المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةإكمال بحث حجية أولياء الله
التوضيح
اختتم سماحة آية اللـه السيد محمد محسن الحسيني الطهراني في المحاضرة الحادية عشر من محاضرات حجية فعل ولي اللـه هذا البحث مشيراً إلى أنّ منشأ حجية الإمام و العارف الذاتية هو وقوفهما على الواقع كما هو و إحاطتهما الكاملة بالمصالح و المفاسد، مبيّنا أنّ هذا هو ما يأمر به القرآن و أهل البيت عليهم السلام، و أجاب سماحته في ختام البحث على بعض الإشكالات الواردة في هذا الصدد. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه المحاضرة ألقيت في جلسات عنوان البصري ، و هي توازي الجلسة رقم 198 منها.
هو العليم
إشراف الولي الإلهي على الواقع يوجب اتّباعه
شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٩۸
ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد
وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
من هو العارف الكامل
كما يذكر الإخوة، فقد وصل الكلام في الجلسة السابقة إلى هذه النقطة؛ وهي أنّه لا يوجد أيّ اختلاف بين أمر وليّ اللـه العارف باللـه وبين الإمام المعصوم عليه السلام في خصوص مصالح الإنسان ومفاسده. طبعاً عدم الاختلاف هذا ناشئ من بعض المطالب الموجودة في نفس كلٍّ منهما، والتي قد تحقّقت عيناً وشهوداً، وهي عبارة عن أن كلاًّ من الإمام عليه السلام والعارف الكامل...
ومرادنا بالعارف الكامل لا يشمل أي شخص كان كما هو ملحوظ من تساهل الناس حالياً في إطلاق هذا اللقب، بل المراد به هو الشخص الذي تحقّقت في نفسه صفات وأسماء ذات الباري بوجودها العيني، وانتقلت ذاته ونفسه من مرتبة البشرية ومن إرادته ومشيئته، وصارت ذاته مندكّة في ذات الباري في عالم الإثبات وعالم الإبراز.. أما في عالم الثبوت فجميع الأشياء فانية في ذات الباري تعالى، وقد أشرنا إلى هذا المطلب أثناء الدروس والمباحثات. وأعتقد بأننا أشرنا إليه أيضاً في جلسات عنوان البصري، حيث ذكرنا أنّ نسبة العارف بالنسبة إلى غير العارف هي نسبة العلم والجهل، فجميع الأشياء في الواقع فانية ذاتاً في حقيقة الهوهوية وحقيقة الأحدية وحقيقة الوجود الصرف للحق، وإن كانت غير ملتفتةٍ إلى ذلك، إلاّ أنّ الواقع هو ذلك؛ لأن وجود ذات الحقّ لا يقبل الاثنينية، بل هو عين الوجود الذي تنزّل وظهر بقوالب ومظاهر وتعينات مختلفة.
كيفية حصول العلم عند الإمام عليه السلام والعارف
إنّ مقام العارفِ هو مقامُ إثبات؛ أي العلم بهذه المسألة والعلم بمرتبة الفناء الذاتي (و بالتأكيد فإنّه يحصل على هذا المقام بواسطة المجاهدات والرياضات الشرعية) ، بينما الجاهل لا علم له بهذا الموضوع ولا اطلاع لديه أساساً.
وهذه المسألة بنفسها حاصلة للإمام عليه السلام بنفس الكيفية، فالإمام من جهة سعته الوجودية قد وصل إلى تلك المرتبة بحيث أنّ مراتب أسماء اللـه وصفاته تعالى (أي العلم الإطلاقي للحقّ والحياة الإطلاقية للحقّ والقدرة الإطلاقية للحق) في مقام البروز و الإثبات تتجلّى فيه؛ و ذلك بمعنى أنّ الإمام عندما يقول كلاماً معيناً وعندما يبيّن أمراً معيناً، فإنّ كلامه هذا و بيانه هذا لا مجال فيه للمونتاج و الإخراج و التمثيل ولا لإظهار الذوق الشخصي و الميول النفسية و الشخصية ومراعاة المصالح الدنيوية، فلا وجود لأيّ من ذلك في كلام الإمام و تصرّفاته لأنّ هذه الأمور ترجع في حقيقتها إلى المسائل النفسانية، والأهمّ من ذلك كله هو أن اطلاع الإمام عليه السلام على هذه المسألة التي يبيّنها هو اطّلاع على نفس الواقع وعلى حاقّ الواقع، لا أنه اطّلاع ظاهريّ من الدفتر و الكتاب و التعريف الظاهري لها، ولا اطلاع من الصحف والمجلات، فالصحيفة عندما تصل إلى الإنسان يقرأ الأخبار التي فيها.. يقرأ مثلاً بأنّه: حصل حادث في المكان الفلاني وحصل زلزال في المكان الآخر، وهنا حرب وهناك قحط وهكذا.. فالإنسان إنّما يحصل على هذه المطالب من خلال قراءة الصحف، في حين أنّ روحه لا خبر لها أبداً بكلّ ذلك، ولو لم تصل الصحيفة إليه لما كان لديه أي اطلاع على شيء بل كان جاهلاً بهذه الأمور التي وقعت. ولكنّ اطلاع الإمام عليه السلام على هذه المسائل ليس اطلاع صحف ومجلات ولا هو من قبيل استماع الراديو و مشاهدة التلفزيون، بل اطلاع الإمام إنّما هو على حقيقة المسألة ، فهو واقف على نفس الواقع وعلى حضور ذلك الشيء بعينه.
فعندما يقول الإمام عليه السلام لشخص: لماذا تصرّفت بالأمس هكذا مع عيالك؟ ولماذا قمت بهذا الأمر مع زوجتك وأولادك؟! لا يحقّ لك ذلك؟! فإنّ اطلاعه هذا ليس من باب أن شخصاً يأتيه في الصباح حاملاً معه صحيفة فيها أعمال خلق اللـه، ويقول له هؤلاء الأشخاص الذين وردت أسماؤهم هنا فعلوا كذا وكذا، وعند ذلك يطلع الإمام على هذه الأمور! فهذا هو نحو اطلاعنا نحن وهذه الأمور إنما تحصل معنا نحن، فنحن بحاجة إلى هذه الأمور كي نعرف بالأحداث. بينما اطلاع الإمام عليه السلام هو عين الحضور..
التفتوا! فالمسألة دقيقة جداً، فعندما يأتي شخص ويقوم بعمل معين عليه أن يعرف ـ إذا كان يعتقد بولاية الإمام عليه السلام ـ بأنّ الإمام عليه السلام بجانبه ينظر إليه، (وإذا لم تصدّق بذلك، فانتظر حتى تذهب إليه ليخبرك به، يقول لك: لقد كنت معك لكن لم ترني! ولقد كنتُ هناك عندما كنتَ تتكلم بكلام غير لائق وتعمل أعمالاً غير صحيحة.. نعم، أنت لم ترني، لا أنّني لم أكن هناك.)
طبعاً المطلب أعمق من هذا بكثير.. بكثير ، لكنّنا أنزلنا البحث وبسّطناه حتّى نجعله سهلاً ومفهوماً، وهذا أبسط ما يمكن أن يقال في بيان مقام الإمام، وإلاّ فأنا خجلٌ جداً من أنني لماذا أقول ذلك في بيان الساحة المقدسة للإمام عليه السلام، فحقيقة المسألة في عالم آخر وفي فضاء مختلف تماماً، لكن هذه أقل مرتبة يمكن لنا ذكرها! يا عزيزي، إنّ هذه الأعمال يقوم بها أولياء اللـه، وهي أقل ما يمكن أن يصدر منهم، إذ هي ليست بالشيء المهم.. ألم يكن في قم أشخاص من هذا القبيل... فأنا بنفسي كنت عندما أذهب إلى بعض العظماء يخبرون عن أمور خفية و يبيّنون كيف حصل هذا وكيف حصل ذلك.. وهذه ليست بمسألة عظيمة.
في أحد الأيام ذهبت إلى أحد العلماء، وكنت في الطريق مشغولاً بذكر اليونسية ـ لأنّه يمكن للإنسان أحياناً عندما لا يستطيع الإتيان بالذكر أن يأتي به أثناء المسير بشرط أن يتصوّر أنه في حالة سجود ـ وعندما وصلت إليه بادرني بالقول: السلام عليكم.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين !! و هذا يدلّ بوضوح على أنّه كان حاضراً أثناء الذكر، وهذا العالم كان رجلاً عادياً من هذه الجهة، لم يكن لديه مقام ولا مرتبة عظيمة.. فلماذا ننزل بالإمام إلى هذا الحدّ وإلى هذا المستوى؟! ونقول بأن الإمام يعلم ماذا نفعل فقط!! هذا مضحك.. إذ إن إثبات هذا فقط للإمام قبيح؛ فالإمام عليه السلام عندما يقول: افعل هذا! ولماذا فعلتَ ذلك؟! أو يقول: سوف تحصل هذه المسألة، وأمثال ذلك.. فغنّ الإمام لديه حضور عيني في تلك الواقعة، فهو يلمسها بحضوره العيني ويشاهدها في وجدانه، وبعد ذلك يخبر عنها، فيقول: لا تعد إلى فعل هذا! لماذا قمت بهذا الأمر؟ فيقول الرجل له: من أين علمت ذلك؟ فيجيبه الإمام: أنا أقرب منك إلى نفسك، وكنت أنظر إليك عند فعلك هذا و أشاهده أكثر منك! فما هذا الكلام الذي تقوله؟! أنا عندما أقول لك لا تفعل! فقل سمعاً وطاعة.
(إن شاء اللـه نحاول أن ننهي الكلام في بحث الإمام، لأننا في استقبال الأشهر المباركة، لذا رأيت من المناسب التحدث قليلاً حول المراقبات والمطالب التي كان العظماء يوصون بها في هذه الأشهر الثلاثة، وإن كان الرفقاء مطلعين على هذه المسائل).
الإمام عليه السلام عندما يكون لديه العلم الإلهي المطلق وغير المحدود والقدرة والحياة؛ فهو حي بحياته وقادر بقدرته وعالم بعلمه.. فهو بهذه الأسماء الثلاثة غير المتناهية يأمر وينهى الإنسان انطلاقاً من مقام التربية ومن مقام التزكية، فالإمام عندما يقول: لا تفعل! فإنّ ذلك لا يكون من باب أنه قيل لي: قل لفلان لا تفعل! كلا يا عزيزي !! بل أنا أرى فعلك و تصرّفك , أشاهد بأن فعلك هذا خطأ، وأشاهد هذه الوضعية ولذا أنهاك وأقول لك: افعل ولا تفعل.. فأنا أرى بعيني ما ينفعك و ما هو لصالحك ، وما هو فاسد و مضرٌّ لك أراه بعيني أيضاً، وأشعر به وأحسّه.
اطلاع العارف على الواقع بسبب فنائه في اللـه
في هذه المرتبة، العارف له هذه الخصوصية أيضاً؛ لأن العارف ذاته مندكّة في ذات الباري تعالى، ونفسه عبرت من مرتبة البشرية.. فالبشر لديه إرادة ولديه ميل ذوق خاصّ، فهو يأخذ المصالح الظاهرية بعين الاعتبار، ويحاول أن يدير الحقائق بحسب المصالح التي يراها.. والناس تشعر بذلك، إذ هم ليسوا عديمي الفهم، بل يفهمون المسائل بأي نحو هي! فالشخص الذي يخفي مصالحه النفسية وراءه ويتحدث في الظاهر بشكل يبدو محقاً.. يقال له: يا حبيبي لمْلِم هذا الكلام الخادع، وأظهر ذاك الذي تخفيه.. أظهره وبيّنه للناس، لا تُخفِ أمورك النفسية وراء ظهرك، بل ينبغي عليك أن تظهر نفسانياتك ومصالحك وحقيقة حالك، فهذه التي ينبغي أن تظهرها، وهذه هي التي ينبغي أن تعمل عليها وتسعى إلى إصلاحها وعلاجها...
إنّ الكلام في هذا المطلب كثير، لكن الاستطراد فيه سيبعدنا عن موضوعنا الأوّل، ولذا سنكمل بحثنا الذي شرعناه، خصوصاً مع ملاحظة الوقت القليل الذي لدينا.
حسناً.. إنّ العارف باللـه هو الشخص الذي يكون من الناحية العلمية ومن ناحية القدرة ومن ناحية استجلابه لأسماء اللـه وصفاته الكلية في مرتبةٍ يكون قادراً معها على أن يشخص المصالح والمفاسد بالنسبة إلى نفسه وإلى المجتمع، ودليل هذا الأمرأمر واضح، و شواهده كثيرة، وليست هذه المسألة مما يطرأ عليها الشك.
الفرق بين العارف والإمام عليه السلام في السعة الوجودية
نعم، السعة الوجودية للإمام عليه السلام مختلفة عما هي عليه عند العارف، كما هو الحال في اختلاف السعة الوجودية عند الأئمة عليهم السلام أنفسهم، إذ قطعاً السعة الوجودية لرسول اللـه أكبر من السعة الوجودية لأمير المؤمنين، والسعة الوجودية لأمير المؤمنين أكبر من السعة الوجودية لسائر الأئمة صلوات اللـه و سلامه عليهم أجمعين، والسعة الوجودية لصاحب الأمر أرواحنا له الفداء وعجل اللـه تعالى فرجه الشريف عجيبة جداً بحيث أنها غير قابلة للتوصيف. فهذا الاختلاف موجود عند الأئمة أيضاً، ولن يكون لظهورين من الباري تعالى نوع وسنخ واحد، فحتّى أمير المؤمنين مختلف عن النبي، وإن كانوا جميعاً من نور واحد، لكن السعة الوجودية مختلفة؛ فإحداها كإبريق الماء والأخرى كالكوب، إلاّ أنّ الذي هو موجود في هذا الإبريق وفي هذا الكوب شيء واحد ومادة واحدة وواقعية واحدة وحقيقة واحدة دون أن يكون بينها أي اختلاف من هذه الجهة، فقد ذكرت لكم في الجلسة السابقة أنك سواء ملأت الكوب من البحر فسوف يرويك، وسواء ملأته من النهر المتفرّع من ذاك البحر سوف يرويك.. فالذي يرفع عطشك شيء واحد، لا فرق بينهما، فهل إذا شربت من ماء البحر سوف ترتوي لمدة أطول كعشر ساعات مثلاً، أما إذا شربت من ماء النهر فلن ترتوي أكثر من أربع ساعات؟! كلاّ كلاهما له أثرٌ واحد؛ فإن كان ماء البحر يكفي لمدة عشر ساعات فهذا كذلك، وإن كان يكفيك مقدار خمس ساعات فهذا يكفي خمس ساعات أيضاً، لا يوجد أي اختلاف بينهما من هذه الجهة.
إنّ اختلاف السعة الوجودية للإمام عليه السلام بالنسبة إلى العارف كاختلاف السعة الوجودية بين الإمام ورسول اللـه. فهل أضاف الإمام عليه السلام في مقام التشريع شيئاً غير الذي بيّنه رسول اللـه؟! لا لم يضف شيئاً، فهذه النظرة والبصيرة وهذه الموقعية وهذه الحالة التي كانت لدى رسول اللـه بالنسبة إلى التشريع بحيث أنّه كان يطلق الأحكام التشريعية على الأشخاص من خلال المصالح والمفاسد المترتبة عليهم،
ويشرع لهم الأحكام من مقام الوحي وينزلها.. هذه النظرة والموقعية هي بعينها موجودة لدى الإمام عليه السلام إذ يقوم الإمام بتنزيل هذه المسألة كذلك، ولذا نرى أنّ الإمام عليه السلام يقول شيئاً لهذا الشخص، أما ذلك الشخص الآخر فنراه يقول له شيئاً آخر؛ حيث يرى أنّ مصلحة هذا في هذا الأمر، بينما مصلحة ذاك في شيء آخر. وبما أننا لا نعلم، نأتي ونسأل الإمام: يا ابن رسول اللـه! لقد سأل هذان الرجلان سؤالاً واحداً، فلماذا أجبتهما بجوابين مختلفين؟! فنحن ليس لدينا اطّلاع على الخصوصيّات التي لدى هذا الرجل، وما هي الظروف التي يمرّ بها، وما هي الموقعية التي لديه، بل كل ما نراه أن هناك سائلاً أتى وسأل الإمام عن أمر.. وهذه مسألة عجيبة.
مثلاً يأتي شخص إلى الإمام ـ وكان ناصبياً واهتدى ـ ويقول له: لقد حججت، فما هو تكليفي؟ يقول له الإمام: لا بأس حجّك صحيح، وإذا استطعت أن تعيده فهو أفضل. بينما يأتي شخص آخر ويسأل الإمام نفس هذا السؤال، فيقول له الإمام: حجّك باطل! أعده ثانياً.
ما الذي حصل حتّى اختلف الجواب؟ إذا فرضنا أن ذاك كان ناصبياً، فهذا ناصبي أيضاً، فكلاهما ناصبي أو مخالف للإمام عليه السلام وفي مقابل الإمام!! فلماذا قال الإمام هناك: حجك صحيح، ولو استطعت أن تحجّ بعد ذلك فحج، لماذا قال ذلك؟! الإمام عليه السلام كان ينظر إلى خصوصيات هذا الرجل ونفسه؛ أيّ نوع من التقابل والمخالفة مع الإمام عليه السلام كان لديه عند إتيانه بالحج؟ هل كان تقابله مع الإمام شديداً أم بسيطاً، كبيراً كان أم لا؟! وهذه الأمور لا نقدر نحن على تشخيصها، فلا يمكننا تحديد مقام تقابله ومخالفته للإمام في أي مرتبة كانت.. هل كانت مخالفة شديدة وقوية؟ وكيف كانت أحواله وفكره ورأيه بالإمام؟! هذه الأمور لا نفهمها، بل نرى أن هذين الرجلين ذهبا وأحرما، وقالا: لبيك اللـهم لبيك! وقاما بالعمرة والحج، ثم عادا إلى وطنيهما، ونحن نرى أن كليهما مخالف.
في حرب النهروان، عندما وقف اثنا عشر ألف شخصٍ مقابل أمير المؤمنين في حرب النهروان، لم يشرع الإمام بالحرب، بل قال: علينا أن نعظ هؤلاء القوم، فهم جاهلون، دعونا نخاطبهم ونحادثهم! فقال لهم: لماذا أتيتم للحرب؟ ولماذا تفسدون في الأرض؟ ولماذا تقطعون الطريق وتقتلون المرأة الحامل، و...؟ لماذا تفعلون ذلك؟! أيّ نبيّ أمركم بهذا؟ وأي إمام أجاز لكم ذلك.. بل من هو إمامكم الذي أمركم بهذا الفعل؟ وحاججهم بالدليل! فرجع من اثني عشر ألفاً ثمانية آلاف؛ يعني أن ثلثيهم رجع عن قتال الإمام عليه السلام.. فهم كانوا قد فهموا الأمور بشكل خاطئ، أما الأربعة آلاف الباقون فظلّوا مصرّين على موقفهم؛ لأن الذي يقف وراءهم و المحرّك لهم هو نفسانياتهم وأنانياتهم ومصالحهم الدنيوية والشخصية المنطوية في صدورهم، والفرعونية والنمرودية.. ونحن جميعاً لدينا ذلك، نحن جميعاً دون أيّ مجاملة، لكن علينا أن نلتفت ونكون على حذر.
ضرورة تفكير السالك في سبب معاتبة الأستاذ له
المرحوم الوالد رضوان اللـه عليه نهى شخصاً من القيام بعملٍ معين، لكنه لم يطِعْه، فطلب المرحوم الوالد من الرفقاء أن لا يتحدث إليه أحدٌ مدّة أربعين يوماً. فبدلاً من محاولة فهم السبب الذي جعل العلامة يعاقبه على ذلك... إذ ما معنى فرك الأذن و التأديب؟! هل تعني إطعام الحلوى أو تقديم القرابين له؟! فرك الأذن يعني هذا! يعني أنه عليك أن تقوّم مسيرك بسماع هذا الكلام والعمل به! فإن لم تسمع فسوف تتغيّر المعاملة معك؛ سوف تُحرم من المشاركة في الجلسات لمدة أربعين يوماً ولا يتحدث إليك أحد (طبعاً لم يقل: لا يتحدّث إليه أحد، بل قال لا يحضر الجلسة فقط لكن الرفقاء لم يعودوا يتحدثون إليه)، ولماذا يتحدثون إليه، فهل يجب على الإنسان أن يتحدث إلى الجميع؟! إذ قد يكون التحدّث إلى هذا الرجل مضرّاً به، بل يجب مقاطعته حتى يغيّر من مسيره، وحتى يعلم بأنّ طريقه خاطئ! أمّا أن نضحك في وجهه ونتواصل معه فلن يبقى فائدة في تربية الأستاذ عندئذٍ، فتلك التربية لن تكون مثمرة في هذه الحالة؛ لأنّه من جهة يتلقّى الضربة من الأستاذ، ومن جهة أخرى يأتي إليه الآخرون ويطعمونه الحلوى. فهذه الأمور توجب إجهاض تلك المحاولات من الأستاذ، فلا تأتي بنتيجة أبداً..
حسناً.. هذا الشخص بدلاً من أن يلتفت إلى عمله ويراجع نفسه، صار يقول: إنّ الذي منعني السيد من فعله؛ الآخرون يفعلونه، فلماذا لا ينهاهم عن ذلك؟! وفلان فعل هذا الأمر المخالف فلماذا لا يحاسب على فعله؟! نقول له: ما دخلك أنت بذلك؟ هل أنت الأستاذ أم هو؟ ألست مخطئاً في عملك هذا؟! فإن كنت كذلك؛ فطأطئ رأسك وامضِ، وإن لم تكن كذلك فقل له: سيدنا أنا لست مخطئاً! أنا لم أقل هذا الكلام، بل وصل إليك خطأً، ولكن عندما يكون الجميع ـ بما فيهم أنت ـ يعلم أنّك ارتكبت هذا الخطأ، وجرى تنبيهك أكثر من مرّة فلم تصغِ! فإن أتى الأستاذ وعاتبك في هذه الحالة، فلماذا تعترض وتتخبّط؟! عليك أن تأخذ هذا الكلام، وتطبّقه على نفسك وتحلّه في نفسك حتى تصير إنساناً ويستقيم أمرك.
من أين لك أن تجد شخصاً يمكنه أن يقوّم اعوجاجك و يصحّح مسيرك؟! فبدلاً من أن تعترض، اذهب وابحث عن ذلك الشخص ليجعلك إنساناً، ليفرك أذنك حيث لا يعلم أحد بالمسألة، اذهب وابحث عن الشخص الذي لا تنطلي عليه ضحكاتك ولا تمرّ عليه احتيالاتك، ابحث عن الشخص الذي لا يقع في حبال تواضعك الظاهري والمصطنع، ابحث عن الشخص الذي لا تأخذه رسائلك ذات العبارات المعسولة.. فإن عثرت على مثل هذا الإنسان فأوصل سلامي إليه! لكن إن لم تستطع أن تعثر عليه فلا تشرع بالتخبّط يميناً وشمالاً، مسبّباً المشاكل و الأذى ، بل اسمع والتفت إلى ما يقال لك..
عندما قال له المرحوم العلامة ذلك، فبدلاً من الالتفات، قام بإيجاد فتنة، إذ قال: لماذا لم ينه ذلك عن هذا الأمر الذي نهاني عنه؟ يا أخي إن لم ينهه فلا شأن لك بذلك.. فإن كنت أنت التلميذ وهو الأستاذ فعليك أن تطيع، وإن كنت تدّعي أنّك أستاذ فسيماؤك لا توحي بذلك [ضحك].. بل حتّى صفة التلميذ كثيرة عليك، إذ سيماؤك توحي بأنّك أقلّ من تلميذ..
إنّ أولياء اللـه في هذه المسألة (أي المصالح والمفاسد) لديهم حضور عيني وشهودي، وعلى أساس ذلك يأمرون وينهون، لا أنّه يصل إلى أسماعهم شيء ويحكمون على طبقه، وبعد ذلك يعلم بأنه كان مخطئاً! كلاّ لا يمكن ذلك. نعم، من الممكن في بعض الموارد أن تكون صورة المسألة منافية لما ذكر [ظاهراً]، وأمّا حاق القضية فواحد، ولأجل حاق القضية هذا يقوم بالأمر والنهي. ولكنّ الشخص يظنّ بأنّ وليّ اللـه قد أخطأ في بيان المسألة و أنّه بناء على ذلك الخطأ قد اشتبه في قراره. كلاّ! ليست المسألة من هذا القبيل.
بناء على ذلك، الكلام في حجية فعل الولي يختم بالقول: إن فعل الولي من جهة انطباقه على المصالح الواقعية والمفاسد الواقعية هو عين فعل الإمام عليه السلام، وذلك من باب أن اطّلاع الولي على الأسماء والصفات الإلهية لا يختلف عن اطّلاع الإمام عليها، إلاّ من جهة السعة الوجودية. ومن الواضح أن السعة الوجودية لا علاقة لها بعالم التربية وعالم التزكية بتاتاً. فما ذكر من أن العارف هو مظهر الباري في اسم واحد أو اسمين من أسمائه تعالى، بينما الإمام مظهر جميع الأسماء.. فهو كلام لا أصل له، كما بيّنا ذلك سابقاً.
جهلنا بالواقع هو الموجب لاتباع الإمام العالم به
أما القول بأنه ينبغي علينا أن نعرض فعل الولي على الكتاب والسنة.. أفلا نعرضه نحن؟! جميع هذه الآيات القرآنية التي لدينا: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، أليست آية قرآنية؟! أليس العارف باللـه من أهل الذكر؟! إن لم يكن من أهل ذكر، فمن هم أهل الذكر؟ وإن لم يكن العارف من أهل الذكر والتوجّه والإشراف فمن هو؟ إلى من تشير الآية في ضرورة السؤال منهم؟! وكذا في الآية الشريفة {ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً} عندما يكون لدينا علم إجمالي بأن لولي اللـه اطلاع، فهذا العلم الإجمالي منجّز شرعاً وعقلاً؛ إذ عندما يحصل لشخصٍ علم إجمالي بأمر عليه أن ينقاد لهذا العلم الإجمالي ويرتب عليه الأثر، وأنت إنّما لديك علم إجمالي بعلم الإمام عليه السلام ، وليس علماً تفصيلياً؛ فهل أنت مشرف على حقيقة ما يأمر به الإمام؟! من هو الذي لديه إشراف على علمه؟! فهل لدينا علم بأمر الإمام الحسن عليه السلام ونهيه؟! كلاّ ليس لدينا إشراف! إنما يكون لدينا إشراف عندما يحصل لدينا علم تفصيلي؛ بأن يكون نفس العلم الذي لدى الإمام عليه السلام هو بعينه موجود لدينا، في هذه الحالة يكون هذا العلم علماً تفصيلياً، وعندئذٍ يخرج عن دائرة الإجمال. عندما تطيع أمير المؤمنين أو إمام الزمان عليهم السلام، وتعتبر هذه الطاعة واجبة والمخالفة محرّمةً عقلاً وشرعاً .. فهل لديك إشراف على علم إمام الزمان عليه السلام؟! لا ليس لدينا مقدار رأس إبرة من البحر المحيط! كلّ ما عندنا هو علمنا الإجمالي بأنّ علم الإمام حقّ وكلامه كلام اللـه، وأنّ أمره أمر اللـه تعالى.. و هذا يوجب علينا أن نطيع إمام الزمان عليه السلام. أليس كذلك؟! وإلاّ فإن كان لديك علم تفصيلي بما يعلم الإمام، فلن تكون طاعتك طاعة للإمام، بل طاعة لعلمك ورأيك؛ لأنه لديك اطلاع بنفسك، وأنت تعلم ما هي هذه القضية، ولست بحاجة للذهاب إلى إمام الزمان.
وبشكل عام الإطاعة ترجع في الواقع إلى مقام الإجمال والعلم الإجمالي، لا العلم التفصيلي. ليس لدينا علم تفصيلي بما يجري في نفس النبيّ، وليس لدينا علم تفصيلي بما يجري داخل الإمام أمير المؤمنين، وليس لدينا علم تفصيلي بما يعلمه الأئمة عليهم السلام، والحال أننا نعتبر إطاعة الإمام الصادق عليه السلام فرضاً واجباً، والأمر هو كذلك واقعاً.. يجب طاعته؛ لماذا؟ لأنّ العلم الإجمالي منجِّز! فعندما تعلم من القرائن والشواهد والأدلّة الأخرى التي حصلت لديك بأن نفس الإمام عليه السلام نفس ملكوتية وذاته مندكّة في ذات الباري تعالى، وحصل له بواسطة هذا الاندكاك والاستجماع للصفات الكلية بصيرة ووضوح فيما يرتبط بمصالحنا ومفاسدنا، فهذه القرائن والشواهد توجب لنا العلم الإجمالي، وعليه فكلّ ما يقوله صحيح! لكن لا اطّلاع لنا، ولا نعرف على أيّ أساس يتكلم الإمام عليه السلام معنا، بل كل ما نعرفه هو أن طاعته واجبة فقط وأنه مصيب، وهذا يكفينا!
إمام الزمان عليه السلام عندما يأمرنا بأمر هل نسأله ما هو الدليل على هذا الأمر؟! ما الدليل على هذا النهي؟! ما الدليل على هذا الدستور؟! سيقول لك الإمام: إذا كان لك أن تسألني عن الدليل، لكنتَ أنت مكاني. هنا لا مجال للسؤال عن الدليل.. إن قال: افعل؛ فقل له: سمعاً وطاعةً!
نعم! إذا قلت له: سمعاً وطاعة، سوف تترقّى وتترقّى إلى أن تصل إلى الملاك في هذا الأمر والدليل عليه، أما الآن فلا، بل الآن عليك أن تقول: سمعاً وطاعة فقط.
اتباع العارف بسبب علمه بالواقع
ننقل الكلام إلى العارف، فنقول نفس هذا الكلام يجري في العارف والولي الكامل، فالولي الكامل لديه إشراف حضوري، وعليه فالآيات القرآنية والروايات والأدلة تدعو الإنسان إلى اتباع العلم والحق {فماذا بعد الحقّ إلا الضلال}، ما هو الحقّ؟! الحقّ هو حقيقة المطلب المنطبقة على الواقع، هذا هو الحقّ... {ذلك بأن اللـه هو الحق}: بما أنّه لا يوجد في عالم الوجود أيّ حقيقة متأصّلة وثابتة ومستقرة يمكن أن تصل إلى ذات الباري.. كانت ذاته تعالى هي الحق. صحيح! وكل ما يكون في هذا الطريق يكون حقّاً أيضاً: "علي مع الحقّ والحق مع علي يدور معه حيثما دار"، فأينما كان علي كان الحقّ معه، وهذه العبارة عجيبة جداً، لا أنه حيث يكون هناك حق يلتحق به علي، لا، بل حيث يكون علي يأتي الحقّ ويكون الحقّ هناك، والاختلاف كبير جداً بين المسألتين!
هذا المطلب وهذه الواقعية إنما تحصل للإنسان على أساس العلم الإجمالي، فالإنسان يعلم علماً إجمالياً بأن العارف الكامل له هذه الخصوصية، وإذا كان له هذه الخصوصية فعليه أن يسمع له ويطيع.
مخالفة عمل النبي والإمام والعارف لبعض الأحكام الظاهرية
فإن قيل بأن الفعل الذي يقوم به العارف الكامل والولي قد يكون منافياً لبعض الأحكام، نقول: ألم يكن فعل الإمام عليه السلام أحياناً أو ما كان يفعله الأنبياء ـ كفعل الخضر ـ منافياً للأحكام؟! ألم يكن عمل الخضر مخالفاً للتكاليف؟! الآية القرآنية تقول ذلك.
عمل النبي إبراهيم ألم يكن مخالفاً للتكاليف؟! حيث قال {إني أرى في المنام أني أذبحك}، أين لدينا حكم بجواز قتل ولد في العاشرة من عمره؟! من قال ذلك؟! النبي قال: إني أرى! ألم تعلم السيدة هاجر بأن هذا العمل مناف للتكليف؟ فلماذا لم تحُلْ بين النبي إبراهيم وبين الذبح؟! ولماذا لم تسأله: لماذا تذبح ولدي؟! وكذا النبي إسماعيل، لماذا سلّم للنبي إبراهيم؟! لأن الحقّ هو الذي ينزله اللـه تعالى على قلب نبيه ونفسه، مهما كان هذا الحق! إذ من قال بأن قتل الإنسان حرام؟! إن قال اللـه تعالى: هو حرام صار حراماً، وإن لم يقل اللـه ذلك فليس بحرام!
إذ نرى في الحروب أنّ ما كان حراماً صار واجباً، يعني يجب عليك أن تضع نفسك في معرض القتل، أليس الدفاع عن الدولة الإسلامية واجباً؟! أليس الدفاع عن الأهل والأولاد واجباً؟! أليس دفع الظلم والسارق واجباً؟! أليس الدفاع عن نفس الإمام عليه السلام وروحه واجباً؟! فالإنسان في قيامه بهذا الدفاع سيقتل! لكن هذا القتل ليس فقط غير محرم، بل هو واجب، والآثار المترتبة عليه لا يمكن أن توصف أو تدرك.
إذاً حرمة التكليف وعدم حرمته مرتبطة بمقام التشريع؛ فهنا تشريع بالحلية والجواز وهناك تشريع بالحرمة، وهنا تشريع بالوجوب وهناك تشريع بالإباحة.
لماذا أمر الإمام الصادق عليه السلام هارون المكي بالدخول في النار؟! لماذا أمر الإمام الصادق ذاك الرجل الخراساني بالدخول في التنور؟! لماذا لم يعترضوا عليه.. (طبعاً الأول [أي الخراساني] اعترض لكن الثاني [هارون المكي] لم يعترض) لماذا لم يعترض عليه ويقُلْ: لقد جئنا لزيارتك مولاي، ونحن لدينا أطفال وعائلة ونريد العودة إلى خراسان، وعندما أتينا إلى هنا لم نعلم بأنك ستدخلنا إلى التنور وتحرقنا به... والحال أن من يدخل التنور سيحترق لا محالة، لا أنّه سيدخل التنور ويبقى دون أن يحترق، وإلاّ فإن كان عالماً بأنّه لن يحترق، فلا فضل له، و نحن أيضاً كنّا فعلنا ذلك أيضاً، ولم يعد هذا العمل امتحاناً وابتلاءً. وهارون دخل التنور وكلّه اعتقاد بأنّه سيحترق، لم يكن لديه ضمانة بأنّه لن يحترق.
كان البعض يأتي إلى المرحوم العلاّمة ـ انظروا كم وقعنا في الخطأ كثيراً ـ كانوا يأتون إلى المرحوم العلاّمة ويسألونه ماذا يفعلون في هذه القضية؟ فكان يأمرهم بأمر، لكن عندما كانت نتيجة تطبيقهم لأمره تأتي على خلاف ما يتوقّعون، كانوا يقولون: لقد ذهبنا واستشرنا السيد! فلماذا حصل هذا؟! والحال أن السيد تعمّد ذكر ذلك لكم، فهل تنتظرون دائماً أن يطعمكم الحلوى، ويضحك في وجوهكم؟! كلاّ!
لقد جاء إليّ أحد الأشخاص ذات مرّة ـ وكان من الأرحام النسبيين ـ وقال: لقد قال لي العلاّمة افعل هذا الأمر، لكنّي لن أفعله! فقلت له: لماذا لا تريد أن تفعله؟ فقال: أنا أفعل ذلك؟! كيف؟ لقد تحملت المشاق طوال هذه السنوات، ثمّ أترك هذه المسألة بمجرّد أمرٍ؟! إذا فعلت ما يقوله لي فسوف تذهب كل تلك الجهود سدى..
فقلت له: عجباً!! فلماذا إذاً أتيت إلى هنا، ولماذا بقيت هنا؟! إذا كان فهمك أفضل من العلاّمة! وتشخيصك أهم من تشخيصه، وتقول: لقد تحملت المشقة لسنوات عديدة حتى يأتي وبأمر واحد يجعلني أتخلى عنها؟!
حسناً .. إذا لم تسمع وتطع! فتلقّى وتحمّل وجهّز نفسك لما سيصيبك.. فعندما يذهب الإنسان إلى الأستاذ، هل ينبغي أن تكون أوامره ونواهيه دائماً على طبق سليقتنا؟! من قال ذلك؟ لو كان الأمر كذلك، لكان ينبغي أن يجلس هو مكان الأستاذ. عندما يقول افعل هذا الأمر! يعني أن هذا الأمر في مصلحتك، فأنت لديك عقبة هنا.. أنت تظنّ بأنّك في هذه الموقعية الحالية تشعر بحالة من الاستقرار، لكن هذا الاستقرار هو توقّف بالنسبة إليك وركود وسكون، وهو عدم حركة وبالتالي سيؤدي إلى الاضمحلال. إذا أردت التحرّك والتقدّم فعليك أن تتلقى الضربات، يجب أن تُفرك أذنك! والحال أن الضربة فيها وجع، وفرك الأذن فيه ألم! لكنك لا تفهم ذلك أيها المسكين! فتأتي وتقول: أنا أخبر من فلان في المسائل العائلية، ولدي تجارب أكثر منه! بخٍ بخ!
إن كان الأمر كذلك؛ فذاك السيد [الأستاذ] الذي لا يعرف أكثر منك، ولا يعرف ما هي مصلحتك، وما هي المسائل التي تضرّك، وترى أن ما لديك من التجربة أكبر من تجربته.. هذا السيد لا يساوي فلسين!!
حسناً! كلامنا في هذه المسألة في حجيّة كلام الوليّ قد وصل إلى نهايته، طبعاً ينبغي على الإخوة أن يعلموا بأن الحقير حاول في هذه الجلسات قدر المستطاع أن يقلّل من استخدام المصطلحات والمسائل الفنية والتخصّصية، ولم نذكر الأدلة والشواهد الموجودة في الآيات والروايات، وما ذكرناه كان مختصراً جداً، وأبقينا المطالب في حدود ما يقتضيه المجلس، و الفضلاء وطلاب العلم ومن لديهم اطلاع على هذه المسائل قد حصلوا على رأس الخيط لهذه المطالب.
وسوف نُخرج هذه المطالب بصورة كتاب إن شاء اللـه، مع الإضافات اللازمة التي تجعل الموضوع بصياغة علمية وأكثر تمركزاً، فهذه المسألة مهمّة جداً. ومن المحتمل أن نضيف في الكتاب مطالب أخرى، غير تلك التي ذكرت في المجالس، والتي لم يكن الظرف مساعداً على ذكرها.
ومن المحتمل أن يكون لدى الإخوة بعض الأسئلة والإشكالات، ونحن نطلب منهم أن يكتبوها.. لا الإخوة الحاضرون فقط، بل جميع من يستمع إلى هذا الكلام في أيّ مكان؛ باعتبار أن المسألة دقيقة جداً ومهمة، وسوف نجيب على جميع هذه الأسئلة إنشاء اللـه، إما ضمن رسالة أو بصورة شفهية، فإن البحث في هذه المسألة طال كثيراً، وقد يسبّب الملل للإخوة.
و إن شاء اللـه من الجلسة القادمة نشرع ببيان مطالب حديث عنوان البصري الذي كنا نتحدث حوله.۱
اللـهمّ صلّ على محمد وآل محمد.