هل وحدة الوجود تستلزم القول بالحلول والاتحاد؟

بيان الشبهة و جوابها

272
مشاهدة المتن

المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي

القسم الاخلاق والحکمة والعرفان


التوضيح

من التصوّرات الخاطئة التي يحملها المخالفون لنظرية وحدة الوجود أنّ القول بها يستلزم القول بالاتحاد والحلول. ولكنّ الحقّ أنّ هذه شبهة ناتجة من سوء الفهم لهذه النظرية الراقية، وهذه المقالة تستفيد من كلمات العلاّمة الطهراني رضوان الله عليه في جواب هذه الشبهة.

/۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

هل وحدة الوجود تستلزم القول بالحلول والاتحاد؟ - بيان الشبهة و جوابها

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • هل وحدة الوجود تستلزم القول بالحلول والاتحاد؟

  • بيان الشبهة و جوابها

  •  

  • إعداد: الفريق العلمي في موقع مدرسة الوحي

  •  

  • بحث منتخب من كتاب:

  • «معرفة الإمام ج۱٢، ومحاضرات تفسير آية النور»

  • لسماحة العلاّمة السيّد محمد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  •  

  •  

هل وحدة الوجود تستلزم القول بالحلول والاتحاد؟ - بيان الشبهة و جوابها

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • و الحمد لله ربّ العالمين و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم‌

  • و صلّى الله على محمد و آله الطاهرين‌

  • و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين‌

  •  

  •  

  • مقدمة اللجنة العلمية

  • [إنّ وحدة الوجود تمثل أعلى وأدقّ معاني التوحيد؛ إذ تعني التوحيد في الذات، وتنفي الاستقلال في الوجود عن أيٍّ من المخلوقات، وتحصره حصراً مطلقاً في الذات الأحديّة للحقّ تعالى وتقدّس، و قد تقدم بيان المراد بوحدة الوجود في مقالة خاصة لمن أحبّ أن يراجع.

  • ولكن هذه النظرية الراقية ابتليت بسوء الفهم من قبل بعض المخالفين لها فرموها بالعديد من التهم و الشبهات الباطلة، ومن هذه الشبهات أن القول بوحدة الوجود يستلزم القول باتحاد الله مع مخلوقاته أو حلوله فيها و العياذ بالله.

  • والحقّ أنّ القول بوحدة الوجود بريء من هذه التهمة تماماً كما سيتضح من هذه المقالة التي تستند إلى بيانات العلامة الطهراني رضوان الله عليه.

  • ولكن قبل نقل كلامه القيم من الجيد أن نبيّن أولا المراد من كلٍّ من الحلول و الاتحاد ليتضح الفرق بين القول بوحدة الوجود وبين هذين المعنيين الباطلين.

  • معنى الحلول و الاتحاد

  • الحلول: هو صيرورة شيءٍ ظرفاً و محلاّ لشيء آخر، و بعبارة أخرى الحلول يعني كون أحد الشيئين ظرفاً و محلاّ للآخر كحلول الماء في الإبريق. و من هنا يظهر أن من يعتقد بالحلول بالنسبة للذات الإلهية و العياذ بالله يعتقد بأنّ الله تعالى موجود و الذات الأخرى موجودة ثمّ إن الله يحلّ في الذات الأخرى و العياذ بالله.

  • و أما الاتحاد: فمعناه صيرورة وجودين اثنين وجوداً واحداً. و بعبارة أخرى هو امتزاج الشيئين و اختلاطهما بحيث يصيران شيئاً واحداً كاتحاد السكر بالماء عندما يذوب فيه. أو كاتحاد الأكسجين و الهيدروجين ليتكون الماء. 

  • و بهذا يتضح الفرق بين الحلول و الاتحاد، فالحلول هو أن يكون أحد الشيئين ظرفاً للآخر ومحلاً له، بينما الاتحاد صيرورة الشيئين شيئاً واحداً.]

  • جواب العلاّمة الطهراني عن شبهة الحلول و الاتحاد

هل وحدة الوجود تستلزم القول بالحلول والاتحاد؟ - بيان الشبهة و جوابها

3
  • يقول العلّامة الطهراني رضوان الله عليه في محاضرات تفسير آية النور بعد بيانه للتوحيد الحقّ:

  • وهناك مدرسةٌ أخرى تقول بالحلول، وهذه المدرسة تقول: إنّ ذات الله تحلّ في الموجودات، فهي تأتي وتدخل في الموجودات، فإذا ماتت هذه الموجودات، يعود الله ليحلّ في موجوداتٍ أخرى.

  • إنّ هذا الكلام باطلٌ أيضاً؛ لأنّ الذاتَ المقدّسةَ لله ليست محدودةً كي تحلّ في ظرفٍ معيّن، أو في نفسٍ ما، أو في مكانٍ ما، بل الموجودات مظاهرُ لله، وليست "غيراً" لله حتى تحلّ الذاتُ الإلهيّة فيها وتكون مظروفاً يقع في ظرفه. 

  • إنّ مذهب الحلول باطلٌ عند جميع العلماء وأرباب الدراية، وجميعُ الفلاسفة والعلماء قد أبطلوا هذه المدرسة، حيث يرون بطلان الحلول من المسلَّمات، ويعدّونه من ضمن الآراء الفاسدة.

  • ولكنّ النصارى قائلون بهذا المعنى، فإنّهم يزعمون بأنّ ذات الله حلّت في ثلاثة أقانيم، وهي عبارة عن روح القدس، وجبرائيل، والذات... فالله حلّ في هذا، وفي ذاك، وفي ذلك، وهو مذهبٌ باطل.

  • وهناك مدرسةُ الاتّحاد، حيث يقولون: إنَّ الله لم يَحلّ، وإنّما هو متّحدٌ مع بعض الموجودات، أيّ أنّ عندنا شيئين أصبحا شيئاً واحداً؛ فمثلاً الإنسان مع الله يصيران شيئاً واحداً، وجبرائيل مع الله شيئاً واحداً، والأنبياء في بعض حالاتهم قد اتّحدوا مع الله وأصبحا شيئاً واحداً.

  • وهذا الكلام خاطئٌ أيضاً، لأنّ الاتّحاد لازمه إثباتُ الاثنينيّة، لأنّه يفترض أنّ شيئين يصيران شيئاً واحداً، والحال أنّه في عالم الوجود لا يوجد شيئان؛ فذاتُ الله وصفاتُه شيءٌ واحد، وجميعُ الموجوداتِ المخلوقة هي من ظهورات وآثار الصفات والأسماء، وليس هناك اثنينيّة بحيث تتّحد مع الله؛ فإذاً مذهبُ الاتّحاد باطلٌ كمذهب الحلول۱.

  • الفرق بين التوحيد الحقيقي وبين الاتحاد و الحلول

  • [وقد تعرّض العلامة الطهراني لهذه المسألة في كتاب معرفة الإمام ج۱٢ أيضا، و ذلك في إطار بحثه عن حقيقة التوحيد التي جاء بها القرآن ورسول الله صلى الله عليه و آله، وبيّنها أمير المؤمنين و أولاده الطاهرون من بعده عليهم السلام، حيث نقل اثني عشرة رواية في هذا المجال. ونحن ننقل منها حديثان فقط لارتباطهما بالبحث، ثمّ ننقل كلامه رضوان الله عليه:]

    1.  محاضرات تفسير آية النور – المحاضرة الثالثة.

هل وحدة الوجود تستلزم القول بالحلول والاتحاد؟ - بيان الشبهة و جوابها

4
  • الحديث العاشر: كلامه عليه السلام في خطبة أخرى أحدثت انقلاباً حقّاً بعباراتها الموجزة في عرض التوحيد الخالص، و عدم تعدّد ذات الحقّ تعالى. و ذكر الشيخ الطبرسيّ هذه الخطبة في «الاحتجاج» فقال: قال عليه السلام:

  • «دَلِيلُهُ آيَاتُهُ، وَ وُجُودُهُ إثْبَاتُهُ، وَ مَعْرَفِتُهُ تَوْحِيدُهُ، وَ تَوْحِيدُهُ تَمِييزُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَ حُكْمُ التَّمِييزِ بَيْنُونَةُ صِفَةٍ لَا بَيْنُونَةُ عُزْلَةٍ. إنَّهُ رَبٌّ خَالِقٌ غَيْرُ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقٍ، كُلُّ مَا تُصُوِّرَ فَهُوَ بِخَلَافِهِ».

  • ثمّ قال عليه السلام: «لَيْسَ بِإلَهٍ مَنْ عُرِفَ بِنَفْسِهِ. هُوَ الدَّالُّ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ، وَ المُؤدِّيّ بِالمَعْرِفَةِ إلَيْهِ».۱

  • الحديث الثاني عشر: رواية رواها الشيخ الصدوق في «معاني الأخبار» بسنده المتّصل عن عمر بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

  • «التَّوْحيدُ ظَاهِرُهُ في بَاطِنِه، وَ بَاطِنُهُ في ظَاهِرِهِ. ظَاهِرُهُ مَوْصُوفٌ لَا يُرَى، وَ بَاطِنُهُ مَوْجُودٌ لَا يَخْفَى، يُطْلَبُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَ لَمْ يَخْلُ مِنْهُ مَكَانٌ طَرْفَةَ عَيْنٍ. حَاضِرٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَ غَائِبٌ غَيْرُ مَفْقُودٍ»٢

  • هذه الأحاديث الإثنا عشر تمثّل نموذجاً من الأحاديث المأثورة عن أئمّة الشيعة في توحيد الذات الإلهيّة المقدّسة. وإنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو فاتح هذا الباب، و حلّال هذه المسألة للُامّة، إذ بيّن للناس‌ بمنطقهِ البليغِ التوحيدَ الذي منحه الحقُّ سبحانه و تعالى خاتمَ أنبيائه صلى الله عليه وآله.

  • بيان إجمالي للتوحيد الحقّ الحقيقي ودفع شبهة الحلول و الاتحاد

  • و بيان هذه الحقيقة إجمالاً و باختصار هو أنّ الذات الإلهيّة المقدّسة تامّة، بل فوق التمام، و ما لا يتناهى بما لا يتناهى، أي: هي غير متناهية أزلًا و أبداً و سرمداً و وجوداً و سعة و عموماً و إطلاقاً و اسماً و صفة و فعلًا. و لا تخضع لحدّ و قيد و قياس بأيّ وجه من الوجوه. و ما يلزم هذا النحو من الوجود هو الوجوب و الوحدة. 

  • إنّ الوحدة أعظم صفة من صفات الله عزّ شأنه، و هي ليست من سنخ الوحدات العدديّة أو النوعيّة أو الجنسيّة و ما شابهها ممّا تتّصف به الممكنات، بل هي الوحدة الحقّة الحقيقيّة المعبَّر عنها بالوحدة بالصِّرافة، أي: الوحدة التي يستحيل مع وجودها فرض إمكان تعدّدها، و كلّ ما يُفْرَضُ في قبالها، يعود إليها نفسها، و إنّ ما يستلزمه هذا النحو من الوحدة هو تشخّص الوجود و الأصالة و الثبوت، التي هي عين الوجود و التحقّق.

    1.  «الاحتجاج» ج ۱، ص ٢٩٩.
    2.  «معاني الأخبار» ص ۱۰، باب التوحيد و العدل، الحديث رقم ۱، طبعة مكتبة الصدوق.

هل وحدة الوجود تستلزم القول بالحلول والاتحاد؟ - بيان الشبهة و جوابها

5
  • فلهذا، إنّ وجوده المقدّس على درجة من السعة و الإطلاق و عدم التناهي إلى الحدود، بحيث إنّه حاضر في كلّ مكان، و ناظرٌ في كلّ زمان، و هو مع الموجودات كلّها، «وَ بَأسْمَائِكَ التي مَلأتْ أرْكَانَ كُلِّ شَي‌ءٍ ... وَ بِنُورِ وَجْهِكَ الذي أضَاءَ لَهُ كُلُّ شَي‌ءٍ».۱

  • فلا يمكن فرض شيءٍ في مكان و زمان لا يكون حاقّ وجوده و لبّ ثبوته ثابتاً عنده، و إلّا لصار تعالى منعزلاً منه، ولصار وجوده محدوداً بذلك الشيء. إنّ ذات الله بوحدتها و بساطتها موجودة مع كلّ شيء: ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ﴾٢، و كلّ شيءٍ قائم به، و حاضر عنده.

  • و الله تعالى لا يغيب عن شيء، و لا يغيب عنه شيء، و لا يفقد منه شيء، و لا يخلو منه مكان و لو بقدر غمضة عين. هو في كلّ مكان، و هو محيط بكلّ شي‌ء. ﴿وَ هُوَ عَلى‌ كُلِّ شَيْ‌ءٍ شَهِيدٌ﴾٣، ﴿أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‌ءٍ مُحِيطٌ﴾٤.

  • و على أساس سعة ذاته هذه، و بساطته و عموميّته و إطلاقه الوجوديّ هذا، لا يمكن أن نتصوّر مكاناً و زماناً ليس فيهما اللهُ الأحد بوجوده و وحدته و نوره و حياته و علمه و قدرته؛ إذ لا سبيل إلى تجزئة وجوده الأقدس و تكثيره، و لا تغاير و لا تمايز بين ظاهره و باطنه، فظاهره في باطنه، و باطنه في ظاهره. و إنّ اختلاف الظاهر و الباطن يعود إلى الحدّ الذي يفصل بينهما، فإذا رفعنا هذا الحدّ (الذي هو في الله اعتباريّ لا حقيقيّ) يعودان شيئاً واحداً.

  • ومن هذا المنطلق فإنه تعالى موجود بوجوده في جميع الأشياء، بَيدَ أنّ عنوان الولوج و الدخول لا يعني الحلول و الاتّحاد؛ إذ لا معنى للاثنينيّة هنا، بل ههنا لا يوجد إلّا التوحيد فحسب، بمعنى السعة الوجوديّة للتوحيد و تحقّقه، فالله ليس داخلاً في الأشياء بسبب محدوديّة إنّيَّتها و ماهيّتها؛ وهذا هو المقصود من دُرر كلم أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: إنّ بينونته من الأشياء هي بينونة الصفة، لا بينونة العزلة ٥و٦

    1. من فقرات دعاء كميل.
    2. قسم من الآية ٤، من السورة ٥۷: الحديد.
    3. الآية ٤۷، من السورة ٣٤: سبأ.
    4. القسم الأخير من الآية ٥٤، من السورة ٤۱: فصّلت.
    5. مقتطفات من كتاب معرفة الإمام ج۱٢ – ص ٢۷٤ – ٢۷٩.
    6. [ملاحظة: تمّ انتخاب هذا البحث من كتاب معرفة الإمام ج۱٢، ومن المحاضرة الثالثة من محاضرات تفسير آية النور، لسماحة العلامة آية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهراني قدّس الله نفسه الزكيّة، وقد تمّت مقابلة النصوص وتدقيقها مع النسخة الفارسيّة من قبل الهيئة العلميّة في لجنة الترجمة والتحقيق]