المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم العقائد
التوضيح
إنّ لفظة الولاية و مشتقاتها قد تكررت كثيرا في القرآن الكريم و الروايات الشريفة، فهي من المفردات المهمة جدًّا خصوصًا أنّها وردت في حديث الغدير، وغيره من النصوص المهمّة. ومن جهة أخرى تعتبر هذه الكلمة واحدة من أهم المفردات المستعملة في مجال العرفان حيث يعبّر عن العارف بأنّه وليّ الله؛ فما المراد بهذه المفردة؟
اختلف العلماء في معناها، وبعضهم أرجع معانيها إلى ما يقرب من العشرين، فهل للولاية هذا العدد من المعاني واقعاً؟ يجيب العلامة الطهراني بالنفي و يبيّن في هذا التحقيق العلميّ اللغويّ المهمّ ما هو المعنى الواحد و الأصليّ الذي ترجع إليه جميع المعاني.
هو العليم
الولاية – تحقيق في المعنى اللغوي
إعداد: الفريق العلمي في موقع مدرسة الوحي
بحث منتخب من كتاب «معرفة الإمام»
لسماحة العلاّمة السيّد محمد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
و صلّى الله على محمّد و آله الطَّاهرين
و لعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين
و لا حول و لا قوّة إلّا بالله العلى العظيم
جاءت كلمة الولاية- مصدراً كانت أو اسم مصدر- في القرآن المجيد و غيره بمشتقّات كثيرة نحو: الوليّ، و تَوَلّى، و وَالى، و أوْلِياء، وَ مَوالى، وَ مُوَلِّى، و توليّ، و تَوْلِيَةْ، و غيرها من المشتقّات.
و الآن ينبغي لنا أن نرى ما هو المعنى اللغويّ للولاية...
معنى الولاية في كتب اللغة و المعاجم
أما معنى الكلمة لغويّاً، فهو كما يلي:
يقول في «المصباح المنير»: الْوَلْيُ مِثْلُ فَلْسِ: الْقُرْبُ. و في الفعل لغتان [أكثرهما] وَلِيَهُ يَلِيهِ بكسرتين [من باب حَسِبَ- يَحْسِبُ]؛ و الثانية من باب وَعَدَ [يَعِدُ]، و هي قليلة الاستعمال ... و وَلِيتُ على الصَّبِيّ وَالْمَرْأةِ فالفاعل والٍ و الجمعُ وُلَاةٌ. و الصبيّ و المرأة مَوْليّ عَلَيْهِ ... و الولَايَةُ بالفتح و الكسر النُّصْرَةُ. واسْتَوْلَى عَلَيْهِ غلب عليه و تمكّن منه.
و جاء في «صِحاح اللغة»: الْوَلْيُ- القرب و الدنوّ. يقال: تباعَدَ بَعْدَ وَلْيٍ؛ و كُلْ مِمّا يَليكَ، أي: مِمّا يُقَاربُكَ؛ إلى أن يقول: و الوَلِيّ ضدّ العدو، يقال منه تولّوه. و المَوْلَى المعتِق، و المعتَق، و ابن العمّ، والناصر، و الجار.
و الوَليّ الصهر؛ و كُلُّ مَنْ وَلِيَ أمْرَ واحِدٍ فَهُوَ وَلِيُّهُ. إلى أن يقول:
و الوِلَاية بالكسر السلطان؛ و الولَاية بالكسر و الفتح: النصرة؛ و قال سيبويه: الوَلَاية بالفتح المصدر؛ و بالكسر الاسم مثل: الإمارة و النِقابَة؛ لأنه اسم لما تولّيَته و قمتَ به؛ فإذا أرادوا المصدر فتحوا.
و جاء في «أقرب الموارد»: وَلَاهُ وَ وَلِيَهُ يَلِيهِ، من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ وَ حَسِبَ يَحْسِبُ، و الأوّل قليل الاستعمال؛ [و المصدر] وَلِي، أي دنا منه و قرب يقال: جَلَسْتُ مِمَّا يَلِيهِ؛ أي يقاربه؛ و يقال: الْوَلِيُ حُصُولُ الثَّانِي بَعْدَ الأوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.
وَلِيَ الشَّيءَ وَ عَلَيْهِ وِلَايَةً وَ وَلَايَةً: ملك أمره، و قام به. أو الوِلَايَة بالفتح و الكسر الخِطَّة و الإمارة والسلطان؛ و وَلِى فلَاناً و عَلَيْهِ: نصره، و وَلِى فُلَاناً وَلَايةً: أحبّه؛ و وَلِى الْبَلَدَ: تسلّط عليه.
و الوالي اسم فاعل، و منه: والي البَلَد للمتسلّط عليها و حاكمها، لأنه يلي القوم بالتدبير و الأمر والنهي؛ و الجمع وُلَاة. و الوَلَاءُ كسماء: الملك، و المحبّة، و النصرة، و القرب، و القرابة.
و الوَلاءَةُ بالفتح: القرابة، و الوَلَايةُ بالفتح: مصدر؛ و هي أيضاً بمعنى البلاد التي يتسلّط عليها الوالى، و الجمع: وَلَايَاتٌ.
و الوِلَايَةُ بالكسر: الخِطّة، و الإمارة و السلطان؛ و البلاد التي يتسلّط عليها الوالي، و هذه مولَّدة.
و الوَلِيّ كغنيّ: المطر يسقط بعد المطر، أو المطر بعد الوسميّ، و الجمع: أوْلِيَةٌ، و النسبة إليه: وَلَويّ. و في «المصباح»: «الوَلِيّ فعيل بمعني فاعل من ولِيَهُ إذا قام به؛ و منه: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، والجمع: أوْلِياء؛ قال ابن فارس: كُلُّ مَنْ وَلِى أمْرَ أحَدٍ فَهُوَ وَلِيُّهُ؛ و قد يطلق الوليّ على (المُعْتِق)، و(المُعْتَق)، و ابن العمّ، و الناصر، و حافظ النسب، و الصديق، ذكراً كان أو انثى. و قد يؤنّث بالهاء فيقال: هي وَلِيَّةٌ؛ قال أبو زيد: سمعتُ بعض بني عقيل يقول: هُنَّ وَلِيّاتُ اللهِ وَ عَدُوّاتُ اللهِ وَ أوْلِيَاؤُهُ وَ أعْداؤُهُ.
و يكون الوليّ بمعنى مَفعول في حقّ المطيع فيقال: «الْمُؤمِنُ وَلِيّ اللهِ».
و جاء في «مجمع البحرين»: ﴿أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ﴾۱ يَعْني: أحَقَّهُمْ بِهِ وَ أقْرَبَهُمْ مِنْهُ، مِنَ الْوَلِي؛ وَ هُوَ الْقُرْبُ.
و قوله تعالى: ﴿هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ﴾٢ هي بالفتح: الربوبيّة. يعني: يومئذٍ يتولّون الله و يؤمنون به ويتبرّأون ممّا كانوا يعبدون.
و الوَلَاية بالفتح أيضاً: النصرة؛ و بالكسر: الإمارة، مصدر وَلِيتُ؛ و يقال: هما لغتان بمعنى الدولة. و في «النهاية»: هي بالفتح: المحبّة، و بالكسر: التولية و السلطان. و مثله الوِلاء بالكسر- عن ابن السكّيت.
و الوَلِيّ و الوالي: و كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه.
و الوَلِيّ: هو الذي له النصرة و المعونة.
و الوَلِيّ: الذي يدبّر الأمر. يقال: فُلَانٌ وَلِيّ الْمَرأةِ إذا كان يريد نكاحها.
و وَلِيّ الدم: من كان إليه المطالبة بالقوَد.
و السلطان وليّ أمر الرعيّة، و منه قول الكُمَيْت الشاعر في حقّ أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام:
وَ نِعْمَ وَلِيّ الأمْرِ بَعْدَ وَلِيِّهِ | *** | وَ مُنْتَجَعُ التَّقْوَى وَ نِعْمَ الْمُقَرَّبُ |
و قوله تعالى: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ﴾۱. نزلت في حقّ عليّ (بن أبي طالب) عليه السلام. عند المخالف و المؤالف حين سأله سائل و هو راكع في صلاته فأومأ إليه بخنصره اليمنى، فأخذ السائل الخاتم من خنصره؛ و رواه الثعلبيّ في تفسيره.
قال الشيخ أبو عليّ: و الحديث طويل، و فيه أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم قال: «اللَهُمَّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَ يَسِّرْ لِي أمْرِي، وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أهْلِي، عَلِيّاً أخِي، اشْدُدْ بِهِ ظَهْرِي».
قال أبو ذر: فوالله ما استتمّ الكلام حتى نزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد! إقرأ:
﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ﴾.
قال [أبو على]: المعنى: الذي يتولّى تدبيركم ويلي أموركم، الله و رسوله و الذين آمنوا، الذين هذه صفاتهم، الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون.
قال الشيخ أبو علي: قال جار الله٢: إنّما جيء به على لفظ الجمع- و إن كان السبب فيه رجلًا واحداً- ليرغّب الناس في مثل فعله، و لينبّه أنّ سجيّة المؤمن يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان. ثمّ قال الشيخ أبو عليّ: و أقول: قد اشتهر في اللغة العبارة عن الواحد بلفظ الجمع للتعظيم، فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه (من قِبل جار الله). فهذه الآية من أوضح الدلائل على صحّة إمامة على (بن أبي طالب) عليه السلام بعد النبيّ (الأكرم) صلّى الله عليه و آله و سلّم بلا فصل.
و نقل أنه اجتمع جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم في مسجد المدينة، فقال بعضهم لبعض: إن كفرنا بهذه الآية، كفرنا بسائرها! و إن آمنّا، صارت فيما يقول، و لَكِنَّا نَتَوَلّى وَ لَا نُطِيعُ عَلِيّاً فيما أمَرَ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها﴾.
و قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾۱ روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنها نزلت في الإمرة. يعني في الإمارة أي: هو صلّى الله عليه و آله و سلّم أحقّ بهم من أنفسهم حتى لو احتاج إلى مملوك لأحد هو محتاج إليه، جاز أخذه منه.
و منه الحديث: «النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ أولى بكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ وَ كَذَا عليّ مِنْ بَعْدِهِ».
و قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ﴾٢. الوليّ ما يقوم مقامه في أمور تختصّ به لعجزه، كوليّ الطفل و المجنون.
[و بناءً على هذا] فيلزم أن يكون محتاجاً إلى الوليّ، و هو محال لكونه غنيّاً مطلقاً.
و أيضاً إن كان الوليّ محتاجاً إليه تعالى لزم الدور المحال، و إلّا كان مشاركاً له [و كلاهما محال].
و قوله تعالى ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ ٣ أي: أنت تتولّى أمري في الأولى و العُقبى، و أنت القائم به.
و قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾٤.
قال الصادق عليه السلام: «يَعْنِي مِنْ ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ إلى نُورِ التَّوْبَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ لِولَايَتِهمْ كُلَّ إمامٍ عادِلٍ مِنَ اللهِ».
﴿وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ﴾٥.
قال: «إنّما عنى بهذا أنّهم كانوا على نور الإسلام، فلمّا تولّوا كلّ إمام جائر ليس من الله، خرجوا بولايتهم إيّاه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب لهم النار مع الكفّار».
و جاء في «النهاية» لابن الأثير قوله: «في أسماء الله تعالى الولِيّ، و هو الناصر. و قيل: المتولّي لأمور العالم و الخلائق القائم بها.
و من أسمائه عزّ و جلّ الوالي، و هو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها. و الوِلَاية تشعر بالتدبير والقدرة و الفِعل. و ما لم يجتمع ذلك فيها، لم ينطلق عليها اسم الوالي [إلى أن يقول:]
و قد تكرّر ذكر المَوْلَى في الحديث: و هو اسم يقع على جماعة كثيرة، فهو الرَّبُّ، و المالِكُ، و السَيِّد، والمنْعِم، و المُعْتِق، و الناصِر، و المُحِبّ، و التابع، و الجار، و ابنُ العَمّ، و الحَلِيف، و العَقيد، و الصِهْر، والعَبد، و المُعْتَق، و المُنْعَمُ عَلَيْهِ، و أكثرها قد جاءت في الحديث، فيضاف كلّ واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه.
و كلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مَوْلَاهُ وَ وَلِيُّهُ. و قد تختلف مصادر هذه الأسماء. فالوَلَاية بالفتح في النَّسَب، و النُّصْرَةَ، و المُعْتِق. و الوِلَاية بالكسر في الإمارَةَ، و المُعْتَق. و المُوالاة من الفعل والى الْقَوْمَ. ومنه الحديث [عن رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم]: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ». و يحمل [المَوْلَى في هذا الحديث] على أكثر الأسماء المذكورة.
قال الشافعيّ: يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾.
و قول عمر لعليّ بن أبي طالب: أصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مَؤْمِنٍ، أي وَلِيّ كُلِّ مُؤْمِنٍ.
و قيل: سبب ذلك أنّ اسامَةَ قال لعليّ: لَسْتَ مولاي، إنَّما مولاي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَ آلِهِ وَسَلَّمَ! فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيّ مَوْلَاهُ».
و ذكر الزمخشريّ في «أساس البلاغة» هذا الكلام نفسه، أعني أنه تحدّث حول الوليْ، و الوَلَاءَ، والوَلِي، و المَوْلَى.
و جاء في «تاج العروس»: للوَلِيّ معان كثيرة منها: المُحِبّ؛ و هو ضدّ العدوّ؛ اسم من وَالاهُ إذا أحبّه. و منها: الصديق، و منها: النصير من وَالاهُ إذا نصره.
و (وَلِيَ الشَّيء) و وَلِيَ (عَلَيْهِ وِلَايَةً وَ وَلَايَةً) بالكسر و الفتح؛ أو هي، أي: بالفتح، المصدر؛ وبالكسر: الاسم، مثل: الإمارة، و النِقابَةَ؛ لأنّه اسم لما تولّيته و قمت به. فإذا أرادوا المصدر فتحوا، هذا نصّ سيبويه.
و قيل: الوِلَاية بالكسر: الخِطَّةُ، و الإمارَة. و نصّ «المُحْكَم» كالإمارة. قال ابن السكّيت: الوِلَاية بالكسر: السلطان.
و بعد أن يذكر معاني متنوّعة للمَوْلَى كما قلنا، يقول: المَوْلَى و كذلك الوليّ: الذي يَلَي عَلَيْكَ أمْرَكَ. وهما [المَوْلَى و الوَلِيّ] بمعنى واحد. و منه الحديث: «أيُّما امْرَأةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا». و رواه بعضهم: بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا.
و روى ابن سلام عن يونس أنه قال: انّ المَوْلَى في الدِّينِ هُوَ الْوَلِيّ؛ و ذلك قوله تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ﴾. أي: لَا وَلِيّ لَهُمْ. و منه الحديث: «مَن كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»؛ أي: مَنْ كُنْتُ وَلِيَّهُ.
إلى أن يقول: [و من معاني الوليّ التي جاءت في أسمائه تعالى]:
الناصر. و قيل: الْمُتَوَلِّي لُامُورِ الْعَالَمِ الْقَائِمُ بِهَا. و قيل: معنى الوَلِيّ هنا الوالى، وَ هُوَ مالِكُ الأشْيَاءِ جَميعها الْمُتَصَرِّفُ فِيها.
و قال ابن الأثير: و كأنّ الوَلَاية تشعر بالتدبير، و القدرة، و الفِعل، و ما لم يجتمع فيها ذلك، لم يطلق عليها اسم الوالى.
و يقال: وَلِيّ اليتِيم لمن يقوم بشؤونه و يتكفّله؛ و وَلِيّ المرأة لمن يجري نكاحها بإشرافه و لا يقبل أن تنكح بإذنها و بدون إرادته؛ و جمع الوَلِيّ: أوْلِيَآءِ.
الوَلِيّ أو فعيل بمعنى الفاعل؛ أي: من توالت و تتابعت طاعاته لله دون أن يفصل بينها معصية و إثم؛ أو بمعنى المفعول، أي: من انصبّت عليه نعم الله متوالية متتابعة بلا فصل.
و ذكر «لسان العرب» ما نقلناه بذاته هنا عن «النهاية» لابن الأثير، و عن «تاج العروس»، لذلك نتجنّب تكراره هنا.
و يقول الراغب الإصفهانيّ في «المفردات» الْوَلاءُ و التَّوالى أنْ يَحْصُلَ شَيْئانِ فَصَاعِداً حُصُولًا لَيْسَ بَيْنَهُما ما لَيْسَ مِنْهُمَا.
و يستعار ذلك للقرب من حيث المكان، و من حيث النِّسبة، و من حيث الدِّين، و من حيث الصَّداقة، و النُّصرة، و الاعتقاد.
و الوِلَاية (بالكسر): النُّصْرَة؛ و الوَلَاية (بالفتح): تولّي الأمر؛ و قيل: الوِلَاية، و الوَلَاية نحو الدِّلالة و الدَّلالة، و حقيقته تَولِّي الأمر.
و الوَلِيّ و المَوْلَى يستعملان في ذلك كلُّ واحد منهما يُقال في معنى الفاعل، أي: المُوالى، و في معنى المفعول، أي، المُوالى.
يقال للمؤمن: هُوَ وَلِيّ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ، و لم يَرِدْ مَوْلَاهُ؛ و قد يُقال: اللهُ تعالى وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَوْلَاهُمْ.
فمن الأوّل (يعني معنى الفاعل) قال الله تعالى: ۱- ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾. ٢- ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ﴾ ٣- ﴿وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾. ٤- ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾. ٥- ﴿نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ﴾. ٦-﴿ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى.﴾ ۷- ﴿قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ﴾. ۸- ﴿وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ﴾. ٩- ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ﴾.
و الوالي الذي في قوله: ﴿وَ مَا لَهُم مِن دُونِهِ مِن والٍ﴾ بمعنى الوليّ.
ثمّ ذكر الراغب كثيراً من الآيات القرآنيّة التي جاء فيها اسم الولي، و نفت الولاية عن غير الله، و نهت عن اتّخاذ اليهود و النصارى أوليآء، و اتّخاذ أعداء الله أوليآء. و نقل كثيراً من الآيات التي وردت فيها مشتقّات هذه المادّة مع معانيها المناسبة.۱
المعنى الاصليّ و الحقيقيّ للولاية
حقّاً فقد نقلنا هنا ما كان ضروريّاً من كتب اللغة حول معنى الولاية و مشتقّاتها لكي يطّلع الخبير البصير على خصوصيّات المعاني و مواضع استعمالها. و يستوعبها بالتدبّر و التأمّل، و يفهم أنّ هذه المعاني المتنوّعة للولاية، و الوَليّ، و المَوْلَى و غيرها جميعها- حيث قال في «تاج العروس» بأنّ للوليّ واحداً و عشرين معنى- تحوم حول معنى واحد هو أصل معنى الولاية و جذره، و نقلت المعاني الأخرى أيضاً مستعارة من ذلك المعنى؛ أو أنّ أصل معنى الولاية في هذه المواضع جميعها محفوظ؛ و غاية الأمر إنّهم لاحظوا- لسبب من الأسباب- المعنى الأصليّ بانضمام خصوصيّة أخذوها بنظر الاعتبار في الاستعمال.
و أصل ذلك المعنى هو الذي أتى به الراغب في «المفردات» حيث قال في مادّة وَلْي. الْوَلَاءُ و التَّوالى أنْ يَحْصُلَ شَيئانِ فَصَاعِداً حُصُولًا لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا. أي: لا حجاب، و لا مانع، و لا فصل، و لا افتراق، و لا غيريّة، و لا بينونة بينهما بحيث لو فرضنا وجود شيء بينهما فهو منهما؛ لا من غيرهما.
مثلًا، يسمّون مقام الوحدانيّة بين العبد و ربّه حيث لا حجاب في أيّ مرحلة من مراحل الطبع، والمثال، و النفس، و الروح، و السرّ: ولايةً.
و يسمّون مقام الوحدة بين الحبيب و المحبوب، و العاشق و المعشوق، و الذاكر و المذكور، والطالب و المطلوب حين ينعدم أيّ انفصال بينهما بأيّ وجه من الوجوه: ولاية.
و في ضوء ذلك، فإنّ الله تعالى وليّ الكائنات جميعها في عالم التكوين بشكل مطلق. و إنّ الكائنات جميعها أيضاً و بلا استثناء وليّة الله تكويناً؛ لأنه لا حجاب بين الله الربّ و بين المربوبين إلّا أن يكون ذلك الحجاب منهما؛ و أمّا في عالم التشريع و العرفان، فإنّ ولاية الحقّ تخصّ الذين اجتازوا مراحل الشرك الخفيّ تماماً، و اخترقوا الحجب النفسانيّة كلّها، و قرّ قرارهم في النقطة الأصليّة و حقيقة العبوديّة.
و بهذا الميزان يقال لكلّ واحد من طرفي النسبة و الإضافة: وليّ، أيّ: زالت البينونة و الغيريّة تماماً، و ظهرت هُوَ الْهوِيَّة.
هذه هي حقيقة الولاية؛ و من هنا نرى:
أوّلًا: أنّ جميع آثار و خصوصيّات الوليّ بمعنى الفاعل مشهودة في الوليّ بمعنى المفعول، و كالمرآة تعكس وجه صاحب الصورة كلّه دون أدنى حبّ للظهور.
و ثانياً: أنّ جميع المشتقّات المنبثقة عن الوليّ، و جميع المعاني المذكورة لهذه الكلمة ترتكز على هذا الأساس، و تقوم على هذا الميزان؛ و ذلك لأنّ شرط الولاية هو القُرب. و للقرب أشكال متنوّعة، حيث لوحظت حقيقة الولاية تلك في كلّ مظهر من مظاهر القرب، بكلّ ما للكلمة من معنى، مع ملاحظة هذه الخصوصيّة.
و على هذا لا يصحّ أن نقول بأنّ الوَلاية، و الوَلِيّ، و المَوْلَى و ما يتفرّع عنها من مشتقّات تستعمل في معانٍ متنوّعة هي على نحو الاشتراك اللفظي، لا، فالأمر ليس كذلك، بل هي على نحو الاشتراك المعنويّ و استعمال اللفظ في ذلك المعنى الواحد، حيث أخذ بنظر الاعتبار نوع من خصوصيّة القرب من ذلك المعنى العامّ بواسطة قرينة حالية أو لفظيّة. و هذا اللون من الاستعمال حقيقيّ في جميع موارد الاستعمال.
و في ضوء هذا الكلام، فإنّنا حيثما وجدنا مفردات الوَلاية، أو الوَليّ، أو المَوْلَى و غيرها، و ليست معها قرينة تدلّ على خصوص أحد مصاديقها، فلا مناص لنا أن نأخذ بعين الاعتبار المعنى العامّ دون أيّ قيد، فنعتبره المراد من تلك المفردات. فمثلًا لو قيل: الولاية لله، فلا بدّ أن نقول: أنّ المراد هو معيّة الله لجميع الكائنات. و لو قيل: بلغ فلان مقامَ الوَلاية، فلا بدّ أن نقول: إنّه بلغ مرحلة من مراحل السير و السلوك و العرفان و الشهود الإلهيّ زال معها كلّ حجاب من الحجب النفسانيّة بينه و بين الحقّ جلّ شأنه، و اضمحلّت شوائب الفرعونيّة و الربوبيّة كلّها في وجوده، و ظفر بمقام العبوديّة المطلقة المجرّدة للحقّ جلّ و عزّ.
و يتّضح في ضوء هذا الكلام الذي ذكرناه أنه حيثما استعملت الوَلاية، أو الوَلِيّ، فإنّ هناك لوناً من الاتّحاد و الوحدة قائم بين شيئين، و قد أتوا بهذه المفردة في ضوء ذلك الأصل. فهناك مثلًا نسبة بين المالِك و المَمْلُوك، و هذه النسبة قد ربطتهما و شدّت أحدهما بالآخر، لذا يقال لكلّ واحد منهما: وليّ. و كذلك النسبة بين السيّد و عبده، و النسبة بين المُنْعِمِ و المُنْعَمِ عليه. فإنّها جعلتهما تحت عنوان خاصّ، حيث يقال لكلّ واحد من هذين الاثنين: وليّ. و النسبة الموجودة بين المُعتِق و المُعتَق أتت بهذا العنوان تالياً لها. و هكذا النسبة القائمة بين الحليفين، و العقيدين، و بين الحَبيب و المُحِبّ.
و يسمّى الصِهْرُ وَلِيّاً لأنه يعتبر أحد أفراد الأسرة في كثير من شئونها بسبب القرابة الحاصلة من وراء مصاهرته؛ و يسمّى الجارُ وَلِيّاً لأنّ له أحكاماً و احترامات خاصّة بسبب القرب المكانيّ؛ و يسمّى ابْنُ العَمِّ وَلِيّاً لأنه أحد أفراد العاقلة، و تقع عليه دية الخطأ، و له في كثير من الحالات حكم الأخ، و المعين.
و حيثما كانت هناك قرينة خاصّة لإرادة أحد المعاني، فينبغي أن نحمل اللفظ عليه، و إلّا تبادر إلى الذهن معنى الولاية العامّة بلا قرينة؛ و كان ذلك المعنى هو مراد المتكلّم. و من المعلوم أنّ المالكيّة في التدبير، و ولاية الأمر، و القيام بمسائل المولّى عليه نتائج متمخّضة عن الولاية، و ليست أصل حقيقتها و معناها المطابق لها، و حيثما لوحظ أنهم فسّروا الولاية أحياناً بالحكومة، و الإمارة، و السلطان، و المراقبة و الحراسة، فإنّما كان تفسيراً بلوازم المعنى، لا تبياناً للمعنى الحقيقيّ۱.