المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمناسبات الإسلامية
المجموعةالنصف من شعبان
التاريخ 1432/08/15
التوضيح
محاضرة ألقاها سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني قدس سره في الخامس عشر من شعبان من هذا العام (1432هـ)، وقد عالج فيها الحديث المتواتر (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة) فأوضح معالم الجاهليّة قديمها وحديثها، ومظاهر الجهل بالرسول وبالإمام عبر التاريخ، متوقّفاً عند بعض النماذج المعاصرة في هذا المجال، وحيث أنّ المحاضرة ألقيت لدى تعمّم بعض طلبة العلوم الدينيّة، فقد تعرّض سماحته لبيان بعض وظائف العالم من بيان الحقائق وحفظ حريم الولاية. وفي المحاضرة نقاط عديدة تلفت انتباه القارئ منها: الفارق بين الإمام وغيره من العلماء، قصّة أحد الطلبة مع المحسن إليه وتقديمه زيارته على زيارة أمير المؤمنين عليه السلام، زيارة سماحة السيّد للغار التي اختبأ فيها النبيّ صلّى الله عليه وآله في معركة أحد، آراء بعض علماء الشيعة في السقيفة ومواقف الخليفة الثاني حيال النبيّ صلّى الله عليه وآله والسيّدة الزهراء عليها السلام،معرفة الإمام ليست بمعرفة اسم أمّه وأبيه وشيء من سيرته، من هم الذين عرفوا الإمام حقّاً؟ إطلاق ألقاب الأئمّة على غيرهم عبر التاريخ، بوارق الأمل بالفرج القريب، حقيقة ولاية الإمام عليه السلام ليست بعلمه الغيب وقيامه بالخوارق بل هي أرفع من ذلك بكثير.
هو العليم
ميتة الجاهلية بين الماضي والحاضر
محاضرة يوم النصف من شعبان سنة ۱٤٣٢ هـ ق
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
(اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد)
وعلى آله الطيّبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
بعدما طرحه السيّد المحترم وأخونا المبجّل۱، صارت المسألة تامّة الوضوح، ولم يبق لنا كلامٌ نضيفه، فهو لم يترك لنا ما نقوله، مضافاً إلى أنّني اليوم أشعر أنّ حالي ليست على ما يُرام، ولولا خصوصيّة مجلس هذا اليوم والذي يتشرّف فيه كذلك بعض الإخوة الروحيّين بالزيّ الديني، ويتوّجون بتيجان الملائكة؛ لكان من الممكن أن أُحرم توفيق حضوره.
بين الجاهليّة القديمة والجاهليّة الحديثة
إنّ هذه الرواية الواردة عن الإمام عليه السلام حيث يقول: «من مات ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليّةً» لهي من الروايات التي سمعها كلّ منّا، وتأمّل في جوانبها. وقد تكون بالنسبة لنا أو لبعضنا باعثة على الاستغراب والاستبعاد، فهي تقول: إنّ الذي يموت وهو لا يعرف إمام زمانه، فميتته ميتة أهل الجاهليّة، يعني: كالأفراد الذين عاشوا في الزمن السابق على ظهور الإسلام وماتوا فيه!!
فمن هم أولئك الذين ولدوا وماتوا في الجاهليّة؟
أولئك هم الذين كانوا يعبدون الأصنام ويَئدون البنات؛ {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَت}٢؛ والموؤدة: هي التي دُفنت حيّة! أي كان الرجل يأتي ويدفن ابنته ذات الأربع سنوات أو الخمس سنوات وهي تبكي! وكم هي عجيبة تلك الرواية حيث يأتي رجلٌ إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله ويصف له كيف وأدَ ابنته، والتي كانت تساعده في حفر القبر بيدها الصغيرة!!(واقعاً عجيب جدّاً!! فكيف يمكن للإنسان أن يصدّق ذلك؟!)وكان النبيّ يصغي إليه ومقلتاه تجودان بالدمع تأثّراً!!
هؤلاء إذاً هم أصحاب الجاهليّة، هم الذين كانوا يصنعون من التمر أصناماً، حتّى إذا ما أصابهم القحط و الجوع، هجموا على آلهتهم تلك فتناولوها غذاء، ولكلٍّ منهم نصيب بحسب ما يصل إليه منه!! فلأحدهم رأسه، وللآخر رجله و هكذا... فكلّ امرء وحظّه من آلهته!!!(على سبيل التهكّم والملاطفة)
نعم، كان الأمر كذلك في الجاهليّة. ولا تظنّوا أنّ المسألة كانت مختصّة بالعرب وحدهم، بل كانت بين الفرس وغيرهم أيضاً.
لكنّ هذا الأمر لا يبعث على العجب كثيراً، فهل تظنّون أنّ هذا الزمان ليس من أزمان الجاهليّة؟! هل هذا الزمن ليس من أزمان الجاهليّة؟! هل هذا الزمان هو زمان الفكر والتعقّل والوصول إلى أعلى مراتب الإنسانيّة والقيم؟! هل الأمر كذلك؟!
لقد بيّنت سابقاً: أننّا لو نظرنا إلى البشر في عصرنا الحاضر، وإلى الجنايات العديدة التي تصدر الآن عنهم، وإلى الوقاحات الأخلاقيّة وغير الأخلاقيّة التي تبدر منهم، والتصرّفات السيّئة، وإلى قبائحهم...!! لترحَّمنا مائة مرّة على أولئك الذين عاشوا قبل ألف وأربعمائة عام! وقد وضّحت هذه المسألة للأصدقاء سابقاً، كما بيّنتُ بعضها في المؤلّفات، وما عرضته نزر يسير من الواقع.
معنى معرفة الإمام في حديث "من مات ولم يعرف إمام زمانه"
إذاً، فماذا تعني هذه الرواية: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة»؟
فالرواية تتحدّث عمّن يموت وهو لا يعرف إمامه.. فمن هو إمامنا نحن؟ إمامنا: هو الإمام الحجّة بن الحسن المهديّ أرواحنا له الفداء وحده، هذا إمامنا، فإذا متنا الآن.. ـ والرواية هذه من الروايات المتواترة، وليست مستفيضة فقط، بل متواترة؛ يعني: تمّ نقلها من قبل الرواة إلى الحدّ الذي صار لها حكم الآية من آيات القرآن، فهذا ما يطلق عليه رواية متواترة.. تماماً كآيات القرآن.. فهنا تواترٌ لفظيّ! فضلاً عن التواتر المعنويّ ـ فالإنسان الذي يموت ولا يعرف إمام زمانه...
من هو الذي لا يعرف إمام زمانه؟
لقد بيّنوا لنا ذلك، فهل معرفة إمام الزمان هي معرفة المعلومات الموجودة في بطاقة الهويّة؟! فإن كان الأمر كذلك، فكلّنا يعلم من هو والد الإمام: هو الإمام الحادي عشر، وهو الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وهذا الأمر ملعوم للجميع، حتّى اليهود والنصارى يعرفون ذلك! حتّى البهائيّون يعرفون ذلك! فهو ليس بالأمر الهام بحيث يجهله البعض أو يغيب عنهم. فهل هذا هو مراد الإمام من الرواية؟! إن كان الأمر كذلك إذاً فاعمدوا إلى جريدةٍ من الجرائد واكتبوا:
إنّ الإمام الذي ينبغي علينا أن نعرفه، وإلاّ صار موتنا موتَ جاهليّةٍ هو التالي: أبوه هو الإمام العسكري عليه السلام، وأمّه هي السيّدة نرجس خاتون، وقصّة مجيئها وزواجها من الإمام العسكري كانت في زمن الإمام الهادي عليه السلام، وهي كانت من الروم ـ والمعروفة بإيطاليا في عصرنا الحاضر ـ وقد ذكر في التواريخ قصّة مجيء السيّدة نرجس خاتون؛ من حصول الحرب وأسرها وبعض المقدّمات... جميل جدّاً، فالمعلومات كلّها لن تتجاوز نصف صفحة، وقد عرفناها وفهمناها جميعاً، حتّى اليهود والنصارى والبهائيّون وغير البهائيّين.. الملحدون والمادّيون والشيوعيّون، كلّ الناس علموا تلك المعلومات، وانتهى الأمر، ولم يعد هناك من مشكلة! ولم يعد هناك للجاهليّة من ذكر! عندما كان في الخامسة من عمره توفّي والده، فأسبغ الله عليه حلّة الإمامة، وامتدّت غيبته الصغرى خمساً وسبعين سنةً، وفي الغيبة الصغرى كان تواصله مع الناس عبر أربع رجال هم نوّابه الخواصّ: عثمان بن سعيد، ومحمّد بن عثمان، وحسين بن روح، والرابع هو عليّ بن محمّد السَمُريّ، ثمّ أتى التوقيع الشريف من الإمام إلى عليّ بن محمّد السَمُريّ، قال فيه الإمام: إنّك لن تبقى أكثر من ستّة أيام، فأوصِ بوصيّتك، وبعدها ستبدأ الغيبة الكبرى، حسناً لقد علمنا بذلك كلّنا وأدركناه، ففي النهاية كنّا نجلس تحت المنابر، نقرأ كتب التواريخ التي تعرّضت لهذا الأمر، والغيبة الكبرى مستمرّةٌ حتّى الآن، وكذلك ما سيحصل إلى زمن ظهوره.
وكلّ من قام بتعيين وقت لظهور الإمام سواءً من الشيعة أم من غير الشيعة، فقد انكشف كذبهم جميعاً، بلا استثناء! فجميعهم خادعوا الناس وساقوهم حيث يريدون، وكلّ ذلك كان كذباً، أليس كذلك؟!
هذه هي المعرفة التي نعرفها جميعاً ولله الحمد؛ فهل أنجزنا ما علينا؟! ألم يعد هناك مشكلة؟! فالحمد لله إذا متنا الآن، لن يكون موتنا موت جاهليّةٍ، ولم يعد عندنا أيّة خشية أو قلق على ديننا ونقصنا و...!!
إن كان الأمر كذلك، فما الفرق بيننا وبين المسيحيّين؟ فهم يعلمون ذلك أيضاً! أليست هذه هي المعرفة المطلوبة؟! إذاً انتهت المسألة!
ما الفارق بين الإمام وغير الإمام من العلماء؟
«من مات ولم يعرف إمام زمانه... »، لكن الآن أنا أريد أن أسألكم سؤالاً كما أتوجّه به إلى سائر الناس، أسألكم: ما هو الفرق بين إمام الزمان و بيننا نحن؟ بين الإمام وبين رجلٍ عالمٍ... ـ وبالطبع لا نسأل عن الأفراد الذين لا علم لهم بالعلوم الدينيّة ـ فما الفرق بين إمام الزمان وبين أحد علماء الدين؟ أرجو أن يجيبني أحدكم!
الجميع يعرف تلك المعلومات: من أبوه؟ ومن أمّه؟ من أين أتت أمّه؟ وكيف كانت علاقتها مع الإمام الهادي وابنه الإمام العكسري عليهما السلام؟ ومتى توفّي والده؟ ومتى توفّيت السيّدة نرجس خاتون؟ فهذه المسائل كلّنا نعرفها. وكما قلت لكم حتّى اليهود والنصارى يعرفونها، وحتّى أهل السنّة يعرفونها؛ ألا يعرف أهل السنّة من سكّان مدينة سامرّاء هذه المسائل؟ بل جميعهم يعرفونها، وقد يعرفونها أفضل منّا! حسناً جداً، طالما يعرفها الجميع، فهل يعني ذلك أنّ المسألة قد انتهت ولله الحمد؟!
لكن لو أردنا أن ننظر إلى المسألة بنظرة أدقّ وأعمق، فبدلاً من أن نشغل أنفسنا بهذه المسائل: متى سيخرج الإمام؟ و"حسن علي" قال: سيخرج الإمام سنة ألف وأربع مائة و كذا..، و"حسين علي" قال: سنة ألف و...، و"السيّد تقي" قال: كذا وكذا...، دعونا نضع كلّ هذه الادّعاءات جانباً، فقد ثبت كذبها أجمع.. وكلّها كاذبة، وبدلاً من ذلك دعونا ندقّق أكثر في المسألة، فأنا أسألكم هذا السؤال، أسألكم أنتم وغيركم، فسؤالي للجميع؛ لو جاء شخص وسألكم: أنتم يا من تدّعون حبّكم لإمام الزمان ذلك الحبّ العظيم، وتلطمون على صدوركم، وتقيمون الاحتفالات ليالي النصف من شعبان... ماذا يفعل إمام الزمان في غيبته؟ ما فائدته؟ وهل هناك فرق بينه وبين أيّ عالمٍ دينيّ؟ حسناً جداً، إن كان هو يأتي ويعلّمنا الأحكام، فعالم الدين يعلّمنا الأحكام أيضاً، ألا يفعلون ذلك؟! فكلّ هؤلاء العلماء يأتون ويعلّمون ويبيّنون الأحكام. أليس كذلك؟! فما الفرق إذاً؟ لوأنّه يأتي ويخبرنا عن شريعة جدّه النبيّ، فجيّد، لكن فعلاً هو غائب الآن ولا يخبرنا بأيّ شيء! ها!
أوَلم نسمع البعض قالوا: لو أنّ إمام الزمان يظهر، لفعل عين ما نفعل نحن الآن؟! ألم نسمع ذلك؟! هل حلّت المشكلة إذاً؟! وهل صار إمام الزمان مثلنا؟ مثل الحقير وغير الحقير؟!!!
حسناً! فنحن نبيّن الأحكام، وهو سيبيّن الأحكام عندما يأتي!! والفارق الوحيد۱ ـ إن كنّا نريد أن نعظّم الإمام ونبجّله ـ أنّه عندما يدعو الله فإنّ الله يستجيب دعاءه دوننا. لكن نحن أيضاً كذلك، فإن دعونا وأراد الله الاستجابة استجاب لنا وإن لم يرد لم يستجب! إذا فما الفرق؟!
وسأجيبكم الآن بنفسي على هذا السؤال!!
قصّة أحد العلماء مع حاكم أصفهان
في إحدى الليالي كنت برفقة المرحوم الوالد ـ ومن خلال هذه القصّة ستعلمون لماذا كان إمام زماننا غريباً؟! وسنفهم معنى غربته! وسنعلم لم هو غير معروف! وسنعلم لماذا نقبع نحن جميعاً في الجاهليّة!؟ ـ في إحدى الليالي كنت بصحبة والدي رضوان الله عليه، وكانت ليلة الثامن والعشرين من شهر صفر، وهي ليلة شهادة النبيّ صلى الله عليه وآله، وكنّا آنذاك في مشهد، فذهبنا إلى منزل أحد علماء مشهد المشهورين، وقد توفّي الآن، وليس من حاجةٍ إلى ذكر الأسماء، وكان هناك جمعٌ من العلماء، وكانت ليلة يُقرأ فيها العزاء، وكانت قد جاءت إلى المنزل بعض مواكب اللطم، فانتظرنا حتى انتهوا من اللطم، وكان يبدو أنّهم جاؤا من بعض النواحي المجاورة.
وفي تلك الليلة ارتقى صاحب المنزل بنفسه المنبر ليخطب ويقرأ مجلس العزاء، وكان رجلاً طاعناً في السنّ، وكان عالماً من المحصّلين، ورجلاً محترماً ذا بيان جميل، وكان عمره آنذاك قد جاوز السبعين، وتحدّث يومها لمدّة ساعة ونصف.
وقد أشار ضمن خطبته التي ألقاها إلى قصّة من القصص، وهي أنّه في الزمن السابق، (وعلى الظاهر قبل حوالي مائة سنة، وهذه القصّة التي رواها قرأها الحقير أيضاً في الكتب)، كان هناك رجلٌ في أصفهان، وكان حاكماً لها، و يعمل على حلّ المشكلات في تلك المحافظة، وكان يدعى: الصدر الأصفهاني، وكان رجلاً ثريّاً جدّاً ومن أهل الخير يتردّد عليه الناس. وكانت له قصّةٌ لكن لا شأن لنا بها، المهم أنّه كان من أهل الخير والمساعدة، وكان الفقراء والمحتاجون يرجعون إليه في حوائجهم فيساعدهم حسب قدرته.
وفي يوم من الأيام كان جالساً في مضافة منزله، وكانت واسعةً جداً، فرأى أنّ سيّداً من طلاب العلوم الدينيّة جاءودخل الباب ومشى قليلاً لكنّه عاد أدراجه ورجع، فتعجّب من ذلك! لماذا لم يأت إلينا؟! إن كان له شغل معنا فلمَ لم يأتِ؟! في اليوم التالي رأى أنّ الأمر تكرّر مرّة أخرى! حيث اقترب ذلك السيّد الشاب قليلاً لكنّه عاد أدراجه، فزاد تعجّبه من الأمر! وفي اليوم الثالث أخبر أحد معاونيه: إنّ أحد الطلاّب من السادة جاء وفعلاً كذا، وقال له: عندما يأتي هذا السيّد مرّة أخرى لا تدعوه يذهب حتّى أعلم منه ما يريد. في اليوم الثالث: تكرّر الأمر، وعندما أراد أن يعود أدارجه أوقفه هذا المعاون، وقال له: لقد رآك جناب الصدر، وينبغي أن تذهب إليه حتماً، فذهب إليه وسأله: ما المسألة، فأنا رأيتكم لمدّة ثلاثة أيام تأتون وتذهبون بدون أن تعرضوا حاجتكم؟ فخجل منه وقال: حقيقة الأمر:هي أنّني منذ مدّة كنت ذاهباً إلى الدرس، وفي أحد الأيام وقع نظري على فتاةٍ من الفتيات، وكانت رائعة الجمال، والخلاصة أنّ قلبي تعلّق بها، لكن لمّا عرضتُ الأمر على والدتي، قالت لي: هيهات أن يكون ذلك فهي فلانة، ابنة فلان، وأين هي منزلتك منها؟! وبالتالي صرت في وضع لا أحسد عليه، ويئست من المسألة، فوالدها من التجّار المعروفين...، فقال له: تعال إليّ غداً صباحاً.
كان الصدر الأصفهاني يعرف والد تلك الفتاة. وفي صباح اليوم التالي جاء ذلك السيّد الشاب، وذهب بصحبة الصدر الأصفهاني بالعَربة إلى منزل ذلك التاجر المعروف، فطرقوا الباب، ولمّا فتحوا الباب وجدوا أنّ الصدر الإصفهاني حاكم إصفهان عند الباب! فرحّبوا به كلّ ترحيب، وعندما جلسوا وتبادلوا السلام وعبارات الترحيب والسؤال عن الأحوال، قال الصدر: لقد أتيت إلى هنا لأجل أمرٍ معيّن، وعندي مسألة أريد أن أذكرها لك. فقال له: ماهي؟ قال: لو أنّ رسول الله جاء إلى هنا وخطب إليك ابنته لولده، ورغب بمصاهرتك، فما كنت لتفعل؟ قال: حتماً سأفتخر بذلك، فأيّ فخرٍ أعلى من يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله إليّ ويخطب ابنتي، فهذه مصاهرة مع الرسول! قال: جميلٌ جدّاً. أنا الآن أتيت إليك بالنيابة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله لأخطب ابنتك لابن رسول الله هذا! فابتهج الوالد وأبدى رضاه، ولكن في النهاية الأمر يحتاج إلى مقدّمات أخرى فهناك فرقٌ بين رسول الله وبين الصدر. فقال الصدر: المسألة تنطوي على مسألتين؛ الأولى: وهي المسألة المعيشيّة، وأنا مسؤول عنها. والأخرى: هي رضاكم ورضا كريمتكم. فالأولى: أنا المسؤول عنها، سأعطيه منزلاً، وسأمنحه أرضاً في المكان الفلاني للزراعة، وسأهبه بعض الخدّام للخدمة، وكذلك المهر وتكاليف الزواج...، المسألة الأخرى: من جانبكم وهي رضاكم ورضا ابنتكم. فقال الأب: إن كان الأمر كذلك، نحن ليس لدينا أيّ مانع، وهناك وفي نفس المجلس عقدوا قرانهما، وذهب الشابّ بعروسه إلى منزله، وانتهت المسألة. لقد كان هذا الفعل جيّداً جداً، كان عظيماً جدّاً، كان فعلاً صحيحاً يرضاه الله، وهذا ما ينبغي فعله.
حسناً، إلى هنا ليس هناك أيّ تعليق، ولكن من الآن فصاعداً نريد أن ندقّق بالأمر!!
وبالطبع بعد مدّة توفّي الصدر الأصفهاني، فأخذوه إلى النجف ودفنوه في وادي السلام. وذلك الطالب تابع دراسته، ثمّ أصبح من علماء أصفهان البارزين، ومن أئمّة المساجد، وممّن يرجع إليه الناس في أمورهم ومسائلهم. وفي أحد أسفاره التي قصد فيها النجف للزيارة مع عائلته، كان يصحب في سفره هذا أحد أصدقائه أيضاً، في عصر ذلك اليوم، قال له صديقه: دعنا ننهض فنغتسل ونذهب إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام. فقال السيّد: اذهب أنت وسألحق بك. فسبقه صديقه واغتسل وزار، ثمّ وجد أنّ صديقه السيّد لم يأتِ إلاّ مع حلول المغرب. فقال له: أين كنت؟ فقد انتظرتك هنا في حرم أمير المؤمنين. فقال له السيّد: لقد كان في عنقي دينٌ، فذهبت أوّلاً لقضاء ديني ثمّ أتيت. فقال له: أيّ دين هو؟ فأخبر صديقه بقصّته تلك: بأنّني عندما كنت في شبابي حصل كذا وكذا، والصدر الأصفهاني فعل كذا وكذا. وأنا رأيت أنّ من غير المناسب... وهاهنا يقشعرُّ بدننا من الخوف مع مرور اللحظات! ـ رأيت أنّ من غير المناسب مع كلّ ذلك اللطف والكرم الذي قام به هذا الرجل بحقّي أن آتي إلى هنا، فلا أذهب إلى قبره أوّلاً!! ولذا ذهبت إليه أوّلاً مدّة نصف ساعة، وقرأت له الفاتحة، ثمّ بعد أن قضيت ديني، الآن آتي إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام.
من هذا؟! هذا هو عالم أصفهان الذي مات ميتةً جاهليّةً!!
ومرادي هنا!
إنّ نفس ذلك العالم الذي كان على المنبر يروي لنا هذه القصّة، هو أيضاً كان يؤيّد ذلك التصرّف حينما قال السيّد الأصفهاني: أنا لا يحقّ لي أن أذهب أوّلاً إلى أمير المؤمنين!!
هل رأيتم مدى معرفته بالإمام؟!
لكن كان هناك أحد العلماء، وأعتقد أنّه ما زال على قيد الحياة؟ ولا علم لي به الآن. كان من العلماء السادة وفجأةً رفع صوته وقال: لا أبداً غير صحيح!! هكذا رفع صوته بين كلّ الناس وقال: لا أبداً غير صحيح!! ما قلته هو «أصلٌ مثبت»!!.
و«الأصل المثبت» من اصطلاحات الأصوليّين، والأصدقاء من الطلبة والفضلاء يعرفون أنّ «الأصل المثبت» غير جائز وأنّه ساقطٌ عن الحجيّة، لكن بالطبع بشروطه وخصوصيّاته، والأمر يتعلّق بمباحث «علم الأصول».
عندما خرجنا من هناك، نظر إليّ المرحوم العلامة وقال: هل رأيت كم هو فهم الناس للولاية؟!
كان عمره سبعين سنةً، وكان يؤيّد ما قام به عالم أصفهان حيث قال: بلى، عندما يكون برقبته دين وحقّ، فهل يذهب إلى أمير المؤمنين أوّلاً؟! لا أبداً، بل أوّلاً نذهب إلى قبر الرجل ونؤدّي ديننا إليه، ثمّ بعد ذلك نزور، نعم الآن نقوم بزيارة من الزيارات، فهذا في النتيجة هو أمير المؤمنين، وهو أيضاً له علينا حقّ، فقد قاتل من أجلنا، ونزف دمه...
هذه هي نظرة هؤلاء للمسألة!! ونحن الآن كذلك مثلهم!! نحن كذلك مثلهم!!
لقد قال المرحوم العلامة: إنهم لا يعلمون.. هل رأيتم أولئك الذين يقولون: ما الفرق بيننا وبين إمام الزمان؟ ما الفرق؟ إنّهم لا يعلمون أنّ كلّ خيرٍ في عالم الوجود إذا صار له تحقّق عينيّ وخارجي، فمصدر ذلك الخير هو الولاية.
يخطئ ذلك السيّد حينما يعتقد أنّ الصدر الأصفهاني كان يستطيع أن يحرّك ساكناً من دون إرادة إمام الزمان عليه السلام!! فماذا تقول يا ضعيف الفهم؟! ماذا تقول؟! في رقبتك حقّ؟! هو لا يستطيع أن يرمش رمشة عينٍ بدون إرادة الوليّ الحيّ.. لا يستطيع أن يفكّر لحظةً.. فعندما أتى ذلك السيّد الأصفاني (طالب العلم)، من الذي جعل الصدر الأصفهاني يلتفت إليه في الإيوان؟!
ألا نجد الآن أنّ البعض كتب كتاباً حول علم الإمام: أيّ علم للإمام؟ ما هذا الكلام؟ فحال الإمام كحالنا إن أراد الله له أن يعلم عَلِم، وإن لم يرد لم يعلم!! لا يختلف عنّا أبداً!!
تفضّلوا وانظروا إلى هذه العيّنة من العلماء، تفضّلوا!!
بين معرفتنا بالإمام ومعرفة الصحابة بالرسول صلّى الله عليه وآله
والآن أنتم، أزيحوا تلك الألف والأربع مائة سنة التي تفصلنا عن زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله، افترضوا أنّنا في زمن رسول الله، فكم هي معرفتنا بالنبيّ صلّى الله عليه وآله؟ كم هي معرفتنا؟
هذا هو سؤالي لكم؟ كم نعرف عنه؟ ماذا نعرف عن ولايته؟
إن كان للرسول حاجبان، فنحن كذلك نملك حاجبين فوق أعيننا، فما الفرق إذاً؟ النبيّ كان له عين وأنف وفم وكان يأكل الطعام.. يأكل الخبز.. يأكل اللحم.. يشرب الحليب.. يشرب اللبن. نحن أيضاً نأكل مثله، فما الفارق بيننا إذاً؟ ما هو الفارق؟ ها ما الفرق؟ كم بقي النبيّ صلى الله عليه وآله بين الناس؟
لقد كنت بالأمس أنقل هذه الفكرة لضيفين من الضيوف الكرام:
بقي النبيّ بين الناس مدّة ثلاثة وعشرين عاماً لا ينبغي أن نأخذ هذه المسائل بالبساطة، بل ينبغي أن نفكّر عميقاً بها، ينبغي أن نعلم أين يكمن الداء.
التفتوا جيّداً! ثلاثة وعشرون عاماً، ولست أقول ما أقول ممازحاً، بل لا بدّ أن نغوص في التفكّر.. لا بدّ أن نعرف أين هي المشكلة والمرض؟ ولماذا لا نسعى إلى حلّها؟ وهل يجب أن يضاف كلّ يوم شيء جديد من الآلام والمشكلات؟ هل هذا ما قدّره الله لنا؟ أهذا هو تقدير الله لنا: أن تزداد مشكلتنا يوماً بعد يوم؟ وكم أضيف من الآلام حتى الآن، فما نراه أنّها تتضاعف وأنّ عقلنا يتضاءل، والله هذا ما نراه! ولكن، لا ما قلته هو اشتباه، وإن شاء الله هناك بشائر وأبواب من الأمل تنفتح!!
لقد بقي النبيّ مع الناس مدّة ثلاثة وعشرين عاماً، لقد شقّ القمر ولم نقم نحن بذلك، وقد رأى الجميع ذلك، فأيّ عالم من علمائنا شقّ القمر إلى نصفين؟ لم يقم أحد بذلك، والذي قام بذلك هو النبيّ وحده، فقد شقّه نصفين وطاف نصف منه سبعة أشواط حول الكعبة وقد رآه الجميع، ثمّ ولكي يطمئنّوا إلى أنّه لم يكن شعبذة وسحراً ذهبوا وسألوا القوافل؛ فقالوا: نعم رأينا ذلك، فإذاً فعل النبيّ ذلك. كما ردّ وصيّه أمير المؤمنين عليه السلام الشمس، وقد كان مسجد ردّ الشمس موجوداً إلى بضع سنوات، ولكنّهم الآن أزالوه وعبّدوا مكانه طريقاً كي لا يبقى اسم لأمير المؤمنين عليه السلام. لا بأس بأن يملأ اسما عمر وأبي بكر جدران العالم كلّه، ولكن اسم عليّ ينبغي أن لا يبقى، لقد عبّدوه طريقاً وقضوا عليه، هذا مسجد ردّ الشمس، وقد رأى الجميع هذه الكرامة أيضاً، ورأوا كيف ردّ أمير المؤمنين الشمس وصلّى صلاة العصر. لقد شهدت الحصى، وشهدت الحيوانات برسالة النبيّ، وفي كلّ يوم من أيام حياة النبيّ قامت له معجزة، ألم تكن له معجزة في كلّ يوم؟! فقد نقلت الكتب كلّ ذلك، فأيّ تلك المعاجز نحن قمنا بها؟ فلنقل، نعم لأولياء الله وللعرفاء والعظماء أعمال وكرامات كانوا يقومون بها نادراً وقد شهدنا العشرات منها في أيام المرحوم العلاّمة، ولم تعلن في جريدة ولا في غيرها، بل كان يُعمل على كتمانها وإخفائها، جيّد؟ فهل قمنا نحن بواحدة من معجزات النبيّ؟ لم نقم، صحيح؟ هذا يرتبط بالمسائل الظاهريّة، صحيح؟ ثلاثة وعشرون عاماً كان بين الناس، وقد أصيب بالسهام والجراح في كافّة حروبه، ولم يكن من ذلك النوع الذي يقول: اذهبوا أنتم إلى الحرب بينما هو جالس في مكانه، لا لم يكن كذلك، فقد أصيب بضربات السيوف ورميات السهام إلى حدٍّ عجيب...
زيارة سماحة السيّد لـ "غار أحُد" وبيان ما جرى على النبيّ فيها
وفي تلك العمرة الأخيرة التي وفّقت لها قبل أسبوعين ـ وفّقنا الله جميعاً لها مع معرفة ـ قمت بزيارة موضع معركة أحد، وقد كنت منذ سنوات أرغب بالذهاب إلى الغار التي حمل الإمام عليّ النبيّ إليها في معركة أحد، فقد حمله خوفاً من المشكرين بعد أنّ فرّ الجميع، والتفّ خالد بن الوليد، ولم يبق سوى أحد عشر محارباً على الجبل من أصل خمسين أمرهم النبيّ بالبقاء عليه، هل رأيتم معنى "من مات ولم يعرف إمام زمانه"؟ فقد قال لهم النبيّ: لا تتركوا الجبل ما لم آمركم، ألم يكن هؤلاء أصحاب النبيّ؟ ألم يكن هو نبيّ الله؟ ألم يكن كلامه واجب الإطاعة؟ لقد كانوا مسلمين، وكانوا أتباع النبيّ، وقد جاؤوا إلى الحرب، ولم يأتوا لتناول الحلوى، النبيّ يقول: ما لم آمركم فلا تهبطوا، جيّد؟ ولكن ما إن رأوا أنّ الكفّار انهزموا وجاء وقت الغنائم، أخذوا بالغنائم وتركوا كلام رسول الله وجعلوه تحت أقدامهم، هذا مسلِم!! هكذا يكون المسلِم!! ونحن تماماً مثل هؤلاء، بلا أيّ فارق، وقد أثبتنا ذلك بحمد الله في جميع الموارد، لقد جعلوا كلام النبيّ تحت أقدامهم واتجهوا نحو الدرهم والدينار نحو الذهب والفضّة، تسعة وثلاثون مقاتلاً تركوا الجبل ولم يبق إلا أحد عشر، فهؤلاء لم يجعلوا كلام النبيّ تحت أقدامهم، بل قالوا: النبيّ قال: لا تتركوا ما لم أقل لكم، ولم يقل لنا بعد، ولو لم يأت النبيّ من الآن إلى يوم القيامة لبقينا على الجبل، هذا هو الإنسان المدرك، هذا هو الذي يسمّى صاحب فهم.. يستعمل عقله، فالنبيّ يقول: استعمل عقلك، لا بطنك.
بقي أحد عشر مقاتلاً، وماذا بإمكانهم أن يصنعوا في مقابل خمسمائة فارس مسلّحين بأحدث أسلحة زمانهم؟! فالتفّ خالد، وصرع بالسيوف كلّ هؤلاء الأحد عشر، ثمّ جاء إلى النبيّ، فرأى أنّ الجميع قد انهزموا، حينها قال خالد: إنّها الفرصة المناسبة للقضاء على النبيّ وعليّ، فإذا قضينا على هذين الرجلين انتهى الأمر، فرأى أمير المؤمنين أن لا سبيل للنجاة سوى بأن يأخذ النبيّ ويفرّ به، لم يكن النبيّ يقدر على الوقوف لشدّة ما أصابه من نزيف، فحمله أمير المؤمنين على عاتقه، وسار به نحو سفح الجبل حيث الغار، وهو الذي حدّثتكم عنه، لقد بقي النبيّ ساعات في ذلك الغار.
كلّما كنت أتشرّف بالذهاب إلى تلك الديار لم يكونوا يرشدوننا إلى مكانه، وكانوا يتذرّعون بذرائع ويخفون مكانه عنّا، ولكن في النهاية وخلال هذه العمرة الأخيرة، ذهبت برفقة أحد الأصدقاء وقلت: ربّما لو ذهبنا مع سائر الإخوان لم يسمحوا لنا بالوصول إليه، فذهبنا ووصلنا إلى الغار؛ حيث كان هناك رجل فسألناه وتكرّم علينا وأرشدنا إلى مكانه بالإشارة إلى أعلى الجبل، فسرنا إليه حتّى وصلنا، فوجدنا أنّه مكان عجيب، وعالم غريب، كم هو شبيه بغار حراء! إنّه غار حراء! وأيّ موضع هو وأيّ جوّ يخيّم عليه؟! فجلسنا.. جلسنا في جانب منه.. وغرقنا في أحداث حرب أحد.. في أجوائها وأحوالها... وكانت تتصاعد من الغار رائحة عطر عجيبة تغطّي مسافة أمتار حوله.. وهي نفس رائحة العطر التي يستشمّها الإنسان عندما يضع رأسه على الكعبة، فنفس تلك الرائحة تترشّح من الغار.. نعم هي بعينها... جيّد؟!
لم يكن هؤلاء ليجلسوا ويقولوا: قاتلوا.. لا بل كانوا من أوائل المقاتلين، لم يكونوا يقولون للناس اذهبوا أنتم! لقد حمل الإمام عليّ النبيّ على كتفه ولم يكن قادراً على المسير لكثرة ما فقد من دم؛ فجبهته كانت مكسورة.. ويده كانت مكسورة.. أفهل كان لأمير المؤمنين امتحان في حياته أشدّ من امتحانه بالنبيّ؟! لقد أصيب بتسعين جراحة، فالتواريخ كتبت ذلك.. وقد بقي مدّة بعد ذلك طريح الفراش لا يخرج من بيته. هكذا أوصل هؤلاء الإسلام إلينا أيها العزيز! لا بفناجين القهوة وأمثالها، ولا بالجلوس على الأرائك والاتكاء على المساند كما أجلس الآن، لا لم يصل الدين بذلك.
ارتداد الناس بعد النبيّ صلى الله عليه وآله دليل عدم معرفتهم به
لقد رأى الناس كلّ ذلك، رأوا شقّ القمر كما رأوا ردّ الشمس، رأوا شهادة الحيوانات كما رأوا شهادة الحصى، لقد رأوا كلّ ذلك، صحيح؟ كما رأوا تفجّر العين من الصحراء القاحلة، صحيح؟ ثمّ وضع النبيّ رأسه على التراب في الثامن والعشرين من شهر صفر، نعم، فمن كان عرف النبيّ حينها؟ من كان عرفه؟ الجميع كانوا قد رأوا منه عيونه وحواجبه وفمه وسمعوا منه أمره ونهيه، لقد كان عمَر وأبو بكر يريان ذلك أيضاً، فالذي كان يعرف النبيّ ينبغي أن لا يختلف لديه الأمر بعد أن أغمض النبيّ عينيه.. بعد أن توقّف هذا التنفّس لا ينبغي أن تتغيّر الأوضاع. ولكن كم رجلاً تبع علياً حينها؟ ثلاثة.. أربعة، ثلاثة أربعة، أما سائر الناس فمن اتّبعوا؟ من اتّبعوا؟ أحياناً أقول: ليتهم اتّبعوا رجلاً فيه أدنى شروط الاتباع، فإن لم ترد علياً فهناك على الأقلّ أمثال طلحة والزبير اللذين كانا آنذاك على حال جيّدة، كم رجلاً اتبع أمير المؤمنين عليه السلام؟ وكم رجلاً وقف إلى جنب عليّ يغسّل بدن النبيّ؟ ولماذا أقيمت السقيفة حينها؟!
نماذج معاصرة من الجهل بالإمام عليه السلام
والآن يأتي رجل من أهل العلم وبعد بلوغه ثمانين عاماً ومع كونه من العلماء يأتي ليقول: السقيفة من مفاخر الإسلام!! عالم شيعيّ.. لقد تمسّكوا بالسقيفة منعاً لتفرّق المسلمين وتشتّتهم!! ما شاء الله! ما شاء الله... قرّت إذاً أعيننا!! ثمّ يقال: السيد الطهراني يتكلّم على هذا وذاك.
وآخر بعد تسعين عاماً يأتي ليقول: من قال أنّ عمر واجه النبيّ أثناء احتضاره؟! هذه أحاديث مجعولة، حاشا للخليفة الثاني أن يقول بعد إسلامه: إنّ الرجل ليهجر!! هل تعلمون ما هو المعنى الصريح لكلمة "الرجل" في كلامه هذا؟ إنها تعني هذا المخلوق المحتقر الساذج.. إنّ هذا المخلوق يهذو، هذا هو أدب وثقافة جناب خليفتنا الثاني!! هذا هو المعنى الصريح والصحيح لجملة: إنّ الرجل ليهجر، فهو يموت الآن ويحتضر، ويتكلّم بكلام غير مفهوم. والجميع ينقل ذلك؛ فأهل السنّة ينقلونه في كافّة كتبهم. بعد ذلك يأتي عالِمنا الشيعيّ، نعم عالِمنا نحن، ليقول: هل يعقل أن يكون الإنسان مسلماً ويقول لرسول الله هذا الكلام؟ هل يصدّق ذلك؟ وكتابه موجود فاذهبوا وطالعوا.
الآن هل فهمتم معنى "من مات ولم يعرف إمام زمانه"؟ هل فهمتم؟ فأنا أضرب لكم الأمثلة.
وذاك الرجل الثالث ـ والذي لم يكن من إيران، بل من إحدى الدول العربيّة ـ قال: من الذي قال أنّ الخليفة الثاني قام بإحراق باب بيت ابنة رسول الله؟ أفهل يعقل أن يقعد عليّ زوجها مكتوف اليدين وزوجته تضرب، أيّها الناس لو كنتم مكانه لجلستم هكذا؟ ما شاء الله والحمد لله فأمثال هذه " النعم" وافرة، فليس لدينا واحد أو اثنان فقط، لا، الحمد لله.
ثلاثة وعشرون عاماً عاشها النبيّ بين الناس، وكانوا خلالها يتمسّحون بوضوئه تبرّكاً، ويتناقلونه من واحد لآخر ويمسحون به وجوههم، كانوا يحتجزون الأماكن خلف محراب النبيّ في الصفّ الأول، وما إن أغمض النبيّ عينيه حتّى اتّبعوا من؟ هل اتبعوا علياً؟ نفس هذا الذي كان يلتقط وضوء النبيّ توجّه إلى السقيفة، فمن هو الذي عرف النبيّ إذاً؟ لم يعرفه أحد سوى ثلاثة أو أربعة فقط: سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار ومحمّد بن أبي بكر؛ فهناك رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يذكر فيها أنّ محمّد بن أبي بكر كان من الأربعة الذين اتبعوا عليّاَ عليه السلام بعد النبيّ، وينبغي أن يقال له محمّد بن عليّ، فهنيئاً له، هذا كان شيعيّاً، هذا كان شيعياً حقاً.
كيف علينا نحن أن نعرف الإمام عليه السلام؟ ومن هم الذين عرفوه حقاً؟
حسناً! نحن أين موقعنا من كلّ ذلك؟ فلنختبر أنفسنا؟ هل يكفي أن نشارك في احتفال الخامس عشر من شعبان؟ فاليهوديّ والنصرانيّ قد يقيمان احتفالاً كهذا؟ هذا أمر سهل.. الزينة والمصابيح وأمثالها ليست أموراً ذات شأن، وللأسف حتّى هذه المظاهر تضاءلت في مجتمعنا الآن! فأين هي اليوم مما كانت عليه فيما مضى؟! إقامة المجالس ليست أمراً صعباً، إضاءة المصابيح ليست بالأمر العسير، مدح صاحب الزمان ليس فيه مزيد شأن؛ يقال: أنّ مؤذّن إحدى القرى مرض يوماً فبحثوا عن مؤذّن آخر فلم يجدوا، فطلبوا من يهوديّ أن يؤذّن، ارتقى اليهوديّ المئذنة وقال: على ما يقول المسلمون: أشهد أن لا إله إلا الله، على ما يقول المسلمون: أشهد أنّ محمّداً رسول الله (اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد)، فكلّنا نتقن هذا الظاهر، فهو ليس أمراً صعباً أبداً، ولكن كم أتقنّا من العمق هنا، لو كان لدينا عمق وباطن ألا يؤثّر على أفكارنا؟ وعلى سلوكنا؟ هل يجب أن يظهر إمام الزمان لكي تقوموا بذلك؟ نعم؟ جيّد، فلنفترض أنّ إمام الزمان الآن ورد علينا من هذا الباب وجلس مكان هذا المتكلّم الذي يقوم بإيلام رؤوسكم بكثرة كلامه فقدّمنا له احتراماتنا وتحيانا وقلنا له: تفضّلوا علينا أنتم بدوركم لبضع دقائق، فماذا سيقول الإمام؟ ماذا سيقول؟
هل سيقول كلّما رأيتم شيئاً مكتوباً على الجدار توجّهوا نحوه توجّه الأبقار وأعملوا بكلّ ما كتب؟ هل سيقول مهما رأيتم من رجل وعلى أيّة هيئة كان فأنصتوا له وأطيعوا مهما قال؟ أهكذا؟ هل سيقول: مهما رأيتم سيلاً من الناس فانحدروا معهم انحدار الأغنام؟ أهذا ما يقوله إمام الزمان؟
إذن ما الفرق بين وجوده وعدم وجوده بالنسبة إلى قيامنا بما علينا؟ لماذا لا ينبغي أن نقوم باستخدام عقولنا شيئاً ما؟ لماذا لا ينبغي أن نرتقي بعقولنا درجة؟ لماذا لا ينبغي أن نفكّر أكثر؟ وندرك أكثر؟ لماذا نستفيد من قوى الإحساس والتوهّم والتخيّل والأعين الحسيّة بدلاً من العقل؟ أليست المباني بين أيدينا؟ ألم تلقَ المطالب علينا؟ ألم تبيّن لنا؟ ألم يبيّن لنا أئمّتنا عليهم السلام ميزان الحقّ والباطل؟ فكم منّا عمل بتلك الرواية التي تقول إذا رأيتم المسلم يصلّي فلا تقبلوا منه، وإذا رأيتموه يصوم فلا تقبلوا منه، وإذا رأيتموه مشغولاً بهذه المسائل فلا تقبلوا منه، بل انظروا إلى صدقه أصادق هو في حديثه أم كاذب؟ كم منّا هم الذين عملوا بهذه الرواية؟ ولو كنّا عملنا بها هل كانت وصلت أوضاعنا إلى ما وصلت؟ الآن نطأطئ رؤوسنا خجلاً؟! الآن؟! فلماذا لا نلتزم عملاً يجعل رؤوسنا دائماً مرفوعة، لماذا؟ لماذا نقوم بأعمال تجعلنا خرس الألسن لا نجيب؟ هل عملنا بما أمِرنا؟ هل عملنا؟ هل التزمنا بمباني العلماء العظام التي بيّنوها على مدى سنوات طوال في كلماتهم وكتاباتهم فبيّنوا الحقائق للناس، وصار لهم علينا حقّ الحياة، فلو لم يكونوا ولم تكن كتبهم لم يكن من المعلوم أن نكون اليوم هنا، وماذا كنّا صانعين؟ لكنّا مثل "حزب الريح"؟ ألم تسمعوا "بحزب الريح"؟ اليوم مع هذا وغداً مع ذاك، لكنّا بسرعة نبدّل كلامنا، فليس الأمر صعباً، فـ "نعم" تصبح "لا"، و"لا" تصبح "نعم" بكلّ بساطة، ولكن هل الإنسانيّة هي هذه؟ هل هذا هو مقام الخلافة الإلهيّة الذي افتخر الله به على الملائكة؟ هذا هو فهمنا المعاصر لخلافة الله؟ هل نحن خلفاء الله؟ ما شاء الله! خليفة الله! {فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ} هل هي تعني إذا رأيتم شبيه العجل هذا فقعوا له ساجدين، وهو الذي ينظر إذا قال فلان أنّ هذا الأمر صحيح يقول هو أنّه صحيح، اسجدوا لهذا الإنسان، ويا جبرائيل اسجد لهذا الإنسان، يا له من إله ذلك الذي يأمر بذلك!! فأنا أشكّ في ألوهيّة هكذا إله! وكأنّ لديه نقصاً في عقله! وعلينا أن نبحث عن إله آخر غيره لنعبده، فهذا هو الإله الذي قال اسجدوا لمثل هذا الإنسان؟ فكأنّه يحتاج إلى إعادة تأهيل شيئاً ما، هل هذا هو مقام الخلافة الإلهيّة؟ أم لا بل هو مقام معرفة الولاية؟ جيّد فكم رجلاً منّا عرف الوليّ؟ كم واحداً منّا عرف إمام الزمان؟ إن عرفناه صرنا مسجوداً لنا من قبل الملائكة، فمن هو مسجود الملائكة إذاً؟ المرحوم آية الله القاضي هو مسجود الملائكة.. سماحة السيّد هاشم الحدّاد، سماحة العلاّمة الطهراني، سماحة العلاّمة الطباطبائي، سماحة السيّد مهدي بحر العلوم، هؤلاء هم مسجودو الملائكة، أما القائل بأنّ من المستبعد أن يقول عمر ذاك الكلام فمتى يمكن أن تسجد له الملائكة؟ نعم، ألهذا تسجد الملائكة؟ يمكن أن يسجد له غير الملائكة...!!!
ضرورة حفظ حريم الولاية وعدم إطلاق ألقاب الأئمّة على غيرهم
وهنا نجد رواية عن الإمام العسكريّ تبيّن وظيفة العالم والمتعلّم وتتمّ الحجّة، فمن هو العالم وإلى أيّ عالم ينبغي الرجوع؟ وما هي وظيفة المتعلّم؟ فهل نحن متعلّمون؟ ونسعى إلى العلم؟ أم لا بل نسعى إلى الخيال والتوهّم؟ إن كنّا نسعى إلى الخيال والتوهّم فليس فقط إمام الزمان لا يفيدنا بل حتّى لو جاء رسول الله فلن يفيدنا، وبالفعل هو لم يفد الكثيرين! فقد رأيتم أنّهم لم يستفيدوا، لقد ذهبوا وأقاموا السقيفة، نعم، سوقٌ مزدهر.. وأمر ونهي.. لقد صنعوا وليّاً في مقابل الولاية، وسمّوه باسم الإمام أيضاً.. وسمّوه أمير المؤمنين.. ألم يسمّوه بذلك؟ لقد سمّوه أمير المؤمنين.. سمّوه إماماً وسمّوه خليفة رسول الله.. سمّوه سيّد شيوخ أهل الجنّة.. لقد فعلوا كلّ شيء وسمّوه بكلّ اسم، وقلت لكم النعمة وافرة والوعّاظ كثر والوضّاع والجعّال كثر، لقد أنشؤوا مصنعاً لوضع الأحاديث المجعولة عن رسول الله بحيث لا تنافسه مطابعنا اليوم، فهم يضعون ويضعون.. يأتي هذا فيقول سمعت رسول الله يقول: لو لم ينزل جبرائيل عليّ لنزل على أبي بكر، وأمثال هذا الكلام، فيا عجباً لهذا المَلاك الأحمق الذي ينزل على أبي بكر، فعلى الأقل لينزل على غيره إن لم يرد رسول الله.
بينما أنا جالس المسجد الحرام إذ يأتيني أحد طلاّب جامعة المدينة الدينيّة ويقول لي: هل أنت تعتقد بأنّ جبرائيل خائن؟ فقلت له: يا ولدي لقد انقضى زمان هذا الكلام، فلماذا لا زلت تلهج به، فلنشعر بالحياء والخجل، وابحث عن كلام غير هذا، وكلام ابن تيميّة وأمثاله قد انقضى أوانه، فلماذا أنت في مثل هذا الزمان وعصر الوسائل العلميّة الحديثة تتكلّم بمثل هذا الكلام، وأنّ قرآنكم يختلف عن قرآننا، قلت له: أنا الآن أقدّم لك تذكرة السفر على حسابي الخاص وتعال وانظر في منزلي لترى أنّ في كلّ غرفة من غرفه ستّ نسخ من نسخة فهد بن عبد العزيز؛ فلماذا أنتم تتكلّمون بمثل هذا الكلام؟ فلينته هذا النوع منه! ومسألتنا هي كذلك، اجعل هذه الرواية وألّف كذا وكذا، لماذا؟ لهذين اليومين من أيام الدنيا؟ ليبق نظامنا يومين من أيام الدنيا، نضع رواية وحديثاً وأشياء أخر، هكذا؟ لماذا لا نسعى إلى معرفة وليّنا؟ لا معرفة متى سيظهر؟ لقد تبيّن كذب كلّ ذلك، فلماذا لا نأتي ونفكّر قليلاً في أنفسنا؟ لماذا بعد أن عرفنا كساد متاع هذا السوق لا نأتي إلى متاع الأولياء والعرفاء والرجال العظام؟ لماذا لا نتراجع؟ لنقرأ الآن صفحتين من كتبهم؟ الآن بعد أن عرفنا أنّه ليس بإمكان الآخرين أن يكونوا أسوة لماذا لا نغيّر هذه الأسوة؟ لماذا نسعى دائماً إلى الإخفاء والكتمان؟ كفى! لماذا نريد بدلاً من الإصلاح أن نبرّر الظاهر ونموّهه، فسيأتي يوم ونسأل عن ذلك؟
عندما ذكرت في أسرار الملكوت الجزء الثاني أو في غيره قصّة المرحوم العلامة مع المرحوم العلامة الطباطبائي والمرحوم مطهّري رضوان الله عليه وكتبت أنّه قال: نحن في مشهد ولا يمكننا أن نذهب بعد ذلك لزيارة الملاّ هادي السبزواري في سبزوار، فمن يكون في حرم الإمام الرضا هنا يجب أن لا يتركه ويحوّل فكره عنه، وعندما تأتون إلى زيارة الإمام الرضا فلا ينبغي أثناء الطريق أن تقوموا بزيارة العرفاء وأولياء الله الذين على الطريق، فالملا هادي السبزواري هو من أولياء الله، بايزيد البسطامي هو من أولياء الله ومن تلامذة الإمام الصادق عليه السلام وقد دفن في بسطام مع ابن الإمام الصادق السيّد محمّد، وكذلك الشيخ أبو الحسن الخراقاني والذي يمتاز بمقام أرفع، وفي شاهرود الشيخ فريد الدين العطّار النيشابوري والذي هو من أعاظم العرفاء وأولياء الله، وشعره في أمير المؤمنين معروف، ولكن كلّ ألئك في مكاناتهم والإمام الرضا هو الأصل، وهو كلّ شيء، والإمام الرضا هو المقصد والملجأ والمأوى ومحطّ النظر، وكل ما يملكه هؤلاء هو من سفرة الإمام الرضا، هم قطرة من محيط الإمام الرضا، وهل يترك أحد المحيط ليأخذ القطرة، هذه هي مدرسة التشيّع، جيّد؟! عندما ذكرت ذلك استهجنه بعضهم وقالوا لماذا تذكر الأسماء؟ فقلت: أنا موظّف أن أتكلّم عن كلّ ما أشعر أنّه يمسّ مباني التشيّع، وإن لم أتكلّم فمن سيتكلّم؟ لو كان هناك أحد يتعهّد ذلك فأنا أصمت، ولا أتكلّم إلى آخر عمري، ما نسمعه هو خطأ، فمن عليه أن يبيّن مبنى التشيّع ومبنى الولاية؟ مهما نظرت تجد أنّ هذا يخطئ من هنا وذاك يخطئ من هناك، وهذا يراعي هذه المصلحة وذاك يراعي تلك، أنا لا يمكنني أن أبقى ساكتاً أرى أنّ فلاناً يكتب في كتابه أنّ أبا حنيفة من مفاخر الإسلام فلا أنبس ببنت شفة، لا يمكن ذلك، بل يجب أن يقال أنّ هذا خطأ أياً كان قائله، لماذا لم تكن هذه الكلمات في أقوال العلامة الطباطبائي؟ لماذا لم تكن تلك الكلمات التي تختصّ بالأئمّة في عبارات المرحوم القاضي والمرحوم الوالد العلامة الطهراني رضوان الله عليهما؟ لماذا؟ لأنّ هؤلاء هم الذين عرفوا الوليّ، هؤلاء هم الذين عرفوا الإمام، هؤلاء وصلوا إلى تلك المرتبة، فكلماتهم تختلف وعباراتهم تختلف، وما يختصّ بالإمام لا يستعملونه في غيره.. يحفظون الحريم.. لا بدّ أن يكون حريم الولاية والتشيّع والإمامة محفوظاً وإلا لا بدّ أن نجيب على سؤال إمام الزمان يوم القيامة، ولا مزاح في ذلك.
الحجّاج بن يوسف سمّى نفسه أمير المؤمنين وكان يقتل، وكان يعلّق الشيعة على المشانق والجدر، واسمه أمير المؤمنين، نعم، أمير المؤمنين.. الإمام أمير المؤمنين، ويزيد بن معاوية سمّى نفسه أمير المؤمنين وقطع رأس الإمام الحسين عليه السلام بكلّ يسر وسهولة، فهو أمير المؤمنين، جيّد جدّاً.
بناء على ذلك، صار معنى الولاية واضحاً جداً، الجاهليّة تعني عدم الولاية وعدم المعرفة، ولا يرجع الأمر إلى ألف وأربعمائة عام، فلا تشتبهوا! فهذه الألف والأربعمائة عام هي تختصّ بزمانها، وما علاقتها بنا؟ لأنّا إمّا أن نقول أنّ الرواية ترتبط بذاك الزمان أو بزماننا، فإن كانت ترجع إلى ذاك فلا علاقة لها بنا وماذا تنفعنا نحن؟ فإذاً لماذا يخاطبوننا بالرواية؟
مظاهر الميتة الجاهليّة على امتداد الزمان
فمن لم يعرف الوليّ... من هو هذا الوليّ؟ إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف وفقط، فمن لم يعرفه مات ميتة جاهليّة، سواء كان في زمان النبيّ وتوفيّ النبيّ واتبع سائر الناس من بعده فهو في جاهليّة، أو كان في زمان الإمام الحسن وخدع بجيش معاوية لقاء بضع دراهم فهو في الجاهليّة، أو كان في زمان سيّد الشهداء عليه السلام وأغواه قمح الريّ فهو في الجاهليّة أيضاً، أو كان في زمان الإمام السجّاد والإمام الباقر وهكذا سائر الأئمّة عليهم السلام إلى زمان إمام الزمان وقد قضى عشرات السنوات في خدمة أولياء الله في طهران ومشهد وغيرهما، وبعد موتهم تخلّى عن المباني فهو في الجاهليّة أيضاً، ونحن نرى نتائج ذلك، فهو في الجاهليّة بلا أيّ تفاوت، فنحن لسنا خيراً من رسول الله، وقد بقي ثلاثة وعشرين عاماً معهم فهل عطّلت السقيفة؟ لا بل أضحت بعد موته عامرة لتوّها، لأنّ الشيطان موجود، فبوفاة النبيّ لم يمت الشيطان بل أطلّ برأسه فرحاً أن ارتفع المانع من أمامي، وبوفاة أولياء الله يرتفع المانع من أمام الشيطان، ما دام وليّ الله موجوداً فهو بهذا الظاهر يقف أمام العديد من الأمور، والآن هذا الظاهر صار تحت التراب، ولا أحد يعرف عليّاً، فلنصل ولنجل! وقد صالوا وجالوا، والآن كذلك المسألة هي هذه.
وظيفة العالم بيان الحقائق
فما هي وظيفة العالم أيّها الأعزّة؟ وأتوجّه إليكم أيها الإخوة وإلى نفسي، وظيفة العالم هي أن يبيّن ما يتعلّق بولاية إمام الزمان أرواحنا فداه، أولاً علينا أن نفهم، ثمّ نبلّغ الناس، إن لم نبيّن وتذرّعنا بما يتذرّع به المتذرّعون بأنه ما علاقتنا بذلك؟ فربما يكون هناك رجل واحد صاحب استعداد، وهذا كاف، فالنبيّ سار من مكّة إلى الطائف ليهدي رجلاً واحداً وكان هذا كافياً، كان كافياً، نحن وظيفتنا أن نبيّن للناس من هو الوليّ الحقيقي و الإمام الواقعي و الحجّة الإلهية، و لكن هل يعني ذلك أن نقول لهم من هو أبوه؟! الجميع يعرف من هو أبوه و من هي أمّه؛ كلاّ، بل ينبغي أن نبيّن للناس مباني الإمام و الأشياء التي يريدها منّا، و أن نوضّح لهم تلك الأمور العمليّة التي يجب أن نطبّقها في حياتنا و في علاقاتنا الاجتماعية و الشخصيّة.. فلنبيّن للناس هذه الأمور، و لا نطأطئ رؤوسنا كالأغنام و نقول: لا علاقة لنا بذلك؛ سيأتي الإمام بنفسه و يصلح الأمور. كلاّ يا عزيزي، إذا فعلت ذلك فإنّ رأسك سيُقطع مثل ما يُفعل بالأغنام تماماً!
يجب أن تُبيَّن للناس مباني الإمام عليه السلام، و أن يُوضّح لهم ما الذي كان الإمام عليه السلام سيفعله لو كان الآن في هذه الموقعيّة؟ هل كان سيفعل ما نفعله نحن؟! و كيف كان سيتصرّف الإمام عليه السلام بخصوص هذه المسألة الاجتماعيّة مثلاً؟ فلنفكّر قليلاً و لنراجع وجداننا، فالله قد وهبنا عقلاً و وجداناً، و بحمد الله نحن لم نسلب ذلك.. ينبغي ألاّ نتجاهل الأمر و نغضّ الطرف عنه و نطأطئ رؤوسنا كأن الأمر لا يعنينا، و إلاّ سنكون كأولئك الذين ذهبوا إلى السقيفة... فلا تتخيّلوا أن السقيفة مختصّة بذلك الزمان قبل ألف و أربعمائة سنة؛ كلاّ يا عزيزي، فسقيفة بني ساعدة موجودة الآن وقد استغرقت الأرض بطولها و عرضها.. سقيفة بني ساعدة موجودة هنا، و في الخارج.. في الشوارع و الأزقة، و في ذلك المسجد و في تلك الحسينية... في كلّ مكان يوجد سقيفة بني ساعدة كما أنّ منزل عليّ و فاطمة موجود في كلّ مكان أيضاً؛ فيجب عليك أن تنظر إلى نفسك أين تجلس؟ و في أيّ المكانين هو محلّك؟ هل اتخذت مكاناً في سقيفة بني ساعدة أم أنّك في منزل عليّ و فاطمة؟ ها قد قلت كلّ شيء!
ضرورة حذر طلاّب العلم والعلماء!
كنت أودّ أن أوضّح مسألة أخرى، و لكنّني سأتركها لوقت آخر، على أنّني أرى أنّ من المؤسف ألاّ نقرأ للإخوة الأعزّاء هذه الرواية عن الإمام العسكري عليه السلام؛ فقد جال في خاطري صباح اليوم أن أقرأها لكم، ووجدت أنّ من الأفضل أن أحضر الكتاب لأقرأ منه نصّ الرواية فلا يحصل اشتباه بالنقل حتّى في كلمة واحدة... سأقرأ لكم عين نصّ الرواية، و هذه الرواية ليست رواية هذا العبد، و إنّما هي رواية الإمام المعصوم.. الإمام العسكري عليه السلام. و علينا أن نحاول تطبيقها على أنفسنا لنرى مع أيّ الطرفين نحن؛ مع هذا الطرف أم مع ذاك؟ فإنّ اجتماعنا اليوم هاهنا ليس فقط من أجل إقامة الاحتفال بمولد صاحب الزمان عليه السلام، و لا من أجل أن يغيّر الإخوان زيّهم۱... فهذا الرداء الجديد يجب أن يكون مقدّمة لنا لكي نصل إلى تلك الولاية و المعرفة، فشُريح القاضي قد أفتى بقتل ابن رسول الله بنفس هذه العمامة و هذا الزيّ، فماذا نفعه هذا الزيّ؟ لقد أدّى به هذا اللباس إلى جهنّم! وقد كان عمر بن سعد يؤمّ الناس في الصلاة في مسجد الكوفة بهذا الزيّ، و قد أعطى أمره للشمر أن اذهب و حزّ رأس الحسين و أنهِ الأمر بهذا الزي و هذه العمامة.. بنفس هذه العمامة، فذلك الرجل الحقير لم ينزع العمامة عن رأسه عندما أصدر ذلك الأمر، و ذلك لكي يرى الجميع أنّه معمّم.. بل إنّه في اليوم التالي جمع قتلاه و صلّى عليهم صلاة الميّت، و ترك الباقين.. لقد دفن جنوده و ترك ابن رسول الله و أصحابه في العراء، و لسان حاله يقول: من هؤلاء حتّى نحترمهم و ندفنهم؟!! إنّ الأمر يصل إلى هذا الحدّ يا عزيزي، فليس الأمر مزاحاً و لا هزلاً، بل الأمر جاد؛ فهؤلاء كانوا من المسلمين، و كانوا يقيمون الصلاة و يقولون: (أشهد ألاّ إله إلا الله ) في أذانهم، و كانوا يصلّون باتجاه القبلة لا بالاتجاه المعاكس، فما الذي حصل؟ إنّ الأمر يصل إلى هنا بالتدريج.. يصل الأمر بهم إلى أن يقتلوا الناس بكلّ بساطة... إنّه يقتل ابن رسول الله، ثمّ يأتي بالدليل ليبرّر تصرّفه! يقول: إنّ ابن رسول الله قد ثار على حكومة الأمير يزيد، و سعى إلى تفريق كلمة المسلمين و شقّ عصاهم فيجب أن يُحكم عليه بالإعدام، و بحمد الله القاضي جاهز و علماء السوء و كلّ ما يلزم لتنفيذ ذلك جاهز.
فأولئك يقومون بتشكيل سقيفة بني ساعدة، و هؤلاء يخرج منهم ثلاثون ألفاً فينثالون لقتال هذا "الخارجي" و لإعادة الأمن إلى دولة الإسلام! فيذهبون و يقتلون الجميع دون أن يتجاوزوا حتّى عن ذلك الطفل الرضيع الذي لم يتجاوز عمره ستّة أشهر.. حتّى الطفل الرضيع لم يسلم منهم...
و نحن يمكن أن نصير إلى ذلك ها! بل نحن كذلك، و الله العليّ العظيم نحن كذلك... بالله العليّ العظيم نحن مثلهم... إلاّ أن يأخذ الله بأيدينا.
و لهذا كان الأولياء العظام يوصوننا ألاّ نكتفي بالبكاء فقط عند مطالعة تاريخ عاشوراء، بل ينبغي أن نقرأ تاريخ عاشوراء لنأخذ منه العبرة لأنفسنا، و نستخرج منه أسوة لحياتنا و نعرف منه واجبنا و تكليفنا، فعاشوراء ليست من أجل البكاء فقط؛ فذلك لا فائدة و لا نتيجة منه يا عزيزي... لقد جاء ذلك الرجل و انتزع الأقراط من أذن بنت رسول الله حتّى أدمى أذنها و أغمي عليها، ثمّ جلس بعد ذلك ليبكي و يقول: ماذا أفعل؟ إن لم آخذها أنا فسيأخذها غيري... يعني إنّ الإنسان يصل به الأمر إلى أن يهجم على ابنة رسول الله و ينزع أقراطها من أذنها ثمّ يجلس ليبكي لحالها و يتذرّع بقوله: إذا لم آخذها أنا فسيفعل ذلك غيري، ثمّ في مساء ذلك اليوم يذهب إلى المسجد ليصلّي المغرب و العشاء.. نفس هذا الشخص يقف و يؤدّي الصلاة.. تلك الصلاة التي جاء بها جدّ هذه الطفلة.. تلك الصلاة التي جاء بها جدّها و أبوها!
و علينا أن ننتبه و نحرص على أن لا نصل نحن إلى هذا الحال، و يجب أن نفكّر بذلك و نحتاط له من الآن، فإذا حرصنا على ذلك من الآن و أعددنا له العدّة، فإنّ الله سيوفّقنا للوصول إلى مراتب أعلى و أرقى و يهيّؤنا لها، و أمّا إذا قلنا: لا مشكلة في ذلك، فإنّ الله تعالى سيقول لنا: كما قلت: "لا مشكلة" هنا، فلتقل ذلك أيضا في مكان آخر، ثمّ في مكان ثالث، حتّى يصل الأمر بك إلى ذبح رضيع الإمام الحسين الذي لم يتجاوز عمره ستة أشهر.. تذبحه بكلّ بساطة.. نعم! تذبحه! ألم يذبحوه في عاشوراء؟! وكلّ ذلك مع الاستدلال الشرعيّ الذي يبرّر هذه التصرّفات و يوجّهها.
خير الخلق وشرّهم في حديث الإمام العسكري
يقول الإمام العسكري عليه السلام في هذه الرواية التي أوردتها في المجلّد الأوّل من "أسرار الملكوت"، و كذلك أوردها السيّد الوالد في كتاب "معرفة الإمام"، و أنا نقلتها من هناك و وضعتها في المجلّد الأوّل من "أسرار الملكوت"... يقول الإمام عليه السلام بعد أن يبيّن خصوصيّات العالم: قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: من خير خلق الله بعد أئمّة الهدى و مصابيح الدجى؟ قال: العلماء إذا صلحوا.
يقول الإمام في هذه الرواية جواباً على من يسأله عن أفضل الناس بعد المعصومين الأربعة عشر: العالم الصالح.. والصالح بالصاد لا بالطاء! فالفرق بين الصاد والطاء عصاة صغيرة!! حسناً، من هو العالم الصالح؟ سيأتي الجواب على ذلك بعد قليل.
سأتجاوز بعض عبارات الرواية لكي أصل إلى موضع الشاهد.. قيل: فمن شرار خلق الله بعد إبليس و فرعون و نمرود، بعد المتسمّين بأسمائكم(هنا يجب أن ترتجف أبداننا فرقاً) و المتلقّبين بألقابكم و الآخذين لأمكنتكم، و المتأمّرين في ممالككم؟
يسأل هذا السائل الإمام عليه السلام عن أسوأ الخلق بعد أولئك الذين احتلّوا أمكنتكم و جلسوا في مواضعكم... فماذا فعل معاوية؟ لقد أخذ مكان عليّ، من أنت يا معاوية حتّى تحتلّ هذا المكان؟ تنحّ جانباً يا عزيزي. فماذا يجيب معاوية؟ يقول: كلاّ، لو لم أكن أنا موجوداً فإنّ الأرض في الشام ستُخسف بأهلها! حسناً فلتتنحّ جانباً لنرى هل ستخسف الأرض بأهلها أم لا؟ فلتُجرِ هذا الامتحان لترى النتيجة بنفسك؛ إنّك سترى أنّ الأرض لن تخسف، بل سترى أنّ الأشجار بدأت تزداد خضرة و ثماراً فوجودك غير المبارك كان حائلاً دون وصول الخير و البركة! نحن نتخيّل أشياء كثيرة، فأنا أتصوّر (و أنا أتحدّث هنا عن نفسي) أنّ جميع الموجودات في السماوات و الأرضين و الملائكة قائمة بي، بحيث لو أصابت بدني المبارك خدشة صغيرة بحجم رأس الإبرة فإنّ الأفلاك ستنهار! كلاّ يا عزيزي، ليس ذلك صحيحاً أبداً، بل إنّ عمرك لم يبقَ فيه إلاّ أيّام قلائل فلا ينبغي أن نتحسّر كثيراً، و لا ينبغي أن نفكّر بهذه المسائل كثيراً، و بدلاً من ذلك فلنفكّر بحالنا في ذلك الطرف (بعد أن نموت).
حسناً، ماذا يجيبه الإمام؟ يقول عليه السلام: «العلماء إذا فسدوا». و الآن لنا أن نسأل: من هم العلماء الفاسدون؟ فيجيبنا الإمام العسكري عليه السلام و يبيّنهم لنا بنفسه، دون أن نحتاج إلى أن نضيف شيئاً من عندنا... يقول عليه السلام: «هم المظهرون للأباطيل...»: فهم يظهرون الباطل بصورة الحقّ، فالأمر باطل و لكنّهم يلبسونه بلباس الحقّ، فهو لا يقول للناس: إنّ ما أقوله لكم باطل، لأنّ أحداً لن يتبعه إذا قال ذلك، بل هو يقول لهم: أيّها الناس،إنّ هذا حقّ، و واجبكم الشرعي يقتضي أن تفعلوا هذا الأمر و هذا هو تكليفكم، يقول ذلك مع أنّه يعلم أنّ الأمر ليس كذلك، من أين علمنا أنّه كان يعرف؟ علمناه من تغييره لكلامه و مواقفه بعد أيّام قليلة عندما تغيّرت مصلحته، فما الذي حصل يا مولانا؟
و من هنا تبيّن أنّ قوله عليه السلام «هم المظهرون للأباطيل» معناه إظهار الأباطيل بعنوانها حقّاً لا بعنوانها باطلاً.
ثمّ يقول عليه السلام «الكاتمون للحقائق...» فهم يعرفون الحقائق و لكنّهم لا يقولون ذلك للناس.. يعلمون بما يحصل خلف الستار و لكنهم يكتمون ذلك و لا يبيّنونه للناس و يتذرّعون بأنّ المصلحة تقتضي ذلك... كم أحبّ أن أعرف متى ستنتهي هذه المصلحة؟ و ما هي تلك المصلحة التي لم يتمكّن الحقير من فهمها حتّى الآن؟ فأنا لم أفهم هذه المصلحة و ذاك السيد لم يفهمها أيضا و كذا العالم الآخر، فأيّ مصلحة هذه التي لا يدركها إلاّ شخص واحد؟! يقول أبو بكر لأبيه في الرسالة التي كتبها له: إنّ المسلمين رأوا المصلحة في انتخابي خليفة لرسول الله بدلاً من عليّ لأنّ سنّي أكبر من سنّه، فأجابه أبوه: يا هذا، إذا كان الأمر كذلك فأنا أحقّ منك لأنّي أكبر منك فأنا أبوك؛ فلماذا لا يجعلونني أنا الخليفة؟! أرأيتم؛ حتّى أبوه لم يقبل به خليفةً.
هذه هي مصلحة المسلمين التي يتذرّعون بها، و الآن نسمع أنّ أحد العلماء يقول: إنّ مصلحة المسلمين هي التي اقتضت حصول سقيفة بني ساعدة! و ها هي كتاباته التي يقول فيها ذلك موجودة عندي، فهذا عالم شيعيّ معمّم، و صاحب موقعيّة مهمّة، و بعد ذلك يقول: مصلحة المسلمين هي التي اقتضت حصول السقيفة!
يقول عليه السلام: «الكاتمون للحقائق، و فيهم قال الله عزّ و جلّ {أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُون}۱...» إنّ هذا الكلام هو كلام أمير المؤمنين عليه السلام، و ناقله هو الإمام العسكري عليه السلام، فهذا هو سند الرواية و هو ليس سنداً ضعيفاً إن شاء الله [تبسّم من سماحة السيّد]، فالسند يرجع إلى الإمام العسكري... أقول ذلك لأنّنا كلّما جئناهم برواية أشكلوا عليها؛ نقول لهم: هناك في نهج البلاغة خطب توحيدية، فيجيبون: و لكنّ نهج البلاغة لا سند له! بهذه البساطة.. نقول لهم: يا عزيزي، إنّ المسائل التوحيديّة موجودة في عيون أخبار الرضا أيضاً، فيجيب: نعم و لكن سند بعض روايات عيون أخبار الرضا فيه نظر، و عندما يصل إلى رواية صحيحة فيها مطالب راقية و يجد أنّه لا يفهم شيئاً منها فإنّه يقول: نحن لا نعرف هذه المطالب، و نكِل علمها إلى أهلها... لماذا لم تقل ذلك منذ البداية و تريح نفسك؟! لماذا تلف و تدور؟! قل من أوّل الأمر: لا أعرف و لا أفهم، فنحن نعلم أنّك لا تعرف و لا تفهم فاعترف بذلك و لا تحاول المخادعة.
فهؤلاء العلماء يلعنهم الله تعالى و تلعنهم الملائكة و يلعنهم الجنّ و الإنس.
و مقابل هؤلاء نجد العلماء الصالحين، فمن هو العالم الصالح؟ إنّه عكس العالم الفاسق الذي يلبس الباطل لباس الحقّ و يقدّمه للناس على أنّه حقّ، و يقلب الصدق فيضعه مكان الكذب و بالعكس؛ فهو يرى أنّ الكلام كذب و لكنّه يقول عنه بأنّه صدق، و يرى الصدق و لكنّه يدعي أنّه كذب. هذه واحدة من صفات علماء السوء.. فماذا يفعلون غير ذلك؟ إنّهم يكتمون الحقائق و لا يبيّنونها للناس، إنّهم لا يعملون على إنارة عقول الناس و لا يوضّحون لهم وظيفتهم الواقعية و الشرعية، بل يقولون بعض الأمور و يكتمون أموراً أخرى، متذرّعين بأنّ المصلحة تقتضي ذكر هذه و كتمان تلك.
يقولون: إنّ السيّد الطهراني ينتقد العلماء كثيراً في كلامه، و هو يتسبّب في توهين العلماء...
أيّ عالمٍ هذا الذي تتحدّثون عنه؟! أيّ عالم؟ أنتم تغضبون لأنّني أنتقد بعض العلماء، و لكن ماذا عن حضرتكم و أمثال حضرتكم؛ لماذا تسكتون عندما ترون الوقاحة التي يتحدّث بها بعضهم عن الأولياء الإلهيّين؟ لماذا لا تقولون شيئاً؟ فهل تحرّك أحد هؤلاء العلماء و أجاب عندما كتب أحدهم عن السيّد الوالد ـ و هو الذي يعتبره كبار المراجع من مفاخر عالم الإسلام ـ واصفاً إيّاه بأنّه كذّاب؟ هل تحرّك أيّ أحد منهم و دافع عن السيّد الوالد؟ هل اعترض أحد على هذا الكلام و قال له: ما هذه الترّهات التي تقولوها؟ ثمّ يقولون: السيّد الطهراني يوهّن العلماء.
لماذا؟ لماذا لا يقولون شيئاً؟ لماذا لا تدافعون؟ الجواب: ليس في ذلك مصلحة.
بوارق الأمل بالفرج القريب
و لكن لا مشكلة، حيث أنّ يوماً سيأتي... و هو قادم عن قريب، فنوافذ النور بدأت تتفتّح، و الأفراد بدأوا يفهمون، و أنا هنا لا أنظر إلى ظاهر الأفراد؛ فحتّى لو كان هذا الشخص لا يصلّي، فليكن، فأنا لا أنظر إلى ذلك، و لو كانت تلك المرأة لا تضع حجاباً على رأسها، فليكن ذلك، فليس هذا هو الأساس، و إنّما المهم عندي هو قلبه و عقله، و نحن نلاحظ أنّ هذه قد بدأت تتفتّح، و هذا هو المهمّ، فالعقول بدأت تعمل و تقوى، فذلك الزمان الذي كان كلّ شخص يقول ما يحلو له ثمّ يُمنع الجميع من أن يقولوا حرفاً واحداً مقابله... ذلك الزمان قد ولّى و انتهى. ألا ترون ما يجري في الدنيا هذه الأيّام؟ فسواء قلنا أم لم نقل، فإنّ كلامنا لن يغيّر شيئاً، لأنّ سير التربية التكوينيّة يمضي و يؤدّي دوره، و أنا أرى خلف الستار وراء هذه الأمور اليد الغيبيّة لله تعالى تهيّء المقدمات لظهور حضرة بقيّة الله عن قريب جدّاً إن شاء الله، فمقدمّات الظهور لا تتهيّأ باللطم على الصدور، يا عزيزي، بل بهذه الأمور التي تحصل، فالتخيّلات و الأوهام قد بدأت بالزوال، و القداسة المصطنعة المشؤومة بدأت تنكسر، فالناس يجب أن يفهموا الحقيقة في النهاية يا عزيزي، و لا داعي للتوجيه و التأويل و... فلا بدّ أن تتضّح الأمور، و لا بدّ أن يُعرف من هم عملاء الأجانب، و يجب أن يعرف الناس دسائس الشيطان بشكل جليّ.. من أي طرف جاءت و من أيّ مكان أتت و من أيّ مجموعة و فريق كانت، فالحق ّ حقٌّ، و الحقّ سيظهر نفسه، فأنا "المتلبّس" ـ كما يعبّر الإمام العسكري۱ ـ أستطيع أن أكتم الحقائق ليومين لا أكثر، أمّا في اليوم الثالث فإنّ أمراً سيحصل وسيكشف الواقع شئت أم أبيت، و ستظهر الحقيقة رغبت أم رفضت.
و نحن يجب أن نعلم هذا الأمر المهمّ (انتبهوا لهذه القضيّة)... يجب أن نعلم أن دفّة جريان الأمور و إدارة و تدبير العالم ليست في أيدينا. لا تقولوا: لقد فات الأوان متى تقول هذا الكلام؟ يجب علينا الآن أن نطابق أنفسنا على الحقائق.. يجب أن نبادر فوراً إلى ذلك ما لم نكن قد فعلناه حتّى الآن، و يجب أن نتراجع عن أخطائنا، و نرجع عن طريق الانحراف، و يجب علينا أن نتوب عمّا فعلناه، فالله سيقبل توبتنا إن شاء الله، فالله قد فتح باب التوبة للجميع.. يجب أن نكون صادقين مع الناس و أن نتعامل معهم بصفاء و شفافيّة، و يجب ألا نكذب عليهم بل نقول لهم الصدق و الحقائق.. يجب أن نوجّه كلامنا إلى وجدان الناس، و نخاطب عقولهم السليمة، إذ سيأتي يوم نضطرّ فيه إلى مواجهة كلّ ذلك و نسلّم له، أفليس الأفضل أن نبادر بأنفسنا من الآن إلى فعل ذلك، و أن نهيّئ الأرضية اللازمة لمعرفة الحقائق لأنّه في ذلك اليوم سيكون الأوان قد فات.
حسناً، لقد تبيّن لنا العلماء الصالحون و أنّهم في الطرف المقابل من العلماء الفاسدين.
العلماء لا يكتمون الحقائق ولا يطلقون ألقاب أهل البيت على أنفسهم
إذاً من هم العلماء الذين يعدّهم أمير المؤمنين صالحين؟ إنّهم العلماء الذين لا يكتمون الحقائق و لا يظهرون الأباطيل بلباس الحقّ، و هم العلماء الذين لا يطلقون على أنفسهم أسماء أئمّة أهل البيت و ألقابهم... فلنفرض أنّني عالم؛ فلا بأس أن أقول: أنا عالم.. أنا طالب للعلوم الدينية.. حجّة الإسلام... إلى غير ذلك من ألقاب، و لكن لماذا أُطلق بعد ذلك على نفسي لقب "الإمام"؟ لماذا؟ هل هناك قحط في الألقاب؟ ألا توجد ألقاب أخرى؟ ما أكثر الألقاب يا عزيزي، فها هي أمامك فانتخب منها ما شئت، و لكن حريم الإمام عليه السلام يجب أن يُحفظ، فمن الذي ينبغي أن يحفظ حريم الإمام عليه السلام؟
يقول المرحوم الوالد رضوان الله عليه أنّه بعد أن كتب كتابه "وظيفة الفرد المسلم في إحياء حكومة الإسلام" و قال فيه أنّه لا يجب أن يطلق لقب الإمام على أحد غير الإمام... عفواً، لقد اشتبهتُ، فالكتاب الذي قال فيه ذلك هو المجلّد الثامن عشر من كتاب "معرفة الإمام"، فلقب "الإمام" لقب مختصّ بالمعصومين...
قبل شهر أو شهرين ذهبت إلى زيارة قبر المرحوم الوالد ليلاً، و كان هناك امرأتان تزوران أيضاً، و أنا لم أعرفهما، فلمّا رأتاني ابتعدتا عن القبر، فذهبت و قرأت الفاتحة، فلمّا أردت أن أغادر المكان اقتربتا منّي و سألتاني: لقد سمعنا أنّ السيّد العلاّمة كان رجلاً عظيماً جدّاً.. و أنّه كان إماماً. فأجبت (بشكل قاطع و حازم بحيث أنهما تفاجأتا كثيراً): كلاّ، و يخطئ كثيراً من يقول عنه أنّه إمام، فالإمام هو ذاك (و أشرتُ إلى قبر الإمام الرضا عليه السلام) و أمّا العلاّمة فهو نائب الإمام، فهو عالم و وليّ الله و عارف و نحن لا ندرك مقامه، كلّ ذلك صحيحٌ مقبولٌ و لكنّه ليس إماماً.. الإمام هو ذاك، ثم قلت لهما: نحن عندنا اثنا عشر إماماً و فقط، فقالتا: يا للعجب، فماذا عن كذا و كذا؟ فقلت: إنّ ما أعرفه هو أنّ عندنا اثني عشر إماماً، و بالإضافة لهم لدينا معصومان آخران فقط هما رسول الله و السيّدة الزهراء ليكون المجموع أربعة عشر معصوماً لا غير صلوات الله و سلامه عليهم جمعين، و قد أخطأ كثيراً من يقول أنّ السيد الوالد كان إماماً، فقولوا لمن يقول ذلك نقلاً عنّي: لقد أخطأت كثيراً في ذلك.
يجب علينا أن نبقى ثابتين حيال مباني التشيّع وأسسه، ولا نخشى من أيّ شيء؛ فالخروج عن حدود الثقافة الشيعيّة وحريمها هو جريمة كبرى ستجعلنا عُرضةً ـ لا قدّر الله ـ لغضب صاحب الولاية وطرده. أولئك الذين لم يضعوا ألقاباً... كان المرحوم العلامة يقول: عندما كتبت في هذا الموضوع جاء أحد الأشخاص ـ أنتم تعرفونه لأنّ الرفقاء في نهاية الأمر قد قرؤوا وهم مطّلعون؛ لهذا فلن أذكره بالاسم لأنّ مرادي واضح ـ وبعث إليّ برسالة يقول فيها: لماذا أنتم تقولون بأنّ اسم الإمام لا يجوز... وكلام من هذا القبيل، وقد قرأت هذه الرسالة التي لم تشتمل إلاّ على كلام حماسيّ وشعارات ونحو ذلك، ممّا يبعث على الأسف الشديد، والحال هي الحال!
فإذا جاء يوم من الأيّام وانكشفت فيه الحقائق كما ينبغي، فما هو الجواب الذي يُمكن لهؤلاء حينئذٍ أن يُقدّموه. قال المرحوم العلاّمة: قدم هذا الرجل إلى المنزل، وقد كنت متواجداً هناك في ذلك اليوم، حيث رأيته وفتحت له الباب فصعد إلى الأعلى، وأمّا أنا فلم أجلس في الغرفة بل ذهبت لأداء أعمالي. لقد جلس يتحدّث مع العلاّمة لمدّة ساعة ويقول: ما الإشكال في أن نطلق لقب الإمام على المرحوم السيّد الخميني؟ لقد كان المرحوم السيّد الخميني رجلاً عالماً فاضلاً فقيهاً، لا شكّ في ذلك، إلاّ أنّ الإمام هو لقب مختصّ بالأئمّة. قال [المرحوم العلاّمة]: لقد ألزمته الحجّة فلم يحر جواباً والتزم بأنّ إطلاق لفظ الإمام منحصر بالمعصومين الاثني عشر، وكان اليوم التالي يوم الجمعة، وكان المرحوم العلاّمة في تلك الأيّام يذهب لأداء صلاة الجمعة ـ ثمّ بعد مدّة وبعد أن أصيب بمرض قلبيّ لم يعد يشارك في هذه الصلاة ـ وكنت في ذلك اليوم مريضاً، فلم أتمكّن من الخروج من المنزل أصلاً، ولذلك فقد قال لي المرحوم العلاّمة أنت لا تستطيع الذهاب، فذهب هو برفقة بعض الأصدقاء لأداء صلاة الجمعة التي كانت تُقام في تلك الأيّام بحسب الظاهر في صحن القدس. كان الخطيب الذي يتحدّث قبل صلاة الجمعة هو نفس ذلك السيّد الذي كان البارحة مع المرحوم العلاّمة، فقال [المرحوم العلاّمة]: لقد سمعته وأنا تحت المنبر يقول لمرّات عديدة: إمام، إمام، إمام! ما معنى هذا.. ما معنى هذا؟! أنت الذي لم تُحر البارحة جواباً، وقد كنت أسمع صوتك، لقد كنت أسمع وإن لم أكن في تلك الغرفة، وقد قال المرحوم العلاّمة بأنّه قد أُفحم، ومعنى ذلك أنّه لم يبق له أيّ مجال للحديث. يا عزيزي! ألم يكن يقتضي الأمر أن تحتاط كحدّ أدنى، فكلّ هذا الحديث حول الاحتياط.. التوقّف.. الشبهة وغير ذلك ممّا في كتبنا ودروسنا، وقد درسنا ذلك.. ألا ينبغي بعد كلّ هذا الكلام أن تقوم بالاحتياط كحدّ أدنى! يا سيّدي، لم يأت الوحي بضرورة أن تقول، لكن كان عليك أن تحتاط، لكنّنا ومع ذلك لا نحتاط، فماذا يعني ذلك؟ يعني أنّنا نفس أولئك الأشخاص، يعني أننّا نقتفي أثر تخيّلاتنا وأوهامنا وأنّنا واقعون في ميتة الجاهليّة وكذلك نموت. هذا هو معنى ذلك، وهكذا هو الأمر أيضاً.
إذن، يجب علينا أوّلاً ألاّ نكتم الحقائق، وثانياً ألاّ نُظهر الباطل بمظهر الحقّ والحقّ بمظهر الباطل. هذا فيما يخصّ العلماء.
وظيفة الإمام حيال عموم الناس
لكن ماذا عنكم أنتم؟ فأنتم أيضاً لكم تكاليفكم الخاصّة، فلا تظنّوا أنّ إمام العصر قد أهملكم، بل إنّه محيط بكم، فلقد أمسك بتلابيبنا نحن كعلماء بإحكام، كما أمسك بكم أنتم أيضاً، كيف ذلك؟ استمعوا الآن لما يلي: لا جَرَمَ أنَّ مَنْ عَلِمَ اللهُ مِنْ قَلْبِهِ مِنْ هَؤُلاءِالقَوْمِ أنَّهُ لا يُرِيدُ إلا صِيَانَةَ دِينِهِ وَتَعْظِيمَ وَلِيِّهِ،لَمْ يَتْرُكْهُ في يَدِ هَذَا المتَلَبِّسِ الكَافِرِ، لا جرم: حتماً ولا شيء سوى ذلك، وقد ترجمت هنا في الكتاب: "من البديهي"، وهو لا يتوافق مع معنى "لا جرم"؛ فمعنى "لاجرم" هو: أنّ الأمر هو قطعاً ويقيناً كذلك. أنَّ مَنْ عَلِمَ اللهُ مِنْ قَلْبِهِ مِنْ هَؤُلاءِ القَوْمِ: كلّ من اطّلع الله على قلبه، وإذا اطّلع الله فإنّه يرى، بخلافنا نحن الذين لا نرى القلب، بل نرى الظاهر فقط، فعندما أنظر إليكم الآن، هل أرى ما هي نيّتكم؟ هل أعلم ما هي النيّة التي أتيتم بها إلى هنا؟ هل أتيتم لكي تسمعوا الكلام وتعوه أم لكي تنقلوا الكلام؟! هل أعلم بذلك؟ أنا لا أعلم بالطبع، فأنا أرى الظاهر فقط، أراكم تضحكون وتتبسّمون... ولكن يا عزيزي عندما أتكلّم فأنا أوجّه كلامي للجميع، وليس فقط لهؤلاء الحاضرين، بل للجميع؛ لأنّ الجميع ينطبق عليهم اسم الإنسان، والجميع يمتلكون ضميراً ووجداناً، والجميع يتمتّعون بالفكر، والجميع مسؤولون أمام الله. وأنا أذكر دائماً للإخوان بأنّ الكلام موجّه للجميع، لكن قد يأتي شخص ويفهمه بطريقة، ويأتي شخص آخر ويفهمه بطريقة أخرى، والله يشهد بأنّني لا أقوله إلاّ عن إخلاص، وقد أثبتُّ أيضاً في بعض المواضع بأنّني أريد الخير للجميع، لقد أثبتّه وبرهنت عليه.
عندما ينظر الله تعالى، فإنّه وبدل أن ينظر إلى العينين والحاجبين و غيرها، فإنّه ينتقل فجأةً وبشكل مباشر إلى تلك الجهة، فالله تعالى لا ينظر إلى العينين والحاجبين، ولا ينظر إلى الضحك والعبوس، بل ينظر إلى ما هو مختفٍ وراء تلك الضحكة، وما هو مختفٍ وراء ذلك الوجوم، وإلى ما يقوله ذلك القلب، هذا هو الذي ينظر إليه. فالله أوّلاً، ثمّ الأئمّة، وأولياء الله في المرتبة الثالثة، هؤلاء عندما كانوا ينظرون... كان يأتي المرحوم العلاّمة... يا لها من حالات كنّا نعيش فيها! كنّا نذهب إلى المرحوم العلاّمة، وكنّا نُريد أن نتحدّث معه بطريقة معيّنة، فكان يضحك ويقول: قوم يا عزيزي! قم إلى عملك! فنحن نعلم ما تريد، لا تحاولوا أن تحتالوا عليّ، ففي بعض الأحيان كان يقول لنا ذلك، أو يُعبّر بنحو آخر، وبدورنا كنّا نقوم من نذهب، نعم، لا تحاولوا أن تحتالوا عليّ، وبحسب قول السيّد الحدّاد: لو كان الكلام موجوداً في السماء الرابعة، لأتيت به ووضعته بين يديك. هؤلاء الثلاثة يفهمون، أي الله والأئمّة والأولياء الذين لا يُمكن مخادعتهم، إذ أنّه بإمكاننا مخادعة هذا وذاك من خلال الضحك والكذب وغير ذلك، وأمّا بالنسبة للأولياء، فما أن ينظروا حتّى يعرفوا حقيقة الأمر قائلين: لا مجال الآن. دعوني أتحدّث! لا فلا وقت لديّ الآن! لماذا لا يُجيبنا العلاّمة، لماذا هذا السيّد لا يسمح لنا أبداً بالكلام؟! اذهب الآن، فهو لم تسنح له الفرصة لذلك،الله ينظر إلى القلب، وعندما ينظر الله تعالى إلى القلب ماذا يحصل؟ فالقلب على نوعين: قلب مريض، مثل قلب ذلك السيّد. فالعلاّمة كان يبيّن له الحقّ، يا سيّدي العزيز! لمـّا أتيت إلى حريم عليّ بن موسى الرضا، لماذا نسيت فيوضاتك! فوليّ الله كان يُرشدك إلى الحقّ، لماذا إذاً لا تخضع؟ لماذا لا تحتاط كحدّ أدنى؟ لماذا؟ لماذا تتجاهل الحقّ؟ لماذا تصرّ على ذلك؟ هل تخاف؟ تخاف من أنّك لو قلت في هذا الموضع نعم... كحكاية ذلك الذي ذهب إلى الكُتّاب فقيل له: قل ألف، قال: لن أقول، قيل له: لماذا؟ قال: لو قلت ذلك، لقيل لي في الغد قل: باء، وبعد الغد قل: تاء، فيجب بذلك أن نستمرّ إلى الياء؛ لأنّه لا يُمكن حينئذٍ التوقّف في أحد المواضع، لأنّ حروف الهجاء كم هي؟ ثلاثة أو اثنان وثلاثون؟ لا أعلم بالتحديد كم هي! ويجب الاستمرار إلى الأخير. ولهذا لا يجب أن نقول منذ البداية "ألف"! قل ألف! نبقى محدّقين ولا نقول أيّ شيء، ونفعل ما يحلو لنا! يا سيّد قل ألف، عسى أن ينفذ إلى دماغك شيءٌ ما، فيتبدلّ ذلك الجصّ إلى خلايا حيّة. يا عزيزي! أنا أُريده أن يبقى جصّاً، فلا شأن لك بذلك أبداً. ضرب الاثنين في الاثنين ثمانية عشر، فلا دخل لأيّ أحد في ذلك! أريده أن يبقى جصّاً! ليبق إذاً، فالله تعالى لا شُغل له بالجصّ، صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون، فعندما ينظر الله تعالى إلى القلب فإنّ هذا القلب على نوعين: إمّا أن يكون القلب مريضاً، عين هذا... مُغلق، عليه غلاف وغشاء، فلا يُمكن العبور بعد ذلك من أيّة فتحة. وأمّا الثاني، فعلى الخلاف من ذلك، هو قلب قد ترك مجالاً... لِنَر ما هي المسألة، لِنَر ما الذي يُريد أن يقوله، هل يا تُرى أخطأت هنا! هل يا تُرى...! هذا هو القلب الذي يسعى نحو اتباع الحقّ. فعندما يرى الله تعالى أنَّهُ لا يُرِيدُ إلاّ صِيَانَةَ دِينِهِ: هذا القلب هو قلب يسعى حقيقةً إلى المحافظة على دينه، ولا يُريد أن يُسلّم دينه لهذا وذاك، ولا يرغب في الخضوع لقول هذا وذاك، بحيث كلٌّ من قال له شيئاً يقول سمعاً وطاعة! ماذا؟ سمعاً وطاعة! الويل لك! لا ينبغي أن تقول للجميع سمعاً وطاعة! ينبغي أن ترى ما الذي تفهمه أنت بنفسك، و ما هو الذي تشعر به. لا يُرِيدُ إلا صِيَانَةَ دِينِهِ وَتَعْظِيمَ وَلِيِّهِ: يُريد أن يحافظ على دين الله، ويسعى إلى تعظيم وليّ الله، لا أن يحطّ من قدر وليّ الله حتى يصعد هو إلى الأعلى؛ فوليّ الله لن ينزل إلى الأسفل أبداً، أنت الذي تسافلت، أنت الذي خسرت، أنت الذي لم تحصل على هذه الفائدة، فوليّ الله ثابت في مكانه، ولا يتزعزع منه، غاية الأمر أنّك أنت الذي أضحيت تعيساً. فإذا كان الإنسان على هذه الشاكلة لَمْ يَتْرُكْهُ في يَدِ هَذَا المتَلَبِّسِ الكَافِرِ: فالله يأخذه من يد الكافر.. أي نفس هذا الحاكم، نفس ذلك الشخص الذي يُريد أن يُعرّضه للهلاك، نفس ذلك العالم الذي يأتي ويُظهر له الباطل بصورة الحقّ.
يقول الإمام العسكري: إذا كانت النيّةُ التي عقد عليها المرءُ قلبَه صادقةً، أي عوض أن نذهب إلى هنا وهناك ونستمع إلى هذا المنبر وذلك المنبر ونقرأ هذا الكتاب وذاك، فإنّنا نلجأ أوّلاً لتصحيح هذه النيّة وتطهيرها، وعندئذٍ نقول سمعاً وطاعةً لكلّ ما يقال إذا ما صدر من منبع حقيقيّ وأصيل. فإذا صدقنا النيّة وطهرّناها، لن تعود لنا حاجة إلى المنبر والعزاء والمجلس والكتاب وغيرها، فما يُريده الله يأتي ويضعه بنفسه، فالله تعالى يمتلك ألف وسيلة، بل آلاف الوسائل وآلاف الطرق. لَمْ يَتْرُكْهُ: لم يدعه الله تعالى في يد هذا المتلبّس الكافر، أي ذلك العالم الذي تقمّص لباس العلم والتقوى، لكنّه في حقيقة الأمر شيطان، وشيطان يُلقي العلم.
يقول الإمام: لاَ جَرَمَ: لا شيء سوى ذلك ـ وسنحتاج هذه العبارة لاحقاً ـ لَكِنَّهُ يُقَيِّضُ لَهُ مُؤْمِناً يَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ، ثُمّ َيُوَفِّقُهُ اللهُ لِلْقَبُولِ مِنْه: ينصب له على الطريق مؤمناً، أي شخصاً يده متصلة بمكانٍ ما، شخصاً صار فكره منفتحاً، شخصاً لا يرغب في أن يبقى عالقاً داخل الجصّ، ينصب له على الطريق مؤمناً يأخذ بيده بمختلف أنواع الوسائل، فمثلاً يكون سائراً في الطريق، فيُسلّم عليه أحد الأشخاص: السلام عليكم، كيف أحوالكم؟ تعال يا سيّدي لكي أساعدك، ومن قبيل هذا الكلام، فينفتح بذلك الحديث، ثمّ يلتفت فجأةً.. ياللعجب! من كان ذلك الشخص؟! لأذهب في أثره لكي أطّلع على حقيقة الأمر، فيا لها من كلمات قد نطق بها! أنعم به وأكرم! يا للعجب مِن هذا القلب الغافل! "آب در كوزه وما دور جهان مي گرديم"۱ ياللعجب! كيف تكون مسألة من هذا القبيل في هذا الكتاب دون أن نطّلع عليها لحدّ الآن! كيف يُمكن لكلام من هذا القبيل أن يكون في هذا الشريط ونحن غافلون عنه! إلى ماذا يؤول الأمر؟! يقوم ويذهب إلى محلّ لبيع الكتب قاصداً شراء كتاب معيّن، فيجد بجانبه كتاباً آخر، شريطاً آخر... لِنشتر هذا أيضاً لكي نطّلع على ما فيه، ياللعجب! ما هذا؟ يا له من كلام! يالها من مسائل! وذلك لأنّ قلبه مفتوح، وأما لو لم يكن مفتوح القلب، فإنّه يأخذه ويضعه في زاوية حتى يتجمّع عليه ركام من الغبار دون أن يطّلع عليه، بل يذهب للاستماع إلى نشيد! ليتفرّج على أُغنية، ليُشاهد فيلماً، فهو مغلق! والله تعالى يقول بدوره نحن لا نقبل أيضاً بالدلال، إذا أغلقت قلبك، فسنختم عليه بالأقفال حتى يصير مستحكماً بشكل جيّد ويرتاح عندئذٍ بالك! فنضع عليه هذا المقدار من الإسمنت ثمّ نصبّ عليه الماء ليتصلّب ـ لأنّهم يقولون بضرورة إضافة الماء إلى الإسمنت لمدّة من الزمان.. لمدّة شهر حتى يتصلّب ـ ونُبقيه هكذا صلباً؛ لأنّك أنت الذي أردت ذلك، كما أنّنا من جهتنا خبراء في هذا الأمر، وعندئذ سنضع في طريقك أولئك الأشخاص الذين يدعمونك ويُساعدونك، أولئك الذين يأتون ويدّعون في حقّك الرؤى والمكاشفات الكاذبة، فإذا أردت أن تلج في هذا الطريق، فنحن نعرف كيف ندخلك فيه؛ لأنّ بحوزتنا جميع أشكال [الطرق]، فلدينا من هذا ولدينا من ذاك. رأيت مناماً، كان كذا! رأيت مكاشفة، كانت كذا! حدثت هنا معجزة، حصلت هناك كرامة! فلدينا الكثير من هذه الأشياء، وقد رأيناها كلّها.
لَمْ يَتْرُكْهُ في يَدِ هَذَا المتَلَبِّسِ الكَافِرِ: لا يسمح الله تعالى بأن يبقى في قبضة هؤلاء، لكنّه يأتي ويضع له في طريقه مؤمناً يَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ: يأتي به ويضعه على الصراط، لماذا أنت جالس هنا؟ تعال يا سيّد، ما الذي تُريد أن تفعله؟ هذا العمل الذي تقوم به خاطيء! هذا الصوت الذي تُدلي به خاطيء! هل فكّرت في المستقبل! هل أنت ملتفت! لقد كان ذلك الشخص شخصاً صالحاً! ماذا حصل؟! لقد رأينا ذلك يا سادة! تفضّلوا! فما صار الآن واضحاً كان واضحاً بالنسبة للكثيرين منذ مدّة طويلة، غاية الأمر أنّه الآن أشيع!
يأخذ بيده ويَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ: يأتي ويقول له يا سيّد لا تفعل ذلك! انصرف لأداء أعمالك! اهتمّ بأمورك الخاصّة! لماذا تُريد أن تتدخّل في مثل هذه القضايا والمسائل؟! ثُمَّ يُوَفِّقُهُ اللهُ لِلْقَبُولِ مِنْه: ثمّ بعد أن يُرشده إلى الطريق، فإنّ الله يُوفّقه أيضاً للعمل؛ فمن الممكن أن نعلم بكثير من الأمور، لكنّنا نكون مثل ذلك السيّد الذي علِم، إلاّ أنّه وضع الحقّ تحت قدميه في اليوم التالي بعد أن مرّت ليلة واحدة فقط. لكن وعلى العكس من ذلك، كان العديد من الأشخاص يأتون إلى المرحوم العلاّمة ويتحدّثون معه قليلاً فيُوفّقون للعمل؛ وذلك لأنّ قلوبهم كانت طاهرة، فعند حديثهم مع ذلك العالم الإلهي لمدّة تناهز الساعة وإقامته الحجّة عليهم،لم يكونوا ـ والحال هذه ـ يقولون كيت وكيت. يُوَفِّقُهُ اللهُ: إذاً حتى التوفيق هو من الله، فالبيان هو من الله، وكذلك التوفيق للعمل هو من الله؛ فكلاهما من الله. واضح!
فَيَجْمَعُ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة: فالله بواسطة هذا المؤمن... وقد ذكرت خصوصيّات وليّ الله في المجلّد الثاني من كتاب أسرار الملكوت، وإذا ما وفّقنا الله تعالى، فإنّنا سنتعرّض في المجلّد الثالث لبيان عبارة الإمام العسكري هاته، ولما يجب فعله عند عدم وجود ولي من أولياء الله، وأرجو من الرفقاء الدعاء إلى الله أن يمنحنا التوفيق للكتابة، فقد تعطّل العمل فيه لسنة كاملة.. كتبنا سبعين صفحة، ثمّ وضعناه جانباً، وقدّ كنّا نتحدّث آنفاً عن مسألة التوفيق! لكن [وعلى سبيل الملاطفة] لا تقولوا أنّني أتكاسل في ذلك ثمّ ألقي المسؤوليّة على الله، ألا يُمكن أن تحمّلوا الله نزراً قليلاً من تلك المسؤوليّة أيضاً[ضحك]، قليلاً فقط، نسبة مئويّة ضعيفة فقط! فيجب أن نكون منصفين فنحن تلكّأنا في ذلك أيضاً! إذا وفّقني الله، فإنّني ـ إن شاء الله تعالى ـ سأبيّن في ذلك المجلّد الثالث وأوضّح بشكل تفصيلي ما هو الواجب فعله في حالة عدم وجود الوليّ الكامل والعارف بالله، هل نبقى مكتوفي الأيدي، أم لا؟ فَيَجْمَعُ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة: فبواسطة هذا المؤمن البصير والخبير والناجح يجمع له خير الدنيا والآخرة ففي الدنيا يكون بالُه مطمئنّاً وضميرُه مرتاحاً لأنّه لم يخالف، فما هو حال ضمير أولئك الذين قاموا بهذه الأعمال؟ أفلا تجدهم يقولون يا ليتنا يا ليتنا؟! أفلا تجدهم يقلّبون أكفّهم حسرةً؟! وأمّا نحن فلا نقلّب أكفّنا، بل نضحك؛ فالضمير مرتاح، لأنّه لا مخالفة، والله تعالى منح التوفيق، فيجب شكره على هذا التوفيق.
وَيَجْمَعُ عَلَى مَنْ أضَلّهُ لَعْناً في الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ: وكلُّ من أوقعه في الشبهات حتى الآن وأظهر له الباطل بمظهر الحقّ، فإنّ الله تعالى سيُقدّر لهذا الشخص وهذا العالم وهؤلاء الأشخاص اللعنَ في الدنيا والعذاب في الآخرة. ولهذا فإنّنا نراهم يلعنونه في نفس هذه الدنيا، مع أنّه لم يمت بعدُ... لعنه الله، ياله من شخص كان! اللهم العنه! لقد قام بكذا وكذا، اللهم العنه! فالله تعالى يوفّيه جزاءه في هذه الدنيا، وكذلك في الآخرة، حيث الوقوف في الصفّ، وانتظار قدوم العباد... تفضّلوا، نريد أن نستضيفكم ضيافة خاصّة جدّاً (v.i.p).
لقد حاولنا استعراض هذه الرواية، ومن الجيّد أنّني كنت مريضاً، وإلاّ لو كان حالي جيّداً فالله وحده الذي يعلم ماذا كان سيحصل [ضحك]!! نأمل من الله تعالى في هذا اليوم المبارك أن يوفّقنا ـ إن شاء الله تعالى ـ للتحقّق بمصداق هذه العبارات التي ينبغي كتابتها في لوحات ووضعها في المنازل. فالكلمات التي ذكرها الأئمّة لم يذكروها لكي تظلّ قابعة في المكتبات، بل ينبغي علينا أن نضعها في لوحات لتقع عليها أعينُنا كلّ يوم، فلو نظرنا كلّ يوم إلى نفس هذا الكلام الصادر من الإمام العسكري، بل حتى مرّةً واحدة في الأسبوع، أفلا يحصل لنا شيء؟! أم على العكس، أنّه يحصل لنا شيء ما، فنتحرّك قليلاً، ثمّ تزداد تلك الحركة شيئاً فشيئاً إلى أن يظهر ـ إن شاء الله تعالى ـ مفعولُها. نأمل من الله تعالى أن يوفّق كلاًّ من العالم والمتعلّم إلى التحقّق بمصداق هذه العبارات والمفاهيم.
حقيقة ولاية صاحب الزمان عليه السلام ليست بعلمه الغيب وقيامه بالخوارق
حسناً، اليوم هو ـ من جهة ـ عيد مولد منقذ العدالة ومنقذ الحقّ؛ وذلك لأنّ العدالة لن تتحرّر إلاّ بواسطته عليه السلام، وإلاّ فأين هي العدالة؟! وهو منقذ الحقيقة والعدالة والحياة، وهو الذي ينفخ الحياة في أجسادنا الميّتة، اليوم هو يوم ولادة الإمام عليه السلام، وكان المرحوم السيّد الحدّاد رضوان الله عليه يقول لي: عمياء هي تلك العين... ـ هذا هو المتشيّع لأمير المؤمنين ولصاحب الزمان ـ عمياء هي تلك العين التي تستيقظ في الصباح من النوم ولا ترى إمام زمانها قبل أن ترى الحائط، عمياء هي تلك العين! يعني أنّ نظرتك إلى ذلك الحائط وارتسام صورة الحائط في ذهنك هي عمليّة تتمّ من خلال حضور الوليّ، أي أنّ الولاية هي التي ظهرت على شكل انفتاحٍ لجفن العين، والولاية هي التي تجلّت في صورة نور المصباح، والولاية هي التي ترسم تلك الصورة في هذا الموضع؛ جميع هذه الأمور تعدّ ظهوراً للولاية. يا عزيزي، هؤلاء هم الذين عرفوا الإمام! ولا يقتصر الأمر على أنّ الإمام يعلم، فماذا يعني أنّ الإمام يعلم؟! فالكثير من الأشخاص يعلمون، وعارٌ بالنسبة لإمام الزمان أن نقول عنه أنّه يعلم الغيب، فما هي قيمة علم الغيب يا عزيزي؟! وهو أمر معيبٌ بالنسبة لإمام الزمان أن نقول عنه أنّه يتصرّف في الموجودات، فيشقّ القمر إلى نصفين ويوقف الشمس؛ لأنّ آصف قام بنفس الشيء، والكثير يُمكنهم القيام بذلك إلاّ أنّهم يتحرّزون عنه. إمام الزمان هو الذي تُعدّ ولايته عينَ حضور الأشياء والأعيان الخارجيّة، هذا هو إمام الزمان! ما معنى علم الغيب! ما قيمة هذا الكلام! فنفس تحقّق الماهيّات وهويّاتها الخارجيّة تُشكّل بعينها ظهوراً للولاية. يأتي أحدهم ويُؤلّف كتاباً حول هل أنّ الإمام يمتلك علم الغيب أم لا؟ الإمام يعلم أم لا يعلم؟ فانظر إلى الفارق بين ما يقوله العرفاء وما يقوله هؤلاء! حينئذٍ ـ والحال هذه ـ هل يُمكننا أن نُطلق على أنفسنا لقب الإمام؟! هل يحقّ لنا ذلك؟! ينبغي علينا أن نطأطيء رؤوسنا، علينا أن نخجل من أنفسنا! نرجو من الله تعالى أن يوصلنا جميعاً ـ إن شاء الله تعالى ـ ببركة هذا المولود وفي ظلّ ولايته إلى معرفته الواقعيّة التي هي محطّ أنظار أولياء الله، وأن يوفّقنا ـ من خلال المهمّة الخطيرة الملقاة على عاتقنا ـ للسير على الصراط وفي مسار ذلك العظيم فقط وفقط وفقط وفقط وفقط، وأن يحجب أعيننا عن رؤية الجميع، ويُوجّه اهتمامَنا نحو دائرة وجوده اللطيف والمقدّس وحسب.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.