رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية

و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية 5899
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم التاريخ و الاجتماع


التوضيح

بحث تفسيريّ، روائيّ، فقهي، وتأريخيّ حول بناء الإسلام على السنة والشهور القمرية، جرى خلاله البحث في تفسير آية {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله} والخطبة المعروفة لرسول الله في منى، وفي تفسير آية (النسيء).
ومن الأبحاث الاُخرى لهذا الكتاب، عدم مشروعيّة تبديل الأشهر القمريّة إلى الشمسيّة، التدخّل المباشر للأجانب في تغيير تأريخ المسلمين على يد مجلس الشورى الوطني الاستعماري خلال ثلاث مراحل تدريجيّة، انقراض العائلة البهلويّة أثر إعلان نسخ التأريخ المحمّدي، وفوائد السنة القمريّة ومضار السنة الشمسيّة.

/۱۲۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

1

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

3
  •  

  •  

  • المُقَدَّمَةُ

  •  

  •  

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

4
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وصلّى الله على محمّد و آله الطَّاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‌

  • و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  •  

  •  

  • لدى تأليف كتاب «معرفة الإمام» من سلسلة العلوم و المعارف الإسلاميّة وجدتُ حاجة مُلحّة لكتابة مقدّمة وتمهيد لواقعةغديرخمّ بحثاً في أوضاعها و جوانبها، و درساً لظروفها وملابساتها، و تعرّفاً على بيئتها و مشاهدة أرضيّة الافكار و الآراء و مواقفها التي أثمرت الإعلان عن تنصيب الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام للإمامة والولاية الإلهيّة الكلّيّة المطلقة. و ذلك لاجل إراءة بحث جامع عن حجّة الوداع وسفر رسول الله صلّى‌الله عليه وآله من المدينةإلى مكّة.

  • و قد استوعب بحث الغدير بمفرده أربعة أجزاء من هذا الكتاب- من الجزء السادس إلى التاسع و قد بحثنا دراسة تحليليّة قصّة سفر رسول الله صلّى الله عليه و آله إلى مكّة في السنة العاشرة

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

5
  • للهجرة، و ما اتّصل بها من خصائص الوقائع والملابسات، ممّا استغرق قسماً من الجزء السادس.

  • و من تلكم الوقائع خطب النبيّ صلّى الله عليه و آله في مكّة، و في أرض عرفات و منى. و في خطبته في مسجد الخيف بمنى يوم عيد الاضحى- و هي خطبة في غاية الرفعة و العلوّ، تشمل على كثير من الاحكام و التعاليم و الوصايا و المواعظ- ورد ذكر «النسي‌ء». و النسي‌ء هو تأخير أدإ الاحكام و التكاليف المقرّرة في شهر معيّن إلى شهر آخر، و تأجيلها إلى زمن لاحق. و قد عدّ رسول الله صلّى الله عليه و آله هذا النسي‌ء- استشهاداً بآية من القرآن- زيادة في الكفر، و أعلن أنَّ الفرائض و الاعمال العباديّة ينبغي أن يؤتى بها على طباق الشهور القمريّة، و هي اثنا عشر شهراً، أربعة منها حُرُم هي: رجب، و ذو القعدة، و ذو الحجّة، و المحرّم. و يحرم تأجيل الحجّ و سائر الواجبات عن وقتها المعيّن في الشرع وفقاً للشهور القمريّة.

  • وأعلن صلّى الله عليه وآله قائلًا:

  • «ألَا وَ إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاءوَاتِ وَالأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلَاثةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُوالقَعْدَةِ، وَ ذوالحجّةِ، وَالمحرّم، وَ رَجَبُ مُضَرُّ الذي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ».

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

6
  • و كان عرب الجاهليّة بسبب تناسب الفصول من اعتدال الجوّ، و موسم التجارة و البيع، يحوّلون الحجّ من الاشهر القمريّة إلى الشمسيّة، و هو عمل خاطئ. و في هذه السنة، و هي السنة العاشرة من الهجرة استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات و الارض. و بلغ الحجّ في الشهور القمريّة على أساس الوقت الذي كان قد عُيِّن له.

  • و بحول الله و قوّته تبسّطتُ في الحديث عن هذا الموضوع، و التحقيق لاستقصاء أطرافه و جوانبه، و برهنتُ على أنَّ التقويم القمريّ ضرورة من ضرورات الإسلام. و أنَّ إلحاق التاريخ الشمسيّ بالقمريّ كما هو مألوف في عصرنا هذا عمل خاطئ قد طُبِّق اليوم نتيجة الغفلة عن مفاسده و مثالبه. و يجب على الاقطار الإسلاميّة كافّة- تبعاً لضرورة الدين أن تترك التاريخ الشمسيّ الذي شاع في أوساطها بسبب تغلغل الاستعمار الكافر.

  • إن أحد الاركان المهمّة للوحدة الإسلاميّة توحيد التاريخ الذي ينبغي أن يُعمَلَ به على أساس التاريخ الهجريّ القمريّ الذي لا ريب فيه من حيث اتّفاق المسلمين و إجماعهم عليه، و من منظار التاريخ، و الحديث، والسيرة النبويّة الشريفة.

  • و أتممتُ هذا البحث الرائع و النفيس جدّاً، فأصرّ بعض العلماء و الاعلام على طبعه في رسالة مستقلّة ليكون في متناول أيدي الناس عامّتهم، و لا تقتصر الاستفادة منه على من يطالع كتاب «معرفة

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

7
  • الإمام» فحسب.

  • فلبّيتُ طلبهم، و دوّنت هذا البحث بحذافيره في رسالة مستقلّة تحت عنوان «رسالة جديدة في بناء الإسلام على الشهور القمريّة» ليستهدي به أُولو البحث و التحقيق جميعهم. و ما أجري إلّا على الله، عليه توكّلت و إليه أُنيب والله غاية المسؤول ونهاية المامول.

  • مشهد المقدّسة قريب من ظهر يوم الثاني و العشرين‌

  • من المحرّم سنة ۱٤۰٦ هـ.‌

  • السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

8
  • تفسيرآية: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‌} بناء الإسلام على الشهور القمرية

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

9
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • و صلّى الله على محمّد و آله الطَّاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين‌

  • و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  • ‌ 

  •  

  • قال الله الحكيم في كتابه الكريم:

  • {وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ ، وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَ عَلى‌ كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى‌ ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ، ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى‌ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}.۱

  • مسير رسول الله من مكّة إلى عرفات

  • بعد الطواف و السعي و بيان حكم التمتّع لمن لم يكن معهم‌

    1. الآيات ٢٦ إلي ٣۰، من السورة ٢٢: الحجّ.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

10
  • هَدْي توقّف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأبطح شرقيّ مكّة أيّاماً قبل حلول الحجّ مع جميع من يخصّه من أهل بيته و لا سيّما بضعته الكريمة فاطمة الزهرإ عليها السلام سيّدة نساء العالمين و أو لادها الصغار الذين رافقوها في تلك السفرة: الإمام الحسن، و الإمام الحسين، و زينب، و أُمّ كلثوم عليهم السلام و كانت أعمارهم تتراوح بين السابعة و الثامنة، و أقلّ من ذلك. و كانت حاملًا بالمحسن عليه السلام كما تفيد القرائن.

  • و في ضوء ما قيل إنّه دخل مكّه في يوم الاحد الرابع من ذي الحجّة، فإنّه توقّف أربع ليال أُخرى في مكّة۱؛ و خطب في اليوم السابع الذي يسمّونه: يَوْم الزِّينَةِ، لانّه يزيّن فيه البدن بالجلال‌٢، و خطب في اليوم الثامن و هو يوم التَرْويَة وأخبرهم بمناسكهم‌٣. و توجّه إلى منى يوم الخميس، و هو يوم التروية، قبل الزوال و قيل بعده، و أمر المتمتّعين في ذلك اليوم أن يحرموا من مكّة و يلبّوا [متّجهين إلى منى‌].٤

  • و في ضوء ذلك، فإنّ جميع المتمتّعين الذين أحلّوا من‌

    1. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱٦٦، الطبعة الاولى، سنة ۱٣٥۱ هـ، مطبعة السعادة مصر.
    2. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱٦٩؛ و «الطبقات» لابن سعد، ج ٢، ص ۱۷٣
    3. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱٦٩
    4. «نفس المصدر السابق».

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

11
  • إحرامهم بأمره منذ اليوم الرابع، بقوا محلّين حتّى اليوم الثامن (التروية) ماعدا الرسول الاعظم و أميرالمؤمنين عليهما السلام و من ساق معه الهَدْي. ثمّ أحرموا في ذلك اليوم و توجّهوا إلى منى:

  • جاء رسول الله إلى منى، و صلّى الظهر، و العصر، و المغرب، و العشاء فيها، ثمّ مكث حتّى الصباح؛ فصلّى الفجر فيها أيضاً و ذلك يوم التاسع، و هو يوم عرفة. ثمّ توجّه إلى عرفات. و لا خلاف في أنّ رسول الله صلّى هذه الصلوات الخمس في منى. و حتّى الذين قالوا إنّه تحرّك يوم التروية بعد زوال الشمس، صرّحوا بأنه صلّى الظهر بمنى.۱

  • و على هذا الاساس، و بناءً على أصل الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام فإنّ من المستحبّ المؤكّد هو أنّ على الحجّاج أن لا يذهبوا من مكّةإلى عرفات مباشرة، بل عليهم أن يبيتوا ليلة عرفة بمنى، و يتوجّهوا إلى عرفات صبيحة يوم عرفة.

  • و قد تحرّك صلّى الله عليه وآله و سلّم إلى عَرَفَات صبيحة يوم عرفة بعد طلوع الشمس، وأمر أن يضربوا قبابهم بنَمِرَة.٢

    1. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱۷۰.
    2. نَمِرَة- بفتح النون و كسر الميم- ناحية بعرفة نزل بها النبيّ صلّي الله عليه و آله. و قيل: الحرم من طريق الطائف على طرف عرفة من نمرة على أحد عشر ميلًا.(«معجم البلدان» ج ۸، باب النون و الميم).

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

12
  • و لانّ قريش كانوا يرون أنهم أهل الحرم، لذا فقد كانوا لا يخرجون من المشعر الحرام الذي هو داخل الحرم أثنإ الحجّ، و يجعلون و قوفهم عند المشعر. و كانوا يقولون: إنّ الوقوف في عرفات، و هي خارج الحرم لغير قريش. و من هذا المنطلق فإنّ رسول الله لمّا تحرّك من منى، لم تشكّ قريش- و هو منها- أنه سيقف في المشعر؛ إلّا أنّ ظنّها لم يصدق، إذ إنّه توجّه من منى إلى عرفات و نزل قبّة قد ضربت له بنَمِرَة۱. و وفقاً لقوله تعالى‌: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.٢ و٣، فإنّه جعل الوقوف في عرفات. و تحرّك من هناك إلي‌

    1. «البداية و النهاية» ج ٥، ص ۱۷۰؛ و «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٢۸٩؛ و «الوفاء بأحوال المصطفي» ج ۱، ص ٢۱۱.
    2. الآية ۱٩٩، من السورة ٢: البقرة.
    3. نقل في «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٢۸٩، عن ابن الجوزيّ قوله: حجّ‌ [رسول الله] ‌صلّى الله عليه‌ [و آله‌] و سلّم قبل النبوّة و عدها حججاء لا يُعلم عددها. أي: و كان قبل النبوّة يقف بعرفات و يفيض منها إلى مزدلفة مخالفاً لقريش توفيقاً له من الله، فإنّهم كانوا لا يخرجون من الحرم. فإنّهم قالوا: نحن بنو إبراهيم عليه الصلاة و السلام و أهل الحرم و ولاة البيت و عاكفو مكّة. فليس لاحد من العرب منزلتنا، فلا تعظّموا شيئاً من الحلّ. أي: كما تعظّمون الحرم، فإنّكم إن فعلتم ذلك استخفّت العرب بحرمكم، و قالوا: قد عظّموا من الحلّ مثل ما عظّموا من الحرم. فليس لنا أن نخرج من الحرم. نحن الحمس. فتركوا الوقوف بعرفة و الإفاضة منه إلى المزدلفة، و يرون ذلك لسائر العرب.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

13
  • المشعر الحرام، ثمّ إلى منى لأدإ مناسك منى.

  • أجل، كان رسول الله في قبّته بعرفات حتّى إذا زالت الشمس أمر بناقته القَصْوإ۱، فرحلت، ثمّ أتى بطن الوادي، فخطب الناس قائلًا:

  • «إنَّ دِمَإكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا؛ في شَهْرِكُمْ هَذَا؛ في بَلَدِكُمْ هَذَا؛ أَلَا كُلُّ شَي‌ءٍ مِنْ أمْرِ الْجَاءهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي؛ وَ دِمَاءُ الْجَاءهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ؛ وَ إنَّ أوَّلَ دَمٍ أضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ- و كانَ مُسْتَرْضِعاً في «بَنِي سَعْدٍ» فَقَتَلَهُ «هُذَيْلٌ».»

  • «وَ رِبَا الْجَاءهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ؛ وَ أوَّلُ رِباً أَضَعُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإنَّهُ مُوْضُوعٌ كُلُّهُ».٢

  • «وَاتَّقُوا اللهَ في النساءء فَإِنَّكُمْ أَخَذتُموهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ وَ اسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ؛ وَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ؛ فَإنْ فَعلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ»!٣

    1. القَصوإ، بفتح القاف و المدّ. و قيل: بضمّ القاف و القصر: قُصْوي و هو خطأ. و هذه الناقة غير العَضْباء والجَدْعاء. و ما قيل إنّها أسماء لناقة واحدة فهو خطأ أيضاً.( «السيرة الحلبيّة» ٣: ٢٩۸).
    2. نقل ابن الاثير أكثر فقرات هذه الخطبة في «الكامل» ج ٢، ص ٣۰٢.
    3. ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحِ: بَرَّحَ بِهِ الامْرُ: أتعبه و جهده و آذاه أذيً شديداً.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

14
  • «وَ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».

  • «وَ قد تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي إنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللهِ»!۱

  • «وَ أَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ»؟!

  • قَالُوا: نَشْهَدُ أَنكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَ أدَّيْتَ وَ نَصَحْتَ!

  • فَقَالَ بِإصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إلَى السَّمَاء وَيَنْكُتُهَا على النَّاسِ: «اللهُمَّ اشْهَد! اللهُمَّ اشْهَدْ! اللهُمَّ اشْهَدْ! ثَلَاثَ مَرَّاتٍ».٢

  • يقول عمرو بن خارِجة: بعثني عَتّاب بن أُسَيْد إلى رسول الله صلّى الله عليه [وآله‌] و سلّم في حاجة، و رسول الله واقف بعرفة، فبلغته ثمّ وقفت تحت ناقته و أنّ لعابها ليقع على رأسي، فسمعته‌

    1. جاء في «سيرة ابن هشام» ج ٤، ص ۱۰٢٣: كتاب الله و سنّة نبيّه. و جاء في «تاريخ اليعقوبيّ» طبعة بيروت ۱٣۷٩ هـ، ج ٢، ص ۱۱۱: كتاب الله و عترتي أهل بيتي. و في ضوء ذلك، فإنّ الظنّ يغلب على أنّ الروايات كلّها ذكرت قوله: و عترتي أهل بيتي. غاية الامر أنّ هذه العبارة قد حذفت في الكتب المذكورة. و حرّفت في «سيرة ابن هشام» إذ استبدلت بها عبارة: و سنّة نبيّه.
    2. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱۷۰؛ و «سيرة ابن هشام» ج ٤، ص ۱۰٢٢ و ۱۰٢٣؛ و «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٢٩۸ و ٢٩٩؛ و «بحار الانوار» طبعة كمباني ج ٦، ص ٦٦۸ عن كتاب «المنتقي»؛ و «روضة الصفا» ج ٢، حجّة الوداع؛ و «تاريخ الطبريّ» ج ٣، ص ۱٥۰ و ۱٥۱ من الطبعة الثانية لدار المعارف؛ و «الوفاء في أحوال المصطفي» ج ۱، ص ٢۱٢؛ و «الكامل في التاريخ» ج ٢، ص ٣۰٢؛ و محمّدحسنين هيكل في كتاب «حياة محمّد» ص ٤٦۱ إلي ٤٦٣.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

15
  • يقول:

  • «أَيُّهَا النَّاسُ: إنَّ اللهَ أدَّى إلى كُلِّ ذِي حَقٍ حَقَّهُ؛ وَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ؛۱ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ؛ وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ؛ وَ مَنِ ادَّعَى إلى غَيْرِ أبِيهِ، أوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ لَهُ صَرْفاً و لا عَدْلًا».٢

  • كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ينشي هذه الخطبة و ربيعة بن أُمَيَّة بن خَلَف، و هو جَهْوَرِيّ الصوت، يُنادي بها في الناس، و رسول الله يقول له: «قل: أيّها الناس! إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله‌] وسلّم يقول: ... »٣

  • و بعد خطبة رسول الله، أذّن بَلَال، ثمّ أقام، فصلّى الظهر، ثمّ أقام [بلال‌]، فصلّى العصر.

  • تحقيق حول صلاة الظهر التي أُقيمت في عرفات‌

  • و ما يفيده هذا الكلام هو أنّ رسول الله خطب بعد حلول وقت‌

    1. الشاهد على ذلك ما جإ في «الطبقات» لابن سعد، ج ٢، ص ۱۸٣ أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم قال في هذه الخطبة: «إنَّ اللهَ قَسَّمَ لِكُلِّ إنسانٍ نَصِيبَهُ مِنَ المِيرَاثِ، فَلَا يَجُوزُ لِوَارِثٍ وَصِيَّةٌ. و أَمَّا الوَصِيَّةُ التي لَا تضيّع حَقَّهم كَمَا في الوَصِيَّةِ مِنَ الثُّلُثِ المُجَازِ فِيهِ، فَلَا إشْكَالٌ فِيهَا».
    2. «البداية و النهاية» ج ٥، ص ۱۷۱، رواه‌ [عن محمّد بن إسحاق]‌ الترمذيّ، و النسائيّ، و ابن ماجة؛ و «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٣۰۰؛ و «الطبقات الكبري» لابن سعد، ج ٢، ص ۱۸٣.
    3. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱۷۱؛ «السيرة الحلبيّة» ج ٢، ص ٢٩٩.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

16
  • الظهر، ثمّ جمع بين الظهر و العصر؛ و هل كانت صلاة الظهر هذه هي صلاة الجمعة، إذ صلّى ركعتين و خطب قبلهما؛ أو كانت صلاة الظهر دون كيفيّة صلاة الجمعة، كلّ ما في الامر أنّ خطبة قد أُلقيت قبلها؟ و لمّا كان ذلك اليوم هو يوم الجمعة، و كان النبيّ صلّى الله عليه وآله و سلّم قد جمع بين الظهر والعصر، و خطب قبل الصلاة، فيمكن أن نقول: إنّ الصلاة كانت صلاة الجمعة. لا سيّما و أنّ الرواية الماثورة عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه، عن جابر في حِجَّة الوَداع تعضد ذلك.

  • قال جابر: «راح النبيّ إلى الموقف بعرفة، فخطب في الناس الخطبة الاولى، ثمّ أذّن بلال؛ ثمّ أخذ النبيّ في الخطبة الثانية، ففرغ من الخطبة و بلال من الأذان؛ ثمّ أقام بلال، فصلّى الظهر؛ ثمّ أقام، فصلّى العصر»۱؛ و بنوا على صلاة الجمعة من الخطبتين اللتين كانتا بعد زوال الشمس، و من الجمع بين صلاتي الظهر والعصر.

  • و لمّا كان رسول الله مسافراً، و صلاة الجمعة لا تجب على المسافر، و كانت الخطبة بعد الزوال لتهيئة المسلمين للعبادة، كما أنّ الجمع بين الظهر و العصر كان لهذا الغرض، و لم تثبت الخطبتان عن النبيّ، خصوصاً و قد صلّى الظهر إخفاتا لا جهراً كما يفيده بحث مالك مع أبي يوسف بحضور هارون الرشيد، فيمكننا أن نستنتج من‌

    1. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱۷٢.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

17
  • ذلك كلّه أنه لم يصلّ الظهر على صورة الجمعة.۱

  • و بعد الصلاة ركب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم راحلته، إلى أن أتى الموقف؛ فاستقبل القبلة، و لم يزل واقفاً للدعاءء من الزوال إلى الغروب. و في الحديث: أفضل الدعاء يوم عرفة، و أفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلي، أي في يوم عرفة: «لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ، وَ هُوَ على كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ».

  • و استمرّ يدعو حتّى غربت الشمس. و جاءه جماعة من نجد، فسألوه عن صورة الحجّ، فأمر منادياً ينادي‌ «الحجّ عَرَفَةٌ؛ مَنْ جَاء لَيْلَةَ جَمْعٍ- أَي: المزدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعٍ الْفَجْرِ، فَقَدْ أدْرَكَ الحجّ».٢

  • و كان رسول الله راكباً على ناقته العَضْبَاء؛ و لمّا غربت الشمس، أردف أُسامة بن زيد خلفه، وتوجّهإلى المزدَلَفَة، و هو يأمر الناس بالسكينة في السير. و لمّا كان في الطريق عند الشِعْب الابْتَر، نزل فيه فبال وتوضّأ وضوءاً خفيفاً.٣

  • و جاء بلا تأخير، حتّى وصل المزدَلَفَة، فصلّى المغرب‌

    1. «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٣۰۰؛ «و البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱۷٣ إلي ۱۷٥.
    2. «نفس المصدر السابق».
    3. «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٣۰۱. و كان هذا التبوّل بسبب نحت الاصنام في الجاهليّة من ذلك الجبل.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

18
  • والعشاء جامعاً بينهما بأذان واحد و إقامتين؛۱ و اضطجع بعد ذلك. و أذن للنساء و الضعفة من الصبيان أن يذهبوا إلى مِنَى بعد منتصف الليل. و يقول ابن عبّاس: أرسلني رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم مع ضعفة أهله لآتي بهم إلى مِنَى بعد نصف الليل. و أوصى أن لا يرموا جَمْرَة العقبة حتّى تطلع الشمس.

  • فلمّا كان وقت الفجر، قام صلّى الله عليه وآله وسلّم و صلّى بالناس الصبح بمزدلفة مغلساً. ثمّ أتى المشعر الحرام فوقف به، و هو راكب ناقته، و استقبل القبلة، ودعاء الله، و كبّر، و هلّل، و وحّد، حتّى أسفر الصبح.٢

  • و توجّه إلى مِنَى راكباً، و أردف خلفه الفَضْل بن العَبَّاس. فلمّا وصل وادي مُحَسَّر، حرّك ناقته قليلًا، و سلك الطريق التي تسلك على جَمْرَة العَقَبَة، فرمى بها من أسفلها سبع حصيّات التقطها له عبد الله بن عبّاس. و صار يكبّر عند رمي كلّ حصاة.

  • خطبة النبيّ الاكرم في منى‌

  • و جاء في «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱۸۷ عن مسلم، عن يحيى بن الحصين، عن جدّته أمّ الحصين، و كذلك بسند آخر عن جابر بن عبد الله، قال: رَ أَيْتُ رَسُولَ اللهِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ على رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ و يقولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإنّي لَا أدْرِي لَعَلّي لَا أحُجُ‌

    1. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱۸۰.
    2. «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٣۰۱، طبعة مصر، سنة ۱٣٥٣ هـ.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

19
  • بَعْدَ حِجَّتِي هَذِهِ».

  • و خطب صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما بين رمي الجمرات، و هو راكب ناقة أو بغلة شهباء.۱ و الناس بين قائم و قاعد يستمعون إليه.٢ و كان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يصيح بها في الناس بصوت عال.٣

  • و ننقل فيما يلي هذه الخطبة عن «تاريخ اليعقوبيّ»:

  • «نَضَّرَ اللهُ وَجْهَ عَبْدٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَ حَفِظَهَا ثمّ بَلَّغَها مَنْ لم يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ.

  • ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِى مُسْلِمٍ: إخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلّهِ؛ وَ النَّصِيحَةُ لِائِمَّةِ الحق؛ وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإنَّ دَعْوَتَهُمْ مُحِيطَةٌ مِنْ وَرَائِهِمْ».٤

    1. البغلة الشهباء وهي التي فيها بياض يتخلّله سواد.
    2. «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٣۰٢.
    3. «البداية والنهاية» ج ٥، ص ۱٩٩. و كذلك في حديث آخر جاء في ص ٩۸.
    4. جاءت هذه الخطبة في «المجالس» للشيخ المفيد، طبعة النجف ص ۱۰۰ و ۱۰۱. و ذكر فيها قوله: نصر الله بدلًا عن نَضَّر الله. و ذكر فيها أيضاً قوله: «و النَّصيحة لِائِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَ اللُّزُوم لجماعتهم». و نقل في آخرها: «الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ، تَتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَ هُمْ يَدٌ وَاحِدٌ على مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أدْنَاهُمْ». و جاء هذا التعبير في «روضة البحار» طبعة كمباني ج ۱۷، ص ٣٩ نقلًا عن «المجالس» للمفيد. إلّا أنّ ما جإ في الطبعة الحديثة منه ج ۷۷، ص ۱٣۰ هو قوله: «نَضَّرَ الله». و نسب في «تحف العقول» ص ٤٢ هذه الخطبة إلى رسول الله في مسجد الخيف. و جاءت بهذا المضمون في «المجالس» للمفيد. و في طبعة كمباني لـ «بحار الانوار» ج ۱۷، ص ٤٢. جاءت كلمة نَصَرَ بسبب النقل عن كتاب «تحف العقول». و ذكر في الطبعة الحديثة لـ «تحف العقول» ج ۷۷، ص ۱٤٦ نَضَّرَ بالضاد المعجمة. و جاء في «بحار الانوار» طبعة كمباني ج ۱٥، الجزء الثاني ص ۸٥: نَضَّرَ نقلًا عن «إكمال الدين» للصدوق، فمضمونها مع ما ذكره المفيد واحد إلّا في بعض الالفاظ. و نقل ذلك أيضاً المحدّث القمّيّ في «تتمّة المنتهي» ص ۱٥٣ عن رسول الله في مسجد الخيف، كما جاء مثله في «إكمال الدين» أيضاً. و ذكر صاحب تفسير «في ظلال القرآن» في ص ۱٢٥ من الجزء الاوّل عن الإمام أحمد بن حنبل، عن رسول الله صلّى الله عليه و آله سلّم أنه قال: «المسلمونَ تَتَكافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَ هُمْ يَدٌ على مَنْ سِوَاهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أدْنَاهُمْ». و ذكر في «مجمع البحرين» عند كلامه عن الحديث التالي: «ذِمَّةُ المسلمينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَي بِذِمَّتِهِمْ أدْنَاهُمْ، سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن معناه، فقال: «لو أنّ جيشاً من المسلمين حاصروا قوماً من المشركين، فأشرف رجل منهم، فقال: أعطوني الامان حتّى ألقى صاحبكم و أُناظره، فأعطاهم أدناهم الأمان، وجب على أفضلهم الوفاء به»- انتهى. و على هذا الاساس آمنت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم زوجها أبا العاص الذي كان قد قدم المدينة وهو مشرك. (يرجع إلى كتاب «زينب بطلة كربلا» تأليف الدكتورة بنت الشاطي).

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

20
  • و بعد ذلك قال: «يا ربيعة (ربيعة بن أُمَيَّة بن خلف) قل‌: أيّها الناس! يقول رسول الله: لَعَلَّكُمْ لَا تَلْقَونَنِي على مِثْلِ حَالِي هَذِهِ وَ عَلَيْكُمْ هَذَا! هَلْ تَدْرُونَ أيّ بَلَدٍ هَذَا؟ وَ هَلْ تَدْرُونَ أيّ شَهْرٍ

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

21
  • هَذَا؟! وَهَلْ تَدْرُونَ أَيّ يَوْمٍ هَذَا»؟!

  • فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ! هَذَا الْبَلَدُ الْحَرَامُ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ وَالْيَوْمُ الْحَرَامُ!

  • قَالَ: «فَإنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَإكُمْ وَ أَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا؛ وَ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا؛ وَ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا! أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَد»!

  • ثمّ قَالَ: وَاتَّقُوا اللهَ و لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَإهُمْ و لا تَعْثَوا في الْارْضِ مُفْسِدِينَ. فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا!

  • ثمّ قَالَ: «النَّاسُ في الإسلَامِ سَوَاءٌ؛ النَّاسُ طَفُّ الصَّاعِ لآدَمَ وَ حَوَّا؛ لَا فُضِّلَ عَرَبِيّ على عَجَمَيّ؛ و لا عَجَمِيّ على عَرَبِيّ إلَّا بِتَقْوَى اللهِ! ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «كُلُّ دَمٍ في الجاهليَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي؛ وَ أوَّلُ دَمٍ أضَعُهُ دَمُ آدَمَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ- و كانَ آدَمُ بْنُ رَبِيعَةَ مُسْتَرْضِعاً في هُذَيلٍ فَقَتَلَهُ بَنُو سَعْدٍ بْنِ بَكْرٍ؛ وَ قِيلَ في بَني لَيْثٍ فَقَتَلَهُ هُذَيْلٌ- أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «وَكُلُّ رِباً كَانَ في الْجَاءهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِي؛ وَ أوَّلُ رِباً أضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

22
  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا النَسِي‌ءُ۱ زِيَادَةٌ في الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ. ألَا وَ انَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَةِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضَ، وَ إنَّ عِدَة الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً في كِتَابِ اللهِ مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: رَجَبُ الذي بَيْنَ جُمَادَى وَ شَعْبَانَ، يَدْعُونَهُ مُضَرَ؛ وَ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ: ذوالْقَعْدَةِ وَ ذُوالحجّةِ وَالمحرّم. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِالنِّساء خَيْراً؛ فَإنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ؛ لَا يَمْلِكْنَ لأنْفُسِهِنَّ شَيئاً؛ وَ إنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ؛ وَ اسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهُنَّ بِكِتَابِ اللهِ؛ وَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقُّ؛ وَ لَهُنَّ عَلَيْكُم حَقُّ كِسْوَتِهِنَّ وَ رِزْقَهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فِراشَكُمْ أَحَداً؛ وَ لَا يَأْذَنَّ في بُيُوتِكُمْ إلَّا بِعِلْمِكُمْ وَ إذْنِكُمْ؛ فَإنْ فَعَلْنَ شَيئاً مِنْ ذَلِكَ فَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ! ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «فَأُوصِيكُمْ بِمَنْ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ ممّا

    1. النسي‌ء هو تأخير العمل بالاحكام و التكاليف المقرّرة في شهر معيّن إلي شهر آخر ووقت آخر.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

23
  • تَأْكُلُونَ وَ أَلْبِسُوهُمْ ممّا تَلْبَسُونَ، وَ إنْ أذْنَبُوا فَكِلُوا عُقُوبَاتِهِمْ إلَى شِرَارِكُمْ. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «إنَّ المسلم أَخُو المسلم لَا يَغُشُّهُ وَ لَا يَخُونُهُ وَ لَا يَغْتَابُهُ، وَ لَا يَحِلُّ لَهُ دَمُهُ و لا شَي‌ءٌ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يُعْبَدَ بَعْدَ الْيَومِ، وَلَكِنْ يُطَاعُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِكُمُ التي تَحْتَقِرُونَ؛ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «أعْدَى الْاعْدَاء على اللهِ قَاتِلُ غَيْرِ قَاتِلِهِ، وَ ضَارِبُ غَيْرِ ضَارِبِهِ؛ وَ مَنْ كَفَرَ نِعْمَةَ مَوَالِيِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أنْزَلَ اللهُ على مُحَمَّدٍ؛ وَ مَنِ انْتَمَى إلى غَيْرِ أبيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَ الْمَلَائِكَةِ وَ النَّاسِ أجْمَعِينَ. ألَا هل بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «ألَا إنِّي إنَّمَا أُمِرتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَ إنِّي رَسُولُ اللهِ؛ وَ إذَا قَالُوا، عَصَموا منِّي دِماءَهُمْ وَ أمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقٍّ وَ حِسَابُهُم على اللهِ، ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

24
  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً مُضِلِّينَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. إنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ، وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي. ألَا هَلْ بَلَّغْتُ»؟!

  • قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: «اللهُمَّ اشْهَدْ»!

  • ثمّ قَالَ: «إنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ».۱

    1. «تاريخ اليعقوبيّ» طبعة بيروت ۱٣۷٩ ه، ج ٢، ص ٢۰٩ إلى ٢۱٢. و روى السيوطيّ هذه الخطبة باختلاف يسير في عباراتها في تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣٤ و ٢٣٥ بتخريج أحمد بن حنبل، و الباورديّ، و ابن مردويه، عن أبي حمزة الرقايّش، عن عمّه الذي كان من الصحابة، و كان زمام ناقة النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بيده. و جاء أصل هذه الرواية في «مسند أحمد بن حنبل» ج ٥، ص ۷٢ و ۷٣. و رواها المجلسيّ في «بحار الانوار» طبعة كمباني ج ٦، ص ٦٦٢ و ٦٦٣ عن «الكافي». و ذكرها ابن هشام في سيرته، ج ٤، ص ۱۰٢٢ إلي ۱۰٢٤، إلّا أنّ تحريفاً قد حصل في قوله: كتاب الله و عترة نبيّه، فتغيّر إلى عبارة: كتاب الله و سنّة نبيّه. و ذكرها ابن كثير في «البداية و النهاية» ج ٥ بأسناد متعدّدة، من ص ۱٩٤ إلى ٢۰۱. و نقلها البيهقيّ أيضاً في «السنن» ج ٥، ص ۱٤۰ كتاب الحجّ. و ذكرها كذلك ابن الجوزيّ في كتاب «الوفاء بأحوال المصطفي» ج ۱، ص ٢۰۷ و ٢۰۸. و ذكرها أيضاً ابن سعد في طبقاته، ج ٢، ص ۱۸٣ إلى ۱۸۷. و ذكرها صاحب «روضة الصفا» ج ٢، باب حجّة الوداع. و كذلك ذكرها عليّ بن إبراهيم في تفسيره، في ذيل الآية: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، ص ۱٥٩ إلى ۱٦۱. و ذكرها الطبريّ أيضاً في «تاريخ الامم والملوك» ج ٣، ص ۱٥۰ إلى ۱٥٢. و أوردها الجاحظ في «البيان والتبيين» طبعة القاهرة، سنة ۱٣٦۷ هـ، ج ٢، من ص ٣۱ إلى ص ٣٣.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

25
  • نقلنا هذا الخطبة الشريفة التي خطبها رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في منى من «تاريخ اليعقوبيّ» لانها جاءت فيه تامّة. و ذكرت في غيره من الكتب متفرّقة ومجزَّأة. و كلّ جزء و مقطع منها نقله بعض الرواة؛ كما أشرنا إلى عدد من الكتب التي ذكرت فقراتها بنحو تجزيئيّ، و ذلك في الهامش المتقدّم.

  • و هذه الخطبة في غاية البلاغة و البيان. و تضمّ مواضيع هامّة، و قوانين سياسيّة و اجتماعيّة عظيمة، و تعاليم أخلاقيّة و فقهيّة. و يمكن التعويل عليها حقّاً من حيث الرصانة والمتانة و القوّة كالآيات القرآنيّة. و ما كان أروع لو كتب لها شرح مفصّل؛ و طبّقت مواضيعها و فقراتها على الآيات القرآنيّة و سائر الاحاديث و الاصول المسلمة للسنّة النبويّة، و منهاج الآل الطاهرين من سلالته صلّى الله عليه و آله و سلّم. و كشف عمّا تضمّه من معارف. و لكن سنتحدّث هنا بشكل موسّع عن فقرة من فقراتها و ذلك بغية إيضاحها، فلعلّها تحتاج إلى شرح و توضيح أكثر، و نرجو الله المنّان أن يمنّ علينا بالتوفيق، وَ {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ}.

  • وتتمثّل‌ هذه الفقرة في قوله: يَا أَيهَا النَّاسُ‌ {إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ}، إلى آخر ما قاله في هذا المجال. و كلامه هنا شرح و توضيح لموضوع جاء في آيتين من القرآن الكريم هما:

  • تفسير الآية التي تبيّن حرمة النسي‌

  • {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

26
  • خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ، إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ}.۱

  • و في ضوء هاتين الآيتين الشريفتين حرّم رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم التأخير و النسي‌ء في الشهور و أكّد موضّحاً أنّ أعمال كلّ شهر خاصّة بالشهر نفسه، فينبغي أن تقام فيه لا في غيره.

  • النسي‌ء٢ مصدر كالنذير والنكير من نَسَاء الشَيْ‌ءَ يَنْسَؤُهُ نَسْاء وَ مَنساءةَ وَ نَسيئاً: إذا أخَّرَهُ تَأخِيراً.

  • كلام وتفسير «مجمع البيان» و «أبي السعود» في آية النسي‌

  • يقول الشيخ الطبرسيّ: و كانت العرب تحرم الشهور الاربعة

    1. الآيتان ٣٦ و ٣۷، من السورة ٩: التوبة.
    2. جاء في «النهاية» لابن الاثير، ج ٢، ص ۱٣٩، في مادّة دَوَرَ، وفي الحديث «إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْارْضَ»، يقال: دَارَ يَدُوُر وَ اسْتَدَارَ يَسْتَدِيرُ بمعنى إذا طاف حول الشي‌ء، و إذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه. و معنى الحديث: أنّ العرب كانوا يؤخّرون المحرّم إلى صفر، وهو النسي‌ء ليقاتلوا فيه، و يفعلون ذلك سنة بعد سنة. فينتقل المحرّم من شهر إلى شهر حتّى يجعلوه في جميع شهور السنة. فلمّا كانت تلك السنة، كان قد عاد إلى زمنه المخصوص به قبل النقل، و دارت السنة كهيئتها الاولى. و لذلك قال رسول الله هكذا.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

27
  • [رجب، و ذي القعدة، و ذي الحجّة، و محرّم‌] و ذلك ممّا تمسّكت به من ملّة إبراهيم وإسماعيل [عليهما السلام‌] و هم كانوا أصحاب غارات و حروب، فربّما كان يشقّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية لا يغزون فيها، فكانوا يؤخّرون تحريم المحرّم إلى صفر فيحرّمونه، و يستحلّون المحرّم فيمكثون بذلك زماناً، ثمّ يُأوّل التحريم إلى المحرّم، و لا يفعلون ذلك إلّا في ذي الحجّة.

  • قال الفرّاء: و الذي كان (يقوم به) رجل من كَنَانَة يُقال له: نُعَيْم بن ثَعْلَبَة. و كان رئيس الموسم [في الحجّ‌] فيقول: أنا الذي لا أُعاب و لا أُخاب، و لا يردّ لي قضإ!

  • فيقولون: نعم صدقت! أنسئنا شهراً! أو أخّر عنّا حرمة المحرّم! و اجعلها في صفر! و أحلّ المحرّم! فيفعل ذلك.

  • و الذي كان ينسأها حين جاء الإسلام: جُنَادَة بن عَوْف بن أُمَيَّة الكَنَانِيّ، قال ابن عبّاس: و أوّل من سنّ النسي‌ء: عَمْرُو بْنُ لَحَى بن قُمَعَة بن خِنْدِف. و قال أبو مسلم بن أسلم: بل رجل من بني كنانة، يقال له: القَلَمَّس، كان يقول: إنّي قد نسأت المحرّم العام، و هما العام صفران. فإذا كان العام القابل قضينا فجعلناهما محرّمين. قال شاعرهم:

  • ... *** وَمِنّا نَاسِيُ الشَّهْرِ الْقَلَمَّس،
  • و قال الكُمَيْت:

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

28
  • وَ نَحْنُ النَّاسِئُونَ على مُعَدٍّ***شُهُورَ الْحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرَاماً
  • وقال مُجَاهِد: كان المشركين يحجّون في كلّ شهر عامين. فحجّوا في ذي الحجّة عامين، ثمّ في المحرّم عامين، ثمّ حجّوا في صفر عامين. و كذلك في الشهور حتّى وافقت الحجّة التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة. ثمّ حجّ النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم في العام القابل حجّة الوداع، فوافقت في ذي الحجّة، فذلك حين قال النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم و ذكر في خطبته: «ألَا وَ إنَّ الزَّمانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذو الحجّةِ وَ المحرّم وَ رَجَبُ مُضَرُّ الذي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ». أراد [صلّى الله عليه وآله وسلّم] الاشهر الحرم رجعت إلى مواضعها، و عاد الحجّ إلى ذي الحجّة، و بطل النسي‌ء.۱

  • و قال صاحب «تفسير أبي السُّعُود» بعد ذكره الاشهر الحرم، و خطبة رسول الله في حجّة الوداع، وقوله: «إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ. وَ إنَّ الشُّهُورَ اثْنَا عَشَرَ شهراً»: و المعنى رجعت الاشهر إلى ما كانت عليه من الحلّ و الحرمة. و عاد الحجّ إلى ذي الحجّة بعد ما كانوا أزالوه عن محلّه بالنسي‌ء الذي أحدثوه في الجاهليّة. و قد وافقت حجّة الوداع ذا الحجّة. و كانت‌

    1. «مجمع البيان» طبعة صيدا، ج ٣، ص ٢٩.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

29
  • حجّة أبي بكر قبلها في ذي القعدة.۱

  • و مثل هذا التفسير المذكور في «مجمع البيان» و تفسير «أبي السُّعود» يلاحظ في أغلب التفاسير؛ و خلاصة ما نستنتجه هو أنّ تغييرين كانا يحصلان عند عرب الجاهليّة: الاوّل: تغيير الاشهر الحرم بتحويلها من وقت لآخر، كما في تحويل المحرّم إلى شهر صفر؛ و الثاني: تغيير في الحجّ، يرفع الحجّ به من ذي الحجّة فيقع في شهور أُخر، يدور فيها، حتّى يعود ثانية إلى محلّه الاصليّ. و يطلق على هذين التأخيرين: النَّسِي‌ء.

  • الروايات الواردة في تفسير آية النسي‌ء بتأخير الاشهر الحرم‌

  • و الشاهد على التغيير الاوّل، أي تغيير حرمة الاشهر الحرم إلى شهور أُخرى أحاديث و روايات متنوّعة:

  • فقد جاء في تفسير «الدرّ المنثور» قوله: أخرج ابن أبي حاتم، و أبو الشيخ عن ابن عمر، قال: وَقَفَ رَسُولُ اللهَ صلّى الله عَلَيْهِ‌ [وَآلِهِ] وَ سَلَّمَ بِالْعَقَبَةِ، فَقَالَ: «إنَّ النَّسي‌ءَ مِنَ الشَّيْطَانِ زِيَادَةٌ في الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا؛ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَ يُحَرِّمُونَهَ عَامًا؛ وَ يُحَرِّمُونَ صَفَرَ عَامًا وَ يَسْتَحِلُّونَ المحرّم و هُوَ النَّسِي‌ءُ»٢.

  • و ذكر أيضاً في «الدرّ المنثور» أنّ ابن جرير، و ابن منذر، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه أخرجوا عن ابن عبّاس أنه قال: كَانَ‌

    1. «تفسير أبي السعود» ج ٢، ص ٥٤۸.
    2. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣٦؛ و تفسير «الميزان» ج ٩، ص ٢۸٦.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

30
  • جَنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ الْكِنَانِيّ يُوفي الموسِمَ كُلَّ عَامٍ، وكانَ يُكَنَّى أَبَا ثُمَادَةً، فَيُنَادِي: ألَا إنَّ أَبَا ثُمَادَةَ لَا يَخَافُ و لا يُعَابُ؛ ألَا إن صَفَرَ الْاوّلَ حَلَالٌ.۱

  • وَ كَانَ طَوائِفُ مِنَ الْعَرَبِ إذَا أرَادُوا أنْ يُغيرُوا على بَعْضِ عَدُوِّهِمْ أتَوْهُ فَقَالُوا أحِلَّ لَنَا هَذَا الشَّهْرَ- يَعْنُونَ: صَفَرَ- و كانَتِ الْعَرَبُ لَا تُقَاتِلُ في الْاشْهُرِ الحُرُم، فَيُحِلّهُ لَهُمْ عَامًا وَ يُحَرِّمُهُ عَلَيْهِمْ في الْعَامِ الآخَرِ. وَ يُحَرِّمُ المحرّم في قَابِلٍ لِيُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ، يَقُولُ: لِيجعلوا الحرم أرْبَعَةً غَيْرَ أَنهُمْ جَعَلُوا صَفَرَ عَاماً حَلَالًا وَ عامَاً حَرَاماً.٢

  • و فيه أيضاً: أخرج ابن منذر عن قتادة في الآية: {إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ} قال: عَمَدَ أُنَاسٌ مِنْ أهْلِ الضَّلَالَةِ فَزَادُوا صَفَرَ في الْاشْهُرِ الحُرُم. و كانَ يَقُومُ قَائِمُهُمْ في الموسِمِ، فَيَقُولُ: إنَّ آلِهَتَكُمْ‌

    1. نقل العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه في ج ٩، ص ٢۸۷ من «الميزان» عن السيوطيّ في كتاب «المزهر»: أنّ العرب قبل الإسلام كانت تسمّى المحرّم: صفر الاوّل، وصفر: صفر الثاني. وهما صفران كالربيعين والجماديين. والنسي‌ء إنّما ينال صفر الاوّل ولا يتعدّى صفر الثاني. فلمّا أقَرّ الإسلام الحرمة لصفر الاوّل، عبّروا عنه بشهر الله المحرّم، ثمّ لمّا كثر الاستعمال، خفّف، و قيل: المحرّم. و اختصّ اسم صفر بصفر الثاني. فالمحرّم من الالفاظ الإسلاميّة.
    2. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣٦ و ٢٣۷؛ وتفسير «الميزان» ج ٩، ص ٢۸٦ و ٢۸۷.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

31
  • قَدْ حَرَّمَتْ صَفَرَ، فَيُحَرِّمُونَهُ ذَلِكَ الْعَامَ، وَ كانَ يُقَالُ لَهُمَا: الصَّفَرَانِ.

  • و كانَ أوَّلَ مَنْ نسأ «النَّسِي‌ءَ» بَنُو مَالِكٍ مِنْ كِنَانَةَ، وَ كانوا ثَلَاثَةً: أَبُو ثُمَامَةَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، أَحَدُ بَني فَقِيمِ بْنِ الْحَارِثِ، ثمّ أَحَدُ بَنِي كِنَانَةَ.۱

  • و فيه أيضاً: أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ في الآية الشريفة، قال: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ: جُنَادَةُ بْنُ عَوْفٍ يُكَنَّى أَبَا أُمَامَةَ يُنْسِئُ الشُّهُورَ؛ وَكانَتِ الْعَرَبُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ أنْ يَمْكُثُوا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لَا يُغِيرُ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ، فَإذَا أرَادُوا أنْ يُغَيِّرَ على أَحَدِهِمْ قَامَ يَوماً بِمنى فَخَطَبَ فَقَالَ: إنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ المُحَرّم وَ حَرَّمْتُ صَفَرَ مَكَانَهُ. فَيُقَاتِلُ النَّاسُ في المُحَرّم، فَإذَا كَانَ صَفَرُ عَمَدُوا وَ وَضَعُوا الأسِنَّةَ ثمّ يَقُومُ في قَابِلٍ فَيَقُولُ: إنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ صَفَرَ وَ حَرَّمْتُ المُحَرّم فَيُواطِئُوا أرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَيُحِلُّوا المحرّم.٢

  • و جاءت فيه روايتان أُخريان بتخريج ابن مردويه، عن ابن عبّاس، و هما تفسّران الآية الشريفة على نفس النسق.٣

  • الروايات الواردة في تفسير آية النسي‌ء بدوران الشهور

  • و الشاهد على التغيير الثاني، أي: تغيير وقت الحجّ من موعده المحدّد إلى موعد آخر، و دورانه في جميع شهور السنة، ليرجع مرّة

    1. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣۷؛ وتفسير «الميزان» ج ٩، ص ٢۸۷.
    2. «نفس المصدر السابق».
    3. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣۷.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

32
  • أُخرى إلى ذي الحجّة، فيتمّ بذلك دورته، روايات و أحاديث مأثورة:

  • فقد جاء في «الدرّ المنثور»: أخرج الطبرانيّ، و أبو الشيخ، و ابن مردويه، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه قال: كَانَتِ الْعَرَبُ يُحِلُّونَ عَاماً شَهْراً، وَ عَاماً شَهْرَيْنِ، و لا يُصيبُونَ الحجّ إلَّا في كُلِّ سِتَّةٍ وَ عِشْرِينَ سَنَةً مَرَّةً، و هو النَّسِي‌ءُ الذي ذَكَرَ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ.

  • فَلمّا كَانَ عَامُ الحجّ الأكْبَرِ ثمّ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الأهِلَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَ آلِهِ‌] وَ سَلَّمَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ».۱

  • و جاء فيه أيضاً: أخرج أحمد بن حنبل، و البخاريّ، و مُسْلم، و أبو داود، و ابن منذر، و ابن أبي حاتم، و أبو الشيخ، و ابن مردويه، و البيهقيّ في كتاب «شعب الإيمان» عن أبي بكرة قال:

  • خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عَلَيْهِ [وَآلِهِ‌] وَ سَلَّمَ في الحجّ، فَقَالَ: «ألَا إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَ ذُو الحجّةِ وَ المُحَرّمُ، وَ رَجَبُ مُضَرُ الذي بَيْنَ جُمَادَى‌

    1. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣٦؛ و تفسير «الميزان» ج ٩، ص ٢۸٩.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

33
  • وَشَعْبَانَ».۱

  • و ورد فيه أيضاً: أخرج البزّاز، و ابن جرير، و ابن مردويه عن أبي هريرة بهذا المضمون.٢ و أخرج ابن جرير، و ابن منذر، و ابن أبي حاتم، و ابن مردويه، عن ابن عمر. ٣ و أخرج ابن منذر، و أبو الشيخ، و ابن مردويه، عن ابن عبّاس. ٤

  • و جاء فيه أيضاً: أخرج عبد الرزّاق، و ابن منذر، و ابن أبي حاتم، و أبو الشيخ، عن مُجَاهِد أنه قال في تفسير الآية: {إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ}: فَرَضَ اللهُ الحجّ في ذِي الحجّةِ وَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُسَمُّونَ الْاشْهُرَ: ذُو الحجّةِ وَ المحرّم وَ صَفَرُ وَ رَبِيعٌ وَ رَبِيعٌ وَ جُمَادَى وَ جُمَادَى وَ رَجَبُ وَ شَعْبَانُ وَ رَمَضَانُ وَ شَوَّالُ وَ ذُو الْقَعْدَةِ وَ ذُو الحجّةِ ثمّ يَحُجُّونَ فِيهِ.

  • ثمّ يَسْكُتُونَ عَنِ المحرّم فَلَا يَذْكُرُونَهُ، ثمّ يَعُودُونَ فَيُسَمُّونَ صَفَرَ صَفَرَ، ثمّ يُسَمُّونَ رَجَبَ جُمَادَى الآخِرَةَ، ثمّ يُسَمُّونَ شَعْبَانَ رَمَضَانَ، وَ رَمَضَانَ شَوَّالَ، وَ يُسَمُّونَ ذَا الْقَعْدَةِ شَوَّالَ، ثمّ يُسَمُّونَ ذَا الحِجَّةِ ذَا الْقَعْدِةِ، ثمّ يُسَمُّونَ المحرّم ذَا الحجّةِ، ثمّ يَحُجُّونَ فِيهِ‌

    1. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣٤؛ و «مسند أحمد بن حنبل» ج ٥، ص ٣۷.
    2. «نفس المصدر السابق».

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

34
  • وَ اسْمُهُ عِنْدَهُمْ ذُو الحجّةِ.

  • ثمّ عَادُوا إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَكَانُوا يَحُجُّونَ في كُلِّ شَهْرٍ عَاماً حَتَّى وَافَقَ حِجَّةُ أَبي بَكْرٍ الآخِرَةُ مِنَ الْعَامِ في ذِي القِعْدَةِ، ثمّ حَجَّ النَبِيّ صلّى الله عَلَيْهِ‌] وَ آلِهِ [وَ سَلَّمَ حِجَّتَهُ التي حَجَّ فِيهَا فَوَافَقَ ذُو الحجّةِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ صلّى الله عَلَيْهِ‌] وَ آلِهِ [وَ سَلَّمَ في خُطْبَتِهِ‌: «إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضَ».۱

  • و محصّل هذه الرواية على ما فيها من التشويش و الاضطراب أنّ العرب كانت قبل الإسلام تحجّ البيت في ذي الحجّة، غير أنهم أرادوا أن يحجّوا كلّ عام في شهر، فكانوا يدورون بالحجّ الشهور شهراً بعد شهر، و كلّ شهر وصلت إليه النوبة عامهم ذلك سمّوه ذا الحجّة، و سكتوا عن اسمه الاصليّ.

  • و لازم ذلك: أن تتألّف كلّ سنة فيها حجّة من ثلاثة عشر شهراً و أن يتكرّر اسم بعض الشهور مرّتين أو أزيد كما تشعر به الرواية. و لذا ذكر الطبريّ أنّ العرب كانت تجعل السنة ثلاثة عشر شهراً، و في رواية: اثني عشر شهراً و خمسة و عشرين يوماً.

  • و لازم ذلك أيضاً: أن تتغيّر أسماء الشهور كلّها، و أن لا يواطي اسم الشهر نفس الشهر إلّا في كلّ اثنتي عشرة سنة مرّة، إن كان‌

    1. تفسير «الدرّ المنثور» ج ٣، ص ٢٣۷؛ و تفسير «الميزان» ج ٩، ص ٢۸۸.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

35
  • التأخير على نظام محفوظ، و ذلك على نحو الدوران.۱

  • كلام الفخر الرازيّ في تفسير آية النسي‌ء

  • و تحدّث الفخر الرازيّ‌ في‌ تفسيره عن النسي‌ء مفصّلًا، و قال في ذيل الآية: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ‌}: اعلم أنّ هذا شرح النوع الثالث من قبائح أعمال اليهود و النصارى و المشركين، و هو إقدامهم على السعي في تغييرهم أحكام الله. و ذلك لانه تعالى لمّا حكم في كلّ وقت بحكم خاصّ فإذا غيّروا تلك الاحكام بسبب النسي‌ء فحينئذٍ كان ذلك سعياً منهم في تغيير حكم السنة بحسب أهوائهم و آرائهم، فكان ذلك زيادة في كفرهم و حسرتهم.

  • ثمّ قال في بيان المسألة الاولى من المسائل التي طرحها: اعلم أنّ السنة عند العرب عبارة عن اثني عشر شهراً من الشهور القمريّة و الدليل عليه هذه الآية، و أيضاً قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ}.٢

  • فجعل تقدير القمر بالمنازل علّة للسنين و الحساب، و ذلك إنّما يصحّ إذا كانت السنة معلّقة بسير القمر، و أيضاً قال تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ}‌.٣

    1. «الميزان» ج ٩، ص ٢۸۸
    2. الآية ٥، من السورة ۱۰: يونس.
    3. الآية ۱۸٩، من السورة ٢: البقرة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

36
  • وعند سائر الطوائف [غير العرب‌] عبارة عن المدّة التي تدور الشمس فيها دورة تامّة، و السنة القمريّة أقلّ من السنة الشمسيّة بمقدار معلوم. و بسبب ذلك النقصان تنتقل الشهور القمريّة من فصل إلى فصل، فيكون الحجّ واقعاً في الشتاء مرّة، و في الصيف أُخرى و كان يشقّ الامر عليهم بهذا السبب. و أيضاً إذا حضروا الحجّ حضروا للتجارة، فربّما كان ذلك الوقت غير موافق لحضور التجارات من الاطراف، و كان يخلّ أسباب تجاراتهم بهذا السبب.

  • فلهذا السبب، أقدموا على عمل الكَبِيسَة۱ على ما هو معلوم في علم الزيجات، و اعتبروا السنة الشمسيّة، و عند ذلك بقي زمان الحجّ مختصّاً بوقت واحد معيّن موافق لمصلحتهم، و انتفعوا بتجاراتهم و مصالحهم.

  • فهذا النسي‌ء، و إن كان سبباً لحصول المصالح الدنيويّة، إلّا أنه لزم منه تغيّر حكم الله تعالى. لانه تعالى لمّا خصّ الحجّ بأشهر معلومة على التعيين، و كان بسبب ذلك النسي‌ء، يقع في سائر الشهور تغيّر حكم الله و تكليفه. فلهذا المعنى، استوجبوا الذمّ العظيم في هذه الآية.

  • و لمّا كانت السنة الشمسيّة زائدة على السنة القمريّة، جمعوا

    1. الكبيسة هنا هي عبارة عن حساب الاختلاف في مقدار السنة القمريّة، مع مقدار السنة الشمسيّة، و إضافة ذلك الاختلاف إلى السنة القمريّة في آخرها.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

37
  • تلك الزيادة فإذا بلغ مقدارها إلى شهر، جعلوا تلك السنة ثلاثة عشر شهراً. فأنكر الله تعالى ذلك عليهم، و قال: إنّ حكم الله أن تكون السنة اثني عشر شهراً لا أقل و لا أزيد. و تحكّمهم على بعض السنين أنه صار ثلاثة عشر شهراً حكم واقع على خلاف حكم الله تعالى و يوجب تغيير تكاليف الله تعالى. و كلّ ذلك على خلاف الدين.

  • و مذهب العرب من الزمان الاوّل أن تكون السنة قمريّة لا شمسيّة. و هذا حكم توارثوه، عن إبراهيم و إسماعيل عليهما الصلاة و السلام. فأمّا عند اليهود و النصارى، فليس كذلك. ثمّ إنّ بعض العرب تعلّم صفة الكبيسة من اليهود و النصارى، فأظهر ذلك في بلاد العرب.۱

  • كلام الفخر الرازيّ في إقدام العرب على عمل الكبس‌

  • و قال الفخر الرازيّ أيضاً بعد حديثه عن مواضيع مفصّلة: النسي‌ء هو التأخير، وقال أبو زيد: نسأتُ الإبِلَ عَنِ الْحَوْضِ أَنسأهَا نسأ إذَا أَخَّرْتَهَا، وَ أنسأتُهُ إنساءً إذَا أَخَّرْتَهُ عَنْهُ و الاسْمُ النَّسِيئَةُ وَ النَّس‌ءُ.

  • وقال قطرب:

  • النَّسِي‌ءُ أصْلُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ يُقَالُ: نساء في الْاجَلِ وَأَنسأ، إذَا زَادَ فِيهِ.

  • و قال الواحديّ في جوابه: الصحيح القول الاوّل، و هو أنّ أصل‌

    1. تفسير «مفاتيح الغيب» طبعة دار الطباعة العامرة، ج ٤، ص ٦٣٣

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

38
  • النسي‌ء التأخير. و المراد هنا التأخير، لا الزيادة.۱

  • ثمّ قال الفخر الرازيّ: لو رتّب العرب [في الجاهليّة] حسابهم على السنة القمريّة، فإنّه يقع حجّهم تارة في الصيف، و تارة في الشتاء، و كان يشقّ عليهم الاسفار و لم ينتفعوا بها في المرابحات و التجارات، لانّ سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلّا في الاوقات اللائقة الموافقة. فعلموا أنّ بنإ الامر على رعاية السنة القمريّة يخلّ بمصالح الدنيا، فتركوا ذلك و اعتبروا السنة الشمسيّة. و لمّا كانت السنة الشمسيّة زائدة على السنة القمريّة بمقدار معيّن احتاجوا إلى الكبيسة، و حصل لهم بسب تلك الكبيسة أمران:

  • أحدهما: أنهم كانوا يجعلون بعض السنين ثلاثة عشر شهراً بسبب اجتماع تلك الزيادات.

  • والثاني: أنه كان ينتقل الحجّ من بعض الشهور القمريّة إلى غيره، فكان الحجّ يقع في بعض السنين في ذي الحجّة، و بعده في المحرّم، و بعده في صفر، و هكذا في الدور حتّى ينتهي بعد مدّة مخصوصة مرّة أُخرى إلى ذي الحجّة.

  • فحصل بسبب الكبيسة هذان الامران: أحدهما: الزيادة في عدّة الشهور. والثاني: تأخير الحرمة الحاصلة لشهر إلى شهر آخر. و قد بيّنا أنّ لفظ النسي‌ء يفيد التأخير عند الاكثرين، و يفيد الزيادة

    1. تفسير «مفاتيح الغيب» ج ٤، ص ٦٣۷ و ٦٣۸

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

39
  • عند الباقين. و على التقديرين، فإنّه منطبق على هذين الامرين.

  • والحاصل من هذا الكلام: أنّ بنإ العبادات على السنة القمريّة يخلّ مصالح الدنيا. و بناؤها على السنة الشمسيّة يفيد رعاية مصالح الدنيا، و الله تعالى أمرهم من وقت إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام ببناء الامر على رعاية السنة القمريّة. فهم تركوا أمر الله في رعاية السنة القمريّة، و اعتبروا السنة الشمسيّة رعاية لمصالح الدنيا أوقعوا الحجّ في شهر آخر سوى الاشهر الحرم. فلهذا السبب عاب الله عليهم و جعله سبباً لزيادة كفرهم.

  • و إنّما كان ذلك سبباً لزيادة الكفر، لانّ الله تعالى أمرهم بإيقاع الحجّ في الاشهر الحرم، ثمّ إنّهم بسبب هذه الكبيسة أوقعوه في غير هذه الاشهر، و ذكروا لاتباعهم أنّ هذا الذي عملناه هو الواجب و أنّ إيقاعه في الشهور القمريّة غير واجب. فكان هذا إنكاراً منهم لحكم الله مع العلم به و تمرّداً على طاعته، و ذلك يجب الكفر بإجماع المسلمين.

  • و أمّا الحساب الذي به يعرف مقادير الزيادات الحاصلة بسبب تلك الكبائس، فمذكور في الزيجات.

  • قال الواحديّ: و أكثر العلماءعلى أنّ هذا التأخير ما كان يختصّ بشهر واحد، بل كان ذلك حاصلًا في كلّ الشهور. و هذا القول عندنا هو الصحيح على ما قرّرناه و اتّفقوا أنه [صلّى الله عليه و آله‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

40
  • و سلّم‌] لمّا أراد أن يحجّ في سنة حجّة الوداع، عاد الحجّ إلى شهر ذي الحجّة في نفس الامر، فقال:

  • «ألَا إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاءوَاتِ وَالْارْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً. وأراد أنّ الاشهر الحرم رجعت إلى مواضعها».۱

  • كلام البيرونيّ حول نسي‌ء السنة القمريّة بالشمسيّة

  • و قد سبق أبوريحان البيرونيّ‌٢ الفخر الرازيّ فتحدّث في مواضع من كتابه المشهور «الآثَارُ البَاقِيَةُ عَنِ الْقُرُونِ الخالِيَةِ» عن كيفيّة النسي‌ء في‌الشهور بين العرب، و أصل تأسيس التاريخ الإسلاميّ و أسماء الشهور. و قال في موضع من ذلك الكتاب بعد ذكره الشهور العربيّة الاثني عشر التالية: المحرّم، صَفَرُ، رَبِيعٌ الْاوَّلُ، رَبِيعٌ الآخِرُ، جُمَادَى الاولَى، جُمَادَى الآخِرَةُ، رَجَبُ، شَعْبَانُ، رَمَضَانُ، شَوَّالُ، ذُو الْقَعْدَةِ، ذُو الحجّةِ:٣

    1. تفسير «مفاتيح الغيب» ج ٤، ص ٦٣۸ و ٦٣٩
    2. أبو ريحان محمّد بن أحمد البيرونيّ الخوارزميّ من كبار علماء الإسلام. عاش في القرن الرابع و الخامس، ولد بخوارزم. سنة ٣٦۰ هـ، و توفي بغزنة، سنة ٤٤۰ هـ.
    3. و ذكر في ذلك الكتاب أسماء أُخرى للشهور العربيّة قبل الإسلام و وجه تسميتها بتلك الاسماء، و ذلك ص ٦۰ إلى ٦٢. ثمّ قال: هذه الاسماء تعود إلى عصر قديم ثمّ بدّلت الاسماء الحاضرة بها في العصر الجاهليّ. وهذه الاسماء هي: المُؤْتَمِر- خَوَّانٌ- حُنْتَمٌ- نَاجِرٌ صُوانٌ- زَبَّاءُ- الْاصَمُّ- نَافِقٌ- هُوَاعٌ- عَادِلٌ- وَاغِلٌ بُرَكٌ. و هناك اختلاف في التواريخ حول بعض هذه الاسماء و ترتيبها. و أحسن نظم في هذا المجال هو ما قاله الصاحب إسماعيل بن عبّاد:
      أَردْتُ شُهُورَ الْعُرْبِ في الجَاهِلِيَّةِ***فَخُذْهَا على سَرْدِ المحرّم تَشْتَرِكْ‌
      فَمُؤتَمِرٌ يَأْتِي وَمِنْ بَعْدُ ناجِرٌ***وَ خُوّانُ مَعْ صُوَانَ يُجْمَعُ في شَرَكْ‌
      حَنِينٌ وَ زَبَّا وَ الْاصَمُّ وَ عَادِلٌ‌***وَ نَافِقُ مَعْ وَغْلٍ وَرَنَّةُ مَعْ بُرَكْ‌
      - القَلَامِس جمع القَلَمَّس، وهو البحر الزاخر. و القلمّس لقب لاحد نَسَأَة الشهور على العرب في الجاهليّة، و هو من بني كنانة. و أوّل النَّسَأَة هو حذيفة بن عبد فقيم الكنانيّ. و كانوا يتوارثون منصبه واحداً بعد الآخر. و آخرهم، و هو سابعهم: أبو ثمامة جُنادة بن عوف (أبو ثمامة جنادة بن عوف بن أُميّة بن قَلَع بن عبّاد بن قَلَع بن حذيفة) و لو اعتبرنا متوسّط السنّ لكلّ جيل ثلاثين سنة، فالمجموع هو مائتان و عشر سنوات. و لو أنقصنا من هذه المدّة سنوات الهجرة العشر، فإنّ أوّلهم كان يعيش قبل الهجرة بمائتي عام. و قد نصّ المقريزيّ على هذا الزمان في خططه، ج ٢، ص ٥٤.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

41
  • و كان العرب في‌الجاهليّة يستعملونها على نحو ما يستعمله أهل الإسلام. و كان يدور حجّهم في الأزمنة الأربعة، ثمّ أرادوا أن يحجّوا في وقت إدراك سلعهم من الادْم و الجلود و الثمار و غير ذلك، و أن يثبت ذلك على حالة واحدة و في أطيب الازمنة وأخصبها.

  • فتعلّموا الكبسَ من اليهود المجاورين لهم و ذلك قبل الهجرة بقريب من مائتي سنة فأخذوا يعملون بها ما يشاكل فعل اليهود من إلحاق فضل ما بين سنتهم و سنة الشمس شهراً بشهورها إذا تمّ. و يتولّى القَلَامِسُ ۱ بعد ذلك أن يقومون بعد انقضاء الحجّ، و يخطبون‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

42
  • في الموسم، و ينسئون الشهر، ويسمّون التالى له باسمه.

  • فيتّفق العرب على ذلك ويقبلون قوله ويسمّون هذا من فعلهم: النسي‌ء، لانهم كانوا ينساءون أوّل السنة في كلّ سنتين أو ثلاث شهراً على حسب ما يستحقّه التقدّم. قال قائلهم:

  • لَنَا نَاسِيٌ تَمْشُونَ تَحْتَ لِوائِهِ‌***يُحِلُّ إذَا شَاء الشُّهُورَ وَ يُحَرِّمُ‌
  • و كان النسي‌ء الاوّل للمحرّم، فسمّي صفر به و شهر ربيع الاوّل باسم صفر، ثمّ و الوا بين أسمإ الشهور. و كان النسي‌ء الثاني لصفر فسمّي الشهر الذي كان يتلوه و هو ربيع الاوّل بصفر أيضاً. و كذلك حتّى دار النسي‌ء في الشهور الاثني عشر، و عاد إلى المحرّم، فأعادوا بها فعلهم الاوّل.

  • و كانوا يعدّون أدوار النسي‌ء و يحدّون بها الازمنة فيقولون قد دارت السنون من زمان كذا إلى زمان كذا دورة. فإن ظهر لهم مع ذلك تقدّم شهر عن فصل من الفصول الاربعة لما يجتمع من كسور سنة الشمس وبقيّة فصل ما بينها وبين سنة القمر الذي الحقوه بها كبسوها كبساً ثانياً.۱ و كان يبيّن لهم ذلك بطلوع منازل القمر

    1. أي: كانوا يصحّحون المقدار المهمل من جمع الفروق الذي يحصل من الكبس مع مقدار السنة الشمسيّة أثنإ السنة القمريّة المحسوبة، وذلك مع كبيسة أُخرى ذات حساب أدقّ. و ذكر المقريزيّ المتوفي سنة ۸٤٥ هـ. هذه الطريقة من الكبس عند العرب في الجاهليّة، وذلك في كتاب «المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الآثار» ج ٢، ص ٥٦، طبعة مصر.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

43
  • و سقوطها حتّى هاجر النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم. و كانت نوبة النسي‌ء كما ذكرت بلغت شعبان، فسمّي محرّماً، و شهر رمضان صفر.

  • فانتظر النبيّ صلّى الله عليه‌] و آله [و سلّم حينئذٍ حجّة الوداع و خطب للناس و قال فيها: «ألَا و إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاءوَاتِ وَالأرْضِ».

  • عنى بذلك أنّ الشهور] القمريّة [قد عادت إلى مواضعها، و زال عنها فعل العرب بها. و لذلك سمّيت حجّة الوداع، الحجّ الاقْوَم ثمّ حرّم ذلك، و أهمل أصلًا.۱

  • و يقول في موضع آخر: و في التاسع عشر] من شهر رمضان [فتح مكّة. و لم يقم رسول الله صلّى الله عليه‌] وآله [و سلّم الحجّ، لانّ شهور العرب كانت زائلة بسبب النسي‌ء. و تربّص حتّى عادت إلى مكانها، ثمّ حجّ حجّة الوداع، وحرّم النسي‌ء.٢

  • قال نلِّينو في كتاب «علم الفلك»: أمّا هذا الظنّ أنّ النسي‌ء نوع من الكبس لتحصيل المعادلة بين السنة المشتملة على شهور قمرّية و السنة الشمسيّة، فليس من أبكار أفكار فخر الدين الرازيّ، لانّ جملة من أصحاب علم الهيئة قد سبقوه إلى ذلك الظنّ. و أقدمهم على‌

    1. «الآثار الباقية» ص ٦٢ و ٦٣
    2. «المصدر السابق» ص ٣٣٢.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

44
  • ما نعرفه هو أبو مَعْشَر البَلْخِيّ‌۱ المتوفي سنة ٢۷٢ هـ.

  • كلام أبي معشر البلخيّ حول النسي‌ء و الكبس عند العرب‌

  • قال أبو معشر في كتاب «الالوف»٢: و أمّا العرب في‌الجاهليّة فكانوا يستعملون سنيّ القمريّة برؤية الاهلّة كما يفعله أهل الإسلام. و كانوا يحجّون في العاشر من ذي الحجّة. و كان لا يقع هذا الوقت في فصل واحد من فصول السنة، بل يختلف فمرّة يقع في زمان الصيف و مرّة في زمان الشتاء، و مرّة في‌الفصلين الباقيين لما يقع بين سنيّ الشمس و القمر من التفاصيل.

  • فأرادوا أن يكون وقت حجّهم موافقاً لاوقات تجاراتهم، و أن يكون الهواء معتدلًا في الحرّ و البرد و مع توريق الاشجار و نبات الكلأ لتسهل عليهم المسافرة إلى مكّة و يتّجروا بها مع قضاء مناسكهم. فتعلّموا عمل الكبيسة من اليهود و سمّوه النسي‌ء، أي: التأخير إلّا أنهم خالفوا اليهود في بعض أعمالهم، لانّ اليهود كانوا

    1. أبو معشر الفلكيّ هذا من أصحاب علم النجوم و الهيئة. وهو غير أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السنديّ، من المحدّثين المشهورين صاحب كتاب «المغازي» المتوفي سنة ۱۷۰ هـ.
    2. فقد هذا الكتاب و لكنّ كلامه هذا في النسي‌ء نقله عبد الجبّار بن عبد الجبّار بن محمّد الخرقّيّ المتوفي سنة ٥٥٣ هـ بمدينة مَرْو في كتابه الموسوم بـ «منتهى الإدراك في تقاسيم الافلاك». و استخرج هذا النصّ من مخطوطة في باريس: محمود أفندي الملقّب فيما بعد محمود باشا الفلكيّ في مجلّة (جورنال اسياتيك).

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

45
  • يكبسون تسع عشرة سنة قمريّة بسبعة أشهر قمريّة حتّى تصير تسع عشرة شمسيّة. و العرب تكبس أربعاً وعشرين سنة قمريّة باثني عشر شهراً قمريّة.

  • و اختاروا لهذا الامر رجلًا من بني كنانة، و كان يدعى: القَلَمَّس. و أولاده القائمون بهذا الشأن تدعى: القلامسة، و يسمّون أيضاً: النسأة. و القَلَمَّس هو البحر الغزير. و آخر من تولّى ذلك من أولاده: أبو ثُمامة، جُنادة بن عَوْف بن أُمَيَّةَ بن قَلَع بن عَبَّاد بن قَلَع بن حُذَيْفَةَ.

  • و كان القَلَمَّس يقوم خطيباً في الموسم عند انقضاء الحجّ بعرفات. و يبتدي عند وقوع الحجّ في ذي الحجّة فينسئ المحرّم، و لا يعدّه في الشهور الاثني عشر، و يجعل أوّل شهور السنة صفر فيصير المحرّم آخر شهر و يقوم مقام ذي الحجّة و يحجّ فيه الناس فيكون الحجّ في المحرّم مرّتين. ثمّ يقوم خطيباً في الموسم في السنة الثالثة عند انقضاء الحجّ و ينسى صفر الذي جعله أوّل الشهور للسنتين الاوليين، و يجعل شهر ربيع الاوّل أوّل شهور السنة الثالثة و الرابعة حتّى يقع الحجّ فيهما، في صفر الذي هو آخر شهور هاتين السنتين، ثمّ لا يزال هذا دأبه في كلّ سنتين حتّى يعود الدور إلى الحال الاولى. و كانوا يعدّون كلّ سنتين خمسة و عشرين شهراً.

  • و قال أبو معشر أيضاً في كتابه عن بعض الرواة: إنّ العرب‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

46
  • كانوا يكبسون أربعة و عشرين سنة قمريّة بتسعة أشهر قمريّة. فكانوا ينظرون إلى فضل ما بين سنة الشمس و هو عشرة أيّام و إحدى و عشرون ساعة وخُمس ساعة بالتقريب.۱ و يلحقون بها شهراً تامّاً كلّما تمّ منها ما يستو في أيّام شهر، و لكنّهم كانوا يعملون على أنه عشرة أيّام و عشرون ساعة فكانت شهورهم ثابتة مع الازمنة جارية على سنن واحد لا تتأخّر عن أوقاتهم و لا تتقدّم إلى أن حجّ النبيّ صلّى الله عليه‌ [وآله] وسلّم.٢

  • و قد خصّ نلِّينو الدرس الثاني عشر، و الثالث عشر، و الرابع عشر من هذا الكتاب للحديث عن معارف عرب الجاهليّة بالسماء و النجوم، و مسألة النسئ المذكور في القرآن الكريم، و جاء بعدد

    1. هذا المقدار مسلّم به عند أصحاب علم الهيئة. و ينبغي أن نعلم أنّ كلّ شهر قمريّ نجوميّ يمثّل فترة مقارنتين متواليتين للشمس و القمر، و هو عبارة عن تسعة و عشرين يوماً و اثنتي عشرة ساعة و أربع و أربعين دقيقة (٢٩ يوم ۱٢ ساعة ٤٤ دقيقه) و إذا ضربنا هذا المقدار في العدد ۱٢ فالناتج هو ثلاثمائة و أربعة و خمسون يوماً و ثماني ساعات و ثماني و أربعين دقيقة، فالسنة القمريّة عبارة عن (٣٥٤ يوم ۸ ساعة ٤۸ دقيقة) ولمّا كانت كلّ سنة شمسيّة عبارة عن ثلاثمائة و خمسة و ستّين يوماً وستّ ساعات تقريباً (٣٦٥ يوم ٦ ساعة)، فلهذا يكون تفاضل السنة الشمسيّة من القمريّة عشرة أيّام و إحدى و عشرين ساعة و اثنتي عشرة دقيقة (۱۰ أيّام ٢۱ ساعة ۱٢ دقيقة) تقريباً، و هو المقدار الذي ذكره أبو معشر.
    2. «علم الفلك، تاريخه عند العرب في القرون الوسطي» تأليف الفلكيّ الإيطاليّ السينور كرلو نلّينو، الطبعة الثانية ۱٩۱۱ م، ص ۸۷ إلى ۸٩.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

47
  • من الآيات القرآنيّة و أقوال المفسّرين.۱

  • للنسي‌ء معنى عامّ و يشمل كلا النوعين‌

  • و حصيلة ما جاء في بحثنا هذا عن تفسير النسئ في الآية الشريفة، مع روايات كثيرة وردت في هذا المقام، و كلام للمؤرّخين من علمإ الهيئة و النجوم أمثال أبي ريحان البيرونيّ، و أبي معشر البلخيّ، و كذلك كلام الرحّالة الكبير و المؤرّخ الجليل على بن الحسين المسعوديّ المتو في سنة ٣٤٦ هـ في كتابه «مروج الذهب»٢

    1. «علم الفلك» المحاضرة الثانية عشرة إلى المحاضرة الرابعة عشرة، ص ۸٣ إلى ٩٩.
    2. جاء في «مروج الذهب» ج ٢، ص ۱۸۸ و ۱۸٩، طبعة دار الاندلس: أسماء الشهور: شهور الاهلّة: أوّلها المحرّم، و أيّامها ثلاثمائة و أربعة و خمسون يوماً تنقص عن السريانيّ أحد عشر يوماً و ربع يوم. فتفرق في كلّ ثلاث و ثلاثين سنة، فتنسلخ تلك السنة العربيّة، و لا يكون فيها نيروز. و قد كانت العرب في الجاهليّة تكبس في كلّ ثلاث سنين شهراً و تسمّية النسي‌ء، و هو التأخير. و قد ذ مّ الله تبارك و تعالى فعلهم بقوله: {إِنَّمَا النَّسِي‌ءُ زِيَادَةٌ في الْكُفْرِ}. و رسمت العرب الشهور فبدأت بالمحرّم، لانه أوّل السنة. و إنّما سمّته المحرّم لتحريمها الحرب، و الغارات فيه. و صفر بالاسواق التي كانت باليمن تسمّى الصفريّة، و كانوا يمتارون منها. و من تخلّف عنها، هلك جوعاً.
      وقيل: إنّما سمّى الصفر، لانّ المدن كانت تخلو فيه من أهلها بخروجهم إلى الحرب. و هو مأخوذ من قولهم: صَفِرَتِ الدَّارُ مِنْهُمْ، إذا خلت. و ربيع، و ربيع لارتباع الناس و الدوابّ فيهما. فان قيل: قد توجد الدوابّ ترتبع في غير هذا الوقت، قيل: قد يمكن أن يكون هذا الاسم لزمهما في ذلك الوقت، فاستمرّ تعريفهما بذلك مع انتقال الزمان و اختلافه. و جُمادى، و جُمادى، لجمود الماء فيهما في الزمان الذي سمّيت به هذه الشهور، لانهم لم يعلموا أنّ الحرّ والبرد يدوران فتنتقل أوقات ذلك. و رجب، لخوفهم إيّاه. يقال: رَجبْتُ الشي‌ء، إذا خفته. و شعبان، لتشعّبهم إلى مياههم و طلب الغارات. و رمضان، لشدّة حرّ الرمضاء فيه ذلك الوقت. والوجه الآخر أنه اسم من أسماء الله تعالى ذكره. و لا يجوز أن يقال: رمضان، و إنّما يقال: شهر رمضان. و شوّال، لانّ الإبل كانت تشول في ذلك الوقت بأذنابها من شهوة الضراب، تشاءمت به العرب، و لذلك كرهَت التزويج فيه. و ذوالقعدة، لقعودهم فيه عن الحرب والغارات. و ذو الحجّة، لانّ الحجّ فيه- انتهى.
      يتّضح لنا ممّا تقدّم و ممّا قاله أبوريحان البيرونيّ في «الآثار الباقية» حول سبب تسمية الاشهر القمريّة أنهم كانوا يضعون هذه الاسماء للفصول الشمسيّة وفقاً للشهور الشمسيّة مدّة من حياتهم. ثمّ عادوا من الشهور الشمسيّة إلى الشهور القمريّة التي لا تنطبق على الفصول ثانية بسبب قانون الإسلام. و هذا هو النسي‌ء الذي اعتبره‌الله زيادة في الكفر بسبب تأخير الاحكام و الواجبات عن وقتها إلى وقت آخر يليها رعاية للمصالح الدنيويّة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

48
  • وكتابه النفيس: «التنبيه والإشراف» هو أنّ أُصول الشهور القمريّة قد تغيّرت بين عرب الجاهليّة لسببين:

  • الاوّل: تأخير الاشهر الحرم من وقتها كما في شهر محرّم الذي كانوا يؤخّرونه وينسئون حرمته، ويسمّونه صفراً، و لم يبالوا بالحرب والقتال والنهب والغارة فيه. و كانوا يكفّون عن القتال خلال أربعة أشهر في السنة من حيث الكميّة لا من حيث النوعيّة حفظاً لحرمة الاشهر الاربعة المحترمة (ذي القعدة، وذي الحجّة، ومحرّم، ورجب) {لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ}.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

49
  • الثاني: تأخير أيّام الحجّ أو أيّام الصوم و بعض العبادات و المناسك إلى وقت آخر، لملائمة المناخ، و من أجل بيع البضائع التجاريّة، و جذب القبائل لأداء الحجّ. و لذلك كان الحجّ يقام في فصل خاصّ من حيث اعتدال الجوّ، و يدور في الشهور القمريّة، حتّى يعود إلى زمنه الاصليّ كلّ ثلاث و ثلاثين سنة حسب السنة الكبيسة الدقيقة، و كلّ ستّ و عشرين سنة حسب الكبيسة التقريبيّة، كما مرّ بنا في رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، و قد رجع إلى وقته الاصليّ في حجّة الوداع التي حجّها رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم، و لذلك قال رسول الله في خطبته: «إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضَ». و نحن لا نصرّ على أن ننظر إلى الآية القرآنيّة في عدّة الشهور و النسي‌ء متعلّقة بتأخير الاشهر الحرم، أو تأخير الحجّ عن وقته المعيّن، بل إنّ الآية المباركة- عامّة ومطلقة- تشمل كلا النوعين من النسي‌ء، و نقل الروايات المشهورة بل المستفيضة يعضد هذا المعنى أيضاً.

  • عدم شرعيّة استبدال الشهور الشمسيّة بالقمريّة

  • و في ضوء ذلك، فإنّ تأخير حرمة الاشهر الحرم عن وقتها حرام في الشريعة الإسلاميّة النيّرة، و كذلك تأخير الآداب و الاحكام و التعاليم المقرّرة في أوقات معيّنة كالصوم في شهر رمضان، والحجّ في شهر ذي الحجّة. لذلك فإنّ استبدال الشهور الشمسيّة بالشهور القمريّة، و استبدال السنين الشمسيّة بالسنين القمريّة لا يجوز بأيّ‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

50
  • وجه من الوجوه.

  • و ليس للمسلم أن يصوم في شوّال أو في غيره من الشهور المعتدلة. أو يصوم في فصل الشتاء لملائمة الجوّ و قصر النهار. أي: ليس له أن يجعل صومه وفقاً لحساب السنين و الشهور الشمسيّة.

  • و ليس له أن يحجّ في المحرّم أو في غيره من الشهور المعتدلة بسبب ملائمة الجوّ وتبعاً لبيع البضائع والامور الاعتباريّة و المصالح المادّيّة والدنيويّة. فيجعل حجّه في فصل الربيع أو الخريف. أي: لا يحقّ له أن يحجّ طبقاً لحساب السنين والشهور الشمسيّة.

  • و كذلك الامر بالنسبة إلى التكاليف الاخرى من واجبات و مستحبّات و محرّمات و مكروهات. و كذلك بالنسبة إلى الاحكام الاجتماعيّة والسنن الاعتباريّة والآداب والتقاليد والعادات التي يواجهها في المجتمع.

  • تأريخ الإسلام تأريخ قمريّ‌

  • و ليس للمسلم أن يجعل السنة الشمسيّة ملاكاً و ميزاناً لاعماله و تأريخه، ذلك لانّ القرآن المجيد جعل السنة القمريّة سنة المسلم بكلّ صراحة، فقال: عزّ من قائل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}.۱

  • تصرّح هذه الآية بأنّ السنين و الشهور الإسلاميّة الرسميّة هي‌

    1. الآية ٣٦، من السورة ٩: التوبة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

51
  • السنون والشهور القمريّة من جهات متعدّدة:

  • الاولى: قوله: {مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}. لانّ من الضروريّات أنّ الإسلام لم يجعل شهراً ما من الأشهر الحرم، إلّا هذه الاشهر الاربعة من الشهور القمريّة، و هي ذو القعدة، و ذو الحجّة، و محرّم، و رجب. و هذه الاشهر هي من الشهور القمريّة، لا الشمسيّة. و جاء في روايات عديدة، و في خطبة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّ ثلاثة منها متوالية و واحداً فرد: «ثَلَاثَةٌ مِنْهَا سَرْدٌ، وَ وَاحِدٌ مِنْهَا فَرْدٌ»۱. و المتوالية هي: ذو القعدة، و ذو الحجّة، و محرّم، و الفرد هو شهر رجب‌

  • الثانية: قوله: {عِنْدَ اللَّهِ}‌.

  • و الثالثة: قوله: في‌ {كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‌}. فهذان القيدان يدلّان على أنّ الشهور غير قابلة للتغيير و الاختلاف أبداً. و لا تأثّر بالوَضْع و الجعل و غيرهما من الامور الوضعيّة لانها عند الله الذي لا يتغيّر علمه و إحاطته، و في كتابه يوم خلق السماوات والارض.

    1. جإ في تفسير الإمام الفخر الرازيّ، ج ٤، ص ٦٣٤، من الطبعة ذات الاجزإ الثمانية قوله: قد أجمعوا على أنّ هذه الاربعة ثلاثة منها سرد، و هي: ذو القعدة، و ذو الحجّة، و المحرّم، و واحد فرد، و هو رجب. و قال في ص ٦٣٥: قوله: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} إشارة إلى الشهور الاثني عشر، لانّ الكفّار كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهراً.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

52
  • فقد كانت هكذا في الحكم المكتوب في كتاب التكوين، و في القانون المدوّن في لوح الخلق، و لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ تَعالى. و معلوم أنّ الشهور الشمسيّة مهما كان وضعها و عنوانها و تأريخها شهور عرفيّة وضعيّة تبلورت على أساس حساب المنجّم و الزيادة و القلّة الاعتباريّة و الوضعيّة.

  • أمّا الشهور القمريّة فإنّها كانت كما هي عليه الآن منذ خلق الله السماوات والأرض. تبدأ برؤية الهلال عند خروجه من المحاق و من تحت الشعاع، وتنتهي بالمحاق و الدخول تحت الشعاع. {وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}‌.۱

  • و الشهور القمريّة حسيّة و وجدانيّة ولها بداية و نهاية معيّنتان في عالم التكوين. فهي على عكس الشهور الشمسيّة التي تمثّل شهوراً عرفيّة و اصطلاحيّة. و على الرغم من أنّ الفصول الاربعة و السنين الشمسيّة حسيّة تقريباً، إلّا أنّ الشهور الاثني عشر التي لها أصل ثابت هي الشهور القمريّة.

  • و في ضوء هذا المعنى، فإنّ معنى الآية سيكون على النحو التالي:

    1. الآيات ٣۸ إلي ٤۰، من السورة ٣٦: يس.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

53
  • أ نّ الشهور الاثنا عشر التي تتألّف منها السنة هي الشهور الثابتة في علم الله سبحانه وتعالى. و هي الشهور التي عيّنها في كتاب التكوين يوم خلق السماوات والأرض. و قرّر الحركات العامّة لعالم الخلق، و منها حركات الشمس و القمر. و أصبحت تلك الحركة الحقيقيّة و الثابتة أساساً و أصلًا لتعيين مقدار هذه الشهور الاثني عشر.

  • و من الآيات التي تنصّ على لزوم التاريخ القمريّ هي الآية الخامسة من سورة يونس التي مرّ ذكرها: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ}.

  • و من الواضح أنّ الناس في أيّ بقعة كانوا من البرّ و البحر و الجبال و الصحارى يستطيعون أن يضبطوا حسابهم على امتداد الشهر القمريّ دون الحاجة إلى المنجّمين و أهل الحساب، و ذلك من خلال رؤية الاشكال المختلفة للقمر في السماء كالهلال، و التربيع و التثليث، و التسديس حتّى الليلة الرابعة عشرة حيث يظهر فيها بدراً. و هي ممّا يختصّ بها الشهر القمريّ لا الشمسيّ. و على الرغم من ذكر الشمس في الآية السابقة، إلّا أنها جعلت منازل القمر سبباً للحساب و التقويم.

  • و من هذه الآيات: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ}.۱

    1. الآية ۱۸٩ من السورة ٢: البقرة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

54
  • إن استبدال الشهور القمريّة بالشمسيّة هو النسي‌ء الذي يعني تأخير الأعمال عن موعدها المقرّر. و هذا هو الذي اعتبره القرآن الكريم زيادة في الكفر. و هو ما جاء في الكلمات البيّنة الرائعة التي وردت في خطبة رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم التي ألقاها بمنى و أعاد فيها الشهور القمريّة إلى وضعها الطبيعيّ بعد أن استبدلت الشهور الشمسيّة بها في العصر الجاهليّ، و كانت قد جعلت على أساس سنّة إبراهيم الخليل و إسماعيل الذبيح عليهما السلام. و أعلن على رؤوس الاشهاد أنّ هذا الحجّ هو الحجّ الصحيح الذي وقع في وقته، و حان أوانه إثر استدارة الزمان. و يطلق على هذا الحجّ: حِجَّة الإسلَام لانه استقرّ في موضعه وفقاً للقانون الإسلاميّ، و وقع في شهر ذي الحجّة، و هو شهر الحجّ الحقيقيّ.

  • و جاء في «السيرة الحلبيّة»: يُقَالُ لها: حِجَّةُ الإسْلَامِ، قِيلَ لإخْرَاجِ الكُفَّارِ الحجّ عَنْ وَقْتِهِ لِانَّ أهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الحجّ في كُلِّ عَامٍ أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً حَتَّى يَدُورَ الزَّمَانُ إلَى ثَلَاثٍ وَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَيَعُودُ إلَى وَقْتِهِ. و لِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ في هَذِهِ الحجّةِ: «إنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَ الأرْضَ»، فَإنَّ هَذِهِ الحِجّةَ كَانَتْ في السَّنَةِ التي عَادَ فِيهَا الحجّ إلَى وَقْتِهِ، و كانَتْ سَنَةَ عَشْرَ.۱

    1. «السيرة الحلبيّة» ج ٣، ص ٢۸٩.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

55
  • و نصّ على ذلك كلّ من اليعقوبيّ، و المسعوديّ، و ابن الاثير۱ بل إنّ المسعوديّ عندما ذكر حوادث السنة العاشرة للهجرة، نقل كلام النبيّ: «إ نَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ»، مكتفياً به دون التعرّض إلى ما حصل في حجّة الوداع من أُمور.

  • و هذه المعاني كلّها صورة معبّرة ناطقة و شاهد صدق على أنّ استبدال السنين الشمسيّة بالقمريّة لا يجوز. و على المسلم أن يولي غاية اهتمامه لحفظ الاوقات على أساس التاريخ الذي قرّره رسول الله مرتكزاً على سنّة إبراهيم الخليل، و جعله القرآن الكريم حتماً و لازماً.

  • لقد منّ الله عزّ وجلّ عليّ بتوفيقه و عنايته فأعددت رسالة حول لزوم التعويل على بداية الشهور القمريّة برؤية الهلال في الخارج. و هذه الرسالة موسوعة علميّة و فقهيّة في لزوم اشتراك الآفاق في رؤية الهلال لدخول الشهور القمريّة. و قد اشتملت على بحوث فنيّة ذات أُسلوب رسائليّ تتكفّل بعلاج كلّ إشكال، و قطع دابر كلّ خلاف.

  • تفيد هذه الرسالة، بالبرهان العلميّ و الدليل الشرعيّ، أنّ الشهور القمريّة يجب أن تبدأ برؤية الهلال في الليلة الاولى. و أنّ‌

    1. «تاريخ اليعقوبيّ» ج ٢، ص ۱۱۰، طبعة بيروت؛ و «مروج الذهب» ج ٢، ص ٣۰٢، طبعة بيروت.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

56
  • قول المنجّمين على أساس الحساب والرَّصَد ليس له حجّة شرعيّة. و بناء على ضرورة الآيات القرآنيّة، و إجماع أهل الإسلام، و سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ قال: «صُومُوا لِرؤيَتِهِ، وَ افْطَرُوا لِرُؤْيَتِهِ»! فإنّ الشهور القمريّة جميعها ينبغي أن تتحقّق بمشاهدة الهلال فوق الافق. و أينما رُئي الهلال، بدأ الشهر. و في الاماكن التي يتعذّر فيها رؤية الهلال في تلك الليلة، و يُرى في الليلة التي تليها، فإنّ بداية الشهر تكون من هذه الليلة. لذلك صحّت الفتوى المشهورة القائلة بأنّ دخول الشهر القمريّ تابع للرؤية، و إنّ كلّ نقطة في العالم تابعة لُافقها. و قول بعض العلماء والاساطين الذين يعتبرون خروج الهلال من تحت الشعاع كاف لجميع العالم أو لنصف الكرة الارضيّة، و يحكمون بدخول الشهر في أرجاء العالم خلال ليلة واحدة، ليس له اعتبار، بل إنّ الادلّة المتقنة تقضي بخلافه، و البراهين المنتهية بضرورة ر دّه و دحضه قائمة.

  • هذه الرسالة العلميّة و الفقهيّة باللغة العربيّة، وعنوانها: رِسَالَةٌ حَوْلَ مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الهلالِ. و قد صدرت في سياق الكتب المطبوعة تحت الرقم (٦) من دورة العلوم والمعارف الإسلاميّة.

  • يجب أن يكون تأريخ جميع المسلمين في العالم هجريّ قمريّ‌

  • فإن قال شخص:

  • ما ضرّ لو أنّ المسلمين قاموا بأعمالهم و تكاليفهم العباديّة، من صوم و حجّ وفقاً للشهور القمريّة، و مارسوا آدابهم و شؤونهم الاجتماعيّة و السياسيّة

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

57
  • لُاخرى وفقاً للشهور الشمسيّة، وحينئدٍ لا يلزم النسي‌ء الذي يمثّل زيادة في الكفر، إذ إنّهم يقومون بأعمالهم التي لا علاقة لها بالشرع على أساس تاريخ آخر كالتاريخ الروميّ أو الروسيّ أو الفرنسيّ أو الفارسيّ القديم من حيث تعداد أيّام الشهور، حسب عقود اعتباريّة يضعونها. و على فرض أنهم يجعلون هجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بداية للتاريخ في هذه التواريخ المذكورة، فإنّ تأريخهم الرسميّ فقط هو التاريخ الشمسيّ تبعاً للمصالح الدنيويّة.

  • فإنّنا نقول في إجابته:

  • إن جميع الإشكالات تنبع من هذا الاسلوب في التفكير، و ذلك:

  • أوّلا: أنّ جعل التاريخ الشمسيّ تأريخاً رسميّاً خلاف لنصّ القرآن و السنّة النبويّة و سيرة الائمّة الطاهرين وعلماء الإسلام، بل خلاف لمنهج المسلمين جميعهم.

  • ثانياً: هذا العمل يؤدّي إلى فصل الدين عن السياسة، إذ إنّ القيام بالاعمال العباديّة وفقاً للتاريخ القمريّ، و ممارسة الاحكام الاجتماعيّة و الشؤون السياسيّة طبقاً للتاريخ الشمسيّ من المصاديق الواضحة لفصل الدين عن السياسة. و ينتهي بعزل الدين عن شؤون الحياة المهمّة و حصره في الشؤون الشخصيّة والفرديّة.

  • ثالثا: و يؤدّي إلى تعطيل الكتب والتواريخ المدوّنة، و قطع‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

58
  • الصلة بين الخَلَف و السلف الصالح، لاننا نرى- منذ عصر صدر الإسلام حتّى الآن- أنّ جميع كتب التفسير، والحديث، والتاريخ والتراجم، و حتّى الكتب العلميّة كالنجوم، و الرياضيّات، و الهيئة و الفقه، و غيرها قد دوّنت على أساس السنين القمريّة و الشهور القمريّة. و نجد أنّ آلاف بل ملايين الكتب المؤلّفة في النطاق الذي كان يحكمه المسلمون سواء باللغة العربيّة، أو الفارسيّة، أو التركيّة أو الهنديّة، أو الإفريقيّة، أو الاوروبيّة الشرقيّة، كلّها تستند إلى التاريخ الهجريّ و السنوات و الشهور القمريّة. فلو جعلنا التاريخ الشمسيّ هو الاساس في التاريخ، أفلا يعني هذا إقصاء تلك الكتب عنّا، و قطع الصلة بين هذا الجيل، و بين الثقافة الإسلاميّة الاصيلة في القرون و الاعصار الماضية؟

  • إن استبدال التاريخ الشمسيّ بالتاريخ القمريّ يماثل استبدال الخطّ الإسلاميّ بالخطوط الاجنبيّة، بل هو من متفرّعات ذلك الاصل و من الفروع الناميّة لذلك الجذر.

  • رابعاً: و يحول هذا العمل دون اتّحاد المسلمين في العالم، ذلك لانّ تاريخ المسلمين جميعهم هو التاريخ القمريّ، فإذا استعملنا التاريخ الشمسيّ، فإنّنا سنختلف معهم في التاريخ. و كذلك إذا أختار المسلمون أيضاً لانفسهم تأريخاً آخر كالتاريخ الميلاديّ أو الزردشتيّ أو الكوريّش أو غيرها من التواريخ. فإنّهم بهذه الطريقة-

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

59
  • - و يا للاسف سيسيرون في اتّجاه معاكس لإتّجاه النبيّ الاكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم ممّا يؤدّي إلى تفرّق كلمتهم و تشرذمهم و شقّ عصاهم و انفصام عقدهم.

  • إ نّ التاريخ من الامور الاصوليّة للاحكام الإسلاميّة. و اتّحاد المسلمين في التاريخ يفضي إلى اتّحادهم في الثقافة النبويّة و اختلافهم فيه يؤدّي إلى تفرّقهم وتشتّتهم.

  • و الإسلام الذي جمع الناس كلهم من عرب، و عجم، و أتراك و أكراد، و هنود، و شرقيّين و غربيّين، و سود و بيض، و صفر و حمر تحت راية واحدة هي راية التوحيد، على الرغم من اختلاف آدابهم و عاداتهم القوميّة حريّ بالتعظيم. و ما أسوأ ما نفعل إذا تركنا المسلمين و شأنهم في التاريخ الذي يعتبر من أهمّ البواعث على الاتّحاد و الوفاق، و أهمّ الدعائم لتوطيد علاقاتهم و تعزيزها! و ليس من الإنصاف أن نجعل كلّ جماعة منهم تسير في الاتّجاه الذي اختارته لنفسها!

  • و توحيد التاريخ كتوحيد اللغة الملحوظ في العبادات و المناسك، كالقرآن، والصلاة، والدعاء، والذكر، يجعل المسلمين صفّاً واحداً. والاختلاف في التاريخ كالاختلاف في اللغة يشتّتهم و يفرّق كلمتهم.

  • و بينما نرى المسلمين في العالم يحتاجون إلى الاتّحاد و الوفاق‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

60
  • أكثر من أيّ شي‌ء آخر، و أنّ نبيّهم أمرهم بالاتّحاد، و أنّ كتابهم ناداهم بقوله: {وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا}، و أنّ القرآن و النبيّ أعلنا أنّ التاريخ هو القمريّ، فلماذا نمزّق رسالة سعادتنا بأيدينا، و نسير في الاتّجاه المعاكس؟

  • و قد تنبّه أعداء الإسلام في القرون الاخيرة جيّداً إلى أنّ السبيل الوحيد للسيطرة على المسلمين، والقضاء على كيانهم العقيديّ و الثقافيّ هو إيجاد التفرقة بينهم في الآداب والتقاليد و تقسيم أقطارهم، و تدمير الاركان التي تقوم عليها وحدتهم، و ذلك تحقيقاً لمصالحهم المادّيّة، و إمعاناً في استغلالهم. لذلك استخدموا كلّ قواهم من أجل تقويض كيان المسلمين، و عملوا كلّ ما في و سعهم لتمزيق أوصالهم على امتداد السنين الخالية. و أفلحوا في ذلك من خلال خطط مزوّرة فجعلوهم طرائق قدداً، و زعزعوا دعائم حضارتهم و آدابهم و أخلاقهم و علومهم واحدة تلو الاخرى.

  • و كان المرحوم والدي آية الله السيّد محمّد صادق الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله عليه يقول: عندما سيطر الإسكندر على الشرق و فتح الاقطار كلّها، و سار حتّى الهند، كتب إلى أُستاذه أرسطو يخبره أنه استولى على أقطار الشرق جميعها. و طلب منه أن يرشده ماذا يفعل لكي تبقى تلك الاقطار تحت سيطرته.

  • فأجابه أرسطو أن يقسّم تلك الاقطار المفتوحة إلى أقطار

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

61
  • صغيرة، و يجعل على كلّ قطر حاكماً، و يعلن نفسه حاكماً على الجميع! و حينئذٍ تنقاد الشعوب كلّها إلى طاعته و العمل بأوامره، و لا يتمرّد حاكم منهم و لا يرفع لواء المعارضة خوفاً على عرشه. و عندئذٍ تعمر تلك الاقطار و يجدّ حكّامها لحفظ مصالحه. و لو قدّر لاحد أن يقوم ضدّه، فإنّه يبادر إلى قمعه و إخماد نار فتنته بما أُوتي من قدرة كبيرة!

  • بَيدَ أنه إذا حكم تلك الاقطار وحده، أو فوّض أُمورها إلى شخص واحد غيره. فإنّه يُخشى من أن يستفحل أمرها شيئاً فشيئاً و تتوحدّ فيما بينها و تتمرّد ضدّه. و ذلك الشخص حتّى لو كان من أخصّ الخواصّ، فإنّه يتمرّد و يطغى أيضاً، و يطالب بالحكومة و السلطنة، و حينَئذٍ يندحر و يأفل نجمه، و تفلت تلك الاقطار كلّها من قبضته!

  • إليد الاجنبيّة في تغيير التأريخ الإسلاميّ‌

  • و قد انتهج الإنجليز نفس الخطّة في تعاملهم مع المسلمين. و ساروا عليها بعد اندحار الإمبراطوريّة العثمانيّة المترامية الاطراف التي حكمت قسماً عظيماً من آسيا، و أُوروبا، و إفريقيا تحت عنوان الخلافة الإسلاميّة أكثر من ستّة قرون (من سنة ۱٢٩٩ إلى سنة ۱٩٢٣ م). تعاقب على حكومتها ثمانية و ثلاثون سلطاناً على التوالي أوّلهم السلطان عثمان خان الغازي الذي تسلّم زمام الامور سنة ٦٩٩ هـ و آخرهم السلطان عبد العزيز الثاني الذي حكم حتّى سنة ۱٣٤٢ هـ.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

62
  • و قد قسّم الإنجليز الدولة العثمانيّة عدّة أقسام، جعلوا على كلّ قسم عميلًا من عملائهم.

  • فالقسم الاوروبي الشامل لأقطار شبه جزيرة البلقان و هنغاريا و قسم من رومانيا الذي يضمّ بوخارست، قسّموه إلى دول: يوغسلافيا (صربيا)، و ألبانيا، و اليونان، و بلغاريا، و قسم من تركيا الاوروبيّة، و هنغاريا (المجر)، و رومانيا الشاملة لبوخارست.

  • والقسم الآسيويّ قسّموه إلى تركيا، و سورية، و لبنان و الاردن و فلسطين، و الحجاز، و عدن، و اليمن، و العراق، و الكويت.

  • والقسم الإفريقيّ قسّموه إلى مصر، و طرابلس التي تمثّل القطر الليبيّ، و كما يلاحظ، فإنّهم جزّءوا الدولة العثمانيّة إلى تسعة عشر جزءاً.

  • لقد بذل الكفّار قصارى جهودهم بعد تقسيم هذه الاقطار و قبله أيضاً من أجل القضاء على وحدة المسلمين الذين يحملون القرآن المجيد رمزاً لها، و ذلك بعد تغلغلهم في الاقطار الإسلاميّة الاخرى قدراً ما و سيطرتهم عليها تحقيقاً لاهدافهم المشؤومة. و عملوا كلّ ما في وسعهم لزرع الافكار القوميّة و تعاهدها بالرعاية، و جعل كلّ شعب متمسّكاً بقوميّته و آدابه و تقاليده، و محبّاً لوطنه الذي يمثّل الحدود المعيّنة التي وضعوها في اجتماعاتهم. و شغلوا الناس بالصحف، و الإذاعات، و السينمات، و هيمنوا على معارفهم‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

63
  • و ثقافتهم بواسطة المدارس و الجامعات، و تأسيس الجامعات المستقلّة بذريعة الحفاظ على قوميّتهم و آدابهم التي لا تمثّل إلّا ألفاظاً جوفاء، و هراء لا طائل تحته. و ليس فيها إلّا الفخر بالعظام البالية النخرة لاسلافهم، و التهافت على مقدار من الكؤوس والكيزان المحطّمة بوصفها آثاراً قوميّة، و جمعها في متاحف فخمة.

  • فحرّضوا الفرس على التمسّك بالآداب و التقاليد الزرادشتيّة و إحياء الزَّند [كتاب زرادشت] والاوِسْتا [كتابه المقدّس أيضاً] و المدح المفرط بملحمة الشاهنامة التي نظهما الفردوسيّ، و عرض الاساطير الخاصّة بكورش، و داريوش، و سيروس، و رستم، و زال‌ [والد رستم].

  • و قد رأينا بأعيننا كيف كانوا يقفزون من فوق النار في آخر أربعاء من السنة الشمسيّة، و كيف يحترمون النوروز والمهرجان‌ [و هو عيد قديم للفرس، يعتبر أكبر عيد بعد عيد النوروز] و يخرجون من البيوت في اليوم الثالث عشر من فروردين‌ [يصادف الثاني من نيسان]، وآلاف الحكايات والاساطير المخدّرة التي كانت تمثّل التعاليم السياسيّة للطبقة الحاكمة المتسلّطة على رقاب الناس و ينبغي أن تطبّق في هذا البلد مع ما تتطلبّه من تكاليف باهظة.

  • و اعتبروا لغة القرآن لغة أجنبيّة، و هي اللغة الاولى لكلّ مسلم و لم يعد لتدريسها في المدارس قيمة تذكر، إذ امتهنوها امتهاناً حتّي‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

64
  • كادت أن تعدم. و كانوا يستبدلون المفردات العربيّة العذبة بالمفردات الاجنبيّة والغربيّة التي يأخذونها من كتاب «أوِسْتا» متذرّعين بذرائع واهيّة، و أنشأوا مجمعاً لغويّاً لوزارة التربيّة و التعليم لا يشمّ منه إلّا توجّه محموم يقضي بمحو الإسلام، و الاهتمام بالتغريب.

  • و قد طبّق المستعمرون أعداء الإسلام هذا المنهج في البلدان الإسلاميّة الاخرى من خلال الاهتمام بالجذور التأريخيّة لكلّ بلد قبل الإسلام. ففي إيران ركّزوا على النعرة الفارسيّة، و في الاقطار العربيّة على نعرة العروبة، و في تركيا على النعرة التركيّة، و في شبه القارّة الهنديّة، على النعرة الهندوسيّة، و هكذا في بقيّة الاقطار حتّى لو كانت صغيرة، كما في الإمارات الواقعة على سواحل الخليج الفارسيّ نحو قَطَر، و القطيف، و أبوظبي، و غيرها، إذ منحوا تلك الاقطار استقلالًا ظاهريّاً، و ضربوا على وتر النعرة القوميّة.

  • فهذه الاقطار التي قسّموها و منحوها الاستقلال، لم تستقلّ بحقيقة الاستقلال، بل ظلّت تعيش في بقعتها الهزيلة شبه ميّتة، تحت وصاية المستعمرين و انتدابهم.

  • و من أهمّ الاشياء التي أفلحوا في طمس معالمها هو التاريخ الإسلاميّ القمريّ الذي أبطلوا مفعوله في كافّة الاقطار الإسلاميّة إلّا في المملكة العربيّة السعوديّة كما يبدو. و نسخوا ذلك التاريخ،

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

65
  • و استبدلوا التاريخ الشمسيّ به، و ذلك بحجّة أنه نداء للاتّحاد العالميّ، و ضرورة للارتباط بتاريخ الاقطار الصناعيّة و التجاريّة، و أنه لابدّ منه في العلاقات السياسيّة على الصعيد العالميّ. و أصبح التاريخ القمريّ الإسلاميّ منسوخاً بالتاريخ الشمسيّ متّخذين ميلاد السيّد المسيح بداية له. فأضحى التاريخ الميلاديّ هو التاريخ الرسميّ للبلدان الإسلاميّة، و بذلك لا يعرف الناس شيئاً عن الهجرة النبويّة، و لا عن محرّم و صفر.

  • و جعلوا بداية السنة في العراق و بين النهرين: كانون الثاني و الشهور شهوراً روميّة، و هكذا بدأوا بالتقويم وفقاً للشهور الميلاديّة التي تبدأ بكانون الثاني، و يقع الشتاء في الشهر الاوّل و الثاني منها. و هذه الشهور هي: كانون الثاني، شباط، آذار، نيسان أيار، حزيران، تمّوز، آب، أيلول، تشرين الاوّل، تشرين الثاني كانون الاوّل‌۱، و هو الشهر الاوّل في الشتاء، و جعلوا ميلاد السيّد

    1. جاء في «النصاب»:
      دو تشرين و دو كانون و پس آنكه‌***شباط و آذر و نيسان أيّار است‌
      حزيران و تموز آب و أيلول‌‌***نگهدارش كه از من يادگار است‌
      وتعريبها:تشرينان و كانونان يتلوهما‌ *** شباط، وآذار، ونيسان، و أيّارحزيران، و تمّوز، وآب، وأيلول‌ *** فاحفظها فهي مني لك تذكاروأمّا أيّام هذه الشهور فهي: تشرين الاوّل ٣۱ يوماً، تشرين الثاني ٣۰ يوماً كانون الاوّل ٣۱ يوماً، كانون الثاني ٣۱ يوماً، شباط ٢۸ يوماً وفي الكبيسة ٢٩ يوماً، آذار ٣۱ يوماً، نيسان ٣۰ يوماً، أيّار ٣۱، حزيزان ٣۰ يوماً، آب ٣۱ يوماً، أيلول ٣۰ يوماً( «التنبيه والإشراف» للمسعوديّ ص ۱۸٣).وأمّا شعر «نصاب» المعروف فهو قوله:
      لَا وَ لَا لَبْ لَا وَ لَا شش مه است‌‌***لَلْ كطْ وَ كطُ لَلْ شهور كوته است‌
      لا و لا لب لا ولا لا فهذه ستّة أشهر‌***لل كط و كط لل فهذة ستّة قصيرة
      فإنّه يعود إلى الشهور الروميّة على الحمل و الثور و الجوزاء باللغة العربيّة. أي: أنّ عدد أيّام الشهور الروميّة من الحمل هي بالترتيب: ٣۱، ٣۱، ٣٢، ٣۱، ٣۱، ٣۱، الشهور الستّة الاولى حتّى آخر السنبلة، و ٣۰، ٣۰، ٢٩، ٢٩، ٣۰، ٣۰، الشهور الستّة الاخيرة حتّى آخر الحوت، ومجموعها: ٣٦٥ يوماً.من الطبيعيّ، لمّا كانت السنة الشمسيّة ٣٦٥ يوماً و ٥ ساعات و ٤۸ دقيقة و ٤٥ ثانية، و أرادوا أن لا تتأخّر السنة، لذلك عليهم أنّ يجمعوا هذه الكسور في كلّ أربع سنوات مرّة واحدة، فتكون يوماً واحداً، يضيفونه إلى تلك السنة. و يطلق على هذه السنة: الكبيسة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

66
  • المسيح بداية للتقويم، و أطلقوا على السنين: اسم السنين المسيحيّة أو الميلاديّة.

  • و فعلوا مثل ذلك في أقطار بلاد الشام (سوريا- لبنان- فلسطين) و مصر و غيرها مستعملين تاريخ الإفرنج نفسه وبأسماء إفرنجيّة أجنبيّة مثل: نوفمبر، و ديسمير و أمثالهما. و جعلوا تقويمهم ميلاديّاً أيضاً. و هكذا فعلوا في شبه القارّة الهنديّة (الهند، و الباكستان).

  • و قد وجدوا أنّ من غير الصالح أن يجعلوا التاريخ ميلاديّاً في‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

67
  • إيران دفعة واحدة لانّ شعبها يتشرّف بتشيّعة و اتّباعه العلماء الابرار و لعدم استسلامه و خضوعه لحكّام الجور، على عكس الشعوب الاخرى التي تعتنق المذهب السنّيّ فإنّها تنظر إلى الحكّام على أنهم أولو الامر و أنّ طاعتهم واجبة مهما كانوا. فإذا حكموا بتبنّي التاريخ الميلاديّ، فالجميع سامعون طائعون.

  • استبدال السنين الشمسيّة بالقمريّة في‌الدورة الثانيةلمجلس النوّاب‌

  • و كان استبدال التاريخ الميلاديّ الشمسيّ بالهجريّ القمريّ عسيراً جدّاً، بل ممتنعاً، و ذلك بسبب وجود العلماء المتنفّذين في هذا البلد الشيعيّ.

  • لذلك نرى أنّ المستعمرين قاموا بتحقيق أهدافهم في هذا المجال مرحليّاً، لكي يعتاد الناس على المراحل السابقة و يألفوها شيئاً فشيئاً، حتّى لا يجدوا مانعاً من تنفيذ المراحل اللاحقة.

  • فطبّقوا مرحلة واحدة من تلك المراحل قبل ثمانين سنة، و ذلك في الدورة الثانية لمجلس النوّاب، و هذه المرحلة هي استبدال الشهور الشمسيّة بالشهور القمريّة، و في الدوائر الحكوميّة فقط دون حدوث تغيير في رأس السنين الشمسيّة، أو في أسماء الشهور الشمسيّة، فرأس السنين هو هجرة النبيّ الاعظم صلّى الله عليه وآله و سلّم من مكّة إلى المدينة المنّورة.۱ و أسماء الشهور هي الاسماء

    1. لمّا كانت بعثة النبيّ الاكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم في ٢۷ رجب، و أنه مكث في مكّة ۱٣ سنة، ثمّ هاجر منها في ۱٢ ربيع الاوّل؛ فإنّ لبثه في مكّة على نحو التحقيق ۱٢ سنة و ۷ شهور ونصف الشهر. و أنّ مدّة مكوثه في المدينة ۱۰ سنين إلّا أربعة عشر يوماً، أي: من ۱٢ ربيع الاوّل، السنة الاولى للهجرة حتّى الثامن والعشرين من صفر سنة ۱۱ هـ.و كانت هجرته سنة ٦٢٢ م. و صادف الاوّل من المحرّم في تلك السنة، و هو بداية السنة عند المسلمين، السادس عشر من تمّوز سنة ٦٢٢ حسب التعديل في تقويم جولين، و التاسع عشر منه حسب التعديل في‌التقويم الغريغوريّ الميلاديّ الحالي.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

68
  • العربيّة المتداولة، وفقاً لحركة الشمس في البروج الاثني عشر، أي: من أوّل الربيع بالترتيب، و هذه البروج هي:

  • الحَمَل، و الثَوْر، و الجَوْزاء، و السَّرَطان، و الاسد، و السُّنْبُلَة، و الميزان، و العَقْرَب، و القَوْس، و الجَدْي، و الدَّلْو، و الحوت.

  • و قد طرحوا المسوّغ لهذا التغيير في‌المجلس، و هو تنظيم الشؤون الماليّة، و ذكروا أنّ السنة الشمسيّة من مصلحة الحكومة، ذلك لانّ السنة الشمسيّة تزيد على السنة القمريّة أحد عشر يوماً و حينئذٍ تصبّ ميزانيّة الحكومة و دفع رواتب الموضّفين وفقاً لهذه الشهور في مصلحة الحكومة ونفعها.

  • و على سبيل المثال، لو كانت نفقات الحكومة حسب السنين الشمسيّة أربعة و عشرين مليوناً سنويّاً، فإذا أرادت أن تنفق ذلك المبلغ حسب الشهور القمريّة فإنّ عليها أن تزيد النفقات مليونين في كلّ ثلاث سنوات، و ذلك لزيادة شهر في كلّ ثلاث سنوات، فتتضرّر

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

69
  • الحكومة مليونين.۱

  • و كذلك عندما بدأت دائرة الجمارك أعمالها في إيران، تصوّروا أنّ التاريخ الشمسيّ ضروريّ في الشؤون الحكوميّة. فسألوا الناس: أيّ سنة شمسيّة هذه؟ فلم يحصلوا على شي‌ء. قالوا: ثمّة حَمَل و ثور في سنين المنجّمين، و هم يعلمون ذلك، و هو ما أخذه البلجيك و طبّقوه.

  • و كلّما فكّرتُ في هذه الادلّة لاعرف كيف تكون كافية لاستبدال الشهور و السنين القمريّة الإسلاميّة بالشهور و السنين‌

    1. و تنبّه العثمانيّون إلى هذا الموضوع أيضاً قبل سبعين سنة، فغيّروا التاريخ الرسميّ إلى تاريخ شمسيّ. أي: بدّلوا تأريخهم في سنة ۱٢٥٦ هـ، إلّا أنّ السهو الذي ارتكبوه آنذاك هو جعلهم التاريخ شمسيّاً منذ ذلك الحين فما تلاه، و بقاؤهم على التاريخ القمريّ في المدة التي سبقت ذلك الحين، فتأريخهم منذ اليوم الاوّل للهجرة لا يدلّ على القمريّ، و لا على الشمسيّ. إذ إنّ سبعين سنة منه شمسيّة بأسماء روميّة كشباط و تشرين و غيرهما، و ما سبق ظلّ قمريّاً و شهوره محرّم وصفر وغيرهما من الشهور.
      لذلك نرى حتّى هذا التاريخ الذي نؤلّف فيه كتابنا هذا، و هو ربيع الأوّل سنة ۱٤۰٥ هـ، أنّه مضى على ذلك التاريخ ۱٥۰ سنة و أنّ النقص في هذا المقدار أربع سنوات و نصف، فيجب أن يكون تاريخ السنوات العثمانيّة ۱٤۰۰ سنة. غير أنّ مصطفى كمال باشا عندما تسلّم مقاليد الأمور لم يغيّر التاريخ الهجريّ، و يجعله ميلاديّاً فحسب، بل جهد على جعل جميع الآداب و التقاليد و النهج أجنبيّة، و عطّل المساجد، و استبدال الجمعة بالأحد كعطلة رسميّة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

70
  • الشمسيّة، فلم أهتدِ إلى شي‌ء. و هل يكون الدليل على هذه الدرجة من الضعف، إذ يغيّرون السنة المتداولة في بلد ما إلى سنة شمسيّة بسبب حاجة التعرفة الجمركيّة إلى ذلك، و يبدّلون جميع الآداب و التقاليد و العطل و الإجراءات الإداريّة والمراسيم في كافّة الداوئر كدائرة العدل، و التربية و التعليم و غيرهما، و حتّى وزارة الماليّة و يتلاعبون بشؤون البلد كلّها من خلال هذه الممارسات؟ فأيّ حساب هذا؟! و أيّ كتاب هو؟!

  • و أمّا الميزانيّة و نفقات الحكومة التي تتضرّر حسب الشهور القمريّة، فإنّ دليلها باهت واهٍ إلى درجة أنّ الإنسان يندهش من عقول الذين اقترحوا تغيير التاريخ و درايتهم.

  • فمن قال بأنَّ تجعل الحكومة ميزانيّتها من الضرائب التي تجمعها من الشعب حسب الشهر و السنة القمريّة، ثمّ تصرفها حسب الشهر و السنة الشمسيّة، و تدفعها لموظّفيها؟ فلو جمعتها الحكومة حسب التاريخ الشمسيّ، فإنّها تدفعها وفقاً لذلك التاريخ. ولو جمعتها حسب التاريخ القمريّ، فإنّها تدفعها وفقاً له أيضاً. و هكذا تبقى النسبة متعادلة و محفوظة في كلا الحالين، و لا يمكن أن يُتَصَوَّر ربح و خسارة أبداً.

  • فلو كانت ميزانيّة البلاد أربعة و عشرين مليوناً في السنة الشمسيّة، و أراد ذوو الامر صرفها حسب السنة القمريّة، فلن تبقى‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

71
  • على المبلغ نفسه، بل تقلّ طبعاً، و ما يضرّ دفع المقدار الاقلّ حسب شهور و سنين أقصر؟

  • إن تعيين الميزانيّة و عائدات الحكومة و مصاريفها، و كذلك إنفاقها و جمعها، كلّ ذلك سواء كان حسب السنين الشمسيّة أو القمريّة، فإنّه يعود إلى الحكومة، و هي صاحبة التصرّف، و التناسب محفوظ على أيّ حال، لا ينقص أو يزيد ريالًا واحداً.

  • لو دعوتم عشرة ضيوف إلى بيتكم مثلًا، فإنّكم تضعون أمام كلّ واحد إناء أو صحناً لطعامه! و لو دعوتم عشرين ضيفاً! فعليكم أن تهيّئوا عشرين إناء! و الضيوف في كلا الحالين يأكلون من أوانيهم المعدّة لهم و يشبعون! بَيدَ أنكم لو دعوتم عشرين ضيفاً، و وضعتم أمامهم طعاماً يكفي لعشرة ضيوف فقط! فإنّ الجميع يبقون جياعاً!

  • و لا ضرورة تلزمكم أن تدعوا عشرين ضيفاً، و تقدّموا لهم طعاماً يكفي لعشرة! فإمّا أن تدعوا عشرين، تقدّموا لهم طعاماً لعشرين، أو تدعوا عشرة، و تقدّموا طعاماً لعشرة. و في كلتا الحالتين يشبع ضيوفكم جميعهم، و لا تخجلون بسبب قلّة الطعام، و تؤدّون ما عليكم!

  • إن كلّ ما أتى به أُولئك الاشخاص تبريرات و ذرائع واهية. فهم يريدون إلغاء محرّم، و صفر، و رمضان، و ذي الحجّة و طمس معالمها. ليخطوا خطوتهم الاولى، و يطووا مرحلة من المراحل‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

72
  • ليمهّدوا الطريق لخطوات قادمة ومراحل لم تطو بعد.

  • قام المجلس الثاني بإلغاء السنين و الشهور القمريّة من التقويم الرسميّ. و استبدل الحَمَل و الثَوْر و الجوزاء بمحرّم و صفر. و عندما اعترضت عليهم الفئة المؤمنة الواعية الملتزمة بأنّ هذه الخطوة تعني إلغاء الشعائر الإسلاميّة! و تغيير محرّم و صفر! أجابوا:

  • لا دخل لنا بمحرّمكم و صفركم! أقيموا مجالس العزاء في هذين الشهرين! و صوموا في شهر رمضان! و أدّوا مناسك الحجّ في ذي الحجّة!

  • لا يعنينا أبداً ممارسة أعمالكم العباديّة في أوقاتها المقرّرة في الشرع! إنّه شي‌ء يخصّكم! فنحن نجعل التاريخ الشمسيّ تاريخاً رسميّاً للبلاد بسبب الاعمال الحكوميّة، و العلاقات الدبلوماسيّة و تنظيم شؤون الحكومة و تنسيقها، و الانظمة الإداريّة و الوزارات! و ليس في هذا ضرر لايّ شخص أو لايّ مرفق حيويّ!

  • و متى طلبنا منكم أن تصوموا في الحَمَل! أو تحجّوا في السرطان! فالحق- حينئذٍ- معكم! و لكم أن تعترضوا علينا!

  • و لم يقل أحد لهؤلاء: إنّ الإسلام لا يفرّق بين الشؤون العباديّة و السياسيّة، و إنّ الأنظمة الإداريّة لا تنفصل عن الصلاة و الصوم، و إنّ عمل الوزارات يصبّ في خدمة الثقافة الإسلاميّة الأصيلة، و الحجّ و الزيارة، و صوم شهر رمضان، و إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام. و ليس عندنا: نحن و أنتم! فالحكومة الإسلاميّة واحدة،

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

73
  • والامّة الإسلاميّة واحدة!

  • إن استبدال التاريخ القمريّ بالتاريخ الشمسيّ يؤدّي إلى فصل الشعب المسلم عن الحكومة، و يستلزم عزل الإسلام عن الحقل الاجتماعيّ والرسميّ. و يؤول- في الحقيقة- إلى نسْخِ الإسلام و إقرار النظام الغربيّ و التغريب.

  • فهذه هي المرحلة الاولى من التغيير التي كانت جارية و سارية المفعول في البلاد على امتداد عشرين سنة، إلى أن حان الوقت لتنفيذ المرحلة الثانية لهذه الخطّة، و كانت الارضيّة ممهّدة من كلّ الجهات، و أعداء الإسلام يتربّصون و ينتهزون الفرصة لتنفيذ تلك المرحلة.

  • استبدال السنين الفارسيّة القديمة بالشمسيّة في الدورة الخامسة

  • فكانت الدورة الخامسة لمجلس النوّاب التي عقدت جلستها الثالثة و الاربعين بعد المائة يوم الثلاثاء ٢۷ حوت ۱٣۰٣ شمسيّ المصادف ٢۱ شعبان ۱٣٤٢ قمري، فنسخت التاريخ الشمسيّ الذي كان وفقاً للشهور العربيّة و بأسماء عربيّة، و أبدلته بالتاريخ الهجريّ الشمسيّ القديم.

  • و كلّ ما طرح في المجلس من كلمات و خطب للحؤول دون تحقيق هذا الامر لم يؤت أُكُله. و لا سيّما كلمة السيّد شريعتمدار الدامغانيّ الذي تحدّث بنحو استدلاليّ، فقال:

  • إن الشهور الشمسيّة المعيّنة وفقاً لحركة الشمس في البروج أفضل من‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

74
  • الشهور التاريخيّة القديمة المزيّفة المختلفة التي لا تنسجم مع المبادي العلميّة من قريب أو بعيد.

  • علماً أنّ أصل الاقتراح الذي طرح في المجلس جاء من قبل الاقطاعيّ كيخسرو شاهرخ‌۱ المجوسيّ المعادي للإسلام وأحد أعضاء المحفل الماسونيّ الإيرانيّ، و بتشجيع من قبل السيّد حسن تقى زاده‌٢ العميل الخاصّ للأجانب في إيران و من رؤساء المحفل الماسونيّ و المتمرّسين ذوي الخبرة الممتدّة ستّين سنة فيه.

  • و كان للسيدمحمّد تديّن‌٣ دور ملحوظ في هذا الموضوع كما يظهر من كلامه في ذلك المجلس.

  • و هذا الاقتراح يقضي بإجراء تغييرين في التاريخ الشمسيّ الرسميّ للبلاد: الاوّل: استبدال الشهور العربيّة كالحمل و الثور و الجوزاء و غيرها بالشهور الفارسيّة القديمة و هي: فروردين أُرديبهشت، خُرداد، تِير، أُمرداد، شهريور، مهر، آبان، آذر، دى،

    1. يرجع إلى كتاب «فراموشخانه وفراماسونرى در ايران» وتعني: «المحفل الماسونيّ والماسونيّة في إيران» تأليف إسماعيل رائين، الطبعة الخامسة، ج ٢، ص ۱٤٢ إلى ص ۱٤۷. وكذلك الصفحات ٤٩ و ٥۰ و ٥٤ و ۷٥ و ٤٥۱.
    2. «فراموشخانه و فراماسونرى در إيران» ج ٣، ص ٥٣۱ إلى ٥٣٤.
    3. كان لهذا الشخص دور يؤبه له في مؤازرة البهلويّ‌[رضا خان‌] و تمكينه من التسلّط على الناس. و كان عضواً في مجلس الشورى لعدّة سنين، ثمّ رئيساً للوزراء في عهده ثمّ في زمن ابنه‌ [محمّد رضا].

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

75
  • بهمن، إسفند.۱

  • الثاني: أن يكون عدد أيّام الشهور الستّة الاولى: ٣۱ يوماً و الشهور الخمسة التي تليها: ٣۰ يوماً، و الشهر الاخير: ٢٩ يوماً فيصبح المجموع: ٣٦٥ يوماً. و يحسب الشهر الاخير (إسفند): ٣۰ يوماً في كلّ أربع سنوات، و ذلك للكسر الموجود فتحسب تلك السنة: ٣٦٦ يوماً.

  • و كانوا يقولون:

  • إن هذا التقويم مأخوذ من تقويم السلطان ملك شاه السلجوقيّ. حيث إنّ هذا الملك لمّا رأى أنّ السنين الشمسيّة تسير إلى الوراء بسبب عدم محاسبة التعديلات، و عدم محاسبة السنين الكبيسة بدقّة، لذلك جعل السنين الشمسيّة بهذا الشكل مستهدياً بتنظيم وتنسيق الحكيم عمر الخيّام و بعض المنجّمين الآخرين؛ إذ تكون الشهور جميعها ثلاثين يوماً في كلّ شهر، و يصبح المجموع ثلاثمائة و ستّين يوماً، و عندها كانوا يضيفون خمسة أيّام لآخر شهر آبان أو إسفند، لكي لا يحصل نقص في السنين، و يسمّون تلك الايّام الخمسة: الخَمْسَة المُسْتَرَقَّةَ. و يعود السبب في ذلك إلى أنّ المجوس قبل الإسلام كانوا لا يحسبون خمسة أيّام من السنة ضمن السنة، و كانوا يتطوّعون للقيام بالاعمال الخيريّة خلال تلك الايّام.

  • و كانت السنة تتألّف من ثلاثمائة و خمسة و ستّين يوماً بالايّام الخمسة

    1. ذكر المسعوديّ هذه الاسماء في كتاب «التنبيه والإشراف» ص ۱۸٤.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

76
  • المضافة إليها. و كانوا يكبسون سنة في كلّ أربع سنوات، فيحسبونها ثلاثمائة و ستّة و ستّين يوماً. و للحصول على حساب أدق، كانوا يحسبون كبيسة ثانية، و يجعلون السنة الكبيسة سنة خامسة مرّة واحدة في كلّ ثلاث و ثلاثين سنة، أي: كان المفروض أن يحسبوا سنة ٣٢ كبيسة بعد سنين ٢٩، ٣۰، ٣۱. إلّا أنهم أخّروها سنة و كبسوا سنة۱. ٣٣

  • و في ضوء هذا الحساب، تتأخّر السنون الشمسيّة يوماً واحداً فحسب إلى ستّة آلاف سنة.

  • و هكذا نظّم السلطان ملك شاه السلجوقيّ هذا التقويم، و جعل يوم جلوسه على العرش بداية للسنة معرضاً عن التاريخ الهجريّ و مهملًا إيّاه. و أراد أن يشيع هذا التقويم. إلّا أنّ الناس رفضوا ذلك بسبب تغيير بداية التاريخ من الهجرة إلى الجلوس على العرش، فلم يلق تقويمه ترحيباً من الناس، غير أنه دقيق من حيث المحاسبة.

  • فإذا جعلنا أيّام الشهور الستّة الاولى من السنة: ٣۱ يوماً، و أيّام الشهور الستّة الاخرى: ٣۰ يوماً، وأيّام إسفند: ٢٩ يوماً، و نكبس كلّ أربع سنين مرّة واحدة، و كلّ ثلاث و ثلاثين سنة نكبس كبيسة ثانية، فلا يظهر أيّ تغيير في‌

    1. في ضوء محاسبات الخيّام، ينبغي كبس ثماني سنين في كلّ ثلاث وثلاثين سنة لكي لا يظهر اختلاف. لذلك بناءً على هذا الوضع، يكبسون سنة في كلّ أربع سنين. و في رأس السنة الاخيرة و هي السنة الثالثة و الثلاثون يجعلون الكبيسة في رأس السنة الخامسة و هي السنة الثالثة و الثلاثون. لذلك فالدورة الاخيرة للسنين الاربع البسيطة و السنة الخامسة ستكون كبيسة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

77
  • عدد أيّام السنة، و لا تتأخّر السنة أيضاً أي: أنّ هذا الحساب ينسجم مع تقويم ملك شاه من حيث المحتوى و يغايره من حيث عدد أيّام كلّ شهر خاصّة. و هذا الامر ليس ذا بال.

  • و خلاصة القول إنّ هذا الحساب ضروريّ في السنين الشمسيّة بمقدار أوّل السنة وآخرها، ولكن ليس هناك من فرق فيما إذا كانت أيّام الشهر الشمسيّ ثلاثون أو واحد و ثلاثون، أو قلّ عن ذلك أو زاد، فالاصل في الحساب هو مجموع أيّام السنة.

  • نحن نجعل اسم فروردين للشهر الاوّل من الربيع، طابق شهر الحَمَل أو لم يطابق.

  • هذا من حيث عدد أيّام الشهور، وأمّا من حيث تغيير الأسماء فقد قالوا:

  • لا يهمّنا، لانّ التغيير هو تغيير الالفاظ، و لا يضرّ أحداً. إذ إنّه رفع للالفاظ العربيّة و استعاضة الالفاظ التراثيّة القديمة بها، و في ذلك إحياء للسنن القوميّة. و كلّ شعب ينبغي أن يحترم طقوسه و شعائره. و يزيدون على ذلك أنهم يزعمون بأنّ الإسلام دعاهم إلى إحياء السنن القوميّة.

  • و لمّا قيل لهم: إنّكم تقصدون رفع محرّم و صفر و طمس معالمهما! قالوا:

  • لا، لا نقصد ذلك! فالأمور الشرعيّة لها حرمتها و إنّما نريد رفع الالفاظ العربيّة و وضع ألفاظنا العريقة الجميلة العذبة موضعها! و لا ينبغي لنا أن نكون‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

78
  • أشدّ تحمّساً على العروبة من العرب أنفسهم. فما يستعمل بين النهرين (العراق) و غيره هذا اليوم هو: تشرين، و كانون، و شباط، و لا نعرف دولة من الدول العربيّة قد استعملت الحَمَل، و الجوزاء، و السنبلة.

  • وهنا قال المرحوم المجاهد و العالم العظيم السيّد حسن المدرِّس:

  • إن الاقطار الإسلاميّة كلّها تستعمل مُحَرَّم، و صَفَر.

  • فقالوا:

  • لا يعنينا محرّم، و صفر، فهما ممّا يعني الشعوب و يخصّها، إذ تقوم بشؤونها الشرعيّة حسب تلك الشهور، و إنّما يرجع كلامنا إلى التقويم الحكوميّ الرسميّ، لا الشؤون الشرعيّة للناس. و ها نحن نريد أن نغيّر أسماء الشهور في هذا التقويم الرسميّ الشمسيّ نفسه الذي لا زلنا نعهده إلى اليوم. هو أمر لا ضرر فيه، و لا علاقة له بمحرّم و صفر، إذ لهما حرمتهما. و ما نريده هو استبدال الحَمَل و الجوزاء بأُرديبهشت و فروردين و ليس هذا إلّا إحياءً لتقاليدنا العريقة و تراثنا القديم.

  • فقال أحد النوّاب المعارضين:

  • إذا أردتم تغيير الالفاظ فغيّروها إلى الالفاظ التي اخترعها أحد المنجّمين المعاصرين لهذه الشهور، و هي تناسبها أكثر من غيرها. و هذا المنجّم هو السيّد جلال الدين الطهرانيّ، فقد وضع تقويماً، و جعل شهور السنة الشمسيّة كالآتي: چَمَنْ آرا، گُل آور، جان پرور، گرما خيز، آتش

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

79
  • بيز، جهان بخش، دِژَم خوى، باران ريز، أندوهگين، سرماده، برف آور، مشگين فام.۱

  • فهذه الاسماء أجمل، و تناسب الشهور من حيث المعنى أكثر من الاسماء التي أعدّها الاءقطاعيّ كيخسرو من الكتب القديمة.

  • فچمن آرا أكثر مناسبة من فروردين الذي ترجم إلى «هم مانندي روانان» و يعني: مساواة الارواح [چمن آرا في اللغة العربيّة يعني: مُزيّن المرج]. و گل آور أفضل من أُرديبهشت الذي ترجم إلى «النظم التامّ و قدسيّة الافضل».

  • أسماء الشهور الفارسيّة القديمة موافقة لاسماء الملائكة في دين المجوس‌

  • و الخلاصة فقد أصرّوا على أنّ فروردين و أُرديبهشت و غيرهما أفضل، و ذلك إحياءً للاعراف القديمة. و حتّى أنهم قالوا بأنّ مُرداد ينبغي أن يكون: أمرداد، و ذلك لمجيئة بالهمزة المفتوحة في اللغة القديمة.٢

    1. ذكر السيّد جلال الدين الطهرانيّ هذه الاسماء في الصفحة ۷٩ من تقويمه المؤرّخ سنة ۱٣۰٩ شمسيّ. ‌[۱٩٣۰ م]
    2. يقول دهخدا في معجمه‌[معجم خاصّ باللغة الفارسيّة] في مادّة أمرداد: جاء في «الابستا»أَمُرْتات. و تات مقطع أخير في الكلمة، وليس له استعمال مستقلّ. و يلاحظ هذا المقطع في خُرداد أيضاً.
      وأمّا المقطع الآخر في الكلمّة فإنّه يتألّف من جزءين: الاوّل: «ا» وهو من أدوات النفي، يعني: لا. ويستعمل له بالفارسيّة كلمة «نا» أو «بي». الثاني: مِرْت أو مَرْت ويعني: الموت والوفاة والفناء والهلاك. فيعني أمرداد- إذَنْ: عدم الموت والفناء أو الخلود. وينبغي أن يكون مُرداد بأداة النفي: «ا» لا مجرّداً عنها، لانّ المعنى يخالفه. و أَمرداد في دين زرادشت: أمشاسْپَندى، و يمثّل عدم الفناء، و الخلود، أو مظهر الذات التي لا تزول: أهُورمزدا [وجود غير مرئيّ و خالق الحياة و واحد لا شريك له وعظيم وعالم] وقد فوّض إليه حراسة النباتات والخضروات في عالم التراب (الارض) (عن «معجم إيران القديمة» بقلم إبراهيم پور داود، ص ٥٩). و يُرجع إلى: «مزديستا» [يطلق على دين زرادشت]‌ و تأثيره في الادب الفارسيّ، للدكتور معين. و كذلك يرجع إلى: «أمشاسْپَندان».
      وخلاصة ما نقلناه هنا عن «معجم دهخدا» جاء في تعليقة ما دّة مرداد من هذا المعجم. و يقول أيضاً: أمرداد و هو الشهر الخامس في السنة، وقد وكّل إليه اليوم السابع من الشهر، من أمشاسْپَندان و مظهر أهورمَزدا في الخلود، و ثواب أعمال المحسنين في جنّات الله تعإلى. و رعاية النباتات في العالم الارضيّ تقع على أمرداد.
      ورأي المؤرّخ اليونانيّ إسترابون معبد أمرداد في آسيا الصغرى. و كان يقام حفل أمردادگان في يوم أمرداد من شهر أمرداد.
      ويسمّيه المجوس في إيران: أمرداد أيضاً (من حاشية الدكتور معين على «البرهان القاطع» ذيل مرداد). و جاء في هذه التعليقة أيضاً أنّ تات و هو المقطع الاخير في الكلمة يدّل على اسم مؤنّث مجرّد.
      ويقول في هذا المعجم أيضاً في مادّة أمشاسْپَند: هو المَلَك. و جاء في‌الابستا «أمِشَه وسِپَنته» مركّبة من جزءين: الاوّل «أمشه» وهو مركّب أيضاً من «ا» علامة النفي، و «مشه» من ما دّة مَرْ بمعنى مُردن‌ [الموت]‌. الثاني «سپنته» يعني المقدّس. فيكون المعنى: «جاودان مقدّس» [الخالد المقدّس]‌.
      عدد «أمشاسپندان» أو «مهين فرشتگان» سبع، و قد اندرج ستّ منها في الشهور الاثني عشر الحاليّة. هو من بَهْمَن، اشه و هيشته أُرديبهشت، خشتره وائيريه شهريور، سپنته أرمئيتى سپندارمذ، هئورو تات خرداد، أمرتات أمرداد، ووقع سپتامينيو (العقل المقدّس) على رأس هذه الستّ. بعد ذلك استبدلوا أهورا مزدا به، وقد ذكر اسم أمشاسْپندان مرّات عديدة في «گات» و هو أقدم قسم في الابستا.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

80
  • وكم دعاء النوّاب المعارضون إلى:

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

81
  • التأمّل في هذه الامور، و إلى اهتمام المجلس بأعمال أهمّ منها، و مناقشة الموادّ المهمّة التي تستلزم الاهتمام، و عدم تضييع الوقت في تغيير الاسماء، إلّا أنّ دعوتهم لم تلق أُذناً صاغية، إذ تمّ التصويت على ما أرادوا حالًا.

  • و حقّاً لقد خدعوا النوّاب المعارضين في هذه الجلسة، و قالوا:

  • إنّها ألفاظ تراثيّة قديمة لاجل حفظ الروح القوميّة.

  • و لم يناقش أحد أنّ هذه الالفاظ أُخذت من «الابستا»، و أنّ أسماء ستّة من الملائكة الممثّلين لاهُورمزدا] وجود غير مرئيّ و خالق الروح والحياة [الحي الدائم موجودة بين هذه الشهور، و هي: أُرديبهشت، و خرداد و أمرداد، و شهريور، و بهمن، و إسفند.

  • وكثير من النوّاب المعارضين أصابهم الدوار فلم يعرفوا ماذا يقولون. و كانوا يقولون:

  • نحن لا نعارض الآداب و التقاليد القوميّة.

  • فلم يقل أحد: هذه الآداب القوميّة هي آداب زرادشت و المجوس و قد نسف الإسلام دين زرادشت وآدابه وشعائره،

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

82
  • و شعّت شمسه المتألّقه فأذابت كلّ ما يدعو إلى ذكر «أهورمزدا» و ملائكته.

  • وماذا يعني أن نجعل التاريخ على أساس الايّام والشهور المجوسيّة في دولة إسلاميّة نظامها محمّديّ وتوجّهاتها قرآنيّة؟ إنّه نسخ للإسلام، و ليس حديثاً عن ألفاظ جميلة حلوة. بل هو حديث عن غزو شيطانيّ غاشم لكيان الإسلام العظيم. إنّكم تضعون أسماء الشهور هذا اليوم بأسماء ملائكة الدين المجوسيّ! وتبقون الهجرة النبويّة بداية للتاريخ بسبب خوفكم وعدم مؤاتاة الظروف! و ستبدّلونه غداً! و تجعلون مكانه التاريخ الهخامنيّش مع بداية جلوس سيروس، و هو أكبر ملك هخامنيّش على العرش، أو مع بداية سلطنة كورش أو داريوش! أو تجعلون بداية التاريخ اعتلاء البهلويّ على العرش، كما فعل السلطان السلجوقيّ، زاعمين أنه المبدع للجديد، والثائر ضدّ الرجعيّة والأفكار البالية!

  • لقد دافع أحد النوّاب في تلك الجلسة نوعاً ما، و هو المرحوم شريعتمدار الدامغانيّ فقال مستدّلًا:

  • لا فائدة في تغيير أيّام الشهور و هو يمثّل خروجاً على الموازين العلميّة، و أسماء الحَمَل، و الثَوْر و الجوزاءء، أفضل من أسماء فروردين، و أُرديبهشت، وغيرها التي لا تحمل معنى مناسباً.

  • قال ذلك إلّا أنه لم يسبر أغوار الموضوع و لم يبرهن على أنّ‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

83
  • الاقتراح المطروح حول تغيير التاريخ بوصفه إحياءً للسنن القوميّة، هو في الحقيقة إحياء لسنّة زرادشت و المجوس و إماتة للاحكام الشرعيّة و المحمّديّة الاساسيّة في بلد إسلاميّ، إذ- كما قلنا هنا، و كما ذكرنا ملائكة الدين الزرادشتيّ في التعليقة لعلّه لم يعلم، و لم يطّلع على جذور هذا التغيير. لانّ المقترحين خبّأوا مقاصدهم، و خاضوا في الموضوع من منطلق استبدال الالفاظ العربيّة بالالفاظ القديمة فقط، وقالوا:

  • إن المسألة مسألة تغيير الالفاظ فحسب، و هي سهلة و يسيرة جدّاً.

  • و في السابع و العشرين من حوت ۱٣۰٣ الموافق للحادي و العشرين من شعبان سنة ۱٣٤٢، و لثلاثة أيّام بقين للنوروز تمّ التصويت بأقصى سرعة و في جلسة واحدة۱ فبدّلوا التاريخ،٢ و بعد

    1. بحيث إنّهم لم يعيّنوا تعديل هذا التاريخ واكتفوا بجعل إسفند ثلاثين يوماً في السنين الكبيسة، إلّا أنّ السنة الكبيسة لم تعيّن. و لهذا السبب كاد الخطأ يقع في سنة ۱٣۰۸، لانه كان واضحاً كالمعتاد أنّ السنة الرابعة بعد السنوات الثلاث: ٣۰٥، ٣۰٦، ٣۰۷ يجب أن تحسب كبيسة، بينما الصحيح هو أنها يجب أن تكون بسيطة لانّ سنة ۱٣۰٩ هي آخر سنة من دوران ٣٣ سنة، ممّا ينبغي أن تجعل كبيسة. و لهذا السبب أخطأ أحد التقاويم فيها، فاعتبر شهر إسفند من سنة ۱٣۰۸ ثلاثين يوماً. و هذا العمل يقتضي أن يكون اليوم الثاني من الحمل مطابقاً لليوم الاوّل من فروردين. و هذا الخطأ منبثق عن خلل قانوني غفل عنه المجلس( «تقويم سنة ۱٣۰٩» للسيّد جلال الدين طهرانيّ، ص ۷۸).
    2. ما ذكرناه هنا عن مجلس النوّاب حول تغيير التاريخ، نقلناه عن الصحف الرسميّة الملكيّة] التي كانت تصدر في‌العهد البهلويّ البائد[ من ص ۱۰۱۰ إلى ۱۰۱٤ ومن ص ۱۰٥٦ إلى ص ۱۰٦۰. فيما يتعلّق بالجلسة الثالثة و الاربعين بعد المائة المحضر المفصّل، صباح الثلاثاء ٢۷ حوت ۱٣۰٣ الموافق للحادي والعشرين من شعبان سنة ۱٣٤٢.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

84
  • إجراء المراسيم المطلوبة، صادقوا على هذا الاقتراح في الحادي عشر من فروردين سنة ۱٣۰٤ شمسيّ [٣۱/ ٣/ ۱٩٢٥ م‌]. و كان مؤتمن الملك (حسين بيرنيا) رئيساً للمجلس يومئذٍ، فأرسل ما صادق عليه المجلس إلى الحكومة بوصفه بلاغاً تعميميّاً تنفّذه الدوائر الحكوميّة. و جاءوا بالالفاظ الجميلة لُارديبهشت، و بهمن، و غيرها بوصفها هديّة العيد للشعب الإيرانيّ (عيد النوروز القوميّ). و سقوا الشعب المسكين هذا السمّ الزعاف الذي تعلوه طبقة من القوميّة المعسولة، إلى درجة أنّ كثيراً من الناس لم يعوا حقيقة الامر لحدّ الآن فهم ينطقون بالاسماء القديمة دون أن يعرفوا جذورها.

  • و في أعقاب اتّخاذ تلك الاسماء (فروردين، أُرديبهشت و غيرهما) طابعاً رسميّاً في الدوائر الحكوميّة، و المدارس، و التقاويم والإعلانات، نلاحظ أوّلا: أنّ هذه الاسماء التي لم يعرفها إلى ذلك الزمن إلّا عدد يسير من الناس. قد اشتهرت و عرفت، و انتقلت من المدارس إلى البيوت، و من تقاويم إداريّة إلى تقاويم جداريّة و بيتيّة فحفظ الكبير و الصغير، و الرجل و المرأة آذر، و بهمن، و إسفند كما تحفظ سورة الإخلاص.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

85
  • و ثانياً: أنّ أسماء: محرّم، و صفر، و ربيع الاوّل، و جمادى الآخرة، و ذي القعدة وغيرها قد زالت تدريجيّاً. فلا أحد يعرف هذه الشهور، و لا يدري متى تبدأ ومتى تنتهي، و لا يطبّق ممارساته اليوميّة و واجباتة الاجتماعيّة و مراسيمه و دعواته وحفلاته و مآتمه على هذه الشهور.

  • و كان شهر محرّم، و شهر رمضان أشهر من غيرهما نسبيّاً بسبب إقامة العزاء، والصوم. وجميع الناس الذين كانوا يصومون- إلّا الشيوخ الكبار منهم يقولون: نصوم هذه السنة من ۱٥ بهمن إلى ۱٤ إسفند. مثلهم في ذلك مثل الشباب الذين يقيمون في الخارج فإنّهم يؤدّون عباداتهم حسب الشهور الميلاديّة مثل فبراير، و مارس، و أبريل، و مايو، و يونيو، و يوليو، و غيرها. و هذا التوجّه يتأسّى بالمنهج الذي رسمه الاستعمار الكافر لعزل النظام الإسلاميّ الرصين.

  • استبدال السنين الشاهنشاهيّة بالسنين الهجريّة

  • و من هنا نفهم جيّداً مبلغ ما حقّقه الكافر من نجاح في تحقيق هدفه، إذ وضع الاسماء الاجنبيّة و المجوسيّة بدل الاسماء الإسلاميّة و جعلها متداولة مستعملة من قبل الرجل و المرأة، و العالم و العامّيّ و الموظّف الحكوميّ و التاجر، و العامل و الفلّاح،۱ حتّى لوحظ أنّ‌

    1. و أحدثوا مثل هذا التغيير في الساعات، و ذلك بناءً على دخول الشهور القمريّة التي تبدأ بخروج القمر من تحت الشعاع، و رؤيته بعد غروب الشمس، فإنّ أوّل كلّ شهر قمريّ يبدأ من أوّل ليلته، و ليلة كلّ يوم مقدّمة على اليوم نفسه. لذلك فإنّ الساعة ۱٢ هي أوّل الغروب و بداية دخول الليل، و كلّ ساعة تمرّ تعني أنّ ساعة واحدة من الليل قد مضت. و لهذا جاء في الشرع المقدّس ذكر الواجبات التي يقوم بها الإنسان في الساعة الاولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة التي مضت من الليل. و هذا يكون إذا ما جعلنا بداية حساب الساعة، وهو أوّل الليل، الساعة ۱٢، أي: أوّل الساعة، وحينئذٍ نرى أوّلًا: أنه سيتّضح كم ساعة قد مضت من الليل، فالساعة السادسة تعني أنّ ستّ ساعات مضت من الليل. و ثانياً: أننا سنعلم عدد ساعات النهار من خلال بياض النهار، لانّ الساعة ۱٢ تعني غروب الشمس و بداية الليل، فنعلم أنّ الساعة ٥ في النهار تعني أنّ عندنا سبع ساعات من النهار، و الساعة ٩ تعني أنّ عندنا ثلاث ساعات من النهار. و على هذا فساعة التوقيت المسائيّ لتحديد مقدار الليل، و مقدار النهار بسيطة و مفيدة جدّاً. و المسلم الذي يريد أن يستفيد من ليلة و يستمثر نهاره يعلم كم مضى من الليل، و كم بقي للنهار.
      وأمّا الساعات الزواليّة (التوقيت الظهريّ) فلا تدلّ على الليل والنهار. أنها تدلّ على منتصف الليل و منتصف النهار فقط، بينما نرى أنّ عملنا يبدأ من أوّل الغروب، فما جدوى بداية منتصف الليل لنا؟ مضافاً إلى ذلك فإنّ الساعة الواحدة تعني الواحدة صباحاً، بينما قد مضى على أوّل الليل ساعات أكثر، و الساعة الواحدة لا تعني الساعة الواحدة حينئذٍ.
      والصبح بالنسبة إلى الإنسان المسلم عبارة عن أوّل الفجر الصادق أو أوّل طلوع الشمس، و بعد ذلك يبدأ يومه، لا أنّ يومه يبدأ من منتصف الليل. فبداية منتصف الليل للاشخاص الذين لا يفرّقون بين الليل و النهار و بداية كلّ واحد منهما و نهايته. إذ إنّهم قسّموا الساعات الاربع و العشرين إلى قسمين كلّ منهما اثنتا عشرة ساعة، بداية منتصف النهار، و منتصف الليل، شأنهم بذلك كغير المسلمين. و في هذه الحالة فإنّ ما بعد الساعة ۱٢ ليلًا يعود إلى غد تلك الليلة، و 
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

86
  • ...۱

  • بعض العلماء يستعملون الشهور القديمة في بياناتهم أيضاً.

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      منتصف الليل بعد ذلك اليوم إلى الساعة ۱٢ يعود إلى اليوم نفسه أيضاً. أي: أنّ كلّ يوم كامل يتألّف من منتصفي ليل مقدّم ومؤخّر. و لهذا يقولون: ليلة الثلاثاء، و مساء الثلاثاء، أي: ليلة سابقة و ليلة تالية.
      أمّا في ضوء الشهور القمريّة فإنّ لليوم ليلة كاملة حتماً، و تلك الليلة تسبق نهار ذلك اليوم، فلا يحدث خطأ في الحساب، فليلة الثلاثاء تعني الليلة التي تسبق يوم الثلاثاء، و الليلة الرابعة عشرة من شهر رمضان تعني الليلة التي تلي اليوم الثالث عشر منه، و هكذا؛ و جميع الاحكام و الواجبات المقرّرة لليإلى، هي لليإلى التي تسبق النهار، و تبدأ من أوّل الليل، أي: الساعة ۱٢، أوّل التوقيت المسائيّ.[التوقيت يبدأ من الغروب‌]
      ولكن لمّا كانت ساعات التوقيت الظهريّ‌[الظهر بداية التوقيت‌] متداولة في البلدان الغربيّة، فإنّ حكومات البلدان الإسلاميّة وقّتت ساعاتها تدريجيّاً على أساس ساعة غرينتش الزواليّة. و سارت الشعوب شيئاً فشيئاً على نهج حكوماتها. إذ وقّت الناس الساعات في بيوتهم حسب التوقيت الظهريّ، و ذلك من أجل الاستماع إلى المذياع وغيره حيث تستعمل الساعات الزواليّة، و من أجل إرسال أطفالهم إلى المدارس، والذهاب إلى الدوائر. في حين أنهم يحصلون على فوائد أكثر إذا استعملوا التوقيت المسائيّ ‌[لغروب بداية التوقيت‌].
      وكانت ساعة التوقيت الظهريّ تسمّى الساعة الإفرنجيّة[الاجنبيّة]، أو الإنجليزيّة، أمّا ساعة التوقيت المسائيّ فتسمّى: الساعة الشرعيّة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

87
  • ويستعملون التاريخ الشمسيّ والاسماء المجوسيّة في تواقيعهم. و قد يلحقون التاريخ القمريّ بها أحياناً، فيستعملون ما يطابق السابع من المحرّم سنة ۱٣۸۷ هـ مثلًا. و قد يتركون ذلك التاريخ مكتفين‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

88
  • بالتاريخ القديم وحده.

  • فهذه هي المرحلة الثانية من التغيير، و قد طوت خمسين سنة من عمرها. و كانوا يتحيّنون الفرص باستمرار لتنفيذ المرحلة الثالثة من المشروع، والأهم من التغيير الحاصل في المرحلتين السابقتين و هو نسخ التاريخ الهجريّ و استبداله بالتاريخ الشاهنشاهيّ. أي: نسخ رسول الله نفسه، و سيطرة الطاغوت، و رسميّة حكّام الجور و تلاعبهم بمقدّرات الشعب و عقائده.

  • و على الرغم من أنّ الطاغوت كان يحكم قبضته على الشعب مدّة طويلة، إلّا أنه لم يعلن حتّى ذلك الحين عن نسخ حكومة رسول الله، و القرآن، و نسخ الشرف و الفضيلة و الوحي و النبوّة و الولاية، و نسخ الإيمان و العقيدة.

  • و إذا هم يعلنون- بهذا التغيير- على رؤوس الاشهاد عدم الحاجة إلى الدين، و النظام المحمّديّ، و قطع حلقة الوصل بين الظاهر و الباطن، و الخروج من كنف رسول الله المعنويّ الروحانيّ والاستغناء عن الاحكام الإلهيّة.

  • و نعرض فيما يلي ما جاء في العدد ۱٤٩٥٩ من صحيفة «اطّلاعات» المؤرّخة في ٢٤ إسفند ۱٣٥٤ [ ۱٥/ ٣/ ۱٩۷٥ م‌] ثمّ نتطرّق إلى الحديث عنه بشكل مقتضب:

  • العنوان البارز في الصحيفة:

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

89
  • تمّت اليوم المصادقة على قرار تأريخيّ اتّخذه المجلسان في جلستهما المشتركة و يقضي بتغيير التقويم و بداية التاريخ في إيران. و سيكون عيد النوروز القادم في سنة ٢٥٣٥ الشاهنشاهيّة.

  • هويدا، رئيس الوزراء: التقويم الدينيّ سيبقى ساري المفعول كما في السابق.

  • القرار الصادر عن الجلسة المشتركة لمجلسي الشيوخ والنوّاب التي ترأسها جعفر شريف إمامي في قصر الاعيان.

  • حيّا رئيس الجلسة في البداية العائلة البهلويّة المالكة و قدم شكره لها على ما قامت به من جهود مضنية لرفعة البلد و شموخه و رقيّة طيلة خمسين عاماً معرباً عن تقديره لذلك. و اعتبر ثورة الشاه و الشعب السبيل الوحيد لتحرّر الوطن و استقلاله.

  • و فيما يلي نصّ القرار:

  • بإيمان قاطع بالنظام الشاهنشاهيّ [الملكيّ‌] الذي كان منذ أكثر من خمسة و عشرين قرناً ركناً ركيناً لدولتنا و حصناً حصيناً لقوميّتنا قرّر المجلسان اعتبار حكومة كورش الكبير مؤسّس النظام الشاهنشاهيّ في إيران بداية للتقويم و استهلالًا لتاريخ إيران القوميّ.۱ و باعتقاد راسخ بمبادي‌

    1. ينبغي أن نعلم أنّ جميع المسلمين في العالم، منذ عصر صدر الإسلام و إلى الآن، جعلوا بداية تأريخهم هجرة النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة. و هذا القرار الذي صادق عليه المجلسان يمثّل خروجاً من الصفّ الإسلاميّ، و إعلان الانفصال عن المسلمين بعدم الاهتمام بشأن رسول الله. و ذكر المسعوديّ في كتاب «التنبيه والإشراف» ص ۱٩٥ إلى ٢٤۰: أنّ المسلمين بعد الهجرة كانوا يسمّون السنين بالحوادث المهمّة التي تقع فيها، و يصبح ذلك الاسم علماً لها، فأطلقوا على السنة الاولى: سنة الهجرة، والثانية: سنة الامر، و الثالثة: سنة التمحيص، والرابعة: سنة الترفيه، والخامسة: سنة الاحزاب، والسادسة: سنة الاستئناس، والسابعة: سنة الاستغلاب، والثامنة: سنة الفتح، والتاسعة: سنة...، والعاشرة: سنة حجّة الوداع، والحادية عشرة: سنة الوفاة؛ ويقول في ص ٢٥٢: وفي السنة ۱۷ أو ۱۸ شاور عمر الصحابة حول التاريخ، فكثر منهم القول، فأشار عليه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب أن يؤرّخ بهجرة النبيّ وتركه أرض الشرك. فجعلوا التاريخ من المحرّم، و ذلك قبل مقدم النبيّ صلّى الله عليه‌[ وآله‌] و سلّم إلى المدينة بشهرين واثني عشر يوماً، لانهم أحبّوا أن يبتدئوا بالتاريخ من أوّل السنة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

90
  • حزب رستاخيز [البعث‌] الإيرانيّ صادق المجلسان على هذا القرار و ذلك في جلستهما المؤرّخة في الرابع والعشرين من إسفند سنة ألف وثلاثمائة و أربع وخمسين.

  • و قد استهلّ رئيس المجلس الكلام في هذه الجلسة، ثمّ تلاه السناتور الدكتور عيسى صدّيق، و تحدّث بعده كلّ من: هلاكو رامبد و السناتور عماد تربتي، و الدكتور مصطفى الموتى، و السناتور شوكت ملك جهانباني، و الدكتورة مهين صنيع. و عندها تمّت المصادقة على القرار بالإجماع.

  • و قد أثنى شريف إمامي في كلمته الافتتاحية على جهود الشاه ودعاء إلى دمج المجلسين بسبب ضيق الوقت، ثمّ طلب أن يتكلّم ثلاثة أعضاء من كلّ‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

91
  • مجلس (يوم ميلاد رضا شاه).

  • و تُلي القرار من قبل الدكتور جواد سعيد نائب رئيس المجلس النيابيّ، ثمّ تحدّث هويدا.

  • و كان المتحدّث الاوّل هو الدكتور صدّيق، فأشاد بجهود رضا شاه، و تحدّث عن الظروف التي كانت تمرّ بها إيران آنذاك والفوضى التي كانت سائدة. وأحصى الإنجازات الهامّة التي حقّقها رضا شاه يومئذٍ، ومنها:

  • إيفاد الطلبة الجامعيّين إلى الخارج، و تأسيس جامعة طهران في فروردين سنة ۱٣۱۰ [۱٩٣۱م‌] و التعليم المجّانيّ في جميع أرجاء البلاد، و تشكيل النوادي، و إنشاء المسابح من قبل وليّ العهد، و إقامة الذكرى الالفيّة للفردوسيّ سنة ۱٣۱٣، و افتتاح مقبرته في طوس (و في تلك السنة أقامت الجامعات العالميّة المهمّة احتفالات لتكريم الفردوسيّ وخدماته لللغة الفارسيّة، و القوميّة الفارسيّة، و تاريخ الفرس)، و إنجاز مهم جدّاً كان يبدو مستحيلًا، و هو إلغاء الحجاب في ۱۷ دى ۱٣۱٤ [ ۷/ ۱/ ۱٩٣٥ م‌]، و تجمّع العلماء من شتّى أنحاء العالم للتحقيق حول الفردوسيّ والمفاخر الفارسيّة. حيث أطال الشرح في هذا المجال، و تحدّث عن جهود الشاه محمّد رضا و خدماته. ثمّ تطرّق إلى ما يسمّى بالثورة البيضاء. و تحدّث بعده السناتور عماد تربتي فتطرّق إلى مواضيع شتّى كما فعل صدّيق. وتلاه السناتور شوكت ملك جهانبانى، فتحدّث عن جهود رضا شاه في إعلانه و إلغاء الحجاب. و تحدّث بعده الدكتور مصطفى الموتى فخاض في ما خاضوا فيه. أعقبه‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

92
  • هلاكو رامبد، فالدكتورة مهين صنيع اللذين دار حديثهما حول المواضيع المطروحة نفسها.

  • و بعد المصادقة على القرار، تحدّث السناتور العلّامة وحيدي. و لمّا كان حديثه مشحوناً بالافتراء والكذب والمكر، وفيه ما فيه من التشويه والتدليس والتبديل المعنويّ، إذ أعلن عن دعمه لحكّام الجور بدهاء عجيب مع الدليل و البرهان، و أشاد بهم على لسان رسول الله مطبّقاً الروايات و الاخبار الماثورة حول الإمام العادل على السلاطين الجائرين و الحكّام الفاسقين الظالمين، لذلك ننقل حديثه هنا نصّاً ليطّلع القرّاء على كيده و تدليسه و تلبيسه. بدأ حديثه قائلًا:

  • اسمحوا لي أن أوافيكم بموجز عن عظمة كورش الكبير مؤسّس الشاهنشاهيّة الفارسيّة، و عن وجوب طاعة الملوك و الحكّام مستهدياً بمبادي الدين الإسلاميّ المبين، و موازين الاستنباط والاجتهاد.

  • لقد جاء في علم الاصول أنّ مصادر الاستنباط هي: الكتاب، و السنّة، و الإجماع، والعقل. فالكتاب هو القرآن المجيد، كتاب سماويّ و مرشد عالميّ نزل على الرسول الاكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم. و يلاحظ في هذا الكتاب الإلهيّ المقدّس آيات باهرة تتحدّث عن شخصيّة كورش الكبير و إنسانيّته و حبّه الخير للآخرين، و تسمّيه: ذُو الْقَرْنَيْنِ. قال تعإلى: {وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً}، و تسمية كورش الكبير بذي القرنين من لطائف المعجزات في القرآن المبين، إذ ثبت بعد بحوث علميّة دقيقة أنّ‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

93
  • طرفي قبّعة هذا الإمبراطور لهما نتوآن. و لذلك ذكر القرآن الكريم هذا الملك العظيم بذي القرنين.

  • ثمّ قال دفعاً للشبهة التي ترى أنّ المقصود بذي القرنين هنا هو الإسكندر:

  • كان الإسكندر ظالما سفّاحاً، و القرآن الكريم لا يمدح الظالم السفّاح أبداً.

  • و قال بعد ذلك:

  • و تعكس آيات أُخرى أيضاً فكر هذا الإمبراطور العادل وسلوكه.

  • و أردف قائلًا:

  • و أنا أتحدّث عن عظمة هذا الملك و الاعتقاد بنظام الملكيّة و السلطنة، أنقل لكم ما جاء في الخبر أنّ الله الجليل خاطب نبيّه إبراهيم الخليل قائلًا: يا إبراهيم! أنت مظهر علمنا و الملك مظهر ملكنا. و يستنبط من هذا الخبر أنّ مقام الملكيّة و السلطنة الشامخ كان و لا يزال يستظلّ بعناية إلهيّة خاصّة.

  • وقال الشاعر جلال الدين مولويّ إشارة إلى مضمون هذا الخبر:

  • «پادشاهان مظهر شاهى حقّ *** ...»۱
  • و تقرّر السنّة النبويّة هذا الخبر أيضاً. وجاء في الماثور والخبرالمشهور أنّ النبيّ الاكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يشير مراراً إلى عظمة الزمن الذي ولد فيه، فقد نقل عنه قوله في جمع من أصحابه: وُلِدْتُ في زَمَنِ الملك

    1. معناه: الملوك مظهر لملك الحق.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

94
  • الْعَادِلِ. ونجد هنا أنّ النبيّ الاعظم يثني بكلّ صراحة على أنوشيروان إمبراطور فارس آنذاك.

  • أمّا الحديث الآخر الذي يوجب طاعة الملك بكلّ وضوح و أرى من الافضل قبل ذكره أن أُنْبّه على مصدره، ثمّ أتطرّق إليه لئلّا يتبادر إلى الاذهان أنّ هذا الكلام غير مأثور، و لا يمكن التعويل عليه. فمصدره كتاب معتبر و عظيم لاحد علماء الإسلام، و هو الشيخ الصدوق. والحديث مذكور في كتابه «الامإلى»، و جاء فيه‌: «لَا تُذِلُّوا رِقَابَكُمْ بِتَرْكِ طَاعَةِ السُّلْطَانِ»! إلى أن يقول: «وَ إنَّ صَلَاحَكُمْ في صَلَاحِ سُلْطَانِكُمْ وَ إنَّ السُّلْطَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ الرَّحِيمِ؛ فَأحِبُّوا لَهُ مَا تُحِبُّونَ لِانْفُسِكُمْ وَ اكْرَهُوا لَهُ مَا تَكْرَهُونَ لِانْفُسِكُمْ».

  • و ثمّة حديث آخر جاء في هذا الكتاب المعتبر و القيّم، و هو قوله: قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: «طَاعَةُ السُّلْطَانِ وَاجِبَةٌ، وَمَنْ تَرَكَ طَاعَةَ السُّلْطَانِ فَقَدْ تَرَكَ طَاعَةَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ وَ دَخَلَ في نَهْيِهِ».

  • و نرى هنا أنّ هذا الحديث يعتبر طاعة الملك كطاعة الله و لا غبار عليه.

  • و أمّا وجوب طاعة الملك بالإجماع، فإنّنا لمّا كنّا نعلم أنّ الإجماع هو الرأي الكاشف عن قول المعصوم، و أنّ سيّد المعصومين و إمامهم أوجب طاعة الملك بالنظر إلى وحدة الملاك فمن هذا المنطلق تصبح طاعة الملك واجبة.

  • و بخاصّة علينا نحن الإيرانيّون الذين لنا خصوصيّاتنا الإيمانيّة و الروحانيّة كما قال مولى المتّقين و أميرالمؤمنين. و قد عُرفنا في التاريخ أننا نعتبر أوامر الشاه هي أوامر الله سواء كانت صادرة من الله أو من الشاه، و ذلك‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

95
  • انطلاقاً من سنننا القوميّة.

  • و من الجدير ذكره أنّ طاعة الملك مسلّمة الصدور عن المعصوم حسب ما تفيده الاخبار العديدة، لذلك نعتبرها كالإجماع المصطلح بالنظر إلى وحدة الملاك.

  • و أمّا الدليل العقليّ الذي يدور حول لزوم طاعة الملك، فمن البديهيّ أنّ معصية الملك العادل و العالم و المقتدر تؤدّي إلى تخلخل النظم، و تصدّع الامور السياسيّة و الاجتماعيّة و العلميّة و الاقتصاديّة و غيرها.

  • لَو لا السُّلْطَانُ لأكَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضَاً.

  • أيّها النوّاب المحترمون! و لحسن الختام نذكر حديثاً مشهوراً نقله شيخ المحدّثين الحرّ العامليّ، و هو قوله‌: «السُّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ في الْارْضِ، يَأْوِي إلَيْهِ كُلُّ مَظْلُومٍ». و قد ترجمه الشاعر العزيز سعدي شعراً، وأضاف إليه امتزاج الظلّ بصاحبه:

  • پادشه سايه‌ي خدا باشد***...
  • سايه از ذات كى جدا باشد؟۱ و الآن حيث تمّ تشكيل هذه الجلسة الحماسيّة المشتركة لتكريم الذكرى الخمسين للحكومة الشاهنشاهيّة البهلويّة المباركة التي تتزامن مع الميلاد السعيد لعميد الاسرة الشاهنشاهيّة، يطيب لي أن أبعث السلام و التحيّة إلى الروح الطاهرة لهذا الشاهنشاه الكبير، وأسأل الله تعإلى أن يمنّ علينا بتوفيق الطاعة لجلالة الشاهنشاه آريامهر و خدمته أكثر فأكثر.

    1. و تعريبه: السلطان ظلّ الله، و متي انفصل الظلّ عن الذات؟

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

96
  • يحيا الشاهنشاه آريامهر، و الملكة الكريمة فرح، و وليّ العهد الميمون رضا.

  • تحيا إيران.

  • و يلاحظ من خلال التمعّن في هذا الكلام كم مسخ العلّامة الوحيديّ نفسه وكم شوّه الحقائق الواضحة.۱

    1. العلّامة الوحيديّ نجل الشيخ أبو القاسم رئيس العلماء الكرمانشاهيّ، ومن أحفاد المرحوم آية الله الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبانيّ. و كان من الطلّاب الفضلاء في النجف الاشرف، و من تلاميذ أساتذة بارزين كالشيخ ضياء الدين العراقيّ. و قيل إنّه حصل على إجازات متعدّدة في الاجتهاد من مختلف العلماء. و في سنة ۱٣۱٤ شمسيّ (۱٩٣٥ م) حيث أمر رضا شاه بعقد مجالس الضيافة المختلطة، كان هذا الرجل و زوجته من المدعوّين في كرمانشاه. و كان المضيّف هو السيّد أصغر شاه. و بينما حضر مدير شرطة المدينة و كثير من المدعوّين مع زوجاتهم السافرات، دخل العلّامة الوحيديّ، و كان يعتبر أحد العلماء، دخل بزيّ علماء الدين مع زوجته و نظم قصيدة طويلة قرأها في ذ مّ الحجاب مطلعها: 
      «به شرع أحمد مرسل حجاب لازم نيست***»
      يعني: «لا ضرورة للحجاب في شريعة أحمد المرسل».ثمّ تعرّض إلى مدح البهلويّ. و جاء بعدها إلى طهران و نزع العمامة و الجبّة والعباءة و لبس البنطلون و وضع رباط العنق، و حلق لحيته. ولم يألُ جهداً في مؤازرة الاسرة البهلويّة حتّى آخر عمره. و كان من وعّاظ السلاطين. وأحد أعضاء مجلس الشيوخ و النوّاب مدّة طويلة إلى أن نزلت على رأسه صاعقة و ذاق جزاء أعماله المشينة. {وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ} (الآية ٣۱، من السورة ۱٣: الرعد). و عاش الوحيديّ حياة الترف طيلة الحكم البهلويّ الجائر الذي امتدّ لخمسين سنة. و باع دينه وشرفه لاجل دنياه. و أصبح في زمرة المستجدين والوصوليّين النفعيّين المجتمعين على مائدة الظلمة الملطّخة بالدم إلى أن صار هدفاً لرصاصة الغيب الإلهيّ خائباً قد {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْاخِرَةَ ذَ لِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، وإذا به يهوي في جهنّم بغتة، فيُحشر مع مواليه؛ {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِن بَعْضٍ}. وهذا هو الجزاء الدنيويّ، فماذا سيكون الجزاء الاخرويّ، وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الموتُ لَكَفى، كَيْفَ و ما بَعْدَ الموتِ أَعْظَمُ وَ أَدهَى.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

97
  • و لا نناقش هنا ما قاله سائر المتحدّثين، و لا قضيّة رفع الحجاب و انتهاك عفّة النساء، أو تكريم الفردوسيّ صانع الاساطير الذي اعتبروه رمزاً للقوميّة، و رفعوه في مقابل الإسلام بذريعة مجابهة العرب و مواجهتهم، و تجمعوا حول تمثاله ليلطموا عليه الصدور، و أمثال هذه الخزعبلات، ذلك لانّ هؤلاء المتحدّثين أشخاص معروفون لا يخفى أمرهم على أحد، إذ درسوا منذ طفولتهم في هذه المدارس الاستعماريّة، و تعلّموا على يد هؤلاء المعلّمين الذين يسيرون على منهج مرسوم لهم من الخارج لإضعاف الإسلام والتبجّح بالقوميّة الفارسيّة الزرادشتيّة المجوسيّة البالية. فلا نرتّب أثراً على سماع هذه الكلمات المكرورة التي يجترونها.

  • و ذلك لانّ اتّجاه هؤلاء و مبدأهم و منتهاهم و غايتهم و هدفهم ليس إلّا هذه الكلمات الجوفاء الفارغة التي لا تُغني و لا تُسمن. و لعلهم درسوا في الخارج و سمعوا هذه الاباطيل من أُولئك الاساتذة الاجانب الذين يتظاهرون برغبتهم في تقدّم البلدان الشرقيّة و رقيّها

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

98
  • كأنهم أعطف عليها من أهلها. و لنا أن نقول لهم: أظئر أعطف من أمّ على ولدها! فقد سمعوا تلك الاباطيل و تعلّموها و تعلّقت بها أرواحهم فأصبحوا أدوات طيّعة بِيَدِ الاجانب و الاستعمار الكافر. لذلك لا عجب أن يعتبروا الشاه البهلويّ الإمبراطور العادل الوحيد الذي يرعى شعبه، و هو الذي يشهد التاريخ على عمالته للاستعمار، و قد تسلّط على رقاب الناس بالحديد والنار، وفُرض على الشعب المسلم طيلة خمسين سنة فأذاقه الأمرّين إبعاداً و سجناً و تعذيباً و قتلًا و أسراً.

  • بل العجب من الوحيديّ و أمثاله، إذ كيف يبيعون شرفهم و كرامتهم و هم على ما هم عليه من الرصيد العلميّ تطييباً لقلب ملك جائر هم أعرف بظلمه منّا، و يلهجون باسمه في المجالس و المحافل الخاصّة من أجل حطام الدنيا الزائل. و يتملّقون تملّقاً تشمئزّ منه الطباع ليقتاتوا من فتات مائدته الوضيعة. و يضحّون بدينهم و كتابهم و نبيّهم و يبيعونها بثمن بخس من أجل منصب لا يبقى، و بغية التزوّد من الحطام الكاسد لُاولئك الزعانف التافهين.

  • فكلّ عاقل و عالم له أدنى إلمام بمادئ الاصول والفقه في الإسلام يفهم من كلام هذا الرجل أنه لم يأت بشي‌ء غير التزوير و الخداع و المكر و الزيغ، و لم يقدّم للناس إلّا تشويه الحقائق.

  • فالقرآن الذي نزل من الباري تعالى لتوطيد دعائم العدل‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

99
  • و التوحيد، متى أوجب طاعة الحاكم؟ و النبيّ الذي عانى ما عانى من الهموم طيلة ثلاث و عشرين سنة لتثبيت أركان التوحيد و العدل و الكفاح ضدّ الشرك و الظلم. و طيلة مدّة هجرته لعشرة سنوات في المدينة كان في الصفّ الاوّل للمجاهدين و أقربهم إلى العدوّ، و كان يذهب في الغزوات التي كانت تقع في كلّ شهرين على النحو المتوسّط، كيف يأمر بإطاعة الملك، و يفرض اتّباعه بلا نقاش؟

  • و هذه الروايات التي نقلها مع ما فيها من الضعف والإرسال في سندها لا تدلّ على اتّباع الحاكم الجائر. فالمراد بالسلطان هو السلطان العادل، و الإمام بالحق أو الفقيه الجامع للشرائط المنصوب من قبل الإمام.

  • و حرمة اتّباع السلطان الجائر، و الاقتداء بالحاكم الفاسق العاصي وفقاً للحديث المتّفق عليه بين الفريقين القائل: «لَا طَاعَة لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخالِقِ»‌ لا تُبقي إطلاقاً أو عموماً لمطلقات وجوب طاعة السلطان على فرض صحّة سندها. و قد حصر القرآن الكريم وجوب الطاعة برسول الله، و أُولي الامر المراد بهم أئمّة الدين و خلفاء المرسلين بالحق، و أوجب القرآن طاعة الانبياء العظام المبعوثين من ربّ العالمين لا غير، و أمر بلزوم اتّباعهم و اقتداء الناس بهم.

  • و القرآن الذي يعنّف حكّام الجور في العالم كفرعون،

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

100
  • و النمرود، و هامان و من دار في فلكهم، و يأمر الامم باتّباع الانبياء و يحثّها على التمرّد ضدّ أُولئك الطغاة الذين وقفوا بوجه الانبياء، كيف يوجب طاعة أمثالهم بلا قيد و لا شرط؟

  • إن خيانة الوحيديّ في نقل هذه الاخبار تتمثّل بـ : أوّلا: في طرحه هذه الاخبار و كانها صحيحة السند و مشهورة و معروفة، و هي ليست كذلك طبعاً، و لم يذكرها أيّ كتاب من مجاميع الشيعة أو السنّة بسند صحيح. و ثانيا: في إطلاقه لها و تغاضيه عن ذكر القيد و المقيّد و الخاصّ، و المخصّص. و هذه خيانة عظمى.

  • و ثمّة مؤاخذة كبيرة على من قال بأنّ ذا القرنين المذكور في القرآن هو كورش الفارسيّ. و على فرض صحّة هذا المعنى، فإنّ القرآن أثني على شمائل ذي القرنين و حسب، و لم يرد فيه ذكر يؤكّد على لزوم متابعته بوصفه ملكاً، فأين وجد ذلك؟ ليدلّنا و يرينا ما وجده.

  • والعجيب أنه يستدلّ على أنّ ذا القرنين لا يمكن أن يكون الإسكندر المعروف، لما قيل إنّه كان ظالما والقرآن لا يمدح الظالم، فكيف يجوز له حينئذٍ أن يوظّف هذا الكلام من أجل لزوم اتّباع الشاه و الشاهنشاه و الاسرة البهلويّة، و يزعم أنّ ذلك جاء في بيان القرآن و على لسان الاخبار؟ و كانّ هؤلاء جميعهم معصومون و طاهرون و مطهّرون، أو كأنهم ملائكة، أو هم الذين نزلت فيهم‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

101
  • آية التطهير!

  • إن ما ينسب إلى رسول الله قوله: وُلِدْتُ في زَمَنِ الملك الْعَادِلِ حديث مزيّف و موضوع لم تذكره كتب الحديث الشيعيّة و السنيّة كلّها. فقد كان أنوشيروان رجلًا ظالما و لم يمدحه رسول الله. و قوله: «كلام مأثور و خبر مشهور أنّ النبيّ الاكرم كان يشير مراراً إلى عظمة الزمن الذي ولد فيه، و هو في جمع من أصحابه» كذب محض.

  • من أين جاءت شهرة هذا الخبر؟ و في أيّ كتاب من كتب الحديث أو الفقه أو الرجال اشتهر؟ و نبيّنا لم ينطق بذلك في جمع من أصحابه قطّ، فضلًا عن أنه قال ذلك مراراً.

  • و كلام الفردوسيّ:

  • «چه فرمان يزدان چه فرمان شاه***...»
  • أي: «سواء كانت أوامر الله أو أوامر الشاه» 

  • يتو كّأ على دين المجوس الذين يعتقدون أنّ الشاه ممثّل عن الله، فما علاقة ذلك بالإسلام؟ والإسلام يرفض الإله الذي هو في مقابل الشيطان، و يعتبر الاعتقاد به شركاً و ثنويّة، فضلًا عن أنه ظلّ الله وممثّله.

  • إن الفردوسيّ مسؤول أمام الله و سيقف في ساحة العدل الإلهيّ في عرصات القيامة على ما ارتكبه من أخطاء، و ما فعله من خلط و خبط. و عليه أن يستعدّ للجواب. فشعره أبعد ما يكون عن الحقائق و قد فرض على الناس طاعة السلطان و الشاه و الحاكم مهما كانوا.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

102
  • ثمّ إنّ الوحيديّ قلب المعنى تماماً في كلام نقله، و هو قوله: «وَ إنَّ صَلَاحَكُمْ في صَلَاحِ سُلْطَانِكُمْ». لانّ معنى هذا الكلام هو «أنكم ستكونون صالحين إذا كان سلطانكم صالحاً». أمّا الوحيديّ فإنّه قلب المعنى بقوله: «صلاحكم فيما يراه الملك صالحاً لكم». أي: ستكونون صالحين إذا طبّقتم ما يراه الملك صالحاً لكم! و هذه خيانة في الترجمة.

  • و ممّا يستشكل عليه (الوحيديّ) هو أنه لمّا أراد الاستهداء بالإجماع كأحد الادلّة الاصطلاحيّة الاصوليّة الاربعة التي أقامها، و لم يكن هناك إجماع قطّ، قال: لمّا كان قول المعصوم ملاكاً لحجيّة الإجماع، و قوله حجّة من حيث الكاشفيّة، و جاء ذكره في هذه المسألة، فملاك الإجماع قائم بناءً على وحدة ملاك الإجماع و الخبر الصادر عن المعصوم. في حين أنّ أهل العلم و التخصّص في علم الاصول يعلمون أنّ هذا ليس إجماعاً، فالإجماع في مقابل السنّة التي تمثّل الروايات الصادرة عن المعصوم، عبارة عن اتّفاق المسلمين جميعهم اتّفاقاً كاشفاً عن رأي المعصوم. أمّا هذا المُتَحَدِّث فإنّه زوّر معنى الإجماع ليزيد أدلّته، و بعبارة أُخرى، أراد الخيانة أيضاً في مسألة أُصوليّة، لتتمّ خدمته، و تظهر الادلّة الاربعة جميعها قائمة و ثابتة.

  • و أمّا الدليل العقليّ، فإنّ العقل يحكم بخلاف ما قالوا، و يحكم‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

103
  • بأنّ الإنسان لا ينبغي له أن يتّبع الباطل والفساد، و لا يحقّ له أن يطيع السلطان الجائر و الحاكم الظالم، بل عليه أن يحرّر نفسه من ربقة حكومته التعسفيّة. يطيع السلطان العادل ذا الرؤية الواقعيّة، المنكر لذاته و المضحّي و المتحمّس من أجل الامّة، و المتحقّق بالحقيقة و واقع الامر، ذا السريرة النقيّة من شوائب الرذائل الاخلاقيّة و حبّ الدنيا و نزوة حبّ الظهور و الصيت و السمعة، و النَّفَس الاستكباريّ و الغرور، و العجب، و التمحور.

  • أجل، فلقد فصّلنا الكلام هنا في تفسير ما قاله ليعلم الناس أنّ حكّام الجور في كلّ زمان يحتضنون مثل هؤلاء في أجهزتهم الحكوميّة و يهتمّون بإعدادهم إعداداً خاصّاً و ذلك لخداع الناس و إضلالهم، و ليسود الصمت المطبق و الوجوم على الاجواء فلا ينبس أحد ببنت شفة.

  • و عندئذٍ لا يتعجّب أحد كيف أصبح أمثال أبي هُريرة، و أبي الدرداء، و كعب الاحبار، و سَمُرَة بن جُنْدُب و غيرهم من الذين كانوا في عداد الصحابة فترة من عمرهم، بطانة لمعاوية، و من الذين يسيل لعابهم على مائدته الملوّنة مقتاتين من فضلاتها. و عند ذاك يحلو لهم أن يختلقوا آلاف الاحاديث في فضيلة الشيخين، و بني أُميّة، و عثمان، و معاوية. و لا يتورّعوا عن اختلاق الطعن و القدح في أميرالمؤمنين عليه السلام و التحدّث إلى الناس من على المنبر نقلًا

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

104
  • عن لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

  • فالتاريخ يعيد نفسه و لا يمثّل إلّا تكراراً للحوادث الواقعة. و لو أردنا أن نتمثّل بلاط معاوية، فلننظر إلى مجلسي الشيوخ و النوّاب و أعضائهما. فالصورة واحدة، و ما نراه اليوم مرآة تعكس ذلك الوضع تماماً.

  • و لقد أرسل معاوية إلى سَمُرَة بن جُنْدُب و وعده ببذل مائة ألف درهم له ليروي أنّ قوله تعالى: {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ}.۱ نزل في ابن ملجم أشقى رجل في قبيلة مراد. و قوله تعالى: {وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى‌ ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ، وَ إِذا تَوَلَّى سَعى‌ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ ، وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ}.٢ نزل في أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، فلم يقبل. فبذل له مائتي ألف درهم، فلم يقبل. فبذل له أربعمائة ألف درهم، فقبل.٣

    1. الآية ٢۰۷، من السورة ٢: البقرة.
    2. الآيات ٢۰٤ إلى ٢۰٦، من السورة ٢: البقرة.
    3. «الغدير» ج ٢، ص ۱۰۱، عن «تاريخ الطبريّ» ج ٥، ص ٢٢٩، و «الكامل» لابن الاثير، ج ٣، ص ۱۱۷؛ و «شرح ابن أبي الحديد» ج ٢، ص ٢٤.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

105
  • فتغيير التاريخ يمثّل نهاية المرحلة الثالثة من المراحل التي تمّ تطبيقها من قبل الاستعمار دون أيّ اطّلاع قبليّ من الشعب، و بادروا إلى اتّخاذ هذه الخطوة بأسرع ما يكون إذ دمجوا المجلسين معاً خوفاً من اطّلاع الناس عليه، حيث من الطبيعيّ أن يكون في الفترة التي تتخلّل المجلسين، ممّا قد يؤدّي إلى قيام الشعب. فبادروا إلى ذلك لكي لا يعترض أحد ويطالب بحظر القرار.

  • و كان واضحاً في تلك الجلسة أنّ تغيير التاريخ يعني أنّ أمر الإسلام قد انتهى و أنهم قد قضوا عليه. و من الوجهة السياسيّة قدّموا للشعب المحروم و المظلوم في إيران تعصّبهم القوميّ و الزرادشتيّة المجوسيّة.

  • وتحدّث هوشنك النهاونديّ رئيس الجامعة، فقال:

  • «إنّ تعيين بداية جديدة لتأريخنا يعتبر أهمّ خطوة لترسيخ القوميّة الفارسيّة العريقة، و إعطاءها الصفة الرسميّة.

  • والتقويم الجديد تقويم فارسيّ قوميّ كامل بكلّ معنى الكلمة. و يعبّر عن تطوّر أصيل في تأريخنا الحافل بالمفاخر و الأمجاد».

  • وقال فرهنك مِهر، رئيس جامعة بهلويّ في شيراز:

  • «وُلِدَتْ إيران وحدة مستقلّة، و ولد شعبها كتلة منظّمة مع كورش و السلسلة الهخامنشيّة».

  • و تحدّث أمير عبّاس هويدا، رئيس الوزراء، بعد المصادقة

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

106
  • على القرار فقال في بعض كلامه:

  • «نتحدّث في هذه اللحظات من القرن السادس والعشرين للتاريخ الشاهنشاهيّ. و من البديهيّ أنّ التقويم الهجريّ و هو تقويمنا الدينيّ سيبقى ساري المفعول و له حرمته الخاصّة ... إلّا أنّ قراركم هذا اليوم يمثّل هذه الحقيقة، و هي وجود إيران واحدة و نظام شاهنشاهيّ واحد على امتداد هذه المدة الطويلة و هما متلاصقان بحيث يمثّلان مفهوماً واحداً».

  • و في غد ذلك اليوم، أي: يوم الاثنين ٢٥ إسفند ۱٣٥٤ شمسيّ كتبت صحيفة «اطّلاعات» في مقالتها الافتتاحيّة قائلة:

  • «و نلاحظ الآن من خلال القرار المصادق عليه في الجلسة المشتركة للمجلسين أنّ هذا التقويم القوميّ السابق (المقصود هو فروردين، و أُرديبهشت، و لكن على أساس تاريخ الهجرة النبويّة) قد أصبح ينطلق الآن من قاعدة أدق متمثّلة ببداية الإمبراطوريّة الفارسيّة، أي: جلوس كورش الكبير على عرش الحكم الفارسيّ. فتقويمنا القوميّ الذي يبدأ باليوم الاوّل من فروردين، و شهوره الاثنا عشر كلّها فارسيّة، و أسماؤها تراثيّة فارسيّة عريقة، كان يشكو من النقص كما يبدو إذ لم يشمل تاريخ فارسيّ قبل الإسلام ...»

  • إلى أن قالت الصحيفة:

  • «فهذا الوضع السائد ليس منطقيّاً لدولة لها تأريخها المدوّن و المنظّم، و قاعدتها الشاهنشاهيّة مستمرّة منذ جلوس كورش الكبير على العرش إلى يومنا هذا. و ذلك لانّ الاحداث التاريخيّة كلّها، و منها هجوم العرب على بلاد

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

107
  • فارس لم تخلخل استمرار التاريخ و الإمبراطوريّة الفارسيّة.

  • و في الوقت الذي قبلنا فيه الدين الإسلاميّ المقدّس، و نعتزّ بذلك. فقد كان و لا زال لنا تأريخنا و حضارتنا. و تقويمنا الدينيّ الذي يبدأ بالمحرّم، و ينتهي بذي الحجّة، كما في البلدان الإسلاميّة جميعها، له منزلته الخاصّة به. و تقويمنا القوميّ الذي يبدأ بفروردين، و ينتهي بإسفند له منزلته أيضاً.

  • فذلك هو التقويم الهجريّ، و هذا هو التقويم الشاهنشاهيّ، أحدهما يمثّل ديننا، والآخر يمثّل قوميّتنا».

  • يستبين جيّداً ممّا تقدّم أنّ القصد من تغيير التاريخ هو فصل الدين عن القوميّة، و فصله عن السياسة و الشؤون الاجتماعيّة، وإضفاء الرسميّة على الشعائر القوميّة و الآداب و السنن الجاهليّة، و عزل الدين الحق و السنّة المحمّديّة عن الحياة، و مصادرة الاصالة و الشرف المودعين في فطرة الناس واللذين يؤيّدهما الدين و يعزّزهما.

  • و قد أشرنا فيما سبق إلى أنّ هؤلاء يقولون: «لا شغل لنا بالتاريخ الهجريّ، فله موقعه و منزلته. إلّا أنّ التاريخ الرسميّ الحكوميّ ينبغي أن يكون شمسيّاً و فروردينيّاً و شاهنشاهيّاً».

  • أي: أنّ ما ينفع البلاد هو فروردين، والاعتزاز بعرش كورش و الملوك الهخامنشيّين. و هذا هو الذي يفصل الناس عن الدين و يقطع علاقتهم بدينهم، و دفاعهم عن وطنهم و أعراضهم و أرواحهم‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

108
  • و أموالهم ضدّ الاجانب. و هو ما يروق للاستعمار.

  • و أيّ ضرر يصيب الاستعمار و خططه المشؤومة إن وضعت العجوز الفلانيّة التاريخ الهجريّ في طيّات مفاتيح الجنان، أو عيّن الشيخ الفلانيّ آداب ليلة الرَّغائب وأعمالها في ضوئه؟

  • يقولون:

  • «لو اتّخذنا الهجرة النبويّة بداية لتأريخنا، فإنّ هذا يؤدّي إلى النقص و الانكسار في تأريخنا، و لكن لو اتّخذنا جلوس كورش على العرش بداية له، فإنّ هذا يبعث على رفعتنا و شموخنا».

  • {أُفٍّ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.۱

  • فشعوب العالم بأسرها تفتخر و تتشرّف بانتمائها إلى أنبيائها. و النصارى في شتّى أرجاء العالم يتّخذون ميلاد السيّد المسيح عليه السلام تاريخاً لهم. و هؤلاء المجوس و اليهود جميعهم يجعلون تقويهم على هذا الاساس نفسه.

  • فهل صار محمّد المصطفى وصمة عار لكم حتّى تأبوا من الانتماء له؟!

  • أنتم مطيّة الاستعمار، تركتم البلدان الاستعماريّة جميعها وراءكم! فإنّها غيّرت تأريخها من الهجريّ إلى الميلاديّ. و السيّد المسيح نبيّ عظيم، و قد أعرضتم عنه أيضاً! بل وعن جميع الانبياء

    1. الآية ٦۷، من السورة ٢۱: الانبياء.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

109
  • إذ نبذتموهم وراء ظهوركم و أقبلتم على كورش و سيروس لائذين بهما من دون الانبياء! أُفٍّ لَكُمْ وَ لِمَا تَسِيرُونَ على مَنْهَجِ الشَّيْطَانِ.

  • و هنا تثور غِيرة الله سبحانه تعالى، و يأبى مقام عزّته مثل هذه الانتهاكات الصارخة. و بعد مراحل ثلاث: الأٌولى: استبدال الشمسيّ بالهجريّ، الثانية: استبدال القديم بالشمسيّ، الثالثة: استبدال الشاهنشاهيّ بالقديم. فلابدّ أن يعمّهم البلاء و يذوقوا وبال أمرهم و يلاقوا جزاء ما كسبت أيديهم و ما سوّلت لهم أنفسهم. و تنهار قصورهم على رؤوسهم. و يستبدل الخبر بالاثر. {فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ}.۱

  • {فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}.٢

  • و كان من المتوقّع ممّا نقلناه، و بعد انهيار قصر الظلم و الاستبداد، و التحرّك العارم للشعب المسلم الذي ارتضع أبناؤه لبن أُمّهات أرضعنهم باسم الحبيب المصطفى خلال ألف و أربعمائة سنة، و تفويض أمر الشعب إلى الشعب نفسه في مجلس الخبراء، أن يكون التاريخ هجريّاً قمريّاً فقط، إلّا أنهم لم يفعلوا ذلك. و تمّ تدوين المادّة السابعة عشرة من دستور الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة على النحو التالى:

    1. الآية ٢٤، من السورة ۱۰: يونس.
    2. الآية ۱۷، من السورة ٤۱: فصّلت.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

110
  • «بداية التاريخ الرسميّ للبلاد هجرة النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم وكلا التاريخين: الشمسيّ، و الهجريّ رسميّان معتبران. و تعتمد الدوائر الحكوميّة في أعمالها على التاريخ الشمسيّ. و العطلة الرسميّة الاسبوعيّة هي يوم الجمعة».

  • الجمع بين التأريخ القمريّ والتأريخ الشمسيّ غير صحيح‌

  • و نرى هنا أنّ الإصلاح الذي أُجري في هذا المجال تناول المسألة الثالثة فقط، أي: الرجوع من التاريخ الشاهنشاهيّ إلى التاريخ الهجريّ الشمسيّ. و حيث السنون الشمسيّة لا زالت رسميّة سارية المفعول، و الشهور المجوسيّة القديمة كخرداد و بهمن لم تتغيّر أيضاً.

  • و هنا ثلاثة إشكالات:

  • الاوّل: ما هو معنى الجمع بين التاريخين و اعتبارهما رسميّين معاً؟ و نحن نعلم أنّ القرآن الكريم يركّز على الشهور القمريّة في التاريخ فقط. و كذلك السنّة النبويّة و منهج أئمّة الدين فإنّهما يقتصران على الشهور القمريّة لا غير إجماعاً و اتّفاقاً، فرسميّة الشهور و السنين الشمسيّة منضمّة إلى الشهور القمريّة أمر غير صحيح أبداً.

  • و الثاني: لماذا تتبنّى الدوائر الحكوميّة التاريخ الشمسيّ في أعمالها، إذ يبقى الإشكال قائماً في كلا المرحلتين؟ و إذا كان الدين غير منفصل عن السياسة، فلابدّ أن تتبنّى الدوائر الحكوميّة الشهور

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

111
  • القمريّة فقط. فمن أين جاء هذا الانفصال؟

  • و الثالث: أنّ تبنّي التاريخ الشمسيّ من قبل الدوائر الحكوميّة عبارة أُخرى لإضفاء الرسميّة على الشهور و السنين الشمسيّة، لانّ الرسميّة لا معنى لها إلّا أن يطبّق التاريخ عمليّاً. و على هذا فالدوائر الحكوميّة تعترف بالتاريخ الشمسيّ لا القمريّ. و تتعامل فيما بينها به دون القمريّ. و هذا هو المحذور عينه و الحرج نفسه.

  • و ما الفرق بين هذا المشروع و ذلك المشروع الذي تمثّل بالتغيير الثالث المصادق عليه في المجلسين؟ فأصحاب ذلك المشروع كانوا يقولون:

  • «التاريخ الهجريّ له موقعه وحرمته، ويستعمل عند القيام بالامور الدينيّة. و التاريخ الشاهنشاهيّ القديم يستعمل في الشؤون الرسميّة للبلاد و دوائرها، و في الزيارات الحكوميّة الرسميّة، و الجلسات، و الندوات، و المؤتمرات و الاحتفالات، و المناسبات، و المعاهدات، و غير ذلك».

  • إحياء المناسبات على أساس التأريخ القمريّ‌

  • و هؤلاء اليوم لا يهتمّون بالتاريخ القمريّ في الشؤون الرسميّة، و يؤرّخون ذكرى الثورة، واستشهاد رجالها، و الاحتفالات و غيرها بالتاريخ الشمسيّ. فاستشهاد المرحوم الشيخ مرتضى مطهّري مثلًا كان في اليوم الخامس من جمادى الآخرة، بينما يؤرّخونه في اليوم الثاني عشر من أُرديبهشت.۱ و هكذا دأبهم في‌

    1. استشهد المرحوم المطهّري في الخامس من جمادى الآخرة سنة ۱٣٩٩ هـ الموافق ۱٢ أُرديبهشت سنة ۱٣٥۸.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

112
  • المناسبات الاخرى، فيؤرّخون استشهاد المرحوم دستغيب، و المرحوم صدوقي، و المرحوم قاضي، و المرحوم أشرفي، و المرحوم مفتّح الذي جعلوا يوم استشهاده يوماً للفيضيّة (مدرسة دينيّة في قم) و الجامعة، و يوماً لتلاحم طلّاب العلوم الدينيّة مع طلّاب الجامعات، و غير ذلك من المناسبات بالتاريخ الشمسيّ الفارسيّ.

  • و يؤرّخون رحلة العلّامة آية الله الطباطبائيّ التي وقعت في الثامن عشر من المحرّم،۱ في ٢٤ آبان، في حين أنّ روح ذلك المرحوم تستاء من إحياء المناسبات السنويّة بالتاريخ الشمسيّ. و هو متحقّق بالحق و حقّانيّة تطبيق الشهور و السنين القمريّة.

  • نماذج من التواريخ الشمسيّة المختلفة

  • ناهيك عن أنّ هذه المناسبات، و الاحتفالات و الاستشهادات، و التأبينات لمّا كانت قد جرت على أساس النهضة الدينيّة الإسلاميّة، فمن الانسب أن يحتفل بذكراها باعتماد الشهور القمريّة و ذلك لترسيخها و تخليدها في أذهان أبناء الجيل المعاصر و القادم، فاستشهاد العالم المظلوم الغريب المجاهد السيّد حسن المدرّس‌

    1. كانت وفاته في صباح يوم الاحد ۱۸ محرّم الحرام سنة ۱٤۰٢ هـ قبل الظهر بثلاث ساعات. و أرجى تشييع جثمانه الطاهر إلى اليوم التالى ريثما يطّلع الاخيار و الابرار في المدن الاخرى.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

113
  • رضوان الله عليه بكاشْمَر في السابع والعشرين من شهر رمضان، و هو صائم. و حيث كان قائماً بالصلاة عند غروب الشمس. فهل من الافضل أن نحيي ذكراه في هذا التاريخ أو في العاشر من آذر؟ ٩٦۱ و استشهاد المرحوم الشيخ فضل الله النوريّ شهيد طريق الحق و العدالة الذي شنقوه يوم الثالث عشر من رجب،٢ و هو يوم ميلاد أميرالمؤمنين عليه السلام فأيّهما أفضل إحياء ذكراه في هذا التاريخ أو في الشهر الشمسيّ الفلانيّ؟

  • و عندما ثار الشعب بعد العاشر من المحرّم، و أقام مجالس العزاء عشرة أيّام بتمامها، و أحيى ذكر سيّد الشهداء عليه السلام في المجالس و المحافل من خلال الخطب و الكلمات و المحاضرات التي ختمت بالخطاب التاريخيّ الذي ألقاه قائد الثورة في المدرسة الفيضيّة عصر العاشر من المحرّم، ممّا أدّى إلى اعتقال كثير من العلماء و الفضلاء في طهران و المدن الاخرى، حيث نُقِلَ قائد الثورة إلى طهران لإعدامه، و وثبة الشعب المسلم في طهران و قم، فهل من الافضل أن نحيي هذه الذكرى في اليوم الثاني عشر من المحرّم أو في‌

    1. استشهد المرحوم المدرّس في السابع و العشرين من شهر رمضان سنة ۱٣٥٦، الموافق ۱۰ آذر ۱٣۱٦
    2. استشهد المرحوم الشيخ فضل الله النوريّ في ۱٣ رجب ۱٣٢۷ شنقاً في ميدان سبه‌ [ساحة الجيش]‌ بطهران.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

114
  • الخامس عشر من خرداد؟

  • و لمّا نهض أهالى طهران في الليلة الاولى من المحرّم و اليوم الاوّل منه و كانوا قد لبسوا الاكفان و هم يردّدون شعار: الله أكبر، إحياءً لذكرى سيّد الشهداء عليه السلام و قام النظام البهلويّ السفّاح بقمع هذه الوثبة قمعاً دمويّاً، فهل من الافضل أن نحيي هذه الذكرى في الاوّل من المحرّم، أو في الخامس من مِهر؟

  • أجل، فإنّ الشهور القمريّة هي ملاك التقويم للامّة الإسلاميّة، لا غيرها، و ذلك وفقاً للأدلّة الشرعيّة و التجربة التاريخيّة.

  • و تعقد الندوات و الجلسات هذه الايّام في أقطار العالم الإسلاميّ حسب التاريخ الميلاديّ، و الإيرانيّون يؤاخذون تلك الاقطار على استعمال التاريخ الميلاديّ. و لو تساءلت تلك الاقطار عن التاريخ الذي ينبغي أن تتبنّاه و تشترك فيه مع الاقطار الاخرى، فهل هناك تاريخ يوحّدها مع غيرها سوى التاريخ الهجريّ القمريّ؟ و تؤاخذنا تلك الاقطار أيضاً أنّ السنين الشمسيّة غير إسلاميّة، و أنّ فروردين و بهمن و غيرهما من الشهور الفارسيّة هي غير إسلاميّة أيضاً، إذَنْ ينبغي أن نتلاحم و نتكاتف لإصلاح شؤوننا على أساس قاعدة قرآنيّة صحيحة، و ذلك لتتضافر جهودنا ونساءهم جميعنا في أوّل شي‌ء يمثّل شرطاً لوحدة المسلمين.

  • و نقول مرّة أُخرى أيضاً: كيف لا يصحّ أن نؤرّخ ذكرى‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

115
  • استشهاد أميرالمؤمنين عليه السلام بالتاريخ الشمسيّ، لانه سيقع في شوّال يوماً، و في ربيع الاوّل يوماً آخر؟ وكيف لا يصحّ أن نجعل عاشوراء بالتاريخ الشمسيّ، لانه سيقع في رجب مرّة، و في شوّال مرّة أُخرى؟ و كيف لا يصحّ أن نجعل النصف من شعبان حيث ولادة الامام صاحب الزمان عليه السلام بالتاريخ الشمسيّ، لانه سيقع في محرّم يوماً، و في صفر يوماً آخر؟ و بصورة عامّة تدور في السنة كلّها، و كذلك لا تصحّ في سائر المناسبات السنويّة.۱

    1. جاء في «فروع الكافي» طبعة مطبعة حيدري، ج ٤، ص ۱٤٩ حول عيد الغدير: أنّ محمّد بن يعقوب الكلينيّ روي عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن ابن سالم، عن أبيه، قال: سألت جعفر بن محمّد عليهما السلام: هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة و الاضحى و الفطر؟ قال: «نعم، أعظمها حرمة»! قلت: و أيّ عيد هو جعلت فداك؟ قال: «اليوم الذي نصب فيه رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أميرالمؤمنين عليه السلام و قال: مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ»! قلتُ: و أيّ يوم هو؟! «و ما تصنع باليوم؟ إنَّ السَّنَةَ تدور؛ و لكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة... » إلى آخر الرواية التي تحدّثت عن أعمال يوم العيد من ذكر الله، و الصوم، و العبادة، و ذكر محمّد و آل محمّد. و لمّا أراد السائل أن يعرف يوم الغدير حسب الفصول و الشهور الشمسيّة، منعه الإمام و قال: إنّ المدار في تعيين الايّام و الاعياد و غيرهما هو الشهور القمريّة لا الشمسيّة. و عيد الغدير هو في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة. و هو غير معروف حسب الشهور الشمسيّة، لانّ الايّام تدور في السنّة، و كلّ يوم من الشهر القمريّ لا يوافق يوماً خاصّاً من الشهر الشمسيّ، بل هو يدور باستمرار. على سبيل المثال، يقع عيد الغدير في الربيع و برج الحمل مرّة، و في الصيف و برج السرطان مرّة أُخرى، و في الخزيف و برج القوس مرّة ثالثة، و هكذا. و لمّا كان المدار في الامور الشرعيّة والحساب هو الشهور القمريّة، فلا جدوى من معرفة الشهور الشمسيّة و انطباق الامور والحساب عليها. ولذلك قال للسائل: و ما تصنع باليوم؟! إنّ السَّنة تدور، ولكنّه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

116
  • و هذا هو النسي‌ء الذي نهانا عنه القرآن، و حذّرتنا منه السنّة النبويّة بشدّة من خلال خطبة حجّة الوداع. ذلك لانّ السنين الشمسيّة تتأخّر عن السنين القمريّة. و لو قدّر أن نجعل التقويم على أساس التاريخ الشمسيّ، فقد أخّرنا أحد عشر يوماً كلّ سنة عن أوقات السنة السابقة؛ إذَنْ لا سبيل لنا إلّا تبنّي الشهور القمريّة، و ذلك لكي لا نبتلى بالنسي‌ء، و لنجعل كلّ فعل في موضعه و زمانه الخاصّ به.

  • و لمّا ورد ذكر النسي‌ء في خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلّم بمنى، ممّا اضطرّنا إلى شرحه وتفسيره، جرّنا الحديث حول النسي‌ء إلى بحث كامل و شامل حول الشهور القمريّة و السنوات الشمسيّة.

  • فللّه الحمد و له المنّة على تقديم هذا البحث النزيه لمطالعته من قبل القرّاء المحترمين لهذه الرسالة.

  • فوائد السنة القمريّة و مضارّ السنة الشمسيّة

  • تَذييل: السنة الشمسيّة عبارة عن دوران الارض حول الشمس. أي: من بداية وصول الارض إلى أوّل برج الحمل، إلى وصولها ثانية في تلك النقطة، و هو عبارة عن ثلاثمائة وخمسة وستّين يوماً و خمس ساعات و ثماني و أربعين دقيقة و خمس‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

117
  • و أربعين ثانية. و لمّا كان تقسيم هذا المقدار على اثني عشر شهراً غير محسوس، و يبقى كسراً، لذلك كما أنّ محاسبة المنجّم ضروريّة لاصل تعيين هذا المقدار، فهي من الامور الضروريّة و الحتميّة أيضاً لكيفيّة تقسيم هذا المقدار على الشهور الاثني عشر. و لمّا اختلف المنجّمون في كيفيّة التقسيم، لذلك تتباين الشهور الشمسيّة على أساس التواريخ المختلفة: الروميّ و الميلاديّ القيصريّ المعروف بتاريخ جولين، و الميلاديّ الغريغوريّ، و الهجريّ الشمسيّ، و الشمسيّ اليزدجرديّ، و الجلالى الملكشاهيّ، و الشمسيّ القديم.۱ و يختلف عدد أيّام الشهر في كلّ واحد من هذه التواريخ.

  • و أمّا السنون القمريّة فلمّا كانت اثني عشر شهراً قمريّاً،

    1. تتألّف السنون الروميّة من اثني عشر شهراً هي: تشرين الاوّل ٣۱ يوماً، تشرين الثاني ٣۰ يوماً، كانون الاوّل ٣۱ يوماً، كانون الثاني ٣۱ يوماً، شباط ٢۸ يوماً و في الكبيسة ٢٩ يوماً، آذار ٣۱ يوماً، نيسان ٣۰ يوماً، أيّار ٣۱ يوماً، حزيران ٣۰ يوماً، تمّوز ٣۱ يوماً، اب ٣۱ يوماً، أيلول ٣۰ يوماً.
      تعديل التاريخ الروميّ بتعديل تاريخ جولين، و كبيسته أيضاً مرّة واحدة في كلّ أربع سنين تضاف في آخر شباط. و لذلك فإنّ السنين الكبائس تتألّف من ٣٦٦ يوماً.
      والسنون الميلاديّة القيصريّة تشبه السنين الروميّة تماماً من حيث مقدار الشهور و الكبائس، إلّا أنها تفترق عنها في أنّ بداية السنة فيها هي الاوّل من كانون الثاني سنة ۷٥٤ من بناء مدينة روما، و أنّ ولادة السيّد المسيح في الخامس والعشرين من كانون الاوّل.
      وتجري‌ سنون‌ هذا التأريخ‌ كسنين‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ، ويعرف‌ هذا التأريخ‌ بتأريخ‌ جولين‌. وشهوره‌ هي‌: يناير ٣۱ يوماً، فبراير ٢۸ يوماً وفي‌ الكبيسة‌ ٢٩ يوماً، مارس‌ ٣۱ يوماً، أبريل‌ ٣۰ يوماً، مايو ٣۱ يوماً، يونيو ٣۰ يوماً، يوليو ٣۱ يوماً، آغسطس‌ ٣۱ يوماً، سبتمبر ٣۰ يوماً، أُكتوبر ٣۱ يوماً، نوفمبر ٣۰ يوماً، ديسمبر ٣۱ يوماً.
      وكما يلاحظ‌ هنا فإنّ أسماء الشهور تختلف‌ عن‌ أسماء الشهور الروميّة‌ فقط‌ وأمّا مقدارها فهو متساو، لانّ يناير الواقع‌ بين‌ الشهر الاوّل‌ والشهر الثاني‌ من‌ الشتاء، يطابق‌ كانون‌ الثاني‌. وفبراير هو شباط‌ نفسه‌، وهكذا بقيّة‌ الشهور. في‌ هذا التأريخ‌ المعروف‌ بتأريخ‌ جولين‌ تتألّف‌ السنة‌ ـ كما في‌ التأريخ‌ الرومي‌ّ، من‌ ثلاثمائة‌ وخمسة‌ وستّين‌ يوماً وستّ ساعات‌ ٢٥/ ٣٦٥. فلهذا تكون‌ السنة‌ كبيسة‌ مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌.
      أمّا التأريخ‌ الميلادي‌ الغريغوري‌ّ، فلمّا كانت‌ السنة‌ الحقيقيّة‌ فيه‌ شمسيّة‌ فإنّه‌ يفترق‌ عن‌ السنة‌ الشمسيّة‌ في‌ تأريخ‌ جولين‌. لذلك‌ فإنّ التأريخ‌ فيه‌ يتأخّر يوماً واحداً في‌ كلّ ۱٢۰ سنة‌. فلهذا صحّحه‌ البابا غريغوريوس‌ بمساعدة‌ المنجّم‌ الإيطإلی ليليو، فمضافاً إلی أنـّهم‌ يجعلون‌ السنة‌ كبيسة‌ مرّة‌ واحدة‌ في‌ كلّ أربع‌ سنوات‌، كانوا ينقصون‌ ثلاثة‌ أيّام‌ في‌ كلّ أربعمائة‌ سنة‌. وذلك‌ علی النحو التالی : يفترض‌ أنـّهم‌ يجعلون‌ السنة‌ كبيسة‌ في‌ رأس‌ كلّ مائة‌ سنة‌، إلاّ أنـّهم‌ لا يفعلون‌ ذلك‌، ولا يكبسون‌ ثلاث‌ مرّات‌، أي‌ : في‌ رأس‌ ثلاثمائة‌ سنة‌، ويكبسون‌ عادة‌ في‌ رأس‌ القرن‌ الرابع‌. وكان‌ التأريخ‌ قد تأخّر عشرة‌ أيّام‌ حتّي‌ عصر غريغوريوس‌، فكان‌ الناس‌ يظنّون‌ أنّ التأريخ‌ هو (٥) أُكتوبر فأمر أن‌ يجعلوه‌ (۱٥) أُكتوبر، فاشتهر التأريخ‌ الغريغوري‌ّ منذ ذلك‌ الحين‌، ونسخ‌ تأريخ‌ جولين‌. ويستعمل‌ النصاري‌ كلّهم‌ هذا اليوم‌ التأريخ‌ الغريغوري‌ّ ويتعاملون‌ به‌.
      (تابع الهامش في الصفحة التالية...)

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

118
  • ...۱

  • والشهر القمريّ محسوس و مشهود، و هو عبارة عن الفترة بين مقابلتين متواليتين للشمس و القمر، و بدايته ينبغي أن تتحقّق برؤية

    1. (...تتمة الهامش من صفحة السابقة)
      وأمّا التاريخ الهجريّ الشمسيّ الذي يبدأ بهجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله و سلّم وسنونه شمسيّة حقيقيّة، و شهوره المتمثّلة بالبروج الشمسيّة قد نظّمت مطابقة لحركة الارض في البروج الاثني عشر بحيث لا تزيد على ٣٢ يوماً، ولا تنقص عن ٢٩ يوماً، فشهوره على النحو التالى:
      الحَمَل ٣۱ يوماً، الثَوْر ٣۱ يوماً، الجَوزاء ٣٢ يوماً، السَرَطان ٣۱ يوماً، الاسَد ٣۱ يوماً، السُنْبَلَة ٣۱ يوماً، الميزان ٣۰ يوماً، العَقْرَب ٣۰ يوماً، القَوْس ٢٩ يوماً، الجَدْي ٢٩ يوماً، الدَّلْو ٣۰ يوماً، الحوت ٣۰ يوماً. و أوّل السنة الهجريّة الشمسيّة هو أوّل الاعتدال الربيعيّ دائماً.
      وتعديل هذا التاريخ لضبط الكبائس هو تعديل التقويم الملكشاهيّ نفسه الذي سيأتي فيما بعد.
      وأمّا التاريخ الشمسيّ اليزدجرديّ فإنّه يبدأ بجلوس يزدجرد الثالث آخر الملوك الساسانيّين على العرش، و كان ذلك في سنة ۱۱ هـ.و سنون هذا التقويم تقريبيّة. لانّ السنة حسبت (٣٦٥) يوماً، فلهذا يتأخّر التاريخ يوماً واحداً في كلّ أربع سنوات على النحو التالى:
      فروردين ٣۰ يوماً، أُرديبهشت ٣۰ يوماً، خُرداد ٣۰ يوماً، تِير ٣۰ يوماً، مُرداد ٣۰ يوماً، شَهريور ٣۰ يوماً، مِهر ٣۰ يوماً، آبان ٣۰ يوماً، آذر ٣۰ يوماً، دى ٣۰ يوماً، بهمن ٣۰ يوماً، إسفند ٣۰ يوماً.
      وكانوا يضيفون خمسة أيّام باسم (اندركاه) إلى آخر إسفند أو آبان، و هي الخمسة المسترقّة نفسها.
      وأمّا التاريخ الجلإلي الملكشاهيّ فهو التقويم الذي تمّ تنظيمه بمساعدة الحكيم عمر الخيّام. والسبب في ذلك هو أنّ التاريخ الشمسيّ اليزدجرديّ كان متداولًا حتّى ذلك الحين و هو عصر حكومة ملكشاه. و لمّا كان التاريخ يتأخّر يوماً واحداً في كلّ أربع سنوات بواسطة النقص في الحساب، فلهذا جعلوا عدد الشهور مثل التاريخ اليزدجرديّ، و أضافوا خمسة أيّام في آخر إسفند. و قالوا بدور ٣٣ سنة لنقص الكبائس و ضبطها، إذ يكبسون ثماني سنوات في كلّ ٣٣ سنة، أي، مرّة واحدة في رأس كلّ سنة رابعة، و أربع سنوات متوالية بسيطة، و يكبسون في رأس السنة الخامسة. و بهذا التقويم لا يرد نقص حتّى ستّة آلاف سنة.
      وأمّا التاريخ الشمسيّ القديم الذي أصبح رسميّاً في الدورة الخامسة لمجلس النوّاب، فشهوره الستّة الاولى التي تبدأ بشهر فروردين كلّ واحد منها ٣۱ يوماً، و الخمسة التي تليها ٣۰ يوماً، والشهر الاخير، إسفند ٢٩ يوماً، وجعلوه في الكبيسة ٣۰ يوماً.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

119
  • الهلال، فلا حاجة إلى محاسبة المنجّم، و التعديلات، و ضبط الكبائس، وعلى الرغم من أنّ المنجّمين نظّموا لهم كبائس، إلّا أنها تعود إلى الشهور القمريّة النجوميّة، لا إلى الشهور القمريّة الشرعيّة

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

120
  • التي يجب أن تتمّ برؤية الهلال بعد خروجه من المحاق.

  • و لمّا كان الدين الإسلاميّ المقدّس هو دين الفطرة: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}.۱ فلهذا ترتكز أحكامه و قوانينه كلّها على قاعدة الفطرة والطبيعة و المشاهدة و الرؤية و أمثالها. يقول:

  • متى رأيت الهلال في أُفق السماء بعد المحاق فاجعله أوّل الشهر! و استمرّ بهذا الشهر حتّى الرؤية الاخرى!

  • هذا تعليم بسيط و يسير و عامّ و لا يقبل التغيير و التحريف‌

    1. الآية ٣۰، من السورة ٣۰: الروم.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

121
  • والزيادة والنقصان.

  • و هذه الكيفيّة من محاسبة الشهر، ورؤيته في أوّله، و مشاهدة سيره في السماء، لتعيين الوقت قضيّة عامّة يتساوى فيها العالم و الجاهل، و الرياضيّ و الامّيّ، و المنجّم و غير المنجّم، و الحضريّ و البدويّ، و الحاضر و المسافر، و لا يختلف فيها هؤلاء، و لا يُشْتَبَه بها في الحساب.

  • ولو بقي شخص على ظهر السفينة الرأسيّة في الماء أعواماً كثيرة، مثلًا خمسين سنة أو أكثر، أو عاش على سفوح الجبال وحده بعيداً عن أنظار الناس، أو قضى عمره في القرى والارياف منعزلًا عن مجتمعه، أو أنقطع عن القافلة، و ظلّ في البوادي و الفلوات سنيناً من عمره، فإنّه يعرف شهره، و يعرف اليوم الذي يعيش فيه.

  • فوائد و منافع الشهور القمريّة

  • و الإسلام الذي هو دين عامّ و عالَميّ و فطريّ قد قرّر لجميع الناس في العالم تنظيم السنين و الشهور على أساس رؤية الاهلّة و الشهور القمريّة. و هذا الامر في غاية من الدقّة بحيث لو افترق شخصان من المجاهدين في سبيل الله، أحدهما في شرق الكرة الارضيّة، و الآخر في غربها، و ظلّا على ذلك الافتراق أعواماً مديدة ليس معهما تقويم، و لا منجّم و لا حاسب، ثمّ التقيا، فإنّهما يعلمان في أيّ يوم من أيّام السنة، و في أيّ شهر من شهورها يعيشان. ذلك لانّ عندهما حساب الشهور بواسطة رؤية الهلال، و حساب السنين‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

122
  • باثني عشر شهراً لكلّ سنة، و كذلك عندهم حساب الايّام.

  • و هذا قانون لا يعتريه النقصان و الزيادة، و هو غنيّ عن محاسبة المنجّم. و لا خلاف بين القائلين به وأتباعهم. و لا يحتاج إلى الجَعْل والحَدْس والتقريب والتخمين والوضع العرفيّ.

  • وهذا قانون يتيسّر له توجيه الناس و إدارة شؤونهم. و يبثّ حكمه إلى شتّى أرجاء العالم مهما كانت الظروف و الاحوال، و يوحّد الجميع تحت راية واحدة و تاريخ واحد و تقويم واحد. و هذه هي الشريعة السهلة العامّة التي تحدّث عنها رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم، إذ قال: «بُعِثْتُ على شَرِيعَةٍ سَمْحَةٍ سَهْلَةٍ».

  • أمّا لو قدّر أن يكون التقويم الشرعيّ و الإسلاميّ هو التقويم الشمسيّ، فالله أعلم بالإشكالات التي ستحصل جرّاء ذلك.

  • أ وّلا: الحاجة إلى الرَّصَد، و المنجّم، و تعيين نقطة الاعتدال الربيعيّ، أو الخريفيّ، و الإسلام لا يقيّد أحكامه أبداً بالحاجة إلى أمر خارجيّ مجعول.

  • ثانياً: أيّ شهر من الشهور الشمسيّة يمكن أن يكون معتبراً؟ ذلك لاننا عرفنا أنّ مقدار الشهور الشمسيّة يتفاوت حسب التقاويم المختلفة.

  • ثالثاً: لو خُوّل المنجّم صلاحيّة تعيين الشهور، فإنّ كلّ واحد من المنجّمين ينظّم الشهور بشكل خاصّ حسبما يراه. ممّا يبعث‌

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

123
  • على نشوب الخلاف و الاختلاف بين أبناء الامّة في التقويم و الاحكام. و نحن نعلم أنّ المنجّمين لو لم يخطأوا في أصل حساب الكبيسة و تعيين مقدارها، فإنّ الصلاحيّة في تعيين مقدار الشهور أمر مجعول و خاضع لنفوذهم. و لا يمكن تقديم رأي لمنجّم خاصّ على رأي منجّم آخر مع حفظ أُصول الحساب.

  • و رابعاً: يؤدّي هذا الامر إلى اختلاف المسلمين في بقاع مختلفة من العالم لتعذّر الحصول على تقويم و تاريخ معيّنين. و يضيع أهل القرى و الأرياف، و القوافل، و المسافرون عبر البحر و الجوّ- لو طال سفرهم حسابهم. و حينئذٍ لا يبقى مفهوم و مصداق لخلود الشريعة، «وَ حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ حَرَامُّ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».۱

  • و لذا نرى كيف اعتبرت الآية الكريمة: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}:

  • أ وّلا: ترتيب الشهور القمريّة منوطاً بالخلق، و عددها الاثنا عشر مرتبطاً بأصل التكوين والفطرة، و خلق السماوات و الأرض. مضافاً إلى أنها عرضت ذلك بوصفه الدين القيّم، أي: الثابت. وبعبارة أُخرى، أنّ السنين القمريّة و الشهور القمريّة هي دين الله‌

    1. حديث نبويّ رواه الشيعة و السنّة.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

124
  • القيّم الثابت وحكمه الذي لا يتغيّر و لا يقبل التحريف ما دامت السماوات والارض‌۱

  • مرحباً بهذا الدين ذي التاريخ الدقيق و المنظّم إلى درجة أنّ هذا اليوم الذي نحن فيه، و هو الرابع من ربيع الثاني سنة ألف و أربعمائة و خمس للهجرة، هو نفسه في أرجاء العالم كافّة، و بين المسلمين جميعهم بلا خلاف، فاليوم هو نفسه، و كذلك الشهر و السنة.

  • و الآن ندرك كيف حاول الاستعمار أن يخلخل هذا التاريخ القويم، و يقطع و شائج الوحدة بين المسلمين، و يقصّ هذا الحبل المتين على أساس الشهور و السنين الشمسيّة، مع أنّ بداية الهجرة محفوظة، أو على أساس استبدال التاريخ الهجريّ بالتاريخ الميلاديّ أو الشاهنشاهيّ. قَطَعَ اللهُ أَيْدِيَهُمْ، وَ تَبَّتْ كَلِمَتَهُمْ، وَ لُعِنُوا بِمَا قَالُوا وَ بِمَا عَمِلُوا، وَ ثَبَّتَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِدِينِهِمُ الْقَوِيمِ وَ صِرَاطِهِمُ الْمُسْتَقِيمِ، وَ على كَلِمَةَ المسلمينَ، و هي الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا.

  • ثانياً: من المنافع التي تدرّها السنون و الشهور القمريّة- كما

    1. في ضوء ذلك يقول الشيخ الطبرسيّ في تفسير «مجمع البيان» طبعة صيدا ج ٣، ص ٢۸ بعد تفسير هذه الآية المباركة: وفي هذه الآية دلالة على أنّ الاعتبار في السنين بالشهور القمريّة لا بالشمسيّة، و الاحكام الشرعيّة مُعَلَّقَةٌ بها. و ذلك لِمَا علم الله سبحانه فيه من المصلحة، و لسهولة معرفة ذلك على الخاصّ و العامّ.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

125
  • يبدو تطوّر أعمال المسلمين في جميع الفصول و الاوقات المختلفة من السنة. مثلًا صيام شهر رمضان يدور في الفصول المختلفة. و يصوم المسلم في الشتاء، و الربيع، و الصيف، و الخريف دون أن يكون هناك أيّ تخلّف. و في ضوء ذلك، مضافاً إلى أنّ طبيعته في الفصول الاربعة تحتاج إلى الصوم في الفصول الاربعة- حسب فهم الاحكام و القوانين من أصل الفطرة- و أنّ الفوائد الصحيّة للصوم تعود إليه بنحو تامّ. فإنّه يهيّي طبيعته و إرادته للجوع في أوقات طويلة و حارّة أيضاً. و في ضوء ذلك يتيسّر على المسلم الجهاد في سبيل الله، و هو الفريضة الواجبة و العامّة على الشيوخ والشباب و لا تختصّ بفصل الشتاء و اعتدال الجوّ. و ربّما تقع في الصيف القائظ. إذ يلزم على الامّة الإسلاميّة أن تنهض للجهاد ضدّ خصومها و تدافع عن حقوقها الحقة سواء في الجوّ الحارّ الشديد و النهار الطويل أو في البرد القارص و شدّته. و كذلك الحجّ الذي يقام في ذي الحجّة و يدور في الفصول الاربعة فإنّه يعدّ الإنسان للجهاد، والسفر في طرق نائية مهما كانت الظروف مضافاً إلى ما يقتطفه المسلم من ثمار الحجّ حتّى في البرد القارص و الحرّ الشديد.

  • و حصيلة القول: إنّه لمّا كانت طبيعة الإنسان تتغيّر في الفصول الاربعة على امتداد السنة، فإنّ الإسلام المرتكز على قاعدة الفطرة البشريّة قد وضع أحكامه و تعاليمه لتلائم طبيعة الإنسان في دورة

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

126
  • الفصول الاربعة.

  • و أمّا ما تناقلته الالسن و لاكته الافواه عن عيد النوروز، و أنّ الإسلام أيّده، و رغّب في الغسل و الصلاة و الدعاء عند تحويل الشمس في برج الحمل، فهو كلام عار عن الصحّة و مجرّد من الحقيقة.

  • فلم يرغّب الإسلام في هذا المجال قطّ، بل رفضه و اعتبر الاحتفال بهذا العيد كتقليد قوميّ بدعة من البدع. و الرواية الواردة في هذا الباب عن المُعلِّى بْنِ خُنَيْس ضعيفة السند. و الروايات و الاحاديث الاخرى على هذا المنوال. و الغسل و الدعاء أيضاً على أساس أدلّة التسامح في السنن في ضوء روايات: «مَنْ بَلَغَهُ ثَوَابٌ على شَيْ‌ءٍ فَأَتَى بِهِ الْتِمَاسَ ذَلِكَ الثَّوَابِ أوتِيَهُ وَ إن لم يَكُنْ كَمَا بَلَغَ»‌، فليس مشرّعاً للحكم، و لا أساس للتمّسك بتلك الروايات في هذا المجال. و في نيّتنا تأليف رسالة شاملة و كاملة حول عيد النوروز و عدم جواز التمسّك بأدلّة التسامح في السنن في هذا المجال بحول الله وقوّته، و لا حول و لا قوّة إلَّا بالله العلى العظيم.

  • وكذلك ورد النهي عن المهرجان و هو (عيد مهركان). واعتبر الشارع أنّ التمسّك بالنوروز و المهرجان من آداب الجاهليّة. و نأمل أن تظهر حقائق أكثر من خلال تأليف هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.

رسالة‌ جديدة‌ في‌ بناء الإسلام‌ علي الشهور القمرية - و تفسير آية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم‏)

127
  • إلى هنا ننهي حديثنا عن الشهور و السنوات القمريّة و الشمسيّة، و عن تفسير النسي‌ء الوارد في الآية الكريمة، و في الحديث النبويّ الشريف الماثور في حِجَّة الوداع؛ سائلًا الله أن يوفّقني و جميع المؤمنين و المؤمنات و يمنّ علينا بالعلم والعمل.

  • السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهراني‌