المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمجبل عامل
المجموعةأسئلة و أجوبة - نساء
هو العليم
تربية الأبناء، وضوابط حجاب المرأة، و...
محاضرات جبل عامل - أسئلة وأجوبة الأخوات - ج ۱
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
كيف نربّي أولادنا تربية إسلاميّة
[السؤال: ما هو تكليف الآباء في تربية الأطفال؟ وكيف نربّي أطفالنا تربية إسلاميّة؟]
[جواب سماحة السيّد:]
دارت [بعض] هذه الأسئلة حول تكليف الآباء في تربية الأطفال، وهو المعبَّر عنه في كتاب الله تعالى بوقاية الأهل والأولاد مِنَ الوقوع في المسائل النفسيّة في الدنيا. والأمر المهمّ في ذلك أنّه علينا أن نربّي أطفالنا تربية إسلاميّة على حسب القدرة والاستطاعة، وهنا لا بدَّ مِن ملاحظة عدَّة مسائل وأمور:
الأوّل هي: تحسين العلاقة بين الطِّفل وبين الوالد والوالدة وخصوصًا الوالدة، فلا بدَّ أن تكون العلاقة بينهم جيِّدة. وليس المقصود مِن حُسن العلاقة وتحسينها المحبَّة والمودَّة فقط، بل لا بدَّ أن ينظر الطّفل إلى أمّه وأبيه على أنّهما مربّيان له، أي أن يعتمد على والدته، ليس فقط في المعاش، بل في القوّة الروحيَّة والاستعدادات النفسيَّة والروحيَّة، كما يعتمد التلميذ على المعلّم. فعلى هذا، يجب على الوالدة مِن خلال إيجاد هذا التحسين والإصلاح أن تربّي الطفل في جميع المسائل لا في المسائل الإسلاميّة [فقط]؛ مثلًا إذا أَمرته بشيء خاصّ، فلا بدّ أن تؤكّد عليه [بأن ينفّذه]، فإن لم يعتن ولم يلتفت فلا بدَّ حينئذٍ أن تنبّهه بأنّها والدته وعليه أن يمتثل للأوامر والنواهي.
هذا هو المهمُّ في التَّربية، فأساس التَّربية يُبنى على الاعتماد والوثوق، أي الوثوق بالأمّ بلحاظ أمومتها وبلحاظ كونها معلّمة ومربّية. وإذا ما توفَّق الآباء والأمّهات في هذه المسألة، سيسهل عليهم حينئذٍ تربية الأولاد على المسائل الإسلاميّة والشرعيّة. يعني على الطفل مِن بداية الأمر أن يُكْبِر والدته ويعظِّم والده، وذلك مِن خلال العلاقات والأمور الّتي تكون بينهم. وعلى الوالد ألّا يفعل كلَّ شيء أمام الطفل وأن لا يلعب ولا يمزح مع الطفل في كلِّ الأوقات، وذلك حتّى لا يرى الطفلُ والدَه مثله، بل لا بدَّ أن يُعَظِّمَ الطفلُ الوالدَ. وأنا لا أعني أن [لا يلعب] الوالد والوالدة مع الطفل، بل اللعب والمزاح والمسائل النفسيّة [هي مِنَ الأمور المهمّة للطفل، فعلى الأبوين أن يوفّروها له، ولكن مع المحافظة على الحدود الأبويّة]۱.
المسألة الثانية: يجب على الوالد والوالدة أن يربّيا وينصحا أطفالهما – بمقدار القدرة والاستطاعة – في جميع مراحلهم العمريَّة وفي المجالات الّتي يجب أن يوجّهوهم فيها، فيلقّنوهم المسائل الأخلاقيّة والإسلاميّة كما هي موجودة في الكتب المخصَّصة للصغار حيث تكون بالشّكل والكيفيّة المناسبة لهم؛ فإذا وجد الوالدان أن هذه الكتب مفيدة لهم، فلا بدّ مِن تحصيلها وشرائها مِن أماكن وجودها، ثمّ تبيين [موضوعاتها] وشرحها لأولادهم بعد مطالعتها والتأكّد من خلوّها مِنَ المفاسد الروحيّة. وإذا لم تكن هذه الكتب متوفِّرة فعليهم أن يطلبوها مِن بلدان وأماكن أخرى.. يقول الإمام عليه السلام «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»۱. وأنا أتذكَّر – إلى الآن – تلك الحكايات والقصص الّتي ألقاها السيّد الوالد علينا نحن أولاده، حين كان عمري أربعة سنوات وخمسًا وسبعًا، وهي بالتأكيد قد أثّرت في نفسي أثرًا باقٍ إلى الآن، وأنا الآن أجد أنّ بعض الأمور الصعبة تنحل بواسطة تلك المسائل التربويّة الّتي تلقَّيناها مِنَ السيّد الوالد في زمن الطفولة.
فلذلك، يجب على مربّي الطفل أن يلاحظ هذه النُّكتة، وهي أنّ تربية الطِّفل في كلِّ مرحلة عمريّة لها شكل خاصّ يتلاءم مع الاستعدادات والقابليّة والرَّغبة لدى الطفل، وهذا هو المهمّ؛ يعني علينا أن نطرح [على الطفل] المسائل الإسلاميّة بشكل خاصّ ولطيف وظريف، وبطريقة القصص والحكايات.
وعلى الوالد والوالدة أن يبذلوا جهدهم ويخصّصوا وقتًا في الليل أو النَّهار لتربية الولد، ولإيجاد وتثبيت العلاقات بين الطرفين؛ فليرووا لهم في كلّ يوم أو يومين مِن تلك القصص والحكايات لمدّة ساعة مثلًا. وذلك في سنِّ طفولتهم.
هذا مِن ناحية، ومِن ناحية أخرى على الوالدين أن يثبَّتوا الموضوعات في أنفس الأطفال؛ مثلًا لو ورد في قصّة أنّ عمّارًا سلّم على علِيٍّ، فعلى الوالدين أن ينبّهوا الطفل بأنّ عليه أن ينتهج ذلك فيقولان له: أنظر كيف أنَّ عمّارًا سلَّم على علِيٍّ، فعليك أن تسلِّم على أخيك الأكبر مثلًا. وعلى هذا المنوال [تسير الأمور]؛ فعلى الوالد والوالدة أن لا يكتفوا بقراءة تلك القصص على الأطفال، بل عليهم أن يثبِّتوا في أنفس أطفالهم ويحمّلوهم – شيئًا فشيئًا – هذه المسائل الإسلاميَّة والأخلاقيَّة الموجودة في القصص، وذلك حتّى تتحقّق هذه المسائل في أنفسهم ويتربّوا عليها. وهذه مِن أحسن الطُّرق الّتي يمكن للوالد والوالدة [اتّباعها] في تربية أولادهم. كما أنّ المؤسسات التربويّة [تتّبع هذه الطريقة] في تربية الأولاد.
وهذا الأسلوب أيضًا [تعتمده المؤسسات الّتي تنشر] المسائل الخلافيّة والمفاسد الأخلاقيّة؛ يعني إذا أرادت هذه المؤسسات أن تنشر المفاسد الأخلاقيَّة بين الأفراد حتّى البالغين منهم، تراهم يعتمدون تلك الطريقة أيضًا، فيطرحون المفاسد الأخلاقية بحيث تثبت في النفوس ولا تخرج منها بسهولة. وكانت هذه الطريقة متّبعة قديمًا في زمن معاوية؛ حيث كان يأمر بإعطاء شاة أو خروف لأصحاب العوائل، فيحضرونه إلى منزلهم [ويهتمّون برعايته] فتنشأ بين الأطفال وبين الشاة أو الخروف علاقة محبَّة وودّ وصداقة، ثمّ يخفون هذا الخروف ويقولون لهم إنّ علِي بن أبي طالب هو مَن أخذه منكم! وفي المقابل يهدونهم الحلوى والعسل ويقولون لهم: إنّ معاوية هو مَن أرسلها لكم. وبعد مدة يُرجعون لهم الخروف ويقولون: إنّ معاوية أخذه مِن علِي وأرجعه إليكم. وبهذه الطريقة كانت تلك المؤسّسة الفاسدة تزرع عداوة علِيِّ بن أبي طالب في الأطفال، وتزرع محبّة معاوية (لعنه الله) في القلوب.
فيجب على الإنسان أن يتّبع هذا الأسلوب مع أولاده وأطفاله في [زرع وتثبيت] المسائل الأخلاقيَّة والإسلاميَّة فيهم.
كما يجب على الوالد والوالدة أن يفعلا ما يأمران به أطفالهم، حتّى لا يرى الطفل تعارضًا وتضادًا بين القول والفعل؛ مثلًا لو قال الوالد أو الوالدة أنّه لا بدَّ مِنَ الصَّلاة في أوَّل الليل، فلا بدَّ أن يصلّي هو في أوّل الليل وأن يترك جميع أشغاله في البيت، وحينئذٍ يرى الطفل أنَّ والده ووالدته مجدّان في ذلك. أمّا لو أخّر المرء صلاته إلى آخر الليل، ومع ذلك يوصي وينصح أطفاله بالصَّلاة في أوّل الليل، فهذا تعارض وهو موجب لتقليل أهميّة المسألة في نفس الطفل، يعني أنّه يوجب عدم القناعة الجديّة وعدم الاقتناع الحتميّ بالأمور الأخلاقيَّة والإسلاميَّة الّتي علينا أن نؤكّد ونتأكّد مِن وجودها وإثباتها في أفراد العائلة والأطفال؛ مثلًا لو دخل الطفل إلى المنزل ووجد أمّه منشغلة في تنظيف البيت، فإذا ما حان وقت الصلاة يرى أنّ أمّه قد تركت عملها وقالت: الآن وقت الصلاة، فتذهب إلى الحمّام وتتوضّأ وتعود، فإنّ هذا يوجد علاقة وثيقة بين الطفل وهذه المسألة ويوجب ثبوتها في نفسه. لا بدَّ أن يرى الطفل تعظيمًا للمسائل الإسلاميّة، فالطفل كالكاميرا يأخذ صورة عن الأفعال الّتي يراها مِن والده ووالدته.
فمِن أجل تربية الأطفال، علينا أوّلًا أن نُصلح أنفسنا ونحسِّن أحوالنا، ومِن ثَمّ نعمل على تربية الأطفال؛ يعني علينا في المنزل أن نعمل نحن أوّلًا وفق المسائل الإسلاميّة.. وقد جربتُ في منزلي هذا الأمر: ففي أول وقت الصلاة كنت أترك جديًّا المطالعة أو أنهي الحديث مع الضيف إن كان عندنا ضيف، وأقوم بجديّة قائلًا: قد حان وقت الصلاة، ثمّ أذهب دون أن أقول لطفلي الّذي إلى جانبي: قُم للصلاة. فأراه قد ذهب مِن تلقاء نفسه إلى الحمّام وتوضّأ وصلّى. بهذا يكون قد شاهد تعظيم الصلاة.
ولكن في بعض الأحيان يغفل الإنسان عن هذه المسألة، فيرى الطفل أنّ [والدته أو والده] استمرّ في القراءة أو الاشتغال في البيت [رغم حلول وقت الصلاة]، فيرى أنّه مستهين في هذه المسائل الأساسيّة! لذلك علينا مِن أوّل الأمر أن نكون مجدِّين في المسائل والنكات الّتي نطرحها على أطفالنا ونوصيهم بها، يعني أنّه مِنَ اللّازم على الوالد والوالدة أن يعظّموا هذه المسائل في أعين الأطفال، كالحجاب والصلاة ومعاشرة الأفراد المؤهّلين وعدم معاشرة غير الملتزمين وغير ذلك. فلا بدّ أوّلًا أن نقوم نحن بواجبنا وتكليفنا، فيرى الأطفال منّا الالتزام، وبما أنّهم يعتمدون علينا ويثقون بنا، سيتقبّلون منّا حينئذ تلك الأمور بسهولة ولن يحتاجوا إلى التعنيف والضّرب.
ومِن ناحية رابعة على الوالد أو الوالدة أن ينصحوا أولادهم ويصرُّوا على النصيحة، وأن يقدِّموا لهم المسائل الإسلاميّة والمسائل الّتي علينا أن نتابعهم فيها، بطريقة مرغِّبة وجذَّابة حتّى يميلوا إليها ويتشوَّقوا لها ويرغبوا فيها. وقد ورد في رواية عن الإمام الصادق×: «أنّا نأمر صبياننا بالصلاة وهم أبناء خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، ونحن نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا أبناء سبع سنين ما أطاقوا مِن صيام اليوم... فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين ما أطاقوه مِن صيام...»۱
فعلى الإنسان أن يطبّق هذا الأمر بحسب القدرة والاستطاعة الّتي يراها في ولده؛ فإذا كان الولد يستطيع مثلًا أن يصوم خمس ساعات، فعليه أن يوقظه مِنَ النوم ليتناول طعام السحور، ويجبره على عدم الأكل لمدّة خمس ساعات، ثمّ إن رأى أنّه لا يستطيع أن يتجاوز السّاعات الخمس فعليه أن يترك صغيره يأكل أيّ شيء. وعلى كلّ حال، يجب على الوالد والوالدة تقديم النصيحة وإعطاء هدية وهبة لأطفالهم، حتّى يتشوّق الطفل لأداء التكاليف [والالتزام] بالمسائل الإسلاميّة.
ومِن ناحية أخرى، على الوالدين أن ينهوا أولادهم عن بعض المسائل، ويحرمونهم مِن بعض الأشياء، وعليهم أن يعلموا أنّهم إن لم يفعلوا ما يُؤمرون به فإنّ أحوال الوالدين ستتغيّر اتّجاههم. فعلى الطفل أن يفهم ذلك جيّدًا وأن [يعلم] أنّ والديه حازمان بالنسبة للقيام بالفرائض والتكاليف، وأنّهما غير متسامحين ولا يجاملان في هذه المسائل. فيجب أن يفهم الأولاد [أهميّة] هذه المسألة عند والديهم.
أمّا التنبيه والتذكير فلا يجب أن يكون بالعنف، إذ يكفي أن يكون بالضرب الخفيف في بعض الموارد، كما ورد في الروايات. وعلى الوالدين دائمًا أن يحسِّنوا [ويطوّروا أساليب] التربية مع ما يتناسب واستعداد الطفل وقدرته، وبذلك يشوّقوهم للالتزام بالمسائل. أمّا الضّرب والعنف وتحميلهم ما يصعب عليهم، فهو لا يتناسب مع التربية الإسلاميّة، فالتربية الإسلاميّة تُبنى على المحبّة والشوق، ولكن مع الجديَّة والاهتمام في كلّ الأحوال.
هذه بعض المسائل المهمّة في التربية.
فوائد تعويد الأطفال على المبادئ الإسلاميّة
[السؤال: ما أهميّة الحجاب، ومتى يُفرض على الفتاة؟]
جواب سماحة السيّد:
بالنسبة لمسألة الحجاب، فهي أشدّ وآكد مِنَ الصّلاة؛ فالصبيَّة والبنت إذا بلغت مرحلة التمييز – وأنا أرى [لزوم] ذلك حتَّى قبل مرحلة التمييز – فعلى [والداها] أن يُلبساها مِقنعة ويرتّبا لها لباسًا [مناسبًا]، على أن لا يكون بشكل يوجب لها حساسيّة اتّجاه هذه الأمور، ويَحسُن [تعويدها على ذلك] مِنَ البداية.
نحن نظنّ أن الطفل لا يفهم، لكنّه في الواقع يفهم بعض الأمور الّتي لا نفهمها نحن، فالطفل يمتلك فهمًا وإدراكًا سريعان، وهو يفهم المتعارضات والخلافات بين الوالد والوالدة ويميّز المسائل العنيفة وغيرها، وهو [قادر على] تحليل هذه المسائل في نفسه، لأنّ ذهنيّته ونفسيّته جيّدتان، ولكن ذلك بمقدار قدرته واستطاعته. فعلى هذا يجب على الإنسان أن لا يُهمل طفله ولا يَحرم ابنته، فلا يقول أنّها لا تفهم شيئًا فسأتركها تخرج كيفما تريد، فهي ما زالت في الخامسة أو السادسة مِن عمرها ولم تبلغ بعدُ، وكذا وكذا! كلّا، هذا ليس جيّدًا، بل على الإنسان أن يبدأ بالتربية مِن أوّل العمر، لأنّ الاهتمام بالتربيّة مِن بداية الأمر أسهل، فإذا بلغت الفتاة عمرًا متقدّمًا كالحادية عشرة أو الثانية عشرة مِن عمرها ستقوم هي بواجبها دون أن يأمرها أو يكلّفها أحد بذلك. أما لو أهملناها وخلَّينا لها السبيل [في صغرها] في كيفيّة لبسها ومشيها ومصاحبة الأصدقاء والجيران، ففي هذه الحال ستتبدّل نفسيّتها وستصبح مثل الحجر، يعني هذه النفسيّة الظريفة واللطيفة ستتبدّل شيئًا فشيئًا، فعندما تبلغ سن الثانية عشرة أو أكثر تصبح الأمور صعبة عليها، [فتراها] تعترض قائلة: لماذا علَيّ أن أترك هذا الأمر، ولماذا أترك هذا اللِّباس، ولماذا أترك هذه العِشرة؟! وهذا كلّه لأنّ المسائل أصبحت صعبة عليها. أما لو عوّدناها على الأمور [التربويّة الحسنة] مِن بداية الأمر، فستكون تلك الأمور سهلة عليها عندما تكبر، ولن تحتاج حينئذ للتوصية والتنبيه، ولن تحتاج إلى العنف والضّرب [لتتقيّد بها]. ومثال ذلك أنّ على الإنسان أن يُدخل طفله المدرسةَ في عمر السابعة، فهو حينها لا ينبغي أن يقول: إنّ طفلي ما زال صغيرًا، فلنمهله ولنخلّي له السبيل حتّى يصبح في العاشرة أو الخامسة عشرة مِن عمره. وذلك لأنّه إن لم يدرس ويتعلّم في عمر السابعة، سيصعب عليه التعلّم وهو في الخامسة عشرة مِن عمره، إذ لو قضى هذه السنوات في الشارع يلعب ويلهو فلن يقبل بعد ذلك أن يدخل المدرسة. كذلك هو الأمر في المسائل الأخلاقيّة والإسلاميّة التربويّة، فيجب على الإنسان أن يبدأ [بتربية أولاده] مِن صِغَرهم. وأنا اقترح أن يشرع الوالدان مِن عمر الرابعة، شيئًا فشيئًا، في تربيته على كيفيّة المعاشرة وكيفيّة اللباس وتعريفه وإفهامه المبادئ الأساسيّة، كالحجاب والصلاة والعمل على أن يتقبّل الإسلام والأمور الواجبة على الإنسان. فلا بدَّ على الإنسان أن يطبّق هذه الأمور وأن لا يتأخّر في تربية [أولاده] بحجّة أنّ الطفل لا يفهم شيئّا، كلّا، بل هو يفهم كلّ شيء ويحلّل هذه المسائل في نفسه ويقيسها مع المسائل الأخرى ويجمع بينها ويُرَكّبها. لذلك نرى أنّ الكثير مِنَ الإشكالات الّتي تظهر عند تقدُّم السنّ تكون ناشئة عن مسائل مختلفة كانت عنده في الصِغَر.
الضابطة في طلب المعاش وكونه مِن مقدّمات الكمال
[السؤال: كيف نجمع بين السير والسلوك وطلب المعاش؟]
[جواب سماحة السيّد:]
بالنّسبة إلى التمسّك بالأمور الدينيّة والبساطة في العيش، نقول: نعم، مَن يطالع الكتب وله معرفة وتجربة، يعلم أنّ هذه مِنَ الأمور اللازمة؛
فمِن ناحية قد ورد في الروايات «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله»۱، فعلى كلّ شخص أن يُهيئ معيشة العيال ويوفّر لهم الراحة بحسب المقدرة والاستطاعة، فمِن هذه الناحية يجب على المرء ذلك.
ومِن ناحية أخرى، نرى أن تحصيل المعاش وتأمين هذه الأمور هو مقدّمة للوصول إلى الكمالات، فيجب على الإنسان ألّا يصرف كلّ وقته في طلب المعاش، بل عليه أن يخصّص ويعيّن لنفسه وقتًا خاصًّا بمقدار ساعة أو ساعتين في النهار ليفكّر في أحواله ويطالع ويهذّب نفسه. فعليه أن لا يشتغل بكلّ شيء، فتصير صلاته صلاة تجارة وصومه صوم تجارة، ولا يرى في المنام إلّا الأمور الاقتصاديّة والتجاريّة، فهذا كلّه اضمحلال وإفناء للحياة، وبهذا لا يستفيد الإنسان مِنَ الحياة. نعم، أمّا تحصيل المعاش فهو واجب وهو مِن أحسن الأعمال، وسيعطيه الله تعالى الأجر على ذلك، وإن لم يَقُم بهذا الواجب فسيؤاخذه الله تعالى.
هذا مِن ناحية، ومِن ناحية أخرى فإنّ التنافس في أمور المعيشة والتفاخر بها – كما نراه في هذه الأيّام – هو مخالف للإسلام ومخالف للأهداف والغايات الّتي لا بدَّ لنا أن نسير إليها.
وعلى هذا لا بدَّ للإنسان أن يجمع بين الأمرين؛ بين [سعيه]٢ وفق ظروفه واستعداداته وبين ابتعاده عن المفاخرة وتلك الأمور الّتي نراها. وعليه أن ينشغل بالمسائل المهمّة ويبتعد عن الدنيا، لأن لا نهاية لهذه الأمور، إذ كلّما وصلنا إلى حدّ منها نجد وراءه حدًّا آخر. فعلى هذا يجب على الإنسان أن لا يُشغِل كلّ وقته في التنافس والتفاخر الّذي لا ينتهي به إلى شيء، فذلك مِن أسوأ الحالات والظروف في حياتنا.
معنى الابتلاء وموارده
السؤال: لماذا يَبتلي الباري (عزّ وجلّ) الإنسانَ بما يحبّه أو بمَن يحبّه؟
جواب سماحة السيّد:
مسألة الابتلاء لازمة؛ فلو لم يحبّ الإنسان شيئًا فلن يبتليه الله تعالى، لأنّ حقيقة الابتلاء هو الامتحان وتخطّي هذه المسائل؛ مثلًا إن أحبَّ الإنسانُ عباءته، فإنّ الله تعالى يسلبها منه، وكذا إذا أحبَّ الإنسان ثوبه وسيّارته وأشياء أخرى. والارتقاء والصعود في المراتب الكماليّة هو عبارة عن تجاوز النفس لهذه الأمور، يعني أنّ نفس الإنسان تتخطّى هذه الأمور ولا تتعلّق بشيء. طبعًا إذا لم يحبّ الشخصُ شيئًا فلن تتعلّق نفسه به، وإذا لم تتعلّق نفسه به فلن تُمتحن النفس في ذلك،... مثلًا إذا مات شخص في الشارع، فهل سيهمّنا ذلك؟ كلّا، لن يهمّنا، سواء مات في الشارع أم لم يمت في الشارع. ولكن إذا مات جارنا، فسنهتمّ لذلك طبعًا وسنحزن، لأنّ لنا علاقة به. فهنا يجب على الإنسان أن يتخطّى ذلك ويقول؛ الموت مِنَ الله تعالى والحياة مِنَ الله تعالى. فلا تتعلّق نفسه بالأمور الفانية والماديّة.
على كلّ حال، ليس بيننا وبين الشيء الّذي لا نحبّه علاقة، أمّا الشيء الذي نحبّ، فعلينا أن نرى أنّه مِنَ الله تعالى وأن ننظر إليه بنظرة آليّة لا بنظرة استقلاليّة، فالنظرة الاستقلاليّة هي نظرة ماديّة ونفسيّة وشهويّة (يعني شهوات الدنيا والتعلّق بالدنيا). وعلى الإنسان أن يعتبر [مِن] هذه الأمور والحوادث الّتي تحصل في بعض الأزمنة وتزول في بعضها الآخر. وعلى هذا، يكون الابتلاء في الأمور الّتي بينها وبين الإنسان علقة.
أهميّة وفوائد إنشاء مجالس ووضع برامج للأبناء وفق أعمارهم وقدراتهم
[السؤال: [هل يمكن إقامة جلسات الذِكر للأولاد الذكور منهم والإناث؟]
[جواب سماحة السيّد:]
نعم، مِنَ الجيّد أن يكون هناك جلسات للأولاد، الذكور منهم والإناث، ولكن لا ينبغي أن يكونا في جلسة واحدة، وإذا كانوا في جلسة واحدة يجب أن لا يختلطوا.. ثمّ تُعرض عليهم بعض المواضيع بشكل كلاسيكيّ، يعني بشكل مناسب ووفق برنامج خاصّ. ونحن قرّرنا هذه المسألة في إيران، ووجدنا فيها فوائد كثيرة للأطفال. حتّى أنّنا في زمن السيّد الوالد في مشهد أقمنا هذه البرامج والمجالس للأطفال، والّتي [تضمّنت] قراءة القرآن وحِفظه وحفظ الأحاديث والأناشيد وغيرها، كالترفيه وإعطاء الجوائز والهدايا. وهذا لازم على كلّ حال، فهذه المسألة ليست مجرد اقتراح، بل على الآباء والأمّهات أن يهتمّوا بها، بأن يجعلوا مثلًا لهذه الغاية صفًّا واحدًا للأطفال في عمر الخمس أو السبع سنوات، وصفًّا للأولاد في عمر الثانية عشرة، وآخر لِمَن في عمر المراهقة، فيكون لكلٍّ منهم موقعه الخاصّ. فهذا جيّد على كلّ حال.
سؤال مِنَ الحضور: هل يصحّ أن تكون الجلسة جلسة روحيّة، يعني ليست فقط لحفظ القرآن، لأنّ هناك مَن لا يحبّ أن يحفظ القرآن، فهل نقدّم لهم توجيهات روحيّة [بدل ذلك]؟
سماحة السيّد: بالنسبة للأطفال؟
السائل: نعم.
جواب سماحة السيّد: لا إشكال في ذلك بالنسبة للأطفال، إذ لا بدَّ مِن تشجيعهم على المسائل الروحيّة وترغيبهم فيها، ولكن لكلّ ظروف مقتضياته الخاصّة؛ مثلًا لا يمكن أن نكلّف طفلًا في عمر السابعة مثلًا أن يقوم اللّيل والسّحر، ولكن علينا أن نذكُر هذه المسائل لهم بواسطة القصص، وشيئًا فشيئًا، نقرّبهم إلى المسائل الروحيّة. وعلى كلّ حال، فإنَّ الأطفال يكتسبون أكثر منّا، فللأطفال قلوب صافية ونفوس طيّبة [فنراهم] يأخذون بهذه المسائل ويتقبّلونها أحسن منّا. فعلى هذا، يجب علينا أن نؤسّس هذا الصّف للأطفال، ونطرح فيه المسائل الإسلاميّة، أمّا حفظ القرآن فهو مِن تلك المسائل، بل مِن أهمّها، فإنّ حفظ القرآن يوجب أثرًا خاصًّا في النّفس، وهذا الأثر لا ينتهي أبدًا ولا ينعدم.
السائل: حتّى لو لم يفهموه؟
جواب سماحة السيّد: نعم.. فإنّ للقرآن أثرًا، حتّى لو لم يفهموه. بعض الأفراد في إيران لا يفهمون معاني الآيات ويقولون: نحن لا نفهم مِنَ الآيات شيئًا، فلا تفيدنا قراءة الآيات! فكنتُ أقول لهم؛ إن تقرؤوا تستفيدوا وإن لم تعلموا.. حتّى لو كان الشخص لا يفهم العربيّة، أقول له: انظر إلى نفس الآيات، حتّى لو لم تفهم منها شيئًا. وكذلك لو كان الشخص لا يعلم الكتابة والقراءة، فإنّ نفس نظره إلى آيات القرآن يوجب أثرًا في النفس، فكيف بحفظ القرآن!
سؤال مِنَ الحضور: سيّدنا، هل هناك برنامج معيّن للأطفال، يعني هل أعددتم برامجًا للأطفال؟
جواب سماحة السيّد:
نعم هناك برامج للأطفال موجودة في إيران، سأرسلها لكم إن شاء الله تعالى، [وهي برامج أعدَّها] ونظَّمها أصدقاؤنا لكلّ المراحل العمريّة؛ للمراهقين والبالغين ومَن دونهم. وهي تشتمل على؛ حفظ القرآن، وحفظ السور القصار لمَن هم في حدود السبع سنوات، ومعاني الآيات وتفسيرها للمراهقين، والتحقيق والتأمّل في القرآن والبحث عن آيات مشابهه [لآيات أخرى].. يعني نكلّفهم بأمور تتناسب مع طاقتهم وقدرتهم على البحث في القرآن، كأن يسهروا ويطالعوا الكتب ليستخرجوا منها رواية شبيهة بآيات القرآن وتفسِّرها. [وتشتمل البرامج أيضًا على] البحث التاريخيّ، وتاريخ قراءة القرآن، وحفظ القرآن، والأناشيد [الإسلاميّة الشرعيّة]، ومسائل أخلاقيّة. [ففي ذلك كلّه] برنامج، أرسلها لكم إن شاء الله.
أثر الحجاب في الصِغر على الفتاة في الكِبَر
[السؤال: ما هي أهميّة الحجاب لصغار السنّ؟]
[جواب سماحة السيّد:]
نعم – كما قلتُ حول هذه المسألة – فإنّ اللازم على الوالدة والوالد أن يصرّوا على مسألة حجاب البنات في صغرهم. وكما قلتُ آنفًا، أنّه يجب عليهم [خلال] كلّ سنة أن يراقبوا أطفالهم حتّى لا يقعوا في مشكلة التبرّج وغيرها. وإذا اعتنت الوالدة بهذه المسألة تصبح الأمور [سهلة] على الأولاد عندما يكبرون، إذ حينها سيفهمون هذا المعنى ويشعرون بالالتزام النفسيّ مِن تلقاء أنفسهم. على كلّ حال، [ينبغي الالتفات إلى أنّ] بعض الأمور هي مِن مقتضيات السن، فبعض ما ترونه مِنَ [الأولاد] ليست بأمور غير طبيعيّة، بل هي طبيعيّة ومِن مقتضيات هذا السن؛ فحال الفتاة تتبدّل مِن مرحلة إلى أخرى، وبطبيعة الحال ستتطلّب نفسها أشياء أخرى، وهذه مسألة طبيعيّة، ولكن على الوالد والوالدة والمربّين لها أن يراقبوها ويضعوها على الطريق الصحيح. وعلى كلّ حال، فهذه المسائل طبيعيّة.
على كلّ شخص أن يسير إلى الله تعالى مع أداء أعماله اليوميّة
السؤال: هل طريق السّير والسّلوك هو طريق إسلاميّ؟
جواب سماحة السيّد:
نعم [هو طريق إسلاميّ]. وطريق السّير والسّلوك ليس بطريق صعب، وليس له حالات خاصّة وشكل خاصّ كالغول وغير ذلك، كلّا، بل السّير والسّلوك هو القيام بالواجبات وبالمستحبات والبرنامج السلوكيّ، هذا هو السّير والسّلوك. ويجب على كلّ شخص أن يسير في هذا الطريق مع أعماله ومشاغله في الليل والنهار. وهذا ما نراه مِنَ الأئمّة عليهم السّلام والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونراه مِنَ الأنبياء والأولياء، حيث كانوا يقومون بأعمالهم ومع ذلك يشتغلون بالسّير والسّلوك. كالعالِم الدينيّ الّذي كان يدرس ويتعلّم ويحضر في المسجد للجماعة ويخطب على المنبر وينصح الأفراد، ومع ذلك كان سالكًا إلى الله تعالى. والبعض كان مِنَ الأولياء كالسيّد الحدّاد، فقد كان حدّادًا ومع ذلك كان سالكًا إلى الله تعالى. فليس للسّير والسّلوك طريق خاصّ وللحياة الاجتماعيّة طريق خاصّ آخر، لا. فالسّير والسّلوك هو القيام بالواجب والتكليف الّذي فيه رضا الله تعالى على كلّ حال.
كيفيّة التخلّص مِنَ الرياء والعجب ومراتبهما
السؤال: [كيف يتخلّص الإنسان مِنَ الرياء والعُجب؟]
[جواب سماحة السيّد:]
الخروج مِنَ الرياء والعُجْب مسألة بسيطة، ولكنّها دقيقة، لأنّ للعجب والرياء مراتب مختلفة؛ قد يَخرج المرء مِنَ العجب في هذه المرحلة الدانية ولكنّه لا يكون قد أخرج العجب واقعًا مِن نفسه، فيظهر هذا العجب والرياء في المراتب العليا، كما هو الحال بالنسبة لحبّ الدّنيا وحبّ النّفس؛ فأنتم ترون حبّ النّفس في الأطفال الّذين هم مثلاً في عمر الرابعة أو السابعة، فهم يُحبّون أنفسهم على قَدْر أعمارهم الصغيرة. ومَن هو في العاشرة مِن عمره يحبّ نفسه [أيضًا] ويريد أن يستفيد وأن يجلب المنافع لنفسه ويدفع المضارّ عنها، وذلك على قَدْر عمره البالغ عشر سنوات. وكذلك الشخص البالغ عشرين سنة، والبالغ سبعين سنة – وليحفظنا اللهُ تعالى مِن شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا – فإذا ظهر حبّ النفس عند الشخص البالغ سبعين سنة، وكانت له حيثيّة وشأن اجتماعيّ وغير ذلك، سيكون العجب والرياء عنده أصعب بكثير مِنَ الطفل ذي العاشرة، لأنّ النفس إذا كبرت ستكبر معها خصوصيّاتها، وحينئذٍ سيكون الخروج مِنَ هذه الخصائص صعبًا إلّا إذا كان الشخص سالكًا، فبواسطة السلوك والتربية والبرامج الشرعيّة والسلوكيّة يخرج شيئًا فشيئًا مِن هذه المسائل.
وعلى كلّ حال، لا يوجد برنامج خاصّ للخروج مِنَ العجب والرياء، فيجب على الإنسان أن يتفكّر في نفسه ويتفكَّر دائمًا في أحواله بينه وبين الله تعالى..
وقد شرحتُ وبيّنتُ مسألة العجب والرياء في شرح حديث عنوان البصريّ، وسأقدّمه لكم إن شاء الله إذا تُرجم وطُبع. وإجمالًا نقول أنّه يجب على كلّ شخص ما ورد في الرواية عن المعصوم عليه السلام «تفكّر ساعة خير مِن عبادة سبعين سنة»۱، فماذا يعني (التفكّر ساعة)؟ التفكّر ساعة يعني أن يفكّر الإنسان في حاله وفي العلاقة بينه وبين الله تعالى وفي العلاقة بينه وبين النّاس وفي الارتباطات والعلاقات وفي كيفيّتها أمام الله تعالى، فإذا تفكّر في ذلك ستتغيّر نفسيّته شيئًا فشيئًا وتتبدّل وسوف يرى شيئًا آخر.. وفي محاضرة عصر اليوم سأشرح إن شاء الله تعالى هذه المسألة وهي؛ كيف يُصبح المرء مِن أولياء الله تعالى، وكيف يصبح المرء مِنَ الأنبياء، وهل الأنبياء واقعًا مثلنا إلّا أنّ الله تعالى أعطاهم مثلًا الكُتب والقرآن، أو أنّ نفوسهم تبدّلت وتغيّرت [وأصبحت] مغايرة لنفوسنا، وبهذا التغيّر والتبدّل صاروا مستعدّين للإلهام الإلهيّ والعطاء الإلهيّ، فليسوا كواحد مِن أولئك الأفراد وليسوا كأحدنا، وهذه المسألة ليست مسألة تعبديّة أو اعتباريّة؛ [أي أنّ مسألة النبوّة] ليست كمَن خرج مِن بيته وقد أعطاه رئيسه درجة عسكريّة خاصّة، [فتراه] يُنزله إلى درجة دنيا ويرفعه إلى درجة عليا في يوم واحد. أو كشخص يخرج مِن بيته فيصبح رئيسًا لهذه المؤسسة. أو شخص يترك المؤسّسة ويُطرد منها فيصبح كسائر الأفراد.. فهذه مِنَ المسائل الاعتباريّة، هذه المسائل الدنيويّة كلّها اعتباريّة. لكنّ المسائل السلوكيّة والأخلاقيّة والكمالات الإلهيّة كلّها تكون وفق التكليف [ولها] تتحقّق [وواقعيّة] فليست اعتباريّة.
وعلى هذا يجب على الإنسان أن يتخلّص مِن تلك المسائل بواسطة التأمّل والتفكّر؛ مثلًا يقول البعض: ما أن نشرع بالصلاة حتّى تهجم علينا الخواطر والتصوّرات والتخيّلات. فاقترحت عليهم [أن] يتهيّؤوا للصلاة بالجلوس على سجادتهم لخمس دقائق مثلًا، ومِن ثَمّ يشتغلون بالصلاة، لا أن يشتغلوا بها مباشرة فبمجرد دخوله إلى البيت يقول الله أكبر ويشرع بالصلاة! لا، فهذه الصلاة غير جيّدة، بل لا بدّ مِنَ التهيّؤ، والتهيّؤ يعني أن يفكّر لمدّة خمسة دقائق في أنّ الله تعالى أمامه، وكيف ينبغي أن نتعامل مع ما لو كان شخص عظيم وعالم موجودًا في الغرفة، وأن نفكّر في طبيعة أحوالنا وتصوّراتنا وتخيلاتنا فيما لو نزل الله تعالى مِنَ السماء وجلس في الغرفة ونحن نصلّي له.. فليفكّر في هذه المسائل، ففي هذا المورد لا بدّ مِنَ التفكّر [لمدة] خمسة دقائق وإذا تهيأ يُباشر الصّلاة..
حكم مشاهدة الأفلام للأبوين والأولاد
السؤال: هل يجوز للرجل والمرأة مشاهدة أفلام التلفزيون؟ وما هو واجب أولياء الأمور إذا أراد الأطفال أن يشاهدوا [التلفاز]...؟
جواب سماحة السيّد:
بالنسبة للأفلام الّتي [تُعرض] في هذه الظروف، فنعم هذا لا يجوز وهو حرام. وإذا كان الفيلم بلا فائدة، فلا نقول بحرمته. أمّا لو كان فيه مفسدة اجتماعيّة ويؤثّر على المرأة أو الرّجل [ويتسبّب] بتغييرات أخلاقيّة، كما نجد ذاك في بعض الأفلام – حتّى في أوطاننا – الّتي تعرض العلاقات العائليّة بصورة مخالفة للإسلام، ونحن نرى أنّ هذا يؤثّر في الروابط والعلاقات بين الزوج والزوجة، ويؤثّر في كيفيّة التحدّث والتّواصل مع بعضهم، وفي كيفيّة [إصدار وتلقي] الأمر والنهيّ وغير ذلك، فهذا كلّه خلاف الشرع وهو حرام.
يجب على الوالد والوالدة أن يمنعوا أولادهم مِن مشاهدة هذه الأفلام المُفسدة، ولكن بالطريقة الّتي اقترحناها [عليكم سابقًا حين تكلّمنا] حول طريقة أمرهم بالمسائل الأخلاقيّة والإسلاميّة وتربيتهم عليها.
في معنى الاعتبار والحقيقة والفرق بينهما
سؤال مِنَ الحضور: عفوًا، تحدّثتم قبل قليل عن المسائل الاعتباريّة؛ فهل كلّ شيء دنيويّ فانٍ هو مِنَ الأمور الاعتباريّة؟ وما هو الاعتبار بالضبط؟
جواب سماحة السيّد:
المسائل الاعتباريّة هي المسائل الّتي لا أساس لها في الواقع. ومثال ذلك الرياسات والدّرجات والمراتب العسكريّة وغيرها مِنَ المراتب الّتي اعتادها الناس، كرئاسة الجمهوريّة ورئيس الوزراء والنواب، [فترون] الناس ينتخبونهم وبعد يوم مثلًا يعزلونهم ويطردونهم مِنَ الرئاسة، [فتلك الرتبة حينئذ هي] أمر اعتباريّ، يعني هو أمر لا أساس له في الواقع، بل الإنسان يَخلق هذا الاعتبار وآخر يأخذ به؛ فاليوم يكون فلان رئيسًا للجمهوريّة ثمّ [بعد ذلك] يصير كسائر الأفراد، فهذه المسألة لا استقلال لها، إذ لو كانت مستقلّة كان لا بدّ أن يثبت هذا الشخص في هذه الرتبة والرياسة، والحال أنّه لا يقدر على ذلك.
ونحن نرى أنّ تسعة وتسعين بالمائة مِن أحوال الدنيا هي مِن هذا القبيل. [ومثال ذلك أيضًا] جمع الأموال، فهي مِنَ المسائل الاعتباريّة، لأنّه إذا كانت لديكم اليوم أموالًا في البيت أو ادّخرتموها في مكان آخر، فاتّفق أن أتى سارق وسرقها جميعها، فهذه الأموال تُنسب إليكم مِن ناحية إلّا أنّه لا استقلال [لهذا الانتساب] ولا واقعيّة له، لأنّ هذا السّارق استطاع أن يدخل البيت مسلّحًا ويهدّدكم ويأخذ منكم أموالكم، فكيف والحال هذه يصحّ أن نقول أنّ هذه الأموال لنا واقعًا ولا يستطيع أحد أن يسلبنا إيّاها؟! وكذلك الحال بالنسبة إلى أطفالنا وصحّتنا وأملاكنا وجميع الأمور الأخرى كالزواج مثلًا، فقد يصدف موت الزوج أو الزوجة للشخص المتزوّج اليوم، فهذه الحياة كلّها حياة اعتباريّة وكذلك الطفل (...)۱.
والمسائل الاستقلاليّة والواقعيّة والحقيقيّة هي المسائل الّتي لا تزول أبدًا، كحقيقة الله تعالى، فالله تعالى لا يزول أبدًا، وكحقيقة عالَم الوجود وحقيقة القيامة والجنّة والنّار ومراتب كمال الإنسان، فهذه أمور واقعيّة. أما المال فهو اعتباريّ، لأنّه يوم يأتي ويوم يذهب، والزوج اعتباريّ لأنّه يوم يكون ويوم لا يكون، وكذلك الزوجة فهي اعتباريّة، والطفل اعتباريّ، والمِلك اعتباريّ، لأنّ اليوم يعطوننا هذا المِلك وغدًا يسلبوه منّا، أو يقنّنون قانونًا في المجلس أو يفرضون ضرائبًا فيسلبون منّا هذا المِلك. على كلّ حال، فكلّ أمور الدّنيا – الموجودة أمامنا وخلفنا وإلى جانبنا – اعتباريّة سوى الله تعالى، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ}۱، يعني أنّ الحقّ موجود فقط في الله تعالى، حتّى أنّ النبيّ والأئمّة – مِن جهة نظرنا إليهم – اعتباريّات، لأنّ النبيّ يوم يأتي ويوم يذهب.. كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول أنّ مِن [أشدّ] الأيّام وآلمها علَيّ هو يوم وفاة النبيّ، أي اليوم الّذي فقدَ فيه النبيّ، فقدْ كان هذا مِن أصعب الأيّام عليه، واليوم الآخر هو اليوم الّذي فقدَ فيه زوجته فاطمة سلام الله عليها. نعم، وكان الإمام الحسين × يقول في يوم عاشوراء أو في ليلة عاشوراء «يا دهر أفٍّ لك مِن خليل»٢، فيوم تعطينا رفيقًا وغدًا تسلبه منّا، فما هذه الدنيا!! هل يمكننا أن نعتمد على هذا الدّنيا؟! وهل يمكن أن تكون هذه الدنيا مستقلة، ونحكم عليها بأنّها حقيقة؟! أبدًا، فاليوم أنا جالس هنا وأتكلّم معكم ولا أدري ماذا يفعل الله تعالى وهذه الدنيا بي بعد ساعة أو بعد غد، هل سأكون حيًّا أو ميّتًا...؟! فمِنَ اللّازم على الإنسان أن يرى وينظر إلى هذا العالَم بعين الآليّة والاعتبار لا بعين الاستقلال.
والمهمّ بالنسبة لنا أن نقوم بتكاليفنا.. ونحن نجد في بعض هذه العلاقات فائدة وقد أمرنا الله تعالى بها، كالعلاقة بين الزوج والزوجة، والعلاقة بين الوالدة والأولاد.. فهذه علاقات [مفروضة] مِن الله تعالى، ويجب علينا أن نقوِّيها وأن نقوم بهذا الواجب، والله تعالى يُعطينا أجرًا، يعني أنّه يعطينا أجرًا إذا كانت هناك محبّة وعلاقة بين أفراد العائلة، كما كان السيّد الوالد يقول دائمًا أنّه يجب أن تكون بين الزوج والزوجة محبّة وعلاقة ليس فيها انفكاك أبدًا، ويجب عليهم أن لا يتجنّبوا هذه العلاقات، بل عليهم أن يكونوا بصدد ازديادها واشتدادها، وأن لا ينظروا إلى هذه العلاقة على أنّها تصرِفهم عن العلاقة بالله تعالى، لا، بل العلاقة بين الزوج والزوجة، وبين الوالد والوالدة وبين الأطفال، هي في طول العلاقة بالله تعالى لا في عرضها. ومع هذا كلّه، علينا الالتفات إلى أنّه يمكن أن يأتي يوم يكون بيننا وبين هذه الأمور فراق. هذا هي مسألة الاعتبار والحقيقة.
كيفيّة الحجاب ومرحلة فرضه على الفتاة
[السؤال: هل نحجّب الفتاة في عمر التاسعة أو الثانية عشر؟ وكيف يجب أن يكون الحجاب؟]
[جواب سماحة السيّد:]
بالنسبة للحجاب في العمر الّذي تفضلتم به، في التاسعة وفي الثانية عشر، نعم هو لازم، فاللباس الكامل لازم في هذه السنوات، والقناع ولبس السروال جيّدان في هذه المرحلة، ولا يجوز تأخيره إلى وقت البلوغ.
يوجد هنا تكاليف مختلفة؛ تكليف بالنسبة للشخص [نفسه]، وتكليف بالنسبة للوالد والوالدة. أمّا بالنسبة للطفل، فليس عليه تكليف، فلو مات في هذه المرحلة فلن يؤاخذه الله تعالى، لأنّه معصوم وغير بالغ. ولكن بالنسبة إلينا [نحن الآباء] فتكليفنا اتّجاههم أن نراقبهم ونربّيهم حتّى يكونوا مستعدّين للقيام بتكاليفهم بعد البلوغ، وهذا ما نسمّيه في الفقه بالتكاليف الإلزاميّة بالنسبة إلى الغير؛ إذ التكاليف قد تكون بالنسبة إلى الشخص نفسه، وقد تكون بالنسبة إلى الغير؛ والتكاليف الإلزاميّة هي التكاليف الّتي تلزمنا على تربية أولادنا.
فيجب علينا أن نُلزم الفتاة مثلًا بلبس الجوارب في هذا العمر مع لبس البنطلون، ولكن إذا كان لبس البنطلون كافيًا فلا يجب لبس الجوارب الّذي بهذا الحجم. وعلى كلّ حال، لا يجوز إظهار الفتاة في هذه السنوات بحيث يكون شعرها ظاهرًا بوضوح وبدون السروال والبنطلون، بل يجب عليهم لبس هذه الأمور.
سؤال مِنَ الحضور: عفوًا، بالنسبة للجوارب أليس واجبًا؟
جواب سماحة السيّد: إذا كان عمر الطفلة خمس سنوات مثلًا، أي إذا كانت صغيرة، فيحسُن لها لبس الجوارب، ولكن إذا كانت أكبر مِن ذلك فيلزم حينئذ لبس السروال.
سؤال مِنَ الحضور: هل تلبس الجوارب مع السروال؟
جواب سماحة السيد: جوارب القَدَم غير لازم.
السائل: حتّى بعد السنوات التسع؟
جواب سماحة السيّد: حتّى للبنت ذات السنوات التسع.
سؤال مِنَ الحضور: يعني إذا لبسنا نحن السروال، ألا يجب علينا لبس الجورب؟
جواب سماحة السيّد: لا، ليس واجبًا.
السائل: يعني ألا يجب إخفاء ظاهر القَدم؟
سماحة السيّد: أتقصدون للبنت قبل السنوات التسع؟
السائل: لا، بل بعد السنوات التسع.
جواب سماحة السيّد: بعد التسع سنوات لازم، نعم.
سؤال مِنَ الحضور: عفوًا، تكلمتم عن القميص والبنطلون، فهل طول القميص يؤثّر؟
جواب سماحة السيّد:
إذا كان القميص الطويل كافيًا [فالسّروال] غير لازم، حتّى بالنسبة للمرأة وحتّى بالنسبة للكبار، فنحن لا نكلّفهنّ بلزوم لبس السروال، ولكن مِنَ اللازم عليهنّ مراعاة بعض الحالات والتغيُّرات كالرياح وبعض الأمور الأخرى؛ وقد شاهدت بعيني في الشوارع بعض المشاهد الفظيعة لأفراد لم يلبسوا السروال، على هذا فمِنَ اللازم عليهنّ لبس السروال. على كلّ حال، ليس في المسائل الفقهيّة إلزام في لبس السروال، نعم، ولكن ذلك [يدور مدار] المصلحة؛ فقد ترى إحداهنّ أنّ السروال بالنسبة إليها غير لازم، وقد ترى أخرى [أنّه لازم]، والمهمّ [في المقام] هو الحجاب، هذا هو المهمّ.. ولكن لبسها للسروال على كلّ حال يحفظها مِن كلّ شيء حتّى في الأحوال والظروف المتغيّرة.
سؤال مِنَ الحضور: هل يكفي أن تلبس الفتاة سروالًا مع قميص طويل يصل إلى ما فوق الركبة؟
جواب سماحة السيّد: نعم، هذا يكفي.
السائل: هذا يكفي؟
جواب سماحة السيّد: يكفي، نعم.
أسئلة مِنَ الحضور: لأيّ عمر يصحّ هذا، أيصحّ لفتاة في عمر التسع سنوات؟ وهل يكفي في القميص أن يكون إلى ما فوق الركبة، أم يجب أن يطول إلى ما بعد الركبة؟ عفوًا، تريد المكلّفات أن يعرفن كيفيّة الحجاب بشكل عامّ للمرأة؟ يعني هل يجوز للمرأة أن تلبس سروالًا مع قميص إلى الركبة أو تلبس سروالًا مع قميص إلى الورك؟ وهل يجب أن يكون القميص طويلًا مولانا؟
جواب سماحة السيّد: على كلّ حال، الحجاب هو أن لا يظهر حجم البدن؛ مثلًا قد ترى المرأة أنّه يكفيها [في ذلك] أن تلبس قميصًا طويلًا إلى القَدم دون أن تلبس سروالًا تحته، فإذا كان ذلك لا يُظهر حجم البدن فهو كافٍ. وقد ترتدي لباسًا وقميصا ضيّقا وسروالًا ضيّقا بحيث يكون شكل وحجم الرِجل [والبدن] واضحًا، فهذا حرام. وعلى كلّ حال، إذا لبست الفتاة أو المرأة مثلًا [قميصًا] إلى الركبة وكان سروالها ضيّق في هذا الجزء [مِنَ البدن]، فهذا أيضًا حرام. وإذا لبست قميصًا، وإن كان أعلى مِنَ الركبة، ولكن كان سروالها بشكل لا يظهر معه حجم البدن، فهذا ليس حرامًا.. فالمناط هو ظهور وعدم ظهور حجم البدن، هذا هو المهمّ.
سؤال مِنَ الحضور: سؤال سيّدنا، هل هناك فرق في مسألة الحجاب بين البنت بعد التسع سنوات أي المكلّفة حديثًا، وبين البنت الكبيرة أي المرأة؟
جواب سماحة السيّد: لا، ليس هناك فرق، فإنّ التكليف هو نفسه.
سماحة السيّد: مسألة التكليف في الحجاب واضحة، ولكن فيما يخصّ مسألة العقاب؛ فإن الأصدقاء بصدد تفريغ الأشرطة الصوتيّة إن شاء الله، وقد دوّنتُ رسالة في بلوغ المرأة وفي كيفيّة تكليف المرأة، وبيّنتُ بشكل مبسوط مسألة تكليف المرأة؛ أيكون في التاسعة أم الرابعة عشر أم حتّى بعد الخامسة عشر، [وتحدّثتُ فيها] عن بعض الأحكام، وبيّنت الفروق [في ذلك]. أمّا بالنسبة للحجاب - فكما تفضّلتم - إذا بلغت الفتاة السنوات التسع لزَمَ عليها الحجاب [وأن يكون] الحجاب كاملًا.
مَن هم الأويسيّون وما هي أهميّة الأستاذ وأدواره
السؤال: هل يستطيع الكبير حتّى الأولاد الوصول إلى مراتب الكمال النفسيّ بدون ارتباط بأستاذ مرشد؟
جواب سماحة السيّد:
بالنسبة إلى الكمال يقولون – حتّى أنّ جميع الأولياء والعرفاء يؤيّدون هذا الأمر وهم متأكّدون منه – أنّه مِنَ اللازم على الإنسان أن يختار لنفسه أستاذًا في سيره وسلوكه، ويلزم عليه أن يطبِّق أوامره ونواهيه في كلّ الظروف. فهذه المسألة مؤكّدة مِن قِبَل جميع العرفاء. ولكن يتواجد أحيانًا بعض الأفراد الخاصِّين، يكونون مؤيّدين مِنَ الله تعالى، والله تعالى يأخذ بأيديهم مِن دون الأستاذ الكامل ومِن دون رجوعهم إلى الأستاذ الكامل. ولكن هؤلاء الأفراد قليلون، ونحن نسمّيهم بالأويسيّين؛ أمثال أويس القرنيّ الّذي كان في زمن النبيّ، ولكنّه لم يره، فهو لم يكن صحابيّا [بمعنى أنّه لم يصاحب النبيّ ظاهرًا]، فقد كان أويس القرنيّ في اليمن ولم ير النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) طوال حياته، ولكنّه كان يراقبه ويؤيّده بالولاية وأوصله إلى آخر مراتب الكمال. وهؤلاء قليلون، ونحن متأكّدون أنّ هذا ليس امتيازًا لهم، لأنّ الأفراد الّذين وصلوا إلى مراتب الكمال تحت رعاية الأستاذ والبرنامج كانوا أقوى منهم بمراتب. ومع ذلك كلّه، إذا كان للإنسان هذه الحيثيّة، فهو حينئذ وما يراه في نفسه، ولكن إذا لم ير المرء ذلك في نفسه فهذا دليل على أنّه يحتاج إلى أستاذ ومرشد.
سؤال مِنَ الحضور: عفوًا سيّد، هل يمكن أن يكون الشخص مجرّد قدوة [دون أن يكون أستاذًا]؟ وهل يوجد فرق بين القدوة والأستاذ، أم أنّه إذا كان هناك أستاذًا فهو حتمًا القدوة الحسنة؟
جواب سماحة السيّد: نعم لا بدّ أن يقتدي به.
السائل: إذا كان شخص غير ملتزم مع أستاذ، ولكنّه رأى في شخص قدوة حسنة واتّبعه، فهل يكفي أن يعتبره قدوة بدون أن يتّخذه أستاذًا؟ وهل يكفي أن يتّخذه أستاذًا بدون أن يتّفق معه؟
جواب سماحة السيّد: المهمّ في التّربية والارتقاء... هو أن يتّبع الإنسان الأستاذ وأن يستشيره في المسائل الّتي يفرضها عليه. ولكن إذا سمح له ألّا يستشيره في كثير مِنَ المسائل، بل يقتدي به دون مراجعته، فهذا يكفي حينئذٍ. أمّا إذا كان الشخص لا يتّخذ فلانًا أستاذًا لنفسه، بل يقتدي به [فقط]، فهذا يفيده، وقد يأخذ الله تعالى بيده ويوصله إلى شخص ليس بمربٍّ ولا يوصل إلى مراتب الكمال. على كلّ حال، إذا كان الإنسان لا يرى أنّ هذا الشخص أستاذًا وليس متأكّدًا ولا متيقّنًا أنّه أستاذ، فينبغي له أن يقتدي بمَن يرى أنّه الأحسن بين الأفراد.
سؤال مِنَ الحضور: ما هي أدوار الأستاذ؟ وهل له عدّة أدوار غير القدوة؟
جواب سماحة السيّد: مسألة الأستاذ مسألة مهمّة جدًّا، لأنّ ما نعتبره أستاذًا [بالمعنى] الاصطلاحيّ هو الّذي وصل إلى مرتبة الفناء وحقيقة الفناء والولاية التكوينيّة، أي ولاية الإمام عليه السلام، الإمام المهديّ، وهذه آخر المراتب، فالمرتبة الأخيرة هي مرتبة الفناء والبقاء بعد الفناء والأهليّة لتربية الأفراد، هذا هو الدور الأخير للأستاذ الكامل. فإذا وصل الإنسان إلى هذا الأستاذ، عليه أن يتّبعه كاتّباعه للإمام (عليه السلام)؛ مثل السيّد الوالد، فهو قد وصل إلى هذه المرحلة، أي مرحلة البقاء بعد الفناء والسيّد هاشم الحدّاد، وكان السيّد الوالد يقول دائمًا: إنّي أراكم كما لو كنتُ أرى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأتابعكم كما لو كنتُ حاضرًا عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأتابعه.۱ هذا هو الأستاذ الكامل.
ولكنّ إذا لم يصل الإنسان إلى هذا المرحلة، كما اتّفق ذلك مع سيّدنا الوالد؛ حيث كان السيّد الوالد قد وصل إلى السيّد الطباطبائيّ في قم وأخذ منه الدستور والبرنامج السلوكيّ، مع أنّ السيّد الطباطبائيّ لم يكن قد وصل بعدُ إلى تلك المرحلة في ذلك الزمن. ثمّ ذهب السيّد الوالد إلى النجف وتتلمذ على الشيخ عبّاس هاتف القوجانيّ (رحمه الله)، مع أنّه لم يكن كاملًا، وكان السيّد الوالد يصفه بأنّه صادق وذو نفسيّة جيّدة. وكذلك تتلمذ السيّد الوالد على الشيخ محمّد جواد الأنصاريّ الّذي كان أكمل منه٢. وقد استفاد مِنَ السيّد جمال الموسويّ الكلبيكانيّ، وغيره مِنَ الأفراد. وهذه الدورة مِنَ حياة السيّد الوالد استغرقت عشر سنين، وبعد هذه السنين العشر وصل إلى السيّد هاشم الحدّاد الّذي كان الأستاذ الفريد والوحيد الواصل إلى تلك المراتب، أي مرتبة البقاء بعد الفناء، فاتّبعه بكلّ وجوده وحيثيّاته. وقد تعرّضتُ لهذه المسألة في الرسالة الّتي أرسلتها لكم. على هذا، فدور الأستاذ يختلف، فبعضهم لم يصل إلى تلك المرحلة وبعضهم وصل.. وعلى كلّ حال، يجب على الإنسان أن يتّبع الشخص الخبير في هذه المسائل، حتّى يفرّج الله تعالى عنه ويسهّل عليه الأمر ويفتح له مِن خزائن رحمته ويفرّج عنه ما يَهمُّه.٣ و ٤