وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام 11842
مشاهدة المتن

المؤلّف العلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسم التاريخ و الاجتماع


التوضيح

مجموع مطالب هذا الكتاب التي جاءت على أساس الحقائق التأريخية على هيئة دروس ستة، من إنشاء سماحة العلاّمة آية الله مُدّ ظلّه للفضلاء من طلاّب مدينة مشهد المقدسة، وبجمع وتنظيم أحد الفضلاء.
وبعض عناوين مطالب هذا الكتاب عبارة عن: لزوم تشكيل الحكومة وإعداد مقدماتها، العلاقات الأكيدة للمؤلّف مع القائد الكبير للثورة سماحة آية الله الخميني قدّس سرّه في تشكيل حكومة الإسلام، سجن آية الله الخميني والنشاط الحثيث للمؤلّف في تخليصه من الإعدام، جريان معاهدة النقض القنصلي (كابيتولاسيون)، نصّ رسالة سماحة العلاّمة آية الله مُدّ ظلّه حول مسودّة القانون الأساسي إلى آية الله الخميني واقتراحاته العشرون إلى القائد الكبير للثورة بواسطة المرحوم الشهيد آية الله الشيخ مرتضى المطهّري، مع صورة كيفيّة تشكيل ثمان عشرة لجنة مختلفة الأثر في الجمعيّة الإسلاميّة لمسجد القائم في طهران.

/۲۲٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

1

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

2
  •  

  •  

  • مُقَدِّمَة سَمَاحَة العَلَّامَة آية اللهِ السَّيِّد مُحَمَّد الحُسَيْن الحسيني الطهْرَانّي‌

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

3
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وَ صَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • {وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}.۱

  • العزّةُ تعني الاستقلال، و الاعتماد على الذات، و الثبات و الرسوخ، و النهوض الذاتيّ، في قبال الذلّة التي تعني النُّكوص، و الانفعاليّة، و عدم الاستقرار، و الانهيار، و الاعتماد على الغَير.

  • و قد عدَّ القرآن المجيد العزّة من مختصّات الله و رسول الله و المؤمنين؛ حيث إنّها: أوّلًا و بالذات، مختصّة بالله سبحانه:

  • {أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}.٢

  • و كذا: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً}.٣

  • و ثانياً و بالعرض، مختصّة برسول الله، الذي تخطّى ذاته في مرحلة العبوديّة المطلقة، و عفّر جبينه بالتراب؛ و تختصّ بالمؤمنين حال اتّباعهم للرسول، و تخطّيهم لذواتهم و تحقّقهم بحقيقة الحقّ تعالى.

    1. الآية ۸، من السورة ٦٣: المنافقون.
    2. الآية ۱٣٩، من السورة ٤: النساء.
    3. الآية ۱۰، من السورة ٣٥: فاطر.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

4
  • المسلم عزيزٌ؛ لأنّ الإسلام هو التسليم للحقّ و كفى. و عليه فلا يُواجَه بالخيبة و الخسران في أيّ منزلٍ و طريق، و لا يخمد أو يتوقّف؛ و لا ينفعل و لا يقبل لنفسه غير الحقّ، لأنّه استمدّ العزّة من الله سبحانه.

  • قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: "مَن كَانَ لِلَّهِ كَانَ اللهُ لَهُ".۱

  • فلهذا، لا تثنيه المنعطفات، لا في المال، و لا في القوّة، و لا في الطريق و الاسلوب، و لا في العلم، و لا في الفكر و العقيدة.

  • أمّا عدم تاثّره بالمال: فلأنّ اقتصاد الإسلام هو يد الإسلام، و ليس للكفر أيّ تصرّف و تدبير فيه.

  • {وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً}٢

  • و أمّا من جهة القوّة، فالسيف دائماً في قبضة المسلم؛ و أينما حلّ السيف فهناك ستكون الحياة.

  • آزاديت به دسته‌ء شمشير بسته‌اند***مردان هميشه تكيه‌ء خود را بدو كنند٣
  • و قد شملت آيات الجهاد و وجوب الدفاع معظم القرآن العزيز.

  • {وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‌ءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ}.٤

  • و أمّا من جهة السياسة و المنهج، فالولاية و الإمامة من أهمّ مسائل‌

    1. جاء في «مرصاد العباد» ص ٤٦۸: و قال في ص ٦٦۰: حديث نبويّ ورد أيضاً في «كشف الأسرار» ج ۱، ص ٣۷۱ و ٥٦٢.
    2. الآية ٥، من السورة ٤: النساء.
    3. يقول: حرّيّتك مرهونة بقبضة السيف، و الرجال أبداً يعتمدون عليه».
    4. الآية ٦۰، من السورة ۸: الأنفال.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

5
  • الإسلام، إذ كان مدار الحكومة و السياسة قائماً على كون الحاكم في عهد رسول الله هو نفس رسول الله، ثمّ أوصياؤه بالحقّ، وصولًا إلى بقيّة الله الأعظم. النبيّ‌ {أَوْلى‌ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.۱

  • {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ}.٢

  • و قد نزلت هذه الآية في ولاية أميرالمؤمنين عليّ بْنُ أبي طالب عليه السلام، حين كان في حال الركوع فمدّ يده نحو السائل و تصدّق بخاتمه.

  • و أمّا من جهة العلم و الثقافة، فقد أضاءت علوم المسلمين الدنيا؛ و الكلّ يعترف بأنّ شرق العالم و غربه سيبقيان مدينين إلى علوم المسلمين في رُقيّهما و حضارتهما، و إلى آلاف السنين القادمة.

  • و أمّا من جهة الفكر، فالمسلم مفكّر، و هو صاحب منهجٍ و خطٍّ فكريّ ثابت.

  • {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ‌} (ممّن لا يتّفق معكم في الدين و المنهج، كاليهود و النصارى‌) {لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}.٣

  • و عليه، فإنّ عزّة الإسلام تتجلّى من خلال الاستقلال الاقتصاديّ، و السياسيّ، و العسكريّ، و الثقافي و الفكريّ. في قبال الذلّة الموجودة على كافّة الأصعدة التي إذا ما وجدتْ أرضاً رخوة متعفِّنة، أنبتت بذورها

    1. الآية ٦، من السورة ٣٣: الأحزاب.
    2. الآية ٥٥، من السورة ٥: المائدة.
    3. الآية ۱۱۸، من السورة ٣: آل عمران.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

6
  • و ترعرعت.

  • و على أثر غفلة و تغاضي المسلمين و عدم اهتمامهم بالامور المهمّة الأصيلة، و الغفلة أو التغافل عن العواقب الوخيمة الموحشة لذلّ عبوديّة الكفّار، فقد رضخوا للأسر فنفذ الكافر في جميع شؤونهم:

  • ففي الاقتصاد، أغار المستعمِر على التجارة و الصناعة، و نهب الثروات المعدنيّة و الزراعيّة و الحيوانيّة.

  • و في المجال العسكريّ فقد احتلّ المستعمِر بلدانهم بجيوشه الجرّارة المجهَّزة، و غلبهم و نكبهم بأجهزته المتطوّرة.

  • و على الصعيد السياسيّ، فقد انتزع المستعمِر منهم الرئاسة و الحكومة، و تآمر عليهم، و اختلس منهم السياسة و تدبير الامور و القدرة على تشخيص النافع من الضارّ.

  • و على الصعيد الثقافي، فقد اختطف المستعمِر علومهم و آدابهم و كتبهم و مدارسهم و أخلاقهم و شمائلهم، و بدلًا من ذلك أشرب فيهم عاداته و آدابه المشؤومة.

  • و الأشدّ قبحاً و الأكثر كراهة من ذلك: الاستعمار الفكريّ، فقد أغلق المستعمِر على المسلمين أبواب أفكارهم، و سدّ عليهم طريق التعقّل و جادّة التفكير، بحيث جعلهم لا يقوون على التفكير بشكل صحيح، ممّا أدّى إلى أن تكون طريقة تفكير المسلمين حسب ما تمليه عليهم إرادة المستعمِر، فأضحوا يميلون إلى ما يُريد، و يبتعدون عمّا لا يُريد.

  • فكانت هذه المصيبة الكبرى، كالجذام الذي ألَمَّ بجسد المسلمين.

  • إذ كيف للمسلم الذي يقف بثبات أمام الكفر على كافّة أصعدته من العقيدة و الأخلاق و العادات و التقاليد، و الذي لا عِزّ له غير ذلك، أن يكون كمن دار حول نفسه في زاوية منفرجة، ليقف في مسير الكفر و اسلوبه‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

7
  • وصفاته وافعاله، ويرغب بها؟

  • و لمّا استيقظ المسلمون من نوم الغفلة، و رأوا أنفسهم في حالة ضياع، و شعروا بألم الصفعة و الغارة التي تعرّضوا لها، عندها أخذوا يعدّون العدّة لتلافي ما فات، ففركوا أعينهم ليصحوا من آثار الخدر و الثمالة، فكانت ثمّة نظرة إلى الوراء و إلى الطريق الشائك الذي سلكوه، و ثمّة نظرة إلى الأمام و الخطو في طريق العزّة، على أمل نيل فضل و رحمة الحقّ جلّ شأنه.

  • {وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‌ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‌}.۱

  • و سيُحرز المسلمون جميع هذه الخصال و المزايا حينما يحكمون أنفسهم بأنفسهم، و يكون منهم الآمر و الناهي فيهم، و كذا قائد القوّات، و المعلِّم في مجال التربية، و المسؤول على الأموال، و القائد و الموجِّه في مجال الثقافة و الفكر، أي أن يكون لهم استقلالهم السياسيّ، و لا يمكن جني ذلك إلّا تحت ظلّ حكومة الإسلام.

  • إن تشكيل حكومة الإسلام، و الخروج من ربقة الكفر و ولاية الأجانب من اليهود، و النصارى، و المجوس، و المشركين، و الماديّين، و المنافقين، لهو من أوجب الفرائض الإلهيّة، و من ألذّ ثمار تلك الشجرة التي يمكن للشخص المسلم معها أن يستثمر بقيّة مزاياه الإنسانيّة سواء الفطريّة أم العقليّة أم الشرعيّة و يستفيد منها، و بدون ذلك فستكون تلك المزايا باهتة و ضحلة، إذ لا يبقى من الإسلام إلّا اسمه، و من القرآن إلّا درسه، و من الحجّ إلّا صورته، و من الصلاة إلّا هيكلها.

    1. الآية ٩٦، من السورة ۷: الأعراف.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

8
  • و نحن لم نجد في تأريخ الإسلام حكومة واقعيّة حقّة و اسلوب رئاسة لجماهير المسلمين إلّا في عهد رسول الله و في الفترة المحدودة لخلافة أميرالمؤمنين عليهما أفضل الصلوات و السلام. أمّا في فترة الخلافة بعد رسول الله، فقد ابتليت الحكومة بانحرافات و غدت كحجر الطاحونة الذي قلق عن محوره، و انحرف إلى حدٍّ استحال تلافيه.

  • أمّا في فترات بني اميّة و بني مروان و بني العبّاس، فقد تحوّلت حكومة الإسلام إلى حكومة ملكيّة مُطلقة؛ و أصبحت مفاهيم المساواة و المواساة و الجهاد في سبيل الله بين أوساط الطبقة الحاكمة ذات مفاهيم لا تتجاوز حدود جمع الثروات، و حبّ السلطة، و الترف، و العيش الرغيد، و الحياة الناعمة.

  • و على الرغم من ذلك، بما أنّ محور الحكومة قد ابتنى على أساس الإسلام، و أنّ قوانينها لم تكن غير القرآن و السنّة، و أنّ جميع عالَم الحكومة قد تمثَّل في حكومة واحدة، فقد استقرّ الناس تحت ظلالها، و استفادوا من بعض المظاهر الإسلاميّة الشكليّة التي كانت سائدة، و لم تكن يد الكفر و الطغيان و الإلحاد لأعداء الإسلام قد استطالت بعدُ على كيان المسلمين، فبقي المسلمون مصونين من تسلّط الكفّار من اليهود أو النصارى أو الدهريّين.

  • أمّا بعد انقراض دولة بني العبّاس و انتهاء دور مركزيّة الحكومة، و تجزئة دولة الإسلام بين مختلف السلاطين، و ظهور ملوك جُدد، كالمغول و غيرهم، فقد ظهرت آثار الضعف على مراكز الحكومة، فتطاولت يد العدوان و التجاوز للمسيحيّين السفّاكين على بلاد الأندلس، و قمعت المسلمين هناك، و حاربت أدب و علم و ثقافة و عقيدة و شرف تلك البلاد، و ظهرت في تلك القرون الحروب الصليبيّة ضدّ المسلمين، فانسلخ‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

9
  • المسلمون هناك عن وحدة الإمارة و مركزيّة الحكومة، و ضاعوا بين أودية الحيرة و التِّيه و ابتلوا بمواجهة هجوم الكفّار الغادر.

  • حتّى وصلوا على ما قاله غوستاف لوبون إلى حالٍ لم يبقَ فيها للمسلمين من الحكومة السياسيّة سوى ما سُطِّرَ في كتب التأريخ، لكنّ الديانة التي أرست أساس هذه الحكومة كانت لا تزال على وسعتها في تزايد، و كان ظلّ نبيّ الإسلام ما برح يبسط ظلاله الوارفة من قبره على ملايين النفوس، و يشعّ عليها بأنواره، من مراكش إلى الصين، و من بحر الروم حتّى خطّ الاستواء، و كذا في أفريقيا و آسيا.۱

  • لقد تدارستُ كثيراً منذ قديم الأيّام مواضيع إحياء دولة الإسلام، و كيفيّة الحكومة، و مقوّمات الإمارة، و اسلوبها البديع الرائع، و تناولت الحديث بها مع الطلّاب في جلساتهم و حلقاتهم، و عزمت مرّات عديدة على تأليف كتاب نفيس حول هذه الدولة على ضوء المواضيع القرآنيّة و التفسيريّة و الاستفادة من نهج و سيرة الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم، آخذاً بنظر الاعتبار الكتب المؤلَّفة في هذا الموضوع، لترسيم طليعة تلك الحكومة في الأذهان و البشارة بشعاعها المتلألئ من بعيد.

  • لكنّ توارد الهموم و الانغمار في كثرة الأشغال اليوميّة المستمرّة مع الطلّاب و المحقّقين في العلوم الإسلاميّة الأصيلة قد ألحقت بذلك العزم الإرجاء، حتّى شرعتُ بعد رجوع القائد الفذّ، و مؤسِّس حكومة الإسلام: سماحة آية الله الخمينيّ رحمة الله عليه، من باريس إلى طهران، بتقديم درس تحت عنوان «دولة الإسلام» في طهران جرى تسجيله على أشرطة

    1. «تمدّن اسلام و عرب» (حضارة الإسلام و العرب) ص ٥٦٩، الباب الخامس، الفصل الثالث، الدين و الأخلاق، الطبعة الثانية.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

10
  • التسجيل.

  • و لم تُعِقني كثرة المشاغل عن تنفيذ، و متابعة، و تصحيح، و تنقيح، و طبع ذلك الدرس فحسب، بل منعتني من الاستمرار في البحث، فبقي مبتوراً.

  • و خلال مدّة إقامتي في أرض خراسان المباركة، عند عتبة الإمام الرضا عليه أفضل السلام و الإكرام، و حصر اهتماماتي و انشغالي في المسائل العلميّة دون سواها، لكنّ الاهتمام في تدوين اصول معارف الإسلام من «معرفة الله»، «معرفة الإمام»، «معرفة المعاد» للمسلمين الذين فتحوا أعينهم في إيران على هذا النور المحيي، و النسيم المنعش، لم يُبقِ مجالًا للتوفيق في تدوين «حكومة الإسلام» في كتابٍ مستقلٍّ، مع أنّ بيان الكثير من أحكام حكومة الإسلام قد تحقّق بين طيّات المواضيع الآنفة الذكر، و المستقبل موكول بما يشاء الله سبحانه؟

  • هل يوفّقنا لتدوين هذا الكتاب بعد إتمام دورة المعارف، و الانهماك في بقيّة المواضيع المختارة في دورة العلوم أو لا؟ بِيَدِهِ الأمْرُ وَ هُوَ على كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ.

  • الآن بعد رحيل القائد الفقيد و قد كنّا على أعتاب أيّام التأبين لذلك الرجل الكبير، و حيث إن كثيراً من الطلّاب يستفسرون عن وظيفتهم بعد رحيله، فقد ارتأيت أنّ من المصلحة أن أجمع تلك المواضيع و احاول بيان بعضها لإيضاح الوظيفة الشرعيّة و التكليف الإلهيّ، و منعاً لتكرار الأسئلة و الأجوبة.

  • و هذه المباحث عبارة عن تقريرات لستّة دروس مُسَجَّلة على أشرطة التسجيل، تمّت كتابتها على ما كانت عليه في الأشرطة، ثمّ قام الفاضل الجليل سماحة حجّة الإسلام: الحاجّ الشيخ محسن سعيديان وفّقه الله‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

11
  • لمرضاته و هو من أعزّ الفضلاء و المدرّسين، و كان من المستمعين لتلك الدروس بمهمّة كتابتها و تنقيحها.

  • عسى الله جلّ شأنه أن يمنّ علىَّ بالتوفيق مجدّداً لُاطالع الكتاب مرّة اخرى بإمعان، و أستدرك عليه بعض الزيادات اللازمة، ليكون مؤهّلًا للنشر و الاستفادة منه من قِبَل الإخوان في الإيمان و الأخلّاء الروحانيّين.

  • و كنتُ كذلك قد كتبتُ رسالة إلى سماحة القائد الكبير حول مُسوَّدة القانون الأساسيّ، طُبعت و نُشرت من قِبَل الجمعيّة الإسلاميّة لمسجد «القائم» في طهران، مع إدراج صورة توضيحيّة لكيفيّة تشكيل اللجان الثوريّة التي كانت تحت إشراف رئاسة هذه الجمعيّة في آخر تلك الرسالة، ليطّلع عليها المحقّقون و المهتمّون بيُسر و سهولة، خلال الإشارة إليها أثناء الدروس.

  • وَ مَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إلَيْهِ انِيبُ.

  • مشهد المقدّسة ۱٩ محرّم الحرام ۱٤۱۰

  • السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهرانيّ‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

15
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ بِهِ نَسْتَعِين 

  •  

  • ‌ 

  • مقدِّمة المُعِدّ

  • "إ ذَا ظَهَرت البِدَع، فعلى العالِم أن يُظهر عِلمه و إلّا فعليه لعنةُ الله".۱

  • يا له من زمانٍ مظلم بهيم كانت الخفافيش المصّاصة للدماء تحتفل فيه بغروب الشمس، لتقطع شفاه الحقّ القانية الدامية فتقدِّمها هديّة لأسيادها من أجل ياقوتة حمراء، و تحوِّل الشال الأخضر لأبناء رسول الله إلى حبل إعدام ليحصلوا على الياقوت الأخضر، و تصنع من صفرة وجوه اليتامى إكليلًا، ثمّ تمزج الحُمرة بالصفرة و الخضرة، فتصوغ منها تاج العار و الذلّة.

  • أجل، إن الطاغية المتعجرف قد أغار على هذه المملكة، حتّى ارتدى تاج حكومتها، فوأد البلابل المغرِّدة بصوت الحقّ حيّة في التراب، و دعا الغربان السود إلى الرياض بدلًا منها. أجل، فقد كان الدين و التديّن في ذلك الزمان العوبة بِيَدِ من لا شعور له، حيث قدّموا للناس كلَّ ماءٍ آسنٍ باسم ماء الحياة، و كلَّ قانونٍ فاسدٍ باسم الثورة البيضاء، حتّى أشرق فجأة نداء إمامنا المعصوم في القلوب الطاهرة

    1. انظر: قواعد الأحكام ج ٢، ص ٣٤۷؛ و تحرير الأحكام ج ۱، ص ٣؛ و مختلف الشيعة، للعلّامة الحليّ ج ۱، ص ۱٥٣؛ و إيضاح القواعد ج ٤، ص ۷٥٥؛ و الروضة البهيّة (شرح اللمعة)، للشهيد الثاني ج ٥، ص ٤۰٩؛ و كشف اللثام، للفاضل الهنديّ، و فيه إضافة: فمن لم يفعل مع الإمكان فعليه ... ج ٢، ص ٥٣٣؛ عوائد الأيّام، للمحقِّق النراقيّ، ص ۱۱۱ و ... و جاء في الجميع: إذا ظهرت البدع في امّتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

16
  • لرجال الدين و العلماء الربّانيّين، حيث قال:

  • "إذا ظهرت البِدَعُ فعلى العالِم أن يُظهر علمه، و إلّا فعليه لعنة الله".

  • و قد شاهدنا جميعاً أنّ يد القدرة الإلهيّة قد ظهرت من بين أكمام الغيب، و أنّ الشعب قد انتفض و سلك طريق عظمته و تعاليه بشكل جعل تلك الخفافيش خاضعة ذليلة، كما أفشل مخطّطاتها في محاولة إخفاء الشمس المتلألئة، و أبطل مساعيها من أجل إخماد نورها الساطع، فقد شاءت الإرادة الإلهيّة للحقّ تعالى بأن يكون صدى هذه الدعوة رنّاناً في جميع أرجاء العالم الإسلاميّ، و ليدوّي نداء التكبير من هذا البلد إلى ما شاء الله، ليكون مقدِّمة موطِّئة لظهور المصلح الإمام بقيّة الله الأعظم الحجّة ابن الحسن العسكريّ.

  • و سنبيِّن لكم بعون الله تعالى في هذا الكتاب جانباً من هذا الحدث النورانيّ و الثورة الإسلاميّة المقدَّسة.

  • أعزّائي القرّاء!

  • إن الكتاب الذي بين أياديكم عبارة عن مجموع ستّة مجالس للدرس و الخطابة لسماحة العلّامة آية الله السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهراني مدّ ظلّه العالي،۱ قدّمها لبعض الطلّاب و الأصدقاء في مدينة مشهد المقدّسة من اليوم الثاني عشر حتّى السابع عشر من شهر ذي القعدة لسنة ۱٤۰٩ هـ ، و بحث خلالما أحد الأبعاد العديدة للثورة الإسلاميّة المقدّسة، و هو أسمى‌ أهداف هذه الثورة، ألا و هو «استقرار حاكميّة الإسلام و الولاية الشرعيّة» إذ إن تحقّق الحكومة الإسلاميّة يغطّي على جميع المسائل الاخرى، و ينبغي أن يتمثَّل جلّ جهد الإنسان المسلم في استقرار حاكميّة الإسلام في

    1. تمّ إعداد هذا الكتاب في حياة سماحة العلّامة قدّس الله نفسه الزكيّة. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

17
  • المجتمعات البشريّة، و من ثَمَّ السعي الحثيث الجادّ من أجل حفظ هذا الاستقرار بكلّ ما اوتي من قوّة.

  •  

  • مشهد المقدّسة

  • الأحقر محسن سعيديان‌

  • الثامن من محرّم الحرام ۱٤۱۰ هـ .

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

19
  •  

  •  

  • الدَّرس الاوّل: لزُوم تَشْكِيل حُكُومَة الإسْلام وَ تَهْيئَة مُقَدِّمَاتِهَا

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

21
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم‌

  • وَ صَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • ليس من جديد في أكثر المواضيع التي سأعرضها اليوم، و لطالما نُشرت متفرِّقة هنا و هناك، و سأجمع هذا الشتات بما يسعني من توفيق الله، على أن اوكل البقيّة إلى الجلسات الآتية حتّى يتّضح روح و سرّ هذه المواضيع.

  • يدور أصل الموضوع حول الولاية الشرعيّة للعليّ الأعلى سبحانه التي جعلها غير مهملة في حياتنا على الأرض، و التي أراد بها أن تكون حركتنا على أساس صحيح و خُطى صائبة و بصورة خاصّة، و هو الذي اطلق عليه: الصراط المستقيم إلى الله. و وصول الإنسان إلى الصراط المستقيم معنى دقيق له لطافته و عُمقه.

  • و ذلك أنّ الصراط المستقيم واحدٌ، أنّه: أدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ وَ أحَدُّ مِنَ السَّيْفِ.

  • ينبغي للإنسان حين يعيش في الدنيا أن تكون حجّته معه إذا فاجأه الموت أيّة لحظة، و أن يكون قلبه محكماً، و غير متزلزلٍ؛ و كلّ ما يريده ربّ الكون و الأرواح الطيِّبة و النفوس الزكيّة من الإنسان أن يكون قد أدّى ما عليه بحسب قدرته و سعته.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

22
  • و كنت في هذا الخصوص أعيش حالة الهمّ و الغمّ منذ الطفولة، حتّى أنّيّ أذكر حينما كنتُ في السادسة أو السابعة من عمري، أنّ المرحوم والدي رحمة الله عليه كان يدير مجالساً في طهران، و يؤُمّ المصلّين في أحد مساجدها، حينما بدت ظواهر الدعوة إلى التبرّج، و محاربة الحجاب و مجالس العزاء، و حظر الوعظ و الإرشاد في طهران و سائر المناطق الاخرى؛ و كان والدي يأخذ بيدي و أنا في ذلك العمر و يصحبني معه إلى تلك المجالس.

  • و كانت أذهاننا مشغولة فيما يجري حينها؛ فمثلًا نحن رأينا و الدنا و عرفناه كإنسان مستقيم في نهجه، كلامه صحيح صائب، فلماذا يخالفه الجهاز الحاكم؟ لماذا ينزعون القبّعة العاديّة المحلِّيَّة من على رؤوس الرجال و يبدلونها بقبّعة اخرى؟ لماذا يهتكون حجاب المرأة؟ و لماذا يركل رجال الشرطة النساء و يسحبون الحجاب من على رؤوسهنّ و يُمزِّقونه؟!

  • كانت هذه الأفكار تجول في ذهني؛ و خلاصة المآل، كنتُ ألعنهم في باطني، إذ ما هذه الحياة التي نعيشها، حين تراهم يجبرون الإنسان بالحراب، و يقولون للمرأة: اكشفي حجابكِ! أو: قصِّري لباسك؟ أو يقولون للرجل: أحْلِقْ لحيتك! أو: يجب أن تلبس القبّعة الفلانيّة!

  • فترة الظلم الملكيّة الحالكة

  • لقد اجبِر الناس في ذلك الوقت على لبس القبّعة، فإن رفض أحدهم وضع القبّعة على رأسه و لم يُستثن من ذلك حتّى الكسبة و العمّال و البنّائين اخذ و حُبس في أحد مراكز الشرطة، و لاقى هناك ما يلاقي من الجَلد و التعذيب! و كان ذلك الوضع عجيباً جدّاً.

  • و استمرّت الحال على هذا المنوال حتّى اكتسبت مسألة إلغاء الحجاب و إعلان التبرّج طابعاً عمليّاً و رسميّاً في سنة ۱٣٥٤ هجريّة قمريّة قبل ما

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

23
  • يقارب خمس و خمسين سنة و كانت الأوضاع في ذلك الزمان مخجلة جدّاً، و يدرك مدى بشاعتها كلّ مَن عايشها، فهي غير قابلة للتحدّث عنها أو الكتابة حولها.

  • و كان المرحوم والدي ملتزماً في أوائل عهد رضا خان البهلويّ بارتقاء المنبر بعد إقامة الصلاة بإمامته في مسجده، و كنت حينذاك يافعاً، و لا أذكر تفاصيل ذلك الوقت جيّداً (و هو الوقت الذي تمّ فيه التتويج المؤقّت، من بعد أيّام التاسع من آبان ۱٣۰٤ هـ. ش)۱ حيث قال والدي آنذاك من على المنبر: أيّها الناس! استيقظوا؛ فإنّ المخاطر المهولة تتحرّك باتّجاهنا، و لقد حذّر النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم الناس من زمن تهبّ فيه ريح صفراء من جهة الغرب، فيستيقظ الناس صبيحة أحد الأيّام، فيجدون دينهم و إيمانهم قد ضاعا من أيديهم.

  • و هذا اليوم هو ذلك اليوم الموعود، فقبل مائة سنة رفع غلادستون الإنجليزيّ القرآن و رماه على منصّة الخطابة، و قال: يا عينة أعيان الإنجليز! مادام هذا الكتاب في المجتمع الإسلاميّ، فمن المستحيل أن يُطاع لنا أمر في مستعمراتنا! يجب إزالة هذا القرآن من على الأرض!

  • و قد تحدّث أبي من على المنبر في هذه المواضيع، ثمّ تطرّق إلى ما ستؤول إليه الحال من جرّاء الحوادث الواقعة بما فيها من هجمة المفاسد و الغزو الاستعماريّ الرهيب؛ و رفع يديه في آخر كلامه للدعاء لمن يعيش حالة اليقظة و الحفاظ على دينه رغم الصعاب الحاصلة، فدعا لهم بالحفظ، ثمّ لعن أعداء آل محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم و كلّ مَن قصد النيل من الدين.

    1. الموافق للسابع عشر من تشرين الأوّل ۱٩٢۱ م. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

24
  • و حكت لنا الوالدة أنّ مجموعة من رجال الشرطة داهمت بيتنا بعد عودة أبي بساعة و معهم أمر بإلقاء القبض، فاقتادوا أبي و كان صائماً إلى مركز الشرطة، فقام والدي بإبلاغ عمّنا السيّد محمّد كاظم بالإشراف على بيتنا و رعاية أموره، ثمّ قال لأفراد العائلة: أنّيّ ذاهب إلى مكان ما لإنجاز أحد الأعمال.

  • و قد اقتيد والدي إلى مركز الشرطة، ثمّ نقل على الفور إلى دائرة الأمن و وضع في إحدى زنزانات الحبس رقم واحد، و بات هناك ليلة و نهارها دون استجواب، و لم يأتِ أحد للتحدّث معه بشي‌ء يذكر، و لم تُوَجَّه إليه أيّة تهمة!

  • و رويداً رويداً تعالت أصداء الاعتراض من طهران، و بذل بعض الأشخاص بعض الجهود و المساعي، و من جملتهم آية الله الميرزا محمّد رضا الشيرازيّ ابن المرحوم آية الله الميرزا محمّد تقي الشيرازيّ رحمة الله عليه و كان والده استاذاً لوالدي حيث بعث ببرقيّة إلى الملك بهذا الخصوص؛ و كذلك فقد قرّر جمع من أهالي تلك المحلّة و بعض الذين تغلي في عروقهم الغيرة الدينيّة الذهاب إلى قصر الملك في اليوم التالي و رميه بالحجارة، لكنّ الوالد قد اطلق سراحه بعد أربع و عشرين ساعة من الاعتقال.

  • لقد ذكرتُ آنفاً أنّ ذلك قد حدث و أنا صغير السنّ جدّاً و ضعيف الإدراك، لكنّ خلاصة الوضع يومذاك، أنّ أحداً لو قال «اهتموا بدينكم و إيمانكم» لكان قوله بمثابة جريمة نكراء، و ذروة حالات الشغب!

  • التبرّج‌

  • لقد أقرّت الدولة التبرّج رسميّا، ثمّ أنشأتْ كلّيّة المعقول و المنقول لضعضعة طلبة العلوم الدينيّة و الإطاحة بالحوزات العلميّة؛ و ضيّقت على المنابر، و قالت: ليس من حقّ أحد ارتقاء المنبر، لأنّهم كانوا قد مزّقوا

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

25
  • جميع العمائم، إلّا عمائم اولئك الذين حصلوا على إجازة رسميّة، و كانوا قد أجبروا كلّ معمّم على الحضور في مركز الشرطة و أخذوا منهم تعهّداً بخلع العمامة بعد انتهاء مهلة معيّنة و مزقوا الرداء الخاصّ برجال الدين (القَباء).

  • قال المرحوم والدنا: أنا لا أخلع عمامتي و لا أروم الحصول على الإجازة الرسميّة لارتدائها، لأنّيّ لن أضع على رأسي عمامة تُجيزها الدولة! و كان جميع علماء طهران بلا استثناء قد حصلوا في تلك الفترة على إجازة من الدولة للبس العمامة و كان من يرتدي العمامة مُجبراً على أخذ الإجازة، لأنّهم كانوا سيرفعونها عن رأسه بوقاحة فيما لو لم يتّخذ ذلك الإجراء.

  • قال والدي: يمكنني القيام بعملي و تأدية وظيفتي ولو بدون عمامة، و سأخرج في هذا القَباء و هذه اللبّادة،۱ و أضع القبّعة على رأسي ليلًا، و لن يكون لي من شغل شاغل من الصباح حتّى الغروب سوى التجوال في الشوارع.

  • قيل له: لماذا التجوال؟

  • قال: حتّى يراني الناس! و هذا هو إعلامي و إرشادي لا غير؛ و هذه هي وظيفتي التي سأنجزها في الوقت الحاضر.

  • و كان الوالد ملتزماً بزيارة كربلاء في كلّ عام مرّة، و بإحياء ذكرى عاشوراء هناك خلال العشرة الاولى من شهر محرّم فكان مسؤول الجوازات يقول له لعدّة سنوات قبل أن يسلّمه جواز السفر: يجب أن يكون الزيّ بدون عمامة، فيقول: أنا لا أذهب إلى كربلاء بدون عمامة أبداً، و لا أضع صورة على الجواز بدون عمامة. و كانوا يصرّون: إذا أردت جوازاً

    1. و هو ما يلبس فوق القباء لاتّقاء البرد و المطر (شبيه بالسترة المعروفة). (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

26
  • للسفر، فنفِّذ ما نقول. قال: لن أذهب إذاً. و فعلًا لم يذهب إلى كربلاء حتّى انحلّ ذلك الجهاز الحاكم، فسُمِحَ بأخذ الصور بالعمامة و إلصاقها على الجوازات.

  • لمّا أرادت الدولة إعلان التبرّج أصدرت أوامرها للنقابات المهنيّة في طهران و المدن الاخرى بإقامة حفلات ترفيهيّة، على أن يشارك الجميع مع نسائهم و هنّ سافرات، و كلّ منهنّ تضع على رأسها قبّعة نسائيّة على ما هو متعارف في عالم الغرب؛ و قد توسّعت دائرة هذه الحفلات فشملت مختلف الدوائر الرسميّة، و مديريّات الشرطة، و المحاكم، و المجلس، و الكسبة، و التجّار، و أرباب المهن، و اقيمت في جميع المدن.

  • كفاح المرحوم والد المؤلِّف‌

  • و كانت الدولة قد أجبرت السادة العلماء حينذاك على إقامة مجالس على ذلك الغرار، و كان على جميع العلماء أن يشاركوا فيها، ثمّ عيّنوا أربعة من العلماء المشهورين و من الطراز الأوّل في طهران ليقيموا تلك المجالس، على أن تجري دعوة الجميع مع عقائلهم؛ و هؤلاء الأربعة هم: والدنا، و المرحوم آية الله الشيخ على المدرِّس، و المرحوم آية الله إمام الجمعة في طهران، و المرحوم آية الله شريعتمدار الرشتيّ؛ حيث عُيِّن هؤلاء الأربعة كرؤساء على أن يدعوا جميع العلماء مع نسائهم اللاتي ينبغي أن يحضرن و هنّ سافرات إلى كلّ واحد من تلك البيوت الأربعة.

  • و كان ذلك الزمان غير هذا الزمان، بل و غير زمان محمّد رضا أيضاً، فصحيح أنّ عصر محمّد رضا تميّز بالشدّة و الضغط، لكنّه كان يجري وفق برنامج مدروس. أمّا في تلك الفترة فلم يكن إلّا الإهانة و الغدّارة۱ و البندقيّة، و مَن لم يكن على منوالهم فيسأخذه الشرطيّ إلى حيث يريد،

    1. نوع من السلاح (آلة جارحة تقوم مقام الخنجر) كان يستعمل في ذلك الزمان. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

27
  • هكذا كان الوضع، بل و نفس رضا شاه الملك قد كرّر حالة نزوله من سيّارته عند مروره في شوارع المدينة، ليركل إحدى النساء في بطنها و يكشف حجابها من على رأسها؛ أجل، كان رضا شاه على هذه الشاكلة.

  • و من أراد الاطِّلاع على التاريخ الصحيح لهؤلاء ولو إجمالًا فليراجع كتاب حسين مكّي الموسوم بـ «مقدّمات تغيير سلطنت» (= مقدّمات تغيير المَلَكيّة) في ثلاثة أجزاء تقع في ألف و خمسمائة صفحة تقريباً، و قد استعرت الكتاب المذكور يوم كان ممنوعاً من أحد السادة العلماء في قم و كنت آنذاك فيها هو آية الله الحاجّ السيّد أحمد الزنجانيّ، ثمّ تمكّنت من الحصول عليه بعد مدّة و هو الآن في حوزتي؛ و يحوي الكتاب تفاصيل الانقلاب العسكريّ الذي قاده نورمان الإنجليزيّ عن طريق السيّد ضياء و رضا خان، و ما تلى ذلك الانقلاب، و كيفيّة انتهاء عهد أحمد شاه و ظهور البهلويّة و رضا خان، و من الضروريّ أن يطّلع الجميع على هذا الكتاب، و خاصّة على حياة أحمد شاه لأهمّيّتها، و قد ألّف حسين مكّي كتاباً خاصّاً تحت عنوان «زندگاني أحمد شاه» (= حياة أحمد شاه) يحوي الكثير من التفصيلات، كما ألّف ملك الشعراء «بهار» كتاباً حول حياة أحمد شاه.

  • على أيّة حال، فقد تقدّم أنّ والدنا هو أحد المخاطبين بأمر الدولة بإقامة دعوة العلماء؛ و كان مدير الأمن هو العميد محمّد خان الدرگاهيّ، الذي ينبغي عدّه من أشرار الزمان، ففي شرّه و جرائمه من الصور ما يعجز المرء عن وصفها، و هو من حثالات رضا خان. و كانوا إذا ألقوا القبض على شخص ما ساقوه إلى حيث لا رجعة، و لم يكن من معنى لعودة مَن يُعتقَل، و لا حصر للأفراد الذين قُتلوا على أيديهم، و لا الرؤوس التي وضعوها في أوعية جلديّة ثمّ صبّوا عليها الكلس و أغلقوها.

  • كان والدنا في ذلك الوقت مصاباً بحمّى التيفوئيد و قد رقد في البيت‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

28
  • للمعالجة، و كان أحد مأمومي مسجده مسجد لاله زار صاحب دكان لتصليح الساعات في شارع إسلامبول اسمه السيّد علي رضا صدقي نجاد و هو رجل متديّن، لكنّه بحكم مهنته كان قد تعرّف على العميد محمّد خان الدرگاهيّ.

  • في ظهيرة أحد الأيّام، بينما كنتُ راجعاً من المدرسة إلى البيت، و كانت حقيبتي في يدي و أنا صغير السنّ، دخلت القسم البرّانيّ من البيت لأجلس عند أبي حيث كان مضطجعاً هناك و هو مريض و إذا بالباب يُطرق، و كان الطارق السيّد علي رضا صدقي نجاد و قد جاء لعيادة والدنا، فجلس و استفسر عن وضع الوالد، و كان الوالد حينها في حالة غير جيّدة، و في أثناء الحديث قال السيّد علي رضا: جاءني العميد محمّد خان الدرگاهيّ إلى الورشة و قال لي: اذهب إلى السيّد و أخبره بأنّه أحد الأربعة المعيّنين لإقامة تلك المجالس المقرّرة في طهران. ولكنّني قلت له: إن السيّد مريض، و هو الآن على فراش المرض. فقال العميد: سنصبر حتّى تتحسّن حالته الصحّيّة؛ سنصبر.

  • و ما أن سمع والدنا هذه الجملة حتّى انتفض و قام من نومته، ثمّ جلس على السرير قائلًا: خسئتَ إذ قلتَ أنّ فلاناً مريض، من أين جاءني المرض؟ ها أنا سليم معافى! فهذا الدرگاهيّ ابن الكلب، ابن الزنا، عديم الغيرة يتصوّرنا مثله!

  • ثمّ راح يتكلّم بالألفاظ الفاحشة القبيحة جدّاً، ليس من تلك الألفاظ الفاحشة العاديّة ... و كان يقول هذا الملوط به مجهول الأب إشارة إلى رضا خان الذي جُلِبَ من مازندران و كان يُقال في المحافل إن جدّة رضا خان جلبته من مازندران، و هذا يعني أنّه مجهول الأب هذا اللوّاط الذي أخذ بيد بنتَيه (أشرف و شمس) في احتفالٍ في السابع عشر من شهر

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

29
  • دي‌۱ و جعلهما فرجة لأفراد جنده، هل يتصوّر أنّنا مثله بدون غيرة، كي نعرض بناتنا أمام الناس؟ كي نُريهم نساءنا؟

  • ثمّ عاد إلى الشتم و السباب بتلك الألفاظ، و احمرّ لونه كالتوت الشاميّ، أمّا ذلك المسكين سيّد علي رضا فقد اختطف لونه و صار كالليمونة، كأنّه لون محتضر!

  • ثمّ قال له: اذهب لولد الزنا هذا إشارة إلى العميد الدرگاهيّ و بلِّغ هذا الغول الصحراويّ عين ما تسمعه منّي: نحن عندنا دين، عندنا شرف، عندنا عِزّة، نحن مسلمون، عندنا حَياء، نساؤنا عفيفات، نجيبات، فأبْعِدْ هذه الخيالات عن رأسك!

  • أمّا أنا، فلا أملك إلّا رأساً واحداً، ولو كان لي عدّة رؤوس لضحّيتُ بها جميعاً على هذا الطريق، لكنّني للأسف لا أملك إلّا رأساً واحداً! أمّا زوجتي و أطفالي، فلا يستطيعون أن يأخذوهم ولو بعد قتلي إلّا بعد أن يوثقونهم بالحبال و يجرّوهم إلى الزقاق، و عندها سيلفظون أنفاسهم بدورهم. فانهض و اذهب!

  • قال صدقي نجاد: جناب السيّد! كيف لي أن أقول للعميد هذا الكلام؟ أذهبُ و أقولُ نفس هذه الكلمات! كيف أقول؟!

  • قال: ستُحرم من شفاعة جدّي يوم القيامة إذا أنقصت حرفاً ممّا قُلتُه لك.

  • قام السيّد علي رضا صدقي نجاد و انصرف و هو كئيب منزعج.

  • ثمّ نقل لنا والدنا فيما بعد أنّ العميد محمّد خان ذهب إلى دكان سيّد علي رضا، فنقل له ما جرى بحذافيره، فهزّ العميد رأسه و قال: سنرى ... .

    1. المصادف للسادس من كانون الأوّل في التقويم الميلاديّ. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

30
  • سنرى يعني: سنرى هل سيفعل ذلك حقّاً أم لا؟

  • و على أثر موقف والدنا، قال الشيخ علي المدرِّس: و أنا أيضاً لا أفعل ذلك، و قال الشيخ شريعتمدار الرشتيّ: و أنا لا أفعل ذلك، و قال المرحوم إمام جمعة طهران: عندي رأس واحد، و سأبذله في هذا الطريق! نحن لا نفعل ذلك. و امتنع اولئك الثلاثة عن القيام بما امروا به. أمّا الآخرون فقد استجاب الكثير منهم لأمر الحكومة. و لجأ بعض الغيارى إلى الانتحار بسبب دعوتهم للمشاركة في تلك الحفلات مع زوجاتهم، و كانوا غير مستعدّين لتنفيذ ما طُلِبَ منهم، فأقدموا على الانتحار، و خاصّة في مدينة طهران.

  • و كان أحد المنتحرين من أقربائنا، و هو من المحسوبين على محمّد خاني، و يدعى شريف زاده و هو زوج ابنة خالة المرحومة والدتنا و كان من دعائم الجهاز القضائيّ في ذلك الوقت، على الرغم من كونه من المتديّنين؛ قيل له: يجب أن تجلب عقيلتك في الليلة الفلانيّة إلى بناية المحكمة للاشتراك في الحفلة الفلانيّة.

  • و لمّا حلّ الليل، تناول مقداراً كبيراً من التِّرياق، و راح يجول في الشوارع ذهاباً و إياباً دون أن يذهب إلى البيت، ثمّ شرب ماءً كثيراً و عاد للتجوال لكي يسري السمّ القاتل في بدنه، ثمّ خرّ إلى الأرض في الشارع قُبيل طلوع الشمس، فجي‌ء به إلى البيت، لكنّه لم يقاوم أكثر من ساعة واحدة حتّى لفظ أنفاسه الأخيرة. و انتحر أفراد آخرون على هذه الشاكلة.

  • و تزامنت عمليّات الانتحار تلك مع سفر رضا خان إلى مازندران، و هناك سمع رضا خان أنّ الجيش الروسيّ قد أجرى مناورات عسكريّة على الحدود الإيرانيّة، فدبّ الخوف في نفسه بعد مشاهدته الحشود الروسيّة في المنطقة الحدوديّة، فرأى أنّ المصلحة تقتضي إيقاف مسألة

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

31
  • محاربة الحجاب، لأنّها قد جعلت الأوضاع الداخليّة مضطربة [و هو ما ينفع الروس دون رضا خان‌]، و من هناك أي من مازندران بعث ببرقيّة إلى رئيس الوزراء في ذلك الوقت «جَم» بأن يوقف تلك الإجراءات حتّى إشعار آخر. فقام جم بتعطيل ذلك البرنامج بالكامل، و جم هو ذلك الشخص الذي قال لرضا خان أثناء حركته للسفر إلى مازندران: إذا عاد صاحب الجلالة من مازندران، فسيرى أنّ الحجاب قد رُفِعَ بالكامل.

  • و حينما رحل رضا خان من إيران، حيث تزامن رحيله مع دخول الإنجليز و الروس، أسرع والدنا لشراء الحلوى و جلبها إلى البيت، و قد عمّته الفرحة و البهجة على نحوٍ لم أعهده فيه إلّا نادراً، و قد أقسم إنّه لم يذق طعم الراحة في نومه، منذ سنين (ربّما منذ عشر سنين) و إنّه لم يكن مطمئنّاً مع كلّ ليلة تأتي أنّه سيبقى حيّاً حتّى الصباح. هكذا كان الوضع.

  • فما كان يجري لم يكن منحصراً بالعباءة و الحجاب و ما شابهها، بل كان الهدف إزالة القرآن، يعني نفس كلام رئيس الوزراء و رئيس الحزب الاشتراكيّ الإنجليزيّ المسيحيّ اسماً و الصهيونيّ انتماءً، ذلك الرجل الذي بثّ الروح في الاستعمار الإنجليزيّ حقّاً، فقد كان رجلًا مذهلًا و تأريخه رهيب و ممارساته ذات شراسة و معادية للإنسانيّة.

  • و لقد دخل اولئك على نحوٍ صادروا معه الدِّين و الإيمان و الشرف و البنت و الولد و الحميّة و الحياة و المال و الثروة و العِزّة و كلّ شي‌ء ... .

  • سير المؤلِّف في ارتقاء مراتب العلوم‌

  • كان هذا نَموذجاً من مسألة التبرّج التي شاهدناها بتفاصيلها، عندما كنّا نذهب إلى المدرسة سواء الابتدائيّة منها أم الثانويّة كان المعلِّمون و الناظر و الطلبة يلاحقوننا بالهزء و السخرية، يقولون: أنت ابن الملّا! الملالي يأكلون بالمجّان، الملالي كذا و كذا، و يصرفون أموالهم عند اولئك الأعراب آكلي الضبِّ، لماذا يحجّون؟ لماذا لا يعطون أموالهم لمن يريد

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

32
  • الذهاب إلى إنجلترا، لماذا لا يصرفون على أبنائهم حتّى يدرسوا في فرنسا؟ و كانت فرنسا في ذلك الوقت أكثر عمراناً وصيتاً من إنجلترا اليوم، و اللغة الفرنسيّة أكثر رواجاً من مثيلتها الإنجليزيّة.

  • ثقوا أنّه ليس من كلام قارص إلّا أسمعونا إيّاه، و لم يكن باليد حيلة. و كان كثير من الأطفال في المدرسة الابتدائيّة يؤذوننا. بل كان المعلّمون من خرّيجي المعاهد العلميّة و الأدبيّة العالية لا يدعون كلاماً جارحاً إلّا و قذفونا به، و كانوا يصادرون حقوقنا، لكنّنا كنّا نحسّ في وجداننا أنّهم لا يلفظون إلّا هراء، و أنّ كلامهم القارص هراء لا حقيقة له.

  • و لمّا انتقلنا إلى مرحلة أعلى، لم نُواجَه من الطلبة بالسخرية، لأنّنا كنّا من المتفوّقين في الدروس النظريّة و العلميّة، و كان زملاؤنا يستعينون بنا، و لذا فقد أكنّوا لنا احتراماً خاصّاً، ولكن دون أن ينصت أحد لِما نقول [ما هو خارج عن إطار الدرس‌]، و قد أنهيتُ في هذه المرحلة دراستي في الفروع الفنيّة، أنهيتها برأس حليق، كنت اداوم على تقصير شعري بماكنة الحلاقة و لم ألبس سروالًا قصيراً، على الرغم من أنّ معلّمينا كانوا من أصحاب الشهادات من ألمانيا و. و. و ... و كان أمير سهام الدين الغفّاري (ذكاء الدولة) مديراً للمدرسة في بادئ الأمر، ثمّ حلّ محلّه الدكتور مفخّم و هو بتلك الابّهة! ولكنّهما كانا ينظران لي باحترام، لأنّهما لا يتمكّنان أن يقولا للآخرين بأنّيّ أفعل ما أفعل لأنّيّ بليد جاهل متخلّف!

  • فمثلًا كان معلّمنا في اللغة الألمانيّة هو الاستاذ علي أصغر صبا و لعلّه لا يزال على قيد الحياة و كان ذا أطوار عجيبة، فلم يسبق له أن سجّل درجة في دفتر الصفّ، و كان له دفتر خاصّ من الحجم الصغير و يضعه في جيبه، و من تلك الدرجات التي يسجّلها في ذلك الدفتر كان يعطي المعدّل و الدرجات النهائيّة للطلبة دون أي امتحان، و كان جدّيّاً في التدريس، كان‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

33
  • يُوقع بمَن لم يؤدِّ واجبه أشدّ العقوبات، و كان مسلّطاً على اللغة الألمانيّة، فلم يُشاهَد منه قطّ خلال مدّة دراستي أنّه اشتبه في جملة أو فقرة أو أداة تعريف أو تنكير، و الحدّ الأعلى بلغة اليوم عنده هو درجة (۱۷)، و لم يُعَرف عنه إنّه إعطى درجة (۱۸) لطالبٍ قطّ، و كان يضع لي في دفتره درجة (۱۷) باستمرار، إذ كان يودّني؛ قال لي ذات يوم: تعال يا فلان و اقرأ لنا الحكاية الفلانيّة، فقرأت الحكاية بالألمانيّة من أوّلها إلى آخرها دون أيّ خطأ ولو بسيط كأن أقول (دِر) بدلًا من (دِن)، و كان يندر أن لا يُخطئ بها المرء، فكيف بطالب مدرسة! فأعطاني في ذلك اليوم درجة (۱۸) في دفتره، و قال: حسيني! قسماً بالله، منذ خمسة عشر عاماً لم أعطِ لأحد درجة (۱۸).

  • و باختصار، فقد انقضت هذه المرحلة أيضاً، و كانت رغبتي عميقة خلال دراستي في فرع التكنولوجيا في إنهاء هذا المشوار، ثمّ أرى ما ستؤول إليه الأحوال. ذلك أنّيّ كنت أعتقد بأنّ والدنا رجل مجتهد، و أنّه لم يجبرنا على دراسة العلوم الدينيّة، لكنّه كان يرغّبنا في هذا الأمر كثيراً و لذا ما أن انتهت دراستي الأكاديميّة حتّى أقدمت برغبة على خوض هذا الغمار الذي كنت أطمح إليه.

  • عندما أنهيت دراستي الأكاديميّة، عُرِضت على ثمان عشرة فرصة عمل: الدراسة في أميركا، الدراسة في الاتّحاد السوفييتي، معاون مهندس في شركة سمنت شاه عبدالعظيم، الذهاب إلى منطقة حفر الآبار الارتوازيّة في منطقة «لار» ... لكنّي على الرغم من جميع تلك العروض اخترت الدراسة الحوزويّة دون أيّ ضغط أو إجبار من أحد.

  • و صادف في ذلك الوقت أن قدم علينا ضيف قادمٌ من سامرّاء، و هو المرحوم آية الله الميرزا محمّد الطهراني، صاحب كتاب «مستدرك البحار»

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

34
  • و كان معدوداً من أعاظم علماء العصر، و هو خال والدنا، و قد صحبته حين سافر إلى مدينة مشهد، و هناك، و من غير أن يدري أحد فقد ألبسني العمامة، و لبست القباء، و منها رجعنا إلى طهران ليراني الوالد بهذا الزيّ، و بقينا في طهران لمدّة ثمانية أيّام حتّى تهيّأت لي المستلزمات الأوّليّة، و من ثمّ ذهبنا إلى قم فسكنت في حجرة في مدرسة المرحوم آية الله السيّد محمّد حجّت رحمة الله عليه.

  • و قد خضتُ أثناء فترة دراستي العلوم الجديدة الكثير من المواجهات و الصدامات و المجادلات و المحاججات و المباحثات مع الطلّاب و المعلّمين و مَن هم أعلى منهم، و مع الشيوعيّين و الملحدين، و كنتُ في جميع ذلك المخاض بعنوان المدافع عن الدين و الإسلام و أصالة الدين و القرآن.

  • ثمّ دخلت الحوزة العلميّة في قم، و عكفتُ على الدراسة بشكل جيّد، فمضافاً إلى وقت الحصص الدراسيّة المقرّر، كنت مواظباً على القراءة و المطالعة لمدّة عشر ساعات يوميّاً؛ كان هذا ديدني الذي اعتدتُه منذ دراستي في الفروع الفنّيّة، حيث لم أقتصر على إنهاء واجباتي في البيت، بل كنت أستثمر حتّى الفترة التي هي بين البيت و المدرسة للمطالعة و مراجعة الدروس، و لهذا السبب كنت من المتفوّقين دائماً، و الذي كنت أحلّ مسائله في البيت هو الرسم الفنّيّ و الحساب الفنّيّ و الرياضيّات فقط، لأنّه لم يكن عمليّاً أن أرسم و أنا أسير في الشارع.

  • أمّا في قم، فعلى الرغم من المطالعة عشر ساعات في اليوم، لكنّي كنت أدعو الله سبحانه أن يمنّ عليَّ بساعات اخرى، و أن يطيل تلك الساعات حتّى أتمكّن من بلوغ ما أطمح إليه في الدرس و التأليف، و كنت على هذه الحال حتّى نهاية المرحلة الدراسيّة في قم و للّه الحمد و الشكر؛ و حين أردت إكمال دراستي و الانتقال من قم إلى النجف الأشرف، فقد

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

35
  • أظهر بعض أساتذتي تقييمهم لي و نعتوني بالمجتهد.

  • و صار الكثير من الأصدقاء ينظرون لي نظرة خاصّة و يتعاملون معي وفق ذلك التقييم، و منهم المرحوم آية الله الشيخ محمّد صدوقي اليزديّ الذي كان من الصلحاء المقدّمين. جاءني ذات يوم إلى حجرتي و هو يقول: ما جئتك إلّا لأقول بأنّك مكلّف و مُلزَم من قِبل الله سبحانه للذهاب إلى النجف الأشرف و المكوث فيها لمدّة ستّ سنين على أقلّ تقدير؛ هذا مضافاً إلى إصرار أكثر الزملاء بأن أستمرّ على مواصلة منهجي و الذهاب إلى النجف لتكملة الدراسات العلميّة، و بالفعل ذهبت إلى هناك، فأقمت في النجف سبع سنين تناولت فيها بحوثاً حول ولاية الفقيه، و بحوثاً اجتهاديّة، و مسائل متفرّقة اخرى؛ و ألّفتُ هناك رسالة حول «الوجوب العينيّ و التعيينيّ لصلاة الجمعة» و هي الآن موجودة، مضافاً إلى البحوث الولائيّة في ولاية الفقيه و أمثال ذلك من البحوث الخاصّة بطلبة الحوزة، حتّى ظهر لنا على نحوٍ ملموس أنّ الله قد عيَّن لهذا العالَم صاحب أمر و وليّ، و أن ليس لهذه الأجهزة الحاكمة الظالمة و الجائرة أيّ اعتبار يُذكر يؤيِّد حاكميّتها. و قد عيّن الله سبحانه لنا طريقاً و منهاجاً يلزمنا العمل للوصول إليه.

  • وجوب تشكيل الحكومة الإسلاميّة

  • و قد بني الإسلام على ما بحوزتنا من الروايات العديدة على خمس: الصلاة و الصيام و الزكاة و الحجّ و الولاية، "وَ مَا نُودِيَ بِشَيْ‌ءٍ مِثْلَمَا نُودِيَ بِالوِلَايَةِ"، و على أساس الآيات القرآنيّة و الروايات فإنّ تشكيل الحكومة الإسلاميّة من أهمّ الامور و أكثرها وجوباً. فصحيح أنّنا مسلمون، نصلِّي، و نصوم، و نزكِّي و ندفع الخمس، و نحجّ، لكن كلّ ذلك يبقى بلا أصل، و بلا صبغة، مادامت راية الكفر تخفق فوق رؤوسنا.

  • افرض على سبيل المثال أنّك تملك بيتاً صغيراً متواضعاً، تُعَلِّق‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

36
  • المنشفة على شبابيكه بدلًا من الستائر، و لا يحتوي مطبخه على باب، لكنّ البيت ملكك و تحت تصرّفك، و أنّك مطمئنّ أن ليس ثمّة من عين خائنة تسترق النظر إلى أهل بيتك، فهل هكذا بيت أفضل في نظرك أم البيت المشتمل على بستان بعشرة هكتارات و فيه ما فيه مضافاً إلى الأشجار الكثيرة، لكنّك لست حرّاً في التصرّف فيه، و لا في أمان من نظرات الأجانب، بل ليس لك حقّ التصرّف حتّى في ذلك البستان، فأيّهما أفضل لك؟ من الطبيعيّ أن تميل إلى بيتك الصغير في الجواب.

  • كلّ ما عندنا في زمان الطاغوت كان على ذلك الغرار، فقد كانت راية الكفر ترفرف فوق رؤوسنا، حتّى أنّيّ أذكر أنّه حينما احتجت إلى أخذ طلب الإقامة في النجف الأشرف، ذهبت إلى القنصل هناك، فقال لي: يجب أن تتقدّم بكتابة طلب، فكتبت: بسم الله الرحمن الرحيم ... إلى آخره.

  • قال: ينبغي أن يخلو طلبك من البسملة.

  • قلت: لماذا؟

  • قال: لا داعي للسؤال، لأنّ المتعارَف هكذا، و ليس لدينا من ورقة عليها البسملة.

  • و بعد ما يقارب الساعة من المناقشة، قلت له: ليس لديك مقرّرات و لا مادّة قانونيّة تمنع من ذلك، و ليس ثمّة أمر إداري يمنع كتابة البسملة على الأوراق الرسميّة، و إذا لم تكن كتابة البسملة من الموضة، فهي ليست أمراً غير متعارف، ثمّ ليس ثمّة من عيب في كتابتها، و أخيراً ... علماً أنّه من الرجال المتديّنين و يؤدّي الصلاة، لكنّه كان على تلك الشاكلة، فقد صرفنا ما يقارب الساعة من الوقت في النقاش و الجدال من أجل أن يوافق على كتابة البسملة على ورقة طلب الإقامة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

37
  • لأجل أيّ شي‌ء كلّ ذلك؟ بسبب تلك الراية التي تخفق فوق رؤوسنا، لأنّها ليست راية الإسلام، فإذا عشنا في دولة الكفر، أيّاً كانت تلك الدولة سواء كانت إيران أم العراق أم مصر أم أيّة بقعة اخرى فسنرى أنّ راية الكفر حاكمة هناك، يعني راية الأجانب، و أنّ جميع اولئك عملاء للأجانب، الأجانب الذين يبذلون المال و الوعود لمن يختارون ... فيقوم ذلك الشخص بانقلاب عسكريّ، انقلاب مادّيّ و معنويّ، ظاهريّ و باطنيّ ليسوق الناس به إلى حيث يريد الأسياد، ولكن تحت راية مَن؟

  • ربّما كان علم الدولة يحمل عبارة (لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله)، لكنّه يبقى راية الإنجليز الكفرة لا راية الإسلام.

  • راية الإسلام تخفق فوق المكان الذي يرى الموظّف البسملة فيرفع الورقة ليقبّلها و يضعها على عينيه، أو أنّه على أقلّ تقدير لا يرفض الورقة الحاملة للبسملة، لأنّ البسملة ليست أمراً سيّئاً. و كما رأينا فإنّ القضيّة غير منحصرة في هذه المسائل، بل تشمل الأولاد و النساء، مروراً بطراز البيت و موضة الألبسة النسائيّة و الولّاديّة حتّى طريقة التعليم في المدارس و توجيه الصحافة و الإذاعة، و باختصار: تشمل جميع شؤون الحياة.

  • و قد كنّا لا نتمكّن من فتح أفواهنا لنقول لشخص ما: افعل كذا، و لا بإمكاننا القول: لا تفعل كذا، و لم يكن بإمكاننا أن نقول لإحدى محارمنا: إن هذه الجورب التي تلبسينها شفّافة لا تستر السيقان و ليس من الصحيح أن تخرجي بها، لأنّها كانت ستقول: إذا لبست الجورب العاديّ فسيسخر منّي الآخرون، و الكلّ يرتدي مثل هذه الجورب، و لقد مضى الزمان على هذا الكلام.

  • أ وَ كان بمقدورنا أن نقول لشخص: يا سيّد! لا تذهب إلى المدرسة،

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

38
  • أو أن نقول له: اذهب إلى تلك المدرسة؟ فهذا و أمثاله سيذهبون إلى تلك المدارس، و سيخسرون حينها كلّ شي‌ء، و الذاهب منهم يذهب فلا يعود. و لا نقصد بكلامنا المدرسة بنفسها، بل نقصد ذلك المحيط و تلك الثقافة و التعليمات، فذلك ما يقلق الإنسان و يرهقه، و لولاه فالذهاب للمدرسة بحدِّ ذاته أمرٌ صائب و صحيح.

  • و الخلاصة، فليس للإنسان من حيلة في قبال منهجيّة الطاغوت سوى المواجهة مع تلك الحكومة الجائرة من أجل تشكيل حكومة العدل، لأنّ تشكيل الحكومة الإسلاميّة من أوجب الواجبات و أهمّ الفرائض؛ و على سبيل المثال، فإنّك لو تركت الصلاة لسبب ما، فستتعرّض للمؤاخذة بمقدار أقلّ ممّا إذا لم تكن مهتمّاً أو ساعياً في تشكيل الحكومة الإسلاميّة، لأنّها مقدّمة على تلك، و لأنّ صلاة الظهر تكون مقبولة في ذلك الوقت الذي يكون فيه الإنسان تحت ظلال حكومة الإسلام، و كذا الحال بالنسبة للصيام و الحجّ؛ بل سيكون كلّ شي‌ء مقبولًا حينما يكون الإنسان تحت راية النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم، أمّا حينما يترك الإنسان النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم و ينضوي تحت راية معاوية و أبي سفيان، فأيّة صلاة سيؤدّي و أيّ صيام! فمن الواضح أنّ ذلك الأداء ليس بصلاة، لأنّها الصلاة المقبولة عند أبي سفيان و معاوية و المُمضاة من قبلهما، فهي ليست بصلاة لأنّ أوضاعهما و رسالتهما تحطيم الصلاة، فقد وظّفا نفسيهما على إلغاء الصلاة و ليس على أدائها.

  • توعية الناس عن طريق الوعظ

  • أجل، انتهت دراستنا في النجف الأشرف و للّه الحمد، فعدنا إلى طهران، و كان حديثنا في مجالسها و محافلها هو التساؤل بـ: إلى متى يقرعنا القرآن بخطابه فلا نعيه؟ يجب علينا تشكيل الحكومة الإسلاميّة لازاحة النفوذ الأجنبي من على رؤوسنا.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

39
  • و قد فهمنا الآن بأنّا لم نكن نقرأ القرآن من قبل، لماذا لم نكن نقرأ هذه الآيات؟ لماذا لم نكن نعي هذه الآيات؟ لماذا حين نتكلّم مع شخص حول ذلك الأمر، يقول: دع عنك هذا الكلام يا سيّد، إن ذلك من مختصّات دولة إمام الزمان عليه‌السلام. و قد سمعت ذلك أثناء عودتي من النجف الأشرف من أحد السادة العلماء المعروفين المتضلّعين و كان رحمة الله عليه معدوداً في الأخيار و الصالحين حين رددتُ زيارته، إذ ما إن تناولنا طرفاً من هذا الحديث، حتّى قال: يرجع هذا الكلام لدولة الإسلام، و هو من مختصّات حكومة إمام الزمان عجّل الله فرجه، فلا تتحدّث فيه أبداً.

  • أجل، كان صادقاً في قوله على ضوء اعتقاده بأن ليس للإنسان التحدّث في هذا الأمر، و لا حتّى تصوّره. ولكن ما في اليد من حيلة! فحينما التزمنا على أنّا مسلمون، و أنّ نهجنا هو القرآن، و حين اخترنا بمل‌ء إرادتنا هذا الطريق، و اعتقدنا أن ليس ثمّة طريق سواه؛ فما الذي ينبغي للإنسان عمله و الحال هذه؟ و من هنا بدأتُ العمل من المسجد من خلال تفسير هذه الآيات القرآنيّة و بيانها.

  • و حين شرعت في الموعظة من على منبر المسجد بعد أداء صلاة العصر في شهر رمضان الأوّل، فقد خصّصت حديثي في مواجهة الكفّار و محاربتهم، مضافاً إلى بيان آياتٍ من قبيل:

  • {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ ...}۱ و آية: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ ... .}٢

    1. الآية ٢٢، من السورة ٥۸: المجادلة.
    2. الآية ۱۱۸، من السورة ٣: آل عمران.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

40
  • و تكلّمت حينها حول سيطرة الإنجليز و كيفيّة غَلَبتهم، مضافاً إلى مسألة إعدام المرحوم مرجع ذلك العصر العالِم الربّانيّ آية الله الحاجّ الشيخ فضل الله النوريّ.

  • و حين انتهى المجلس، أقبل عليَّ عسكري برتبة عقيد و كان حاضراً في ذلك اليوم في المسجد، و تربطني به صلة رحم فقال: أيّها السيّد! لا تتحدّث بهذا الكلام! و أنت صاحب زوجة و أولاد! و إلّا فسيعتقلوك و يأخذوك إلى حيث لا يبقى لك أثر.

  • و باختصار، فقد كان جلّ فكرنا هو الإجابة على سؤال: ما العمل الآن؟ فقد كان علينا أن نبدأ العمل من مكان مؤثِّر و صحيح؛ فليس المهمّ أن آمر عائلتي ولو بالمشاجرة أن يفعلوا كذا و كذا، و لا أن امارس الضغط على فردٍ ما ليفعل هذا الأمر أو ذاك، بل لابدّ أن يكون عملنا أساسيّاً. تماماً كدخولك في مطعم كباب، و رائحة الكباب قد عمّت كلّ أرجاء المكان، و حين تنفخ لتبعد هذه الرائحة عنك، فإلى أين سيؤول هذا النفخ؟ و إذا ذهب دخان الكباب إلى جهةٍ ما، فسيأتي من مائة جهة اخرى، أشبه بالضبط بعمارة تلتهب فيها ألسنة النيران، فالدخان و الغازات الخانقة تتلاحق متصاعدة، فليس ثمّة من فائدة للنفخ بعد، و لابدّ من تدبير الامور بشكل أساسيّ مشفوع بالمنطق السليم و الاسلوب الصائب و الاهتمام التامّ.

  • و أخيراً، قرّرت أن أشرع في تشكيل نواة للعمل السرّيّ كخطوة اولى للعمل، فتحرّكت على بعض الأفراد ممّن يجمعني و إيّاهم الانسجام الفكريّ و التوافق في النظرة إلى الأوضاع السائدة، فاجتمعنا على ذلك و كنّا في حدود عشرة أشخاص و قمنا بعقد جلسات خاصّة سرّيّة لهذا الغرض، و كان أحد المنضوين بين صفوفنا ذلك العالِم الذي واجهنا بالسخرية أوّل وهلة، و القائل: ليس الآن وقت هذا الكلام؛ لكنّه أضحى‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

41
  • الآن أحد أفراد تشكيلتنا التنظيميّة. و من الذين استجابوا للعمل أيضاً: المرحوم الحاجّ الشيخ مرتضى المطهّريّ، و الحاجّ السيّد صدر الدين الجزائريّ، و الحاجّ الشيخ محمّد باقر الآشتيانيّ، و الحاجّ الشيخ جواد الفومنيّ، و هو ذلك الفومنيّ الذي يقيم الجماعة في مسجد نو (= المسجد الجديد) الواقع في شارع خراسان رحمة الله عليه، و قد اعتقل مرّة، فذهبت لزيارته في السجن، لكنّه كان ممنوعاً من المواجهة، فأوصلت له عن طريق أحد الحرّاس قنّينة من العطر.

  • ثمّ اطلق سراحه، فذهبت لزيارته و قلتُ له: أحسنت، بارك الله فيك، فقام الرجل رحمه الله و قبّلني، ثمّ قال: أيّها السيّد! رحم الله والدك، و رحم الله والدتك، لقد كنتُ سجيناً، و قد لاقيت ما لاقيت من ألوان التعذيب و ضروب المصائب، و كلّ مَن يأتي لزيارتي يقول لي: لماذا فعلتَ ذلك؟! فهذا الزمان ليس زمان هكذا كلام، و على الإنسان أن يعمل بالتقيّة، و الضرب بالقبضة على المشرط غير صحيح و ... بينما تأتي أنت في هذا الخضمّ لتقول: أحسنت، بارك الله فيك لأنّك فعلت ذلك!

  • و أخيراً، فقد كان ذلك الرجل الكبير، من الصادقين و ذوي الغيرة و المتحمّلين للمتاعب و المشاقّ، و قد اصيب باليرقان على أثر كثرة تحمّله لأذى و ملامة الآخرين، و توفي بعد فترة من المعالجة قضاها في مستشفى بازرگانان (= التجّار) رحمة الله عليه، و لقد كان من المتعصّبين لدينه، و في أعلى مراتب الفهم و أرقى درجات الغيرة.

  • تشديد رقابة الجهاز الأمنيّ على المؤلِّف‌

  • و على أيّة حال، فقد كانت لنا مجالس انشغلنا فيها بدراسة المواضيع المطروحة، طبعاً في تقيّة تامّة، لأنّ الدولة لو اطّلعت على علاقتنا فستذهب جميع جهودنا هدراً، و مع ذلك فإنّ البيت الذي كنّا نلتقي فيه في منطقة «أحمديه دولاب» و الذي لم يكن فيه خطّاً هاتفيّاً كان مراقباً من قبل‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

42
  • مديريّة الأمن، حتّى أنّهم أشخصوا أحد أفرادهم في البيت المقابل لنا ليتابع حركاتنا و يضبطها لهم، سوى اولئك الأفراد الذين يأتون إلى المسجد، ولكن بأيّ شكل و أيّة هيئة، الله العالم، فقد جاؤونا بصورة متسوّل و فقير محتاج، و بصورة متخنِّت و طبيب، و بصورة تاجر و متديِّن، و بصورة طالب مدرسة و طالب حوزة.

  • و كان بعض طلاب دار المعلّمين العالي الواقعة في الطبقة الفوقانيّة للمسجد من مأموري مديريّة الأمن، و كانوا يأتون إلينا و آثار اللحى على وجوههم و المسبحة في أيديهم و قد حفظوا شيئاً من القرآن، يأتون و يستفسرون منّا، بل كانوا في بعض الأحيان إذا اقتضت الحال يصبّون الدموع مدراراً؛ لاحظوا!

  • و كنتُ لا أعرف حقيقة بعضهم، فلمّا اتّضح لي أمره بعد ذلك؛ قلتُ: اللهمّ بك ألوذ، فهذا الرجل ملتحٍ، و هو طالب جامعيّ، و مهندم، و من أهل القرآن، و أهل التفسير أيضاً، و حينما يأتي يطلب ثلاث أو أربع استخارات و هو صاغٍ منتبه، ثمّ يُشاغلنا في أطراف الحديث من هنا و هناك، فكيف للإنسان أن يُشَخِّصه؟

  • حينما ألقيتُ خطبة صلاة عيد الفطر، أشرتُ في تلك الخطبة إلى الحكومة الإسلاميّة، و قمت بتفسير آية: {وَ أُخْرى‌ تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ‌}،۱ كان أحد اولئك الجامعيّين من الحاضرين و قد عرفت حقيقته يومئذٍ فما أن أتممت الخطبة حتّى اقترب منّي فجلس و قال: على ضوء مفاد كلامكم، فلابدّ من تشكيل حكومة الإسلام. فمن أين يجب البدء؟ فأنا على استعداد تام بكلّ طاقتي لأن أكون في‌

    1. الآية ۱٣، من السورة ٦۱: الصّف.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

43
  • خدمتكم على هذا الطريق، كما أنّ بعض زملائي حاضرون للتضحية في هذا المجال، بيَّنوا لنا برنامج العمل، و عرّفونا على أوقات الاجتماع ليلتحق بكم هؤلاء الشباب نفساً و قلباً.

  • و اتّضح بعد ذلك أن ذلك الشابّ هو أحد أفراد السلك الأمنيّ، و قد تفضّل على الله سبحانه أن أجبتُه بأنّ خطبتي هذه عبارة عن مواضيع عامّة، و ليس ثمّة من تنظيم و لا خطّة للعمل.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

45
  •  

  •  

  • الدَّرس الثاني: مدى التَّقَارُب بَيْنَ المؤلِّف وَ آيَة اللهِ الخمينيّ في لُزُوم تَشْكيل دَوْلَة الإسْلام‌

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

47
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وَ صَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • قدّمنا آنفاً بأنّ الوضع الدينيّ في ذلك الزمان كان سيّئاً جدّاً و صعباً، و أنّ مظاهر الكفر كانت رائجة في كلّ مكان في المملكة، و أنّ الأوضاع كانت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، و أنّ تسلّط الدولة الجائرة كان يزداد باستمرار، و لم يكن لنا أمام ذلك من حيلة سوى الارتباط السِّرِّيّ مع بعض العلماء الذين وجدنا فيهم التحمّس و الغيرة و الإيثار، من الذين يمكن تداول الامور معهم حول الأوضاع السائدة.

  • جلسات المؤلِّف السرّيّة

  • كان عدد الذين يمكن اللقاء بهم على هذه الشاكلة في طهران ضمن جلستنا الخاصّة في ذلك الوقت لا يتجاوز عشرة أشخاص، و كان العلّامة الطباطبائيّ أحد المشاركين في تلك الجلسة، ولكن بندرة، حيث إنّه نادراً ما يأتي من قم إلى طهران، و على أيّة حال فهو محسوب من المشاركين، و كان منهم أيضاً سماحة الحاجّ السيّد رضيّ الشيرازيّ و هو الآن إمام جماعة في طهران و مشغول بالدرس و البحث العلميّ و منهم سماحة الحاجّ محيى الدين الأنواريّ، و على ما يبدو حاليّاً أنّه أحد أعضاء مجلس الخبراء، و قد حُكِمَ عليه بالإعدام ثمّ خُفِّف الحكم إلى خمس عشرة سنة، و بعد أن 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

48
  • قضى عشر سنوات في السجن اطلق سراحه في أوائل الثورة، و منهم سماحة الحاجّ الشيخ بهاء الدين الصدوقيّ الهمدانيّ، و سماحة الحاجّ الشيخ محمّد تقي الجعفريّ، و كان كلُّ منهم عالماً نزيهاً و مؤمناً متديّناً و ملتزماً صامداً، و كان منهم كذلك سماحة الحاجّ السيّد محمّد علي السبط و الحاجّ السيّد صدر الدين الجزائريّ، و ابنه الفاضل، و سماحة الحاجّ الميرزا محمّد باقر الآشتيانيّ، و هو من العلماء الواعين الدؤوبين.

  • و كنّا منشغلين بالعمل فيما بيننا دون أن يعلم بنا أحد، و كانت الأوضاع التي يعيشها آية الله البروجرديّ في ذلك الزمان صعبة جدّاً، أي أنّ ضغوط الدولة كانت شديدة جدّاً، فقد احكمت الرقابة على بيته بالكامل، و كانوا لا يسمحون له بالتحرّك، و كان متأثّراً و منزعجاً من كثرة الممارسات اللاشرعيّة الحاصلة في البلد، و من جرّاء ذلك كان يصاب بالحمّى، و قد تعاوده الحمّى يومين أو ثلاثة حتّى تنهار قواه، و حينها كان يرسل إلى الشاه عن طريق بعض الأشخاص الذين يأتون من طهران لزيارته مبعوثين من قِبَل الشاه، كصدر الأشراف أو القائمّقام و يطلب منه الكفّ عمّا يقوم به. و كان هؤلاء من العلماء الذين خلعوا زيّ رجال العلم و ارتدوا اللباس المدنيّ العاديّ (السترة و السروال) في عهد البهلويّ، و انخرطوا في سلك الجهاز الحكوميّ، و كانوا بدورهم من روّاد المجالس الدينيّة و المصلّين و الصائمين و الملتحين، لكنّهم ضمن الجهاز الحاكم، و ممّن يقومون بدور الوساطة بين العلماء و الحكومة، ولكنّ المرحوم آية الله البروجرديّ لم يتمكّن من إحضارهم و تسليمهم توجيهاته في الامور العاديّة البسيطة.

  • و كانت الأعمال المشينة جارية في كلّ مدينة و مكان، حتّى أنّ السلطة أرادت أن تفتح دار سينما في مدينة قم، و كان المقرّبون لآية الله ‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

49
  • البروجرديّ على عِلم بذلك، إلّا أنّهم لم يُخبروه، و بعد مدّة طرق سمعه مسألة افتتاح السينما فاحمرّ غضباً ولام مقرّبيه على عدم إطلاعه، فقالوا له: لو أخبرناك فسوف تنزعج و تصاب بالحمّى و تنهار قواك كالعادة؛ فقال: لأيّ شي‌ء اريد عمري! و بعد ذلك أوصل نداءه إلى مَن يهمّه الأمر، فتوقّف العمل مؤقّتاً في مشروع السينما.

  • و الخلاصة، فقد كان الجهاز الحاكم ينظر إلى آية الله البروجرديّ بعين الخشية و الترقّب بكلّ ما للكلمة من معنى، لأنّه كان يُمَثِّل اليد الوحيدة المرفوعة أمام الحكومة، لكنّهم كانوا قد وضعوا خططاً و أرجأوا تنفيذها لما بعد وفاته، حتّى أصبح هذا الموضوع حديث المكالمات الهاتفيّة الدائر فيما بين الرؤساء و على الأخصّ بين البهائيّين الذين ازداد نفوذهم حول رغبتهم في تحويل البلد إلى حكومة بهائيّة، و توظيف البهائيّات لمزاولة أنشطتهنّ، و وصول رجالات بهائيّة إلى الوزارة و النيابة و رئاسة الدوائر الحكوميّة؛ و باختصار كانوا يريدون أن يحلّ هنا ما حلّ بلبنان، حيث تشكّلت هناك حكومة صهيونيّة إسرائيليّة، و أن تكون إيران مملكة بهائيّة رسميّاً، و أن تكون جميع مراكز القوى تحت سلطتهم؛ و كما هو معلوم فإنّ جذور البهائيّين و اليهود الصهاينة واحدة، و تطلّعاتهم واحدة.

  • حتّى كان البعض منهم في ذلك الوقت يبعث ببرقيّة أو يخاطب صاحبه من خلال الهاتف أن: لماذا لم تنجز العمل الفلانيّ؟ فيجيبه جهرةً أن: لا زال الرجل حيّاً إشارة إلى البروجرديّ فاصبر حتّى يموت، ثمّ نبدأ بإنجاز أعمالنا.

  • قيل لآية الله البروجرديّ: ما دُمتَ منزعجاً لهذا الحدّ من أعمال الملك و بلاطه و زبانيته، فلماذا لا تتحرّك لإزالته؟! فأجاب قائلًا: إزالة هذا الصبيّ بالنسبة لي سهلة، لكنّ خصمنا هو أميركا.‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

50
  • أجل، ففي شهر شوّال ۱٣۸۰ هـ ، أي قبل تسع و عشرين سنة انتقل إلى رحمة الله آية الله البروجرديّ رحمة الله عليه، و لم يمض على وفاته شهر واحد أو شهور قلائل، حتّى بدأ أولئك بتنفيذ مآربهم و خططهم المعطّلة.

  • منشور علماء و روحانيي طهران‌

  • كان أسدالله عَلَم هو رئيس الوزراء في ذلك الوقت، و في أثناء فترة عطلة المجلس قامت الهيئة الوزاريّة برئاسته بالمصادقة على قرار رسميّ، في خصوص مجالس المحافظات و المدن و جعلته قَيد التنفيذ، تلك المجالس المشكّلة في كلّ محافظة من قبل أفراد منتخبين لإدارة شؤون محافظاتهم، و قد جاء في ذلك القرار ثلاثة امور مهمّة كانت الدافع لاتّخاذه، و هي:

  • الأوّل: كانت العادة جارية حتّى ذلك الوقت على وجوب كون المنتخِب و المنتخَب في مجالس المحافظات في المدن من المسلمين، أي أنّ العمليّة الانتخابيّة قد احكمت على ما جاء في الدستور بقيد الإسلام، و ذلك لأنّ امور الدولة ستكون تحت سلطة المنتخَبين، لذا ينبغي أن يكونوا مسلمين، كما يجب أن يكون المنتخِب مسلماً أيضاً. و قد سحق هؤلاء قيد الإسلام حين قالوا: لا مانع من انتماء المنتخِب و المنتخَب لأيّ دين كان: بهائيّ أو يهوديّ أو مسلم، من الأقلّيّات الرسميّة أو غير الرسميّة.

  • الثاني: القَسَم بالقرآن، حيث نصّ القانون: على كلّ مَن يدخل في المجلس أن يُقسم بالقرآن بعدم الخيانة، فحذف هؤلاء عبارة القَسَم بالقرآن و أبدلوها بعبارة القَسَم بكتاب سماويّ، فقالوا: فلان البهائيّ يأتي للمجلس أيضاً، و يُقسم بكتاب «البيان» أو كتاب «الإيقان»، لأنّهما كتابان سماويّان أيضاً!

  • الثالث: دور النساء؛ فحتّى ذلك الحين لم يكن للمرأة حقّ المشاركة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

51
  • في مجالس المحافظات و المدن بأيّ وجه من الوجوه، فمنحوها حقّ المشاركة، و كان من المعلوم أنّهم لم يقوموا بهذا الإجراء رحمةً بالمرأة و لا شفقةً عليها، بل كانوا يبغون عن هذا الطريق جلب الساقطات من أمثال (فرخ رو پارسا) التي شغلت منصب وزيرة الثقافة لفترة و مَن على شاكلتها، لتصبح واحدتهنّ رئيسةً للشرطة أو رئيسة للبلديّة أو المحافظة، فتسير امور تلك الإدارات على هذه الحال. كانت هذه الامور الثلاثة هي الدافع الأساسيّ لاتّخاذ ذلك القرار، و قد ذكرنا بأنّه قد اعِدَّ و نُفِّذ بعد رحيل آية الله البروجرديّ بفاصلة زمنيّة قصيرة.

  • و كنّا في جلستنا بطهران قد أصدرنا منشوراً تحت واجهة «علماء و روحانيّون طهران» و وقّع فيه أعضاء الجلسة الأصليّين و بعض آخر من العلماء، و قد أدرج سماحة الحاجّ الشيخ علي الدوانيّ هذا المنشور في كتابه «نهضت دو ماهة روحانيون ايران» (= نهضة الشهرَين لروحانيي إيران)، ثمّ أثبته أيضاً في كتابه الآخر الموسوم بـ «نهضت روحانيون ايران» (= نهضة روحانيي إيران) في الجزء الثامن من أجزائه العشرة، ص ٥٣ و ٥٤؛ و ننقله لكم من الكتاب المذكور:

  •  

  • منشور علماء و روحانيي طهران‌

  • جمادى الاولى سنة ۱٣۸٢ هـ . ق.

  • المصادف: ٢/ ۸/ ۱٣٤۱ هـ . ش.

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • يا مسلمي إيران، رجالًا و نساءً!

  • إن حالة الفوضى و الاضطراب لا تخفى على أحد، فقد عمّت مظاهر التفسّخ الخلقيّ و الفوضى، و تفشّت أنواع الأعمال اللاشرعيّة و بات الدين 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

52
  • و الدنيا في أسفل درك الانحطاط، و في كلّ يوم يزداد وطء البلاء و الآلام على كاهل الجماهير المضطهدة.

  • و قد صيغت أخيراً ترنيمة اخرى من خلال قرار مجالس المحافظات و المدن، و مشاركة النساء التي هي بمثابة العزف على نغمة جديدة؛ يا شعبنا الإيرانيّ! لسنا بصدد الحديث عن موادّ هذا القرار، أو بيان ما يمليه علينا الدين الإسلاميّ المقدّس، لأنّ توجيهات السادة الأعلام و المراجع لم تترك شيئاً مخفيّاً من الأمر.

  • بل نريد أن نسأل، أبإمكان الدولة أن تتخطّى القانون بإصدار قرار؟ أيمكن أن يُسَنّ قانون يتعلّق بمصير امّة كاملة بغياب ممثِّليها الحقيقيّين؟ إن من الظُّلم أن يلجأ بعض الأشخاص إلى نفوذهم الشخصي فيقلبوا مصير امّة على حسب رغبتهم، أو يحاولوا فرضاً تغيير القواعد الدينيّة و الاصول المسلّمة و القوانين السائدة.

  • مَن ترون اسمه و توقيعه في أسفل هذا المنشور يأمل أن يكون من خَدَمة الدين الصادقين، و ليس له أيّ ارتباط بأيّة جهة أو منظّمة معيّنة، و ينظر إلى جميع المسلمين بعين الاخوّة، و مَن يعرفنا فقد عرفنا على هذه الشاكلة، و ليس لنا من غاية من هذا القول سوى طلب الخير و بيان الحقيقة.

  • و لا شكّ تحت رعاية الباري تعالى شأنه و العنايات الخاصّة للإمام وليّ العصر أرواحنا له الفداء أنّ الامّة تعي اليوم مدى أهمّيّة و حساسيّة الظرف الراهن، و تعمل على ضوء وظائفها الدينيّة و الإنسانيّة، هدانا الله تعالى و إيّاكم إلى طريق الرقيّ و الصلاح و الهداية.

  • و السلام على مَنِ اتّبع الهدى‌

  • و قد خُتم هذا المنشور بتواقيع أفراد قلائل، و كان توقيعي من ضمنها ‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

53
  • مع اسمي الصريح محمّد الحسين الحسيني الطهراني علماً أنّه كانت في مسوّدة المنشور: مَن ترى يقول للمرضعات اللاتي يدّعين أنّهن أشفق من الامّ: على أساس أيّ حقّ تتدخّلون في شؤون الناس؟ و تستحوذون على مصيرهم؟ لكنّ بعض الرفقاء قالوا بأنّ هذه العبارة حادّة جدّاً، و ستجرّ إلى عواقب وخيمة.

  • و كما لاحظتم، فإنّ المنشور لم يُوَجَّه إلى الدولة و الرئيس و الوزراء و أمثالهم، بل إن أهمّيّة الموضوع ترتكز على جملة «إن من الظلم أن يلجأ بعض الأشخاص إلى نفوذهم الشخصيّ فيقلبوا مصير أمّة على حسب رغبتهم».

  • و كانت جميع المنشورات الصادرة من قم و المناطق الاخرى قد وجّهت خطاباتها إمّا إلى الدولة أو إلى الملك، سوى منشورنا الذي ترك الدولة و الملك و تناول أصل موضوع الساعة، و بعد أيّام أصدرنا منشوراً آخر بتواقيع كثيرة في هذه المرّة، قد يصل عددها إلى مائة توقيع، و قد ادرج في الكتاب المذكور في الصفحات ۱٤٣ إلى ۱٤۸، و كان أكثر تفصيلًا من سابقه، كما أنّ جميع السادة العلماء في قم قد أصدروا منشورات جيّدة و بعثوا البرقيّات إلى الملك، و من جملة السادة المراجع الذين أبرقوا إلى الملك في ذلك الوقت: سماحة آية الله الخمينيّ و سماحة آية الله الكلبايكانيّ.

  • و بعد ستّة أيّام ردّ الملك على البرقيّات بجواب سطحيّ غير موزون، فهو أوّلا لم يخاطب السادة العلماء بعناوينهم العلميّة، فبدلًا من آية الله مثلًا، قال: سماحة حجّة الإسلام السيّد فلان دامت إفاضاته؛ و أجاب ثانياً بـ: أنّنا بأنفسنا أكثر سعياً من جميع أفراد الامّة من أجل الحفاظ على الإسلام، و سأبعث برقيّاتكم إلى الدولة، ولكن ينبغي أن تعلموا أنّ عالم 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

54
  • اليوم قد اتّخذ شكلًا آخر، و أنّ الأيّام لا تبقى على تلك الوتيرة السابقة، و آمل أن توجِّهوا أفكار العامّة من خلال إرشاداتكم. ثمّ ختم ذلك بإمضائه.

  • و قد ادرج هذا الجواب أيضاً في الكتاب المذكور، و كانت هذه‌ المنشورات و الاتّصالات فيما بين المدن و عقد الاجتماعات و إلقاء الخطب و أمثالها في جميع أرجاء إيران قد أحدثت ضجّة ذات آثار حسنة، و أسرعت الخطو في العمل، حتّى أنّ البعض قد اتّصل بعلماء النجف، ممّا حدابهم أن يرسلوا برقيّات ذات تأثير قويّ جدّاً؛ و في قبال ذلك بذلت الدولة كلّ ما تستطيعه من أجل الحدّ من هذه الظاهرة، لأنّ توجّهاتهم لم تكن لتنحصر في إقرار تلك الموادّ الثلاث و مجالس المحافظات و المدن فحسب، بل كانت تشمل إلغاء القرآن و تهيئة الأجواء لدخول النساء في مجلس الشورى الوطنيّ أو تقلّدهنّ منصب رئاسة الوزراء أو منصب الملكيّة.

  • و لذا، حلّت (فرح) كوليّ للعهد بعد الاستفتاء العامّ الذي أجراه الملك في السادس من بهمن،۱ على اعتبار أن ابنها لم يبلغ سنّ الرشد بعد، على الرغم من أنّ الدستور الإيرانيّ لا يسمح للمرأة أن تتقلّد منصب ولاية العهد، كلّ ذلك من أجل تقويض كلّ ما هو إسلاميّ في البلد ابتداءً بالقرآن؛ و جرى في المجلس إلغاء القَسَم بالقرآن، و كان لأيّ منتخِب أو منتخَب الحقّ في أن يذهب ليعطي رأيه؛ و بات معلوماً أن ليس ثمّة شي‌ء سيبقى على حاله، و ذلك غاية ما يبغونه.

  • برقيّة و منشور آية الله الخمينيّ و شكر المؤلِّف له‌

  • و قد كانت الشخصيّات الإسلاميّة مستوعبة لكلّ هذه النقاط الحسّاسة بدقّة عالية، و من هذا المنطلق فقد دخلت المعترك، حيث بعث آية الله 

    1. المصادف: ٢٦ كانون الثاني. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

55
  • الخمينيّ ببرقيّة إلى الملك مضافاً إلى إصداره منشوراً، سرعان ما انتشر في طهران، و ما أن وصل منشوره بيدي في ساعاته الاولى حتّى كتبت له ورقة شكر و تأييد لما قام به، و قد ابتدأت الكتابة بالآية: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها}.۱

  • و كان مفاد ما كتبته إليه: لا ينبغي لنا أن نتأثَّر من فقدان آية الله البروجرديّ، فإنّ الله تعالى إذا نسخ آيةً أتى بمثلها أو خيرٍ منها، فسيروا في طريقكم إن شاء الله، و لا يُقلقنّكم شي‌ء.

  • و كان إصدار منشور، أو إرسال برقيّة في ذلك أمراً غير يسير، فاليد التي يُقبض عليها ممسكةً بمنشور سوف يُقتاد صاحبها إلى قلعة فلك الأفلاك: و هو ما يدعى بسجن فلك الأفلاك.

  • و أصبحت حركة السيّارات تحت الرقابة المشدّدة، و أضحت جميع السيّارات معرّضة للتفتيش الدقيق، و بات الضبّاط لا يبرحون في أداء مأموريّاتهم حتّى وصلت الحال لأن يتمدّدوا تحت السيّارات ليروا هل ثمّة شخص هناك أو لا؛ حقّاً إنّها لحالة مذهلة و وضع مزريّ؛ و لم يكن في ذلك الوقت ثمّة خطّ مباشر للهاتف بين طهران و قم، و لم يكن من حيلة لمن له حاجة ما، أن يذهب لإحدى دوائر البريد أو أن يذهب بنفسه إلى قم، و لذا كتبنا له رسالةً و أجابنا عليها برسالةٍ أعلن فيها عن شكره.

  • علماً أنّه كانت لنا علاقة خاصّة مع سماحة آية الله الميلانيّ، و آية الله الآخوندالمولى علي الهمدانيّ، و بعض العلماء الآخرين كالمرحوم آية الله الصدوقيّ في مدينة يزد الذي كان يتحرّك بنشاط و فاعليّة، و المرحوم آية الله دستغيب في مدينة شيراز، الذي بذل جهوداً 

    1. الآية ۱۰٦، من السورة ٢: البقرة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

56
  • كبيرة في هذا المجال، و كذلك سماحة السيّد محمّد علي القاضي في تبريز، و سماحة آية الله عِزّ الدين الزنجانيّ الذي يسكن في مدينة مشهد حاليّاً، و كان من المناوئين الفعّالين للجهاز الحاكم في مدينة زنجان، و قد قضّى‌ على أثر ذلك شهرين بين زنزانات السجن.

  • و باختصار، فقد أحكمنا الرابطة من خلال المراسلة بين كلّ مَن لنا معه أدنى علاقة من العلماء البارزين في إيران، لأنّه كان من المهمّ جدّاً أن تتوحّد خطوات العلماء البارزين في تعيين الهدف و كيفيّة التحرّك.

  • و بطبيعة الحال فقد ظهر في البين بعض المثبّطين و المُتْعِبين الذين يخنقون الأنفاس، لكنّنا تحمّلناهم و واصلنا في إنجاز ما علينا من مهامٍّ.

  • في تلك المدّة فترة مناقشة قرار مجالس المحافظات و المدن أصدر آية الله الخمينيّ منشورات وزِّعت بين الناس في طهران بسرِّيّة تامّة، و ما أن حصل عليها رفقاؤنا حتّى أوصلوها لنا، فرأيناها جيّدة جدّاً، ولكن يبدو ثمّة إشكال على بعضها، حيث جاء في أحدها، مثلًا: أنّ الإسلام يحرم المرأة من المزايا الاجتماعيّة، و أنّ المرأة لا يمكنها مزاولة الأنشطة الاجتماعيّة، و ما شابه ذلك، و بعد مدّة ألصقوا هذه المنشورات على أبواب الجامعة، فجاء الشباب الجامعيّ من حزب المعاندين و كتبوا بجانب المنشور عبارة: المرأة = الكلب، يعني أنّ المنشور تضمّن هذا المعنى.

  • اقتراحات المؤلّف لآية الله الخميني

  • فكتبتُ له رسالة طويلة بيَّنتُ فيها أنّ للمرأة في الإسلام مقاماً رفيعاً و قلتُ له: إنّك تعتقد بهذا أيضاً، و تعلم أنّ تعبير حرمان الإسلام للمرأة ليس تعبيراً مناسباً، و ينبغي أن نقول بأنّ الإسلام قد أعطى للمرأة حقّاً، و أنّ الحجابُ حقّ المرأة، يعني أنّ الإسلام قد أعطى حقّاً للمرأة في الحجاب و في ستر نفسها عن الأجانب، و ليس أنّ التبرّج كان من حقوقها البديهيّة التي صادرها الإسلام، فحرمها بذلك من حقّها.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

57
  • و كذلك فإنّ من الحقوق التي منحها الله تعالى للمرأة أن تكون ربّة بيت و مربّية للأولاد، و مدبّرة لشؤون المنزل، و في الحياة في كنف البيت، و لم يأمرها مع هذه الظرافة و اللطافة و الأحاسيس و وظائف الامومة التي‌ تُعدّ من أهمّ وظائفها و أساسيّاتها بالخروج و العمل بالحدادة، و بالجهاد، بل قال: على الرجال أن يقوموا بالأعمال الثقيلة لتتمكّن المرأة من نيل حقوقها.

  • و لا ينبغي أن نقول و الحال هذه إن الإسلام يحرم المرأة و يمنعها الخروج من البيت للعمل، و يمنعها من المشاركة في المواجهات و المخاصمات، بل ينبغي أن نقول: إن الإسلام أعطى للمرأة حقّ الجلوس في بيتها لتؤدّي ما عليها من أعمال منسجمة مع طبيعة خلقتها؛ و هذا هو جوهر الموضوع.

  • و هكذا استُغِلَّ هذا الاختلاف في التعبير، حيث قالوا: بناء على هذا، فما دام الإسلام يمنعنا، فلنذهب للبحث عن دين آخر لا يمنعنا؛ و كانت الفتيات الجامعيّات يحملن منشورات تقول بأنّ الإسلام يمنع المرأة؛ لذا قلن: إن الإسلام دين الرجعيّين؛ دين عبدة الأزمنة الغابرة؛ و علينا البحث عمّن لا يمنعنا من حقوقنا.

  • فَلِمَ لا يكون تعبيرنا هكذا «أنّ الإسلام أعاد للمرأة حقوقها الأوّليّة» و من ذلك الوقت تغيّرت لهجة منشورات آية الله الخمينيّ، و لم يعد فيها شي‌ء من تلك النكات.

  • و المسألة الاخرى هي تعبير الروحانيّين، فقد كان يقول: الروحانيّون هكذا، الروحانيّون كذا؛ فتناولت الحديث معه بشكل مبسوط، و بيّنت له أنّ تعبير الروحانيّين من مصطلحات النصارى، حيث يعتبرون قساوستهم آباءهم الروحانيّين؛ و باختصار فإنّ لفظة الروحانيّ قد أتتنا من 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

58
  • جهة الاستعمار الذي فصل السياسة عن الروحانيّة. و ليس ثمّة من لفظة الروحانيّ في بيان القرآن و حديث الروايات؛ و الكلّ مسلمون، و الكلّ مأمور بالعبادة و الحكومة و القضاء و الجهاد و الحجّ و الخمس، و كلّ ذلك عبادة؛ نعم، يُطلق‌ على أعلام الدين و علمائهم لفظ العلماء و الفقهاء، و أنت أدرى بهكذا تعابير و ما تحمل، لذا صار يقول منذ ذلك الوقت في جميع منشوراته: علماء الإسلام، و فقهاء الإسلام و أمثال هذه التعبيرات.

  • كانت المواضيع المطروحة كثيرة جدّاً، و كنت في بداية الأمر أكتب الرسائل و أرسلها عن طريق البريد، لكنّي وجدت في هذا الطريق ثمّة مخاطر، فقمت بإرسال ما أكتبه إليه عن طريق بعض رفقائي ليوصلوا الرسائل إليه يداً بيد، و كان يهتمّ كثيراً بما أكتبه إليه، فيطالعه بدقّة و يردّ عليه؛ و بعد مدّة باتت كتابة الرسائل تشكّل خطراً عليَّ، أي إذا وقعت إحدى الرسائل بيد الآخرين فالعواقب ستكون وخيمة، لذا ... فقد اتّجهت لطباعة رسائلي له على الآلة الطابعة مع إمضائها باسم مستعار متّفق عليه فيما بيننا، و لم يكن ثمّة شخص على علم بذلك، فلم تكن الرسائل سوى ورقة مطبوعة على الآلة الطابعة تصل إليه.

  • و أذكر أنّني كتبتُ ذات مرّة رسالة في أربع أو خمس صفحات و أعطيتها إلى السيّد عبد الصاحب (سيّد علي أكبر الحسيني) الذي يشغل منصب المدير العامّ في وزارة الثقافة، و لا زال على وظيفته إلى الآن ليطبعها لي على الآلة الطابعة، ثمّ أرسلتها إليه، و كان المرحوم الحاجّ السيّد مصطفى الخمينيّ قد قال لأحد أصدقائنا في النجف الأشرف: كان والدي في قم حينما تصله رسائل الشخص الفلانيّ يعمد إلى مكان إمضاء الرسالة فيمزّقه بيده حذراً من وقوع الرسالة بيد الجهاز الأمنيّ، فيقع صاحبها في مخاطر محتملة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

59
  • ذكرتُ بأنّه كان يهتمّ كثيراً برسائلي، و في بعض الأحيان كان على في بعض الامور المهمّة أن أذهب إلى قم فألتقي به، و كان يدور بيننا الحوار و المشاورة؛ و على هذا الأساس كانت طريقة عملنا.

  • و لقد استمرّت قضيّة مجالس المحافظات و المدن لمدّة شهرين، و كانت إيران خلال تلك الفترة في حالة ثورة بين المتديّنين و عناصر الدولة، و آلت الأوضاع إلى عقد اجتماع في مسجد الحاجّ السيّد عزيز الله في طهران، على أن يأتي آية الله البهبهانيّ و يلقي كلمة، و لأهمّيّة المسألة فقد جاء آية الله البهبهانيّ و شارك في ذلك الاجتماع و تحدّث بالمناسبة. و كان القرار الذي أقرّته الدولة مخالفة للإسلام، فتقرّر في هذا الاجتماع أن يحتشد الناس في المسجد لاتّخاذ موقف أكثر شدّة تجاه ذلك القرار في حال عدم إلغائه حتّى يوم الخميس القادم.

  • كان القرار الرسميّ مخالفاً للإسلام، مخالفاً للقانون الأساسيّ و بمثابة قراءة الفاتحة على كلّ شي‌ء ظاهراً و باطناً. و الخلاصة فإنّ الدولة لم تَرَ بُدّاً و قد باتت كمن يُمسك أحد بعُنقه من أن تبادر في ليلة الخميس التي تقرّر أن يجتمع الناس صبيحتها في المسجد لاتّخاذ ما يلزم، فيبعث أسد الله عَلَم برقيّةً يُعلن فيها إلغاء القرار الرسميّ، و يصرّح بعدم قابليّته للتنفيذ، و يطلب إخبار السادة الأعلام بذلك، و لذلك فقد أصدر في تلك الليلة آية الله الحاجّ الشيخ محمّد تقي الآمليّ و آية الله الحاجّ محمّد رضا التنكابنيّ من رؤساء علماء طهران منشوراً بالمناسبة، ففهم الناس و لم يذهبوا صباح ذلك اليوم إلى مسجد الحاجّ السيّد عزيز الله.

  • ثورة الملك و الشعب‌

  • إلى هنا كان النصر حليف الإسلام و العلماء و الفقهاء، و باءت الدولة بالفشل و الخيبة، لأنّ الناس واجهوا الحالة بالتلاحم و التآزر؛ لكنّ رموز الدولة لم يقرّ لهم قرار بعد هذا الفشل الذريع جرّاء ضربة الجماهير القاصمة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

60
  • لهم، فراحوا يعملون بالخفاء في رسم خطط المواجهة الآتية، فيما كان المجلس معطّلًا لأسبابٍ ما، و طالت مدّة التعطيل.

  • قالوا: علينا البحث عن مخرج، فجاؤوا باسم الاستفتاء العامّ و باسم‌ ثورة الملك و الشعب في السادس من بهمن بعدد من الجنود و القوّات الخاصّة متنكّرين بزيّ الفلّاحين و جلبوهم إلى قم، و قالوا: هؤلاء فلّاحون، جاؤوا إلى قم لإحقاق حقوقهم.

  • لقد جلبوا كلّ هؤلاء، و وضعوهم في الصحن المقدّس و هم بزيّ الفلّاحين، في حين أنّهم من القوّات الخاصّة جُلبوا من طهران بحافلات النقل العسكريّة، و أوهموا الناس بأنّهم من فلاحي قرى كَهَك‌۱ قم و المناطق المحيطة بها، و بعد أن دخل هؤلاء الصحن المقدّس شرعوا برفع شعار: يحيا الملك، الحياة و الخلود للملك، فكان ذلك هو ثورة الملك و الشعب! و من ثمّ أعلنوا بعض موادّ ثورة الملك و الشعب، قالوا فيها: ثورة الملك و الشعب كذا و كذا و ... ثُمّ أقرّوا تلك الموادّ بعد أن أضافوا لها موادّاً أسوأ منها، و مرّروها على الناس في قرار رسميّ يحمل اسم ثورة الملك و الشعب، و الثورة البيضاء.

  • و كان من اللازم من أجل أن تحصل جميع هذه الممارسات على السمة القانونيّة استحصال الموافقة التامّة المرتبطة بتشكيل المجلس و انتخاب أعضائه؛ لذا ... فقد خصّصوا يوماً للانتخاب امتدّ من الصباح حتّى الغروب، على الرغم من مقاطعة الناس و عدم ذهابهم إلى صناديق الاقتراع سوى أفراد القوّات المسلّحة، و كان العسكريّون يرتدون الملابس العاديّة و يتنقّلون عبر حافلاتهم بين الصناديق للإدلاء بأصواتهم، و كنتُ من 

    1. كَهَك: من توابع مدينة قم. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

61
  • الشاهدين على القضيّة؛ و بهذه الكيفيّة تمّت عمليّة الانتخاب، علماً بأنّ جميع العلماء أعلنوا بأنّ الانتخابات محرّمة، و أنّ التصويت ممنوع شرعاً؛ و عليه فقد بات وضع النوّاب المنتخَبين معلوماً، و ما أن عُقِد المجلس حتّى‌ وافق النوّاب على جميع الموادّ العشر إلى الاثنتي عشرة، و بدأ العمل بتطبيقها؛ ثمّ مارسوا ضغوطاً شديدة على الناس، و احتجّوا عليهم بأنّكم قلتم سابقاً: لا يوجد مجلس، و بدون المجلس لا يمكن المصادقة على قرار من الناحية القانونيّة. أمّا الآن، فقد شكّلنا مجلساً، و نوّابه أصليّون مُسَلَّم بهم، و قد صادقوا جميعهم على ثورة الملك و الشعب هذه، فماذا تقولون الآن؟ و ليس ثمّة من معنى بعد الذي جرى لما يقوله سماحة آية الله الخمينيّ و آية الله الكلبايكانيّ.

  • نعم، لقد رأينا أنّ الأوضاع باءت إلى الأسوأ، و أنّ اولئكم سرقوا بالمكر و الخديعة و خلال شهور عديدة جميع تلك الجهود.

  • لقاء المؤلِّف بآية الله الخمينيّ في قم‌

  • ذات يوم من أيّام شهر رمضان، قلتُ لأحد الرفقاء: لنذهب إلى قم و نرى ما هي أحوال السادة الأعلام هناك؟ و ما عندهم من مواقف؟ فذهبت إلى قم مع صديقي الذي كان من العلماء و هو الآن على قيد الحياة، و قد بات عجوزاً، فحللنا في منزل عديلي سماحة السيّد هادي الروحانيّ، و كان بيته قريباً من بيت آية الله الخمينيّ، و بعد الإفطار و أداء صلاتي المغرب و العشاء ذهبنا إلى بيت آية الله الخمينيّ، فتجاذبنا أطراف الحديث في مواضيع مختلفة، و أخيراً قلتُ: و الآن ما العمل؟ ماذا تريدون أن تفعلوا؟! قال: أخبِرونا أنتم ما العمل. نعم، ماذا نفعل؟ فقلتُ: مادام هؤلاء قد مارسوا كلّ ضغوطهم و توصّلوا إلى ما أرادوه، فلا ينبغي علينا الجلوس، فكما خطّط هؤلاء، علينا أن ندخل الميدان من باب اخرى، إذ لا يصحّ أن نبقى هكذا. قال: نعم، فما العمل في رأيكم؟ قلتُ: ألم يقل القرآن: {وَعَدَ 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

62
  • اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}؟۱

  • قال: يا سيّد! هذا متعلّق بالذين آمنوا و عملوا الصالحات، لا يتعلّق بنا! فقلتُ: يا سيّد! لنأخذ مجاز الآية، فربّما تلطّف علينا الله تعالى بقبول أعمالنا على المعنى الحقيقيّ؛ فسيروا و الناس معكم إن شاء الله.

  • و كان آية الله الخمينيّ في ذلك الوقت محطّ الأنظار إثر ما أصدره من منشورات، و لذلك غطّى على البقيّة، و على الرغم من قوّة و متانة منشورات آية الله الكلبايكانيّ إلّا أنّها لم تحضَ بتلك الحيويّة التي امتازت بها منشورات آية الله الخمينيّ، أمّا منشورات الآخرين فقد كان الغالب عليها البساطة، لكنّ منشورات آية الله الخمينيّ كانت حيّة و محفّزة.

  • لذا قال لي: حسناً، قولوا أيّ نوع من المنشورات اصدر؟ و كانت وجهة نظره كالآتي: ينبغي أوّلًا أن نقوم بتربية و تهذيب الروحانيّين، و من ثمّ تربية و تعليم الناس؛ و قال: إذا لم ينتظم عمل الروحانيّة و لم يتهذّب الروحانيّون، فليس بالإمكان ترغيب الناس. قلتُ: اكتبوا منشوراً معنوناً إلى المسلمين، تقولون فيه: أيّها المسلمون! يا أهل هذا البلد! هلمّوا و انهضوا؛ و لا تكتبوا: الروحانيّون كذا و كذا، فأنا و أنتم على علم بأنّ بعض روحانيينا فاسدين، و هذا ما تقبلونه أنتم أيضاً، فذلك الروحانيّ على سبيل المثال الذي ذهب إلى النجف الأشرف للدراسة و قضى أربعين سنة في تلك الأجواء الصيفيّة الحارّة و تحمّل تنفّس ذلك الغبار القاتل، و أمضى الأيّام في أعماق تلك السراديب ذات الأربعين درجة يقرأ و يطالع من أجل أن يصبح ذات يوم مرجعاً، فإنّه لا يأتي ذلك اليوم الذي يعطيكم فيه يده من أجل الله و في الله، إذ كيف يحصل ذلك و قد قضى أربعين سنة في 

    1. الآية ٥٥، من السورة ٢٤: النور.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

63
  • البحث و الدرس، و قدّم ما قدّم من الجهود من أجل الرئاسة لا رضا الله.

  • و لا أقصد الغالبيّة بكلامي، بل أقصد أنّ ثمّة أشخاص على هذه الشاكلة، و هم غير مستعدّين بأيّ وجه من الوجوه للعمل من أجل الحقّ، كما لا يمكنكم إصلاح الروحانيّين ثمّ الانتقال إلى الآخرين، (حيث كان يقول: ينبغي إصلاح الروحانيّين أوّلًا) لا، لن تتمكّنوا من ذلك فالروحانيّون لا يفسحون لكم مجالًا. فذلك الشخص الذي تحمّل مرارة تلك السنين المتمادية من أجل أن يتسلّم زمام القيادة اليوم، لا يأتي و يقبل الأمر الإلهيّ، فنفسه لا تخشع، و لا يمكنه أن يقبل الحقّ أبداً ما دام يتنافى مع مصلحته.

  • فقال آية الله الخمينيّ: فما العمل؟ قلت: وجِّهوا نداءكم بصورة عامّة، و قولوا: أيّها المسلمون! أيّتها النساء! أيّها الرجال! و كلّ من يصل إلى سمعه هذا النداء و يرى نفسه مسلماً فسوف يتحرّك؛ من أين نعلم أنّ الأشرار هم ليسوا أقرب إلى الله من هذا النوع من الروحانيّين؟

  • لقد نشأ هؤلاء البنات و الأولاد المنحرفون في أجواء برامج مغلوطة، فهم لم يتربّوا، و مع ذلك ربّما عايشوا حالة المواجهة مع أنفسهم بإحساسهم حالة اقتراف الذنوب، فرغبوا بالتوبة على إثر إحساسهم بالذنب، فتلك الراقصة قد جاءت من عائلة لا تصلّي و لا تصوم، بل يُشرب فيها الخمر، ثمّ دخلت المدرسة، و من بين محيطَي البيت و المدرسة ذوي التوجيه السقيم، تخرّجت تلك البنت لتكون راقصة، و ربّما تأثّرت و تيقّظت من نداء الحقّ فتابت، أمّا ذلك الروحانيّ الذي لم يدرس إلّا من أجل الرئاسة فيعتقد أنّ كلّ أفعاله صحيحة و تصبّ في رضا الله؛ فأيّهما يا ترى أقرب إلى الله؟

  • نادوا بنداء الإسلام، و سيدعمكم الجميع و نحن من ضمنهم. فأنتم الآن واجهة التصدّي و سيتجاوب الناس مع هذا النداء و سينضوون تحت 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

64
  • هذا اللواء.

  • أجل، فقد طال حوارنا في تلك الليلة الرمضانيّة الصيفيّة ما يقارب الساعتين، حيث استمرّ إلى حدود الساعة الحادية عشرة، و بعدها قفلنا أنا و ذلك السيّد الذي أتيت معه راجعين إلى البيت بعد توديع آية الله الخمينيّ.

  • خطاب آية الله الخمينيّ التأريخيّ في مدرسة الفيضيّة

  • استمرّ حوارنا مع آية الله الخمينيّ إلى ما يقارب الحادية عشرة، و قد بدأت نشاطاته تنطلق من أساسيّات ذلك الحوار، حتّى حصلت قضيّة مدرسة الفيضيّة، فأبدع فيها بذلك الخطاب التأريخيّ الخطير؛ أمّا الخطيب الذي تحدّث قبل السيّد الخمينيّ في ذلك اليوم و هو من أقاربنا و كنت قد بعثته من طهران، و لا زال على قيد الحياة فقد وجّه خطاباً حماسيّاً مثيراً، و ثمّ توارى عن الأنظار.

  • و قد بذل أفراد مديريّة الأمن جهوداً كبيرة شملت جميع المدن الإيرانيّة في البحث عنه، لكنّ الفشل كان حليفهم؛ و الله وحده يعلم ماذا كانوا سيفعلون به لو ألقوا عليه القبض.

  • ولو أنّهم أرادوا القبض على آية الله الخمينيّ لاكتفوا بسجنه، أمّا بالنسبة لذلك المنبريّ العاديّ فلا يعلم سوى الله مدى ما سيناله من ألوان التعذيب بين زنزانات دائرة الأمن، و لذلك فقد التجأ إلى إحدى قرى طهران متنكّراً، و حصر نفسه في غرفة لمدّة ثلاثة أشهر بتمامها، و انشغل الجهاز الأمنيّ في البحث عنه خلال هذه المدّة دون جدوى، فأذعنوا أخيراً إلى أنّه قد تُوفي أو تمكّن من الهروب إلى خارج الحدود الإيرانيّة؛ و بعد هدوء الأوضاع بدأ ذلك الشخص بالتردّد هنا و هناك متنكِّراً، فلمّا انتصرت الثورة عاد إلى ارتداء العمامة على رأسه من جديد.

  • أجل، فقد كانت كلمة آية الله الخمينيّ في مدرسة الفيضيّة في العاشر من المحرّم كلمة خطيرة جدّاً و قد جلبوا لنا تسجيلها إلى طهران حيث 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

65
  • ألقي الكلمة عصر يوم عاشوراء المصادف للثالث عشر من شهر خرداد۱ و تمّ اعتقاله يوم الثاني عشر من المحرّم (۱٥ خرداد) في مدينة قم و جُلب إلى طهران.

  • كما تمّ إلقاء القبض على جميع العناصر الفعّالة في كافّة المدن الاخرى، فقد اعتُقل في شيراز كلّ من: الحاجّ السيّد عبدالحسين دستغيب، و سماحة مصباح الواعظ، و آية الله الحاجّ الشيخ بهاء الدين المحلّاتيّ، و ابنه الحاجّ الشيخ مجد الدين المحلّاتيّ، و اعتُقل في تبريز: آية الله الحاجّ السيّد محمّد علي القاضي، و في زنجان: آية الله الحاجّ عزّ الدين إمام الجمعة، و قد تمّ إلقاء القبض على هؤلاء و أودعوهم السجن لمدّة شهرين، و شمل الاعتقال الكثير من الشخصيّات، منهم آية الله الآذريّ الذي هو حاليّاً أحد أعضاء مجلس الخبراء الفعّالين، و كان يتردّد على مسجدنا مسجد القائم بعد صلاتَي المغرب و العشاء فيرتقي المنبر و يتحدّث بكلام مفيد جدّاً.

  • و قد حدث أن اعتُقِل كلّ مَن ارتقى المنبر ليلة العاشر في جميع مساجد طهران، لكنّ الصدفة لعبت دورها بالنسبة لآية الله الآذريّ حيث حدث له طارئ منعه من المجي‌ء إلى المسجد في تلك الليلة، فأفلت من الاعتقال. نعم، كان من الشخصيّات الفاعلة، و قد اندفع للعمل بقلب مفعم بالوازع الدينيّ الذي يحرّكه.

  • جهود المؤلِّف الحثيثة لإطلاق سراح آية الله الخمينيّ من سجن الطاغوت‌

  • أجل، فقد اقتادوا آية الله الخمينيّ و أودعوه في منطقة (عشرت آباد)، حينها كنّا في طهران أثناء أحداث (۱٥ خرداد)، يعني ۱٢ محرّم (فأنا لا أقول ۱٥ خرداد)، و قد حصل ما حصل في الثاني عشر من المحرّم في 

    1. الثالث من شهر حزيران. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

66
  • طهران و (ورامين) و قم و بقيّة المدن ... إلى ما شاء الله، و الذي أصبح إجمالًا معروفاً لدى الجميع، فقد قُتِل في طهران بين عشرة آلاف إلى خمسة عشر ألف شخص، فكلّ من لبس السواد قتلوه، علماً بأنّهم لم يرتدوا السواد لآية الله الخمينيّ، بل كان لبس السواد للإمام الحسين عليه‌السلام.

  • كان عدد القتلى كثيراً، ممّا اضطرّ الحكومة إلى جمع الجثث و حفظها، و أجبروا مَن يريد استلام جثّة من أهل القتيل على دفع ثمن الرصاص الذي في جسد القتيل! فيسألون عن عدد الرصاصات التي اصيب بها بعد أن عيّنوا مبلغاً لكلّ رصاصة، و لم يكتفوا بقيمة الرصاصة بل أضافوا إليها قيمة الإطلاقة بكامل محتوياتها مضافاً إليها مبلغ اندثار قطعة السلاح و اجرة الرامي و الناقلة، و لذلك كانت قيمة الرصاصة مثلا ٥۰۰ تومان، ۱۰۰۰ تومان، ٢۰۰۰ تومان!

  • و كانوا يقولون مثلًا: لقد اصيب ابنكم بثلاث رصاصات، فعليكم أن تدفعوا ثلاثة آلاف تومان بالتمام، و ليس من حقّكم أن تأخذوا الجنازة قبل دفع المبلغ كاملًا.

  • التفتوا! إنّها ليست باسطورة؛ و أخيراً فقد أودعوا آية الله الخمينيّ السجن، و الآن ... ماذا ينبغي أن نفعل؟ لقد وقفنا معه، و كنّا نتشاور في جميع الامور، و باختصار كنّا معاً على الدوام، لكنّهم أخذوه الآن و علينا العمل بكلّ ما يمكن لخلاصه.

  • لم يكن ثمّة هاتف في بيتنا في ذلك الوقت، فذهبت من أجل ذلك إلى بيت أحد الأقارب، و بقيت هناك حتّى الليل منشغلًا بالاتّصال بكلّ مَن خطر على ذهني.

  • و قد قرّرنا في طهران أن يجتمع العلماء في مكان معيّن يتوجّهون منه إلى مديريّة الشرطة، لنقول لهم: إن الخمينيّ ليس وحيداً، فكلّنا معه، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

67
  • و نحن شركاؤه في الاتّهام، لأنّا كنّا معاً في كلّ شي‌ء؛ و كان علينا جمع العلماء.

  • لم يكن عند البعض هاتف، فأخبرناهم عن طريق بعض الأفراد، أمّا من كان عنده هاتف فقد اتّصلنا به و أخبرناه بقرارنا، و لا أدري كم وصلت دفعات الاتّصال، أهي ثلاثمائة أو أربعمائة مرّة! رحم الله والد صاحب‌ البيت المذكور، لما قد سيتحمّله في تسديد فاتورة الهاتف جرّاء ما قمنا به.

  • و الخلاصة، فقد اهتمّ علماء طهران بتلك الاتّصالات الهاتفيّة بجدّيّة، و على الأخصّ كبارهم، مثل: آية الله الحاجّ الشيخ محمّد تقي الآمليّ رحمة الله عليه، و آية الله سماحة الآشتيانيّ، و آية الله الحاجّ السيّد صدر الدين الجزائريّ، و آية الله الحاجّ السيّد محمّد علي السبط الذين كانوا يحضرون جلساتنا و يتعاونون معنا مباشرة، مضافاً إلى العلماء المعروفين من الطراز الأوّل في طهران، و شارك الجميع في ذلك اللقاء، و اتّفقوا على أن يكون الملتقى في بيت سماحة الحاجّ السيّد الخلخاليّ الواقع في شارع خراسان، و أن يذهبوا من هناك إلى مديريّة الشرطة، فيعرّفوا أنفسهم بالقول: نحن مع الخمينيّ، و لن ندعه لوحده.

  • تقرّر جميع ذلك في الثاني عشر من المحرّم، على أن يتمّ الحضور في الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي (الثالث عشر من المحرّم) للذهاب إلى مديريّة الشرطة، و تقرّر أن أبقى في البيت ثمّ ألتحق بالركب، لأنّيّ كنت المحرِّك الأصليّ لكلّ ذلك.

  • و اجتمع في صباح اليوم الثاني جميع السادة، و كان سماحة الحاجّ الشيخ محمّد تقي الآمليّ و هو أحد تلاميذ المرحوم القاضي البارزين في العرفان مضافاً إلى بعض أفراد المجلس الذين أتوا للتحرّك معنا، و كان 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

68
  • عمّي آية الله الحاجّ السيّد محمّد تقي الطهراني يسألني باستمرار عن موعد التحرّك، و كان يقول: أنا معكم أيضاً. و في ذات الوقت كنت متهيّئاً للذهاب، و لم يكن أحد يعلم متى سنرجع، بل هل سنرجع أو لا؟ فقلتُ لأهل البيت: أعدّوا الحمّام لأغتسل؛ فإذا ذهبنا و رمونا بالرصاص كنّا في حال غسل إنابة و توبة إلى الحقّ المتعال، لأنّ المعروف عن ظرف ذلك‌ الوقت أنّ مَن يذهب، يذهب بلا رجعة، و كان في البيت الحاجّ هادي الأبهريّ و بعض الرفقاء، و كان الحاجّ هادي منهمكاً بالتدخين من غليونه، و كان يذرف الدمع و يقول: هذا سيّدنا، أسفاً له. و كان بكاؤه من أجلي و كرّر عبارة: أسفاً لسيّدنا هذا، أسفاً، ولكن ما في اليد من حيلة، و كان الحاجّ هادي يروم المجي‌ء معنا بدوره، و يقول: علينا أن نذهب.

  • أجل، كنّا على و شك الخروج، و إذا بالخبر يصلنا أنّ أفراد مديريّة الشرطة حاصروا بيت سماحة الحاجّ السيّد الخلخاليّ و ألقوا القبض على مَن كان هناك و حملوهم إلى مديريّة الشرطة، لقد داهموا البيت و اعتقلوا الجميع؛ كيف حصل ذلك؟

  • ثمّ قيل أنّ سماحة السيّد صادق شريعتمداري و كان حاضراً في ذلك التجمّع كان قد اتّصل من ذلك المكان ببيت سماحة الشريعتمداري في قم، و قال له: نحن مجتمعون في المكان الفلانيّ و سنتحرّك بعد ربع ساعة أو نصف ساعة.

  • و سواء كان هاتف سماحة شريعتمداري تحت المراقبة أم كان هناك أمر آخر، فقد اطّلع الجهاز الأمنيّ على محتوى المكالمة، فتمّت على الفور محاصرة ذلك البيت من قِبَل ضبّاط و مراتب الجيش؛ و قيل: إن الضبّاط ارتقوا سطح البيت مدجّجين بالأسلحة، بينما كان العلماء يتحلّقون حول بعضهم في غرف البيت، فخاطبهم الضبّاط: ما الخبر؟ لماذا أنتم 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

69
  • مجتمعون؟ تحيكون المؤامرات من هنا؟

  • و ردّ العلماء: لا، لسنا متآمرين، فنحن لا نملك سيفاً، و ليس عندنا الرصاص، و لا نبغى هجوماً؛ فطلبوا منهم في آخر المطاف الذهاب معهم إلى مديريّة الشرطة؛ فقالوا: ما اجتمعنا إلّا للذهاب إلى مديريّة الشرطة، فقالوا لهم: سواء كنتم ترومون الذهاب أو لا، فسنأخذكم فوراً إلى هناك؛ ثمّ قاموا بتكديس الجميع في شاحنات النقل دون مراعاة لأعمار المعتقلين الذي تجاوز البعض منهم السبعين و الثمانين سنة، و نقلوهم إلى مديريّة الشرطة.

  • و كان صهرنا سماحة الحاجّ السيّد علي النقيّ الجلاليّ الطهراني من الذين شملهم الاعتقال في تلك الواقعة.

  • ثمّ قيل لهم هناك: على أيّ شي‌ء كنتم تتآمرون؟ قالوا: كنّا نريد أن نأتي إليكم لنقول لكم إن الخمينيّ ليس وحده، و لا تتصوّروا أنّنا سندعه وحيداً؛ كانوا يستجوبونهم في مديريّة الشرطة واحداً تلو الآخر، ثمّ يقولون لكلّ منهم: قم و اذهب إلى بيتك، فنحن نقبض على مَن نراه مجرماً لا على من يدّعي ذلك! ثمّ أطلقوا سراح بعضهم و احتفظوا بالبعض لليلة أو ليلتين أو ثلاث ليالٍ، و احتجزوا بعضاً منهم لعدّة أسابيع، و أخيراً تمّ الإفراج عن الجميع.

  • قضى بعض الأفراد في الحجز عشرة أيّام، و بعضهم خمسة عشر يوماً، و البعض الآخر عشرين يوماً؛ و أخيراً نقلوا آية الله الخمينيّ إلى (عشرت آباد)، فلم تثمر جهودنا المبذولة تلك سوى عرقلة محاكمته ميدانيّاً و تخليصه من عمليّة الإعدام السريعة. و قد سمعتُ من المذياع عصر يوم الثاني عشر من المحرّم حينما كنت في البيت أنّ (پاكروان) رئيس مديريّة الأمن في ذلك الحين قال: لقد ثبت لنا أنّ أموالًا قد تسرّبت من 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

70
  • خلف الحدود بواسطة شخص يُدعى علي جوجو و سُلِّمت إلى الخمينيّ من أجل القيام بثورة، و باختصار فقد ثبت لنا أنّه مجرم و يجب محاكمته ميدانيّاً.

  • و طبيعة المحكمة الميدانيّة أن لا تتجاوز الساعتين في إصدار حكمها بالإعدام، و قد أخبَرَنا بعض معارفنا من العسكريّين أن الأوضاع بين صفوف الجيش خطيرة جدّاً، حيث كانوا قد ألصقوا صور سماحة الخمينيّ‌ على جدران الثكنات بصورة مشوّهة و قبيحة و سيّئة، و أظهروه على أنّه إنسان مُفسِد ونالوا منه بالتهم و الافتراء، كلّ ذلك من أجل تهيئة الأجواء فيما لو أرادوا إعدامه.

  • رأينا أن نشاطاتنا لم تؤتِ ثمارها المرجوّة، إذ اقتصرت على عرقلة مسير المحاكمة الميدانيّة فحسب؛ أمّا سماحته فقد نقل بعد قضائه ثلاثة أيّام في إحدى زنزانات النظارة، إلى سجن (عشرت آباد) حيث سُجِن شهرين كاملين في غرفة وسط المعسكر تحتوي على طِنفِسة۱ من غير فراش أو وسادة في انتظار صدور حكم إعدامه؛ و قد تأثّر كثيراً لحاله كلٌّ من آية الله سماحة الحاجّ السيّد أحمد الخوانساريّ و سماحة الحاجّ الشيخ أبوالفضل الزاهديّ القمّيّ بعد أن قاما بزيارته و تفقّدْ حاله.

  • و رأينا أنّ من غير الممكن أن نكون من القاعدين إلى أن يتمّ إعدامه؛ و زبدة القول: قدّمنا كلّ ما بوسعنا من أجل تخليصه من الإعدام.

  • رمز موفّقيّة المؤلِّف في ممارساته السياسيّة

  • و علينا هنا أن نشير بصورة مختصرة إلى رمز موفّقيتنا في مساعينا المشار إليها و نظائرها.

  • و توضيح ذلك أوّلًا: أنّيّ انشغلتُ بعد عودتي من النجف الأشرف 

    1. الطنفسة: سجّادة تشبه البساط. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

71
  • إلى طهران في ربيع الثاني سنة ۱٣۷۷ هـ . في العمل العلميّ و صلاة الجماعة و الخطابة و الوعظ و التدريس و بيان المسائل و الأحكام و تفسير القرآن الكريم في مسجد القائم الواقع في شارع السعديّ و هو مسجد اسِّس في حياة المرحوم الوالد، و كان رحمة الله الواسعة عليه من المواظبين على الصلاة فيه حتّى آخر عمره، مضافاً إلى شدّة دأبه في بيان المسائل و الأحكام و التفسير.

  • و كنتُ على دأب المرحوم الوالد ملتزماً ببيان شي‌ء من التفسير في المسجد في كلّ ليلة بعد صلاتَي المغرب و العشاء، و مواظباً على قراءة دعاء كميل في كلّ ليلة جمعة، و أمّا في ليالي كلّ ثلاثاء، فكان ثمّة دورة في التجويد و قراءة القرآن، و دأبتُ خلال شهر رمضان من كل سنة على التحدّث لنصف ساعة، أتطرّق فيها إلى المسائل الضروريّة و اللازمة، و كان حديثي بعد صلاة العصر، ثمّ أرتقي المنبر لإلقاء محاضرة مبسوطة تستمرّ بين ساعة و نصف إلى ساعتين تقريباً. و كنّا نُحيي ليالي الأعياد و المواليد، كليلة النصف من شعبان، و الغدير، و ليلة مولد الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم، و ليلة مولد الإمام أميرالمؤمنين و الإمام سيّدالشهداء، و مبعث رسول الله و مولد الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام. و كنتُ في أغلب هذه المناسبات أرتقي المنبر لُالقي كلمة بالمناسبة، و بالأخصّ في ليالي النصف من شعبان و الغدير و ميلاد رسول الله و المبعث، مضافاً إلى الخطب الحيّة عن تأريخ الإسلام و السيرة و نهج اولئك العظام، و تعريف الناس بأوضاع الساعة، عن طلائع ظهور بقيّة الله الأعظم: الحجّة ابن الحسن العسكريّ عجّل الله فَرَجَهُ الشريف، لتوطئة الأرضيّة المساعدة لظهور دولته، من خلال دعوة الناس إلى التقوى، و عمل الخير، و حماية القرآن الكريم، و الأمر بالمعروف، و تشكيل حكومة الإسلام، و تطبيق أحكام القرآن، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

72
  • و النهي عن المنكر و الترهيب من المفاسد و القبائح و الأعمال المشينة المخالفة للدين، و الترغيب في مواجهة الظلم و العدوان و تحطيم صروح الظلم و إعلاء راية العدل، و نظير هذه الامور.

  • كان أغلب المتردّدين على مسجد القائم ليس من سكنة المنطقة، و كانوا يأتون من مناطق بعيدة، و أغلبهم من الناس الواعين و من الشباب المتديّن الغيور على سمعة دينه؛ و كان من برامجنا دورة للقرآن تبدأ منذ ثلاث ساعات قبل الظهر كلّ يوم جمعة، و كنتُ أعطي للناس دروساً في التفسير و العقيدة من قبل الظهر بساعة و نصف حتّى الظهيرة، يتطرّق الحديث فيها إلى كثير من المواضيع الحِكَميّة و الفلسفيّة و العرفانيّة، و عند تمام ساعة الظهر نقوم مع الجمع الحاشد في المسجد و باحته بأداء الصلاة جماعةً، و من ثمّ يتفرّق الناس.

  • و كنتُ في جميع المناسبات الدينيّة، مثل ليالي القدر، و عاشوراء، و وفاة خاتم الأنبياء صلّى الله عليه و آله و سلّم ملتزماً بإلقاء كلمة بالمناسبة، و كان عنوان الاخوّة هو الرابط بيني و بين اولئك الناس من ذوي الغيرة و الإحساس و اولئك الشباب المهذّبون؛ إذ لم تكن الخطب و المواعظ من باب الإلزام و التكليف و لا ازاولها كمهنة، فلهذا كان ما يجمعني و إيّاهم الانس و الارتياح المتبادل.

  • و ثانياً: كان عدد الخطباء المعروفين محدوداً آنذاك، و كان لكلٍّ منهم مجلسه الخاصّ، فكان يعسر عليهم تلبية دعوتنا لهم؛ أمّا الخطباء غير المعروفين فمن الصعب عليهم ارتقاء منبر كمنبرنا، و التحدّث مع الجمع الغفير المحتشد، ناهيك عن حضور أساتذة الجامعة و المدراء و المسؤولين بين ذلك الحشد.

  • و ثالثاً: أنّ رغبة العامّة في دعوة الوعّاظ و الخطباء كانت ملحّة، لكنّها 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

73
  • محفوفة ببعض السلبيّات، فالخطيب يتناول الحديث فيما يراه مناسباً، لا فيما نريده نحن.

  • كما أنّ المواضيع المنتخبة السائدة بين الخطباء حينذاك لا تتماشى مع منهجيّتنا، و لا تنسجم مع البرنامج المعدّ لرقيّ الطلّاب و الشباب، كما أنّنا لم نحصل على نتيجة ملموسة خلال عقد من الزمن من جرّاء دعوة الوعّاظ، بل أتعبوا الناس و أصابوا الأفكار و المعنويّات بالخمول.

  • لذا، فقد حمّلتني هذه المسألة مسؤوليّة كبيرة، فاضطررت إلى الوعظ و الخطابة حتّى الأيّام الأخيرة، على الرغم من كبر سنّي و حاجتي الملحّة للاستراحة، حيث كنتُ أتواجد في عيدَي الفطر و الأضحى و شهر رمضان و سائر أيّام المناسبات الاخرى على الرغم من المشقّة الكبيرة، و كنتُ مضطراً إلى الخطابة في بعض الأيّام مع أنّ المشقّة كانت تصل إلى حدّ العسر و الحرج.

  • و على أيّة حال، فقد كنّا ندعو الناس إلى الإسلام الواقعيّ و الحقيقيّ، و كان هذا الأمر يستدعي المواجهة مع الجهاز الحاكم، الذي كان يريد للناس أن يبقوا مشغولين، و أن تُحجب الحقائق و فهم المجريات عنهم، و لذا فقد كنّا في صراع دائم مع المتصدّين للُامور الداخليّة و إدارة المسجد في خصوص دعوة الوعّاظ، و الله وحده يعلم كم عانيت خلال تلك المدّة البالغة أربعاً و عشرين سنة، منذ تأريخ عودتي من النجف إلى طهران من اولئك الأشخاص و كم واجهت من المشاكل و الصعاب غير القابلة للتحمّل.

  • و نغلق هذا الملفّ الآن، في انتظار يوم العدل و موقف جلالة ربّ العزّة، لنرى أيّة أسرار ستكشف؟ و ما تلك المسائل التي كانت قابعة وراء الأستار؟

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

74
  • كان ثَمَّ أمران مهمّان في تأييد و تسديد الباري سبحانه لحفظنا، الأوّل: كنّا خلال تلك المدّة الطويلة نرتقي المنبر و نتكلّم في العموميّات في التفسير، و في الخطب، و في بيان التأريخ و سنن رسول الله و الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، و لم نتناول أيّة شخصيّة بالنبز أو الانتقاد؛ و كان تفسيرنا يتطرّق إلى آيات الجهاد و النهوض و الحركة، و تبيان أخلاق رسول الله، من غير أن نتهجّم على الملك و البلاط و رئيس الوزراء و الوزراء و أمثالهم، إذ لو حصل ذلك لما تمكّنّا من الاستمرار في‌ العمل، و لتمكّنوا منذ البدء بإجهاض مشاريعنا. فلهذا كان من اللازم بيان العموميّات، و ذكر التطبيقات التي لا تثير مداهمات الجهاز الأمنيّ، للوصول إلى ما عقدنا عليه النيّة في تربية الناس و الشباب خاصّة و بيان المفاهيم الرساليّة. و كان هذا الأمر مهمّاً جدّاً.

  • فمثلًا، أقمنا احتفالًا في مسجد القائم بمناسبة النصف من شعبان في سنة ۱٣۷۸ هـ ، وزّعنا فيه أربعة آلاف نسخة من منشور التبريك على الصورة المدوّنة أدناه و لم نكتفِ بتوزيعه على الحاضرين في الاحتفال و إرساله إلى الشخصيّات المهمّة، بل أرسلنا بالبريد كمّيّة منه إلى العلماء و الفضلاء في النجف و كربلاء و الكاظميّة، كما أرسلنا كمّيّة منه إلى الكثير من علماء إيران في المدن المختلفة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

75
  • ...

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

76
  • (و أدناه ترجمة منشور التبريك):

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • نبارك لجميع مسلمي العالم بذكرى الولادة المباركة لقائم آل محمّد: الحجّة ابن الحسن المهديّ العسكريّ عجّل الله فرجه الشريف.

  • اللهمّ اجعل هذه الذكرى مباركة للجميع، و اجعل سلوكهم حسناً، و أحيي قلوبهم، و انصرهم في إعلاء كلمة التوحيد الحقّة و الحفاظ على حياض قانون الإسلام المقدّس و راية العدل.

  • "اللَهُمَّ إنَّا نَرْغَبُ إلَيْكَ في دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الإسْلامَ وَ أهْلَهُ وَ تُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَ أهْلَهُ وَ تَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إلى طَاعَتِكَ وَ القَادَةِ إلى سَبِيلِكَ وَ تَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ".

  • من مجموع الأخبار و الأحاديث المتواترة الواردة حول ظهور الإمام وليّ العصر أرواح العالمين له الفداء نفهم بأنّ ظهور الإمام يكون في وقت تملأ فيه الأرض ظلماً و جوراً، و أنّه يتزامن مع تهيئة الأجواء لذلك الظهور من خلال إيجاد العدد الكافي من الأنصار و الأصحاب لنصرته، أي: في نفس الوقت الذي يُهَدَّد فيه هذا العالم على سعته من قِبَل جماعات عديدة و هي الأكثريّة بالظلم و العدوان، فثمّة جماعة تمثِّل الأقلّيّة تقف أمامها راسخة الإيمان، و هي ذات عقيدة ثابتة، صامدة، مضحّية، مجاهدة، على أتمّ استعداد لنصرته. و قد اشير إلى ذلك في كتاب «الاحتجاج» ضمن توقيع الإمام المهديّ للشيخ المفيد رضوان الله عليه في قوله عليه‌السلام: "وَلَوْ أنَّ أشْيَاعَنَا وَفَّقَهُمُ اللهُ لِطَاعَتِهِ على اجْتِمَاعٍ مِنَ القُلُوبِ في الوَفَاءِ بِالعَهْدِ عَلَيْهِمْ لَمَا تَأخَّرَ عَنْهُمُ اليُمْنُ بِلِقَائِنَا".

  • لذا أصبح لزاماً على جميع العشّاق المولهين بظهوره، و الظمأى للماء

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

77
  • المعين، و المتطلّعين إلى اهتزاز لواء الحقّ و راية دولته أن يهتمّوا بإرادة قويّة و فكر حُرّ متطلِّع بإرشاد الناس إلى حقائق الإسلام و علوم القرآن الكريم الرفيعة، حتّى تُبثّ الروح في النفوس تدريجيّاً و تصبح مهيّئة للنفحات الباعثة على الحياة ... اللهمّ نوّر عيون العالمين برؤية وجهه المنير.

  • "اللَهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الحُجَّةِ ابْنِ الحَسَنِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَ على آبَائِهِ في هَذِهِ السَّاعَةِ وَ في كُلِّ سَاعَةٍ وَلِيَّاً وَ حَافِظاً وَ قَائِداً وَ نَاصِراً وَ دَلِيلًا وَ عَيْنَاً حتّى تُسْكِنَهُ أرْضَكَ طَوْعاً وَ تُمَتِّعَهُ فِيهَا طَوِيلًا".

  • نسألُ الله تعالى أن يوفّقنا و جميع إخواننا لما يحبّ و يرضى.

  • السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهرانيّ‌.

  •  

  • بملاحظة نصّ المنشور بدقّة، يظهر مدى سعينا في توسعة الطرق الصحيحة لنهضة و تحرّك الجماهير، و لكيفيّة المواجهة في زمن الاختناق المذكور، فقد ذكّرنا من خلال منشور التبريك بمواضيع مهمّة و أساسيّة و دقيقة و محطّ تأمّل، و وجّهنا من خلاله في الوقت ذاته دعوة عامّة إلى تهذيب الأخلاق، و العمل بالقرآن، و حفظ و إعلاء كلمة التوحيد الحقّة، و الحفاظ على حياض قانون الإسلام، توطئةً لظهور دولة إمام الزمان الحقّة. و من المعلوم أنّ الجهاز الحاكم سيعجز عن العثور على ثغرة في المنشور يعدّها دليلًا على مخالفته.

  • و في السنة التي سبقت تلك، أي في النصف من شعبان ۱٣۷۷ هـ قبل اثنتين و ثلاثين سنة، المصادفة للسنة الاولى من هجرتي من النجف الأشرف إلى طهران طبعت (۱٤) ألف نسخة من منشور تبريك بعدّة

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

78
  • صفحات ذات إطار جميل جدّاً مزيّن بخمسة ألوان، كُتِبَ في وسطه سطر عريض بخطّ النستعليق،۱ يحمل عبارة: يَا حُجَّةَ ابْنَ الحَسَنِ المَهْدِيّ.

  • و علت الصحفة عبارة: "اللَهُمَّ إنَّا نَرْغَبُ إلَيْكَ في دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ... إلى: وَ تَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ"، و جاء في أسفلها الترجمة الفارسيّة للعبارة المذكورة في صدر المنشور، كما في منشور سنة ۱٣۷۸ هـ . 

  • و قد وُزِّعَتْ تلك النسخ بذلك العدد المذكور في طهران و بعض المدن، و طُلِبَ من الناس فيها المحافظة عليها و تعليقها على جدران المحلّات و المكاتب و البيوت في إطار مناسب.

  • و يشاهد الآن ذلك المنشور معلّقاً في الكثير من البيوت، فهل التفتّم إلى دقّة معنى و محتوى ذلك، و كيفيّة تحريكه للناس من أجل إعلاء حكومة الإسلام الحقّة؟ نعم، فقد كان على صورة ترجمة دعاء يُقرأ في الليالي الرمضانيّة، و بصورة دعاء ينبغي قراءته لتعجيل فرج الإمام بقيّة الله، الذي ينبغي أن يكون امنية كلّ شيعيّ و مسلم.

  • من المعلوم أنّه ليس بإمكان الجهاز الجائر أن يمنع صراحةً أو يسجن أو يعدّ ملفّات الإجرام لهكذا أنشطة. أجل، كانوا يعملون على محاولة إحباط هذه المجالس بصورة غير مباشرة. لتلافي آثارها المتوقّعة. ففي ليالي بعض الاحتفالات، نراهم يقطعون التيّار الكهربائيّ في المحلّة من دون سبب، أو يأتون إلى المجلس ليُحدثوا الضوضاء و المضايقات، و نظائر هذه الامور، و قد استمرّوا على هذا المنوال حتّى الأيّام الأخيرة، و كانت ممارساتهم من الكثرة بحيث تشمئزّ منها النفوس و يضيق الصدر من ذكرها.

  • و كان إعلامنا لدرجة عالية من الوضوح و الإثارة و الإيقاظ، و في

    1. أحد أنواع الخطّ في الكتابة الفارسيّة. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

79
  • الوقت ذاته كان منطقيّاً بحيث لم يعطِ للسلطة ما تتذرّع به حتّى سُمِعَ أنّه في أحد مجالس الاحتفال بذكرى مبعث خاتم النبيّين صلّى الله عليه و آله و سلّم في مسجد هدايت (= الهداية) الواقع في شارع إسلامبول، و هو من المجالس المهمّة المهيبة كان حجّة الإسلام المرحوم الحاجّ السيّد محمود الطالقانيّ رحمة الله عليه إمام جماعة ذلك المسجد، و هو من أعلام تلك الجماعة و خطيبهم أنّ الخطيب أعلن بصراحة بأنّه: لم يسبق أن طرق سمعنا صوت ينادي بإيقاظ الناس و تحذيرهم في جميع مساجد طهران، حتّى جاءنا النداء الأوّل من مسجد القائم هاتفاً: "اللَهُمَّ إنَّا نَرْغَبُ إلَيْكَ في دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الإسْلامَ وَ أهْلَهُ وَ تُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَ أهْلَهُ وَ تَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إلى طَاعَتِكَ وَ القَادَةِ إلى سَبِيلِكَ".

  • و يمكننا أن نعدّ الأمر الثاني الذي كان له الدور الكبير في أعانتنا على سرعة التقدّم و هو من الألطاف الخفيّة للباري سبحانه هو: أنّ جميع انشطتنا و تعاضدنا من أجل إسقاط الحكومة الجائرة إنّما تمّت بسرّيّة تامّة، فلم تتمكّن الدولة و جهاز السافاك (مديريّة الأمن) من الاطّلاع على ما نقوم به بأيّ وجه من الوجوه، سوى حالة جزئيّة بسيطة قدّموا لها مقدّمات لا تخطر بالذهن؛ و قد أيقظتنا تلك المسألة إلى ضرورة مراعاة السرّيّة التامّة في العمل في هذه المواقع، بحيث نضع في الحسبان احتمال وصول الأمر إلى الجهاز الحاكم حتّى و إن تعدّدت الوسائط، و إلّا باء العمل بالفشل و آلت النتيجة إلى العقم.

  • و الله تبارك و تعالى هادينا في هذا المجال، و لولا عنايته لانتفت ثمرات جهودنا؛ و إذا كُشِف ارتباط الأشخاص الحركيّين و كيفيّة العمل، فسنتحمّل حينها مسؤوليّة دنيويّة و اخرويّة. و نعوذ بالله من شرور أنفسنا.

  • هنا، بان لنا كوضوح الشمس معنى دعاء: "إلَهِي لَا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

80
  • طَرْفَةَ عَيْنٍ أبَداً في الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ"!

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

81
  •  

  •  

  • الدَّرس الثَالِث: اعْتِقَالُ آية اللهِ الخُمينيّ و نَشَاط المؤلِّف الفَعَّال‌لإنْقَاذِهِ منَ الإعْدَام‌

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

83
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وَ صَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • وصل بنا الحديث إلى أنّ القصد من اعتقال سماحة آية الله الخمينيّ هو إعدامه، عن طريق محاكمته ميدانيّاً و إصدار الحكم الفوريّ بالإعدام؛ و تعتبر هذه القضيّة من القضايا المهمّة جدّاً، إذ لم يسبق لهم أن اعتقلوا مرجعاً من أجل إعدامه، فصحيح أنّه لم يصل درجة المرجعيّة التامّة في ذلك الوقت، لكنّه كان قد حظي برتبة المرجعيّة بين مراجع النجف و إيران.

  • بقيت الدولة و مديريّة الأمن (السافاك) في انتظار الفرصة المناسبة لتنفيذ ما عزمت عليه، فلم تتهيّأ لهم تلك الفرصة بعد أن وصلت الامور إلى طريق مسدود، فلم يتمكنوا من عمل أي شي‌ء مضادّ لسماحته، و بذات الوقت لم يتمكّنوا من إقناعه بالسكوت أو انتهاج طريق المصالحة مع الدولة، و لذا عمدوا إلى محاولة إسقاطه عبر وسائل الإعلام، و افتروا عليه بمختلف ألوان الكذب و البهتان من خلال الجرائد و المحطّات الإذاعيّة التابعة لهم، راجين من ذلك إسقاط سمعته أمام الناس ليتمكّنوا من تنفيذ حكم الإعدام.

  • بعد أن شاهدنا عدم جدوى تشكيل تلك الجلسة التي كان الغرض منها

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

84
  • ذهاب العلماء إلى مديريّة الشرطة، إذ قابلتهم مديريّة الشرطة بعنوان غير مجرمين؛ قلنا: حسناً، ماذا يجب أن نفعل؟ في ذلك الوقت كان آية الله الميلانيّ شخصيّة بارزة و مرموقة في مدينة مشهد، و كان لنا معه سابقة يطول الحديث عنها، و كنتُ أكتب له في بعض الأحيان بعض الرسائل، و كان يعمل بكلّ ما أكتب له، و قال لي: كنتُ احتفظ ببعض رسائلك لكي اطالعها مراراً، و ذات مرّة قال للحاجّ هادي الأبهريّ المعروف بيننا: إنّه (يقصدني) كثير ما يستشهد بالآيات القرآنيّة في رسائله، فهل هو حافظ للقرآن؟ فقال الحاجّ هادي: لا علم لي بذلك، ولكنّي أعلم أنّه يقرأ سورة الجمعة في الصلوات اليوميّة أيّام الجُمَع في المسجد.

  • أجل، أرسلتُ في ذلك الوقت السيّد الحاجّ حسن معين أخو زوجتي، و هو من الطلبة المخلصين الصادقين الطيّبين، و أحد المنضوين بين صفوفنا إلى مشهد لكي يطلب من آية الله الميلانيّ المجي‌ء فوراً إلى طهران!

  • فذهب السيّد حسن في حافلات السفر العامّة إلى مشهد، و في الطريق بين مدينتَي سبزوار و نيشابور توقّفت الحافلة قرب إحدى المقاهي للاستراحة و تناول الغذاء، و من غير معرفة سابقة يأتي أحد المسافرين و يجلس جنب السيّد حسن فيبادله الحديث بحرارة، و كان ذلك الشخص أحد أفراد الجهاز الأمنيّ جاء بمهمّة تجسّسيّة؛ و من خلال الحديث قال السيّد حسن: نعم، أنا الآن اريد السفر إلى مشهد، و أروم اللقاء بآية الله الميلانيّ بسبب المجريات السالفة الذكر؛ فأظهر ذلك الرجل تأسّفه، و قال بأنّ هذا الأمر لازم جدّاً لما حلّ بالمسلمين من مصيبة كبرى. ولكن، بمجرّد وصول السيّد حسن مدينة مشهد القي القبض عليه و اودع في السجن لمدّة اسبوع، ثمّ أطلقوا سراحه دون أيّة مقدّمة، أمّا آية الله‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

85
  • الميلانيّ فقد اتّجه إلى مطار مشهد دون أن يحجز مسبقاً بطاقة سفر لئلّا يلتفت إليه الجهاز الأمنيّ، و حصل على بطاقة سفر من المطار، و ارتقى الطائرة، و حلّقت الطائرة و تجاوزت أجواء مشهد، لكنّ الأوامر صدرت للطيّار و هو بين مشهد و طهران بالعودة إلى مطار مشهد!

  • أجل، رجعت الطائرة إلى مشهد و حطّت مع جميع ركّابها على أرض المطار. و من جهة اخرى فقد شرعوا من ذلك اليوم بتشكيل إضبارة لآية الله الخمينيّ، و سوّدوها بمختلف الاتّهامات السيّئة.

  • قيل: إن الطابع الحاكم في الجيش هو أن ليس ثمّة من محاكمة بعد الاستجواب و تشكيل إضبارة الاتّهام، بل المعروف هو إصدار الحكم و من ثمّ تشكيل الإضبارة؛ فيُقال لمن يُراد إعدامه: إن هذا قد حُكِمَ بالإعدام، ثمّ يبدأون تشكيل الإضبارة التي تستمرّ بشكلٍ إلى حتّى الوصول لحكم الإعدام، و كانوا يعرفون جيّداً كيف يُنَظِّمون الإضبارات.

  • قضيّتا المرحوم طيِّب و المرحوم الحاجّ إسماعيل رضائي‌

  • و من الأشخاص الذين انتفضوا في طهران في الثاني عشر من المحرّم (الخامس عشر من خرداد): طيِّب و الحاجّ إسماعيل رضائي، و هما من الشخصيّات المعروفة في طهران، فالحاجّ إسماعيل رضائي هو الذي جلب ناقلة حمل كبيرة مليئة بالخشب إلى جنوب المدينة و وزّعه بين الناس المتهيّئين للمواجهة مع الدولة.

  • قيل عنه: إنّه رجل متديّن جدّاً، و من المواظبين على صلاة الليل، و إنّه لم يقُم بذلك العمل إلّا غيرة على دينه، و قد حكموه بالإعدام، فقُتِل.

  • أمّا طيِّب، فقد كان من أشقياء طهران المعروفين، و كانت ثمّة مجموعة تعمل تحت إمرته، و كان يأخذ الأتاوات بالإجبار من المحلّات، و له الكثير من أمثال هذه الممارسات، ولكنّه في الوقت ذاته صاحب مجلس عزاء حسينيّ منظَّم و موزون في أيّام المحرّم، كما كان له موكب‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

86
  • حسينيّ معروف، و من دأبه أن يذبح الأبقار أمام مسير موكبه.

  • انتفض طيِّب ضدّ الدولة في الخامس عشر من خرداد و قام بتحريك الناس، أي وزّع جميع أفراده العاملين تحت إمرته في الشوارع و هم يرفعون الشعارات المضادّة للدولة. و قد قتلت الدولة كلّ مَن قدرت عليه و تمكّنت من إلقاء القبض على طيِّب.

  • يُوصَف طيِّب بأنّه (لم تسبق لي رؤيته، لكنّ صوره حاكية عنه) طويل القامة، ضخم الجثّة، قويّ البنية، و باختصار فهو شبيه شعبان الجعفريّ المعروف في طهران باسم شعبان تاج بخش؛ و كان وليّ العهد و كبار رجال الدولة يحضرون في مجالس طيِّب الحسينيّة، و يذهبون إلى ناديه، و كان هو أيضاً آمراً و ناهياً، و تراه في أمره و نهيه و كأنّه ملك طهران.

  • و يعتبر مقر تواجد طيِّب ركناً من أركان طهران، حتّى أنّه في حفل التتويج قد نصب الزينة و جلب النساء و أقام الحفلات الراقصة، فقد كان من هذا النوع من الرجال أيضاً؛ فهو ليس بالرجل المتديّن مائة في المائة، و نحن لا نعلم إلّا ظاهره، و الله العالم ببواطن الامور.

  • و بسبب غيرة طيِّب الدينيّة فقد انتفض، و تحمّل ألوان التعذيب بسبب ذلك؛ و قيل له: قدِّم إقراراً بأنّك قد استلمت مبلغاً من السيّد الخمينيّ، و إذا فعلت ذلك فلا نرفع عنك حكم الإعدام فحسب، بل سنعيد إليك كلّ ما فقدته من جهاز و ابّهة و زعامة و تأريخ، و سنفسح لك المجال رحباً لتعود على ما كنت عليه بالسابق أو أكثر.

  • ولكنّ طيِّب قال لهم: لا أفعل ذلك. فقيل له: لماذا؟ قال: أنا لم أستلم مبلغاً، و أنا لا أتّهم السيّد. قيل له: ما هذا الكلام يا أحمق؟! فالآدميّ هو الذي يُطَوِّر نفسه إلى الأحسن. فقال: لم أستلم مبلغاً، و لا أتّهم 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

87
  • أحداً. و كلّ ما ستقولونه لي سأفعله، قولوا كلّ ما تريدون و سانفذه لكم، لكنّني لا أستطيع أن الصق التهم بالآخرين، و أنا لا أتّهمُ السيّد لأنّيّ لم أستلم منه مبلغاً.

  • وضعوه في الاعتقال إلى ما يقارب الشهرين، و شكّلوا له إضبارة طويلة عريضة، قيل إن حملها كان يصعب لثقل وزنها، بعد أن مُلئت بالتهم و الافتراءات.

  • لاقى طيّب ما لاقى من ألوان التعذيب في السجن، حتّى أحرقوا بدنه بأنواع الآلات الحارقة الموجودة في وسائل تعذيبهم؛ و قيل: أحرقوا جميع بدنه، حتّى أنّ طيِّباً ذلك الطويل المهيب القويّ بات مجرّد إنسان مريض ضعيف البنية، و مع كلّ ذلك فقد كان مصرّاً على موقفه المتجسِّد في: لا أفعل ذلك، لا أتّهم أحداً. و استمرّ على ذلك الموقف، فاضطرّوا إلى إصدار حكم إعدامه، ثمّ اعدم في يوم واحد هو و الحاجّ إسماعيل معاً. و قيل إنّه نزع قميصه في المحكمة أمام ضبّاط التحقيق و أظهر لهم آثار الجروح و الحروق التي ما زالت مطبوعة على بدنه جرّاء التعذيب.

  • على الإنسان أن يأخذ من هؤلاء الدرس و العِبرة، إذ كيف غيّر الله هكذا اناس و جعلهم على هذه الشاكلة.

  • كان طيّب رجلًا ارتكب كلّ ما يمكنكم تصوّره من المعاصي، و في أقبح صورها، لكنّه كان يقول: أنا لا أتّهم السيّد، مع أنّه لم يفهم معنى أنّ آية الله الخمينيّ عالمٌ، و مرجع و. و. و كان لا يبرح يكرّر القول: لم أستلم مبلغاً، و لا أتّهم أحداً، و لا اوَقِّع على شي‌ء.

  • أجل، آل أمر هذين الرجلين إلى الإعدام، و قد تأثّرت لهما كثيراً و لطيِّب بالذات، حيث إن الحاجّ إسماعيل إنسان مُصَلٍّ متديّن، و من المواظبين على صلاة الليل، فليس من المهمّ أن يودع السجن و يُعدَم، لأنّه 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

88
  • صاحب هدف، و لأجل هدفه قد اودع السجن؛ أمّا أن يأتي شقيّ من‌ الأشقياء مثل طيِّب فيتنازل عن كلّ شي‌ء، عن حفلاته، عن ندمائه، عن مجالسه الحسينيّة، عن ذبح الأبقار خدمةً للمواكب، عن الزعامة التي كانت تماثل رئاسة السلطنة ... يتجاوز كلّ ذلك و يكون مستعدّاً لأن يُقَطَّع بدنه إرباً أرباً، و من ثمّ يُقاد إلى خشبة الإعدام، ففي ذلك عِبرة للجميع، و أمثال هؤلاء أفراد ذوو قابليّات، ولو كانوا قد تربّوا لبلغوا شأناً في الشرع، على العكس من أصحاب التزمّت و التشدّد الأجوف.

  • ولو تربّى طيِّب هذا مثلًا منذ الطفولة على يدي أميرالمؤمنين، فمن يدري أنّه لا يكون مثل مالك الأشتر، ولكنّ والديه قد تركاه منذ الطفولة يرتع بين المقاهي، و لمّا كبر بقي على حالته أمّيّاً جاهلًا، لا يذهب إلى مسجد، و لا يستمع إلى موعظة، ثمّ اتّخذ مسيره ذاك في الحياة، فأضحى على هذه الشاكلة.

  • فطيّب من الذين ينبغي قيد أسمائهم بحقّ في سجل هذه الثورة، و لابدّ من تكريم مواقفه، لأنّه قدَّم نفسه و كلّ ما يملك قرباناً في هذا الاتّجاه. و بعد إعدامه ذهبتُ لزيارة قبره؛ و يقع قبره قرب مرقد الشاه عبدالعظيم، في الركن الذي بين صحنَي الشاه عبدالعظيم و السيّد حمزة؛ و يقع قبر الحاجّ إسماعيل في ذلك الصحن، داخل إحدى المقابر.

  • و صادف أن رأيتُ في ليلة إعدامهما رؤيا مذهلة، على الرغم من عدم علمي بأنّها ليلة إعدامهما.

  • رأيت في المنام أنّيّ جالس جنب حوض ملي‌ء بالماء الزلال، يفوق زلاله رقّة صفاء دمع العين، و تحيط بنا أشجار الصفصاف و السرو و أمثالها فتُلقي بظلالها على الماء الذي تلألأ برّاقاً، و كان ثمّة شابّ يعوم في الماء له ضفائر طويلة، و غالباً ما تخرج ضفائره عن الماء و تعود ثانية لتنغمس فيه؛ 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

89
  • و كنتُ جالساً جنب هذا الحوض، و على مقربة من الحوض طريق ترابيّ‌ شبيه بطرق القرى و الأرياف، تتردّد فيه الحمير و البغال ذهاباً و إياباً. و كلُّ مَن يسلك هذا الطريق يُواجَه بغبار كثيف؛ هكذا كان المنام.

  • و كان في يدي كأس في تلك الرؤيا ففهمت بعد ذلك أنّه ينبغي لشخصَين عبور هذا الطريق، و لكي يصفى لهما الطريق من الغبار و التراب، قمتُ برشّه من ذلك الكأس، فتهيّأ الطريق بشكل جيّد، و من ثمّ جاء الشخصان و سارا فيه. مرّ الحلم عليَّ و لم أفقه منه شيئاً، و في غد تلك الليلة، و بالذات بعد ساعة أو ساعتين من شروق الشمس، جاءنا خبر إعدام كلّ مِن طيِّب و الحاجّ إسماعيل.

  • دعوة المؤلِّف لعلماء البلاد لتثبيت مقام المرجعيّة لآية الله الخمينيّ‌

  • أجل، لقد كان قرار إعدام آية الله الخمينيّ من قِبَل الدولة جادّاً، و اقيمت في طهران و أطرافها اجتماعات و ندوات للحيلولة دون تنفيذ ذلك القرار، لكنّ جميع تلك الجهود باءت بالفشل، لأنّها لم تكن مؤثّرة بحيث تُلغى عمليّة الإعدام تلك.

  • فرأينا أن نقف وقفة جدّيّة لتخليصه من الإعدام، فتدارسنا المسألة من جميع جوانبها، فقيل بأنّ هناك طريقاً واحداً لا أكثر، و هو ضرورة تعريفه كمرجع للمسلمين، إذ كان المرجع حينها يتمتّع بالحصانة وفق القانون المطبّق في إيران، و إذا عُرِفَ بالمرجعيّة فسيتعذّر من وجهة النظر القانونيّة للجهاز الحاكم و مديريّة الأمن إصدار الحكم ضدّه، و حينئذٍ لن تجدي ملفّاتهم نفعاً مهما كانت.

  • قلتُ: كيف نُثبت مرجعيّته؟ فلا يكفي بأن يكتب زيد و يكتب عمرو بذلك. ثمّ قلتُ: ينبغي أن يحضر في طهران جميع العلماء من الطراز الأوّل من المتواجدين في المدن الإيرانيّة، فيُقرّر إعلان مرجعيّته من قِبَل الجميع في جلسة خاصّة لهذا الأمر.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

90
  • فقمت بكتابة الرسائل إلى جميع البقاع، إلى آية الله الميلانيّ في‌ مشهد، و إلى آية الله الصدوقيّ في يزد، و إلى آية الله الخادميّ، و آية الله الحاجّ رضاي أرباب، و شمس آبادي في أصفهان، و إلى آية الله السيّد محمّد علي القاضي في تبريز، و إلى السيّد حسن بحر العلوم، و السيّد الضيابريّ في رشت، و إلى آية الله الآخوندالمولى علي الهمدانيّ في همدان و كان محتاطاً جدّاً و لم يكن من المساهمين فيما مرّ من الأحداث، و لمّا وصلت رسالتي إليه (و كانت تربطني به رابطة ما سابقة)، قال: خطُّ جميلٌ جدّاً، ثمّ أردف قائلًا: إنشاؤه جيّد جدّاً أيضاً؛ فقال له المبعوث الذي أوصل إليه الرسالة: حسناً، ما الجواب؟ هل تستجيبون للطلب و تأتون إلى طهران أو لا؟! فقال: لابدّ لي من الذهاب إلى طهران للمعالجة، لأنّ عيني تؤلمني. (و كان يتخوّف، لأنّكم لا تعلمون ماذا كان يجري! و لست اريد تخطئته) و أخيراً، فقد جاء إلى طهران بعنوان علاج عينه، و شارك في تلك الجلسة الطارئة؛ و كان من الحضور أيضاً آية الله السيّد علي الرامهرمزيّ، و بدأ العلماء يتوافدون على طهران واحداً بعد الآخر، و من ضمنهم آية الله الميلانيّ، و حلّ الجميع ضيوفاً في منزل وسط بستان قرب الشاه عبدالعظيم، أمّا آية الله الميلانيّ فقد أقام في شارع وليّ العصر الحالي (شارع أميريّة سابقاً) في أحد البيوت الكبيرة، و قد عقدت في ذلك البيت الجلسة المقرّرة، و طالت الجلسات و تتابعت لمدّة شهر تقريباً، و دارت خلالها اللقاءات و المباحثات و المجالسات فيما بين العلماء، و كانت حالة راقية تجسّد فيها ائتلاف العلماء و الوصول إلى نتائج إيجابيّة مُرْضِيَة جدّاً.

  • و كان ثمّة أفراد من الجهاز الحاكم يأتون يوميّاً بشكل منظّم لأجل الحوار و النقاش و المباحثة مع العلماء في ملابسات الحالة الكائنة، و كان العلماء بدورهم يعطون و جهات نظرهم، و بعد اللتيّا و اللتي وقّع الجميع على‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

91
  • أنّ، آية الله الخمينيّ قد نال درجة المرجعيّة.

  • و قد عمل الجهاز الحاكم كلّ ما يمكن خلال تلك المدّة للسيطرة على الشارع خوفاً من التحرّك الجماهيريّ، و كان الناس حينها قد طلبوا من آية الله الميلانيّ بعد انتهاء الأمر بأن يأتي إلى قم و يبقى فيها، و أبدى استعداده لذلك. تقرّر أن يذهب آية الله الميلانيّ إلى قم، و في اليوم المعيَّن للذهاب، داهمت مجموعة من الجهاز الأمنيّ محلّ إقامته في منطقة الزعفرانيّة، و بعد القيام بعمليّة التفتيش، أخرجوه من البيت و أركبوه في سيّارة سارت به إلى المطار مباشرة؛ و قالوا له هناك: تفضّل بالذهاب إلى مشهد. هكذا كان الوضع، ولكن و للّه الحمد، فقد تخلّص آية الله الخمينيّ من حكم الإعدام، و بعد مدّة اطلق سراحه و اودع في إحدى البيوت السكنيّة في شارع شميران؛ و علمنا بعد مدّة أنّ ذلك البيت من البيوت التابعة لمديريّة الأمن، و كانوا قد قالوا بأنّه بيت فلان، فالبيت من بيوت مديريّة الأمن و تحت الرقابة. و قرع سمعنا خبر إطلاق سراحه، فذهب لزيارته كلّ مَن سمع ذلك، و ذهبت بدوري لزيارته بمعيّة وَلَدَيّ: السيّد محمّد صادق و السيّد محسن و كانا حينها يافعَين بعد ساعتين من سماعي للخبر، ثمّ عدتُ في اليوم التالي، و مكثت عنده لمدّة يومين؛ و من ثمّ بدأ العلماء يتقاطرون عليه زرافات زرافات، مضافاً إلى مجي‌ء الناس، و أثارت الجموع القادمة لزيارته بتلك الشاكلة مخاوف الجهاز الحاكم، فرأوا أنّ زيارته تشكّل ظاهرة خطيرة، فأنزلوا الشرطة في الشوارع المحيطة، و صاروا يقولون لمن جاء لزيارته: إن حال آية الله ليست على ما يرام، و قد امتنع من مقابلة الناس؛ فتفضّلوا و عودوا من حيث أتيتم! و كان آية الله الخمينيّ يقول: كنت حينذاك جالساً أسمع ما يقوله رجال الشرطة للناس من أجل 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

92
  • تفريقهم و أصغي إلى ادّعائهم بأنّيّ لا اواجه أحداً.

  • و بعد يومين من مكوثه هناك، نقلوه إلى منطقة قيطريّة و هي من نواحي قلهك طهران و بقي هناك لمدّة ثلاثة أشهر اخرى دون أن يسمحوا لأحد بزيارته إذ خضع للإقامة الجبريّة و تدريجيّاً بدأ العلماء المراجع في طهران يتحرّكون لانقاذه من هذا الوضع، فذهبوا إلى قم لهذا الغرض، و كان قد قضى شهرين في (عشرت آباد) و فترة شهرين أو ثلاثة أشهر في (قيطريّة)، و كانت فترة الشهرين في السجن الأوّل صعبة جدّاً عليه، حتّى قيل إنّه قال عن الثلاثة أيّام التي قضاها في الزنزانة: لو طال مكوثي فيها يوماً أو يومين آخرين، لَلَقَيتُ حتفي فيها.

  • و قد تزامن معه اعتقال علماء آخرين من أمثال سماحة السيّد دستغيب، و سماحة الحاجّ الشيخ بهاء الدين المحلّاتيّ و ابنه الشيخ مجد الدين المحلّاتيّ و اودعوا الزنزانات؛ و كانت مدّة المكوث في الزنزانات متفاوتة.

  • و بعد إطلاق سراح سماحة السيّد دستغيب، ذهبت لزيارته، فقال لي كنّا جميعاً قلقين عليك، و قلنا: إن كانوا عذّبونا نحن بهذه الكيفيّة، فماذا تراهم سيفعلون بك؟! فكنّا قلقين حقّاً؛ و كان سماحة السيّد دستغيب يريد القول إن قلقهم من أجلي فاق قلقهم على أنفسهم، ثمّ تساءل: كيف لم يلقوا القبض عليك؟

  • قلتُ: لا أدري و الله! فالله لم يُقدِّر ذلك، أو أنّ الأعمال التي قمتُ بها غير ظاهرة؛ لا أدري! حيث لم يكن لي في ذلك الوقت عنوان بارز و لم امثّل في نظر السلطة أكثر من إمام جماعة بسيط يتردّد على المسجد، كما كنتُ أتجنّب الهجوم على شخص ما من على المنبر حين أقوم بتفسير الآيات القرآنيّة و بيان الأحكام الكلّيّة و الإشارة إلى وظائف 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

93
  • المسلمين العامّة؛ و لذا لم يكن ثمّة مبرّر لاعتقالي من قِبَل الجهاز الأمنيّ، ولو تجاهرت بالعمل، و صرّحت بما اريده علانيةً، لما تمكّنتُ من الاستمرار و لا القيام بخطوة عمليّة واحدة.

  • لقد اقتصر عملنا على جماعتنا خاصّة عبر الرسائل الخاصّة و تناقل التعليمات الجارية فيما بيننا، فكان ثمّة مانع قويّ أمام اختراق الجهاز الأمنيّ و الوصول لما نحن فيه، ولو تمكّنوا من الحصول على بعض المعلومات، فسوف لا تكون بتلك الدرجة التي تعطيهم مبرّراً لاعتقالنا أو وضعنا تحت الرقابة، و لم نكن نمتلك هاتفاً، فتوضع رقابة على مكالماتنا، مضافاً إلى ذلك أنّنا كنّا نوصل رسائلنا باليد حذراً من احتمال وقوعها في يد السافاك فيما لو أرسلناها عبر البريد.

  • و كان السيّد السبزواريّ و هو من أفرادنا الفاعلين في همدان، و كان يوزّع جميع منشوراتنا حاذقاً، و كذا السيّد إبراهيم إسلاميّة الذي كان مع السيّد مهدوي نيا في ذلك الوقت في همدان، و هما من الأفراد النشطين الفاعلين؛ و حصل ذات يوم أنّهما سألا من باب الامتحان أحد الأشخاص المعروفين الذي كان يروم السفر إلى طهران، بعد أن دار الحديث عن نهضة علماء طهران و طريقة تحرّكهم و نهضتهم، فقالا له: فما تقول في فلان؟ (و ذكرا اسمي)، و ماذا يفعل؟ فقال: دع عنك هذا، إنّه إنسان منزوٍ، و ليس له من دور فيما يجري.

  • تمعّنوا فالمسألة مهمّة جدّاً (طبعاً، كلّ شي‌ء يسير في رعاية الله و لطفه) ولكن على الإنسان أن يؤدّي ما عليه، و أن لا يفتح للعدوّ ثغرة ليتسلل منها إليه، فلابدّ من الحيطة و الحذر و الحفاظ على سرّيّة العمل إلى آخر المطاف.

  • و خلاصة الموضوع: أنّنا كنّا منهمكين في أداء وظائفنا الدينيّة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

94
  • و الشرعيّة و التفسير و التدريس، و بالطبع فقد كانت مديريّة الأمن تحسب لنا حساباً، ولكن دون جدوى، حيث باءت تحقيقاتهم و جهودهم بالفشل، حتّى أنّهم خصّصوا ميزانيّة خاصّة لمراقبتنا؛ و قد ذكرتُ سابقاً أنّني عندما كنت في (الأحمديّة) فإنّهم استأجروا البيت المقابل و عيّنوا أحد أفرادهم لمراقبة حركاتي، ولكن ماذا سيرون ممّن لا يظهر من عمله شي‌ء؟ فليس لنا إلّا سيّارات بعض الأصدقاء التي تقف أمام باب البيت بين الفينة و الاخرى؛ و قد اقتادوني ذات مرّة إلى مديريّة الأمن، فقالوا لي: أنّكم تعقدون اجتماعات خاصّة، فما هي مواضيعكم المطروحة؟ و كأنّ بعض مواضيع اجتماعاتنا الخاصّة قد طرق أسماعهم.

  • إطلاق سراح آية الله الخمينيّ و نظرة المؤلِّف في تشكيل حكومة الإسلام‌

  • تحرّك آية الله الخمينيّ للإقامة في قم، و اقيم له هناك حفل خاصّ ابتهاجاً بالمناسبة، فمضت الأحداث بحمد الله على خير؛ ولكنّه في قم أيضاً لم يكن مطلق اليدين، بل بقي تحت الرقابة المشدّدة، و قد تشرّفت بزيارته في بعض الأوقات، فقلتُ له ذات ليلة: كنا لحدّ هذه اللحظة ندعو للإسلام، و يبدو أنّه من الآن فصاعداً ينبغي أن نصبّ جميع جهودنا في الدعوة لكم، فبيّنوا لنا الخطوط العريضة لعملكم، ما هو برنامجكم العامّ؟ ما هي خطّة عملكم؟ من أيّ منطلق ستعرّفون الإسلام؟ و تشاورنا في هذا الأمر خلال هذه المدّة، إذ لابدّ من وضوح معالم الطريق و الحال هذه.

  • فقد اشيع فجأة، مثلًا بعد أحداث مدرسة الفيضيّة بأنّ الملك قد هرب من البلد، و كان الجهاز الحاكم هو الذي أشاع ذلك بنفسه ليروا ما هو ردّ الفعل الجماهيريّ العامّ؛ ما هو الموقف العامّ للناس؟ و كنتُ حينها في قم، فقلتُ: إذا رحل الملك فعلًا، فما هي خطّة عمل سماحتكم؟ مَن ستُعيِّنون؟ و من ستنصبون لرئاسة الوزراء؟ مَن هم وزراؤكم؟ فقال: سماحة الحاجّ السيّد محمّد الحسين! نحن في هذا المجال في وضع متغيرّ

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

95
  • غير مستقرّ (بهذا المعنى: نحن لحدّ الآن لم نهيِّئ أحداً فقد حدث هذا الحدث الطارئ دون‌ مقدمة).

  • و قد حدثت جميع تلك الامور في زمن رئاسة أسدالله عَلَم للوزراء، و أفضل من تصدي لرئاسة الوزراء قبله هو الدكتور علي الأمينيّ، و هو من الشخصيّات البارزة في المجتمع، و كان الناس يرغبون في عودته إلى منصبه السابق، لما له من سابقة أخلاقيّة حسنة، مضافاً إلى كونه من ذوي الاختصاص و من المسلمين المتديّنين الملتزمين؛ و كانت الدولة تعتبره من القوى الاحتياطيّة في الظروف المتأزّمة، فحينما تُهدّد الدولة بالسقوط مثلًا، يأتون به لامتصاص نقمة الناس؛ و بما أنّ عَلَم من الشخصيّات غير الملتزمة دينيّاً، فقد دار الحديث بين أوساط بعض الشخصيّات حول ضرورة تنحيته عن منصبه و الإتيان بالدكتور الأمينيّ من جديد.

  • و كنّا نعلم بأنّ الدكتور الأمينيّ و أمثاله لم يكونوا متديّنين مائة في المائة، لذا فقد دار الحديث طويلًا في تلك الليلة حول هذا الموضوع، و من جملة ما دار بيننا أنّني قلتُ له: ينبغي عليكم في هذه المرحلة أن تؤسّسوا حزبَين، حزب سرّيّ و آخر علنيّ، و بإمكانكم بالنسبة للحزب العلنيّ الذي ستقودونه أن تطلبوا من جميع المسلمين الانضواء بين صفوفه؛ أمّا الحزب السرّيّ فسيكون تشكيلة خاصّة تضمّ مَن تجدون فيه الصلاحيّة اللازمة، و البلد ملي‌ء بالشخصيّات من أهل الغيرة و الحميّة، و هم على استعداد للعمل و ستكون جهودهم مثمرة، فبالإمكان استثمار هكذا أشخاص، إذ بإمكان أحدهم التأثير في جماعة كبيرة، فليكن لكم بهؤلاء ارتباط سرّيّ، وليكن هذا التنظيم هو روح التشكيلة العلنيّة.

  • فقال: ليست ثمّة من فائدة في الحزب، سواء كان سرّيّاً أم علنيّاً. قلتُ: فما الحلّ؟ قال: نُحرّك الناس على هذه الشاكلة، فقلتُ: سيتشكّل 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

96
  • المجلس غداً، و عندما يجلس النوّاب كلًّا في موقعه، و يسنّون القانون، فما الذي سيمكنكم عمله قبالهم؟

  • قال: سنبعث اناساً ليحطّموا باب المجلس و يقتحمونه. قلتُ: و هل سيمنحونكم الفرصة للقيام بهذا العمل؟ إذا افتُتِحَ المجلس فسوف لا يتمكّن أحد من الاقتراب منه ولو على بُعد مائة متر، لما سيتّخذون من إجراءات أمنيّة، ثمّ إن الظروف ستتغيّر عمّا هي عليه الآن، و ستكون أكثر شدّة و ضراوة. فلابدّ من تأسيس حزب، لما له من فوائد كثيرة، ثمّ ذكرتُ جملة من تلك الفوائد.

  • قال: ليس من الصالح بأيّ وجه من الوجوه تأسيس حزب.

  • قلتُ: حينما أرادوا خلع المرحوم أحمد شاه عن الملكيّة و الإتيان بالبهلويّ، اضطرّ للسفر خارج إيران مرّتين (ثمّ رحل عن الدنيا مظلوماً في نهاية المطاف)، و كان من الملوك المعتبرين بسبب مجاهدته و حبّه للدين و الإسلام، و بذل جهوداً مشكورة من أجل إيران، و عمل بكلّ طاقاته من أجل عدم وقوع المملكة تحت سطوة السيادة الإنجليزيّة.

  • و كان الإنجليز يطمحون تنفيذ كلّ جرائم البهلويّ على يد أحمد شاه، لكنّه قال: لا أفعل ذلك و لا اوَقِّع على هذا، ثمّ جي‌ء برضا خان إلى دفّة الحكم فنفّذ جميع مآرب الإنجليز شعرة بشعرة.

  • على أيّة حال، فقد قيل لأحمد شاه: أسِّس حزباً، فتشكيل الأحزاب من أساليب الرقيّ.

  • قال أحمد شاه: أنا لا اأسِّس حزباً؛ للسببَين التاليَين:

  • فأوّلًا: أنا ملك إيران (يعني أنّه ملك على جميع أفراد الشعب) و لا تقتصر سيادتي على فئة أفراد الحزب دون اخرى، بل جميع الأفراد هم حزبي.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

97
  • و ثانياً: إذا أسَّسْتُ حزباً، فسيكون في قبال هذا الحزب حزب آخر، و سيكون لكلٍّ منهما أفراده، و عندها ستحدث المواجهة بين الحزبَين، و إذا حلّت المواجهة فمن المعلوم ما ستؤول إليه الحال.

  • كان هذا منطق أحمد شاه، ولكن أيّة نهضة في العالم لا تثمر إلّا باسس تنظيميّة، و إلّا تخلّفت عن قافلة الأحداث، و بقيت تراوح في مكانها! و أمّا فيما لو راعت النهضة مقدّمات العمل و ضروراته بحيطة و حزم، مع امتلاكها للأفراد المتربّين على منهجيّة معيّنة، فبإمكانها و الحال هذه من السيطرة على الحوادث الواقعة و تسييرها؛ و من الفوائد الكثيرة للحزب:

  • أوّلًا: إن أيّ حزب لا يطمح لاستلام السلطة في أوائل تأسيسه، بل يبدأ بتربية أفراده تدريجيّاً حتّى يترقّوا في كافّة الأصعدة، فواحد يتخصّص في الاقتصاد، و آخر في الماليّة، و واحد يرتقي المناصب في المحافظيّة، و آخر في مديريّة الشرطة، على أن يكون الجميع أفراداً متديّنين ملتزمين منتخَبين و في مستوى الطموح.

  • ثانياً: يتواجد أشخاص متفرّقون في بقاع البلد المختلفة من ذوي القابليّات الرفيعة، و هم من الساخطين على الجهاز الحاكم، ولكن لا توجد بينكم و بينهم معرفة متبادلة، و يمكن كشف هذه الطاقات و برمجة العمل للاستفادة منهم بواسطة العمل الحزبيّ؛ و في حال سقوط الدولة الحاليّة مثلًا، فبالإمكان استثمار هذه الكوادر فوراً ليمارسوا أدوارهم التي ستوكل إليهم كلٌّ حسب إمكاناته المشخّصة من قبل.

  • و كما أنّ جميع مقاليد الحكومة قد أصبحت تحت قبضة سلطة عَلَم مثلًا المُمثَّلة بعشرة وزراء، تلك الحكومة التي أخذتْ بأنفاس الناس، فبإمكاننا نحن أيضاً أن نمارس إدارة البلد فيما لو امتلكنا عشرة رجال 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

98
  • أكفّاء و متخصّصين؛ فالمهمّ هنا هو العشرة من الكوادر المتخصّصة، و ليس‌ من عامّة الناس.

  • و تعتمد كلّ دولة في بداية تشكيلها على كوادرها التنظيميّة المتربّية على منهجيّة حزبها؛ و كيفما كانوا، فهم من الكوادر المخلصة و الملتزمة بمبادئ ذلك الحزب.

  • ثالثاً: نرى حاليّاً أنّ الجهاز الحاكم يخشى التنظيم بكل ما للكلمة من معنى؛ إنّه يخاف من التنظيم، و لا يرهب الجموع المحتشدة و إن كانت ألفاً إذا كانت تلك الحشود غير منظّمة، ولكنّه يرتعد من لقاء اثنين إذا كان يجمعهم عامل تنظيميّ، فهو لا يخاف من الأفراد كأفراد، بل يخاف من تنظيمهم؛ و التنظيم يمدّ الناس بهذا العامل المخيف للجهاز الحاكم (بطبيعة الحال، فالتنظيم السرّيّ يأتي بالدرجة الاولى ويليه التنظيم العلنيّ).

  • و من ميزة العمل التنظيميّ أنّه لا يعطي الفرصة للتسلّل إلى تشكيلته لاختراقها و تمزيقها و ضعضعتها، و إذا وقع ذلك فسوف يردّ الحزب بالمواجهة المناسبة، و ستتحرّك مجموعاته بشكل منظّم مدروس لمعالجة الموقف؛ و سيكون النصر أخيراً حليف تلك الفئة المؤمنة المبتنية على عقيدة الإسلام و القرآن، ولكنّ هذا العمل تشكيل الحزب يحتاج إلى مدّة طويلة؛ و هو من الضرورات الملحّة؛ و كلّما كان سرّيّاً فإنّه أفضل و أكثر أماناً.

  • قال (آية الله الخمينيّ): أبداً؛ ليس في الحزب صلاح بأيّ وجه من الوجوه؛ و لا ينبغي أن تذكر اسم الحزب بأيّة صورة كانت.

  • قلتُ: حسناً، فلا تذكروا اسم الحزب، و تعالوا باسم مجمع أو جمعيّة أو أيّ اسم آخر، بشرط ارتباط الأفراد في تشكيلة منظّمة، لأنّكم لو قمتم حينذاك بنهضة فإنّ الشخص الفلاني مثلًا الساكن في مدينة خرّمشهر أو 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

99
  • في أيّة مدينة اخرى سيعرف وظيفته على الفور، كما سيعرف وظيفته ذلك‌ العالِم الساكن في أقصى بقاع البلد الذي عانى و قاسى من أجل الإسلام، فيؤدّي دوره تجاه ما يجري على أفضل الوجوه، و سيضحى له جليّاً ما ينبغي عليه عمله، و ستجري الامور على هذه الشاكلة على أحسن ما يرام؛ أي أنّ تلك المشاقّ الكبيرة التي يتحمّلها عادةً بعد انتصار الثورات غير الحزبيّة مثل هؤلاء الأفراد، ستزول من خلال هذه المقدّمة البسيطة و سيطمئنّ الإنسان الثوريّ على سلامة و استمرار المسيرة.

  • و من حسن الصدف أنّه بعد وصول آية الله الخمينيّ طهران قادماً من باريس أثناء مخاض انتصار الثورة و تشكيل الحكومة، فقد كان أوّل اقتراح قُدِّم إليه هو: تأسيسُ حزبٍ، حيث أقنعه الحاجّ السيّد محمّد البهشتيّ بضرورة تأسيس حزب! و نقل لي هذا الأمر المرحوم المطهّريّ بحضور سماحة الهاشميّ الرفسنجانيّ الذي كان يرى بدوره ضرورة تأسيس الحزب.

  • و ردّ عليهم آية الله الخمينيّ: لا، لا صلاح في الحزب، بأيّ وجه من الوجوه، فأصرّوا على أنّه لا يمكن الوصول بالحكم إلى حالة من الثبات و الاستقرار إلّا من خلال تأسيس حزب.

  • قال آية الله الخمينيّ: حسناً! اذهبوا و افعلوا كلّ ما تريدونه، ثمّ أذن للسيّد البهشتيّ بتأسيس حزب جمهوري إسلامي (= الجمهوريّة الإسلاميّة)، فتمّ تشكيل الحزب، و صحيفة «جمهوري إسلامي» المعروفة هي الصحيفة الناطقة بلسان الحزب.

  • و زبدة القول، فقد كان آية الله الخمينيّ مخالفاً لفكرة تأسيس حزب، و ربّما بقي على هذه العقيدة حتّى لحظاته الأخيرة؛ و بطبيعة الحال فإنّ نظرته صائبة من جهة عدم صحّة تصدّي مرجع لجميع المسلمين لرئاسة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

100
  • حزب سياسيّ؛ لكن المشكلة تكمن في الفترة التي تسبق تحقّق المرجعيّة العامّة و الحكومة العامّة، حيث ستعمل المنظّمات و الاتّحادات الاخرى المنافسة له على إضعافه و قد رأينا ما فعله المنافسون من أعمال مخلّة و يؤدّي هذا الحزب إلى انتماء أصحاب الكفاءات المؤيّدين للثورة إلى هذه التشكيلة و توظيف جهودهم ضمن وحدة تنظيميّة مركزيّة.

  • فإذا ما أشرف أحد الوزراء على السقوط، أو طلب الاستقالة، أو أصبح مريضاً، فثمّة خمسة أشخاص آخرون يماثلونه بكلّ إمكانيّاته، و عندئذٍ تنتفي الحاجة للتأمّل و التريّث لانتخاب البديل، و الحزب يصنع الأفراد، من هنا قامت كلّ التنظيمات القائمة في عالمنا المعاصر على أساس الحزب على هذا الأساس.

  • قضيّة مدرسة الفيضيّة و نظرة المؤلِّف في مراحل التدابير السياسيّة

  • و على كلّ تقدير، فقد كانت إحدى وجهات نظري المخالفة له هي قضيّة الحزب، و الاخرى هي قضيّة مدرسة الفيضيّة التي اقتحمتها القوّات الخاصّة، فقد قاموا أثناء منبر المرحوم الأنصاريّ وردّدوا الشعارات، و ارتكبوا الجنايات، و قلعوا أشجار المدرسة، و قاموا بضرب الطلبة بعيدان الأشجار و الهراوات و كان يوماً عصيباً؛ و من جملة المشاركين في المجلس، الذين شملهم الضرب و الإيذاء آية الله الكلبايكانيّ، حيث رقد في بيته أيّاماً بعد الحادثة للمعالجة و النقاهة؛ و قد تورّم من الضرب المبرّح و لعدّة أشهر كتف آية الله الحاجّ علي الصافي الكلبايكانيّ و هو من أبناء اخته، أي أنّه الأخ الأكبر لآية الله الحاجّ لطف الله الصافي الكلبايكانيّ.

  • كان ذلك اليوم عصيباً، و كان يؤتى بكلّ مَن يُقبض عليه من الطلبة إلى حافّة الحوض فيقال له: قُل: يحيا الملك! فإن لم يستجب، نال منهم الضرب المبرّح بقصد قتله.

  • و لقد ضربوا الطلبة بتلك العصي الخشبيّة فأدموا الرؤوس و الوجوه، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

101
  • بل شجّوا رؤوس الطلبة بالحجارة، و حطّموا الزجاج، و جمعوا الكتب من‌ غرف الدراسة و بعثروها في ساحة المدرسة؛ و قصّة مدرسة الفيضيّة معلومة.

  • و قد طرق سمعنا يوماً بعد تلك القضيّة أنّه تقرّر دعوة الراغبين من المسلمين للذهاب إلى مصرف الصادرات لدفع تومان واحد لا أكثر عن كلّ منهم لتعمير مدرسة الفيضيّة، و كان هذا الإجراء بمثابة استفتاء عامّ ضدّ الملك و الجهاز الحاكم؛ فإذا جاء كلّ مسلم في إيران إلى المصرف لدفع هذا المبلغ لتعمير مدرسة الفيضيّة و عددهم معلوم فهذا يعني أنّ جميع أهل البلد قد جاؤوا إلى ذلك المصرف، و يعني كذلك أنّ جميع أفراد الامّة قد أعلنوا مخالفتهم للملك؛ و لذلك فقد شهدت شعبة المصرف المذكور صفوفاً بالآلاف المؤلّفة، و كلٌّ ينتظر دوره لدفع المبلغ، فقامت الدولة بأشدّ الأساليب الاحترازيّة لمنع الناس من المجي‌ء إلى المصرف.

  • ولو لم يتّخذ الجهاز الحاكم الإجراء الحازم الحاسم في ذلك لَقُرِئ عليه السلام؛ نعم، فقد كان ذلك الإجراء استفتاءً عامّاً ضدّ الملك، و بطبيعة الحال فقد كان ذلك الإجراء صحيحٌ أصالةً، لكنّ تنفيذ الخطوات كان ينبغي أن يكون تدريجيّاً، لذا كان هذا الإجراء متسرّعاً سبق وقته المناسب، فباء بالفشل، لأنّهم تمكّنوا من الحيلولة أمام تنفيذه.

  • ثمّ سمعنا أنّ ذلك الإجراء لم يكن من رأى آية الله الخمينيّ، بل من قِبَل بعض أصدقائه المؤيّدين له من أهالي طهران، و ذكروا منهم فلاناً و فلاناً، فقد فكّر هؤلاء مع أنفسهم في: ما الذي يجب عمله؟ فقالوا: من الأفضل أن يكون العمل هكذا: على أيّ شخص يرغب في المشاركة لتعمير مدرسة الفيضيّة أن يدفع توماناً واحداً في مصرف الصادرات؛ و من ثمّ ذهبوا إلى المصرف و فتحوا حساباً خاصّاً باسمهم دون علمه، ثمّ أطلعوه 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

102
  • بعد ذلك على ما فعلوا.

  • أرأيتم! لقد كان هذا الإجراء في ذلك الوقت غير مناسب أبداً، حيث ينبغي تهيئة المقدّمات اللازمة له أوّلًا، ثمّ تنفيذه في المرحلة اللاحقة، و كانت هذه مسألة اخرى من مسائل الاختلاف.

  • عموماً، فقد قال المرحوم المطهّريّ رحمة الله عليه: كان آية الله الخمينيّ يتحرّك في هذه الامور بسرعة فائقة، و لابدّ لمن يريد اللحاق به أن يطوي عدّة مراحل. ثمّ ضرب مثالًا عن نادر شاه، و هو: كانت عادة الملوك عبر التأريخ إذا راموا القتال، أن يقدّموا إحدى وحداتهم العسكريّة إلى الأمام لتمشيط المنطقة، ثمّ تتقدّم مقدّمة الجيش، و يتبعها الملك أو القائد المعيَّن لتلك المعركة مع جيشه لبدء الحرب.

  • أمّا نادر شاه، فكان يتقدّم لوحده إذا أراد الحرب فيسبق و حداته العسكريّة بعدّة مراحل، ثمّ يتحصّن في مكانٍ ما لاستطلاع المنطقة و جمع المعلومات و دراسة طبيعة الظروف المحيطة بمنطقة الاشتباك؛ فلا يصل إليه الجيش إلّا بعد ساعات عديدة قد تصل إلى نصف يوم.

  • و ذات يوم، أراد نادر شاه الحرب، فذهب لوحده على جواده كعادته لاستطلاع المنطقة، و بينما هو في طريقه إذ رأى طاحونة فاقترب منها و قال للطحّان: اريد ماءً؛ فجاءه الطحّان بالماء، فلمّا شرب الماء قال: حسناً؛ أحسّ الآن بالتعب، و سأنام هنا، و إذا جاء الجيش فقل لهم بأنّ نادر شاه هنا.

  • فقال الطحّان: نادر! نادر! نادر! ثمّ هوى إلى الأرض صريعاً من شدّة الرعب الذي دخله.

  • قال المرحوم المطهّريّ: كان فكر آية الله الخمينيّ نافذاً، و كان يُقدم على الامور بسرعة، و كان يدرس و يحلّل الحوادث و الوقائع بكلّ 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

103
  • احتمالاتها قبل وقوعها؛ و بالنتيجة فقد كان المرء يجد نفسه متخلّفاً عنه بعدّة مراحل، و كانت هذه المسألة من ميزاته.

  • اغتيال منصور

  • و من المسائل التي شعرنا فيها أنّنا أمام أمرٍ قد قُضي و انتهى: عمليّة اغتيال منصور،۱ إذ إن الاغتيال لا يجدي نفعاً مرجوّاً، و عمليّة الإصلاح لا تتمّ باغتيال شخص، لأنّهم سيضعون شخصاً آخر مكانه على الفور، و لا شكّ أنّ الشخص الثاني سيكون أسوأ من الأوّل بمئات الأضعاف، أي أنّهم سيتّخذون من عمليّة الاغتيال ذريعة في اتّخاذ الشدّة من أجل تنفيذ مآربهم.

  • على الإنسان أن يقلع الأصل و الجذر، و أن يكون كفاحه و نضاله مبدئيّاً. فلا فائدة من القتل في هذه الحال، لأنّ الإسلام لا يقرّ الاغتيال، و الإسْلَامُ قَيَّدَ الفَتْكَ.

  • فالذي يريد أن يقتل أحداً، فعليه قتله بعد محاكمته علنيّاً، أو أن يقتله علناً في حال الحرب أو الغلبة.

  • و لم تكن عملية الاغتيال قد نفّذت بإقرار من آية الله الخمينيّ، و لم يكن تنفيذها بتوجيه منه، و قد صرّح بذلك بعد مدّة، و كنت على معرفة بمنفّذي عمليّة اغتيال منصور من خلال تردّدهم على في بعض الأوقات، و صحيح أنّهم ليسوا من رجالنا إلّا أنّهم من الأفراد الغيورين، و المتديّنين الجادّين؛ و باختصار كانوا يعملون ضمن مسار التيّار الدينيّ، لكنّ الجموح قد غلب عليهم نوعاً ما، و كان من الصعب صدّهم عمّا عزموا عليه.

  • و جاءنا في تلك الأيّام بعض الشباب الغيور و طلبوا الانتماء و الانضواء بين صفوفنا على أن يقدّموا أرواحهم و أنفسهم فداء للإسلام و القرآن، و أن 

    1. أحد رؤساء الوزراة في إيران أيّام العهد الملكيّ. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

104
  • يكونوا رهن إشارتنا ملبّين طائعين و لا زال البعض منهم على قيد الحياة كأحمد التوكّليّ، و السيّد حسين المحتشميّ، و السيّد محمود المحتشميّ (قيل إن السيّد حسين هو والد السيّد المحتشميّ وزير الداخليّة الحالي)، و امتاز اولئك الرجال بالوعي و الغيرة و السلوك الحسن، و على الأخص السيّدان حسين و محمود المحتشميّان و التوكّليّ، إذ كانوا من أهل الفكر الثاقب و من المثابرين؛ و كانت تربطنا و إيّاهم رابطة عمل مشترك، و أمدّونا بالعون في بعض المقاطع المهمّة من العمل، لكنّهم لم يكونوا ضمن أفرادنا.

  • و من أفرادنا العاملين بحركيّة فاعلة الحاجّ السيّد مرتضى المقدسيّ الذي جلدوه ستّين سوطاً من أجل الثورة، و منهم أيضاً الحاجّ أيّوب الحشمتيّ، و المرحوم علي والد الحاجّ علي أكبريّ، و كذلك الحاجّ إسماعيل مهدوي نيا، و الحاجّ إبراهيم إسلاميّة و غيرهم.

  • و من أفرادنا الجيّدين جدّاً آية الله الحاجّ صدر الدين الحائريّ الشيرازيّ من علماء شيراز اليوم، و هو الأخ الأكبر لسماحة الحاجّ الشيخ محيى الدين إمام صلاة جمعة شيراز؛ و هو رجل صادق، نزيه، مخلص و متنوّر، و قد لاقى الأمرّين في سجون العهد البائد، و اصيبت عيناه بمثل ما أصاب عيني أي تمزّق الشبكيّة من جرّاء ضربة تعرّض لها في السجن، و لم تسعفه العمليّة الجراحيّة بشي‌ء، ففقد إحدى عينيه، و لا زال على قيد الحياة رجلًا واعياً غيوراً متديّناً، و من الراسخين المضحّين، و من مصاديق: "و لا يخافون في الله لومة لائم"،۱ و منهم أيضاً المرحوم آية الله 

    1. تلفيق من الآية ٥٤، من السورة ٥: المائدة: {يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

105
  • الشهيد الحاجّ السيّد عبدالحسين دستغيب الذي قضيت معه أيّاماً و ليالٍ‌ لا تنسى، و كم كان طيّباً و مجاهداً و صامداً رحمة الله عليه رحمةً واسعةً.

  • و زبدة القول: فقد جاءني اولئك السادة و قالوا: نحن خمسون شخصاً؛ فقلتُ لهم: ألا تريدون العمل معنا؟ قالوا: بلا. قلتُ: و تحت أمرنا و نهينا؟ قالوا: نعم، مائة بالمائة، و مستعدّون لكلّ ما تأمرونا به. قلتُ: أتعلمون أنّ من نتائج هذا الأمر أنّ عليكم الطاعة في جميع الأحوال، حتّى في حال فرض أخْذ أحد الصالحين إلى خشبة الإعدام، فقلتُ لكم لا تدافعوا عنه، إذ ليس من المصلحة أن تفعلوا شيئاً! فهل أنتم على استعداد لتنفيذ ذلك؟! قالوا لا! إنّك لا تجد بيننا شخصين ينفّذان ما تقولون. قلتُ: إذا لم أجد ذلك، فعملكم معنا غير صائب، إنّكم تطلبون الانضواء بين صفوفنا، و تطرحون ثقتكم بي بكلّ ما للكلمة من معنى، لدرجة أنّ عليكم الانصياع لكلّ ما أقوله لكم! فإذا قلتم تارةً سمعاً و طاعة، و تمرّدتم تارة اخرى، و عددتم انقيادكم مصلحة تارةً، و خلافاً للمصلحة تارةً اخرى، فهنا تكمن الخطورة.

  • و هؤلاء السادة هم: العراقيّ و الأمانيّ و البخارائيّ الذين قاموا باغتيال منصور، و كانوا في الواقع مسلمين جيّدين و من أفضل الأفراد، لكنّهم كانوا يتحرّكون في بعض المواقع بالشكل الذي لا يعلم بتحرّكاتهم حتّى آية الله الخمينيّ نفسه، أو يقومون بأعمال لا يرتضيها.

  • و لذلك فقد عادت عمليّة اغتيال منصور بالضرر، يعني: أنّهم عيّنوا حكومة أمير عبّاس هويدا، فخضعت المملكة لمدّة ثلاث عشرة سنة تحت قبضة هذا الرجل البهائيّ فسلّمها للبهائيّين، حتّى بلغت الحال حدّاً صار معه يبعث مع قوافل زائري العتبات المقدّسة إلى كربلاء أحد البهائيّين بعنوان طبّاخ للقافلة؛ و أضحى رؤساء أغلب دوائر الدولة من الفاسدين، و قُرئت 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

106
  • الفاتحة على الدين و الدنيا و الثروة؛ و حسب قول آية الله الخمينيّ‌ رحمة الله عليه: فقد أفرغوا البلد و أنضبوه، فلا من رأس مالٍ قد بقي، و لا من نفط، و لا من وجدان، و لا من مالٍ، و لا من عزّة، و لا من شرف، و لم يتركوا شيئاً في مكانه! و كان القصد من ذلك تشكيل دولة بهائيّة في إيران على غرار دولة إسرائيل، و قد مهّدت عملية اغتيال منصور تحقيق الخطوات العمليّة لهذه الخطّة. و لذا، فاغتيال منصور ليس أكثر من تنحية فرد، و تنحية فرد لا يحقّق الغاية المتوخّاة، و على من يريد العمل حقّاً الانطلاق في حدود الضوابط الشرعيّة، و الإسلام لا يقرّ الفتك و الاغتيال، و المسلمون يحملون السيف و يأتون إلى عدوّهم وجهاً لوجه لمقاتلته، أو ينفّذوا حكم القتل بعد إصدار حكم الحاكم عن طريق المحاكمة، أمّا القتل بالخفاء أو غفلة و غيلة فليس له في الإسلام أصل.

  • و مضافاً إلى ما تقدّم فإنّ أضرار الاغتيال أكثر من فوائده بكثير، و كما لاحظنا في عمليّة اغتيال منصور فإنّ مديريّة الأمن ضاعفت من ممارساتها التعسّفيّة متذرّعة بمواجهة الإرهاب! فازداد اوار الحملات الأمنيّة بحيث فاقت فترة الثلاث عشرة سنة الأخيرة و زادت على ما كانت عليه في عهد رضا خان؛ و يعلم العلماء و المتديّنون عنفها و شدّتها.

  • و استمرّت الحال على هذا المنوال إلى أن وطئت قدم آية الله الخمينيّ و للّه الحمد أرض طهران قادماً من باريس، و ربّما سأتعرّض يوم غد إن شاء الله إلى شي‌ء من تلك الأحداث.

  • و الله؛ لو دامت حكومة هويدا لما بقي للإسلام من اسم و لا رسم، لما بقي للإسلام من شي‌ء أبداً، و في هذا دلالة على أنّ لنا وليّاً، و إماماً، و إلهاً، و هو يهتمّ بامورنا و أحوالنا.

  •  

  • اللهمّ صلِّ على محمّد و آل محمّد

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

108
  •  

  •  

  • الدَّرس الرّابع: التَّوقْيع على الامْتِيَازَات الأجْنَبِيَّة في المَجْلِسَيْنِ لِرَعايَة المُسْتَشارِينَ العَسْكَرِييّن الأميَركَان وَ خُطْبَة آية اللهِ الخُمِينّي العَيِنَفة

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

111
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وَ صَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • ذكرنا بأنّه بعد مجي‌ء علماء إيران و الوجوه المؤثِّرة و المجتهدين من المدن إلى طهران و إمضائهم على مرجعيّة آية الله الخمينيّ، فإنّ الجهاز الحاكم لم يستطع الاستمرار في اعتقاله، و لم يُجْدِه الاتّهامات التي سطّرها له، و لذلك فبعد ثلاثة أشهر من اعتقال آية الله الخمينيّ في «قيطريّة»، اضطرّوا لإطلاق سراحه فعاد إلى مدينة قم، و بعد عودته إلى قم تنسّم الناس بعض الوقت شيئاً من نسيم الحرّيّة، حيث كانت الضرورة تستدعي إفساح المجال للناس بعقد مجالس الوعظ في المساجد و الحسينيّات، لكنّهم شدّدوا على عدم التحدّث ببنت شفة في أيّ من الامور الثلاثة التالية:

  • الأوّل: يجب عدم التعرّض إلى الملك و البلاط و العائلة المالكة في المنشورات و الخطب، و لا مانع من انتقاد ما دون ذلك، كأن يكون الانتقاد موجّهاً إلى رئيس الوزراء أو هيئة الدولة أو أيّ عضو من أعضاء المجلس.

  • و الثاني: القرآن و الإسلام؛ فلا يقال: إن الإسلام و القرآن في خطر، و ينبغي عدم التحدّث بهذا الموضوع بأيّ شكل من الأشكال. و إذا كان ثمّة اعتراض، فقولوا: أوضاع البلد متدهورة، الموادّ الغذائيّة قليلة، العدالة غير

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

112
  • مطبّقة؛ و إيّاكم أن تقولوا: القرآن و الإسلام في خطر!

  • الثالث: موضوع الصهيونيّة و إسرائيل؛ فحذارِ أن تهاجموهما. انتقدوا مَن تريدون، و أيّ نهج تشاؤون، ولكن لا تتعرّضوا للصهيونيّة بسوء.

  • و قد تشدّدوا في هذه الامور الثلاثة، أي أنّ كلّ مَن يذكر اسم الصهيونيّة أو إسرائيل بلسانه فسيتعرّض إلى الأخطار؛ كما إذا قال شخص ثلًا: القرآن في خطر، فسيسحق بشدّة و عنف، حتّى حصل اغتيال منصور الذي سبق أن تحدّثنا عنه.

  • فحادثة اغتيال منصور كما قدّمنا قد أدّت إلى أضرار فادحة، و لم تكن العمليّة في الواقع دفاعاً في قبال الكفر، بل أدّت إلى إزالة شخص، و سرعان ما حلّ مكانه شخص آخر أشدّ وطأة؛ و لم يحصل عنها إلّا تغيير أشخاص و وجوه مع بقاء الحكومة على ما كانت عليه.

  • إمضاء الامتيازات الأجنبيّة و موقف آية الله الخمينيّ‌

  • لقد تمّ تطبيق الامتيازات الأجنبيّة۱ في دولة منصور بشكل سرّيّ مهول، إذ كان مجلس الشيوخ معطّلًا، فَدُعِيَ إلى جلسة طارئة، و تمّ التصديق عليه في الساعة الثانية عشرة ليلًا، ثمّ تمّ التصديق عليه في مجلس الشورى، على أن يتمتّع جميع مستشاري الجيش الأميركيّ بالحصانة و إعفاءهم من الخضوع للضوابط القانونيّة الجارية في إيران.

  • جرى ذلك بشكل سرّيّ في المجلسَين، و مارست جميع وسائل 

    1. الامتيازات الأجنبيّة: عبارة عن امتيازات كان يتمتّع بها رعايا بعض الدول الغربيّة في مناطق معيّنة من العالم و لا سيّما الشرق الأوسط و آسيا، و كان يسمح بموجب هذه الامتيازات لتلك الدول الغربيّة بإقامة محاكم خاصّة بها في أراضي الدول الاخرى لكي تحاكم رعاياها المقيمين في تلك الأقطار الأسيويّة أو الأفريقيّة. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

113
  • الإعلام عمليّة التعتيم الإعلاميّ المطبق استغفالًا منهم للرأي العامّ الإيرانيّ؛ و لا يفوتنا أن نذكر هنا أنّ دولة أسد الله عَلَم هي التي مهّدت لهذا القرار، ثمّ جرت المصادقة عليه في دولة منصور بإلحاق مادّة واحدة في خصوص مستشاري الجيش الأميركيّ و كلّ ما يرتبط بهم.

  • أجل، دعت دولة منصور و دون أيّ تصريح سابق في صحيفة أو ما شاكلها مجلس الشيوخ في يوم شديد الحرارة لعقد جلسة طارئة مع أنّ المجلس كان في عطلته فعُقدت جلسة تحت عنوان مناقشة الميزانيّة، و استمرّت منذ الساعة السابعة صباحاً حتّى الساعة الثانية عشرة ليلًا، و على حين غرّة تمّت المصادقة على القرار المذكور؛ كما تمّت المصادقة على الامتيازات الأجنبيّة في مجلس الشورى أيضاً، و حملوا الشعب الإيرانيّ على الرضوخ لسياسة الأمر الواقع!

  • و معنى الامتيازات الأجنبيّة مع إضافة مادّة واحدة هو أنّ مستشاري الجيش الأميركيّ مع كافّة الأعضاء و الهيئات و العوائل و الموظّفين الأميركان في إيران يتمتّعون بالحصانة الكاملة، فمثلًا ليس من حقّ دولة إيران ملاحقة أيّ أميركيّ و إن ارتكب جريمة ما، لأنّ محاكمة الأميركيّ في إيران قد خرجت عن إطار القانون الإيرانيّ، و أضحت من صلاحيّة المحاكم الأميركيّة، و إذا حُكِمَ الأميركيّ بعقوبة ما، فسوف لا تُطبَّق عليه في إيران، بل في نفس أميركا؛ فقوانين إيران غير حاكمة عليهم، و قوانينهم هي الحاكمة، و الأمر بأيديهم في مسألة تنفيذ الحكم أو العفو عن المجرم!

  • و عليه، فمفاد الكلام هو: إذا أجرم أيّ أميركيّ في إيران، فليس من حقّ دولة و محاكم إيران ملاحقته، فهذا الأمر موكول إلى الأميركان أنفسهم، و لهم الخيار في محاكمته أو معاقبته أو العفو عنه، و بناء على هذا فإنّ كلّ فرد أميركيّ سواء كان صاحب منصب رفيع كأن يكون رئيساً 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

114
  • لمستشاري الجيش، أم كان أحد المستخدمين العاملين، أم كلبه (لأنّهم يكنّون للكلب‌ احتراماً خاصّاً و قد شمله قانونهم بالرعاية و الاهتمام)، إذا أجرموا في حقّ أيّ إيرانيّ، مهما كانت جريمتهم، كان يسرقوا أموال الناس، أو يختطفوا بناتهم، أو يهتكوا حرماتهم، أو يعتدوا على أعراضهم، أو يهدموا المدن و القرى بالمدافع و القنابل، أو يحرقوا القرى و القصبات ... و هكذا، فليس من حقّ إيران الاعتراض على هذه الممارسات، لأنّهم يتمتّعون بالحصانة! و هم الذين سيقرّرون ما إذا كانت تلك الأعمال جرائم أو لا، حسب ما تقتضيه قوانينهم بحقّ رعاياهم في إيران!

  • أمّا حال الإيرانيّ في قبال الأميركيّ فعلى العكس من ذلك تماماً، فليس من حقّه الاعتداء على الأميركيّ، و إلّا سيق إلى الاعتقال.

  • ولو افترضنا أن قام أحد عمّال أو فلّاحي أو جنود أميركا حيث كانوا بأعداد كبيرة في تلك البرهة، و يملؤون الثكنات العسكريّة الأميركيّة بجريمة ما، فهو حُرٌّ، و إن اعتدي على أشرف مَن في البلد، ولو جاء واحد منهم و تناول سماحة آية الله البروجرديّ بالسباب و الكلام البذي‌ء، أو صفعه، فليس من حقّ أحد ملاحقة ذلك الجاني، كما ليس من حقّ مركز الشرطة أن يستجوبه أو يتعرّض له.

  • و على آية الله البروجرديّ أن يعلم بأنّ ذلك الأميركيّ يتمتّع بالحصانة، و إذا أراد أن يأخذ حقّه فعليه أن يُقَدِّم شكايته إلى السفارة الأميركيّة للنظر فيها، لا يُستثنى من ذلك الوزير و المحامي و المحافظ، فلا فرق في هذا الشأن في المناصب، و لا بين رجال الدين و غيرهم.

  • و على العكس من ذلك فيما لو تعرّض آية الله البروجرديّ أو رئيس مجلس إيران أو أحد الوزراء لأحد العمّال الأميركيّين، بل لو تعرّضوا لكلب 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

115
  • أميركيّ، فسيعتقل المُتعرِّض على الفور و يُستجوب عن السبب الذي دعاه إلى ذلك.

  • فهذا هو معنى إمضاء الامتيازات الأجنبيّة لرعاية المستشارين العسكريّين الذي أقرّه المجلس. و من الواضح جدّاً أنّ العلاقة بين أميركا و إيران لم تبقَ مستترة تحت واجهة الاستعمار و الاستعباد و الاستغلال، بل أضحت العبوديّة و الرقّ جهاراً، و ربّما أدنى من ذلك؛ و لا يمكن تصوّر أكثر من هذا الذلّ و الاستخفاف بالشعب الإيرانيّ من هذا القانون.

  • فقد افتَرَضُوا أنّ الشعب الإيرانيّ عبارة عن حيوانات، و وضعوا أنفسهم بمثابة الصيّاد الذي يحمل بندقيّته ليقتل فريسته ثمّ يلتهمها، لماذا؟ لأنّهم يتمتّعون بالحصانة، تلك الحصانة التي استأصلت الظاهر و الباطن؛ فلم يبقوا لنا من ظاهر و لا باطن، لا عنوان و لا اسم، فقد كان لنا في إيران حرّيّة شكليّة، فجاءت الامتيازات الأجنبيّة فقوّضت كلّ شي‌ء.

  • و من هنا ارتفع صوت آية الله الخمينيّ مرّة اخرى، بعد ما عمّ الهدوء و السكينة كلّ من قم و طهران، فقد ألقى كلمة مهمّة بعد المصادقة على ذلك القانون الجائر؛ و قد وصلني شريط التسجيل لتلك الكلمة بعد ساعتين أو ثلاث من قِبَل رفقائنا الذين يقومون بدور الرابط فيما بيني و بينه، فاستمعت إلى ذلك الشريط، الذي كان على الرغم من وجازته مثيراً جدّاً، طافحاً بالغيرة و الحميّة؛ و ممّا جاء في ذلك الشريط: أيّها المسلمون! أيّها الإيرانيّون! إلى متى الخنوع؟ إلى متى تريدون الصبر؟ فلقد استحوذوا على كلّ شي‌ء.

  • و لاقى هذا الشريط رواجاً، مع أنّه ليس من تلك الأشرطة التي يمكن الحصول عليها بسهولة، فأقلّ ما سيصيب مقتنيه في حال العثور عليه هو إلقاء القبض عليه و طمره في أماكن مجهولة، فقد كانت هذه المسألة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

116
  • مهمّة جدّاً.

  • و لذلك، و تعقيباً لهذا الشريط و هذه الخطبة، فقد اعتقلوا آية الله الخمينيّ و أخذوه إلى نقطة مجهولة. لقد اعتقلوه من قم؛ ولكن أين أخذوه؟ لا أحد يعلم أبداً. هل أودعوه السجن؟ هل أبعدوه؟ في أيّة مدينة من إيران؟ في أيّ نقطة من طهران؟ هل أبعدوه إلى خارج الوطن؟ لا أحد يعلم، حتّى أخصّ الخاصّة، إلى أن انقضت مدّة على ذلك. و لقد حاولنا كثيراً معرفة مكانه دونما جدوى، إلى أن تناقلت الأخبار بعد مدّة أنّهم أبعدوه في بادئ الأمر إلى أنقرة و اسطنبول عاصمة تركيا ثمّ نقلوه إلى مدينة بُرْسا و وضعوه في أحد بيوتها سجيناً.

  • و قال آية الله الخمينيّ: لقد أسكنوني في غرفة قد اسدلت ستائرها، فلا أرى منها السماء حتّى في النهار. و كان سجّانه من رجال المخابرات الإيرانيّة؛ و بقي في مدينة بُرْسا لمدّة سنة تحت الإقامة الجبريّة.

  • و على أثر اعتقال و إبعاد آية الله الخمينيّ حدثت ضجّة و موجة من الاستياء عمّت جميع الناس، و كانوا يقولون: لماذا أبعدوا مرجعنا؟ و لماذا أبعدوه خارج الوطن؟ و بعث الآيات و المراجع من قم و مشهد و طهران ببرقيّات إلى تركيا، و كان من جملتها رسالة بعثها علماء طهران إلى السفير التركيّ الأعظم، و أوصوه فيها بعدم التغاضي عن شموخ مقام آية الله الخمينيّ، و أطلعوا الدولة التركيّة على مكانته الرفيعة، و أوجبوا عليها أن تُعْلِم الجميع بخبر سلامته، و أمضى هذه الرسالة عشرون شخصاً من علماء طهران، و كنتُ من جملتهم.

  • و قد أورد نصّ الرسالة سماحة العالم حجّة الإسلام الحاجّ الشيخ علي الدوانيّ في كتابه الموسوم بـ «نهضت روحانيون ايران» (= نهضة روحانيي إيران) في الجزء الخامس، ص ٣٩.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

117
  • نفي آية الله الخمينيّ‌

  • و امتصاصاً للنقمة العامّة فقد لجأت المخابرات الإيرانيّة إلى نقل آية الله الخمينيّ من تركيا إلى النجف إجباراً و قالوا: سيكون هناك تحت نظرنا و نظر دولة العراق، مضافاً إلى كون النجف مدينة دينيّة؛ و حاولوا بهذا الإجراء تخفيف حدّة العواطف الهائجة في إيران، إذ سيفكّر الناس أن: الحمدللّه، فقد اطلق سراحه و تشرّف بالإقامة في النجف، فليس من قلق عليه الآن، لأنّه سينهمك بزيارة أميرالمؤمنين عليه‌السلام و الدرس و البحث و إمامة الصلاة.

  • و قد أدّى هذا الإجراء إلى تخفيف حدّة التوتّر كما توقّعوا، يعني أنّ حالة الهياج و الغليان الكامنة في نفوس الناس قد خمدت شيئاً فشيئاً؛ و أضحى الناس يذهبون بين الفينة و الاخرى لزيارة العتبات المقدّسة في العراق و يعطفون على زيارته، لكنّه كان تحت الرقابة الشديدة، فكلّ مَن يدخل بيت آية الله الخمينيّ في النجف يكون عرضة لعيون جهاز المخابرات المشدّدة؛ فتحقّق لهم في خاتمة المطاف ما أرادوه، حيث لا زالوا يتربّعون على كرسي الحكم، و هدأت الأوضاع عموماً، و هذا ما كانوا يطمحون إليه.

  • و قد شدّد الجهاز الأمنيّ في ممارساته القمعيّة ضدّ الناس خلال فترة إبعاد آية الله الخمينيّ إلى النجف بصورة لا يمكن للمرء وصفها، بل يتساءل معها المرء: أيمكن للقبح أن يصل إلى هذا المستوى من الانحطاط؟! فحالة الانفلات قد عمّت، و تهيّأت الأرضيّة لمجي‌ء البهائيّة على شكل انقلاب يستلمون خلاله مقاليد البلد، و تمثّلت باكورة هذه الحالة بمجي‌ء أمير عبّاس هويدا البهائيّ و تسنّمه منصب رئاسة الوزراء.

  • قال لي أحد السناتورات و هو السيّد جلال الدين الطهراني، و يُعدّ إلى حدٍّ ما من المفكّرين المتديّنين، و تربطه علاقة بآية الله البروجرديّ، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

118
  • و هو ذات الشخص الذي ذهب إلى باريس من قِبَل مجلس الوصاية على العرش للالتقاء بآية الله الخمينيّ، حيث قال له آية الله الخمينيّ: لا اقابلك إلّا بعد أن تستقيل عن سمتك؛ فقدَّم استقالته و حظي بذلك اللقاء قال: لقد جلبوا هذا البهائيّ لرئاسة الوزراء، و كنتُ حينها سناتوراً و عضواً في مجلس الشيوخ، فقدّمت بطاقة غامقة، أي: عدم الموافقة على تنصيبه، و إثر ذلك استجوبوني عن سبب الرفض، و أنا الآن منذ عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة جليس البيت بعد إحالتي على التقاعد.

  • يعني أنّه احيل إلى التقاعد مع كونه رجلًا عالماً، و متخصّصاً في الرياضيّات، و في علم الهيئة، و رجلًا مسلماً، و كان قد شغل منصب محافظ خراسان مدّةً، فأدّى وظيفته على أحسن وجه.

  • و من الإنصاف أن نقول عنه إنّه أحسن مَن أدّى وظيفته كمحافظ في العهد البهلويّ، حتّى أنّه قال لي: قال لي الملك مرّةً: عليك أن تُقَسِّم أراضي خراسان! فقلتُ: إن يدي لا تتطاول على أملاك أبي، و الإمام علي ابن موسى الرضا عليه‌السلام هو أبي، فأنا لا أقوم بهذا العمل؛ و قلتُ له: لو أعطوك مِلك أبيك و قالوا: خُنْهُ، فهل تفعلون ذلك؟ قال: لا. قلتُ: حسناً، فهذا ملك أبي. و لذلك لم يدعهم يقسِّموا أراضي خراسان مادام هو المسؤول عنها. و كان يقول: عندي خطط و برامج لإعمار البلاد أفضل بكثير من هذه الخطط الحاليّة التي هي قيد التنفيذ، لكنّهم لم يولوه اذناً صاغية، لأنّ خططهم تأتي من خارج الحدود.

  • و لنعُد إلى صُلب الموضوع، فقد قال: لقد أعطيتُ رأياً سلبيّاً في التصويت، فأجبروني على الاستقالة، و أنا الآن منذ عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة جليس البيت، قد طرق سمعي أخيراً أنّه قد وافته المنيّة عن عمر ناهز المائة سنة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

119
  • على أيّة حال، فقد ابقي آية الله الخمينيّ في النجف تحت الإقامة الجبريّة، حتّى زادت الضغوط البعثيّة في النجف الأشرف بشدّة، و طرحوا على آية الله الخمينيّ شروطاً، فأجابهم بالرفض و قال: ساغادر العراق. فقالوا: تفضَّل! فتحرّك باتّجاه الكويت، و كما تعلمون فإنّ دولة الكويت لم تسمح له بدخول أراضيها، فذهب إلى فرنسا ثمّ عاد إلى إيران، و أنتم على اطِّلاع بالأحداث الحاصلة أخيراً.

  • ورد آية الله الخمينيّ طهران فحلّ ضيفاً في مدرسة علوي (= المدرسة العلويّة) على سماحة الحاجّ الشيخ محسن سعيديان و سماحة السيّد عبدالصاحب (سيّد علي أكبر الحسيني) و سائر مدرّسي المدرسة، فذهبتُ لرؤيته طبعاً في اليوم المخصَّص لكلّ العلماء فحضر بعد صلاتي المغرب و العشاء، و جلس في صالة المدرسة، و تحدّث لمدّة ثلاثة أرباع الساعة تقريباً؛ فقلتُ للسادة: خذوا لنا منه وقتاً خاصّاً لمدّة نصف ساعة، و قد تلطّف علينا بالموافقة، فعيّنوا لنا وقتاً بعد يوم أو يومين في الصباح مبكّراً، فذهبت إليه، و جلسنا نتجاذب الحديث لمدّة نصف ساعة تقريباً.

  • و لم تكن الجلسة خاصّة بتمام المعنى، حيث جاء شخصان آخران، ولكنّ العدد لم يتجاوز أربعة أو خمسة أشخاص؛ و لم تكن الدولة البهلويّة قد سقطت حينذاك، يعني أنّ لقاءنا به قد حصل قبل الثاني و العشرين من بهمن، و أذكر أنّني ذهبت بعد خروجي لزيارة أحد السادة العلماء من الوافدين من المدن الاخرى، و كان منزله في شارع وليّ العصر الحالي، و كانت سيّارتنا تمرّ بين إطلاق النيران في الذهاب و الإياب.

  • و هكذا انتفض الشعب ضدّ الدولة، و كانت لهم مناوشاتهم مع الجيش، و ما أن حلّ عصر اليوم الثاني حتّى سقطت الحكومة بحمد الله؛ و عمّت نداءات التكبير تصدح من كلّ مكان، فهجمت الجموع الغفيرة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

120
  • رجالًا و نساءً على محلّ إقامته للحضو بلقائه، و كان الازدحام مذهلًا ممّا أدّى لإصابة الكثير من الناس بحالة الإغماء من شدّة الزحام، و لا يسعنا المجال للخوض في تفاصيل ذلك الحدث (و مَن أراد ذلك فجميع التفاصيل عند

  • سماحة الحاجّ الشيخ محسن).

  • لقاء المؤلِّف مع آية الله الخمينيّ محمّلًا باقتراحات أساسيّة

  • لم يُطِل آية الله الخمينيّ المكث في طهران أكثر من عدّة أيّام، حيث عاد إلى قم؛ و لم ألتقِ به في طهران أكثر من مرّتين، ففكّرت في زيارته و هو في قم لُابارك له العودة إلى مدينته التي هي مقرّه و مستقرّه؛ و أخيراً ذهبت ذات يوم مع ولدي الحاجّ السيّد محمّد صادق إلى قم، فذهبنا إليه صباحاً و حصلنا على فرصة لقاء خاصّ.

  • كنّا قد حصلنا على موافقة الالتقاء به على انفراد، ولكنّ ذلك لم يدم أكثر من نصف ساعة، فبينما كنّا منشغلين بالحديث و إذا بالباب يفتح على حين غرّة فتدخل عائلة الشهيد الفريق الأوّل قرني، و هم زوجة الشهيد و أولاده و إخوته، و هم في حالة من البكاء و العويل، و كان الفريق الأوّل قرني قد اغتيل حديثاً، فجاءت عائلته بعد إتمام مراسم التشييع و الدفن في قم، فواساهم بتقديم التعازي. و باختصار، فقد تمّ اللقاء المذكور على هذا المنوال و لم نتمكّن من التحدّث إلّا في بعض الامور العامّة.

  • و كنتُ قد ذهبت إلى قم من أجل طرح مسألتين، الاولى أنّني قلت: من اللازم الآن إقامة صلاة الجمعة، لما لها من أهمّيّة مضاعفة على غيرها حاليّاً؛ و الاخرى: العفو العامّ، إذ لابدّ من إعلان العفو عن القابعين في السجون بسبب سياسة و حكم الملك في العهد الطاغوتي، طبعاً بغضّ النظر عن اولئك المتّهمين بجرائم شخصيّة عاديّة، إذ لابدّ لهكذا أشخاص من أن ينالوا عقوبة ما اقترفت أيديهم، و لا فرق هنا بأن تكون الحكومة إسلاميّة أو كافرة؛ و إنّما العفو العامّ بسبب انتقال الحكم من حال الكفر إلى الإسلام، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

121
  • و لا يصدق في ظلّ حكومة الإسلام إطلاق اسم «جريمة» على كثير من الممارسات التي كانت تعدّ جرائم في العهد الكافر.

  • فالذين كانوا يحملون عناوين مدير الماليّة أو قائد الجيش و ما شابه، كانوا يمارسون أعمالًا مخالفة لقانون الإسلام، و هم مجرمون يجب محاكمتهم، في حين أنّ قانون الكفر لا يتعرّض لهم، بل يُطلق لهم العنان فيما يمارسونه.

  • أمّا اولئك الذين ثبت عليهم إجرامهم، سواء في العهد البائد أم في عهد حكومة الإسلام، أي أصحاب الملفّات الجنائيّة كالقاتل أو السارق، أو ثبوت أخذ الرشوة على مدير الماليّة، أو ارتكاب القتل العمديّ من قبل قائد الجيش؛ فينبغي أن يحاكموا على ما جنت أيديهم.

  • أمّا بخصوص صلاة الجمعة، فقد قال آية الله الخمينيّ: لا؛ إن عقيدتي في صلاة الجمعة أنّها غير واجبة، بل بنظري أنّ وجوبها حتّى في زمان رسول الله تخييريّ.

  • و لا أذكر تماماً هل قلتُ له هذه الجملة أو لا فقد كان في نيّتي أن أذكرها له و خلاصتها أنّني أردت القول: أقيموا صلاة الجمعة لأربعة جُمَع متتالية، و عندها ستعلمون هل هي واجب عينيّ أو لا!

  • يعني أنّكم ستلمسون الفوائد الكثيرة المترتّبة على إقامتها بحيث تجعلكم تعيدون النظر في أمرها.

  • و أمّا بخصوص العفو العامّ، فقد قال: إن حكومة الإسلام كانت و لا زالت في كِلا العهدين، سوى أنّ قوانين الإسلام في عهد الطاغوت كانت معطّلة عمليّاً، و يجب على جميع هؤلاء أن يُحاكموا على أساس القانون الإسلاميّ؛ و ليس ثمّة من معنى للعفو العامّ.

  • و أخيراً، فالوقت لم يسمح لنا لإتمام الحوار بسبب دخول عائلة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

122
  • الشهيد قرني من جهة، و بسبب ضياع بعض الوقت المقرّر أثناء دخولهم علينا، و هكذا مرّ الوقت سريعاً، فنهضنا و ودّعناه و تهيّئنا للعودة إلى طهران.

  • و كان المرحوم المطهّريّ في ذلك الوقت على قيد الحياة حيث تمّ هذا اللقاء قبل اغتياله باسبوع و كانت تربطني به علاقة وثيقة، و قلت له ذات يوم: أتدري ما القضيّة؟ القضيّة المهمّة هي صلاة الجمعة، و لابدّ من إقامتها فوراً، و إلّا فالبلد مهدّد بأخطار عنيفة تداهمه، لأنّ جميع الأحزاب و المنظّمات منشغلة الآن في عرض أفكارها و مناهجها لاستقطاب الناس و توسيع رقعة قواعدهم الجماهيريّة؛ ففي ذكرى وفاة الدكتور مصدّق مثلًا تحرّكوا بثلاثين ألف شخص من مؤيّديهم في طهران متوجّهين إلى أحمد آباد، و من هناك أطلقوا الشعارات الوطنيّة للتعبير عن معارضتهم لجهاز آية الله الخمينيّ، لما يُضفي على جهازه من القدسيّة و الروحانيّة.

  • و ثمّة نشاطات و تحرّكات لأحزاب اخرى في هذا الميدان، و إذا لم تقم صلاة الجمعة فسوف ينهار كلّ شي‌ء، أمّا إذا اقيمت صلاة الجمعة، فسوف لن تختصّ المسألة بمائة شخص أو خمسمائة، و إنّما ستشمل الامّة برمّتها.

  • كنّا نتحدّث في هذا الكلام في وقت لم تكن فيه صلاة الجمعة في طهران قد اقيمت بعدُ، يعني لم يكن لها من أثر يُذكر، و كنّا بدورنا قد بدأنا في مسجد القائم بمناقشة و بحث مسألة وجوب صلاة الجمعة العينيّ التعيينيّ، أي: وجوب صلاة الجمعة تعيينيّاً.

  • كما كنّا نبحث ذات المسألة في جلساتنا الاسبوعيّة، حيث قلتُ ذات ليلة في إحدى الجلسات: أنا على استعداد للحوار و المناقشة مع أيّ كان في مسألة وجوب صلاة الجمعة من على الشاشة الصغيرة (التلفاز)، و القيام 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

123
  • بمباحثة فقهيّة، لبيان وجوب صلاة الجمعة، هل هو تعيينيّ أو لا؟

  • و قلتُ للمرحوم الشهيد المطهّريّ: إذا ذهبتُم إلى قم و التقيتم آية الله الخمينيّ، فقولوا له: إن الطهراني عنده عشرين مادّة يرى ضرورة طرحها عليكم.

  • إحداها: هي الوجوب العينيّ التعيينيّ لصلاة الجمعة. فآية الله الخمينيّ من الفقهاء، و قد حضر دروس آية الله سماحة الحاجّ الشيخ عبدالكريم الحائريّ و دروس آية الله البروجرديّ، و لربّما درس صلاة الجمعة لعدّة دورات. و ليس ثمّة شبهة اليوم في وجوب صلاة الجمعة التعيينيّ العينيّ على ضوء تلك الموازين الكلّيّة، و عليه بمباشرة أداء صلاة الجمعة.

  • المسألة الثانية: مسألة زواج الشباب و الشابّات.

  • أرى أنّه لابدّ من تعميم تزويج الشابّ حال بلوغه سنّ الخامسة عشر من عمره في جميع أرجاء البلاد. و على الدولة أن تضع برنامجاً شاملًا و منظّماً، تُقدِّم فيه غرفة صغيرة لكلّ مَن يُقْدِم على الزواج في هذه السنّ، فيتمتّع الجميع بحياة مستقرة، كلٌّ حسب موقعه و مجال عمله، فالكاسب يبقى على كسبه، و الفلّاح في مزرعته، و العامل في عمله، و التلميذ في دراسته، و يُعطى لكلٍّ واحد من هؤلاء تسهيلات للزواج، و يبقى الطالب يزاول دراسته، إذ أين العيب في أن يكون للجامعيّ زوجة؟ فليذهب للجامعة لتكملة مشواره الدراسيّ و ثمّة زوجة تنتظره في بيته، فالجامعيّ المتزوِّج كالجامعيّ الأعزب الذي حين يعود إلى منزله يرى والديه باستقباله، و غذاءه مُعدّاً، بفارق أن المتزوِّج يتناول طعامه مع زوجته ثمّ يذهب لوظيفته. فلابدّ من تعميم الزواج المبكّر للشباب و الشابّات في أوائل بلوغهم في كافّة أرجاء البلاد.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

124
  • و تناولت المسألة الثالثة الحجاب التي قدّمها هو بعنوان تحفة إلى إيران، إذ لابدّ و أن يكون الحجاب وفق ضوابط معيّنة تؤول إلى ستر المرأة، دون أن يضايقها في تحرّكها و مزاولتها الأعمال براحة و يسر، في حال‌

  • حملها للطفل، و عند ذهابها للسوق و عند ركوبها في الحافلة، و لابدّ من مراعاة كيفيّة الحجاب بحيث لا يقع من على رأسها في جميع ما تقدّم.

  • و ينبغي أن يكون الحجاب بأكمام طويلة مع سروال طويل و عريض، و بلون موحَّد (و اللون المتعارف هو الكحليّ أو الرماديّ)، و يرى بعض الفقهاء أنّ كشف الوجه و الكفّين جائزٌ، و هو كذلك؛ لكنّ بعض الفقهاء يحتاطون في ذلك، فعلى مقلّداتهم أن يغطّين وجوههنّ و أكفّهنّ عن الأجانب، مع مقنعة طويلة في حكم الجلباب على الرأس، و هو في هذه الصورة أفضل من الإزار المستعمل اليوم في الصلاة، لأنّه بمثابة العباءة التي تحفظ النساء و تسترهنّ في حال خروجهنّ. أمّا الحجاب الذي هو بدون حزام، و المفتوح من الأمام الذي يُجبر المرأة على استعمال كلتا يديها لحفظه مُغلقاً و الذي إذا انفتح في بعض الأحيان أو ضربته الريح، أضحى جميع بدن المرأة عرضة للآخرين فإنّه ليس بالحجاب الصحيح، مضافاً إلى عدم إمكانها العمل و الحركة عند ارتدائه.

  • و أخيراً فلابدّ لهذين (الجبّة و السروال) من أن يكونا واسعَين وفق ضوابط معيّنة و ثابتة و متعارفة عند الجميع، بحيث لو ذهبت المرأة إلى بائع الألبسة، و قالت له: اريد حجاباً لخارج البيت، فقياسات القماش اللازم معلوماً لديه، أشبه بالقماش اللازم لخياطة العباءة المعروفة قياساته لدى جميع الباعة، كأن يكون ستّة أمتار مثلًا؛ فترتدي جميع نساء إيران هذا الزيّ الموحَّد، و ينبغي أن يكون الحذاء بسيطاً جدّاً مريحاً و بدون كعب عالٍ.‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

125
  • بعد ذلك، يُقارن التلفاز بين إحدى المتبرِّجات بالملابس الطاغوتيّة و بين إحدى النساء المحجّبات بهذا الحجاب، فيقال: أيّها المسلمون! أيّهما الأفضل من أجل الحرّيّة، الشرف، من أجل الذهاب إلى العمل، بل حتّى من أجل راحة المرأة؟ فأيّهما التي يمكن لها مزاولة أعمالها؟

  • طبعاً، هذا إجمال الأمر، و قد قلتُ: سيكون هذا الأمر مقبولًا في حال تعميمه لكافّة الناس، و أنّ عليه أن يبدأ أوّلًا في تطبيقه على أفراد عائلته، لا أن يدعو لارتدائه مجرّد دعوة.

  • ليطلب من النساء الايرانيّات أن يقتدين، فيجعلن حجابهنّ على هذا النحو، و ذلك باعتباره على رأس المتصدّين، و أنّ أحكامه نافذة على الجميع، مضافاً إلى كونه رئيساً للبلاد و المجتمع، فكلامه نافذ و مُطاع، و ليس ككلام الآخرين من أمثالي.

  • المسألة الرابعة: ضرورة الاهتمام بالمقاومة الوطنيّة، و الاهتمام بالشباب الثوريّ الملتزم بالإسلام، من خلال إعدادهم ضمن دورات تدريبيّة منظّمة على فنون القتال، ليكونوا على اهبّة الاستعداد لحماية المدن، و الدفاع عن البلاد و المرابطة على حدودها؛ و هذا غير القوّات العسكريّة النظاميّة، فكلٌّ له استقلاليّته و وظائفه الخاصّة به.

  • و نتيجة هذا الإعداد هي إيجاد روح النشاط في الدفاع عن الحقوق المسلّمة، و حفظ و حراسة كيان و شخصيّة الإنسان المسلم. و على هذه القوّات أن تنتشر في كافّة بقاع البلاد، و تكون على استعداد تامّ في جميع الأوقات؛ و إذا ما حدثت هجمة مضادّة أو حدث ثمّة إحساس بخطر داهم، فسوف تتحرّك هذه الفصائل الثوريّة للسيطرة على الوضع بيُسر.

  • قال المرحوم المطهّريّ: (لقد طُبِّق هذا الأمر بصورة مصغّرة في 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

126
  • طهران، و يوجد الآن عشرة آلاف شابّ يتلقّون تدريبات عسكريّة، و قد هيّأت الدولة ميزانيّة خاصّة لهذا الغرض، و هناك جهود مبذولة لرفع عددهم إلى عشرين إلفاً).

  • أجل، فتلك التشكيلة هي اللبنة الاولى لمنظمة الحرس الثوريّ‌ و تعبئة المستضعفين، التي رأينا أنّها قد وصلت إلى المليون، بل و تجاوزت ذلك؛ و بحقّ فقد أدّى هؤلاء دورهم على أحسن وجه في الحفاظ على الأراضي، و الدفاع عن حدود دولة الإسلام.

  • المسألة الخامسة: لزوم تكليف عامّة الناس بالتدريب على السلاح، لأنّ الدفاع و الجهاد في الإسلام لا يختصّ بالشباب دون غيرهم. فعلى الجميع أن يكونوا مجاهدين في سبيل الله، من حنظلة غسيل الملائكة ذلك الشابّ الحديث البلوغ حتّى عمّار بن ياسر ذلك الشيخ المسنّ الذي بلغ الرابعة و التسعين من عمره.

  • و عليه، فعلى عهدة الحكومة أن تضع برنامجاً تدريبيّاً على مختلف أنواع الفنون العسكريّة الحديثة يشمل كافّة الناس على شكل وجبات، بأن يدخل البعض في دورات خاصّة يتناولون فيها كلّ خصائص و دقائق الفنون العسكريّة الحديثة، و يدخل البعض الآخر في دورات عامّة تشمل أوّليّات الإعداد و التدريب على كيفيّة استخدام الأسلحة و الرمي؛ و يتمّ التحاق الناس بهذه الدورات بشكل دوري مستمرّ، و يشمل الأفراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمس عشرة سنة إلى الأربعين، فيمثّلون مجموعات عسكريّة إسلاميّة تذود عن حياض الإسلام، و على اهْبَة الاستعداد للمساهمة في حسم الموقف في أيّ حدث طارئ.

  • الجهاد عبارة عن تجهيز الجيش و تسييره تحت قيادة حكومة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

127
  • الإسلام إلى البلدان غير الإسلاميّة و غير التابعة لحكومة الإسلام، من أجل جعل الكفّار و المشركين مسلمين، و هذا الجيش أيضاً على استعداد دائم لصدّ أيّ عدوان محتمل من قِبَل الأعداء.

  • و ينبغي العلم بأنّ هذه المسالة غير المسألة السابقة، و مفادها أنّ جميع الأفراد في الإسلام هم جنود للإسلام.

  • المسألة السادسة: تجهيز علماء الإسلام و فقهائه و فضلائه بالسلاح الشخصيّ. و المتعارف اليوم أنّ العلماء لا يحملون السلاح و في الحقيقة أنّهم قد جُرِّدوا من السلاح و باعتبار أنّ العلماء آمرون بالمعروف و ناهون عن المنكر، فلابدّ لهم من التزوّد بالسلاح الذي يضمن لهم أداء مهامهم.

  • و كما أنّه لابدّ للضابط و الشرطيّ من استحصال إجازة حمل السلاح، فعلى العلماء و طلبة الحوزة العلميّة الملتزمين كذلك، و ربّما كان حمل السلاح بالنسبة إليهم أكثر لزوماً من غيرهم. و لا يعني حمل الأسلحة الشخصيّة أن تكون يد الشخص على الزناد في كلّ وقت، بل هو لإخافة مَن يخالف القانون، كما نرى بأنّ مِن الضبّاط مَن لم يستخدم سلاحه الشخصيّ على مدى خدمته ولو لمرّة واحدة، ولكنّ حمل السلاح يمنحهم اعتباراً عمليّاً و فعليّاً، فحمل السلاح بالنسبة للعلماء و الفقهاء من الضرورات اللازمة، لأنّهم ضامنو الوظائف المادّيّة و المعنويّة للناس، و من أجل نفوذ كلمتهم و اعتبار أمرهم و نهيهم و لمحاربة الفحشاء و المنكر.

  • أجل، قدّمتُ هذه الموادّ العشرين إلى المرحوم الشهيد المطهّريّ؛ فقال سماحته في خصوص حجاب النساء و تغيير زيّه إلى الصورة الصحيحة: كيف سأقول له ذلك، هل أذكره نقلًا عنكم؟

  • قلتُ: افعلوا ذلك!

  • ثمّ ذهب الشيخ إلى قم للالتقاء بآية الله الخمينيّ، فقدّم اقتراحه بخصوص 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

128
  • صلاة الجمعة، فقال آية الله: إن سماحة الحاجّ الشيخ محمّد علي الأراكيّ يقيم الصلاة في قم، فماذا سأقول له؟

  • فقال سماحة المطهّريّ: إنّه سيقدّمكم في الصلاة؛ فقال آية الله الخمينيّ: و كيف سأخرج من البيت؟ فالجماهير المحتشدة سوف تجعل‌ سيّارتي قطعة قطعة (لأنّ علاقة الجماهير بقائدها في تلك البرهة كانت في ذروتها، و بحمد الله فقد استمرّت تلك العلاقة على امتداد هذه السنين المنصرمة، و لذلك لم يتمكّن من الخروج من البيت؛ و قد شاهدتم ما صنعت الجماهير في تشييع جنازته، حتّى أنّ الجنازة قد تعرّضت لخطر الضياع بين الأيدي و الأقدام و فقدان أثرها!).

  • على أيّة حال، فقد قال: كيف أخرج من البيت؟ فقال المرحوم المطهّريّ: ليس هذا مهمّاً، إذ توجد طرق عديدة لحلّ هذه المسألة، أقيموا أنتم الصلاة، ولو لمرّة واحدة، و من ثمّ دعوا غيركم يقيمها فليس من الضرورة أن تؤمّوا الناس بنفسكم، لكن إمامتكم في هذا المقطع لازمة، و عيّنوا لإمامة الجمعة في المدن مَن ترونه لائقاً لذلك.

  • و أخيراً اتّخذ قراره بخصوص صلاة الجمعة بعد مضي عدّة أشهر؛ إذ إن المرحوم المطهّريّ قد استشهد بعد اسبوع من ذلك اللقاء، و اقيمت أوّل صلاة جمعة في طهران في ساحة جامعة طهران بأمر آية الله الخمينيّ بإمامة المرحوم السيّد محمود الطالقانيّ، و لم يُمهل الموت المرحوم الطالقانيّ لأكثر من شهر واحد، فاوكلت إمامة صلاة الجمعة في طهران لآية الله المنتظريّ، و جاء بعده سماحة السيّد الخامنئيّ، و ما زالت صلاة الجمعة مقامة لحدّ الآن و للّه الحمد.

  • أجل، فإنّ صلاة الجمعة مهمّة جدّاً، و لا يمكن تصوّر حكومة الإسلام بدون صلاة الجمعة، و كلّ مَن استلم زمام السلطة منذ عهد رسول الله إلى يومنا الحاضر قد أقام صلاة الجمعة؛ و من الناحية الاصوليّة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

129
  • فإنّ صلاة الجمعة واجبة على الجميع، لا فرق في ذلك سواء كان الزمان زمان حكومة الإسلام أم زمان غير حكومة الإسلام؛ و الناس في زمان غير حكومة الإسلام مذنبون؛ و إذا سألتهم: لماذا لم تصلّوا صلاة الجمعة؟ يقولون: لأنّنا لا نستطيع ذلك؛ و لابدّ من قيام حكومة الإسلام. و يقولون: لابدّ أن تقوموا بتشكيل حكومة الإسلام لنتمكّن من أداء صلاة الجمعة.

  • فصلاة الجمعة و الحال هذه من ثمرات تشكيل حكومة الإسلام، فيكون من الواجب على الجميع تشكيل حكومة الإسلام، ليتمكّنوا من إقامة صلاة الجمعة؛ و نحن نرى أنّ صلاة الجمعة قد غطّت على أنشطة جميع تلك الأحزاب.

  • و حين يشارك المليون و المليونان و الثلاثة ملايين من المصلّين في طهران، فسيخجل ذلك الحزب المعارِض من الظهور في الشارع، لأنّ قاعدته الجماهيريّة لا تتجاوز العشرة آلاف إلى عشرين ألفاً من الأتباع؛ أمّا في حال عدم إقامة صلاة الجمعة، فإنّ تلك الجموع المليونيّة ستقبع في بيوتها و سيُجهل حالها بسبب تفرّقها بين البيوت و المساجد، و بين التفرّج على الشاشة الصغيرة، أو الاستماع لإحدى القصص، أو الذهاب إلى الملعب لمشاهدة مباراة بكرة القدم، فيأتي في هذه الحال الحزب الفلاني بقاعدته المؤلّفة من عشرة آلاف شخص فينزل إلى الشارع، و بانضمام بعض المتسكّعين و عدد المتفرّجين يزداد سواده، فيشعر ذلك الحزب بنشوة، و يدّعي أنّ القدرة و القوّة منحصرة في حوزته.

  • و الحمدللّه فقد أصبح مشروع صلاة الجمعة عمليّاً؛ و كان المرحوم المطهّريّ قد قال لي: لم تسنح الفرصة سوى لطرح بعض موادّكم على آية الله؛ و قد أرجأت الموادّ المتبقّية إلى فرصة اخرى، لكنّه استُشهد بعد ذلك رحمة الله عليه.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

130
  • أجل، فقد كانت إحدى الموادّ المقترحة الاخرى هي: تنظيم الوقت الرسميّ في إيران على ضوء الموازين الإسلاميّة، ليتمكّن الناس من الاستفادة من أعمارهم على أحسن وجه. و قد نُظِّمت الساعة الفعليّة المستعملة في إيران على أساس منتصف الليل و الزوال، و عليه فإنّ مقدارَي الليل و النهار سيكونان غير ثابتين.

  • إن الليل مظلمٌ للراحة و السكن، و النهار مشرقٌ لليقظة و النشاط و الحركة؛ يقول الأطبّاء: اليقظة و العمل في الليل مضرّان، كما أنّ النوم و عدم الحركة في النهار مضرّان أيضاً. و قد اقيمت أحكام الشرع الإسلاميّ المقدّس على أساس الفطرة، و جَعلتْ أحكامه على أساس أنّ ساعات الليل للاستراحة و العبادة في الليل البهيم، و على أساس أنّ ساعات النهار لمزاولة الأعمال و التنقّل من أجل المعاش في وضوح اليوم و إشراقه.

  • و تكون ساعات اليوم ابتداءً من الليل، فتتبع ساعاته الواحدة تلو الاخرى، حيث تقرّر لكلّ ساعة عمل معيَّن.

  • و لدينا في هذا الخصوص الآية الكريمة: {فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً}،۱ و الآية:{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً}،٢ و الآية: {أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً}،٣ و الآيتين: {وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ، وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً}.٤

  • فمن صلاتَي المغرب و العشاء، ثمّ تناول طعام العشاء، و بعده النوم 

    1. الآية ٩٦، من السورة ٦: الأنعام.
    2. الآية ٦۱، من السورة ٤۰: غافر.
    3. الآية ۸٦، من السورة ٢۷: النمل.
    4. الآيتان ۱۰ و ۱۱، من السورة ۷۸: النبأ.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

131
  • في أوائل الليل لاستراحة البدن التامّة، و من ثمّ اليقظة عند أوائل طلوع الفجر، و يتبع ذلك الوقت و الزمان المعيّن بين الطلوعين حتّى شروق الشمس، ثمّ تبدأ ساعات النهار المخصّصة للقيام بالامور المهمّة في‌ الزراعة و الصناعة و التجارة و السفر و مزاولة الأنشطة الاجتماعيّة و غيرها إلى وقت الضحى، حيث ترتفع الشمس في كبد السماء فتنير المعمورة بشدّة إشراقها، حيث لا يبقى للزوال حينها سوى ساعتين تقريباً في فصل الصيف، و عندئذٍ يأتي وقت نومة القيلولة و هي من المستحبّات و ما أن يصل وقت زوال ظلّ الشمس حتّى يحين موعد صلاة الظهر، و بعد أن يزيد ظلّ الشاخص على الضعف، فإنّه سيعني انقضاء نصف الفترة الزمنيّة ما بين الظهر و المغرب تقريباً، و عندئذٍ يحلّ وقت صلاة العصر؛ و الوقت المتبقّي لصلة الأرحام و تربية الأولاد و الانس مع الزوجة، و تكملة أمور المعاش إن اقتضى الأمر لذلك، و يستمرّ ذلك حتّى اختفاء الشمس تحت الافق، فيحلّ وقت صلاة المغرب، و يبدأ أوّل زمان الليل بالمثول.

  • و نشاهد أوّلًا: أنّ الليل يكون مُقَدَّماً على النهار دائماً، و ليلة الجمعة تعني الليلة التي تسبق نهار يوم الجمعة، لا الليلة التي تليه، لأنّ رؤية الشهر برؤية الهلال، و لابدّ للرؤية من أن تكون أوّل الليل، فلابدّ للرؤية إ ذَن من أن تكون بعد اختفاء الشمس.

  • و ثانياً: ينبغي ضبط الساعة على الغروب، يعني أن تُجعَل الساعة الثانية عشرة في وقت غروب الشمس؛ و أن تكون عقاربها في ذلك الوقت منطبقة الواحدة فوق الاخرى، و مع كلّ ساعة تمرّ سنعلم كم مضى من الليل؛ فالساعة الثانية تعني أنّه قد مضى من الليل ساعتين، و الساعة الخامسة تعني أنّه قد مضى من الليل خمس ساعات، و سيكون طلوع الفجر متغيّراً؛ 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

132
  • و في هذا الوقت مثلًا قد مضى من الليل تسع ساعات.۱

  • و شروق الشمس متغيّر أيضاً، لأنّ مقدار بين الطلوعَين بمقدار ثُمن ‌ مقدار اليوم، لذا يصل ما بين الطلوعَين صيفاً في المناطق التي نعيش فيها إلى ما يقارب ساعتين، و يقلّ شتاءً حتّى يصل إلى ساعة و ربع.

  • و المسلم في هذا الوقت يقظ، و منشغل في العبادة أو في قراءة القرآن، أو بالمطالعة، أو تراه منشغلًا في تدبير شؤون المنزل؛ حيث يذهب لمزاولة عمله في حدود الساعة الاولى لطلوع الشمس، سواء كان تاجراً أم صاحب مهنة أم طبيباً أم طالباً أم فلّاحاً أم صاحب ماشية، و هو في ذلك الوقت الجيّد و الأجواء المناسبة سيتمكّن بكلّ راحة من قضاء ستّ ساعات في العمل حتّى في فصل الصيف. و حينما تصل الشمس إلى وقت الضحى و يكون الجوّ حارّاً غير مناسب للعمل، فإنّ الفرد المسلم يكفّ عن العمل ... حتّى الظهر و العصر، ثمّ تمرّ الساعات متتالية إلى انقضاء النهار.

  • و فائدة هذا التوقيت، هي: استفادة الإنسان من وقته، و مُضي ساعات العمل وفق مزاجه في هدوء و على ما يرام، و أنّ الفرد سيعلم كم سيبقي من النهار، و كيف سيؤدّي ما على عاتقه من واجبات حتّى غروب الشمس؛ لذا فإذا استيقظ المرء صباحاً و نظر إلى الساعة و شاهد أنّها الحادية عشرة فسيعلم أنّه بقي ثلاث عشرة ساعة من الوقت إلى الغروب، و إذا استيقظ عصراً و شاهد أنّها الحادية عشرة، فسيعلم أنّ بينه و بين الغروب ساعة واحدة فقط.

  • و سيعلم الناس في هذه الحالة مقدار نهارهم و سيعلمون كم بقي لهم من النهار، لأنّ آخر النهار هو الساعة الثانية عشرة؛ بخلاف الليل الذي 

    1. إشارة إلى وقت إلقاء المحاضرة. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

133
  • ليس من الضروريّ أن تعلم عدد ساعاته المتبقّية، لأنّ الليل للنوم و الاستراحة، و ما ينبغي للإنسان أن يعلمه من الليل هو كم مضى منه؟ و كم له أن ينام و يستريح؟ و في حال تنظيم عقرب الساعة على ساعة الغروب فسيكون معلوماً بمجرّد رؤية الساعة كم سيبقى من الوقت للحركة و النشاط.

  • و يستطيع الإنسان في هذه الحالة بنظرة سريعة أن يعلم بما بقي له من الليل أو النهار؛ ولكن معرفته بساعات الليل لا تدرّ عليه كبير فائدة، و إنّما الأساس بالنسبة له هو ساعات النهار، حيث إن المهمّ عنده أن يعلم كم بقي له من النهار، حيث ينبغي علينا القيام بوظائفنا خلال هذا القدر من الزمن المتبقّي، و لا يهمّنا كثيراً القدر الذي انقضى منه أمّا بالنسبة إلى الليل فالمهمّ لنا هو كم مضى منه؟ و هل لدينا الوقت الكافي للاستراحة و النوم أو لا؟ و هذه غير منوطة بما يليها من ساعات، بل مرتبطة بما سبقها من ساعات.

  • أمّا الساعة المنظّمة على توقيت الظهر، فلا تبدأ مع أوّل النهار و لا مع أوّل الليل، بل تبدأ مع منتصف الليل تقريباً.

  • فالساعة الثانية عشرة، تعني منتصف الليل التقريبيّ، و الساعة الواحدة صباحاً تعني انقضاء ساعة واحدة من منتصف الليل، و لا فائدة من ذلك، بل أضرارها كثيرة، فهي:

  • أوّلًا: لا تُعيّن مقدار كلٌّ من الليل و النهار.

  • ثانياً: لا تحسب الليل من أوّله، بل تعتبر نصفاً من الليل من اليوم المنصرم، و النصف الآخر من اليوم التالي، فتكون الليلة التامّة في هذه الحالة عبارة عن قطعة مُجَزَّأة، فيختلط آنذاك حابل الأحكام و الوظائف الشرعيّة و العرفيّة بنابلها. كما أنّ الساعة الواحدة صباحاً لا تعني بداية 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

134
  • النهار، فقد ينبغي مرور ستّ ساعات اخرى قبل الشروق، و على الرغم من ذلك فإنّ تلك الساعات محسوبة من ساعات الصباح.

  • و ثالثاً: يصاب الإنسان في الحيرة و الاضطراب في عمله و عبادته؛ فقد عُيِّن له منتصف الليل لبدء التوقيت، ولكن ما الفائدة المتوخّاة من ذلك؟ فليس بالإمكان تنظيم ساعات العمل على ضوء هذا التوقيت، و لا حتّى تنظيم أوقات الراحة.

  • و على هذا الأساس نُظِّمَ التوقيت الحاليّ لساعات العمل الإداريّ و المدارس و الجامعات و الدولة و غيرها، فمثلًا: يكون التوقيت الرسميّ لبداية العمل هو الساعة الثامنة صباحاً؛ و تكون هذه الساعة بعد مدّة من شروق الشمس، و تصل تلك المدّة في الصيف إلى أربع ساعات كاملة، و قد مرّ على الإنسان في هذه الحالة أربع ساعات من الجوّ المناسب لمزاولة الأنشطة و هو رهين البيت، و عليه أن يتحرّك إلى عمله حين يدبّ أثر الحرارة بالفعل و يصبح الجوّ خانقاً؛ فيكون هكذا توقيت متلف للوقت النافع، لأنّه لم تُراعَ فيه احتياجات البدن و الوضع الصحّيّ العامّ الموافق للمواصفات الصحّيّة العالميّة.

  • إنّما جُعل ابتداء التوقيت من منتصف الليل حفظاً لمصالح أرباب المعامل الذين يعتبرون العمال جزءاً من آلات و أدوات الإنتاج، فهم لا يعيرون لنوم العامل و راحته و نهاره و صحّته أيّة أهمّيّة، و يوقعون البشر في تيه دوّامة الآلة من أجل ضمان مصالحهم المادّيّة.

  • و يضطرّ الإنسان في هذه الحالة أن يبقى نائماً إلى ما يقارب الساعة الثامنة، فيحرم من فيوضات بين الطلوعَين، و لا يستفيد من يقظة السحر. و بطبيعة الحال، فالذي يذهب إلى العمل في الساعة الثامنة، فسيبقى إلى الساعة الثانية بعد الظهر، أو يبقى في العمل إلى أربع ساعات بعد الظهر، ثمّ 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

135
  • يقضي أوّل ليله بالمطالعة و التسلية و التنزّه و يبقى يقظاً حتّى منتصف الليل، و يمتدّ نومه من آخر الليل حتّى الصباح، فيحرم في هذه الحالة من جميع المواهب الإلهيّة و الصحّيّة.

  • ينبغي أن ينظّم توقيت ساعات المعلّمين بالشكل الذي يتمّ فيه الحصول على خير الثمرات في أفضل أجواء و ظروف الصحّة و السلامة و التنعّم بالمواهب الطبيعيّة و المعنويّة.

  • و قد تناولنا هذا الموضوع بشكل موجز في كتابينا «معرفة الإمام» ج ٦، و «رسالة جديدة في بناء الإسلام على الشهور القمريّة».

  • و من المواضيع المقترحة: أن يختم منشوراته بذكر التأريخ القمريّ، لأنّه كان يفعل ذلك سابقاً، كما هو شأن جميع المراجع و الفضلاء الذين يختمون رسالاتهم بالتأريخ القمريّ؛ و قد جاء هذا الاقتراح بعد ما شوهد في الفترة الأخيرة كتابته للتأريخ الشمسيّ المبتني على أساس الهجرة النبويّة.

  • قلتُ: إن التأريخ الشمسيّ ليس بالتأريخ الإسلاميّ، و عليكم بتذكيره بهذه الملاحظة.

  • فتأمّل سماحة الشيخ المرحوم المطهّريّ رحمة الله عليه، ثمّ قال: أنا الذي قلتُ له: عليكم من الآن فصاعداً أن تختموا رسائلكم بالتأريخ الشمسيّ! فالتزمتُ الصمت و لم اعقّب بشي‌ء.

  • و حين ذهبت للإقامة عند المشهد الرضويّ المقدّس، ألّفتُ رسالة مستقلّة تحت اسم «رسالة جديدة في بناء الإسلام على الشهور القمريّة» و أهديتُ إليه أوّل نسخة مطبوعة منه؛ و بالمناسبة، فإنّ مواضيع الرسالة قد ادرجت في الجزء السادس من كتاب «معرفة الإمام» و جاءت في تفسير آية النسي‌ء، ضمن خطبة رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلّم في حجّة الوداع.

  • و من اقتراحاتي أيضاً، تغيير بزّة ضبّاط الجيش و قوّات الدرك 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

136
  • و الشرطة، و تغيير شكل النياشين و الأنواط، لأنّها صورة طبق الأصل لبزّة و نياشين و أنواط الجيش الأميركيّ، و لابدّ من تغييرها بما ينسجم و الأعراف الإسلاميّة؛ فينبغي أن تكون ملابس الجندي و الضابط، و كذا القبّعة و النوط و العلامة وفقاً لموازين الإسلام مائة في المائة.

  • فحلق اللحى و لبس ربطة العنق من الواجبات على الضبّاط و المراتب في ذلك العهد، و ربطة العنق هي ذلك الرباط العاقد الموضوع على العنق‌ للدلالة على الصليب، و يُطلق عليه بالفارسيّة (چليپا) أي: صليب النصارى، و هو من الملابس الخاصّة للنصارى، و يحرم لبسه على المسلمين.

  • و قد صار حلق اللحى في هذه الأيّام غير إلزاميّ، و رُفعت ربطة العنق، أمّا هيئة البزّة العسكريّة فلا زالت على حالتها الاولى.

  • و ينبغي التأكيد على أنّ المرحوم المطهّريّ قال لي كما ذُكر سابقاً: لم أتمكّن من طرح أكثر من موردين أو ثلاثة من اقتراحاتكم العشرين؛ و ثمّ إنّه نال شرف الشهادة بعد ذلك.

  • أجل، كنّا لا نزال في الأشهر الاولى من الحكومة الإسلاميّة حين تقرّر تشكيل مجلس لتدوين الدستور بعد إسقاط الحكومة الملكيّة و إبطال العمل بقانون العهد البائد و فقدان البلاد للدستور، لذا حكمت الضرورة بتشكيل مجلس تأسيسيّ للمصادقة على هذا الدستور.

  • هنا، تحرّك آية الله الخمينيّ بفراسة و حصافة و ذكاء مفرط من خلال إيعازه بتشكيل مجلس باسم مجلس الخبراء لهذا الغرض، فحصل على النتيجة المطلوبة بأسرع وقت؛ في حين كان البعض يرى بتشكيل المجلس التأسيسيّ الذي يُنتخب أفراده من كلّ مدينة و ناحية ولو صاروا ألفاً ثمّ يجلسون لمناقشة الموادّ المطروحة مادةً مادة، فينشغلوا بالبحث و النقاش لمدّة سنتين أو أكثر، و الله وحده العالِم بما ستؤول إليه النتيجة، و لربّما 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

137
  • كانت الغلبة لآراء المنافقين المندسّين أو آراء الوطنيّين و ما إلى ذلك، ثمّ يُسَنّ الدستور عموماً على آراء اولئك الأفراد.

  • و لذلك فقد رفض آية الله الخمينيّ مسألة تشكيل مجلس المؤسّسين، و قال: ينبغي اجتماع عدد معيّن من أهل الخبرة خلال مدّة معيّنة على أن لا تتجاوز الثلاثة أشهر ليفصلوا في المسألة. و لم يكن ثمّة مجال للتآمر و المعارضة مِن قِبَل الأحزاب المناوئة و المنافقين؛ و بطبيعة الحال فقد تسلّل إلى مجلس الخبراء بعض الأفراد غير المرغوبين المعروفين من خلال آرائهم، و كان هؤلاء منزعجين، و من المخالفين لمسألة ولاية الفقيه، ولكن و بحمد الله كانت الغلبة للفئة الاخرى.

  • مسوّدة الدستور و نظرة المؤلِّف فيها

  • كان ينبغي على الخبراء أن يدوّنوا الدستور، و هم من أفراد الامّة من أهل الفهم و التعقّل و التجربة، و تمييز السليم من السقيم، و كان لابدّ لهم أوّلا من كتابة مسوّدة الدستور و عرضها على مجلس الخبراء للتصويت على موادّها.

  • و حين نُشرت مسوّدة الدستور في الصحف؛ ألقيتُ عليها نظرة إجماليّة، فرأيتها سيّئة جدّاً، و ليست إسلاميّة؛ قلتُ: عجباً! لماذا صيغت بهذه الكيفيّة؟ و مَن الذي كتبها؟ علماً أنّ كاتب مسوّدة الدستور لم يدرج اسمه عليها. و قد قيل عنها: إنّها ليست أكثر من مسوّدة، ولكنّ الصحف قد تناولتها بالتأييد على الرغم من عدم صلاحيتها مطلقاً، فهي لم تتطرّق حتّى لعنوان واحد يحمل اسم التشيّع، بل اقتصرت على تعريف الحكومة بحكومة الإسلام فحسب، و لم تحمل أيّ عنوان للتشيّع بأيّ وجه من الوجوه، كما لم تتطرّق جميع صفحاتها لمسألة ولاية الفقيه، بل انحصر حديثها في مجلس الشورى الوطنيّ، و فصل السلطات الثلاث، و نفس مسائل العهد الطاغوتيّ في صور و عبارات اخرى.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

138
  • أجل، لم يتغيّر شي‌ء في القوانين عمّا كان عليه في السابق، سوى حذف كلمة سلطة الملك و وضع كلمة رئيس الجمهوريّة بدلها.

  • و حين جلبوا لي الصحيفة، قرأت فيها: حظي علماء أصفهان بلقاء آية الله الخمينيّ في قم؛ و خطب بهم قائلًا: أيّها العلماء! لا تقعدوا و تدعوا هذا القانون يُصادق عليه؛ لا تلزموا الصمت و السكون! اكتبوا في الصحف، و املؤوا صفحاتها؛ لا تُمهلوا الآخرين! و كان الوقت حين قرأت الصحيفة في حدود ساعة أو ساعتين قبل غروب الشمس ليوم الجمعة و كنتُ حينها متهيّئاً للذهاب إلى الجلسة، فتألّمت كثيراً لآية الله الخمينيّ.

  • فقلتُ في نفسي: إن الرجل وحيد في الساحة، و ها هو ينادي بأنّ اليد الواحدة لا تصفّق؛ و حقاً، ماذا يمكنه أن يفعله لوحده؟ و الخبراء يقولون: نحن منتخَبون من قِبَل الامّة، و الرأي ما نراه، و أنت لست أكثر من قائد، و ما عليك إلّا إبداء وجهة نظرك.

  • لذا، فقد نادى بأعلى صوته: أيّها العلماء! عليكم خوض المعترك! و الدخول في صلب القضيّة! و سُنّوا الدستور! فقلتُ: إن السيّد يطلب النصرة، فماذا علينا أن نفعل؟ فلم أذهب إلى تلك الجلسة، و تناولت الصحيفة و طالعت مسوّدة الدستور من أوّلها إلى آخرها؛ و قلتُ: بسم الله الرحمن الرحيم، و بدأت بكتابة رسالة له، و انتهيت من كتابتها في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة، أي بعد مضي ثلاث أو أربع ساعات من الليل، و في صباح اليوم التالي استنسخت عشرين نسخة من تلك الرسالة ذات الخمس أو الستّ صفحات، و سلّمت أصل الرسالة إلى ولدي سماحة الحاجّ السيّد محمّد محسن ليوصلها إليه في قم، ثمّ أرسلت صورة الرسالة المستنسخة إلى كلّ من آية الله الكلبايكانيّ، و الاستاذ المعظّم آية الله 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

139
  • العلّامة الطباطبائيّ، و آية الله الحاجّ مرتضى الحائريّ مضافاً إلى بعض الأعلام في قم و طهران، و كان البعض منهم من غير علماء الدين، ممّن تصدّوا لارتقاء المناصب الحسّاسة في الدولة يومئذٍ.

  • ذهب ولدي الحاجّ السيّد محمّد محسن لإيصال الرسالة إلى سماحة آية الله الخمينيّ، و حينما سلّمه الرسالة، قال له: هذه الرسالة من فلان؛ فأخذها و وضعها جانباً و وضع نظّارته الخاصّة للمطالعة فوقها، و قال: سنطالعها.

  • و كما ذكرتُ سابقاً فإنّه يهتمّ كثيراً جدّاً برسائلي المرسلة إليه، و النسخة الأصليّة لتلك الرسالة ليست بحوزتي الآن، لأنّيّ قد أرسلتها له معنونة باسمه، و من ثمّ ذهب ولدي لإيصال صورة الرسالة المستنسخة إلى سماحة آية الله الكلبايكانيّ كان راقداً على سرير المرض في بيته و لا يقوى على الحركة قال ولدي: قلتُ: جئت من قِبَل فلان، فسمحوا لي بالدخول، فمثلت بين يديه و سلّمته الرسالة، فقرأها و هو راقد، ثمّ حاول الجلوس، و بعد نصف ساعة تقريباً تمكّن من قراءة نصف الرسالة، ثمّ قال: بخٍ بخٍ، يا لها من رسالة! إن هذه لَرسالة حقّاً! يا لها من مطالب جيّدة! و باختصار، فقد أعجبته كثيراً، ثمّ قال: ينبغي عليكم تسليمها لتُقرأ من على المذياع و الشاشة الصغيرة! لابدّ من فِعل ذلك؛ وراح يؤكّد على ضرورة قراءتها.

  • و بعد عودة ولدي الحاجّ السيّد محمّد محسن إلى طهران و إخباري بوجهة نظر آية الله الكلبايكانيّ، قلتُ: حسناً جدّاً، قدِّموها إلى المذياع، و قلتُ لأحد الرفقاء: خذها و سلّمها إلى مؤسّسة الإذاعة و التلفزيون لبثّ مطالبها، فقالوا له: لا نقرأها. تساءل: لماذا؟ قالوا: لا نقرأها. قال: ما هو السبب؟ فاليوم يوم الحرّيّة، و يجب أن تُعرض جميع المواضيع المطروحة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

140
  • أمام الرأي العامّ، و على الأخصّ في مثل هذه القضيّة الهامّة، حيث تتناول دستور البلاد، و حياة الناس مرتبطة بهذا القانون، و جميع القتلى، و المعوّقين، و وابل الرصاص الذي صبّه الجيش على الناس إنّما حصل من أجل أن يحكم قانون الإسلام، فكيف نفسّر عدم الكتابة؟ و ماذا يعني عدم قراءة هذه الرسالة؟

  • و باختصار، فقد أرسلت رفقائي إلى مديرَي الإذاعة و التلفاز ليتكلّموا معهما؛ و أخيراً قالا لهم: إن محتويات الرسالة تخالف منهجيّتنا؛ إنّكم تريدون أن تحرفوا مسيرتنا، و هذا ما لا يمكن أن نوافق عليه.

  • قلنا: نرسل الرسالة إلى صحيفَتي «اطلاعات» (= الإعلام) و «كيهان» (= العالَم) لنشرها، لكنّ صحيفة «اطلاعات» لم توافق على نشرها مطلقاً؛ أمّا صحيفة «كيهان» فقد نشرت الرسالة في آخر صفحاتها الصفحة الثانية عشرة بعد أن اقتطعت فقرة من بدايتها؛ و أصرّت صحيفة «اطلاعات» الكثيرة الانتشار في ذلك الوقت على عدم نشر الرسالة، ثمّ وافقت رئاسة تحريرها على نشرها بعد شهر من الضغوط المستمرّة من هنا و هناك، ولكن بأيّ شكل! لقد مثّلوا بها تمثيلًا لا يغتفر، فقد أسقطوا جميع الآيات القرآنيّة الواردة فيها، و نشروا المطالب التي تمتاز بالعموميّة و تخدم مآربهم و أسقطوا المطالب الخاصّة بجوهر الموضوع، و ذكروا اسمي في أسفل الرسالة: السيّد محمّد، بدلًا من السيّد محمّد الحسين.

  • و أخيراً قدّمنا الرسالة إلى صحيفة «جمهوري إسلامي» لطبعها، فاحتفظوا بها يوماً أو يومين، ثمّ قالوا: نحن لا نطبعها، فعرضناها على صحيفة «انقلاب إسلامي» (= الثورة الإسلاميّة) التي كان بني صدر رئيس تحريرها، فبقيتْ عندهم مدّة، ثمّ أجابونا: كيف لنا أن نطبع هكذا مواضيع؟! نحن لا نوافق على طبعها أبداً؛ فذهب سماحة الحاجّ قاسم 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

141
  • حقيقت ليتكلّم معهم، فقال لرئيس التحرير: ألكم اعتراض على نصّ الرسالة؟ أو على كيفيّة استدلالها؟

  • فقال بني صدر: ما تقول يا سيّد؟! إنّها تتعارض مع منهجيّتنا تماماً؛ فتأتي أنت لتقول: نريد أن نطبع هذه في صحيفتكم، إن طريقتنا على الضدّ منها، فما هذا الكلام يا عزيزي: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ‌ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ}،۱ دعوا هذا الكلام!

  • فقال الحاجّ قاسم: إن تأييد أو رفض الرسالة ليس من شأنك؛ إن شخصاً كتب رسالة وفق آرائه الخاصّة به و يريد نشرها، و ما عليك إلّا أن تقوم بنشرها!

  • فقال: لن ننشرها! و رفضوا نشرها مطلقاً.

  • علماً أنّ بعض الصحف و المجلّات قامت بنشر الرسالة دون أن نطلب منهم ذلك، منها: صحيفة «نداي ملّت» (= نداء الشعب) أو (= نداء الامّة)، يقال إن رئيس تحريرها الكرباسجيّ، و قد طُبعت مع مقدّمة تحثّ على قراءتها، جاء فيها: أيّها الناس! إن الدستور حقيقةً، يعني هذا! فاقرؤوه، و اعملوا بما جاء فيه! علماً بأنّنا لم نقل لهم شيئاً و لم نُشِر إليهم بكتابة مقدّمة، و ثمّة مجلة اخرى قامت بنشر أكثر فقرات الرسالة و حثّت على قراءتها بإمعان؛ أمّا المجلّات المعروفة فلم تستجب لطلبنا كما بيّنّا سابقاً.

  • و حين شاهدنا أن ليس ثمّة فائدة، و كان السادة يلحّون على ضرورة نشرها لتصل إلى أسماع الجميع؛ فقد قلنا: ما العمل الآن بعد رفض الإذاعة و التلفاز و الصحف نشر هذه الرسالة؟ ثمّ قرّرنا أن نقوم بأنفسنا بإيصالها إلى أسماع الجميع، فقمنا باستنساخ ألفي نسخة مصوّرة لأصل الرسالة، و طبعنا 

    1. الآية ٣٤، من السورة ٤: النساء.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

142
  • سبعة آلاف نسخة اخرى بالطبعة الحروفيّة و وزّعناها في مختلف مناطق إيران.

  • أي أنّنا جمعنا رفقاءنا الخاصّين، و عيّنّا شخصين منهم ليتحرّكا إلى كرج و يوصلا الرسالة إلى سماحة العالِم فلان و إمام الجماعة فلان و أن‌ يحيطوهما علماً بالتوضيحات اللازمة، ثمّ ينتقلا إلى قزوين، و من هناك إلى تاكستان، ثمّ همدان، ثمّ يتمّا المسير حتّى يصلا إلى كرمانشاه و قصر شيرين. و يمرّا في طريق العودة على ملاير و أراك و نهاوند و المدن الفلانيّة و الفلانيّة حتّى يصلا طهران.

  • و عيّنّا بعض الأشخاص لخطّ تبريز و زنجان، و بعضاً آخر لخطّ رشت و مازندران، و بعضاً آخر لخطّ خراسان: لمدن سمنان و دامغان و شاهرود و مشهد المقدّسة، و طلبنا من أفرادنا أن يذهبوا إلى عشرة علماء في مدينة مشهد المقدّسة فيسلّمونهم نسخاً من الرسالة، كما أرسلنا مجموعة إلى شيراز و أصفهان و كذلك إلى كرمان و بلوجستان، فتحرّك الجميع بحركة دؤوبة خلال أيّام معدودة، و أوصلوا جميع النسخ سوى كمّيّة يسيرة بقيت بحوزتنا لتوزيعها في طهران، و عاد الجميع بعد إنجاز المهمّة على أحسن ما يرام. و قد أثمرت هذه الجهود عن إيجاد نقلة نوعيّة عظيمة على مستوى جميع البلاد، فقد اطّلع جميع أئمّة الجماعة و مَن يهمّه أمر الساعة على مواضيع بعضها لم يطرق أسماعهم، و كان بعضهم لا يعلم عن الدستور إلّا اسمه، و كانوا يريدون القول إن هذا الدستور الإسلاميّ كافٍ، لأنّ اسم الإسلام الحق به!

  • لذا، فقد كتبتُ رسائل إلى بعض العلماء، و قلتُ لهم فيها: عليكم أن تأخذوا تواقيع مَن يؤيّد المطالب الواردة في الرسالة المذكورة، التي تطالب 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

143
  • بإعادة صياغة الدستور. و من الذين اهتمّوا كثيراً بهذا الأمر: المرحوم الشهيد السيّد فخر الدين الرحيميّ، و هو من أصدقائي في خُرَّم آباد، و كان يكنّ محبّة خاصّة لآية الله الخمينيّ، و كان فرط محبّته له أنّه إذا ذُكر اسم الخمينيّ أمامه انهمرت الدموع من عينيه سيّالة، و هو سيّد طيّب و نزيه و مجاهد القي في السجون، و قد عانى ما عانى من ضيم العهد البائد، و كان‌ يكنّ محبّة كبيرة لنا أيضاً. و من جملتهم أيضاً: أخوه سماحة السيّد نور الدين الرحيميّ، و هو أحد الذين نالوا شرف الشهادة في عمليّة تفجير مقرّ حزب الجمهوريّة الإسلاميّة، و كان أحد نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ، و هو رجل نزيه و متديّن و مخلص؛ و قد زارني لمرّات في بيتي عندما أقمت في مدينة مشهد المقدّسة؛ و كان هو و سماحة الشيخ فضل الله المحلّاتيّ من المهتمّين بهذا الأمر و الجادّين فيه، و قد نالا شرف الشهادة ضمن ثلاثين شهيداً من نوّاب المجلس الذين أسقط النظام العراقيّ طائرتهم في أجواء الأهواز بالتآمر مع المنافقين، رحمة الله عليهم جميعاً.

  • أجل، و كتبتُ رسالة إلى سماحة السيّد فخر الدين ليطالعها و من ثّم يرتِّب طوماراً يجمع فيه تواقيع الناس، و بالفعل قام السيّد فخر الدين بتهيئة قطعة كاملة من القماش لإنجاز هذه المهمّة، و قد امتلأت تلك القطعة بالتواقيع فاشترى قطعة اخرى و ربطها بالاولى، فامتلأت بالتواقيع أيضاً، و جاء بثالثة و هكذا حتّى صار طوماراً طويل جدّاً يحمل آلاف التواقيع، و جاء به إلى، فقلتُ له: لماذا أتيتم به إلى هنا؟ قال: فماذا نفعل؟ قلتُ: عليكما أنت و السيّد فخر الدين أن تأخذا هذا الطومار إلى مجلس الخبراء، و قولا لهم: هذا ما يُساند وجهة نظرنا؛ و كذلك كان دعم ما جاء في الرسالة كبيراً من بعض المدن الاخرى. و قد تركّز التحرّك العمليّ في طهران في أربعة أماكن، و مسجدنا (مسجد القائم) أحدها، حيث وضعنا 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

144
  • منضدة أمام باب المسجد و عليها نصّ الرسالة، و وضعنا قطعة قماش طويلة؛ و قلنا: إنّنا نوافق على دستور إيران إن كان على هذا الأساس؛ و كان الناس يقرؤون الرسالة، و كلّ مَن أراد للدستور أن يكون على هيئة ما كتبنا في الرسالة، فإنّه يوقّع على الطومار؛ و كان المكان الثاني أمام مسجد الشاه الذي تبدّل اسمه حالياً إلى مسجد الإمام الخمينيّ؛ و الثالث في منطقة دولاب؛ و الأخير في شرق طهران، حيث امتلأت قطعة القماش تلك بالتواقيع، فربطت بها قطعة اخرى، و بهذا الشكل جرى إعداد هذه الطومارات، ثمّ حُمِلَتْ الطومارات الضخمة جدّاً لتسليمها إلى مجلس الخبراء، قائلين لهم: نحن نوافق على الدستور إن كان على هذه الكيفيّة.

  • ألحَّ على بعض الأصدقاء أن أكون من المشاركين في جلسات مناقشة مسوّدة الدستور في مجلس الخبراء؛ و منهم: آية الله الكلبايكانيّ الذي ألحّ بشدّة؛ و حين رفعوا اسمي مع بقيّة أسماء المرشّحين الطهرانيّين إلى آية الله الخمينيّ للإمضاء عليها، قال: انا أعرف الجميع فرداً فرداً، و كلّهم مورد تأييدي، ولكنّ موقعي الحالي لا يسمح لي بذلك، إذ لابدّ للجماهير من أن تقوم بهذا العمل بنفسها، فليس من المصلحة الآن أن أكون آمراً.

  • كنتُ في تلك الأيّام قد جئت إلى مدينة مشهد للقيام بزيارة النصف من شعبان، و حين عودتي إلى طهران، رأيت تلك المجموعة من العلماء الذين كنّا نعمل معهم، كآية الله السيّد محمّد علي السبط و آية الله الميرزا باقر الآشتيانيّ رحمة الله عليهما، و آية الله الحاجّ الشيخ حسن آقاي سعيد دامت معاليه الذي لا زال على قيد الحياة و أمثالهم، رأيناهم منهمكين في البحث عنّي، و ما أن شاهدوني حتّى قالوا: أين أنتم؟ أين كنتم؟ و لابدّ لكم من الترشيح لمجلس الخبراء! قلتُ لهم: حسناً جدّاً، أنا على استعداد 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

145
  • للذهاب إلى مجلس الخبراء، لأنّه مجلس ذو أهمّيّة فائقة، فماذا عليَّ أن أفعل الآن؟ قالوا: عليك أن تقدّم صورة إلى وزارة الداخليّة، و أن تتقدّم للترشيح! و إلّا فلا يصحّ من غير هذا. قلتُ: حسناً جدّاً، أنا جاهز. قالوا: لقد انقضى الآن يومان على انتهاء مدّة الترشيح إلى مجلس الخبراء. قلتُ: لا إشكال في ذلك، سأتّصل بوزير الداخليّة هاتفيّاً لتمديد فترة الترشيح، ثمّ قمت بنفسي بالاتّصال هاتفيّاً إلّا أنّ وزير الداخليّة لم يكن موجوداً حينها، فتكلّمت مع‌ معاونه، فقال: لا مانع في ذلك، نوافق على اقتراحكم، و بالفعل مُدِّدت فترة الترشيح إلى يومين آخرين؛ فقلتُ لأصدقائيّ: يا الله، لأذهب و اعَرِّف نفسي لممارسة العمل؛ و كان من المقرّر أن يُمَثِّل طهران في مجلس الخبراء سماحة الميرزا محمّد باقر الآشتيانيّ و كان في ذلك الوقت شيخ علماء طهران، و هو أكبر الجميع سنّاً بمعيّة عشرة أو اثني عشر آخرين.

  • و من جهة اخرى فإنّ حزب الجمهوريّة الإسلاميّة تقدّم بترشيح مجموعة من رجالاته، و كان العدد محدوداً، لذا اقترحنا على الحزب المذكور أن يطرح أسماء مرشّحينا على أنّهم مرشّحيه، لكنّ سماحة الشهيد البهشتيّ الذي كان حينها رئيساً للحزب ذهب صباح اليوم التالي إلى بيت سماحة الميرزا محمّد باقر الآشتيانيّ، و قال له: بإمكاننا إدخال شخص واحد في قائمتنا من العشرة الذين عيّنتموهم، و البقيّة هم اولئك الذين تمّ انتخابهم من قبل الحزب.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

147
  •  

  •  

  • الدَرس الخَامس: رِسَالَة المؤلِّف إلى آيةاللهِ الخُمينيّ في خُصُوصِ‌مُسْوَّدَة الدسْتوُر وَ كِتَابة «رِسَالَة بَدِيعَة» حَوْلَ مَكَانَة المَرأة في المُجْتَمِع وَ وُجوُب البَيْعَة لِحَاكِم الشَّرْع، وَ نُفُوذ أحْكَامِه على المُجْتَمع‌

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

149
  •  

  •  

  • أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وَ صَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • وصلنا إلى أنّه كنّا نُعدّ أنفسنا للمشاركة في جلسات مجلس الخبراء؛ و قد رشّحنا قائمة، كما رشّح حزب الجمهوريّة الإسلاميّة قائمة اخرى لهذا الغرض. و لم يُفسح الحزب المجال لوصول علماء طهران المعروفين إلى مجلس الخبراء عَبر قائمته بدلًا من رجالاته؛ و قال: بإمكاننا ترشيح واحد منكم، على أن نُدرجه ضمن الأسماء المتقدّمة، لهذا فقد انزعج سماحة الحاجّ الشيخ محمّد باقر الآشتيانيّ من هذا الموضوع و رفضه علماً أنّه كان يُعدّ شيخ علماء طهران و أكبرهم سنّاً و قال: لن ارشّح نفسي لمجلس الخبراء أبداً.

  • و رأينا أن ندخل المعترك من باب اخرى، و بلا شكّ سيكون الظفر حليفنا فيه؛ و لمّا كانت قائمة حزب الجمهوريّة الإسلاميّة تمثّل أفراداً غير معروفين على صعيد الناس، لذا رأينا أنّه في حال تقديم قائمتنا فإنّ أكثر أهالي طهران سينتخبون مرشّحينا، لأنّهم من علماء طهران المعروفين بين أوساط الناس.

  • و لم يبق وقت للإعلام و الدعاية للمرشّحين، و إن لم يكن ثمّة حاجة

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

150
  • لذلك، فلو اقتصرنا على إعطاء أسمائهم إلى المساجد و التكايا و إعلام أئمّة الجماعة بذلك لكفى هذا لكسب الآراء؛ فكان قرارنا على هذا الغرار، و أن ندع حزب الجمهوريّة الإسلاميّة ليرشّح جماعته، و بذلك نكون قد عملنا بواجبنا بما يقتضي.

  • ثمّ قيل: إنّكم إذا قمتم بهذا الإجراء، فإنّ حزب الجمهوريّة الإسلاميّة سيقف في الصفّ المعارض، أي أنّه لن يلتزم جانب الصمت تجاهكم! و كان قد حصل في بعض المدن أن رشّح بعض الأفراد أسماءهم في قبال مرشّحي حزب الجمهوريّة الإسلاميّة فانجرّ الأمر إلى التهديد، ممّا اضطرّ ذلك العالِم إلى الانسحاب ليترك المجال للحزب.

  • و ابتداءً، قلنا: ما العيب في المعارضة إن كان الإنسان يتصرّف من خلال أداء واجبه، فهذه المعارضة و المصادمات موجودة بطبيعة الحال، و سنفوز في الانتخابات حتّى لو انجرّ الأمر إلى التعارض، لأنّ قائمتنا تحمل أسماءً معروفة لعلماء طهران، و الناس يعرفونهم جيّداً، و سيعجز الحزب عن منافستهم.

  • ثمّ أطلعونا بعد ذلك بـ : أنّ آية الله الخمينيّ أصدر أمراً مشدّداً يؤكّد على عدم فسح المجال للاختلاف في مسألة تعيين المرشّحين، و أن تجري الامور بصورة سلميّة؛ و كان هذا الأمر مهمّاً جدّاً؛ فنحن نريد أن نحافظ على الإسلام في هذا الموقف و هذه الظروف؛ و علينا أن نضع نصب أعيننا مسألة وجوده و قيادته و جهوده، و أن نتجنّب الاختلافات و احتدام المنازعات، و أن نعمل من أجل الإسلام، من خلال هذا المنطلق و المقتضيات، و ليس لنا وظيفة وراء ذلك.

  • و لذلك، امتنع جميع من يروم ترشيح نفسه إلى وزارة الداخليّة في طهران، فلم يشارك أيّ منهم في مجلس الخبراء بسبب عدم الترشيح؛

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

151
  • و تقدّم حزب الجمهوريّة الإسلاميّة بقائمته التي ربّما كان الفوز حليف جميع أفرادها، فجري تشكيل مجلس الخبراء المذكور.

  • ثمّ قلنا: ماذا ينبغي أن نعمل الآن؟

  • المؤلِّف يضع أعضاء مجلس الخبراء أمام نظرياته‌

  • فقرّرنا أن نرفع كلّ ما بحوزتنا من مطالب علميّة و ما قمنا بطبعه في هذا المجال إلى مجلس الخبراء لإعلان تأييدنا لما جاء فيها، لذا أرسلنا تلك الرسالة الموجّهة إلى سماحة آية الله الخمينيّ حول مسوّدة الدستور التي استُنسخت بأعداد كبيرة إلى جميع‌لجان مجلس الخبراء و كانت في ذلك الوقت سبع لجان، و وظيفة كلّ لجنة النظر في إحدى فقرات الدستور كما أرسلنا لكلّ لجنة رسالة توضيحيّة منفصلة، ثمّ أرسلنا لكل فرد من الخبراء رسالة خاصّة له؛ و حين تمّ تشكيل مجلس الشورى الإسلاميّ أرسلنا لكلّ عضو من أعضائه نسخة من تلك الرسالة.

  • أجل، جاءنا عدد من الطومارات من عدّة مدن، مضافاً إلى عدد آخر من أصفهان يحكي عن موافقتهم على ما جاء في رسالة مسوّدة الدستور، و قد جلب سماحة السيّد فخر الدين الرحيميّ بنفسه بعض الطومارات، و قد عانى هذا السيّد ما عانى في سبيل الإسلام، و كان من المجاهدين حقّاً، ثمّ كان في عداد الشهداء السبعين الذين استشهدوا في انفجار مقرّ حزب الجمهوريّة الإسلاميّة رحمه الله تعالى؛ و قد قدّمنا أنّ له أخاً ملتزماً يكبره سنّاً و اسمه السيّد نور الدين الرحيميّ، انتُخب نائباً في المجلس، و هو الذي تكفّل بعائلة أخيه بعد شهادته، و قد زارني في منزلي في تلك الفترة خلال إحدى مناسبات الأعياد التي كنّا نقيمها، فرأيته رجلًا في منتهى اللطافة و الظرافة وذا نيّة حسنة و عقيدة سليمة و من المتحرّقين لدينهم، و كان رحمه الله ضمن مسافري تلك الطائرة التي سقطت في أجواء الأهواز فقُتل جميع ركّابها و من جملتهم سماحة الشيخ فضل الله المحلّاتيّ. {وَ اللَّهُ

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

152
  • مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ}۱ و هو على كلّ شي‌ءٍ كفيلٌ.

  • و كان الشيخ المحلّاتيّ بدوره رجلًا ذا فهم ثاقب و صاحب غيرة على دينه، و ذا نشاط و حيويّة. و على كلّ تقدير، فقد انتقل الجميع إلى رحمة الله.

  • و على أيّة حال، فقد جلب سماحة السيّد فخر الدين الرحيميّ تلك الطومارات من مدينة خُرَّم آباد، و أرسلها إلى مجلس الخبراء و ربّما هي الآن من ضمن الأسناد و الوثائق المحتفظ بها في مجلس الخبراء و من حيث المجموع يمكننا القول بأنّ تلك الكتابات قد فعلت فعلها، بحيث غيّرت حدود خمسين في المائة من مسوّدة صياغة الدستور، و مَن يراجع مسوّدة الدستور التي نُشِرت في الصحف آنذاك سيجد أنّ خمسين في المائة منها قد اتّخذ مساراً آخر.

  • و كنتُ اتابع أحداث الثورة يوميّاً عبر صحيفة «اطلاعات» لمدّة سنتين، فاطالع الصحيفة بكامل صفحاتها، و جلّدتُ تلك الأعداد في ستّة مجلّدات ضخمة، و هي تُمثِّل اليوم جزءاً من الوثائق المهمّة لتأريخنا، الحاكية عن زوال الحكومة الجائرة و ظهور حكومة الإسلام، لأنّها دوّنت جميع المقالات و المواضيع السياسيّة في تلك الفترة.

  • على أيّة حال، فقد أثّرت تلك الكتابات بنسبة خمسين في المائة، و هو أقصى ما بإمكانهم فعله، لأنّه و كما يعلم الجميع وُجد في مجلس الخبراء في دورته الاولى ثمّة أفراد غير مرغوبين لم يسمحوا للدستور أن يكون إسلاميّاً مائة في المائة؛ كما لم يكن بإمكان آية الله الخمينيّ حينها الضغط أكثر من ذلك باعتباره الوليّ الفقيه، لأنّ جلسات مجلس الخبراء

    1. الآية ٢۰، من السورة ۸٥: البروج.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

153
  • لم تنتهِ بعد و لم يصدر إقرار حاكميّة ولاية الفقيه، و ما دامت الولاية غير ثابتة بعد، فليس له أكثر من الإشراف على الامور.

  • و أخيراً، و على مشارف تشكيل مجلس الخبراء لإعادة النظر في الدستور، ارتأى بعض الرفقاء في طهران بأن يأخذ رسالة مسوّدة الدستور، مضافاً إلى «رسالة جديدة في بناء الإسلام على الشهور القمريّة» و «رسالة بديعة، في تفسير آية: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ} فيضعها بين أيادي اولئك السادة ليكونوا على اطّلاع بما فيها، و ليتحمّلوا أعباء المسؤوليّة الإلهيّة أثناء قيامهم بإعادة النظر في الدستور، لأنّ معنى إعادة النظر، هو: عدم واقعيّة و إلهيّة تلك القوانين المصادق عليها مائة في المائة؛ إذ من موادّ هذا الدستور الفصل بين السلطان الثلاث، و هي: السلطة القضائيّة، السلطة التنفيذيّة، و السلطة التشريعيّة، و مبنى الفصل مستمدّ من دستور الكفر، و هو ما أقرّته الثورة الفرنسيّة الكبرى على ما جاء به مونتسكيو في كتابه «روح القوانين» في موقفه أزاء التعدّي و الظلم الحاصل المتجسّد في قوله: ليس من الصواب تسليم زمام الامور لشخص واحد جائر، و لابدّ من فصل السلطات، و أن تكون لكلّ سلطة استقلاليّة تامّة غير مرتبطة بباقي السلطتَين الاخريَين.

  • و هذا ليس بجديد، فلفصل السلطات سابقة تأريخيّة عند بعض حكماء اليونان، حيث كانوا يفصلون هذه السلطات الثلاث عند تشكيل الحكومة.

  • أمّا في الإسلام فلا يقال بالفصل بين السلطات، فحكم الوليّ و الحاكم جارٍ على كافّة الأصعدة، و الوليّ يقف على رأس السلطات التنفيذيّة و القضائيّة و التشريعيّة، كما أنّه لا يوجد في الإسلام تشريع للقوانين، بل إن الجاري هو بيان الأحكام، و إنّه لا حاكميّة لغير القرآن و أحكام رسول الله‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

154
  • القطعيّة، و لا مجال حتّى للفقيه من أن يجعل حكماً من عنده.

  • تأليف كتاب «رسالة بديعة»

  • و من المسائل الاخرى المثارة في تلك الفترة التي تزامنت مع انعقاد جلسات مجلس الخبراء، أنّه طرق سمعنا تحرّك القاضيات اللاتي كنّ في عهد الطاغوت للتجمّع في طهران و القيام بحركة منظّمة، حيث تركّزت خطبهنّ على سؤال: لماذا لا تكون المرأة قاضية؟ و أجابت بعض الصحف على تساؤلهن، ولكن ليس بذاك القدر الشافي و المتقن؛ حيث قيل بأنّ مجلس الخبراء بصدد إصدار قرارات يسمح بموجبها للنساء لترشيح أنفسهنّ لنيابة المجلس بل قد يُصبحن برتبة قائم مقام أو محافظ أو رئيس جمهوريّة. و لهذا السبب شرعتُ في تأليف كتاب «رسالةٌ بديعةٌ» باسم‌ {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ}، و عكفتُ على إتمامه لمدّة خمسة أسابيع، حيث بدأتُ به في اليوم الثامن من شوّال، و انتهيت منه في الخامس عشر من ذي القعدة، و لأهمّيّة الموضوع و الظرف و اختزالًا للوقت، فقد طبعته على ما هو بخطّ يدي دون تنضيد بالحروف الطباعيّة.

  • و قد تجلّى في هذه الرسالة جيّداً أنّ عنوان نائب في المجلس لا يعني النيابة بل الولاية، كما أنّ هذه الولاية ليست ولاية شخصيّة، بل ولاية عامّة، و القانون يعطي لنوّاب المجلس هذه الولاية التي هي أقوى بكثير من الولاية الشخصيّة، فلا يتعلّق أصل الكلام بالنيابة، ليقال إن بإمكان أيّ شخص سواء كان رجلًا أم امرأة أن ينوب عن آخر بغضّ النظر عن الجنسيّة؛ لا، فالمسألة ليست كذلك.

  • و بعد أن أتممت المباحث أتيتُ في آخر الرسالة بالكثير من المطالب التأريخيّة و الوثائقيّة من سيرة رسول الله و الأئمّة و الآيات القرآنيّة و الشواهد التي لا تدع أيّ مجال للشكّ و الشبهة. و تطرّقت في الأثناء إلى مسألة ولاية الفقيه، و قدّمتُ فيها أدلّة لم يأتِ بها لحدّ الآن عالم من علماء

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

155
  • الإسلام على هذا النحو، و لم يستدلّ أحد منهم بهذا النهج الاستدلاليّ من قبل.

  • و من الأدلّة التي لم يتطرّق إليها أحد: تلك الرواية التي يقول فيها أميرالمؤمنين عليه‌السلام لكميل: "العُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ..." و بعد أن يُبيِّن أربعة أصناف من العلماء عديمي الفائدة، يقول:

  • "اللَهُمَّ بلى! لَا تَخْلُو الأرْضُ مِن قَائِمٍ بِحُجَّةٍ، إمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَ بَيِّنَاتُهُ. وَ كَمْ ذَا وَ أيْنَ اولَئِكَ؟ اولَئِكَ وَ اللهِ الأقَلُّونَ عَدَداً، وَ الأعْظَمُونَ عِندَ اللهِ قَدْراً. يَحْفَظُ اللهُ بِهِمْ حُجَجَهُ وَ بَيِّنَاتِهِ، حتّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَ يَزْرَعُوهَا في قُلُوبِ أشْبَاهِهِمْ ..." و بعد ذِكر عِلمهم و حالاتهم النفسانيّة، يقول عليه‌السلام:

  • "اولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ في أرْضِهِ، وَ الدُّعَاةُ إلى دِينِهِ. آهِ آهِ شَوْقاً إلى رُؤْيَتِهِمْ ..." فما أن يصل عليه‌السلام إلى تشخيص خلفائه حتّى يقول: "آهِ آهِ شَوْقاً إلى لِقَائِهِمْ ... ."

  • و قد أطبق جميع العلماء الذين بحثوا في هذه الرواية على القول بأنّ الحجّة هنا هو إمام العصر عليه‌السلام، و أنّ‌ "آهِ آهِ شَوْقاً إلى لِقَائِهِمْ"‌ قرينة على أنّ أميرالمؤمنين يريد أن يقول: إنّني مشتاق إلى رؤية ذلك المقام المقدّس، و أنّ‌ "خُلَفَاءَ اللهِ في الأرْضِ‌" من مختصّات ذلك الإمام، و أنّ المقصود ب:

  • "إمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَ إمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً" هو ذلك الإمام في غيبته.

  • لكنّني استدللتُ هناك بعدّة قرائن على أنّه لا يمكن اعتبار الحجّة هنا هو الإمام عليه‌السلام، بل المقصود هو هؤلاء الفقهاء الذين يمتازون بصفاء القلب و الإخلاص و الفِطرة السليمة، و المتّصلين بعالم الربوبيّة، و هم هؤلاء 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

156
  • الذين كُشِفَتْ عنهم الحجب الظلمانيّة و صاروا عالمين بالله و بأمر الله، و هذا هو أحد أدلّة ولاية الفقيه المحكمة.

  • و من الأدلّة التي لم يستدلّ بها أحد أيضاً: الآية المباركة: {يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا}.۱

  • و كذلك الرسالة التي كتبها أميرالمؤمنين عليه‌السلام إلى مالك الأشتر النخعيّ حين ولّاه على مصر، حيث يستفاد من الرسالة جملة الشروط التي يجب توفّرها في الحاكم و التي تُمَثِّل أدلّة ولاية الفقيه المحكمة؛ بطبيعة الحال فإنّ أدلّة ولاية الفقيه التي ذكرها العلماء على مكانتها و قد ذكرتها في ذلك الكتاب، لكنّ هذه الأدلّة مبتكرة، لم يأتِ بها أحد من قبل.

  • و قد قمنا بنشر هذه الرسالة، و قد كتبتها باللغة العربيّة لسببين؛ الأوّل، لأنّ هذه الرسالة من حيث الأصل داخلة ضمن المباحث الفقهيّة في مدرسة الإسلام، و سيتناولها العلماء في الحوزات العلميّة، أي أنّها جزء من النصوص الفقهيّة، و مثل هذه النصوص لا تنحصر بالناطقين باللغة الفارسيّة، بل لابدّ لها أن تشمل نطاق الدنيا بأكمله لتذهب إلى جميع المدارس العلميّة، و أن تصل لأيادي جميع العلماء، كبقيّة الرسائل و كتب العلماء الفقهيّة المدوّنة باللغة العربيّة، و كما هي عليه الآيات و الروايات و طريق البحوث الاصوليّة و الاستدلالات الاصوليّة و الفقهيّة، و من حيث الأساس لا يمكن الكتابة بالفارسيّة إلّا بعد الترجمة من العربيّة، و القرآن الكريم و الروايات و المصطلحات الفقهيّة و الاصوليّة و الرجاليّة و الروائيّة كلّها عربيّة، و لابدّ لهكذا كتب التي تتحدّث في هذه الاصول أن تدوّن باللغة العربيّة.‌

    1. الآية ٤٣، من السورة ۱٩: مريم.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

157
  • و من جهة اخرى، كنّا قد احتملنا أن يرسل مجلس الخبراء نساء إلى المجلس، و يقرّر أنّ بإمكانهنّ أن يصبحن منتخِبات و منتخَبات، و كان من الممكن أن يكون على رأس الموقّعين آية الله الخمينيّ. و نحن لا نبغى في هذه الرسالة معارضته و مواجهته.

  • و بطبيعة الحال فإنّ آراء جميع المجتهدين محترمة، و للعلماء في كلّ عصر و عهد آراء اجتهاديّة مختلفة في مسألة واحدة، و لم يُشاهَد في زمان واحد مجتهدان اتّفقا في الآراء الفقهيّة و الاصوليّة من جميع الجهات، و الاختلاف بينهم عادة دارجة و رائجة مع بقاء الاحترام المتبادل و الحفاظ على حالة التجليل و التكريم فيما بينهم بكلّ ما للكلمة من معنى.

  • و لمّا كان آية الله الخمينيّ على رأس المجتهدين حاليّاً، و كنّا في صدد إبداء وجهة نظر علميّة، لذا لم نشأ تدوينه بالفارسيّة لئلّا يقع في أيدي العوامّ، فيقولون: إن كان هذا هو الصواب، فماذا يعني ذاك؟ و إن كان ذاك، فما هذا؟ فكتبنا الرسالة باللغة العربيّة لتكون بعيدة عن متناول عامّة الناس، و لكي تكون موجّهة إلى العلماء و أصحاب الدراية و الاطّلاع و أهل مطالعة و مراجعة الكتب الفقهيّة، لأنّهم أسرع فهماً للمطلب، و إذا ما استوعب العلماء المطلب فالمسألة محلولة.

  • و قد قمنا قبل طبع الرسالة باستنساخ عشرين نسخة منها، و أرسلنا النسخة الاولى إلى آية الله الخمينيّ، و البقيّة إلى الاستاذ العلامة الطباطبائيّ و سائر العلماء و الشخصيّات، ثمّ قمنا على الفور بطبع ألفي نسخة و وزّعناها على مكتبات طهران و المدن الاخرى. و تصدّى بعض رفقائنا للذهاب بالسيّارات إلى بعض المدن كشيراز و أصفهان لتوزيع نسخ الكتاب على المكتبات هناك، لتتناولها أيدي من يروم مطالعتها.

  • كما أرسلنا نسخاً إلى العلماء و كبار الشخصيّات في المدن و إلى جميع 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

158
  • أعضاء مجلس الخبراء؛ ثمّ أرسلنا إلى أعضاء مجلس الشورى بعد تشكيله‌ ثلاثمائة نسخة من أجل أن يكون الأعضاء على علم بما جاء فيها.

  • و بحمد الله فقد أخذت هذه الرسالة العلميّة المتقنة مأخذها، و لم يوجّه لها أيّ انتقاد لحدّ الآن، و كان لها وقع مؤثّر.

  • و قد نجم من تدويني للرسالة باللغة العربيّة، أوّلًا: أنّها نُشرت في بعض الدول العربيّة. ثانياً: أنّ الرسالة حظيت بمطالعة شخصيّات من أهل الدراية في الدول العربيّة. حتّى أنّ الرسالة وقعت في أيدي بعض النساء المسلمات المتعلّمات العاملات بين أوساط الرجال في المجالات العامّة و الجامعيّة، فغيّرت قناعاتهنّ و قُلن: هذا هو الإسلام حقيقة؛ و في الحقيقة فإنّنا ما كنّا نفهم الإسلام لحدّ الآن؛ و هذا هو الإسلام في حقيقته؛ و هذه هي المرأة، و ها هي وظيفتها؛ و ها هو كمال المرأة؛ و ها هو معنى تطوّر المرأة؛ فأين ذهب بنا الطاغوت تحت واجهة الإسلام! و راحت التساؤلات الاستنكاريّة تتكاثر، و امتدّت رقعتها إلى الحدّ الذي فكّرنا معه بتقليل حدّتها خوفاً من غلبة هياج الحالة، من أجل أن تُناقش المسألة بمنطق علميّ هادئ رصين.

  • و بعد ما يقارب السنتين تُرجمت الرسالة المذكورة إلى اللغة الفارسيّة، بعد أن توضّحت المسألة للجميع، و أصبح ليس ثمّة خطورة فيما لو انتشرت بين عامّة الناس، فتناولتها الأيدي، و تأثّر بمضامينها كثير من المسلمات، و نجمت عنها تغييرات جذريّة في واقع حياتهنّ، و جاءتني إحداهن و هي امرأة فاضلة جدّاً، و كاملة، و عالمة، و فاهمة، و مجاهدة، و ذات فكر ثاقب فقالت: لقد انقلب وضعي منذ تلك اللحظة التي قرأت فيها الرسالة، فتبدّل اسلوبي في الحياة تماماً، ثمّ أدركتُ بأنّيّ لم أكن سابقاً على جادّة الصواب، و أنّ الصحيح هو ما وجّهتنا به هذه الرسالة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

159
  • و لم نكن قد اقتصرنا في بحثنا على الأدلّة الشرعيّة لوحدها، بل شفعنا قسمه الأوّل بالأدلّة العقليّة و العلميّة عند بحث: ما هي المرأة؟ ما هي بُنيتها؟ ما هو تركيبها البدنيّ؟ ما هي حقوقها الفطريّة التي وهبها الله؟ أين يكمن كمالها؟ و بعد أن بيّنّا الترابط العضويّ بين كلّ ما تقدّم، وصلنا إلى أنّه لا يجوز للمرأة المشاركة في مجلس الشورى؛ و اعتماداً على الشواهد، بان بشكل قاطع أنّ الصحيح هو ما ذهبنا إليه.

  • و للّه الحمد، فقد أثّرت هذه الرسالة بما ينبغي كما أسلفنا، و لم يُقدم أحد على الردّ عليها، إذ لم يطرق سمعنا أنّه قد كُتِب موضوع مخالف لها ولو بجملة واحدة عَبر جميع وسائل الإعلام المختلفة، لوضوح مطالبها، و لأنّ جميع أسانيد الأدلّة و الشواهد المذكورة متينة، و كذا كتابتها و بحثها الفقهيّ و الاصوليّ، مضافاً إلى البحث القرآنيّ المتعلّق بها، و لا يمكن لأيّ مسلم حين مراجعته لهذه الرسالة توجيه أيّ اعتراض على ما جاء فيها، لاعتمادها على تلك المصادر المحكمة؛ اللهمّ إلّا أن يكون ممّن لا يقبلون القرآن! أمّا مَن يعتقد بالقرآن و يُصَدِّق بالنبيّ و يقرّ أنّ هذا الكلام كلامه، فلا يبقى له مجال لإنكار ما جاء في الرسالة، و لهذا السبب كانت مؤثّرة جدّاً؛ و هكذا أخذت مسارها و دخلت باب النصوص الفقهيّة على ما كنتُ أتوقّع.

  • نحن نكتبُ شيئاً و لا نحسب أنّه ذا أثر، ثمّ تنبع فيه عين الحياة فيجري رويّاً! فممّا لا شكّ فيه أنّها إرادة الله و مشيئته؛ و يشهد الله أنّيّ ما كتبت شيئاً إلّا و أروم فيه عظمة الإسلام و إحقاق الحقّ و الدفاع عن حقوق المظلومين، و إظهاراً لحقيقة الإسلام، و الله على ما نقول وكيل.

  • اقتراح الكتابة حول ولاية الفقيه‌

  • كان ابن اختي الفاضل سماحة السيّد عبدالصاحب (السيّد علي أكبر الحسيني) قد سألني في وقت ما: خالي العزيز! لماذا لا تدوّن المواضيع 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

160
  • التي تعرفها؟ لماذا لا تكتب شيئاً؟ قلتُ: إن الخجل ليخالجني و الله، فماذا أكتب في قبال كلّ هذه الكتب، و لقد ألّف العلماء الأعلام كلّ هذه المؤلّفات في‌ الفقه و الاصول و الفلسفة و العرفان فلم يبق لي شي‌ء للخوض في كتابته.

  • قال: إنّكم تماثلون آية الله البروجرديّ. و كان آية الله البروجرديّ رحمة الله محتاطاً جدّاً في الكتابة، فعلى الرغم من جلالة مكانته و علمه الغزير في الفقه و مبادئ الاصول و الرجال و الحديث، و اضطلاعه في التفسير و التأريخ، و في فقه العامّة، لكنّه لم يكتب شيئاً، حذراً من أن يشطح قلمه في كلمة واحدة!

  • و قد كتب رسالة في علم الرجال باسمه، و هي رسالة نفيسة جدّاً، و استمرّ لآخر عمره و هو يهمّ بطبعها، لكنّه كلّما عزم على إرسالها للطبع ألقي عليها نظرة، فرأى أنّها بحاجة إلى تنقيح، و بقي هكذا حتّى رحل عن الدنيا و رسالته لم تطبع بعد. أجل، قال لي: أنتم مثله؛ و إنّكم على درجة من الوسوسة بحيث تحرمون الناس من هذا العطاء! فاكتبوا ما تعلمونه و قدّموه للناس.

  • و باختصار، فقد هزّني هذا الكلام، فقلتُ: ماذا عليَّ أن أفعل؟ فلنكتب و نُقدّم للناس؛ و الباقي على الله، و كلّ إناءٍ بالذي فيه ينضح.

  • لذا فقد دوّنتها على هذه الكيفيّة، أمّا هل كانت الساحة خالية أم أنّ الناس كانوا بحاجة إليها، فالمهمّ أنّ الله هو الذي بعث الروح فيها و أراد لها أن تكون مؤثّرة، و قد أثمرت بشكل فاق ما كنّا نتصوّره، و للّه الحمد فقد دُوِّن الدستور كما بيّنّا على أساس ولاية الفقيه، في وقت لم يكن فيه ثمّة اسم يُذكر لولاية الفقيه، حتّى أنّه حينما اقترح في مجلس الخبراء طرح مسألة ولاية الفقيه غضب بعض الأعضاء و جلسوا في زاوية المجلس ‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

161
  • قائلين: وا ويلتاه! ها قد عادت الرجعيّة و حكومة الملالي إلى الساحة، و عاد علينا أصحاب النعال من جديد، و شدّ اللجام أمام عنان الانفلات و تلك الحرّيّات غير المقيّدة و حالة عدم الالتزام و اللااباليّة و ... و تلاشى هذا الطموح بينأدراج الرياح؛ و باختصار، فقد نصبوا لهم عزاءً.

  • و قال البعض: أفيمكن هذا؟ إنّما كانت نهضتنا من أجل الحرّيّة و الرفاه، فكيف نأتي بولاية الفقيه على رأس الامور؟ لكنّ رسالة «ولاية الفقيه» المقدّمة بأدلّتها المكتوبة قد أثّرت تأثيراً شديداً، لفتت الناس إلى حقيقة الأمر، و أثبتت أنّ حكومة الملالي ليست حكومة الاستبداد و الجاهليّة، بل هي حكومة عظمة الحقّ، و متانة الواقع، و أصالة الإسلام، و حكومة التمتّع بجميع المواهب الإلهيّة. و ولاية الفقيه تعني الخروج من زيّ العبوديّة و الفرعنة و التجبّر، و إزاحة راية الكفر و التبعيّة بواسطة أشفق المسلمين الملتزمين و أصلحهم و أعلمهم و أكثرهم نكراناً للذات.

  • و بعد الرسالة التي بعثتها إلى آية الله الخمينيّ في خصوص مسوّدة الدستور و التي لاقت رواجاً واسعاً بين الناس، فقد بدأت الصحف بكتابة المواضيع المتعلّقة بهذا الشأن، و كنتُ اطالع جميع ذلك.

  • و كان آية الله النجفي المرعشيّ قد كتب قبل رسالتنا مقالة حول ولاية الفقيه لم تتجاوز سبعة أو ثمانية أسطر، و بعد نشر رسالتنا كتب مقالة اخرى بحدود ربع صفحة تقريباً، و كان هذا الأمر باعثاً للأمل في ضرورة نشر هكذا مطالب و إيصالها إلى أسماع الناس بأيّ شكل كان؛ كما طُبع لآية الله المنتظريّ أيضاً مقالة حول ولاية الفقيه نشرت في الصحيفة اليوميّة، و كانت مفيدة و مثمرة. و كانت جميع المواضيع المطروحة ذات أساس و جوهر واحد، و ما كنّا نطلب غير هذا؛ يعني أنّنا كنّا نريد لهذا الموضوع أن يصل إلى أسماع الناس ليفهموا أنّ ولاية الفقيه تلك هي التي 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

162
  • يقولها الله و يقول بها الإسلام، و أنّ الفقيه ليس ذلك الذي يذهب لحفظ قواعد الفقه المعهودة، و لا صاحب العمامة الكبيرة الذي يمسك بيده عصا و يلتفّ حوله بعض الأفراد بشكل يوحون فيه للآخرين على أنّه فقيه؛ إذ

  • لابدّ للفقيه الوليّ من أن يكون عالِماً بالله و بأمر الله، و أن يكون في أعلى درجات الفقاهة، و في أعلى درجات الحكمة و المعرفة بالله عزّ و جلّ كما عليه أن يكون بصيراً بامور الدين، و أن يكون مخلصاً مشفقاً محبّاً للناس، و أن يكون خبيراً بمقتضيات و احتياجات زمانه، و على اتّصال مستمرّ بالله و بعالَم الغيب.

  • و إذا لاحظتم فقد كرّرت ذِكر هذه العبارة في أكثر من مكان، و هي: ينبغي أن يكون ذلك الفقيه من الذين تخطّوا عالم الجزئيّة و التحق بالكلّيّة. و قد سألني الكثير عن معنى هذه الجملة: «التحق بالكلّيّة»؟

  • إن هذه الجملة ذات أهمّيّة فائقة، و هي أفضل قيد عيّنه الله لوليّ أمر مجتمع المسلمين؛ حيث إن ثمّة مصدر للقرار في كلّ دولة أو دين أو منهج، فأين هو مركز القرار في الإسلام؟ إن وليّ الأمر في الإسلام هو: أنزه، و أسمى، و أعلم، و أوعى و أكثر مَن كان مُنكِراً لذاته، و أشدّ ارتباطاً و اتّصالًا بالربّ؛ فأيّة عبارة أفضل من هذه العبارة يمكنك أن تعثر عليها أو تتصوّرها؟ إن الفقيه هو ذلك الشخص الذي يماثل رسول الله و أمير المؤمنين و الأئمّة، أو ذلك الشخص المنصوب من قِبَلِهم أمّا بالنيابة الخاصّة أو بالنيابة العامّة، وفق الشروط التي سيتمّ ذكرها.

  • و قد حصلنا على هذه الشروط عن طريق الأدلّة الفقهيّة، و منها أنّه ينبغي للفقيه أن يكون عارفاً بالله، و إلّا فليس بفقيه؛ الفقيه ليس مَن يدّعي لنفسه الفقاهة، و لا الذي يُدرِّس مقداراً محدوداً من دروس الفقه و الاصول؛ لا، فأغلب اولئك ليسوا من الفقهاء حتّى يصلوا إلى درجة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

163
  • الإفتاء و امتلاك رأيٍ اجتهاديّ! أو جمع شروط الحاكميّة!

  • و هذا الموضوع يفتح الطريق واسعاً أمام الإنسان، و يبصّره بأنّ الحكومة ليست العوبة بيد الناس يلعبون بها على هواهم، بل هي أمر إلهيّ‌ يتعلّق بها حياة الناس و مماتهم و دنياهم و آخرتهم بمقدار ظريف و دقيق و خطير، يمكن أن يقال عنه إنّه أحَدُّ من السيف و أرفع من الشعرة.

  • فدقّة و ظرافة أوامر الإسلام كالصراط الممتدّ على جهنّم، و لابدّ لمن يدخل الجنّة من اجتيازه؛ و إن شاء الله تعالى سيتمّ اجتيازه بسرعة فائقة كالبرق الخاطف.

  • و باختصار، فقد كانت الرسالة مؤثّرة جدّاً، و كان ما فعلناه مُثمراً و كان لنا اتّصال ببعض العلماء الكبار من أعضاء مجلس الخبراء، من أمثال المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ مرتضى الحائريّ رحمة الله عليه الذي قال ذات يوم:

  • إن بعض أعضاء مجلس الخبراء كان يريد سنّ قوانين شيوعيّة، فكانوا ينهضون و يتكلّمون فلا تحسّ في القوانين التي يتحدّثون عنها أثراً من الإسلام، فماذا نفعل؟!

  • فقلتُ: عليكم بالصبر و التحمّل، و بيان آرائكم. ثمّ حصل في النهاية أنّه نهض فتكلّم لمدّة ساعة، ثمّ قدّم استقالته و غادر المجلس.

  • و لكنّنا مارسنا أنشطتنا بصورة عمليّة، و اتّصلنا بالناس، و تعرّفنا على ما يريدون، فاستمدّينا منهم القوّة، فقد ولّي عهد تلك الحكومة الجائرة و أضحت الحكومة الحاليّة بيد الجماهير، و لابدّ لهذه الجماهير من أن تسيّر امورها بنفسها.

  • فعّاليّة المؤلِّف في دائرة مسجد القائم المحلّيّة

  • و انطلقنا من مسجد القائم نمارس نشاطاتنا، و أصبحت المساجد المعروفة و المشهورة في المحلّات المختلفة مركز إشعاع في مجال دائرتها، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

164
  • و كانت تلك المساجد بمثابة قاعدة الانطلاق لمختلف النشاطات.

  • لذا، دعونا الناس ذات يوم للمجي‌ء إلى المسجد، فهبّ الأصدقاء و المعارف و ملؤوا صحن المسجد و رواقه، فخطبتُ فيهم بكلمة مسهبة جدّاً تناولت فيها مسألة تشكيل لجان المسجد لتلبية احتياجات أهل المحلّة بقدر المستطاع، بل تكفّلنا ممارسة الأعمال بأعلى من طاقاتنا المتاحة آنذاك؛ و لإنجاز هذه المهمّة كنّا قد هيّأنا بطاقات مطبوعة و وزّعناها بين الناس، و بيّنّا فيها الدائرة التي تشملها نشاطات المسجد.

  • يعني من شارع السعدي إلى تقاطع مُخبر الدولة، و شارع استانبول و لاله‌زار۱ حتّى تقاطع نادري، ثمّ شارع الفردوسيّ، ساحة الفردوسيّ، شارع انقلاب (= الثورة) إلى دروازه شميران (= بوّابة شميران) و پل چوبي (= الجسر الخشبيّ)، و من هناك أيضاً شارع بهارستان‌٢ إلى مجلس الشورى القديم و شارع الجمهوريّة الإسلاميّة، فهذه هي حدود منطقة لجان مسجد القائم و منطقة نشاطاته التي علينا إدارتها.

  • و كنّا قد وزّعنا هذه البطاقات على جميع البيوت، و كان عملنا بمثابة القيام بعمليّة إحصائيّة كاملة، حيث تمّ السؤال فيها عن ربّ العائلة، اسمه، تأريخ الولادة، رقم دفتر النفوس، هل هو أعزب أو متزوّج، آخر شهادة دراسيّة حصل عليها، في أيّ فرع كان تحصيله الدراسيّ، الشغل الحاليّ، رقم هاتف البيت و محلّ العمل، الديانة: مسلم أو مسيحيّ أو يهوديّ أو زرتشتيّ، و سؤال «مَن يَرغب في العمل ضمن إحدى هذه اللجان مِن أفراد 

    1. لاله‌زار: حديقة شقائق النعمان؛ و هي هنا اسم لشارع معروف في طهران. (م)
    2. بهارستان: روضة الورد، أو البستان الذي يشتمل على شجر البرتقال و النارنج و الليمون، و هي هنا اسم لشارع معروف في طهران. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

165
  • العائلة؟». و نوّهنا بإنّ على مَن يرى في نفسه الأهليّة، فليكتب في أدنى القائمة اسم المجال الذي يرغب فيه: في القرآن، التحقيق، التبليغ و الإرشاد، المسرح، النحت، الخطّ، الرسم، التصميم و الكاريكاتير، الصحافة، التحقيق في النصوص الدينيّة، الكتابة و التأليف، المطالعة، ترجمة النصوص غير الفارسيّة، فنّ البيان، التحقيق في النصوص الفلسفيّة؛ ثمّ أدرجنا مجموعة أسئلة كالتالي: هل تجيد اللغة العربيّة؟ ما هي اللغات الأجنبيّة التي تتكلّم بها: الإنجليزيّة، الألمانيّة، الروسيّة، الفرنسيّة، الإيطاليّة؟ ما هي أنشطتك الفنّيّة و الثقافيّة و المهنيّة و التعاونيّة؟ منذ متى تعيش في طهران؟ اذكر الأوقات المناسبة التي يمكنك فيها اسبوعيّاً التواجد في الجمعيّة الإسلاميّة في مسجد القائم؛ ما هي آراؤك و اقتراحاتك؟

  • ثمّ كتبنا: يرجى مل‌ء هذه الاستمارة و سنراجعكم بعد يومين لاسترجاعها.

  • و كنّا في ذلك الوقت قد شكّلنا ثماني عشر لجنة، على رأسها إمام الجماعة، ثمّ هيئة التوجيه و الإرشاد، ثمّ الهيئة التنفيذيّة، فكانت هذه عبارة عن ثلاث لجان شملت الشؤون الاجتماعيّة و الثقافيّة و الرفاهيّة. و تنقسم الشؤون الاجتماعيّة إلى خمس لجان، هي: لجنة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لجنة التحكيم و حلّ النزاع، لجنة الاتّصال و التنسيق مع سائر اللجان الإسلاميّة، لجنة الإحصاء و الاستفتاء، لجنة الشؤون الدفاعيّة و التدريب العسكريّ.

  • أمّا الشؤون الثقافيّة فلها ثمان لجان، هي: لجنة درسَي القرآن و التفسير، لجنة الحوزة العلميّة و الطلاب، لجنة المكتبة و النشر، لجنة التحقيق في المسائل العلميّة و الفلسفيّة، لجنة التبليغ و الخطابة و البحث الحرّ، لجنة تعليم اللغة العربيّة و اللغات الأجنبيّة، لجنة إعداد الأفلام و الصور 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

166
  • و المعارض، لجنة الأنشطة الرياضيّة و التربويّة مع تسلّق الجبال و السباحة و غيرها.

  • أمّا الشؤون الرفاهيّة فلها خمس لجان، هي: لجنة الشؤون العلاجيّة و الصحّة، لجنة صندوق القرض الحسن، لجنة الجمعيّات التعاونيّة و الشؤون الخيريّة، لجنة رعاية الفقراء و المستضعفين، لجنة معرض المبيعات الإسلاميّ.

  • كانت هذه مجموعة اللجان الثماني عشر المدرجة في الاستمارة المذكورة؛ حينها سنفهم من خلالها كم هو عدد العوائل الفقيرة في المحلّة، و من المذهل أنّنا وجدنا عجائز مستحقّات للعون، و عوائل فقيرة محتاجة إلى رغيف خبز في عشائها، مع أنّ أهالي تلك المنطقة يُعدّون أفضل حالًا من سواهم في باقي مناطق طهران، و قد لا يُصدّق المرء بوجود عوائل فقيرة مستحقة هناك، و الله أعلم كم كانت هذه الاستمارات مفيدة و نافعة.

  • و لهذا السبب فقد باشرت لجنة القرضة الحسنة و لجنة الجمعيّات التعاونيّة و الشؤون الخيريّة أعمالها على الفور، و كذا كان من المقرّر لوحدة الشؤون العسكريّة أن تبدأ بتجنيد كافّة أفراد المحلّة لتدريبهم على الفنون العسكريّة، و أرسلنا كثيراً من رجالنا لإنجاز هذه المهام؛ لأنّنا قدّمنا ضمن الموادّ العشرين التي اقترحناها على آية الله الخمينيّ، أنّ على جميع أبناء البلاد بين سنّ الخامسة عشر إلى الأربعين أن يلتحقوا بدورات الإعداد و التدريب العسكريّ الإجباريّة، سواء كنّا في حالة حرب أم غير ذلك، و سواء كان اولئك الأفراد من الحرس أم من غيرهم، لأنّ على جميع المسلمين أن يتعلّموا الفنون العسكريّة في حدود الرماية و التعليمات الأوّليّة. و هذا أمر خطير و حساس. لماذا؟

  • لأنّ العدوّ قد يهاجمنا و نحن في عقر دورنا و لابدّ للمرء أن يدافع عن 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

167
  • نفسه، ليس بسكّين المطبخ، بل لابدّ له من تعلّم الرماية و كيفيّة استعمال البندقيّة الآليّة و التعرّف على فنون القتال الحديثة، و الدفاع من الواجبات الملقاة على جميع أبناء البلد. و حين كانت إيران ذات نظام عشائريّ، فقد

  • كان لكلّ عشيرة حدود خاصّة لا تسمح لأعدائها بتجاوزها.

  • و حين جاء الإنجليز بنظام الطاغوت إلى البلد، فإنّه ألغى تلك الحدود، فقضى البهلويّ على جميع عشائر التركمان و عرب خوزستان و البختياريّة و الأكراد و الأتراك.

  • و باسم تشكيل الحكومة المركزيّة، فقد تمركزت جميع القوى في يد النظام الكافر، و صار الملك قائداً عامّاً للقوّات، و هو تحت إمرة الاستعمار الكافر؛ و كان جنود الدولة في السابق بأعداد قليلة، و كان الناس هم الذين يدافعون عن شؤون البلد، و كانت الناس تهبّ للدفاع و المواجهة مع الأعداء قبل وصول الجيش و القيام بمهمّته، و هكذا هو البرنامج الإسلاميّ، الذي يحثّ و يؤكّد على أنّه لابدّ للناس من الدفاع، و ليس في الإسلام مجموعة خاصّة باسم الجنود و الجيش، فالكلّ مكلّف بالدفاع عن حياض الإسلام، من الصبي الحديث العهد بالبلوغ حتّى الشيخ المسنّ البالغ من العمر مائة سنة.

  • و مرّ علينا أنّ أحد شهداء معركة احُد هو حنظلة غسيل الملائكة، ذلك الشابّ الذي كان في ريعان شبابه، و كانت ليلة زفافه ليلة المعركة، ففضّل الجهاد على العرس و التحق بصفوف المجاهدين و استُشهد في اليوم التالي.

  • و قُتِل عمّار بن ياسر في واقعة صفّين و هو يقاتل بين يدي أميرالمؤمنين عليه‌السلام و له من العمر ثلاث و تسعون سنة أو أربع و تسعون سنة؛ نعم، فبين جنود الإسلام مَن هو بسنّ الثلاث و تسعين سنة. 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

168
  • إذ لا معنى للصغير و الكبير هنا، فالكلّ جنود الإسلام، و على الجميع أن يكونوا على اهبة الاستعداد من خلال تعلّم فنون الحرب و كيفيّة استعمال الأسلحة؛ و على الجميع أيضاً أن يتعلّموا السباحة، و يتمرّنوا على العَدْو، و على كلّ ما يدخل ضمن مستلزمات الدفاع إذا ما دعت الضرورة إليه.

  • و مرّ علينا أنّ من المقترحات التي وجّهناها إلى آية الله الخمينيّ، تأسيس تشكيلة حرس الثورة، طبعاً ليس بهذه التسمية المعروفة اليوم، بل اقترحناها تحت واجهة جمعيّة المقاومة الوطنيّة.

  • و قلتُ: لا ينبغي الاعتماد على الجيش الحاليّ المتعرِّض لحالة انكسار من خلال انتصار الثورة، و لا بقائده الفلانيّ، لأنّ فيهم ميلًا إلى ذلك الجانب! و علينا في أسرع وقت ممكن تشكيل جبهة من الناس باسم المقاومة الوطنيّة. و كان المرحوم الشهيد الحاجّ الشيخ مرتضى المطهّريّ على قيد الحياة حينها، فقال: لقد عُيِّن عشرة آلاف شابّ للتدريب على الفنون العسكريّة على حساب ميزانيّة الدولة، و من المقرّر أن يلتحق بهم عشرة آلاف آخرين كوجبة ثانية؛ و شكّلت تلك المجاميع حرس الثورة المعروف اليوم؛ ولو لم يكن حرس الثورة لضاعت البلاد تماماً في الحرب بين إيران و العراق.

  • حيث كان كسب الحرب متعذّراً بذلك الجيش الفاقد للشعور بالمسؤوليّة و غير المضحّي؛ تلك الحرب التي لا يمكن أن نقول عنها إنّها حرب بين إيران و العراق، بل هي حرب عالميّة ضدّ إيران، يعني أنّ قدرات التسلّط العالميّ كانت تساند العراق في حربه مع إيران من حيث العِدّة و العُدّة و بأعلى ما يمكن، و بهذه المقاومة الوطنيّة تمّ الحفاظ على البلاد، و إلّا لانتهى كلّ شي‌ء منذ الوهلة الاولى. و هذه أيضاً من المسائل المهمّة التي انتهت بحمد الله و منّه على أحسن وجه، و ستبقى أسماء هؤلاء 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

169
  • الشباب في بسالتهم دفاعاً عن الإسلام و الوطن شامخة على صفحات التأريخ ما كرّ الجديدان.

  • و مرّ أيضاً أنّ من الأشياء التي اقترحناها، السماح للشخصيّات البارزة من المجتهدين و الفضلاء الذين لمعت أسماؤهم بحمل السلاح الشخصيّ، و كما أنّ ضبّاط مديريّة الشرطة أو قوّات الدرك (حرس الحدود و الطرق‌ الخارجيّة) يحملون معهم سلاحهم الشخصيّ، فلابدّ للعلماء من ذلك، لأنّ عدم حمل السلاح يعني إلغاء المسؤوليّة. و قد كان جميع المسلمين في عهد أميرالمؤمنين يحملون أسلحتهم معهم، لأنّ السلاح يعني القدرة، و الذي يضع سلاحه على الأرض فكأنّه قد فَقَد كلّ قدرته، طبعاً على ضوء الظروف السائدة، إذ ليس من الصحيح اليوم أن يتسلّح عامّة الناس بالأسلحة الشخصيّة، لكنّ الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر مستثنون عن ذلك، لأنّهم إذا جُرِّدوا من السلاح جُرِّدوا من قدرتهم التنفيذيّة.

  • تصوّروا مثلًا لو صادف أحد المجتهدين أو مراجع التقليد في طريقه أحد بائعي الكباب، و قال له: لا تَبِع بيض الغنم فإنّه محرّم. فماذا سيحدث؟ سيقول بائع الكباب ضاحكاً: انصرف إلى عملك أيّها السيّد! ولكن لو قال له أحد الشرطة المتسلّحين: لا تَبع بيض الغنم، فإنّه سيخاف، لأنّ الشرطيّ يحمل صفة تنفيذيّة، فحمل السلاح مؤشِّر على أنّ بإمكان الشرطيّ أن يلقي القبض عليه.

  • و بطبيعة الحال لا يعني حمل السلاح ممارسة شهره يوميّاً، فإنّنا لم نشاهد يوماً أنّ أحد الضبّاط قد شهر سلاحه، ولكنّ حمله دليل على القدرة.

  • تشكيل الحكومة الإسلاميّة و بيعة الناس لآية الله الخمينيّ‌

  • و على كلّ حال، فقد لاقت اللجان التي شكّلناها تأييداً كبيراً في طهران و المدن الاخرى، و طلبوا منّا إرشادهم إلى كيفيّة تشكيل لجان تماثل 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

170
  • لجاننا، فقدّمنا لهم كلّ ما يمكننا من مساعدة في هذا المجال، و أخبرناهم بما ينبغي عليهم القيام به، ثمّ شُكِّلت لجان مماثلة في أمكنة اخرى و كانت ذات أثر حسن، حتّى مجي‌ء يوم الثاني عشر من فروردين‌۱ الذي أعلن فيه‌

  • آية الله الخمينيّ عن تشكيل الحكومة الإسلاميّة بعد إجراء الاستفتاء العامّ الذي شمل جميع البلاد. ذلك أنّ آية الله الخمينيّ لم يكن حتّى ذلك التأريخ حاكمَ الإسلام، بل كان واحداً من العلماء و الفقهاء لا يختلف عنهم في شي‌ء، لكنّه حظى بصبغة إلهيّة خاصّة أهّلته لأن يحتلّ مكانة خاصّة بين الناس لما بدر منه من رشادة و نبوغ فكريّ و سرعة بديهة و شجاعة فائقة؛ أجل، ما كانت حكومة الإسلام مشكّلة منذ عودته من باريس حتّى الثاني عشر من فروردين.

  • و منذ ذلك الوقت بايعه الناس حاكماً و استقرّت له الحكومة. أي أنّ جميع الناس قالوا: نحن جميعاً نعرفك بعنوان حاكم الإسلام، و تمّت البيعة على هذا الأساس. و أيّ يوم كان هو يوم البيعة؟ لقد تمّ في تلك الجمعة التي هرع الناس فيها إلى صناديق الاقتراع منذ الصباح الباكر حتّى الغروب للتصويت على انتهاء الحكومة الملكيّة و حكومة الطاغوت و انتخاب الحكومة الإسلاميّة. و كانت نسبة الذين قالوا للإسلام «نعم» قد تجاوزت الـ ٩۸% و لم أكن شخصيّاً قد رأيت صناديق الاقتراع بعيني، و لم أعرف شيئاً عنها منذ يوم ولادتي حتّى ذلك اليوم، لكنّي بكّرت في تلك الجمعة و كنتُ أوّل الحاضرين في المسجد، و بقيت هناك واقفاً إلى جانب الصندوق إلى الساعة العاشرة مساءً بدون انقطاع، ثمّ افرزت الآراء، فاتّضح أنّ جميع الناس كانوا قد بايعوا الإسلام في ذلك اليوم و انحازوا إلى صفّه.

    1. المصادف للأوّل من نيسان حسب تقويم الميلاديّ. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

171
  • و لقد مثّل ذلك الاستفتاءُ العامّ البيعةَ، سواء سمّيتموه بيعة أم لم تسمّوه، فقد كان بيعة بمعناها الحقيقيّ.

  • البيعة في الإسلام‌

  • يعتقد البعض أنّ سيادة حاكم الإسلام لا تحتاج إلى البيعة، فالحاكم هو عبارة عن المجتهدالجامع للشرائط، و له منصب الحكم و القضاء و الإفتاء من قِبَل الإمام عليه‌السلام علي‌ماجاء في الروايات بغضّ النظر عن قبول الناس لذلك أو عدم قبولهم! و سواء تمّت‌

  • له البيعة أم لم تتمّ. فقد نصب الشارعُ المقدّس المجتهدَ الحائز على العلم و الورع ثبوتاً بعنوان قائد و حاكم شرع.

  • و هذا الاعتقاد غير صحيح، لأنّه أوّلًا: من الممكن أن يكون في زمن واحد ثمّة أعداد غفيرة ممّن يمتازون بالأعلميّة بين المجتهدين، و يكونون ثبوتاً في صفّ و درجة و مقام واحد. و على فرض التسليم بأنّه لابدّ لكلّ فترة زمنيّة من حاكم شرعٍ واحد، فسوف لا يتحقّق استقرار الحكومة بولاية أحدهم بدون قبول الآخرين و سائر أفراد أهل الحلّ و العقد، أمّا إذا وافق جميع المجتهدين و أهل الحلّ و العقد و التزموا بحكومته، فهذا يعني البيعة.

  • و ثانياً: تدلّ الروايات على أنّ لكلّ مجتهد أعلم الأهليّة للحكومة الشرعيّة، لا المباشرة لها، و ممّا لا شكّ فيه أنّ تحقّق الحكومة الشرعيّة متعلّقاً بجميع الأفراد الذين يخضعون لتلك الحكومة. و بعبارة اخرى: أنّ كلّ واحد من المجتهدين ذوي الأعلميّة مؤهّل بدرجة تامّة باللحاظ الشخصيّ، لكنّ الانضواء تحت حكومتهم بحاجة إلى عقد التحكيم من قِبَل المحكوم عليه، و ما لم يكن الشخص ملتزماً بالتبعيّة فلا يصدق عليه عنوان ولاية الحاكم.

  • و حين كانت الحكومة في العهد البائد بيد الطاغوت، فقد كانت المرجعيّة مرجعيّة في الحكومة الحقيقيّة و في الإفتاء أيضاً، إذ لا يصدق عنوان التقليد إلّا من خلال التبعيّة و الالتزام بالعمل بآراء المجتهد و أوامره

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

172
  • ، و لا يتحقّق بمجرّد أخذ رسالة المرجع الجامع لشرائط الفقاهة و المرجعيّة، و كلّ هذا يعني لزوم البيعة للحاكم، و بغير ذلك فلا داعي للالتزام في المرجعيّة في الفتوى، حيث يستفسر المرء حينذاك في المسائل الحادثة من المجتهد و يعمل بقوله؛ و قد انقضت سيادة الطاغوت حاليّاً، و أضحت الحكومة بحاجة إلى التعهّد و القبول اللذين يعنيان البيعة بالنسبة للحاكم، بغضّ النظر عن أخذ الفتوى من مرجع التقليد.

  • و هكذا الحال في باب إمامة و إمارة الأئمّة عليهم السلام. فهم يملكون من الله تعالى مقام و مرتبة العصمة و الطهارة و هم أعلم مَن في الامّة، لكنّ تحقّق إمرتهم في الخارج بحاجة إلى قبول عامّة الناس و إلى البيعة، و من حيث الأصل فالأمر تامّ لهم سواء بايع الناس تلك الذوات المقدّسة المرتقية لأسمى مقام و رتبة أم لم يبايعوا، لكنّ إمارتهم و حكومتهم في الخارج منوطة بالمعاهدة و الميثاق من جانب الامّة، و ذلك عبارة عن البيعة.

  • و قد حاز أميرالمؤمنين عليه صلوات المصلّين على مقام الإمامة و الإمارة من قِبَل الله و رسوله، و هو الخليفة بعد النبيّ الخاتم بلا فصل، ولكن لم تتحقّق الحكومة و الرئاسة الخارجيّة دون بيعة القابلين و المسلمين؛ و قد أمر رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يوم غدير خم جميع المسلمين رجالًا و نساءً بالبيعة له في تلك الخطبة الغرّاء التي نصبه فيها في مقام الإمامة و الولاية.

  • لقد أذنب الناس لمدّة خمس و عشرين سنة بنقضهم البيعة ولكن حين وصلت الإمارة و الحكومة إليه كان من اللازم على الناس أن يعلنوا قبولهم، لذا فقد جاء جميع أهل المدينة و أهل الحلّ و العقد ليعلنوا بيعتهم له عليه السلام؛ أمّا المتخلّفون عن البيعة فقد باتوا محطّ سخط التأريخ، كما أنّهم عند الله من المجرمين.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

173
  • و بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه‌السلام، جاء الإمام الحسن عليه‌السلام إلى المسجد، فأمر ابن عبّاس جميع الناس بالمجي‌ء إليه و مبايعته.

  • و في زمان نهضة سيّدالشهداء عليه‌السلام، و لأجل إعلان حكومته و إمارته على المسلمين، فقد أرسل مسلم بن عقيل عليه‌السلام إلى الكوفة لأخذ البيعة له منهم، على الرغم من كونه إماماً مُفترض الطاعة من قِبَل الله ‌و رسول الله و أميرالمؤمنين، ولكن لا يمكن تحقّق الحكومة و الإمارة على الناس في الخارج بدون تقبّلهم لها، و هذا هو معنى البيعة.

  • و ينبغي العلم أنّ هذه البيعة ليست أمراً شكليّاً، بل هي عقد من العقود، و عهد و قبول للإمارة و الإمامة، و لذا فهي بحاجة إلى القبول من جهة الإمام أو وكيله. و هذا هو ذات معنى الفعليّة و التنجيز الذي بيّنّاه في الإمارة و الحكومة.

  • إن الإمارة و الإمامة عبارة عن أمر بين شخص الإمام و المجتمع، و يستحيل تحقّق هذه الرئاسة و الحكومة بدون الربط و الارتباط بين هذين الطرفين، و إمكان تحقّق هذا الارتباط بالبيعة فقط، لأنّها توحي بالقبول و التعهّد.

  • و مع أنّ إمامة الإمام في حدّ ذاتها تامّة و كاملة، إلّا أنّ الانضواء تحت إمامته بحاجة إلى البيعة. و إمرة الإمام و حاكميّته من صفاته الفعليّة، و من جهةٍ اخرى فإنّ وجوده له شأنيّة بالنسبة للمأموم، و مع بيعة المأموم، يصل إلى مرحلة الفعليّة.

  • و عند ظهور الإمام بقيّة الله الأعظم عجّل الله تعالى فَرَجه الشريف، فإنّ بيعة الناس له من الشروط الحتميّة لقبول ولايته و إمامته، و لا يختصّ هذا الأمر بالإمامة فقط، لا بل البيعة لازمة حتّى للنبوّة. يعني أنّ النبيّ مُرسَل من قِبَل الله تعالى، و هو ذو كمالات و ارتباط مع عالم الغيب و يرى 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

174
  • الملائكة و ينزل عليه الوحي، سواء قَبَل الناس نبوّته أم لا. أمّا بالنسبة لإسلام الناس، أي: بالنسبة لقبول نبوّته، فالمسألة بحاجة إلى البيعة، و ما دام الناس لا يقبلون الشهادتَين بلوازمهما، فسوف لا تغشاهم ظلال نبوّة النبيّ، و لا يتحقّق الربط و الارتباط و الآمريّة و المأموريّة.

  • كان رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يقبل إسلام الناس بشروطخاصّة و بصور متباينة مع مَن أسلم من الأفراد، أو مع وكلاء مَن يأتون نيابة عن طائفة أو قبيلة أو مجموعة من الناس في مراحل مختلفة في مكّة و المدينة.

  • و يكون قبول الإسلام هذا بشرطٍ خاصّ، بمثابة قبول بيعتهم بهذا الشرط.

  • و كان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم في أواخر حياته في المدينة يقبل إسلام الرجال بشرط إقامة الصلاة، و أداء الزكاة، و الاشتراك في الجهاد، كما كان يشترط على القبائل و الطوائف أن تشترك في الدفاع ما دام العدوّ يشنّ هجوماً على الإسلام، و أن لا يُحالفوا الطوائف المخالفة للإسلام، و أن لا يقدّموا العون للكفّار في حروبهم مع المسلمين.

  • و كان يقبل إسلام النساء بشرط البيعة على أن لا يُشركن بالله تعالى، و أن لا يسرقن، و لا يزنين، و لا يقتلن أولادهنّ، و لا ينسبن إلى أزواجهنّ من الأولاد من هو ليس منهم، و أن لا يعصين أمر رسول الله، و في حال نقضهنّ للبيعة سيستحقّنّ العقوبة و النكال.

  • جاء في الآية ۱٢، من السورة ٦۰: الممتحنة:

  • {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى‌ أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لا يَسْرِقْنَ وَ لا يَزْنِينَ وَ لا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَّ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

175
  • إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

  • أجل، فقد عرف الناسُ آيةَ الله الخمينيّ في ذلك اليوم بالحكومة.

  • و حين صار حاكماً للمسلمين، فإنّ مجرّد نسبة الحاكميّة له سيُعطيه مزايا و خصائصَ اخرى نسبةً إلى الناس الآخرين، من حيث لزوم التجليل و التبعيّة الدقيقة، و الطاعة له من قِبَل الآخرين. أي منذ أن أصبح حاكماً للإسلام فسوف تقع تلك الوظائف الإلهيّة في أعناق الأفراد، و هذا يعني أنّ أمره هو ذات أمر الله و أمر رسول الله و أنّ طاعته واجبة على الجميع، و لا يجوز عصيانه و التمرّد على أوامره، و عند حصول البيعة ستكتسب ولاية الفقيه فعليّتها، و ستكون قد انتقلت من مرحلة الإنشاء و اكتسبت فعليّتها، حيث يتحقّق عندها في الخارج عنوان الحاكم الفعليّ. و لا معنى في الإسلام من وجود حاكمَين، فقد يتواجد في زمان واحد الف مجتهد، ولكن لا يكون ثمّة حاكمَين، بل يجب أن يكون حاكم المسلمين واحداً، و يكون حكمه نافذاً حتّى على المجتهدين الآخرين.

  • و إذا أصدر الحاكم حكماً، فطاعته واجبة على جميع المسلمين، حتّى على المجتهد الأعلم منه، أي في حال وجود مجتهد أعلم من الحاكم من بعض الجهات، فيجب على المجتهد الأعلم الطاعة لحكم الحاكم، فإذا قال الحاكم مثلًا في مسالة رؤية الهلال: إن الليلة هي أوّل شوّال. فيجب على الجميع الامتثال، حتّى على المجتهد الأعلم و إن لم يثبت له ذلك، و عليه أن يفطر في اليوم التالي.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

177
  •  

  •  

  • الدَّرس‌السَّادِس: عَدَم جَوَازتَقْلِيد المُجْتَهِد لِغَيرِهِ وَلُزُوم تَنْفِيذ حُكْم حَاكم الشَّرْع المُطَاع على كَافَّةِ أصْعَدِةِ مُجْتَمِع‌عَالَم الإسْلَام‌

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

179
  •  

  •  

  • اعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ‌

  • بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‌

  • وَ صَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ‌

  • وَ لَعْنَةُ اللهِ على أعْدَائِهِمْ أجْمَعِينَ‌

  •  

  •  

  • وظيفة المجتهد أو المتخصِّص‌

  • لو اعطي مشروع بناء بناية بيد معمارَين أو مهندسَين، و كان كلٌّ منهما بارعاً في فنّه و من المعروف أنّ الاستقلال الفكريّ من لوازم البراعة في الفنّ و أراد أحدهما على ضوء فكرته أن تكون البناية على ما يراه شرقيّة، وارتأى الآخر أن تكون جنوبيّة، أو ارتأى أحدهما أن يكون ارتفاع الغرف ثلاثة أمتار و نصف، فقال الآخر: ينبغي أن يكون ارتفاعها مترين و ثمانين سانتيمتراً، أو صمّم أحدهما مثلًا على أن يكون أساس البناية من الخرسانة (الكونكريت)، فقال الآخر: لا، فالإسمنت و الكلس يكفيان، و ليس ثمّة لزوم لأكثر من ذلك.

  • في هكذا اختلاف، إمّا أن يجلس الطرفان و يتشاوران من أجل تقريب و جهات النظر وصولًا إلى فكرة ترضي الطرفين، أي أن يُقنع أحدهُما الآخر، و يتوصّلان بالحوار و المناقشة إلى رسم خارطة البناية بما يُرضيهما معاً فيوقّعان عليها؛ أو أن لا يرضى الطرفان بالعمل مشاركةً، لأنّ أيّاً منهما يعتزّ بمهارته و يرى لنفسه ضرورة الاستقلاليّة في الرأي، لذا فهو غير مستعدّ للتنازل عمّا يراه.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

180
  • و هنا، إذا اتُّخِذَ القرار بإعطاء أمر بناء البناية لأحدهما ليكون معمارَ أو مهندسَ هذا المشروع، و يقوم بمهامه على ضوء ما يرى، فلنرَ ما هي وظيفة ذلك المعمار أو المهندس الآخر؟ مع كونه من العاملين و ممّن يودّ المساهمة في العمل، و مع طموحه أن يكون من العناصر الفعّالة في هذا المشروع، هذا أذا افترضنا أنّ المشروع هو بناء مكان مقدّس كأن يكون مسجداً، فما هي وظيفته حينذاك؟

  • قد يحصل أن يكون المعمار الثاني تابعاً لذلك المعمار الأوّل في جميع ما يراه، فيقول له: بما أنّك وقّعت على هذه الخارطة فأنا كذلك اوقِّع عليها، و من المسلّم أنّ هكذا تبعيّة تُعدّ خاطئة، لأنّنا افترضنا أنّ المعمار الثاني بارع في مهنته، و أنّ له نظرة فنّيّة مغايرة لما أقرّه المعمار الأوّل في خارطته أو تصميمه، و عندئذٍ لا يمكن له التوقيع على ما لا يراه مناسباً، ولو تابع الأوّل في كلّ شي‌ء و أقرّ ما أقرّه، عُدّ ذلك خيانةً منه، لأنّ من الممكن أن تتعرّض البناية غداً للسقوط، أو أن تكون الاستحكامات اللازمة لمقاومة الهزّات الأرضيّة و الزلازل غير كافية، أو أنّ التهوية لا تتناسب مع عدد المدعوّين و المتواجدين داخل البناية و لربّما تعرّضوا للاختناق، أو أنّ تأسيسات الغاز السائل و الكهرباء لا تطابق المواصفات المطلوبة فتسبّب خطورة في حال نشوب حريق. و حينئذٍ يُعدّ إمضاء المعمار الثاني تبعاً لإمضاء المعمار الأوّل إقراراً لجميع هذه المخاطر المحتملة.

  • و عليه، فالتبعيّة للآخرين في الرأي و الفكر في مجالات التخصّص أمرٌ خاطئ تماماً، أيّاً كان مجال الاختصاص. أي عندما يكون الإنسان صاحب نظر، فإنّ بصيرته ستحول بينه و بين اتّباع الآخرين. ولو وافق معمارٌ ما على تصاميم معمار آخر و وقّع عليها من أجل أن يُثبِّت اسمه 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

181
  • ضمن دائرة المعمارين مثلًا، أو لكي يضع اسمه في قائمة المعمارين المعروفين، عُدّ عمله خيانةً، فما هي إذاً الوظيفة العمليّة لذلك المعمار في هذه الحال؟

  • يمكنه التحرّك هنا على وجهين؛ بأن يقول أوّلًا: إن فلاناً مستقلٌّ في أفكاره، و قد سُلِّمت إليه البناية؛ فلماذا لم يسلّموها لي؟ و لِمَ و لِمَ؟ ثمّ يشرع في الهدم و التخريب، فيبادر إلى تضعيف أساس البناء، و يُشير على البنّائين بعدم صفّ الطابوق و عدم صبّ موادّ البناء كما ينبغي، و باختصار يقوم بعمليّة تخريبيّة، بعد رشوة هذا و ذاك، و يتّفق مع القائم على التأسيسات الكهربائيّة بأن يخلّ في عمليّة الربط و ما شاكل ذلك ... فهذا الوجه كما هو بيِّن يمثِّل خيانة أيضاً.

  • أمّا الوجه الآخر، فهو أن يقول إن نظراتي في هذا المشروع لم تحظَ بالقبول، و على ألّا أمتنع عن تقديم كلّ ما يمكنني لدعم هذا المشروع المقدّس، و أن أكون كأحد العاملين في المشروع، فتكون وظيفتي تطبيق الأوامر الصادرة لتنفيذ مراحل العمل و تصحيح ما يلزمه ذلك، و في هذه الحالة فمع كون ذلك الشخص مهندساً، إلّا أنّه يمارس دوره في المشروع المفترض كأحد المشرفين الموجّهين للعمّال، فتراه يمرّ على المتعهّد بتأسيس الكهربائيّات و يلاحظ دقّة عمله، و يوصي العمّال أن يصفّوا الطابوق بعناية، و أن يجدّوا في العمل! فهذه بناية مسجد، و ينبغي ألّا تقع على رؤوس الناس. و باختصار فإنّه ينهمك في العمل، ولكنّه ليس من الكادر الفوقيّ المسؤول المباشر عن إدارة العمل.

  • و تمثِّل هذه الطريقة أفضل صورة مناسبة للمساهمة في العمل بشكل غير مباشر، حيث يقدّم المرء من الناحية العمليّة كلّ طاقاته من أجل استمرار المشروع و استتباب وضعه على أحسن وجه.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

182
  • مثال آخر: افرضوا أنّ مريضاً خضع لمعالجة طبيبَين متخصّصَين، و أنّهما كانا يعالجانه في وقت واحد كلٌّ حسب تشخيصه، و أنّ أحدهما قال: لابدّ من إجراء عمليّة جراحيّة، و إلّا فليس ثمّة من أمل، فأصرّ الآخر على قوله: إن تشخيصك خاطئ، و لابدّ من الاستمرار على العلاج باستعمال الأدوية، لأنّ نسبة نجاح العمليّة صفر، و أنّها ستؤدّي إلى موت المريض.

  • و نلاحظ في تشخيص الطبيبَين تضادّاً حادّاً، فما العمل و الحال هذه؟ و إذا سلَّم المريض نفسه لأحدهما، فليس من حقّ الآخر أن يقول بأنّه موافق على تشخيص الطبيب الآخر، و أنّه سيوقّع على ما يرتئيه! لأنّ هكذا توقيع يُعتبر خيانة، إذ لو مات المريض أثناء إجراء العمليّة الجراحيّة، كان التوقيع بمثابة اشتراك في الجناية، و كذا الحال لو قال: ما العمل! فنحن متنازعان في هذه الحالة، فلُاوقِّع وليقع ما يقع! فهذا الموقف خيانة أيضاً.

  • بطبيعة الحال فإنّ هذا الموضوع يرتبط بالمتخصّصين، أمّا سواهم فليس من حقّهم إبداء و جهات نظرهم، بل عليهم الانصياع لما يقول أصحاب الاختصاص دائماً.

  • و عليه، فإنّ الطبيب سيُعدّ خائناً إذا قام بخلاف ما يعتقد في مجال تخصّصه، إذ ليس من حقّه التنازل أو التساهل من أجل أغراض خارجيّة مهما كانت، فهو و الحال هذه مجرمٌ أمام محكمة الإنسانيّة و مقام الحُكم العدل، لأنّه سَيُلزَم بمخالفته تشخيصه و عِلمه، و عمله وفق تشخيص الآخرين و عِلمهم.

  • كذلك ليس من الصحيح أن يقوم ذلك الطبيب بأعمال مخلّة بذريعة أنّ الامور خارجة من يده و أنّ توقيعه غير معتبر، فيقوم بأعمال مناهضة و يقلب الأوضاع رأساً على عقب كأن يغيِّر البرنامج الغذائيّ للمريض، و لا يعطيه الأدوية المقرّرة، و يحاول إفشال عمليّات ذلك الجرّاح، و ما إلى 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

183
  • ذلك.

  • يقال: انتُدب في العهد البائد أحد الأطبّاء البلجيكيّين المسيحيّين‌ للعمل في مستشفى الإمام الرضا عليه‌السلام في مدينة مشهد، و كان حاذقاً جدّاً و من الجرّاحين المعروفين، و قد انتمى لدين الإسلام بعد أن أدرك حقّانيّة هذا الدين و اطّلع على معجزات الإمام الرضا عليه‌السلام، و قبره في مقبرة الخواجة ربيع المعروفة، و كان اسمه البروفيسور رُشْ بُول وين فأبدله إلى عبدالله، و مارس مهنته في هذه المستشفى منذ سنة ۱٣٣٣ إلى ۱٣٤۸ هـ . ش.۱

  • قيل: إن براعته في إجراء العمليّات الجراحيّة أثارت حسد بعض أطبّاء تلك المستشفى، فمارسوا بدافع الحسد أعمالًا غير إنسانيّة بعد قيامه بكلّ عمليّة جراحيّة ناجحة، كان يذهبوا إلى المريض و يسكبوا ماءً على الجرح ليلتهب حتّى يقال بأنّه لم يُجرِ العمليّة بنجاح! فهذا العمل خيانة، بل خيانة كبرى! ولو تأمّل المرء في هذا العمل المشين لرآه من أعظم الجرائم، إذ حين يبذل ذلك المسكين كلّ جهده من أجل انقاذ المريض، أفلا تُعدّ محاربته بهذه الطريقة خيانة؟! لماذا تشوّهون عمله الإنسانيّ، ثمّ لماذا تجرّون ذلك المريض المسكين الفاقد للحسّ و الحركة إلى أعتاب الموت؟

  • إن كنتَ تريد أن تعمل فكن طبيباً و أجر العمليّات الجراحيّة على نحوٍ أفضل، لا أن تبقى قابعاً في مكانك تسكب الماء على جراح المرضى لتُهلكهم و تُسي‌ء إلى سمعة الطبيب المعالج! و هنا تكمن بؤرة جميع المفاسد في العالم.

    1. [۱٣۷٤] ۱ إلى ۱٣۸٩ هـ. ق؛ ۱٩٥٤ إلى ۱٩٦٩ م. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

184
  • و لذا فالطريق الأفضل أن يقول ذلك الطبيب: ما دامت المسؤوليّة لم تقع على عاتقي، فما عليَّ إلّا أن اقدِّم ما بوسعي، فأذهب إلى المستشفى و اراجع أحوال المرضى، و أزرقهم الحقن و أتأكّد من ضغط الدم، و اساهم‌ في تهيئة المقدّمات اللازمة للعمليّات الجراحيّة، و أبقى يقظاً ليل نهار، و باختصار اوَظّف كلّ طاقاتي، بغضّ النظر عن قبول وجهات نظري أو رفضها.

  • و مثل هؤلاء الأشخاص وجوههم بيضاء أمام الله و الوجدان و الإنصاف و الإنسانيّة، حيث ألقوا الحُجّة بإبدائهم و جهات نظرهم، و حيث لم يهمّهم رفض آرائهم من قِبَل الآخرين، و حيث إنّهم ظلّوا على استعداد لتقديم كلّ ما يمكنهم فِعله.

  • و هذا جارٍ في كلّ فنّ و حرفة من غير استثناء حتّى في مجال الاجتهاد، و الذي يصل إلى درجة الاجتهاد الاجتهاد المطلق يكون صاحب نظر في الامور الدينيّة، و لا يستطيع أيّ انسان أن يصدّه عن آرائه، إلّا أن يجالسه و يباحثه بأن يقول له مثلًا: إن الأصل الذي اعتمدتَ عليه في هذا الرأي مبنيّ على هذه المقدّمة و هذه الرواية و هذا الدليل، لكنّ هذه الرواية مثلًا ضعيفة السند، لأنّ الراوي الفلانيّ قد ضعّفه كلٌّ من الكشّيّ و النجاشيّ، مضافاً إلى أنّه لم يوثّقه أحد من المتأخّرين، و بما أنّ الرواية ضعيفة السند ففتواك هذه غير صحيحة.

  • و في هذه الحالة إمّا أن يرضخ لما قيل له، أو يردّ قائلًا بأنّك قلت كذا و كذا، و هذا الكلام غلط بدلالة كذا، و إن المعنى الذي استنتجته من الآية الفلانيّة غير صحيح، لأنّ دلالتها تُشير إلى معنى آخر، و قد دفعك الوهم لتخيّل ما رأيته.

  • و يرى المرء أنّه يقول صواباً، ثمّ يردّ الفرد الذي أخطأ في تقديره: 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

185
  • لقد قُلتم الحقّ، و لقد أخطأتُ في تقديري، و سأعدل عن رأيي و أقبل بكلامك و أعمل به. و لذا نرى أنّ مسائل الخلاف بين الفقهاء كثيرة جدّاً، و ما أكثر المسائل التي شوهد فيها أنّ الفقهاء رجعوا عن آرائهم السابقة، و ثمّة كثير من الفقهاء كان لهم رأي في مسألة ما، ثمّ باحثهم أحد تلامذتهم و أشكل عليهم في إحدى حلقات الدرس، فاقتنع الفقيه بعدم صواب رأيه، و هذه الحالة جارية على قدم و ساق في هذا المجال، و مَن له اطّلاع على الفقه يعلم بأنّ هكذا مسائل كثيرة الوقوع في هذا المجال.

  • و ها هو العلّامة الحلّيّ و هو من كبار فقهائنا له في كلّ كتاب من كتبه فتوى خاصّة، ففتواه في «المختلف» تخالف فتواه في «التذكرة»، و كذا الحال في كتبه الاخرى ك «التحرير» و «المنتهي».

  • أمّا أن يأتي مجتهد ليقول لمجتهد آخر: إنّك اشتبهتَ في الفتوى الفلانيّة، فلا يجوز له أن يتنازل عن رأيه دون قناعة، بل يمكن القول إنّه يحرم عليه ذلك حرمة فطريّة و عقليّة و شرعيّة، لأنّ الاجتهاد يعني التخصّص، و التخصّص يعني البصيرة و العلم الوجدانيَّين، و من هكذا مطلب يشعّ النور الباطنيّ، و يشعّ النور، فينظر الإنسان بكلتا عينيه ما هو الواقع فمن الخطأ و الحال هذه أن يغمض الإنسان عينيه و يقرّ بخلاف الواقع تبعاً لقول فلان و فلان، و تسمّى هذه الحالة تقليد المتخصِّص للآخرين و إغماض عينه و هو الإنسان البصير، و لهذا نرى عبارة: و يحرّم الله عليه التقليد، في الإجازة الاجتهاديّة المعطاة من الفقهاء إلى تلاميذهم، و هي تعني أنّه من الآن فصاعداً يحرم عليه التقليد.

  • فالذي يصل إلى درجة الاجتهاد، لا يُقتصر على جواز اجتهاده، بل ليس بإمكانه التقليد، و التقليد و الحال هذه حرام.

  • و هذه الحرمة على ثلاث مراحل: حرمة شرعيّة، و حرمة عقليّة، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

186
  • و حرمة تكوينيّة، أي ليس بإمكان الشخص فطرةً و وجداناً أن يتراجع عمّا تبصّر به مادام ذلك الشخص بصيراً و يرى بذلك النور الشاخص في داخله، و قد ذكرتُ مثالًا في أنّ الطبيب الذي يرى جليّاً أنّ الآلام الحاصلة للمريض‌ الفلاني من جرّاء التهاب الزائدة الدوديّة (المصران الأعور) و أن لا علاقة لها بالتهاب كيس الصفراء، لا يقتنع بكلامك لو أتيته و قلتَ له إن التشخيص بعكس ذلك، فهو لا يستطيع التقليد هنا، أي لا يمكنه التنازل عمّا ثبت له مهما كانت الضغوط، إذ لا يمكنه أن يغالط نفسه و يكون تبعاً للآخرين في مجال تخصّصه.

  • و كذا الحال بالنسبة للمجتهد، فليس بإمكانه أن يكون تابعاً لآراء للآخرين. و يرجع هذا الأمر إلى مسائل الاجتهاد الكلّيّة.

  • نفوذ حكم الحاكم و لزوم إطاعة الناس له‌

  • أمّا فيما يخصّ حكومة الإسلام، فقد قلنا بأنّ حاكم الإسلام واحد، و لا ينبغي للسيطرة على زمام الامور في الإسلام وجود حاكمَين في آن واحد، فلو تصدّى أحد المجتهدين للحكومة، لأضحى حكمه نافذاً على جميع أفراد الامّة حتّى على المجتهدين الآخرين، بل حتّى على مَن هو أعلم مِن الحاكم منهم، و قد أمدّ الله تعالى حكم الحاكم بالحجّة حفظاً لمصالح النظام؛ و هنا، ما هي وظيفة المجتهدين الآخرين؟

  • ليس من حقّ المجتهدين الآخرين تقليد ذلك الحاكم في العبادات و المعاملات و الحجّ و كلّ ما يتعلّق بالامور الشخصيّة، لأنّ هذه الامور ليست تقليديّة، و يحرم على المجتهد التقليد فيها. أمّا في الامور الوِلائيّة المتعلّقة بالحكومة التي جعل شرع الإسلام المقدّس اختيارها بيد الحاكم، فالواجب على جميع المجتهدين أن يتبعوا فيها حكم الحاكم، و يجب عليهم العمل بكلّ ما يقول في حالَتي الحرب و السلم، و في جباية الضرائب، و في تخريب الشوارع، و في تشكيلة الدوائر الحكوميّة، و في قوانين حركة السير 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

187
  • و المرور، و في صلاة عيدَي الفطر و الأضحى، و تعيين يومَي عيدَي الفطر و الأضحي، و الحكم بدخول الشهر و رؤية الهلال، و ما إلى ذلك من المسائل الاجتماعيّة التي لا تُعدّ و لا تحصى، التي ينبغي أن تحمل حكماً واحداً في‌ مجتمع الإسلام، و ليس من حقّ أحد الاعتراض إذا لو لم يكن عنده علم قاطع بخلاف ذلك الحكم.

  • مثلًا، إذا حَكَمَ حاكم الإسلام بأنّ غداً عيد، و كان حكمه في ليلة غير معلومة هل هي آخر ليلة من شهر رمضان أو أوّل ليلة من شهر شوّال فالواجب على الجميع أن يفطروا و يعيّدوا في اليوم التالي، و ليس من حقّ أحد الاعتراض بالقول: إن العيد لم يثبت لنا، لأنّنا نستصحب شهر رمضان، و قد جاء في الحديث النبويّ الشريف: «صُمْ للرؤية و أفطِرْ للرؤية»، لأنّ رسول الله قال بحجّيّة حكم الحاكم، و هذا من كلام رسول الله أيضاً، و إن ضممنا الدليلَين معاً فسنفهم أنّ أمر «صم للرؤية و أفطر للرؤية» صادق مع عدم حُكم الحاكم، و أمّا إذا صدر حكم الحاكم، فهو يدلّ على الحكومة.

  • لقد بايع الناس في إيران آية الله الخمينيّ على الحكومة لمّا اجتمعوا في الثاني عشر من فروردين‌۱ و صوّتوا بنسبة تزيد على ٩۸% على انتهاء الحكم الملكيّ و إقرار حكومة الإسلام، و كان هذا الذهاب إلى صناديق الاقتراع بمثابة استفتاء عامّ شمل كافّة أرجاء البلاد، و قد كان بمثابة البيعة له على حكومته، و إذا كنّا نعتبر لزوم البيعة للحاكم و هو الحاصل و لزوم البيعة في الحكومة، فإنّ الناس في إيران في ذلك اليوم قد بايعوه مضافاً إلى اجتهاده و مقاماته العلميّة فأضحى من ذلك اليوم حاكماً للشرع.‌

    1. الأوّل من نيسان حسب التقويم الميلاديّ. (م)

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

188
  • و بناء على ما تقدّم، فليس من حقّ المجتهدين الآخرين من ذلك اليوم فصاعداً مخالفته في الامور الحكومتيّة بلحاظ المدارك الشرعيّة، مع أنّ آراءهم محترمة في المسائل الشرعيّة، و فيما يفهمون من آيات القرآن و الأخبار، و ما هو على هذا الغرار، و عليهم أن يكونوا تابعين للحاكم في المسائل السياسيّة و الاجتماعيّة و في تلك المسائل الراجعة لحكومة الإسلام، إذ لابدّ أن يكون مركز صنع القرار واحداً في الحكومة، و تعدّد مراكز صنع القرار في هذه الحال ممنوع، لأنّ إظهار الآراء و النظريّات المتباينة يزلزل الحكومة و يُسقطها، لذا فهذا الباب مسدود على الجميع، سوى الحاكم.

  • و هو الآن على رأس الحكومة، فجميع الدوائر الحكوميّة و المجلس و الجيش الثوريّ و اللجان الثوريّة بجميع أعضائها تمثِّل حكومة الإسلام، و حكم الحاكم نافذ، و يجب إطاعة قوانين و مقرّرات الدولة، و إذا أردنا تقريب ذلك فتصوّروه في نقطة رأس الشكل المخروطيّ، و أنّ أحكامه الصادرة تتنزّل طبقة طبقة حتّى تصل إلى قاعدة المخروط الممثّلة بعموم الناس؛ و على الجميع مراعاة إطاعة مَن هم فوقهم في هذه السلسلة.

  • ولو أصدرت البلديّة أو مديريّة الشرطة العامّة أمراً ما على سبيل المثال فلا يحقّ للإنسان مخالفته أو التهرّب منه، لأنّ مخالفة هكذا أمر حرام شرعاً، لأنّ البلديّة و مديريّة الشرطة قائمة بأمر حاكم الإسلام، و كذا الحال بالنسبة للحارس الذي يقوم بمهمّة حراسة الزقاق لأنّه مأمور ذلك الحاكم، فلا يحقّ للإنسان مخالفته أو إعطاءه الرشوة، فالرشوة كانت رائجة في العهد البائد للتخلّص من شرّه، أمّا الآن فقد اغلق باب الرشوة، لأنّا نعيش تحت ظلال حكومة الإسلام، و لابدّ من الطاعة لأوامر ذلك الحارس، فإذا قال «لا تقف هنا»، فعليك أن تسمع له؛ كما أنّ مراعاة قوانين السير ‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

189
  • و المرور واجب شرعيّ، فليس من حقّك أن تجتاز الطريق مادامت إشارة الضوء الأحمر مضاءة و إن كان الوقت في منتصف الليل و قد تأكّدتَ تماماً من عدم وجود واسطة نقل يميناً و يساراً، و بما أنّ الوجوب الشرعيّ متعلّق بهذا الأمر، فلابدّ من التوقّف حتّى انقضاء الوقت المقرّر.

  • و أنتم ترون مدى سعة اللطف، و مدى سمو و رقيّ هذه الحالة، فالواجب على الجميع إطاعة القوانين و المقرّرات الصادرة من الدولة، فحين يقال مثلًا: يجب دفع الضرائب، يكون إعطاء الضرائب واجباً، و ليس من الصحيح عندها أن تقول: «لا توجد ضرائب في الإسلام، إذ الخمس و الزكاة من مختصّات الإسلام و ليس غير»، لأنّ سنّ الضرائب على أساس الأحكام الإسلاميّة الكلّيّة، و على أساس ما يعيّنه الحاكم من ضرورة و تشخيص و وجهة نظر؛ فحين يقول: أعطِ، فيجب القول: سمعاً و طاعة. و إذا لم يعطِ الإنسان يكون مَديناً، و عليه أن يودع ما عليه في صندوق الدولة، و إذا لم يعطِ حتّى آخر لحظات عمره، فعليه أن يكتب في وصيّته: أنا مدين بمبلغ كذا ضريبة و يجب دفعه إلى مديريّة الضريبة، لأنّ الحاكم يقول: أيّها المسلمون! لحفظ هذا البلد، أرى باعتباري حاكماً أنّه من اللازم على كلّ فرد أن يدفع كذا مبلغ ضريبة.

  • حينما جاء العلّامة الكبير المرحوم كاشف الغطاء إلى إيران، كان الروس قد نزلوا في أطراف منطقة جيلان، فطلب منه (فتح علي شاه) إجازة الملوكيّة، فكتب المرحوم كاشف الغطاء كتاباً مهمّاً جدّاً تحت عنوان «كشف الغطاء» جاء فيه: اعطي للسلطان (فتح علي شاه) الإجازة في جباية الأموال من أهل هذه البلاد من أجل إخراج الروس عن هذه البلاد، و إذا لم يكفه ذلك فمن أماكن و مدن اخرى، و إذا لم يكفه ذلك فعليه أن يأخذ ما يكفيه من بيت المال، و إذا لم يكن كافياً فعليه أن يأخذ من أموالهم الخاصّة 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

190
  • لهم لإخراج الروس.

  • يعني: اذهب و استولِ على بساتين الناس و محلّاتهم التجاريّة و اطرد الروس من البلاد. و ينبغي على الناس و الحال هذه أن لا يقولوا: لماذا يأخذون أموالنا؟ و لماذا يستولون على محلّاتنا التجاريّة؟ أفهل كان النبيّ يقوم بمصادرة المحلّات التجاريّة؟! أفهل كان يصادر بساتين الناس؟!

  • و إذا تفحّصنا التأريخ نرى أنّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم قد قام بأكثر من هذا، لكنّنا لم نطالع التأريخ، فقد كان النبيّ يبعث الجيش إلى مَن يمتنع عن أداء الزكاة ليأخذها بالقوّة، و إذا امتنعوا عن أدائها ثانية فإنّه يعتبرهم في عداد المرتدين، فيقتل الرجال و يأسر النساء و الأطفال؛ فحكم الإسلام بهذه الدرجة من الاعتبار و له قدسيّة خاصّة، و عندها سترون مدى عظم المسؤوليّة الملقاة على عاتقنا. إن الخمس و الزكاة ينبغي توزيعها على مستحقّيها من الفقراء و الضعفاء من مختلف طبقات الناس لأنّها في عداد الصدقات، أمّا نفقات الدولة و ميزانيّتها التي من ضمنها رواتب الموظّفين و ما إلى ذلك، فلم تكن تؤخذ من الخمس و الزكاة في عهد رسول الله، بل كانت تؤخذ من الخراج.

  • ليس بإمكاننا أن نقول: إن آية الله الخمينيّ متربّع في جماران و يُصَدِّر لنا آراءه، أو أن نقول: مساكين هذه الناس فقد غُلِبَتْ على أمرها، فأضحت تعيسة، و ما إلى ذلك من الهذيانات المسموعة.

  • لو أدرك الإنسان حسّاسيّة موقف آية الله الخمينيّ و الظرف الذي يعيشه، و كيف قضى عمره، و على أيّ أساس و في أيّ وضع قضاه، و ما يواجهه الآن من صعاب، لمدّ يده إلى الله تعالى متضرّعاً ليمدّه بالتأييد و التسديد و طول العمر.

  • على الإنسان أن يفدي أبناءه في هذا الطريق لكي يصدّ الفساد 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

191
  • المهول، ذلك الفساد الآتي كالسيل الجارف للبيوت، و لكنّنا مشغولون في كيفيّة المحافظة على الشال، مع أنّ السيل حين يأتي سيجرف الشال و القبّعة و الكوفيّة، بل و يأخذ معه رأس و يد و رِجل الإنسان المالك للكوفيّة، و سيقضي على المرأة و الطفل و البيت و المزرعة و المحلّ، أوَ ليس من الأنسب هنا أن يرفع الإنسان الشال ليسدّ به الثغرة التي ينفذ منها ماء السيل المخرِّب لمنع جريانه إلى الداخل كي لا تُهدَم البيوت على رؤوس مَن فيها؟

  • لذا، أقول لكلّ من يسألني: إن حكم الإسلام لازم الإجراء، و آية الله الخمينيّ هو الحاكم حاليّاً، و على الجميع إطاعة أوامره، و يجب دفع الضرائب الماليّة. و حين تصلنا فاتورات الماء و الكهرباء و الهاتف، فإنّني أقول لمن في البيت: ادفعوها بأسرع وقت، لاحتمال احتياج الدولة لهذا المبلغ.

  • حينما تقول الدولة: لا يجوز ممارسة معاملات البيع و الشراء بشكل حرّ، فلا يجوز للإنسان ممارسة ذلك، و ليس من حقّه أن يقول: لماذا؟ لأنّ الدولة قرّرت ذلك، و بما أنّها معيّنة من قِبَل الحاكم، فكان الحاكم قد قال: لا تفعل هذا العمل. حينما كان يرسل رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم حاكماً إلى إحدى المناطق، فأوامر ذلك الحاكم تصبح واجبة الطاعة على الجميع، و عليهم قبول كلّ ما يقول به، لأنّ الحاكم من قِبَل رسول الله، و جاء في الروايات أنّ فقهاء امّتي و رواة أحاديثنا حجّة الله منّا عليكم، و نحن حجّة عليهم من قِبَل الله، الرادُّ عليهم كالرادِّ علينا، و الرادُّ علينا كالرادِّ على الله، و الرادُّ على الله في حكم المشرك بالله.

  • و يجب على الإنسان العمل بهذه المسائل بتمام حذافيرها، لكي لا يخالط هوى النفس و العياذ بالله شيئاً منها، و لا يكون ثمّة مجال 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

192
  • للحسد و الأنا. فإذا لم تقع الرئاسة تحت يدك و وقعت بيد غيرك، فطوبى لك إذ لم تقع بيدك، و اشكر الله لأنّ غيرك تقبّل تلك المسؤوليّة و تحمّل أعباءها، ثمّ ما الفرق في ذلك فيما لو كنتَ مخلصاً صادقاً و كانت نيّتك صافية، فليس ثمّة من فرق لو كان العمل باسمك أو باسمه، فالمهمّ هو عزّة المسلمين‌ و سعادتهم، و تحرّرهم من راية الكفر، و المهمّ أن لا يرفرف العَلَم الإسرائيليّ فوق رؤوسهم، و لا العلمان الأميركيّ و الروسيّ، و هذا هو أصل و أساس الموضوع.

  • وليكن سعر الرز الآن باهظاً، و ليعزّ الحصول على الزيت، لأنّها مشكلات ليس ذات أهمّيّة كبيرة، و أقصى ما يمكن أن يحصل أن تؤدّي إلى موت الإنسان، فهل حياة الإنسان تحت رأية أميركا أفضل أو موته تحت راية الإسلام؟

  • و لأضربُ لكم مثلًا: إذا كنتم ذات ليلة مع أفراد عائلتكم نائمين في بستانكم، فشاهدتم على حين غرّة العدوّ يريد انتهاك حرمتكم و الاعتداء على شرفكم، فهل تلتزمون الصمت أو تهبّون للدفاع عن شرفكم؟ إن العدوّ يريد الاعتداء على شرفكم، على الامّ و الأولاد، و يريد أن يجتثّ نسلكم، و بما أنّ حياتكم و بقاءكم مرهونة بشرفكم، فمن الطبيعيّ أن تهبّوا للدفاع عنه و إن ضحّيتم بأنفسكم، لأنّ مَن يموت دفاعاً عن عرضه يدخل الجنّة، و مَن يقتل عدوّاً معتدٍ يدخل الجنّة أيضاً، فهل تُقدمون على هذا العمل أو لا؟

  • أتقولون: لا، لأستمتع بنومي، و أتلذّذ بطعامي، ولو أنّني قُتِلتُ فمن سيتفيّأ ظلال هذه الشجرة بعدي؟! و من سيستطيب عذب هذا النسيم؟! لا، فهكذا تصوّر خطأ فادح، لأنّ العدوّ حين يأتي سيستولي على كلّ شي‌ء، لأنّه لا يكتفي بالاعتداء على الشرف، بل سيقطع رؤوسكم أمام نسائكم.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

193
  • آزاديت به دستهء شمشير بسته‌اند***مردان هميشه تكيهء خود را بدو كنند
  • امر طبيعت است كه بايد شود ضعيف‌***هر ملّتي كه راحت و عيش خو كنند۱
  • فالمسألة على هذا الغرار، و بما أنّنا رزحنا تحت ذلّ العبوديّة و الاستعمار لمدّة طويلة، فقد أصبحنا كالمدمن على الأفيون و الهيروئين الذي غطّت تلك الأدخنة عينيه و ملأت اذنيه، فصار لا يحسّ بلطافة عذب الهواء المحيط به. و كأنّنا لا نريد أن نفهم جيّداً أن: ما هو الإسلام؟ ما هي حكومة الإسلام؟ و ما هو الاستقلال؟ و لا زال ذهننا منشغلًا بمسائل هامشيّة، مثل: لماذا أسعار الأقمشة مرتفعة؟ و لماذا هذا و ذاك؟!

  • يا أخي! إذا ارتفعت أسعار الأقمشة، فإنّ بإمكان المرء أن يستغني عن شراء القماش، فيقوم بترقيع ملابسه، و مهما يكن الأمر فإنّه لن يصل إلى مستوى أصحاب الصفّة الذين كانوا لا يملكون حتّى ما يستر عوراتهم و لا يتمكّنون من أداء الصلاة، فأمرهم النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم بأن يجثموا على الرُّكَب و ظهورهم على الجدار لكي لا تُرى عوراتهم و يصلّوا على هذه الحالة و هم عرايا. و لم يكن عندهم شيئاً من الطعام، و كانوا يقسمون التمرة الواحدة بينهم فيلوك الواحد منهم بشطر منها، و من تلك المحنة صاروا حُماة الإسلام.

  • قال سبحانه و تعالى‌: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ}،٢ أفلا ينبغي لنا أن نُقَدِّر عطاء الباري بتقديمه لنا هذه العطيّة 

    1. يقول: «إن حرّيّتك مرهونة بقبضة السيف، و الرجال أبداً يعتمدون عليه.
      وأمر الطبيعة يقضي بالهوان على كلّ امّة فضّلت الراحة في عيشها».
    2. الآية ۷، من السورة ۱٤: إبراهيم.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

194
  • الجزيلة؟

  • إن قرارات حاكم الإسلام لازمة الإجراء، لذا يلزم دفع الضرائب‌ الماليّة، و يجب الحضور في صلاة الجمعة، و ينبغي على الإنسان أن لا يُشكِل على عدالة إمام الجمعة و يشكّ فيه، لأنّ إمام الجمعة منصوب من قِبَل الحاكم، و عدالته في ذمّة الحاكم و ليست في ذمّتنا، كما أنّه لا يمكن إقامة أكثر من صلاة جمعة واحدة في كلّ مدينة، و على الجميع أن يشاركوا فيها، ولو أرسل حاكم الإسلام في ليلة من الليالي أحد الأشخاص لإمامة الجمعة في المدينة الفلانيّة، فعلى الناس أن يشاركوا في الصلاة وليس من المهمّ أن يعلموا عدالته أو لا، لأنّها معتمدة باعتبار أنّ قول الحاكم واجب على الجميع، فلابدّ لهم من المجي‌ء إلى الصلاة و الاقتداء بذلك الإمام الجديد، و إذا قالوا: نحن نجهل عدالته، فإنّهم سيكونون مذنبين؛ فنقول: إن معرفة عدالة إمام الجماعة في الصلوات العاديّة في ذمّتنا، و أمّا في صلاة الجمعة فهي في ذمّة الحاكم، بالضبط كمسألة تعيين القاضي، فمسألة عدالته على عاتق الحاكم و ليس على الناس فيها من شي‌ء. فلابدّ لنا من إطاعة أوامر الحاكم و الذهاب للمشاركة في أيّة صلاة جمعة تقام، كما علينا الجدّ الحثيث بمقدار وسعنا في مسائل حكومة الإسلام عن طيب نفس، و أن نقدِّم كلّ ما يمكننا تقديمه فِكراً و ممارسة.

  • وظيفة الناس في مواجهة المشاكل‌

  • لقد كرّرت القول لمرّات عديدة للأصدقاء و الرفقاء بأنّ هذه الحكومة التي تعدّدون نقاط ضعفها، اعلموا يقيناً أنّه ليس بإمكان آية الله الخمينيّ بعد استلامه زمام السلطة أن يجلب طائفة من ملائكة السماء ليقوموا بإدارة امور الناس، علينا أن ندير شؤون هذه الحكومة بأنفسنا، و نحن نعرف أنفسنا جيّداً، و نعرف مدى تملّقنا، و أنت الذي تنتقد زيداً و تسي‌ء القول إلى فلان و فلان، فها هي حالنا، و ها قد وصلت السلطة بأيدينا، فصرنا 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

195
  • نجترح الخيانات.

  • و بناء على هذا، فنحن أمام وظيفتين في هذه الحكومة:

  • إحداهما: أن نساند الأعمال الجيّدة و نظهر محاسنها فنقول: ما شاء الله، ما هذه الصلاة المقامة! يا لروعة هذه الخطب! ليس لأحد أن يجد محلًّا واحداً للمشروبات الكحوليّة في جميع أرجاء البلاد، في حين كانت هناك عدّة محلّات لبيع المشروبات الكحوليّة في المسافة بين بيتنا و مسجد القائم على الرغم من قصرها بحيث يقطعها المرء خلال سبع دقائق، و لقد كنتُ أخرج من المسجد بعد الظهيرة عائداً إلى البيت، فأرى طلبة المدارس بناتاً و بنيناً و قد ملؤوا الشوارع و هم في تلك الحال المزرية بعد انتهاء دوامهم في نفس الساعة، فالبنات في ذلك اللباس القصير المزري، و الأولاد بتلك الملابس المخزية، كنّا نرى ذلك بامّ أعيننا كلّ يوم، أمّا الآن و بحمد الله فليس هناك من أثر لتلك المظاهر الممقوتة، ألم يكن هذا التغيير من مزايا حكومة الإسلام؟ مضافاً إلى هذا، فماذا تريدون؟ هل تريدون أن تعودوا ثانية محنيي الظهور أمام محمّد رضا؟ أو أمام السيّدة أشرف المتصدرة لقائمة أكبر تجّار السوق السوداء في العالم، و التي كانت تشرف بنفسها على استيراد صناديق الهيروئين، حتّى تحنوا لها ظهوركم و تقبّلوا يدها! أتريدون هذا؟ فإن كنتم ترغبون في ذلك فمبروك لكم!

  • {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ‌}.۱

  • أمّا إن كنتم لا تقبلون ذلك، فعليكم أن تتكيّفوا مع هذه الصعاب، و ممّا لا شكّ فيه أنّ العزّة لا تأتي مع الراحة و طيب الطعام و التنعّم، بل العزّة مع تحمّل الصعاب و الصبر و القناعة، وقد كان أئمّتنا و نبيّنا العظيم الشأن 

    1. الآية ۱۱، من السورة ۱٣: الرعد.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

196
  • على هذه الشاكلة و كان هذا طريقهم، فعلينا دائماً أن ندعم الأعمال الجيّدة و نسندها.

  • أمّا وظيفتنا الاخرى فهي: محاولة إصلاح الأعمال السلبيّة، فإذا رأيت جداراً ناقصاً، فلا تقل مادام كذلك فلنكسر طابوقة اخرى، بل خذ الطابوقة الساقطة وضعها في مكانها و ابنها بإحكام. و إذا رأيتم أحد المسؤولين قد ارتكب مخالفة ما، فما فائدة أن ننال منه بالشتيمة في مجالسنا، ما فائدة شتمكم له؟ إذا ارتكب عملًا مشيناً، فعلينا أن نُقنعه عن قرب بخطأ ما قام به دون أن يطّلع على ذلك أحد غيره. فهذا هو طريق الإصلاح، فلا أشتمه في غيابه، إذ لا طائل من الشتم سوى التخريب و الإفساد.

  • و باختصار أقول: إن ما قمتُ بإيضاحه يمثِّل أساس حكومتنا الشرعيّة، و أساس ديننا و قانوننا، كما هو أساس نهجنا و وجداننا، و قد أمرنا بذلك عظماء ديننا و أولياؤه، و علينا أن نتحرّك ضمن هذا الإطار، فإذا أصدر الحاكم مثلًا حكماً بالذهاب إلى الحرب، فيكون ذلك واجباً كفائيّاً على الجميع، أي يجب على مَن يجد في نفسه الكفاية الذهاب إلى الحرب، و ينبغي على الجميع الذهاب إلى جبهات الحرب حتّى يعلنوا الاكتفاء عن الحاجة، و كما لاحظتم فإنّهم قالوا: لا نشكوا الحاجة، فكُفّوا عن المجي‌ء حتّى إشعار آخر.

  • و قد قلتُ للرفقاء تكراراً في مدّة حياة آية الله الخمينيّ: لو قال لي اذهب إلى الحرب بعنوان واجب تعيينيّ! فسوف أذهب. لماذا؟ لأنّه لا ينبغي هنا إظهار وجهات النظر الشخصيّة، فالنظرة الخاصّة هنا، كأن يقال: هل في هذه الحرب صلاحٌ أو العكس؟ متى نشبت الحرب! متى يجب إنهاؤها؟ ما هو الوقت المناسب للصلح؟ و ما إلى ذلك، تمثّل مسائل 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

197
  • و وجهات نظر خاصّة بالنسبة للإنسان، و لا مانع من أن يعيش الجميع هذه الحالة. أمّا في مسالة صنع القرار و اتّخاذ الموقف الحاسم، فعلى الإنسان أن يكون تابعاً، و مَن لا يرضى بهذه التبعيّة يُعَدّ مجرماً و عاصياً من الناحيةالعمليّة.

  • قيادة سماحة الحاجّ السيّد علي الخامنئيّ‌

  • و كذلك بعد وفاة آية الله الخمينيّ و إيكال القيادة إلى سماحة السيّد الحاجّ علي الخامنئيّ، حيث علينا هنا أن نعرف وظيفتنا، لأنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ عنوان التقليد من الآن فصاعداً قد انفصل عن عنوان الحكومة، يعني أنّ سماحة السيّد الخامنئيّ ليس من مراجع تقليد الناس، و لابدّ من وجود عنوان الأعلميّة في مسألة التقليد، أمّا في الحكومة فعلى الرغم من لزوم الأعلميّة، إلّا أنّه في بعض الظروف يتعذّر جمع الأعلميّة الفقهيّة و القدرة القياديّة في شخص واحد، فنرى شخصاً بلحاظ استنباط المدارك الفقهيّة و الدينيّة هو الأعلم بين الجميع، و نجد شخصاً آخر بلحاظ القدرة القياديّة هو الأفضل بين الناس و الأكفأ و الأكثر وعياً في استيعاب امور الساعة، لذا فقد حصل هذا الفصل.

  • و بلحاظ عنوان البيعة له، فله قيادة الامور بعد آية الله الخمينيّ، و تكون إطاعته واجبة في الشؤون الاجتماعيّة و السياسيّة في حدود مهامه القياديّة، و هو و للّه الحمد رجلٌ مجاهد و عامل و مدبِّر و متديّن، و صحيح أنّيّ لحدّ الآن لم ألتقِ به، لكنّي سألتُ ذات يوم المرحوم الشهيد المطهّريّ عند زيارته لي في بيتي: مَن هم المشاركون في جلسات شورى الثورة؟ فذكر أسماءً كان من ضمنها اسم السيّد الخامنئيّ الذي ما كان يمتلك شهرة واسعة بين الناس حتّى ذلك الحين، فسألته ثانية: ما هي صفات السيّد الخامنئيّ؟ فقال: إنّه إنسان طيِّب، ذو شخصيّة، عاقل، مدبِّر، و إنسان مجاهد. و خلاصة القول فقد أثنى عليه كثيراً، و رأيناه خلال السنين السبع 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

198
  • أو الثمان المنصرمة بعد أن تقلّد زمام الامور قد قدّم خدمات جيّدة على ما سمعنا، سواء في خطبه في صلاة الجمعة، أو بما أدّاه خلال سفراته إلى خارج البلاد، أو من خلال التقائه بالشخصيّات و مقابلاته مع الصحافة و وكالات‌ الأنباء المختلفة، أو من خدماته المنجزة لإعلاء الإسلام و المسلمين، و باختصار فهو من حيث المجموع إنسان مناسب و عاقل متلهِّف للدين، و قد صقل في بوتقة الثورة و خاض امتحانات كثيرة خرج منها بنتائج جيّدة، و لا يبعد أن يكون انتخاب نوّاب مجلس الخبراء له على ضوء ما تقدّم له من سمات، فهذه الخصال التي تجمّعن فيه من المسائل المهمّة لجذب أنظار و توجّهات النوّاب من أهل الخبرة إليه، فالخبراء هم من أهل التخصّص و الحنكة، ولي سابق معرفة ببعضهم كآية الله الحاجّ الشيخ أحمد الآذريّ القمّيّ، و آية الله الحاجّ السيّد مهدي الروحانيّ، و آية الله الحاجّ الشيخ عبّاس اليزديّ النجف آباديّ الذين كانوا بأنفسهم مجتهدين، و هم منزّهون بتمام معنى الكلمة، و من ذوي السوابق الحسنة، و كلٌّ منهم قد أنهى دورات من دروس آية الله البروجرديّ، و كانوا من تلامذة الحاجّ السيّد محمّد الداماد الجيّدين.

  • و بما أنّ كلّ واحد من الخبراء هو نائب لجماعة كبيرة من الناخبين، فيكون تصويت كلّ واحد منهم بمثابة البيعة من قِبَل تلك الجماعة الكبيرة، لأنّ هذا الشخص من أهل الخبرة بمثابة مكبّرة صوت و وكيل و نائب تلك الجماعة، فانتخابه و مبايعته هو في الواقع مبايعة تلك الجماعة من الناس الذين عيّنوه بانتخابهم له فأكثريّة آراء الخبراء هي بذاتها أكثريّة آراء أهل الحلّ و العقد، و إذا لم يكن ثمّة من بيعة لجميع الناس، فلا أقلّ من تحقّق عنوان الحكومة ببيعة أكثريّة الخبراء الممثِّلين لآراء الناس.

  • و حين تمّت هذه البيعة، فإنّه قد نُصب للحكومة من قِبَل الإسلام، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

199
  • و على الناس السمع و الطاعة له بتلك الكيفيّة التي عرضناها في أمر الحكومة و السياسة و اتّخاذ القرارات المتعلّقة بأصل المجتمع الإسلاميّ ما عدا أمر التقليد المختصّ بأعلم الامّة و من هنا فعلى أعلم الامّة أن يقرّ هذه القيادة و يؤيّدها، كما يلزم على الحاكم أن يجري الامور في الحوادث الواقعة طبقاً لنظر و رأي أعلم الامّة.

  • و لا يبقى للناس في هذه الصورة أن يقولوا إنّه لم يأمرنا في المسألة الفلانيّة مثلًا بل إنّه حين ينصب وزيراً لإحدى الشؤون، فيُعيِّن ذلك الوزير مديراً عامّاً و معاوناً له، و كلٌّ منهما يعيّن مَن سيعمل تحت إشرافه، و هكذا حتّى يصل الأمر إلى تعيين الخادم و الحارس ... فإنّ ذلك كلّه معدود تحت قيادة و حكومة الحاكم.

  • فلهذا، إذا أردنا الآن عبور الشارع مثلًا، فينبغي عبوره من المكان المخصّص للعبور، لأنّ الحاكم قد أمر بذلك، و على سائقي السيّارات أن يلاحظوا مكان توقّفهم في تقاطع الطرق بحيث لا يسدّوا مجال العابرين المميَّز بالخطوط الفارقة، فكلّ هذه هي امور شرعيّة، و إذا طبّقنا كلّ هذه الامور بدقّة و تكيّفنا معها بوجداننا، فسنرى مدى ما سيطبع الإسلام على أرواحنا من آثار إيجابيّة، فيأخذ بأيدينا في حياتنا الدنيويّة صوب السعادة و الرقيّ و الكمال، مع بقاء عاقبة أعمالنا على ما فيه الخير.

  • قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم:

  • "ثَلاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِي‌ءٍ مُسْلِمٍ: إخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَ النَّصِيحَةُ لأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَ اللَّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ".۱

    1. «الخصال» للشيخ الصدوق، ج ۱، ص ۱٤٩ و ۱٥۰، منشورات جماعة المدرّسين في حوزة العلميّة قم، ۱٦٤.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

200
  • فلا يطرأ على قلب المسلم في هذه الامور الثلاثة أيّ كدر و اضطراب، بل يبقى قلبه معموراً بالطهارة و الصفاء و الإخلاص قُربة إلى الله تعالى، فأوّلًا عليه أن يمحو حسابات الأنانيّة و الحسد، فيشعر أنّه جزء من جسد هذا المجتمع، و يعمل على توظيف كافّة قدراته ضمن محور الإسلام و حكومته و مصالح المسلمين، و عليه ثانياً أن يقوم بدور الناصح إلى أئمّة المسلمين و المتصدّين للسلطة و أئمّة الجمعة و الجماعة و الحكّام، و عليه ثالثاً أن يلزم جماعة المسلمين.

  •  

  • و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

201
  •  

  •  

  • نموذَج رِسَالَة سَمَاحَة العَلَّامَة السَّيِّد مُحَمَّد الحُسَيْن الحسيني الطهراني إلي قَائِدِ الثَّوْرَةِ الكَبِير وَ مُؤَسِّس الجُمْهُورِّية الإسْلَامِيَّة في إيرَان حَوْل مُسَوَّدَة الُّدُسْتُور

  •  

  •  

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

202
  •  

  •  

  • رسْالَةُ سَمَاحَة آية اللهِ السَّيِّد مُحَمَّد الحُسَيْن الحسيني الطهراني

  • إلي سَمَاحَةِ آية اللهِ العُظْمي الإمَام الخُمَينّي مُدَّظلّه، بِخُصُوصِ مُسوَّدَّةِ الدُّسْتُور

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

204
  •  

  •  

  • بِسْم اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم‌

  • وَ كانَ حَقَّاً عَلَيْنا نَصْرُالمُؤمِنِينَ‌

  • انجمن اسلامي مسجد قائم‌

  • تهران خيابان سعدي‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

205
  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  •  

  • السلام عليكم و رحمة الله و بركاته‌

  • سماحة الزعيم ذو الشأن الرفيع و صاحب المقام المنيع سيّد الفقهاء و المجتهدين آية الله العظمى الإمام الخمينيّ متّع الله المسلمين بطول بقائه.

  • بعد إهداء خالص الأدعية و وافر التحيّات؛ نعرض لسماحتكم ما يلي:

  • امتثالًا لأوامركم الصادرة في خصوص لزوم الإمعان في مسوّدة الدستور و إبداء وجهات النظر فيما بين طيّاتها، أتقدّم بالقول: لقد قمت بمراجعة محتويات مسوّدة الدستور بدقّة فائقة، فلحظت بعض الإشكالات عليها فيما لو قورنت بفلسفة الإسلام و فقهه، و الضرورة قاضية بالتذكير بها:

  • ۱ تَعتبر الفلسفةُ التوحيديّة الإسلاميّة المتّخذة من القرآن الكريم و السنّة النبويّة أنّ روح الحكومة و الولاية على الناس منحصرة بالمبادئ الرفيعة السامية، و تعتبر أنّ الشخص المناسب لهذا المقام هو أعلم الموجودين و أجمعهم للشروط و أنزههم، و في هذه الصورة، أي تحقّق قيادة أفراد الامّة من قِبَل هذا القائد الواقعيّ البارّ بما يحمل من قلب منير واعٍ و عقليّة مفكِّرة و عزم راسخ، مضافاً إلى غلبته لهواه و التحاقه بالكلّيّة، 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

206
  • فإنّها ستنشر عليهم أفضل المواهب الإلهيّة، و تظهر إلى الوجود جميع طاقاتهم و مواهبهم الذاتيّة، و تمتّعهم بجميع الغرائز و الملكات الروحيّة بما يلبّي رغباتهم و طموحهم.

  • و في ظلّ هذه الفلسفة، فإنّ الحُكم و القانون و القضاء ينتشر تدريجيّاً من الأعلى (أي من مقام التوحيد و الطهارة الذي يمثِّل مقام وحدة و جامعيّة وليّ الأمر) إلى الأسفل ليشمل جميع طبقات الناس و أصنافهم.

  • {فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.۱

  • {وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.٢

  • أمّا في الفلسفات المادّيّة، أو في القوانين الغربيّة التي لا تتمتّع بشي‌ء من روح التوحيد الإسلاميّ، فإنّ مصدر قرارهم صادر من الكثرة، أي من أفكار و أوهام عامّة الناس و إن كانوا في أدنى درجات الضعف، و حيث يعتبرون ملاك حقّ تعيين المصير و صنع القرار في الشؤون العامّة و السلطة منحصراً بآراء الأكثريّة لا غير.

  • فتقوم الحكومة في هذه الفلسفات على أساس الانتخاب، و يقسّمون كيفيّتها على ضوء نظام الملكيّة الدستوريّة أو النظام الجمهوريّ أو بعض الأنظمة الاخرى، و لذا فالنظام الجمهوريّ القائم على أساس الانتخاب‌

    1. الآية ٦٥، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ٣٦، من السورة ٣٣: الأحزاب.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

207
  • لا يختلف عن النظام الملكيّ الدستوريّ، و هو وليد القوالب الغربيّة التي لا تنسجم مع روح الإسلام.

  • تستند حكومة و دولة الإسلام على نفسها، و تعتمد على أصل الحقّ الأصيل، و لا يمكن لأيّ من تلك القوالب تجسيد واقعيّة و شكل حكومة الإسلام.

  • و علينا في هذه المرحلة الحسّاسة و المصيريّة التي نمرُّ بأدقّ لحظاتها أن نكون أكثر حيطة لكي لا نبيع الاصول الإسلاميّة النفيسة من حيث لانشعر و العياذ بالله إلى الميول و النزعات الغربيّة، بسبب تشبّع الأدمغة بإلقاءات الغرب، و عدم الانس بطريقة تشكيل الحكومة الإسلاميّة بشكلها الواقعيّ، و علينا أن لا ندفن تلك الحقيقة في مقبرة النسيان بسبب الاعتماد على إشراف و رقابة أنظمة التسلّط و الاستبداد و التجبّر!

  • و قد أخطأ أعلامُنا سواء مَن ناصر الاستبداد أو من أيّد النظام الدستوريّ في غمار معمعات و صراعات نهضة الدستور، ففئة كانت ترى أنّ الناس المظلومين سيتحرّرون من نير الاستبداد و ظلم الامراء و الحكّام الجائرين فساندوا النظام الدستوريّ، و ارتأت الفئة الاخرى أنّ عنوان الاستبداد سيحفظ الناس وسط هالة من الدين، و أنّه سيسدّ ثغرة الحرّيّات غير المشروعة و استساغة التغرّب، و لأنّهم حصروا الطريق في هاتين النظرتين، فقد حاربوا بعضهم البعض، و لم يقل أحد إن النظام الدستوريّ غير صحيح و كذا الاستبداد، و إن الصحيح هو الإسلام لا غير، فحكومة الإسلام هي حكومة الإسلام، أي حكومة رسول الله، لا أقلّ من هذا و لا أكثر.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

208
  • لذا شوهد في مدّة حياة النظام الدستوريّ الذي سُقيت شجرته بدماء المجاهدين الصادقين الزاكية و مخلصي طريق العدل و الحرّيّة أنّه قد صُبَّت كلّ ألوان الظلم، و أنّ النظام الدستوريّ لم يدع في تسلّطه على هذه الامّة مجالًا تسبقه فيه واحدة من الحكومات الاستبداديّة عبر التأريخ البشريّ، و يا لشدّة تلك الظلامات المؤلمة التي لم تنفع معها أقوى المسكّنات تأثيراً! و يا لعظم ذلك الحرمان بحقّ أبسط حقوق الناس الأوّليّة باسم العدالة الاجتماعيّة و الحرّيّة العامّة الخاوية من أيّ محتوى. هذا على الرغم من رعاية الدقّة الكافية في سنّ ذلك الدستور تحسّباً من الانحراف، مع كثرة الاهتمام في تطبيق قانون العدالة و الحرّيّة. و العلة الوحيدة لكلّ هذا الحرمان تكمن في أنّ الحكومة قد انحرفت عن محورها الأصليّ، فقد سنّوا القانون تحت واجهة مجلس الشورى، و انفلتت من أيديهم السلطات الثلاث التشريعيّة و القضائيّة و التنفيذيّة فيكفينا بهكذا نظام دستوريّ تجربة، و رسول الله يقول: "لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ".

  • و يحصر القرآن المجيد الإطاعة بالله و رسول الله و اولي الأمر: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.۱

  • و إنّما الشورى في مقدّمات العمل من أجل ايضاح أبعاده، قال تعالى: {وَ أَمْرُهُمْ شُورى‌ بَيْنَهُمْ}،٢ و قال: {وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}،٣ لكنّ القرار النهائيّ مختصّ برسول الله، لا بموافقة رأي الأكثريّة، بدلالة ذيل نفس الآية: {فَإِذا

    1. الآية ٥٩، من السورة ٤: النساء.
    2. الآية ٣۸، من السورة ٤٢: الشورى.
    3. الآية ۱٥٩، من السورة ٣: آل عمران.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

209
  • عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‌}، فإنّه تؤخَذ المقترحات و المداولات في كافّة المواقع و المواضيع، لكنّ إعطاء الرأي الحاسم منحصر برسول الله. و هكذا كانت السيرة و السنّة في عصر الخلفاء و الأئمّة. و قد حصرت البحوثُ الفقهيّة الواردة في ولاية الفقيه أمرَ الحكومة بالإمام أو بالفقيه الجامع للشرائط، و ليس ثمّة خلاف بين علماء الشيعة في هذه المسألة، أي أنّ تسليم زمام حكومة المسلمين بغير يد الفقيه، مع وجود الفقيه الجامع للشرائط خلاف الإجماع.

  • ٢ إذا قبلنا بالجمهوريّة الإسلاميّة على ما جاء من اصول في مسوّدة الدستور، فمن المحقّق أنّنا سنضيّع ثمار الثورة و نُهدر دماء الشباب الأعزّاء، لأنّ شبابنا قد تحرّكوا بنداء الإسلام، و ثاروا من أجل تحقيق حكومة الإسلام، و قدّموا حياتهم على أمل تشكيل الحكومة الإسلاميّة المتحرّرة من كلّ مظاهر الغرب. حيث ضحّوا بأرواحهم استجابة لذلك المنشور الثوريّ المُحَفِّز للإمام، الذي خاطب أرواحهم و أيقظ فيهم الحاسّة السادسة، و في هذه الصورة فإنّ ثمن دمائهم الغالية يعني تحقيق حكومة عدالة و توحيد الإسلام.

  • يجب في هذه الجمهوريّة الإسلاميّة مراعاة كافّة ضوابط حكومة الإسلام. و لا يضيف اسم الجمهوريّة شيئاً مهمّاً لمضمون الدولة و الحكومة. و يجب إيكال حقّ الحاكميّة للفقيه العادل المستوعب لأوضاع الساعة بوعي، و العالم بمصالح الامّة المسلمة، الذي يعيش آلام الامّة المظلومة، مخلصاً لها، و مؤمناً بها. و باعتبار كون رئيس الجمهوريّة الشخصيّة الاولى في البلاد، فلابدّ له من أن يكون أفضل فقهاء الامّة من حيث الكمال‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

210
  • و البصيرة و الزهد، و أن تُدغم في وجوده السلطات الثلاث، التشريعيّة و القضائيّة و التنفيذيّة، و أن تترشّح منه مصادر الامور و الحكّام.

  • و إن فصل مقام الفقاهة عن رئاسة الجمهوريّة يستلزم من الناحية العمليّة فصل رجال الدين عن السياسة، و في منطق الإسلام فلحاكم الشرع المُطاع الرئاسة المطلقة على الامّة، و تسليم رئاسة الجمهوريّة لأشخاص لا يملكون هكذا مقام أي إعطاء السلطة بيد غير الواجدين لهذا المقام سيؤدّي إلى اشتباهات لا تعدّ و لا تحصى لا يمكن معها السيطرة على تلك السلطة المنفلتة ولو بألف ضابطة و قانون.

  • ٣ ينبغي أن تجري انتخابات رئاسة الجمهوريّة من خلال انعقاد مجالس أهل الحلّ و العقد، و يُنتخب مثل هذا الفقيه الواجد للشرائط عن طريق التشاور. و لا يمكن في هذه الحال تحديد مدّة حكمه بأربع سنين (على غرار ما في الغرب)، بل مادام يمارس دوره من موقع الأفقه و الأعلم و الأورع و الأكثر بصيرة فينبغي له أن يبقى في موقع رئاسة الجمهوريّة. و يكون عزله عن منصبه و تنصيب آخر مكانه في حال فقدانه للشرائط أو في حال رحيله عن الدنيا، و يتمّ العزل بواسطة مجالس أهل الحلّ و العقد المؤلّفة من أهل الخبرة في هذا الفنّ ممّن يمتازون بصفات الكمال الأخلاقيّة و العدالة.

  • ٤ «القرآن و السنّة هما الدستور في الإسلام» و سيكون أيّ تشريع قانونيّ من دونهما بأيّ اسم و عنوان في قبال القرآن و السنّة. و بطبيعة الحال سوف تظهر التضادّات بين أتباع القرآن و أنصار هذا القانون، و ستتّخذ الامّة الإسلاميّة جبهة معارضة أمام الدولة الإسلاميّة، و ستنقلب‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

211
  • ثمرات الثورة الأصيلة المتمثّلة في الاتّحاد و الوفاق و وحدة أهداف الامّة و الدولة و تلاحم هذه القوّة الخلّاقة إلى الكدورة و الإحساس بالتشاؤم.

  • إن التنازل عن القانون القرآنيّ إلى الدستور (دستور الجمهوريّة) يعني التنازل عن الواقعيّة و قبول أساس و أصل آخر في قبال الإسلام، و لا يمكن توجيه ذلك بالنسبة لصاحب مدرسة فكريّة مؤيَّدة بالطاقة الإلهيّة، و لمن اكتسب ملكاته الإسلاميّة على أساس الفلسفة و التوحيد الإسلاميّ.

  • نعم؛ يمكن أخذ بعض الأحكام من القرآن و السنّة بعنوان اصول كلّيّة إسلاميّة، مثل أصل المِلكيّة المشروعة، أو أصل حرمة الربا و نظام البنك الربويّ، و أصل الحرّيّة المشروعة، و أصل عدم جواز التعدِّي على الحقوق الفرديّة و الاجتماعيّة، و أمثال ذلك. و يمكن الاستفادة من جميع هذه المواضيع على كافّة الأصعدة من غير حصر تحت عنوان ضوابط كلّيّة، فيتمّ تدوينها باعتبارها اصولًا إسلاميّة، كما هو الحاصل في اصول الفقه، حيث تواطأ الفقهاء على فصلها و جعلها في مقدّمة الفقه، لما لها من عموميّة و كلّيّة.

  • ٥ إن مجلس الشورى كما يظهر من اسمه، و المأخوذ من القرآن المجيد هو للاستشارة و ليس لتشريع القوانين، و يُعدّ من الخطأ إعطاؤه عنوان السلطة التشريعيّة.

  • على أعلام الامّة، من أيّة طبقة و جماعة كانوا أن يجتمعوا فيما بينهم بعد انتخابهم في مجلس الشورى و يناقشوا الامور، ثمّ يرفعوا نتيجة ما توصّلوا إليه إلى وليّ الأمر ذلك الفقيه صاحب الضمير الحيّ المتحرّر 

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

212
  • من الطمع و الحرص، و العاري من الهوى و الهوس ليُصدِر الحكم القاطع‌ المطابق لمقتضيات الزمان على ضوء المدارك المستنبطة من القرآن و السنّة، بما له من بصيرة مكتسبة تُعينه على إدراك الحقائق و تشخيص المصالح.

  • إن تسليم هذه الموهبة الإلهيّة التي تتحكّم بأدقّ مراحل سعادة و كمال الامّة إلى أيادي أشخاص من غير فقهاء، و منحهم الصلاحيّة في تشريع القوانين المستتبع لسيطرة و نظارة مجلس صيانة الدستور، يماثل تسليم مقام التعليم في الصفّ الدراسيّ إلى أحد التلاميذ الكسالى، في حين يُعَيَّن الاستاذ كمشرف عليه. فليس هذا الاسلوب صائباً، و ليس من ورائه إلّا الويلات.

  • ٦ إن تشكيل الجمهوريّة الإسلاميّة هو من أجل تنفيذ أحكام الإسلام. و لذا ينبغي ذكر هذا المعنى صراحة في الدستور و إضافة أصل فيه يحمل هذا المضمون.

  • ۷ إن المذهب الجعفريّ ليس اسماً في قبال دين الإسلام، لأنّ المذهب مشتقّ من الذهاب، بمعنى الطريقة. فبما أنّه توجد طرق متنوعة في سلك دين الإسلام المقدّس، فإنّ مذهب التشيّع قد وضع اسمه رسول الله، و قيل عن أتباعه إنّهم من الفائزين، و قد انتهج الطريقة الصحيحة لاستثمار حقائق الإسلام، فالتشيّع هو دين الإسلام، و المدرسة الجعفريّة هي مدرسة القرآن و السنّة، لكن ينبغي إضافة لفظ الاثني‌عشريّ إليه لتشخيصه عن المدارس الاخرى التي تعدّ من الجعفريّة لكنّها لا تُذعن بانتهاء سلسلة الولاية و الإمامة إلى اثني عشر إماماً، كالإسماعيليّة و الواقفيّة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

213
  • و أدناه صورة لتصحيح فقرات من مسوّدة اصول الدستور:

  • جاء في الأصل (۱) أنّ «نوع حكومة إيران: جمهوريّة إسلاميّة».

  • و يجب تصحيحه إلى: نوع حكومة إيران: حكومة الإسلام، أو دولة الإسلام بإدارة اولي الأمر الذين هم أفضل و أعلم و أبصر الامّة، و أمّا عنوان الجمهوريّة فلشمول جميع الأفراد في تعيين هذه الحكومة.

  • جاء في الأصل (٢) أنّ «نظام الجمهوريّة الإسلاميّة: نظام توحيديّ على أساس ثقافة الإسلام الأصيلة و النابضة و الثوريّة». و يجب إضافة: بنيَّ على أساس الصوم و الصلاة و الحجّ و الزكاة و الولاية، بنيَ‌" الإسْلَامُ على خَمْسٍ".۱

  • و ينبغي تصحيح الأصل (٣) بهذا المضمون: يجب أن تكون الحكومة الإسلاميّة بيد أتمّ و أكمل أفراد الامّة، طبقاً للآية: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‌}، و ينبغي أن يكون طريق معرفة هكذا شخص بالفحص و التنقيب و المشورة، طبقاً لدستور القرآن: {وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، و:{ أَمْرُهُمْ شُورى‌ بَيْنَهُمْ‌ }من قِبَل المجالس المنتخبة لأهل الحلّ و العقد.

  • جاء في الأصل (٤): «تقرّ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران ضمن إقرار المجتمع التوحيديّ الامور المعنويّة و الأخلاق الإسلاميّة على أنّها أساس العلاقات السياسيّة و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة». و يجب إضافة: 

    1. «اصول كافي» ج ٢، ص ۱۸ عن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
      "بُنِيَ الإسْلَامُ على خَمْسٍ: على الصَّلاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الحَجِّ وَ الوَلايَةِ، وَ مَا نُودِيَ بِشَيْ‌ءٍ (وَ لَمْ يُنَادَ بِشَيْ‌ءٍ) كَمَا نُودِيَ بِالوَلَايَةِ".

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

214
  • الأحكام الإسلاميّة.

  • جاء في الأصل (٥): «جميع القوميّات متساوية في الحقوق في‌ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران من قبيل الفُرْس، الأتراك، الأكراد، البلوش، التركمان، و نظائرها، و لا فرق لأحد على أحد، إلّا على أساس التقوي». و يجب إضافة كلمة «المسلمة» بعد كلمة «القوميّات»، لأنّ لأهل الذمّة في حكومة الإسلام أحكاما و قوانين خاصّة.

  • في الأصل (٦): يجب تصحيح لفظ: حرّيّة العقيدة، البيان، القلم و الحرّيّات المشروعة الاخرى، بعبارة: حرّيّة العقيدة المشروعة، البيان، القلم و سائر الحرّيّات الاخرى.

  • يجب تصحيح الأصل (۷) بهذه العبارة: تهدف الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران إلى الوصول لسعادة الإنسان في كافّة المجتمع البشريّ، كما تعتبر الوصول إلى الإسلام و الحرّيّة المشروعة و حكومة الحقِّ و العدل حقّاً لجميع الناس في العالم، و بناء على ذلك ففي الوقت الذي تمتنع فيه امتناعاً كاملًا عن أيّ تدخّل سلطويّ في الشؤون الداخليّة للشعوب الاخرى، فإنّها تساند كفاح المستضعفين العادل ضدّ المستكبرين في كافّة أنحاء العالم من أجل هدايتهم إلى الإسلام.

  • في الأصل (۸): يجب إضافة كلمة «الصحّة» إلى الصناعة و الزراعة.

  • في الأصل (۱۰): يجب تعقيب كلمة «التعليم» بكلمة «المفيد».

  • لقد الغي أصل تعيين المهر في الأصل (۱۱)، كما توجد إشكالات اخرى، يجب تصحيحها بهذه العبارة: تُعدُّ الاسرة أساس المجتمع الإسلاميّ في إيران، و بحكم‌ {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

215
  • بَعْضَهُمْ عَلى‌ بَعْضٍ‌}،۱ فإنّ إدارة و رئاسة الاسرة تكون للرجل، و لابدّ للقوانين أن تعمل على ترسيخ دعائم الزواج على أساس التوافق في العقيدة و الاحترام المتبادل بين الزوجين، مع أخذ هذا الأصل بنظر الاعتبار.

  • يجب تصحيح الأصل (۱٢) بالعبارة التالية: لمّا كان تكوين الاسرة على أساس جهود الزوجين المشتركة، فلابدّ لقوانين الاسرة أن تُلزم كلَّ زوج بأداء حقّ الزوج الآخر على ضوء الموازين الشرعيّة.

  • و يجب إضافة أصل آخر باسم «الأصل (۱٣)» في هذا الفصل:

  • الأصل (۱٣): يتمّ في دولة الإسلام تشغيل الأموال عن طريق المشاركة أو المزارعة، أو المساقاة، أو المضاربة، أو الإجارة و أمثال ذلك؛ و القروض و الأموال المشروط فيها الربح تعتبر باطلة، كما و تعدّ جميع المعاملات المؤدّية إلى تنمية رأس المال كما في المعاملات الربويّة معاملات فاسدة.

  • في الفصل الثاني من الأصل (۱٣): يجب إضافة لفظة (الاثنا عشريّ» إلى لفظة «المذهب الجعفريّ».

  • يُصحّح الفصل الثالث من الأصل (۱٥) بهذه الكيفيّة: حقّ السلطة الوطنيّة مختصّ بالقادة الحقيقيّين الصادقين ممّن حاز أعلى درجات العلم و الفقاهة و التقوى، و ممّن غلب هوى النفس و بلغ مرتبة الولاية، و يطلق على أمثال هؤلاء القادة اولو الأمر.

  • يجب تصحيح الأصل (۱٦) بهذه الكيفيّة: السلطات الناشئة عن‌

    1. الآية ٣٤، من السورة ٤: النساء.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

216
  • أعمال الحاكميّة عبارة عن السلطة التشريعيّة و السلطة القضائيّة و السلطة التنفيذيّة، و هي مُدغمة في وجود اولي الأمر و حاكم الشرع و غير قابلة للفصل، لكنّ الحاكم هو الذي ينصّب أو يعيّن الأشخاص لمناصب القضاء و تنفيذ الأحكام.

  • يُصحّح الأصل (۱۷) بهذه الكيفيّة: إن مجلس الشورى الوطنيّ هو لأجل المشورة في مصالح و شؤون البلاد. و يضع المجلس نتائج المشورة تحت إشراف رئيس الجمهوريّة باعتباره حاكم الشرع المطاع.

  • يُصحّح الأصل (۱۸) بهذه الكيفيّة: تُدار أعمال السلطة القضائيّة الدائرة في محاكم القضاء بواسطة المجتهدين جامعي الشرائط، المتمثّلة في مراجعة الدعاوي و حلّها و فصلها، و حفظ الحقوق العامّة، و تطبيق العدالة الاجتماعيّة.

  • يُصحّح الأصل (۱٩) بهذه الكيفيّة: تُدار أعمال السلطة التنفيذيّة عن طريق رئيس الجمهوريّة باعتباره حاكم الشرع و موظّفيه.

  • يُصحّح الأصل (٢٦) بهذه الكيفيّة: إطلاق الحرّيّة لتشكيل الأحزاب، و الجمعيّات و الاتّحادات السياسيّة و المهنيّة و الأديان الرسميّة، بشرط عدم تناقضها مع اصول استقلال حرّيّة السيادة و الوحدة الوطنيّة و أساس الجمهوريّة الإسلاميّة؛ و إباحة مشاركة الأفراد في هذه التجمّعات، و ليس من حقّ أيّ شخص منع الانضواء في التجمّعات السياسيّة و الاجتماعيّة و الأديان الرسميّة، أو الإجبار على الانضمام إلى إحداها.

  • يُصحّح الأصل (٣٥) بهذه الكيفيّة: يجب إبلاغ المتّهم بأسرع وقت بأمر حاكم الشرع في موضوع الاتّهام المُدعم بالأدلّة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

217
  • يحتاج الأصل (٣٩) إلى شرح و تفصيل.

  • في الأصل (٤۱): يجب إضافة كلمة «من بيت المال» بعد تعبير «السعر المناسب».

  • يُصحّح الأصل (٤٦) بهذه الكيفيّة: الثروات الجوفيّة و البحريّة و المعادن و الغابات و الأجمات و الأنهار و المياه الاخرى و الأراضي الموات و المراعي هي من الأنفال، و مختصّة بالإمام الذي يجب أن يصرفها في المصالح العامّة.

  • و مضافاً لما ذُكِر سابقاً، يجب تصحيح جميع اصول الفصل السادس المتعلّقة بالسلطة التشريعيّة، و ينبغي التصريح بأنّ لأعضاء مجلس الشورى حقّ المشورة و المناقشة فقط لا التشريع.

  • في الفصل السابع المتعلّق بالسلطة التنفيذيّة، الأصل (۷٥): يجب إضافة لفظة «حاكم الشرع المطاع» بعد لفظة «رئيس الجمهوريّة».

  • يجب تصحيح الأصل (۷٦) بهذه الكيفيّة: يجب أن يكون رئيس الجمهوريّة رجلًا مسلماً، و شيعيّاً اثنا عشريّاً، و فقيهاً عادلًا جامعاً للشرائط.

  • إلغاء الأصل (۷۷) بكامله.

  • يجب تصحيح الفصل الثامن المتعلّق بالسلطة القضائيّة، الأصل (۱٢٦) بهذه الكيفيّة: محاكم القضاء هي المرجع الرسميّ للشكاوي العامّة. و تتألّف هذه المحاكم من الفقهاء جامعي الشرائط، كما أنّ كلّ مجتهد جامع للشرائط في أيّة نقطة هو مرجعٌ رسميّ للشكاوى.

  • و على ضوء ما قيل، فجميع اصول الفصل العاشر المتعلّقة بمجلس صيانة الدستور زائدة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

218
  • يجب إلغاء الأصل (۱٤۸)، لأنّه على ما ذُكِر في كيفيّة تدوين الدستور و الاصول المتّخذة من القرآن، فلا معنى لإعادة النظر في اصول الدستور: "حَلالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ وَ حَرَامُ مُحَمَّدٍ حَرَامٌ إلى يَوْمِ القَيَامَةِ".

  • في الأصل (۱٥۰) المتعلّق بمنع بعض المسؤولين، يجب ذِكر: يجب اتّخاذ هذا المنع حسب نظر حاكم الشرع، و لا مانع من مشاركتهم في أنشطة الشركات الخاصّة التي لا تعود بفائدة مادّيّة، كالعضويّة في مجلس إدارة صندوق القرض الحسن.

  • يجب تصحيح الأصل (۱٥۱) بهذه الكيفيّة: يجب تأمين حرّيّة بثّ المعلومات عبر وسائل الإعلام الإذاعة و التلفاز الحكوميّة، و جعل وسائل الإعلام تحت إشراف وزارة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، حيث تعيّن هذه الوزارة اسلوب عملها.

  • و يجب إضافة أصل آخر بهذه الكيفيّة: عملًا بمفاد {وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}‌،۱ يجب تشكيل وزارة بهذا الاسم تكون تحت إشراف رئيس وزراء الجمهوريّة الإسلاميّة، و أن يكون لها صلاحيّة التدخّل و الإشراف في كافّة الشؤون الحكوميّة و الوطنيّة، و لأجل إظهار الطريق القويم فلابدّ لها من دوائر خاصّة تعمل وفق ضوابط معيّنة.

  • كانت هذه مسائل راودتني على عجل، دفعتني وظيفتي الإلهيّة لأن اقدّمها بين يدي سماحة القائد رفيع القدر.

    1. الآية ۱۰٤، من السورة ٣: آل عمران.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

219
  • أتمنّى التأييدات الربّانيّة لذلك العالم الربّانيّ من قِبَل مقام الولاية الكلّيّة الإمام الحجّة ابن الحسن العسكريّ عجّل الله فرجه الشريف.

  • نسالُ اللهَ تعالى أن يُعلِي كلمةَ الإسلام و المسلمين، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

  •  

  • السيّد محمّد الحسين الحسيني الطهرانيّ‌.

  • ٢۸ رجب ۱٣٩٩ هجريّة قمريّة.

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

221
  • نمُوذَج كَيْفِيَّةَ إنْشَاءَ ثَمَان عَشْرة لجْنَة ذَاتْ أنْشطَة مُتَبَايَنة في الجَمْعِيَّة الإسْلَامِيَّة في مَسْجِدِالقَائِمِ في طَهْرَان بِدَايَة الثَورةَ الإسلَاميَّة وَ تَألِيف حُكُومَة الإسْلَام؛

  • ۱- بِطاقَةَ دَعْوَة، تَبْقى بِحُوزَة المَدْعُوِّين‌

  • ٢- اسْتِمَارَة تُمْلأ، وَ تُعاد الى الجَمعِيَّة

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

222
  • انجمن اسلامي مسجدقائم‌

  • تهران خيابان سعدي‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

223
  •  

  •  

  • بسمِ اللهِ الرّحمن الرّحيم‌

  • وَ كَانَ حقّاً عَلَيْنَا نَصْرُالْمومنِينَ‌ 

  • انجمن اسلامي مسجد قائم‌

  • تهران خيابان سعدي‌

  •  

  •  

  • الأهالي المحترمون في منطقة مسجد القائم شارع السعديّ الشماليّ طهران السلام عليكم ورحمة الله و بركاته‌

  • انطلاقاً من وجوب ظهور الثورة الإسلاميّة في إيران في جميع المؤسّسات الاجتماعيّة من أجل التطوير في مجال البناء، و أنّه لا يمكن أن يكون ذلك بدون مساهمة و مشاركة الناس في تسيير شؤونهم، و بدون المنظّمات و المؤسّسات المتشكّلة من أفراد كلّ محلّة؛ و انطلاقاً من حتميّة تحقّق هذه المؤسّسات في مسجد كلّ محلّة باعتباره القاعدة الإلهيّة الوحيدة للمعنويّات و محلّ اجتماع الناس على أساس الصدق و النيّة الطيّبة و صفاء الباطن، فقد قام مسجد القائم الواقع في شارع السعديّ- الضلع الشماليّ بتشكيل الجمعيّة الإسلاميّة و بدعوة جميع أهالي المحلّة للانضمام إليها، و سيتمّ البدء بالعمل فيها بعد انتخاب أعضاء هيئة التوجيه و الإرشاد و الهيئة التنفيذيّة بإشراف إمام جماعة المسجد.

  • واجبات إمام الجماعة: إقامة الصلاة، وبيان الأحكام، و الإشراف و التوجيه في اتّخاذ القرارات و تنفيذ البرامج من قِبَل هيئة التوجيه‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

224
  • و الإشراف و الهيئة التنفيذيّة المحلّيّة، على طريق تحقّق حكومة العدل الإلهيّ و تطبيق أحكام الإسلام بين كافّة الطبقات و الشرائح.

  • واجبات هيئة التوجيه والإشراف: المشاركة المستمرّة في البرامج المتعلّقة بالمحلّة و المسجد، و تهيئة الأجوبة والتوجيهات اللازمة للمقترحات المقدّمة من قِبَل الهيئة التنفيذيّة، و تشجيع الناس على المشاركة في شؤون المحلّة الاجتماعيّة و الحثّ على بثّ النشاط و الحيويّة فيهم، والالتزام بإدارة اللجان المتشكّلة في المنظّمة.

  • واجبات الهيئة التنفيذيّة: تشكيل اللجان الاجتماعيّة و الثقافيّة و الرفاهيّة على ضوء ظروف المحلّة و إمكاناتها المتاحة، لتحسين أوضاع أهلها مادّيّاً ومعنويّاً.

  • ويمكن ملاحظة كيفيّة تشكيل اللجان بمراجعة الصفحة الملحقة بالاستمارة.

  • والجمعيّة الإسلاميّة الآن بصدد البحث عن مقرّ لها، و تناشد أهالي المحلّة، مسلمين كانوا أم من الأقلّيّات الدينيّة الأُخرى، طالبةً من الجميع المساهمة في مل‌ء الاستمارات و تشجيع أبنائهم للالتحاق بالجمعيّة و تسجيل أسمائهم في اللجان التي يرغبون العمل بها، و نكون شاكرين لكم فيما لو و افيتمونا بوجهات نظركم و اقتراحاتكم، خصوصاً و نحن على أعتاب حلول عطلة المدارس الصيفيّة، آملين أن نرفع فيها مستوى تعليم أبنائكم على كافّة الأصعدة.

  • و نأمل أن نكون قد خَطَونا في طريق رقيّ و تعالي مدرسة الإسلام، وفي طريق تحقيق طموحات القائد العالم والزعيم الفذّ سماحة آية الله العظمى نائب الإمام: الخمينيّ دامت بركاته، و في طريق رأب الصدع‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

225
  • المفتعل بيننا كمسلمين في هذا القرن من خلال إشاعة علاقات الودّ و الانسجام و من خلال تعاونكم معنا أيّها الناس المتطلّعون، و بلطف الله تعالى فالقلوب مؤتلفة، متّحدة متكاتفة، و الكلّ يخطو معاً في طريق رضوان الله تعالى على ضوء توجيهات إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

  • الجمعيّة الإسلاميّة في مسجد القائم طهران‌

  • حدود منطقة نشاطات الجمعيّة الإسلاميّة في مسجد القائم، من الشمال إلى شارع انقلاب (= الثورة)، و من الجنوب إلى شارع شاه آباد (= حي الملك)، و من الشرق إلى شارع سپاه (= الحرس) و بهارستان، و من الغرب إلى شارع الفردوسيّ- الضلع الشماليّ.

  • الجسرالخشبيّ شارع سپاه و بهارستان‌

  • بهارستان‌

  • شارع الانقلاب ساحة الفردوسي‌

  • شارع السعدي الشمالي شارع الفردوسى مسجدالقائم ساحة بهارستان شارع شاه آباد تقاطع اسلامبول‌

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

226
  • ...

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

227
  • ...

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

228
  • ...

وظيفة الفرد المسلم‌ في‌ إحياء حكومة‌ الإسلام

229
  • ...