ألا يمكن أن نبتلى بمثل هذه المسائل، ألم يحصل أن نقوم ببعض الأعمال الخلافية؛ نكذب.. نفتري نعمل أعمالاً محرمة ألا نشعر في أنفسنا بالكدورة؟ ألم يحصل لنا ذلك؟ هذا هو المراد بقوله {لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّه}، تلك الحالة التي نشاهدها في النفس هي {لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّه}، لماذا نعيد ارتكاب العمل مرة أخرى؟ ألم نرى نتيجة هذا العمل؟ لكننا نقول بأن الله تعالى يحفظ الأنبياء من الوقوع في الزلل، ألم يحفظك أيضاً؟ أين حفظ الله الأنبياء؟ متى أتى الله وأخذ بيد يوسف؟ لم يأخذ بيده ولم يرسل له ملكاً ولم يفعل أي عمل، بل الذي فعله هو أنه بيّن له هذه الظلمة والكدورة الموجودة في النفس المترتبة على هذا الفعل، بيّن له الوصفة الطبية، وقال له عليك أن تقوم أنت باستعمال الدواء، وهو الاستنكاف والتراجع والمنع، فلو كنا نحن مكانه لقلنا نفعل هذا الأمر ونتوب إلى الله، بعد هذه الظلمة التي شاهدتها لماذا أقدمت على الفعل؟ لذا يبقى التشويش في القلب وتقول أفعل هذا الأمر لا أفعل ذاك، أكذب هنا لأتمم هذه الصفقة ولا إشكال في أن نحتال فيها وبعد ذلك نصلح الأمور بأي شيء، هذا التشويش هو برهان ربه، فهذا البرهان يأتي ونراه لكن لا نرتب عليه أي أثر، بل نقدم على الفعل مع وجود الغش والافتراء والكذب ونفعل جميع الأعمال الفاسدة، فذاك يصير النبي يوسف، أما هذا فيصير في أسفل السافلين، فبرهان الله للجميع لا لخصوص يوسف، فالجميع يرون البرهان ويتم مساعدتهم، لكن أحدهم يرتب أثراً على هذه المساعدة ويستجيب لها والآخر لا.
كيفية السلوك مع عدم الوصول إلى الولي
سؤال: لمن الإذن في زمن الغيبة، وإذا لم يكن هناك ارتباط مع ولي الله فما هي وظيفة الإنسان؟ وماذا عليه أن يفعل مقابل الظالمين؟
الجواب: في المرحلة الأولى على الإنسان أن يرتبط بالشخص... طبعاً لقد أجبت في الجزء الثاني من كتاب أسرار الملكوت على هذه المسألة وأوضحت المسألة بشكل كامل، وبينت شروط الأستاذ والولي الكامل، وأعتقد أن المسألة موجودة هناك بمقدار واضح، والكلام هنا هو أن هذا الشخص الذي لم يصل إلى ولي الله، فماذا عليه أن يفعل؟ وهذه المسألة سيتم توضيحها في الجزء الثالث من كتاب أسرار الملكوت الذي أشتغل فعلاً بكتابته بالإضافة إلى كتب أخرى، إذا وفقنا الله لذلك، وهناك سأبحث أنه عند عدم وجود أستاذ ماذا ينبغي على الإنسان القيام به؟ مجمل الكلام أنه يجب عليه يسلك الطريق الذي يراه الأقرب إلى الواقع، وذلك على ضوء التعليمات التي سمعها من الأولياء والأمور التي لديه يقين بها، مع الاستفادة من الشخص الخبير، فحتى لو لم يكن واقعاً بل أقرب إلى الواقع، فإن كان الشخص صادقاً في نيته وصفّى باطنه وطهّره قلبه من الشوائب ومن الأمور الموجبة للغفلة، فسوف يصل إلى ما فيه صلاحه فيما بينه وبين الله، سوف يصل إليه، فالطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، فالله تعالى سوف يبين لكل شخص الطريق الذي ينبغي أن يسلكه، إلا أن يأتي الشخص ويغمض عينيه، ففي هذه الحالة ستأخذ المسألة شكلاً آخر. وعلى كل حال في الموارد التي لا يمكن للإنسان أن يصل إلى ولي الله، فعليه
أولاً: أن يستند إلى المباني والكلمات التي تركها الأولياء.
وثانياً: يستفيد من فطرته وعقله،
ثالثاً: أن يستشير الأشخاص الخبراء في هذا الطريق لرفع الشبهة والالتباس، والله تعالى سيساعده في ذلك.
حسناً، أعتقد أننا تكلمنا كثيراً وطال المجلس عليكم، والإخوة دائماً مشتاقون ويطلبون أخذ الحقائق، أسأل الله تعالى أن يوفقنا للعمل بما عرفناه... كان المرحوم العلامة يقول: أتى بعض علماء النجف إلى المرحوم القاضي ـ وهذا كلام هام ـ وقالوا له أعطنا دستوراً للعمل... كنت قد أتحدث في جلسة عنوان البصري في قم في منزل الدكتور دلشاد لمدة ساعتين تقريباً أو أكثر، وفي ذلك اليوم كان حالنا جيداً للكلام... وعندما نزلت عن المنبر أتى شاب وطلب مني دستور عمل، فقلت له: ماذا كنت أفعل في هاتين الساعتين؟ لعلي كنت أخلط في هاتين الساعتين.. ماذا كنت أفعل؟ المرحوم العلامة كان يقول الوقت الخصوصي للقائي هو عبارة عن المطالب الموجودة في الكتب التي كتبتها... أتى هؤلاء العلماء إلى المرحوم القاضي، وكانوا مجموعة وطلبوا منه دستوراً، فقال لهم المرحوم السيد القاضي: هل عملتم بما تعلمونه حتى الآن؟ وأتيتم تأخذون مني دستوراً جديداً؟ هذه الجملة جملة عجيبة حقاً. يعني لستم بحاجة إلى السيد القاضي، بل بحاجة إلى أن تصلحوا أنفسكم أولاً، اهتم بنفسك أولاً، فحتى لو أتيت إلى النبي ولم يجد منك الاهتمام فلن تستفيد أبداً، منذ سنتين تشرفنا بالذهاب إلى العمرة، وفي الليالي كان مسجد النبي فارغاً نسبياً؛ حيث لم يكن يتجاوز عدد الموجودين عشرين ثلاثين شخصاً تقريباً، وكنت أذهب إليه في ذلك الوقت وأجلس في محراب رسول الله، وليلة أتيت وجلس خلف المحراب تماماً، وشعرت أن النبي جالس في المحراب وأنا خلفه مباشرة، فقلت لو كان رسول الله جالساً هنا فمن أكون أنا؟ من كان يجلس في هذا المكان قبل ألف وأربعمائة سنة؟ عمر أبو بكر.. فما الذي حصل؟ أنا أيضاً جالس هناك بالدقة التامة، ماذا حصل؟ كم تقدمت في تكاملي؟ فلا أزال كما أنا، كنت أجلس أبعد بعشرين متراً والآن أتيت وجلست هنا، هذه هي القضية، فما دمت لم أرد تغيير ذاتي من مكانها فلن يؤثّر فيها تغيير المكان، أولئك ذهبوا إلى المرحوم القاضي، ونحن نقول حتى لو ذهبوا إلى النبي.. فبعد ثمانية عشر ساعة بعد وفاة النبي أي قبل إتمام يوم من مجيئ النبي في حالة مرضية وكان يحمله من جهة الفضل بن العباس ومن الجهة الأخرى أمير المؤمنين وقال للناس إني تارك فيكم الثقلين... لم يكن قد مضى على ذلك ثمانية عشر ساعة حتى ذهب القوم إلى سقيفة بني ساعدة، حسناً لماذا؟ لأنهم لم يريدوا، لم يريدوا أن يستمعوا إلى كلام النبي ويطيعوه، ولم يريدوا العمل بالوصفة التي وصفها لهم النبي. فالسيد القاضي قال لهم: هل عملتم بما تعلمونه حتى أعطيكم دستوراً جديداً؟ اذهبوا واعملوا أولاً، ثم تعالوا لأعطيكم وصفة جديدة.
نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً وأن يشملنا بلطفه العميق، وأن يفتح أمامنا مسير الأولياء والعظماء، وأن يوفقنا دائماً للسير على هذا الطريق، ولا يعبدنا عن ذاك المسير ولو طرفة عين، ويوفقنا أن نكون دائماً وأن يمن علينا بأنفاس الأولياء وأنفاس صاحب الولاية الكبرى إمام الزمان عجل الله فرجه في الدنيا والآخرة.